ماذا يتبقى من هَبّة طـُلاّب فرنسا في 1968؟ / محمد بــرادة
صفحة 1 من اصل 1
ماذا يتبقى من هَبّة طـُلاّب فرنسا في 1968؟ / محمد بــرادة
مضت الآن 42 سنة على أحداث مايو 1968 التي قادها طلاب فرنسا وعلى رأسهم حركة22مارس، والتي تصادَى معها شبابُ وطلاب أوروبا والعالم، لأنها حملتْ نداء إلى التغيير لا يصدر عن حسابات سياسية بقدر ما هو رغـبة في تحرير الحواس والعقل والجسد من وصاية الشيوخ وسـدنة الكنائــس ، وحــُراس قيـم الماضي ...نجحت الحركة في فرض الإضراب الشامل،وتحسيس العمال بأوضاعهم المـُـزرية، وإحراج الجنرال دوكول وحكومته ، وتنبــيه المجتمع الفرنسي إلى ضرورة قبول مساواة المرأة بالرجل وإصلاح التعليم ...وأهمية مايو 68 تأتي قبل كل شيء ، من أنها حركة لا تنتمي إلى حزب سياسي أو تخضع لاتجاه فكري وحيد ؛ بل هي تكشف وتعبر عن قصـور الإيديولوجيات السائدة آنذاك ، وتجـسد بالملموس وعبر احتلال الشوارع ، سلوكات وأفكارا كانت الساحة الثقافية تحــبُـل بها ما بين الستينات والسبعينات ، متمثلة في البنيوية والماركسية والتحليل النفساني ومدرسة فرانكفورت ، وأعلام رموز أمثال سارتر وفوكو وإدغار موران وجان جونيه وهيربيرماركوز . مع مرور السنوات ، دخلت مايو68 إلى مجال التحليل والنقد ، وأصبحت عنصـر خـُصومة وجـدل بين الفرقاء السياسيين ومـُنـظـري الفكر والتاريخ. ولأن روح هــبـّـة 68 تمتح من فكر اليسار ، فإن محلـلـين مشايعيـن لليمين الفرنسي أصدروا كتبا ينتقدون فيها ما اعتـبـروه عيوبا ومخاطـر جسـدتـها أحداث مايو 68 ، في طليعتها أنها تتهدد مبدأ الديمقراطية البرلمانية وسلطة الدولة (من خلال شعار: مـمنوع أن تـمـنـع)، وأنها شـكـّـلتْ بوتـقة لتفـريخ النرجسية والتعلــُّـق بالفردانية . وفي دراسة كتبها كل من ليك فيري وَألان رونو المحسـوبيـْن على اليمين ، نطالع انتقادات تربط بين حركة 68 ومـُعاداتها للنزعة الإنسانوية وقيمها، على غرار ما كان قائما في اتجاهات فكرية ما بين 60-1970. وأكثر ما تجلى هجوم اليمين على مايو 68 ، في خطابات نيكولا ساركوزي أثناء حملة انتخابات الرئاسة لسنة 2007، حيث أعلن عـزْمــه على « تصفية إرث 68 لأنه وراء فرض النـسبيـة الفكرية والأخلاقية « ولأنه وراء جميع الأدواء المتفشية في فرنسا اليوم، مثل النزعة الفردية وتـعـثــّـر التعليم وثورة الضواحي ... أما اليسار، فقد تباينت مواقفه من مايو68 ، حيث أبدى الحزب الشيوعي القوي نسبيا آنذاك تحفـظه على اندفاعات الطلاب وتحريضهم العمالَ على الإضراب، لأنه كان حزبا مرتبطا بالاتحاد السوفياتي واستراتيجية الحرب الباردة ، ولم يكن على استعداد لدفع الانتفاضة نحو الاستيلاء على السلطة ...والجهة اليسارية التي تعاطفت مع تـمـرّد 68 تندرج أساسا ضمن الفلاسفة والمفكرين والسوسيولوجيين الذين اعتبروا الأحداث تعـبـيـرا تلقائيا من المجتمع المدني بقيادة الطلبة ، لتحقيق إيتـوبيا ملموسة يتحرر فيها الناس من التراتبـية ويحققون حريتهم الفردية المكبوتة . ومن أبرز هؤلاء موران، سارتر ، كلود لوفوري ،كاستورياس ،فوكو ، دولوز ... ومنذ تسعينات القرن الماضي ، أخذ مؤرخون ودارسون للفكـر السياسي يتـنـاولون مايو 68 باعتباره عنـصرا خالـقـا لدينامية جذريـة في التفكير السياسي، خاصة بعد فشل التجربة الشيوعية ، وذلك بالتصدي لنقد الليبرالية الجديدة وانحرافاتها من دون القول باللجوء إلى العنف لإزالتها ، وإنما من خلال إظهار عيوبها وفشلها في تشييد مجتمع الرخاء الموعود . ومن أبرز هؤلاء المفكرين أنطونيو نيكري الإيطالي ، وألان باديو الفرنسي . ماذا يقول بانديت أحد صانعي مايو 68 ؟ في العام 2008 ، أصدر دانييل كوهن بانديت زعيم حركة 22مارس وقائد مايو 68 ، كتابا في شكل حوار مع صحفيـيْـن فرنسيـين ، أسماه « أن نـنسـى 68 «(Forget 68)، وفيه ألـحّ على أن أحداث 1968 لا يمكن أن نسميها ثورة ، بل هي مجرد تــمــرُّد؛ لكنه تمـرد حامل لكثير من القيم والرموز ، ومعـبر عـن أفكار واتجاهات كانت في المخاض ، ومن بينها تغيـير الحياة اليومية ، وتحرير العلاقة بين الرجل والمرأة، وجعل التعليم أكثر استجابة للعصر، ومساندة الأفراد في اختيارهم لحياتهم بكل حرية وذلك من خلال بناء « نحن « جماعية حول « أنا» حرّة قويـة ... ويحكي بانديت عن لقائه بجان بول سارتر الذي أجرى معه حوارا لصحيفة « نوفيل أوبسرفاتور « عن مايو 68 ، وكيف أن سارتر لم يـتـقـبـّل أن يصف بانديت الأحداث بأنها تـمرّد ثوري وليست ثورة. وقد أمضى معظم الوقت مع الفيلسوف المتحمس لمظاهرات الطلاب وشعاراتهم ، ليوضح له أنْ ليـس الهدف هو الاستيلاء على السلطة وإسقاط دوكول ، وإنما طرح قيم تحرير الفرد والمجتمع من الوصاية والتـطــهـُّـرية والسلطويـة . ولا شك أن تحليل بانديت كان أدق من تحليل سارتر ، خاصة عندما نستحـضر مواقف الفيلسوف المتطرفة منذ 1970 وانضمامه إلى جماعات الماويين والتروتسكيين للتعجيل بقيام ثورة لم تكن شروطها مكتملة في فرنسا . على أن قائد هـبـّة 68 لا يتردد في ممارسة النقد الذاتي ، موضحا بأن الخطأ الأساس في هذه الحركة كان متصلا في علاقتها بالسلطة وفهم دواليبها وطرائق تـغـيـيـرها : كان لدى الطلاب هوس بنظام سياسي ما بعد ديمقراطي، يحرر المجتمع من الاستلاب الرأسمالي ويسمح له بأن ينظم شؤونه عـبر مجالس عمال وفلاحين وطلبة على أساس التسيير الذاتي ... لكن الخطأ يتمثل حسب رأيه ، في عدم فـهـْم أن الاستيلاء على الحكم من دون تكوين فضاء ديمقراطي وسيرورة انتخابية هو مرادف للكلـيـانية، على شاكلة ما رأيناه بعد الثورة الروسية وشبيهاتها في العالم . وفي هذا الصدد ، ينتقـد كوهن بانديتْ حركات اليسار المتطرفة في فرنسا اليوم ، لأنها تـُــرجع فشل مايو 68 إلى كونها لم تنجح في الاستيلاء على الحكم ، وتدعو ضمنيا إلى تكرار خطوات مايو 68 مع التخطيط للاستيلاء على الحكم !!! بدلا من ذلك ، يدعو بانديت الذي أصبح اليوم هو الرأس المفكر لحركة الدفاع عن البيئة في فرنسا وأوروبا ، إلى تصفية العلاقة مع مايو 68 ، وذلك بالتخلي عن الأوهام الثورويـة التي رافقتْ الحركة ، والالتفات إلى أهدافها العميقة التي هـيــأتْ التـُّربة لاستقبال ومناصرة معارك تحرير الفرد والمجتمع من الوصاية واللاعدل والاستغلال. | ||
19/5/2010
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» مارلين مونرو تكتب من وراء القبر - محمد بــرادة
» البوم وزان Album d'OUAZZANE
» أم كلثوم - أنت عمري - حفل مراكش المغرب 1968
» البعد الحضاري في فلسفة محمد إقبال محمد حلمي عبدالوهاب الحياة - 13/12/08/
» فرنسا
» البوم وزان Album d'OUAZZANE
» أم كلثوم - أنت عمري - حفل مراكش المغرب 1968
» البعد الحضاري في فلسفة محمد إقبال محمد حلمي عبدالوهاب الحياة - 13/12/08/
» فرنسا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى