مسيحيون أسلموا في بلاط السلاطين المغاربة
صفحة 1 من اصل 1
مسيحيون أسلموا في بلاط السلاطين المغاربة
ما الذي نعرفه عن المسيحيين الذين أسلموا في بلاطات السلاطين المغاربة منذ العهد الموحدي والسعدي؟!.. هل نعلم أن القائد الذي قاد بحنكة معركة وادي المخازن، مع السلطان عبد الملك السعدي، والذي أخفى وفاته عن جنده حتى يواصلوا انتصارهم، هو القائد والحاجب رضوان العلج، البرتغالي الأصل والمسيحي الذي أسلم بعد أسره، وأنه ساهم في الإنتصار على ملك البرتغال وقائدها في تلك المعركة الشهيرة، سلفستر؟!.. ما الذي نعرفه عن مسيحيي السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله؟!.. وعن الفرنسي عبد الرحمان دوسولطي؟!.. ما الذي نعرفه عن القائد العسكري إيكرمان؟!.. إنها بعض من المساحات النادرة في تاريخ بلادنا، التي سنحاول تتبعها في هذه السلسلة من المقالات، من خلال الإعتماد على كتابات الفقيه السلاوي الناصري، صاحب كتاب «الإستقصا في تاريخ المغرب الأقصى»، وكذا كتابات الباحث الأنثربولوجي الفرنسي دولامارتينيير، الذي نواصل ترجمة رحلته في مغرب القرن 19.
لحسن العسبي
الاتحاد الاشتراكي - المغرب
لحسن العسبي
الاتحاد الاشتراكي - المغرب
عدل سابقا من قبل izarine في السبت 11 سبتمبر 2010 - 12:58 عدل 1 مرات
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
قصة أحد قواد معركة وادي المخازن، رضوان العلج، البرتغالي الأصل!!
كان للسلاطين[بالمغرب]، ومنذ أزمنة غابرة، مسيحيين في ركابهم، أسلموا وهم في خدمتهم.لقد كان من الصعب تقبل رجل غير مسلم في فضاء ديني صارم، مثل فضاء البلاطالسلطاني، وكان مستحبا، بل مطلوبا جدا أن يعتنق أولئك المسيحيون الديانةالإسلامية، مما كان يبعث فرحا عارما في أوساط المغاربة.
كان أمراء المرابطين والموحدين والمرينيين، يتوفرن على عدد كبير منالمسلحين المسيحيين الذين أسلموا، والظاهر أن عددهم الأكبر كان في عهدالسعديين. كانت معركة القصر الكبير [يقصد معركة وادي المخازن، التي وقعتيوم 4 غشت 1578، وقد انتصر فيها المغاربة على حملة البابوية الكبرى علىالغرب الإسلامي، بقيادة ملك البرتغال سلفستر، بتكليف شخصي من البابابروما، في منطقة وادي المخازن قرب مدينة القصر الكبير. وعرفت أيضا بمعركةالملوك الثلاثة لأنها عرفت مقتل الملك البرتغالي ووفاة السلطان المغربيعبد الملك السعدي مرضا أثناء المعركة وتولى الملك والقيادة فيها شقيقهأبوالعباس أحمد. - م -]، كانت تلك المعركة قد سجلت انتصارا للمغاربة بفضلالقائد العسكري رضوان العلج، الذي كان حاجب السلطان عبد الملك، وهو مسيحيأسلم. ( في العادة، يطلق المغاربة على كل مسيحي أسلم لقب «العلج» ). لقدكان ذلك القائد، الذي كان من ضمن الحرس التركي، صاحب رأي حصيف دوما وشجاعةنادرة. لقد كان السلطان مريضا، وكان يقود المعركة من على سرير مرضه، ثمتوفي فجأة، والمعركة حامية، فكان من ذكاء القائد رضوان أن يحجب خبر الوفاةعن الجميع، من خلال إصداره الأوامر بإغلاق منافذ الخيمة السلطانية من أجلعدم إزعاج السلطان، واستمر في إعطاء الأوامر باسم سيده، موهما الكل أنهاأوامر القائد الأعلى للجيش.
خلال عهد السلطان أبوالعباس أحمد، المعروف بالمنصور الذهبي، والذي كان منأكبر السلاطين المغاربة انتصارات وثروة، والذي تولى الملك بعد وفاة شقيقهفي معركة وادي المخازن، كانت لرضوان هذا حظوة خاصة. لقد أصبح نوعا من نائبالسلطان، كما وصفته كل كتابات تلك المرحلة. كان يتزيى في كل مناسبة عموميةبقفطان بادخ موشى بالديباج من خيوط حرير وذهب، مثلما كان يلبس معه سلهاماأبيض ناصع، وفي أطرافه تتدلى خيوط مذهبة. مثلما كانت أسلحته مرصعةبالياقوت والذهب وسرج أحصنته المختارة بعناية، موشاة كلها بالحرير والذهب.هكذا وصفه مؤرخ وديبلوماسي إسباني سنة 1579. لكن، في ما بعد، بسبب منغروره واعتداده بقوته ونفوذه، سيصبح رضوان هذا صعب المراس بالنسبةللسلطان، مما دفعه لقتله في أحد قصوره بمراكش. لقد بقيت أصوله غير معروفةبدقة، حتى وإن كان مؤكدا، أنه تم أسره من على سفينة برتغالية. [ الحقيقة،أن أمر إسلام عدد من الأسرى والجنود الأروبيين بالمغرب، كان شائعا بكثرةخلال القرون العشرة السابقة على القرن العشرين. والأمر كان مفهوما حينها،كون الطرفين المغربي والأروبي، اعتادا حمل أسراهم على اعتناق ديانةالجغرافية التي يقع فيها الجندي أو المسافر أسيرا. إذ، على قدر ما كان قدأسلم الكثير من الأروبيين بالمغرب، فقد حمل الكثير من المغاربةوالأندلسيين على اعتناق المسيحية أيضا في أروبا. ولعل ما وقع للمغاربةالأندلسيين بعد سقوط الأندلس من إكراه على التنصر بعد سنة 1492، يقف دليلاكبيرا على ذلك. مثلما أن قصة الحسن الوزان، إبن مدينة فاس وغرناطة، الذيتم أسره في ضواحي تونس من قبل أسطول إيطالي، هو الذي كانت له مكانةديبلوماسية رفيعة في المغرب، والذي حمل على اعتناق المسيحية، وأصبح منزعماء البابوية بروما تحت إسم «ليون الإفريقي»، يقف دليلا هائلا ودالاوكبيرا على ذلك. ويعتبر كتاب سيرته الذاتية ومذكراته الغني الذي تركه أثراعنه، واحدا من أهم المراجع التاريخية عن ذلك اليوم. واعتمادا على تلكالمذكرات سيؤلف الروائي اللبناني الكبير أمين معلون روايته الناجحة «ليونالإفريقي»، الصادرة بباريس بالفرنسية منذ أكثر من عشرين سنة - م - ].
كان هناك أيضا، في نفس البلاط، برتغالي أسلم، وكان عبدا أبيض للسلطان، وقدكان يعامله معاملة خاصة. كان يطلق عليه لقب «الباشا جودر»، وكان مكلفابمهام دقيقة وهامة، هو الذي كان معروفا بطيبته وتواضعه الجم. بل إنه سيتمتكليفه بالسفارة المغربية الضخمة والشهيرة إلى السودان، التي عاد منهابأموال طائلة لسيده السلطان.
كان أمراء المرابطين والموحدين والمرينيين، يتوفرن على عدد كبير منالمسلحين المسيحيين الذين أسلموا، والظاهر أن عددهم الأكبر كان في عهدالسعديين. كانت معركة القصر الكبير [يقصد معركة وادي المخازن، التي وقعتيوم 4 غشت 1578، وقد انتصر فيها المغاربة على حملة البابوية الكبرى علىالغرب الإسلامي، بقيادة ملك البرتغال سلفستر، بتكليف شخصي من البابابروما، في منطقة وادي المخازن قرب مدينة القصر الكبير. وعرفت أيضا بمعركةالملوك الثلاثة لأنها عرفت مقتل الملك البرتغالي ووفاة السلطان المغربيعبد الملك السعدي مرضا أثناء المعركة وتولى الملك والقيادة فيها شقيقهأبوالعباس أحمد. - م -]، كانت تلك المعركة قد سجلت انتصارا للمغاربة بفضلالقائد العسكري رضوان العلج، الذي كان حاجب السلطان عبد الملك، وهو مسيحيأسلم. ( في العادة، يطلق المغاربة على كل مسيحي أسلم لقب «العلج» ). لقدكان ذلك القائد، الذي كان من ضمن الحرس التركي، صاحب رأي حصيف دوما وشجاعةنادرة. لقد كان السلطان مريضا، وكان يقود المعركة من على سرير مرضه، ثمتوفي فجأة، والمعركة حامية، فكان من ذكاء القائد رضوان أن يحجب خبر الوفاةعن الجميع، من خلال إصداره الأوامر بإغلاق منافذ الخيمة السلطانية من أجلعدم إزعاج السلطان، واستمر في إعطاء الأوامر باسم سيده، موهما الكل أنهاأوامر القائد الأعلى للجيش.
خلال عهد السلطان أبوالعباس أحمد، المعروف بالمنصور الذهبي، والذي كان منأكبر السلاطين المغاربة انتصارات وثروة، والذي تولى الملك بعد وفاة شقيقهفي معركة وادي المخازن، كانت لرضوان هذا حظوة خاصة. لقد أصبح نوعا من نائبالسلطان، كما وصفته كل كتابات تلك المرحلة. كان يتزيى في كل مناسبة عموميةبقفطان بادخ موشى بالديباج من خيوط حرير وذهب، مثلما كان يلبس معه سلهاماأبيض ناصع، وفي أطرافه تتدلى خيوط مذهبة. مثلما كانت أسلحته مرصعةبالياقوت والذهب وسرج أحصنته المختارة بعناية، موشاة كلها بالحرير والذهب.هكذا وصفه مؤرخ وديبلوماسي إسباني سنة 1579. لكن، في ما بعد، بسبب منغروره واعتداده بقوته ونفوذه، سيصبح رضوان هذا صعب المراس بالنسبةللسلطان، مما دفعه لقتله في أحد قصوره بمراكش. لقد بقيت أصوله غير معروفةبدقة، حتى وإن كان مؤكدا، أنه تم أسره من على سفينة برتغالية. [ الحقيقة،أن أمر إسلام عدد من الأسرى والجنود الأروبيين بالمغرب، كان شائعا بكثرةخلال القرون العشرة السابقة على القرن العشرين. والأمر كان مفهوما حينها،كون الطرفين المغربي والأروبي، اعتادا حمل أسراهم على اعتناق ديانةالجغرافية التي يقع فيها الجندي أو المسافر أسيرا. إذ، على قدر ما كان قدأسلم الكثير من الأروبيين بالمغرب، فقد حمل الكثير من المغاربةوالأندلسيين على اعتناق المسيحية أيضا في أروبا. ولعل ما وقع للمغاربةالأندلسيين بعد سقوط الأندلس من إكراه على التنصر بعد سنة 1492، يقف دليلاكبيرا على ذلك. مثلما أن قصة الحسن الوزان، إبن مدينة فاس وغرناطة، الذيتم أسره في ضواحي تونس من قبل أسطول إيطالي، هو الذي كانت له مكانةديبلوماسية رفيعة في المغرب، والذي حمل على اعتناق المسيحية، وأصبح منزعماء البابوية بروما تحت إسم «ليون الإفريقي»، يقف دليلا هائلا ودالاوكبيرا على ذلك. ويعتبر كتاب سيرته الذاتية ومذكراته الغني الذي تركه أثراعنه، واحدا من أهم المراجع التاريخية عن ذلك اليوم. واعتمادا على تلكالمذكرات سيؤلف الروائي اللبناني الكبير أمين معلون روايته الناجحة «ليونالإفريقي»، الصادرة بباريس بالفرنسية منذ أكثر من عشرين سنة - م - ].
كان هناك أيضا، في نفس البلاط، برتغالي أسلم، وكان عبدا أبيض للسلطان، وقدكان يعامله معاملة خاصة. كان يطلق عليه لقب «الباشا جودر»، وكان مكلفابمهام دقيقة وهامة، هو الذي كان معروفا بطيبته وتواضعه الجم. بل إنه سيتمتكليفه بالسفارة المغربية الضخمة والشهيرة إلى السودان، التي عاد منهابأموال طائلة لسيده السلطان.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
قصة البارون « ديريبيردا » الذي سيصبح «الخليفة عصمان » في عهد العلويين!!
كان السلطانالسعدي، المنصور [الذهبي] قد نظم جيشه القوي بالشكل الذي يزاوج بينالتجربة المغربية والتجربة العسكرية الأروبية. لقد اختار عددا من الشبابالمسيحي الذين أسلموا، وخصهم برعايته وحمايته وعطفه. كان قائده العسكريالعام، من أصل تركي، يدعى « مصطفى باي »، الذي كان يشرف على قيادة فيلقالترك ضمن جيش السلطان [ كان البعض يسميهم «الفرسان الجزائريون» - م - ].كانت مهمتهم محددة في حماية القصر السلطاني. كانت تلك البناية الضخمةمحروسة من قبل الأسرى المسيحيين الذين أسلموا، مثلما كانت هناك فرقة منالعبيد وأخرى من أسرى الأندلس المسيحيين، وكلها تحت قيادة قواد أسلموا.
كانت فرقة منهم تضع على رأسها طرابيش صفر مذهبة، موشاة بريش النعام بألوانمختلفة، وتتحدد مهمتها في حراسة غرف السلطان الخاصة وحريمه، وأيضا خيامالسلطان والأمراء أثناء تنقلاتهم الخارجية. ثم هناك أولئك الذين يضعونطرابيش طويلة تتدلى إلى الخلف على الأكتاف، والتي تغري جماليا بخيوطهاالصفر المذهبة المدلاة من الأعلى، مثلما كانت أحزمتهم مزينة بخليط منالريش، وهو ذات الريش المنفوش الذي يوضع بعض منه على الرأس، مدلى إلىخلاف، مما كان يمنحهم رونقا خاصا. البعض الآخر، كان مسلحا بآلات حادةمسننة، يحملونها في اليد، وهي أشبه بمنجنيق صغير، حين تضرب فإن ضربتهاحاسمة. علما، أنه كان للعاملين في مطبخ القصر، المكلفين بالطهي، وكذاللمكلفين بالإتيان بمتطلبات الأكل، مسؤول واحد، هو أحد المسيحيين الذينأسلموا بعد معركة وادي المخازن.
إن كتابات المؤرخ المغربي «الإفراني»، الذي عرف كمؤرخ رسمي للدولةالسعدية، أو متخصص في تاريخها، هي من الدقة والرونق، ما يجعلها تتضمنتفاصيل دقيقة عن هذه المؤسسة العسكرية. لقد كان السلطان [السعدي] يحاطدوما في تنقلاته، بالجند ذوي الأصول الأندلسية، أو من أسرى المسيحيينالذين أسلموا، الذين يحوزون ثقته لحمايته. مثلما أن المكلف بحمل المظلةالسلطانية الكبيرة، إسمه « بيريز »، مما يحيل على أصله الإسباني أوالبرتغالي. وتتقدم الموكب السلطاني دوما، فرقة موسيقية عسكرية تعزف عزفاإمبراطوريا، عبارة عن ضرب قوي على الدفوف والطبول، مما كان يصدر صوتا قويايمتد على مسافات أمام الموكب السلطاني، دلالة على مقدم السلطان. وقد كانالمكلفون بعزف تلك الموسيقى أجانب [من الأسرى المسيحيين]. لقد كانت تلكالموسيقي تبث الرعب في النفوس لقوتها، وكانت تمنح للموكب السلطاني هيبة فيالأنفس. كما يؤكد ذلك المؤرخ المغربي «الإفراني».
في العهد العلوي، الذين يحكمون المغرب حاليا [كتابة دولامارتينيير تستهدفقارئا فرنسيا مفروض أنه يجهل كل شئ عن تاريخ المغرب، بالتالي، فإنه كثيراما يقدم تحديدات غايتها تنوير هذا القارئ بتفاصيل موضوعه - م - ]. الذينجاؤوا إلى الحكم مباشرة بعد السعديين، فإن المسيحيين الذين أسلموا، لم تكنلهم مسؤوليات سامية هامة [مثلما كان عليه الحال في عهد السعديين]. فقدكان، مثلا، للسلطان العلوي مولاي إسماعيل، الذي دام حكمه القوي والصارم 55سنة، العديد من الأسرى المسيحيين، لكنه كان يخصهم بأكثر الأعمال الشاقة.لقد كان مزاج السلطان العنيف والدموي لا يخصهم بغير تلك الوظائف. رغم ذلك،سنجد أن أسيرا مسيحيا أسلم، يدعى فيرناندو ديلبينو، وهو من أصل إسباني منمدينة مالقة، قد لعب دور المستشار لمدة لهذا السلطان القوي.
في القرن 18، أثناء حكم السلطان مولاي عبد الله [الذي جاء في ظل القلاقلالتي ميزت الحكم بعد وفاة السلطان مولاي اسماعيل بين عدد من أبنائه - م -]، سنعيش سنة 1732 القصة المثيرة للبارون « ديريبيردا »، التي خلقت الحدثحينها. لقد كان هذا البارون، طالبا داخليا بمدرسة « سيجوفي »، التي سيفرمنها إلى هولندا [ مدرسة سيجوفي تعتبر أول مدرسة للمهندسين في أروبا تأسستسنة 1716، كانت تكون المهندسين البحريين والخرائطيين ومهندسي القناطروالطرق. وكانت قريبة من برشلونة. يدرس بها في البداية 40 طالبا، 36 عسكرياو4 طلاب مدنيين. - م - ]. في هولندا سيلتحق هذا البارون بالحركةالبروتيستانتية ، وسيلتقي بسفير مغربي تابع للقائد « بيريز » الذي سبقوتحدثنا عنه. كان ذلك السفير نفسه من أصول إسبانية. لقد جاء ذلك البارونإلى السلطان [العلوي] عارضا خدماته، ولقد أبهر به كل من كان بالبلاط، ممافتح أمامه الباب واسعة للعب دور في ذلك البلاط. سيطلق عليه لقب « الخليفةعصمان ». وحسب قنصلنا العام، السيد شونيي، الذي استمع لعدد من المغاربةالذين احتكوا مباشرة بالبارون « ديريبيردا »، فإن هذا الأخير كان يحلمبتحالف مغربي تونسي، من أجل دعم مغامر آخر، هو تيودور دونوهوف، الذي كانتله طموحات حكم في جزيرة كورسيكا. مثلما أن البارون ذاك، كان يحلم بنوع منالتوليف بين الديانات التوحيدية الثلاث. كان حلمه تجميع القرآن معالإناجيل والتوراة، ولقد حقق بعض النجاح [ في المغرب ]، لكنه سيقع فيمشاكل سنة 1737، وسينتهي في تطوان بعد حياة حافلة جدا وغنية.
كانت فرقة منهم تضع على رأسها طرابيش صفر مذهبة، موشاة بريش النعام بألوانمختلفة، وتتحدد مهمتها في حراسة غرف السلطان الخاصة وحريمه، وأيضا خيامالسلطان والأمراء أثناء تنقلاتهم الخارجية. ثم هناك أولئك الذين يضعونطرابيش طويلة تتدلى إلى الخلف على الأكتاف، والتي تغري جماليا بخيوطهاالصفر المذهبة المدلاة من الأعلى، مثلما كانت أحزمتهم مزينة بخليط منالريش، وهو ذات الريش المنفوش الذي يوضع بعض منه على الرأس، مدلى إلىخلاف، مما كان يمنحهم رونقا خاصا. البعض الآخر، كان مسلحا بآلات حادةمسننة، يحملونها في اليد، وهي أشبه بمنجنيق صغير، حين تضرب فإن ضربتهاحاسمة. علما، أنه كان للعاملين في مطبخ القصر، المكلفين بالطهي، وكذاللمكلفين بالإتيان بمتطلبات الأكل، مسؤول واحد، هو أحد المسيحيين الذينأسلموا بعد معركة وادي المخازن.
إن كتابات المؤرخ المغربي «الإفراني»، الذي عرف كمؤرخ رسمي للدولةالسعدية، أو متخصص في تاريخها، هي من الدقة والرونق، ما يجعلها تتضمنتفاصيل دقيقة عن هذه المؤسسة العسكرية. لقد كان السلطان [السعدي] يحاطدوما في تنقلاته، بالجند ذوي الأصول الأندلسية، أو من أسرى المسيحيينالذين أسلموا، الذين يحوزون ثقته لحمايته. مثلما أن المكلف بحمل المظلةالسلطانية الكبيرة، إسمه « بيريز »، مما يحيل على أصله الإسباني أوالبرتغالي. وتتقدم الموكب السلطاني دوما، فرقة موسيقية عسكرية تعزف عزفاإمبراطوريا، عبارة عن ضرب قوي على الدفوف والطبول، مما كان يصدر صوتا قويايمتد على مسافات أمام الموكب السلطاني، دلالة على مقدم السلطان. وقد كانالمكلفون بعزف تلك الموسيقى أجانب [من الأسرى المسيحيين]. لقد كانت تلكالموسيقي تبث الرعب في النفوس لقوتها، وكانت تمنح للموكب السلطاني هيبة فيالأنفس. كما يؤكد ذلك المؤرخ المغربي «الإفراني».
في العهد العلوي، الذين يحكمون المغرب حاليا [كتابة دولامارتينيير تستهدفقارئا فرنسيا مفروض أنه يجهل كل شئ عن تاريخ المغرب، بالتالي، فإنه كثيراما يقدم تحديدات غايتها تنوير هذا القارئ بتفاصيل موضوعه - م - ]. الذينجاؤوا إلى الحكم مباشرة بعد السعديين، فإن المسيحيين الذين أسلموا، لم تكنلهم مسؤوليات سامية هامة [مثلما كان عليه الحال في عهد السعديين]. فقدكان، مثلا، للسلطان العلوي مولاي إسماعيل، الذي دام حكمه القوي والصارم 55سنة، العديد من الأسرى المسيحيين، لكنه كان يخصهم بأكثر الأعمال الشاقة.لقد كان مزاج السلطان العنيف والدموي لا يخصهم بغير تلك الوظائف. رغم ذلك،سنجد أن أسيرا مسيحيا أسلم، يدعى فيرناندو ديلبينو، وهو من أصل إسباني منمدينة مالقة، قد لعب دور المستشار لمدة لهذا السلطان القوي.
في القرن 18، أثناء حكم السلطان مولاي عبد الله [الذي جاء في ظل القلاقلالتي ميزت الحكم بعد وفاة السلطان مولاي اسماعيل بين عدد من أبنائه - م -]، سنعيش سنة 1732 القصة المثيرة للبارون « ديريبيردا »، التي خلقت الحدثحينها. لقد كان هذا البارون، طالبا داخليا بمدرسة « سيجوفي »، التي سيفرمنها إلى هولندا [ مدرسة سيجوفي تعتبر أول مدرسة للمهندسين في أروبا تأسستسنة 1716، كانت تكون المهندسين البحريين والخرائطيين ومهندسي القناطروالطرق. وكانت قريبة من برشلونة. يدرس بها في البداية 40 طالبا، 36 عسكرياو4 طلاب مدنيين. - م - ]. في هولندا سيلتحق هذا البارون بالحركةالبروتيستانتية ، وسيلتقي بسفير مغربي تابع للقائد « بيريز » الذي سبقوتحدثنا عنه. كان ذلك السفير نفسه من أصول إسبانية. لقد جاء ذلك البارونإلى السلطان [العلوي] عارضا خدماته، ولقد أبهر به كل من كان بالبلاط، ممافتح أمامه الباب واسعة للعب دور في ذلك البلاط. سيطلق عليه لقب « الخليفةعصمان ». وحسب قنصلنا العام، السيد شونيي، الذي استمع لعدد من المغاربةالذين احتكوا مباشرة بالبارون « ديريبيردا »، فإن هذا الأخير كان يحلمبتحالف مغربي تونسي، من أجل دعم مغامر آخر، هو تيودور دونوهوف، الذي كانتله طموحات حكم في جزيرة كورسيكا. مثلما أن البارون ذاك، كان يحلم بنوع منالتوليف بين الديانات التوحيدية الثلاث. كان حلمه تجميع القرآن معالإناجيل والتوراة، ولقد حقق بعض النجاح [ في المغرب ]، لكنه سيقع فيمشاكل سنة 1737، وسينتهي في تطوان بعد حياة حافلة جدا وغنية.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
حكاية «القايد دريس» المسيحي والفرنسي عبد الرحمان دوسولطي سنة 1840!!
كان الوزيرالأول، في تلك الفترة [ أواسط القرن 18 - م - ]، ابنا لأسير إسباني دخلالإسلام، كان يحوز ثقة سيده، ويطلق عليه لقب: «الفندي». وقد عرف بحنكتهالعالية وحسن تنظيمه في العمل. كما أن السلطان العلوي سيدي محمد بن عبدالله، الذي دام حكمه إثنان وثلاثين سنة، قد كان محاطا بعدد من المسيحيينالذين أسلموا. [ الحقيقة، أيضا، أن من المواضيع الهامة التي لم يسلط عليهاضوء البحث والتدقيق كثيرا، والتي وقفنا على بعض من معلوماتها خلال بحثناهذا وترجمتنا لبعض من كتابات الأروبيين عن مغرب ما قبل الإستعمار، هو عدداليهود المغاربة والأندلسيين الذين أسلموا، وتحملوا مسؤوليات هامة في هرمالدولة المغربية منذ سقوط الأندلس سنة 1492. بل هناك عائلات مغربيةوأندلسية يهودية بكاملها أسلمت خلال القرون الماضية في مدن فاس، سلا،تطوان، طنجة، مراكش والرباط. وهذا أمر يتطلب في الحقيقة بحثا مستقلا خاصا.ولعل ما يجب الإنتباه إليه في هذا المجال، هو معنى وجود قوة الدولة فيتاريخ المغاربة، فإن ذلك يترجم معنى راسخا للهوية وللإستقلالية ولإنتاجالحضارة - م - ].
كان من موظفي القصر في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، واحد من أولئكالمسيحيين الذين أسلموا، أطلق عليه إسم « القايد دريس»، ولقد عرف بروحهالمرحة، وأنه كان مجتهدا أيضا في عمله. كان منصبه الرسمي هو « قايد المشور»، وهو منصب هام جدا، وكانت له قوة اختيار واقتراح موظفين سامين بدارالمخزن، من وزراء وكتاب دولة ومسؤولي الفراش السلطاني، ومنظمي الحفلاتوالمسؤولين عن تربية الخيل... إلخ. ولقد كان محببا لدى السلطان، الذي كانمعجبا بعدد من تفاصيل الحكم الأروبية. ومن ضمن المسيحيين الذين أسلموا،والذين تركوا بصمة لافتة وأثرا بينا، نذكر المواطن الفرنسي السيد كروني،الذي أبدع هندسة مدينة الصويرة، وبرتوبيللي، والإيطالي بييترو موتي دوبييترا سانتا، ومن جنوة فرانسيسكو شياب. مثلما كان هناك حوالي مئتينوخمسين أسيرا فرنسيا أسلموا، كانوا تحت إمرة رجل إسمه «بواسلين»، الذي هوابن أحد صناع وتجار القبعات بباريس. ولقد كانت هذه الفرقة، من فرق الأمنالسلطاني المحببة لدى السلطان. ( يمكن العودة إلى كتاب «رحلة دوسونيي إلىالمغرب » الصادر بباريس سنة 1799. فهو يتضمن تفاصيل عن هذه الفرقةالعسكرية ودورها في المغرب بعد اعتناقها الإسلام إثر وقوعها في الأسر ).
كان للسلطان العلوي رجل ثقة يهودي إسمه «جاكوب عطيل»، ولقد كان من الذكاءالشديد، ما جعله يحوز حظوة عالية لدى سيده، بل وأن يكون له عليه تأثيرسحري واضح. لكنه سيؤدي الثمن غاليا، بعد وفاة السلطان سيدي محمد بن عبدالله، بسبب الحظوة الخاصة التي كان قد حازها. وحين كتب الأب غودار، كتابهعن المغرب من وجهة نظره، سنة 1860، كان هناك ما بين 300 و 400 عسكري مسيحيأسير أسلموا بالمغرب. كان أغلبهم قد وظفوا في تخصص المدفعية وصف الرماةبالجيش المغربي، وبعضهم امتهن مهنا أخرى. وحسب الأب غودار، فإن مصالحناالقنصلية، كانت قد أصدر قرارا يلزم كل مواطن فرنسي مسيحي أراد اعتناقالإسلام، واجب التوجه إلى الجزائر للإعلان عن ذلك أمام قاض متخصص هناك،لكنني، للحقيقة، قد بحتث عن ذلك القرار دون أن أعثر له على أثر.
على أن أهم وأشهر أروبي جاء إلى المغرب، حيث اعتنق فيه الإسلام إيماناواحتسابا، بدون إكراه، هو مواطننا الفرنسي «دوسولطي». لقد كان ضابطا شاباضمن جنودنا بالجزائر، في حوالي سنة 1840 [ عشر سنوات بعد احتلال الجزائرسنة 1830 من قبل الفرنسيين - م - ]، حيث ستأخده مغامرة رومانسية، انتهتنهاية مؤلمة، إلى أن يستقر بداية في تونس، ثم رحل منها بعد فترة قصيرة إلىالمغرب. لقد استقر في البداية بمدينة العرائش، حيث عاش متخفيا تحت إسم «عبد الرحمان ». في العرائش، سوف ينشأ معملا صغيرا للصابون وللعديد منمستتبعاته، التي كان يأخدها لبيعها في طنجة. بل، لقد أخبرني ابنه [ أيخلال حلول الكاتب دولامارتينيير بالمغرب ابتداء من سنة 1882، الذي بقي فيهبتقطع حتى سنة 1918، تحمل خلالها مسؤوليات هامة في السفارة الفرنسيةبطنجة، مثلما أنه قام برحلة إلى داخل المغرب وكان له فضل اكتشاف مدينتيوليلي والليكسوس الرومانيتين. - م - ]، أخبرني ابنه أنه كان يصنع أيضاحلوى، وأنه حين بلغ الأمر إلى علم السلطان [مولاي عبد الرحمان] استدعاهإلى قصره بمكناس، وكلفه بإعادة تنظيم وتهيئة طريق فاس، وأنه قدم له هديةعبارة عن بغلة ومبلغ مالي يقدر ب 200 دورو. وبعد فترة قصيرة من ذلك سيكلفهبمهام خاصة انتهت به إلى جعله واحدا من موظفي بلاطه المقربين.
حين اندلاع الحرب مع فرنسا [ يقصد الكاتب هنا معركة إيسلي بين الجيشينالمغربي والفرنسي شرق المغرب، التي وقعت في عهد السلطان العلوي مولاي عبدالرحمان، التي وقعت يوم 14 غشت 1844، لدعم الثوار الجزائريين بقيادةالأمير عبدالقادر الجزائري الذي بايع السلطان المغربي سلطانا على تلمسانأيضا. لكنها معركة انتهت بهزيمة الجيش المغربي بقيادة نجل السلطان المغربيالأمير سيدي محمد. وهو الأمير الذي سيتولى الحكم بعد والده وعرف بالسلطانسيدي محمد بن عبد الرحمان. - م - ]. حين اندلاع الحرب مع فرنسا، أصبحتوضعية عبد الرحمان دوسولطي صعبة بعض الشئ. ولقد نجح في أن يمارس تأثيراإيجابيا على السلطان من خلال اجتهاده لشرح مسببات مطالبنا المستعجلةحينها، بادلا جهدا كبيرا لمنع أي انتقام ضدنا.
كان من موظفي القصر في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، واحد من أولئكالمسيحيين الذين أسلموا، أطلق عليه إسم « القايد دريس»، ولقد عرف بروحهالمرحة، وأنه كان مجتهدا أيضا في عمله. كان منصبه الرسمي هو « قايد المشور»، وهو منصب هام جدا، وكانت له قوة اختيار واقتراح موظفين سامين بدارالمخزن، من وزراء وكتاب دولة ومسؤولي الفراش السلطاني، ومنظمي الحفلاتوالمسؤولين عن تربية الخيل... إلخ. ولقد كان محببا لدى السلطان، الذي كانمعجبا بعدد من تفاصيل الحكم الأروبية. ومن ضمن المسيحيين الذين أسلموا،والذين تركوا بصمة لافتة وأثرا بينا، نذكر المواطن الفرنسي السيد كروني،الذي أبدع هندسة مدينة الصويرة، وبرتوبيللي، والإيطالي بييترو موتي دوبييترا سانتا، ومن جنوة فرانسيسكو شياب. مثلما كان هناك حوالي مئتينوخمسين أسيرا فرنسيا أسلموا، كانوا تحت إمرة رجل إسمه «بواسلين»، الذي هوابن أحد صناع وتجار القبعات بباريس. ولقد كانت هذه الفرقة، من فرق الأمنالسلطاني المحببة لدى السلطان. ( يمكن العودة إلى كتاب «رحلة دوسونيي إلىالمغرب » الصادر بباريس سنة 1799. فهو يتضمن تفاصيل عن هذه الفرقةالعسكرية ودورها في المغرب بعد اعتناقها الإسلام إثر وقوعها في الأسر ).
كان للسلطان العلوي رجل ثقة يهودي إسمه «جاكوب عطيل»، ولقد كان من الذكاءالشديد، ما جعله يحوز حظوة عالية لدى سيده، بل وأن يكون له عليه تأثيرسحري واضح. لكنه سيؤدي الثمن غاليا، بعد وفاة السلطان سيدي محمد بن عبدالله، بسبب الحظوة الخاصة التي كان قد حازها. وحين كتب الأب غودار، كتابهعن المغرب من وجهة نظره، سنة 1860، كان هناك ما بين 300 و 400 عسكري مسيحيأسير أسلموا بالمغرب. كان أغلبهم قد وظفوا في تخصص المدفعية وصف الرماةبالجيش المغربي، وبعضهم امتهن مهنا أخرى. وحسب الأب غودار، فإن مصالحناالقنصلية، كانت قد أصدر قرارا يلزم كل مواطن فرنسي مسيحي أراد اعتناقالإسلام، واجب التوجه إلى الجزائر للإعلان عن ذلك أمام قاض متخصص هناك،لكنني، للحقيقة، قد بحتث عن ذلك القرار دون أن أعثر له على أثر.
على أن أهم وأشهر أروبي جاء إلى المغرب، حيث اعتنق فيه الإسلام إيماناواحتسابا، بدون إكراه، هو مواطننا الفرنسي «دوسولطي». لقد كان ضابطا شاباضمن جنودنا بالجزائر، في حوالي سنة 1840 [ عشر سنوات بعد احتلال الجزائرسنة 1830 من قبل الفرنسيين - م - ]، حيث ستأخده مغامرة رومانسية، انتهتنهاية مؤلمة، إلى أن يستقر بداية في تونس، ثم رحل منها بعد فترة قصيرة إلىالمغرب. لقد استقر في البداية بمدينة العرائش، حيث عاش متخفيا تحت إسم «عبد الرحمان ». في العرائش، سوف ينشأ معملا صغيرا للصابون وللعديد منمستتبعاته، التي كان يأخدها لبيعها في طنجة. بل، لقد أخبرني ابنه [ أيخلال حلول الكاتب دولامارتينيير بالمغرب ابتداء من سنة 1882، الذي بقي فيهبتقطع حتى سنة 1918، تحمل خلالها مسؤوليات هامة في السفارة الفرنسيةبطنجة، مثلما أنه قام برحلة إلى داخل المغرب وكان له فضل اكتشاف مدينتيوليلي والليكسوس الرومانيتين. - م - ]، أخبرني ابنه أنه كان يصنع أيضاحلوى، وأنه حين بلغ الأمر إلى علم السلطان [مولاي عبد الرحمان] استدعاهإلى قصره بمكناس، وكلفه بإعادة تنظيم وتهيئة طريق فاس، وأنه قدم له هديةعبارة عن بغلة ومبلغ مالي يقدر ب 200 دورو. وبعد فترة قصيرة من ذلك سيكلفهبمهام خاصة انتهت به إلى جعله واحدا من موظفي بلاطه المقربين.
حين اندلاع الحرب مع فرنسا [ يقصد الكاتب هنا معركة إيسلي بين الجيشينالمغربي والفرنسي شرق المغرب، التي وقعت في عهد السلطان العلوي مولاي عبدالرحمان، التي وقعت يوم 14 غشت 1844، لدعم الثوار الجزائريين بقيادةالأمير عبدالقادر الجزائري الذي بايع السلطان المغربي سلطانا على تلمسانأيضا. لكنها معركة انتهت بهزيمة الجيش المغربي بقيادة نجل السلطان المغربيالأمير سيدي محمد. وهو الأمير الذي سيتولى الحكم بعد والده وعرف بالسلطانسيدي محمد بن عبد الرحمان. - م - ]. حين اندلاع الحرب مع فرنسا، أصبحتوضعية عبد الرحمان دوسولطي صعبة بعض الشئ. ولقد نجح في أن يمارس تأثيراإيجابيا على السلطان من خلال اجتهاده لشرح مسببات مطالبنا المستعجلةحينها، بادلا جهدا كبيرا لمنع أي انتقام ضدنا.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
عبد الرحمان دوسولطي.. الفرنسي الذي أسلم طوعا، وبنى الطرق وركب الساعات الشمسية بقصور السلاطين واحتكر بيع القهوة بالمغرب!
بعدهزيمة [المغاربة] في معركة إيسلي [ضد الجيش الفرنسي، سنة 1844]، تعاظم دورعبد الرحمان دوسولطي، ووقف الجميع عند أهمية نصائحه. وقاده ذلك إلى أنيحوز صداقة الأمير سيدي محمد الذي سيصبح بعد مدة قصيرة السلطان سيدي محمدبن عبد الرحمان. بل، إن درجة تلك الحظوة والثقة قد بلغت حد أن أصبح يسمحله بالدخول إلى جناح السلطان الخاص، وإلى مكان تواجد حريمه. مثلما سيزوجهالسلطان من إحدى محظياته، وسيرزق منها بولد وبنت. الولد سيعمل معي مدة فيطنجة، أما البنت، التي كانت المحببة لديه أكثر، فإنها ستتزوج وترزق بولدلا يزال مقيما بمراكش. لقد أنجز عبد الرحمان [دوسولطي] مهام عدة بالمغرب،منها بناء مشور فاس، والباب التي تعرف بباب البوجاد، مثلما حول سرير نهرفاس، الذي كان يعبر من قبل عند قدم أسوار قصر السلطان. وقام ببناء ساحةللرماية العسكرية على مساحة أربع هكتارات. وإليه يعود فضل بناء القناطر فيالطريق بين مكناس وفاس، وكذا قناطر وادي مكناس. ومن بين أعماله القيمة،إنجازه لعدد من الساعات الشمسية داخل عدد من القصور السلطانية، التي لاتزال متواجدة إلى اليوم [ تاريخ كتابة هذه التفاصيل من قبل دولامارتينييرسنة 1904]. في شيخوخته، بعد أن حاز قيادة وإدارة المدفعية في الجيش المغربي، فإنه لميعد يرافق السلطان في رحلاته، فيما كلفه السلطان مولاي الحسن الأول، الذيكان يعزه كثيرا، بإدارة ماله الخاص. [ بذلك يكون هذا الفرنسي الذي أسلم منتلقاء نفسه واختار الإستقرار في المغرب، بدءا بمدينة العرائش قبل أن يلتحقبقصر مكناس وفاس، قد عايش ثلاثة ملوك علويين، هم مولاي عبد الرحمان الذياستقدمه من العرائش وكلفه بتهيئة طريق فاس - مكناس، ثم ابنه سيدي محمد بنعبد الرحمان، ثم الحفيد مولاي الحسن الأول. وكلهم سلاطين كبار في مغربالقرن 19، سعوا إلى إدخال إصلاحات هيكلية على الدولة المغربية خاصة فيمجالات الجندية والمالية والتعليم والبريد. لكنها مشاريع إصلاحية حوربتبشراسة داخليا وخارجيا، لأن فرنسا التي احتلت الجزائر سنة 1830 لم تكنلتقبل بمغرب قوي مستقر وآمن إلى جوارها بالجزائر . - م - ]. بل إن الرجلقد استمتع كثيرا بمباهج المامونية في مراكش، التي ستوهب بعد ذلك في ظروفمماثلة للقايد ماكلين. مثلما منح حق احتكار بيع القهوة في مراكش. في أخريات أيامه، سكن مواطننا عبد الرحمان [هكذا يصفه الكاتب]، بيتا عتيقابحي القصبة بمراكش. وهو بيت متواضع زرته بعد ذلك، لأقف عند مستوى العيشالبسيط والمتواضع الذي اختار مواطننا العيش فيه. ورغم أنه بلغ مستوياتعليا في الدولة، فإنه سعى إلى عدم إثارة حنق وحسد المغاربة. لقد فهم جيداالذهنية المغربية [ ليلاحظ معي القارئ حكم القيمة التعميمي هنا من الكاتب- م - ]، الصعبة والمشكاكة والمرتابة، التي تصدر أحكام قيمة كثيرة حول طرقعيشنا وأفكارنا. لقد سألت عبدا أسود عنه، وكان عبدا طاعنا في السن، منعبيد البخاري، إسمه «المعلم الطبايلي»، يعيش في مراكش منذ خمسين سنة،والذي احتك مباشرة بعبد الرحمان [دوسولطي]. لقد كان هذا الأخير - حسبإفاداته - رجلا طويل القامة، بجسم متناسق، وملامح وجه جميلة، بلحية طويلة،وميل نحو بعض من البدانة. فيما كانت ملامحه ملامح رجل وقور، وبه مسحة حزندائمة تسكن عينيه. لقد أكد لي أن عبد الرحمان كان يتحاشى الحديث عن ماضيه،وأنه في أخريات أيامه اعترف له فقط بأمر واحد، أنه ارتكب خطأ في حياتهوأنه كفر عنه. إنه لمؤسف جدا، أنه على مدار مهامه الكبرى بالمغرب، والتي امتدت لسنواتطويلة، لم نتمكن من حسن استثمار موقع عبد الرحمان دوسولطي القريب من ثلاثةسلاطين مغاربة لصالحنا. لقد كان قراره بقطع كل صلة نهائيا مع الوسط الذيغادره [أي مع كل ما يمت بصلة بفرنسا]، قد جعلنا نفلت فرصا عديدة هامةلتقوية وجودنا هنا [بالمغرب]. بل إن السيد فريدو الذي لمحه مرة في فاس،أثناء تقديم سفارة سفيرنا السيد دوفيرنوي، لا يزال يتذكر ذلك الرجل الشيخالطاعن في السن، الممتلك لهيبة حقيقية غير مفتعلة. لقد حاول الإقتراب منه،لكنه ظل سجين صمت الرجل وانعزاليته ووقاره، لأنه - حسب ما أكد لي ـ قد لمحآثار دمع يملأ عينا عبد الرحمان دوسولطي، حين كانت تمر أمامه بدل الجنديةالفرنسية، التي يرتديها الجنود الفرنسيون المرافقون للسفير. توفي عبد الرحمان [دوسولطي] بفاس سنة 1879، ودفن بمقبرة «باب المحروق»،وظل قبره قبر رجل مسلم، عادي، غفل، مثله مثل باقي قبور المسلمين، ولقدتكفل الزمن بمحو أي أثر عنه، مثلما يمحي أشياء كثيرة فوق أديم الأرض. حين وصل «الضابط إيركمان» إلى البلاط الشريفي، بصفته مدربا للمدفعية لنيجد سوى عدد قليل من الأروبيين الذين أسلموا، بينهم البارون دوسان جي. كانهذا الفرنسي البئيس محاميا، ولا أحد يعلم كيف انتهى به المطاف في بلادالمغرب. أصبح يمارس الطب هنا، واعتنق الإسلام، مثلما نجح في نسج علاقاتقوية مع عدد من شخصيات البلاط. ولقد زوجه السلطان من أمة سوداء ذميمةالخلقة، تعلم العربية ولقد قدم خدمات جليلة للعديد من الضباط الفرنسيينالذين كانوا يجدون صعوبة في التأقلم مع الفضاء المغربي الجديد عليهم،والصعب بالنسبة لبعضهم. كان تمة أيضا مواطن بلجيكي، متخصص في صناعةالأسلحة بحنكة عالية. ثم كان هناك مواطن آخر من بافاريا عمل بسلك الجنديةالفرنسية سنة 1870. وكان هناك أيضا مواطن فرنسي، قادم من الجزائر، وهو منفرقة «قناصة إفريقيا»، وكلهم توفوا أثناء وباء الكوليرا الذي ضرب المغربسنة 1878. [يقدم المؤرخ المغربي الفقيه الناصري في كتابه « الإستقصا فيتاريخ المغرب الأقصى» تفاصيل أكثر دقة عن هذا الوباء وعن الإجراءات التيتم اتخادها على مستوى مركز الحكم، خاصة في فاس - م - ]. مثلما سأتعرفشخصيا، بعد ذلك، على قنصل برتغالي سابق بالمغرب، هو السيد دوسي، وكان رجلاطيبا، اختار العمل داخل البلاط السلطاني وأن يعتنق الإسلام. [ الحقيقة، أن ما قام به الضابط الفرنسي إيركمان، ضمن مهمته العسكريةالرسمية بالمغرب، بطلب من السلطان المغربي لدى السفارة الفرنسية في حواليسنة 1879، ليس سوى جزء يسير - وهام - من عمل أكبر لعدد من الباحثينوالعلماء والجغرافيين والبحارة والعسكريين الأروبيين ببلادنا، منذ القرن17. وإذا كان مجال تفصيل القول بالتواريخ والمهام، منذ سنة 1518، تاريخصدور كتاب ليون الأفريقي (المغربي الأندلسي الذي اسمه الأصلي هو: الحسنالوزان، والذي أرغم على اعتناق المسيحية بعد أسره بتونس في طريق عودته إلىالمغرب من مهمة ديبلوماسية بمصر وتركيا)، هو الكتاب الذي عرف بعنوان «فيوصف إفريقيا»، إذا كان ذلك أمرا صعبا هنا، فإن ما يجب التوقف عنده هوالدور الذي لعبه عدد من المستكشفين الأروبيين، خاصة الإنجليز والفرنسيينوالألمان، لبسط تفاصيل المغرب الدقيقة أمام الأروبيين، بعد أن ظلت البلادمتمنعة ومجهولة، رغم أن ما يفصلها عن أروبا لا يتجاوز سوى 14 كلمترا. إنرحلة الفرنسي شارل دوفوكو سنة 1883 كمثال هنا تعتبر دالة وهامة. وأيضارحلة البريطاني هاريس سنة 1894 التي تعتبر مرجعا هاما في ما يرتبط بتحديدخرائط المغرب المعدنية والأثرية. ورحلة الضابط الألماني كودنفيل سنة 1886ورحلة البريطاني دولس إلى جبل درن (توبقال ومحيطه) ووادي درعة وسوس سنة1888 ورحلة البريطاني طومسون للأطلس الكبير والمتوسط سنة 1889. وهي كلهارحلات سمحت بتحديد خرائط ما يفوق 2205 كلمترا بالمغرب، الذي لا يعتبر سوىاستكشافا للثلث فقط من مساحة المغرب، الذي ظلت باقي مناطقه متمنعة علىالأجنبي. ولعل من أجمل وأدق تلك الأبحاث الخرائطية والإثنولوجية، تلك التيقام بها الأميرال الفرنسي فانسوندون - دومولان، في ما يرتبط بالضفةالمتوسطية للمغرب. وتلك التي قام بها اليوتنان أرلت من البحرية الملكيةالبريطانية في ما يرتبط بالمحيط الأطلسي. مع الإشارة أن الرحالة والعلماءوالمستكشفين البريطانيين وحدهم الذين ولجوا إلى مناطق غير مسبوقة فيالمغرب، بفضل الحظوة التي كانت للتاج البريطاني في بلاطات سلاطين المغربعلى مدى أكثر من أربعة قرون. فقد كانت تتوفر لهم حماية رسمية خاصة. - م -]. | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
باريس ولندن توظفان المواطنين المسلمين لإعادة تكوين الجيش المغربي سنة 1877، ومجال الصراع الأول كان «الحرس الشريفي»
لمتكن المفاوضات [لبعث بعثة عسكرية فرنسية إلى المغرب سنة 1877]، يسيرة، لأنالحكومة المغربية الشريفية، كانت تخشى غضب السفير البريطاني وحكومة بلاده،الذي استشعر الأمر، فبادر إلى تكليف السيد ماك لين، وهو عسكري سابق،لقيادة فريق المدفعية الخاص بالحرس الشريفي [الحرس الملكي اليوم]. كان هذاالفريق متكونا أساسا من الجنود الذين تم تكوينهم في جبل طارق. [ ليسمح لنا القارئ الكريم، هنا أن نفتح قوسا مطولا، حول ذاكرة «الحرسالشريفي» بالمغرب، ضمن الصراع الذي يشير إليه الكاتب دولامارتينيير هنابين الحكومتين البريطانية والفرنسية، حول المغرب. وأساسا حول التحكم فيتطوير مؤسساته العمومية وفي مقدمتها الجيش. إن مما تخبرنا به العديد منالمراجع المغربية والأجنبية ( مثل: كتاب الإستقصا في أخبار المغرب الأقصى،للفقيه والمؤرخ السلاوي الشهير، الناصري. ثم كتاب تاريخ الجيش المغربيللأستاذ عبد الحق المريني مدير التشريفات حاليا بالقصر الملكي.. ثم كتبعدد من الرحالة والمستكشفين والجواسيس الأروبيين، الذين مهدوا على مدى نصفقرن من أواسط القرن 19 إلى سنة 1912، الطريق لتقسيم الإمبراطورية المغربيةعلى قوى استعمارية أروبية متعددة، خاصة فرنسا وإسبانيا وتخصيص طنجة كيتكون مدينة دولية. نذكر منهم هنا أساسا كتابا: « المغرب اليوم » الصادرسنة 1913 لصاحبه الديبلوماسي الفرنسي أوجين أوبين. ثم كتاب عالم الحفرياتالأركيولوجي هنري دولامارتينيير، الصادر سنة 1918، تحت عنوان « ذكرياترحلة ومهام في المغرب » ).. تخبرنا هذه المراجع، إذن، أن إعادة بناء الجيشالمغربي، قد انطلقت بشكل جدي منذ هزيمة معركة « إيسلي » أمام الجيشالفرنسي الذي كان يحتل الجزائر منذ 1830. أي منذ عهد السلطان المولى عبدالرحمان، ثم السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان ( الذي يعتبر مؤسس الجيشالمغربي النظامي المخزني الموحد الحديث والذي استمر حتى سنة 1912 ). ثمالسلطان المولى الحسن الأول، الذي كان أكبر من استعان بالخبرة الأجنبيةرسميا لإعادة تدريب وتنظيم وتحديث الجيش المغربي، خاصة الفرنسيةوالإنجليزية. وتضم أرشيفات الخارجية البريطانية، آلاف الوثائق التاريخيةحول الصراع المفتوح آنذاك بين باريس ولندن للهيمنة على السوق المغربية فيمجال الأسلحة والتدريب والتكوين والتأطير. بل إن عددا من هؤلاء الضباطالأروبيين، منهم فرنسيون وإنجليز وألمان وإيطاليون، قد اعتنقوا الإسلاموأصبحوا «مغاربة». علما أن النفوذ الذي كان لهؤلاء الضباط الأجانب فيالقصر السلطاني، كان كبيرا ومؤثرا. كان «الجيش المغربي»، تقليديا، يتكون أساسا من أبناء قبائل مخزنية بعينهاظلت تتوارث ما يمكن وصفه تجاوزا ب « مهنة الجندية »، ولم يكن يتجاوز عددهاأربع أو خمس قبائل ( نذكر منها أساسا قبائل الشراگة، الأوداية، الشراردةوأبناء «أهل سوس» الذين كانوا في فاس ومراكش والرباط. وكانت قبائلالأوداية موزعة على وادي مكناس، والرباط، والحوز. فيما الشراگة كانت موزعةعلى 5 قبائل هي: أولاد جامع، حميان، بني عامر، بني سنوس والسجاع. أماالشراردة فأغلبها من أصول صحراوية، وكانت تتكون من 7 قبائل كأولاد دليم،الشبانات والزرارة، وأغلب هذه القبائل كان موزعا بين سهل الغرب ومنطقةأمزاب في سهل الشاوية، ثم الرحامنة). قبل أن يقوض المولى سيدي محمد بن عبدالرحمان ذلك، في أواسط القرن 19 ويحد من نفوذ « المخازنية »، كي يفسحالمجال لظهور مهنة جديدة هي « العسكر ». ومسألة المصطلحات هنا مهمة، لأنهاتحدد أدوارا ووظائف. وكان «العسكر» يتكون من كل أبناء القبائل الداخلة فينفوذ بلاد المخزن ( وبعضها كان حتى من بلاد السيبة التي يحكمها قوادجبابرة )، التي أصبحت تشكل الجيش النظامي للدولة. ضمن هذه التراتبية المعقدة لتنظيم القوة، وكيفيات استعمالها لضمان الأمنوالطاعة والنفوذ، تذكر هذه المصادر قسما عسكريا خاصا، كان له نفوذ قوي، هو«الحرس الشريفي». الذي يمكن اعتباره كتاب شجرة أنساب «الحرس الملكي» اليومبالمغرب. مع فارق أساسي، هو أن «الحرس الشريفي»، كان له نفوذ أمني وسياسيواقتصادي كبير، بينما «الحرس الملكي» منذ دفع لإعادة تنظيمه الماريشالليوطي، في العقد الثاني من القرن العشرين، بعد احتلال المغرب، قد أُفرغ مندوره النافذ سابقا. وحوَّلَ الماريشال الفرنسي ذاك دوره إلى دور بروتوكوليمحض. ومع توالي إعادة بناء الجيش الملكي بالمغرب بعد الإستقلال، ظل «الحرسالملكي» نوعا من الأرشيف الحي الوحيد، الذي يتحرك فوق الأرض، لما كان عليهشكل الجيش المغربي خلال القرون الثلاث الماضية، على مستوى اللباس والنظاموشكل الإنضباط. أي «جيشا» قريبا من خدمة السلطان في حياته اليومية. فيماأنيطت المهام الأمنية الخاصة بالجالس على العرش، لفرق أخرى، لعل الأكثرقوة منها اليوم ( منذ سنوات الإستقلال الأولى، وما بعد الإنقلابينالفاشلين ضد الملك الراحل الحسن الثاني سنتي 1971 و 1972 ) هي الدركالملكي. - م - ]. لقد سعينا، في البداية، [لعدم إحراج الحكومة الشريفية وعدم استثارة رد فعلعنيف من الإنجليز ]، إلى أن نحصر مهمة تعاوننا العسكري في وجدة أولا، ثمننتقل بعد ذلك إلى الرباط. كان فريقنا التأطيري العسكري، مكونا فيالبداية، من الكابتان باييرن من المدفعية. واليوتنان جورني، من جيشناالجزائري (يطلق عليهم لقب «الزواوي». وهم مميزون بلباسهم العسكري الخاص)،وكلا الرجلين متمكن من اللغة العربية، علما أن واحدا منهما كان خبيرامحنكا في قادفات الصواريخ. مثلما كان هناك أيضا، اليوتنان، المتخصص فيالمدفعية، إيركمان، وطبيب شاب هو الدكتور ليناريس الذي سيقضي حياتهالمهنية كلها بالمغرب. مثلما كان هنالك عدد من ضباط الصف الذي أكملوا فريقالتكوين. غدا: بقية التفاصيل حول الحرس الشريفي وكذا الصراع بين باريس لندن حول تكوين الجيش المغربي في النصف الثاني من القرن 19 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
يوم قررت باريس تكوين فريق عسكري مغربي بفرنسا سنة 1885، و«حنطات» الحرس الشريفي
تم استدعاء، فقط، ضابط المدفعية والرماية ومساعده المسؤول عن العتاد، إلىمراكش، حيث نجح هناك ضابطنا [إيركمان] في نسج شبكة علاقات نافذة وقوية[سنة 1878 - م - ]، بفضل طبيعة شخصه المنفتح، المبادر والطيب. لقد تعلمالعربية، وقرر ارتداء اللباس المغربي وتبني طقوس دار المخزن. بل إنه كانمحتاطا أيضا من إثارة ردود الفعل بسبب طبيعة ما يفرضه الدين من سلوك،واختار عدم السقوط في مغبة إغضاب السلطات المغربية بالتخلي عن أي عمليةللمسح الطوبوغرافي بالمغرب. حين تمت ترقيته إلى رتبة كابتان، فإن مواطنناسيتقلد منصب قيادة وحدتنا العسكرية بالرباط والتي أدخل عليها بعضالتغييرات. لقد بقي إلى جوار السلطان [ مولاي الحسن الأول ] حتى سنة 1883،وكان هذا الأخير يقدره عاليا، وتأسفنا لعدم بقائه مطولا إلى جواره. لقدفهم جيدا طبيعة الحكومة الشريفية بالمغرب، كان الحديث معه ممتعا دوما،لأنه يكون غنيا بالتفاصيل عن مهمته في الإمبراطورية الشريفية. لقد ترك لناكتابا هاما جدا عن تلك المرحلة ( كتاب «المغرب العصري» الذي أصدرهالكابتان إيركمان بباريس عن دار النشر شالاميل، سنة 1885. وهو كتاب للأسفسيتم حذف العديد من فصوله من قبل سلطات باريس، المتضمنة لمعلوماتاستخباراتية دقيقة عن المغرب وكذا عدد من المفارقات التي عاشها الرجل،والتي كانت ستعطي للكتاب متعة قراءة أعمق. وهي المعلومات التي كان يحكيهالنا دوما مواطننا إيركمان بعد أن تمت ترقيته إلى رتبة كومندان). حين عودته إلى فرنسا، ستتم الإستعانة به في القضايا المغربية، خاصة حينبلور السيد فيرو مشروعا لبعث شبان مغاربة للتكوين العسكري في إحدى قواعدناالعسكرية بفرنسا [ بعد مبادرة إنجلترا بتكوين فريق عسكري مغربي بقاعدتهاالعسكرية بجبل طارق والتي خلفت ردودا جد إيجابية - م - ]. لقد تلقوا هناكتكوينا حربيا متقدما تحت إمرة ضابطنا الفرنسي السابق بالمغرب [إيركمان]،الذي ساعدته معرفته الدقيقة بالطباع المغربية على القيام بمهمته بنجاح.لقد أعطت تلك المبادرة نتائج باهرة، على عكس مبادرات مماثلة في كل أوربالم يكتب لها النجاح بتلك الدرجة العالية. للأسف فإن وفاة السيد فيرو، أنهتبسرعة ذلك المشروع الطموح. [ ليسمح لنا القارئ مرة أخرى أن نفتح هنا قوسا مطولا، لاستعراض تفاصيلالدور الذي كان يلعبه «الحرس الشريفي»، والذي كان جزء كبير من جنودهالشباب هم من الذين استفادوا من هذا التكوين العسكري الذي يتحدث عنهالكاتب دولامارتينيير هنا. فقد كان «الحرس الشريفي» يمتلك نفوذا قويا، كونه الوحيد الذي كانت لهالقوة لصناعة «الحكومة المخزنية» خلال القرن 19 وبدايات القرن 20. وكانيتكون أساسا من عبيد بخارى، وله ترتيب نظامي صارم، يعود إلى قرون سالفة.أو كما يقول «أوجين أوبين»، في كتابه عن المغرب، فقد كانت تلك الحكوماتحكومات عسكرية تماما، بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. لكنه ابتداء من عهدالمولى الحسن الأول ثم خليفته المولى عبد العزيز، الذي ظلمته، كما قلنامرارا، الكثير من المصادر التاريخية ( خاصة الفرنسية المرتبطة بالخطةالإستعمارية لباريس لاحتلال المغرب، التي مهدت الطريق لاستعماره عبر خلقأسباب أزمة تدبيرية واقتصادية خانقة كانت التربة المحلية مساعدة لها علىمستوى ضعف الإدارة المخزنية، ثم الدفع نحو أزمة سياسية مدمرة ). تغير، إذن، دور «الحرس الشريفي»، نظرا لتعقد أساليب التسيير الحديثةآنذاك، التي كانت لا تتساوق وأسلوب التدبير المخزني المتبع في ما قبل.وكان نظام التدبير يتوزع في البلاط الشريفي إلى مستويين ( تدبير تسييرالشؤون الملكية للقصر/ ثم تدبير تسيير شؤون الدولة ). وكلا الفريقينالتدبيريين يتبعان مباشرة للسلطان، ومقرهما في «دار المخزن» ( أي القصر ).و«الحرس الشريفي»، كان مسؤولا مباشرا عن تنظيم الأمن الداخلي ل « دارالمخزن » والأمن الخاص للسلطان، وأسلوب تدبير الحياة اليومية داخل القصر.وكان النظام موزعا على « حنطات » محددة الأدوار والمهام، منها المكلفبالأمور الخارجية لدار المخزن ( تنظيم اجتماعات السلطان مع وزرائه وقوادهوعلمائه وباقي رعاياه. وكذا تنظيم اللقاءات مع السفارات الأجنبية ). ومنهاالمكلف بالأمور الداخلية لدار المخزن، وهنا كانت ل « الحرس الشريفي »أدوار واضحة. كان هناك « حاجب » له سلطة مطلقة وقوية في سيران ذلك النظام الداخليالصارم والمتداخل لدار المخزن، وكانت تتبع له أربع حنطات رئيسية، هي: «مالين الوضوء »، «مالين أتاى »، « مالين لفراش »، « مالين السجادة ». وكانأغلب هذه « الحنطات » يتكون من العبيد السود، الذين ولدوا في القصر وكبروافيه، ما عدا « مالين الوضوء » و « مالين لفراش ».. فقد كان عدد « مالينالوضوء » أكبر، ويشكلون « أعوان الديوان الشريفي » وكان يعين الحاجب عليهمخليفة له يكون مسؤولا عن عملهم. فيما « مالين لفراش » كانوا يتكونون أساسامن أفراد عائلات بعينها من قبائل مخزنية تتوراث تلك المهمة. فيما يكونأصحاب « موالين السجادة » مختارين من الشرفاء العلويين، يقودهم قوادبالتناوب، مهمتهم هي حمل سجادة الصلاة السلطانية، وتحديد مواعيد الصلاةبدقة، وهي المهمة التي يقوم بها فريق من « الموقتين » ( أي المكلفينبتحديد الوقت، وقت الصلاة ). وإذا كان « الحاجب » مسؤولا عن كل هذه المهامالداخلية، فإن إدارة المهام الخارجية ل « دار المخزن » كانت تتبع ل « قائدالمشور »، الذي يكون تابعا لإحدى القبائل المخزنية النافذة، التي لا تخرجعموما عن بقايا وتشعبات قبيلة « بخارى » من العبيد السود. وأن يكون ذلك «القايد » بالضرورة من فريق « المْسَخْرينْ » الذي يشكل عصب « الحرسالشريفي ». كانت أكبر « الحنطات » التابعة ل « قائد المشور »، هي « حنطة مالين الروى» ( أي المسؤولين عن الإسطبل السلطاني بخيله وبغاله )، ومهامهم تتحدد فيرعاية خيول وبغال السلطان، التي تكون تتجاوز في الإسطبل الواحد 250 جوادامغربيا أصيلا، يهدي منها السلطان لمن أراد من القواد أو الشرفاء أوالسفراء أو الملوك الأجانب، أحسنها وأطهمها ذات النسب المغربي الأصيل.وكانت هناك عدد من الإسطبلات الملكية موزعة على مناطق بعينها في المغرب،يحرسها ويرعاها « الحرس الشريفي » ( لا يزال هذا الدور من مهام « الحرسالملكي » إلى اليوم ). من تلك الإسطبلات الشهيرة نذكر: إسطبل الحياينة عندحجرة الشريفة قرب فاس، ثم إسطبل العرائش، وإسطبلات عبدة، الرحامنة، دكالةوالشاوية، التي تربى فيها الخيول والبغال السلطانية ( اليوم، هناك ذاتالإسطبلات، يضاف إليها إسطبلات بوزنيقة والمنصورية وإيفران ). مثلما تتبع ل « قايد المشور » فرقتان هامتان من الناحية الأمنيةوالخدماتية، الخاصة ب « دار المخزن » هي فرقتي « المشاوري » و « المسخرين». ( والمسخرين، نظام تدبيري يعود إلى عهد السعديين، وكانوا مميزين بلباسخاص، وبشاشية بها قوس ونجمة. ولم يستعيدوا مكانتهم إلا في عهد المولىالحسن الأول. مثلما كان لهم دور عسكري أيضا في بعض المعارك، ويعرفون أيضاب « أصحاب العباس » نسبة لقائد من قوادهم الذي قادهم إلى الإنتصار خلالالقرن 18 زمن سيدي محمد بن عبد الله على قبائل آيت يوسي الأمازيغيةالمتمردة. وبقي ذلك اللقب لصيقا بهم حتى بداية القرن العشرين ). علما أنعدد « المسخرين » في بداية القرن العشرين كان حوالي 3 آلاف مسخري، يشكلونالعصب الأهم ضمن « الحرس الشريفي ». لا بد من تسجيل أمر هام، هو أن « قياد الرحى » الذين يشرفون على «المسخرين » يتبعون مباشرة إلى وزير الحرب، مما يعني أن « الحرس الشريفي »،كان جسما عسكريا ضمن الجيش المغربي. وكانت ضمنهم محلات أخرى، مثل: « مالينالمكحلة »، « مالين السكين »، « مالين لفردي »، و « مالين المحافة » ( «مالين المحافة » هم المكلفون بكل ما هو ألبان وأجبان )، ثم « مالين المظلة» الذين مهمتهم محددة في حمل مظلة السلطان والعناية بها وحسن استعمالها ضدحر شمس الصيف واتقاء أمطار فصل الشتاء. ثم « المزاگرية » الذين مهمتهمالترويح عن السلطان من لفح الحر وإبعاد الذباب عنه في ترحاله وأثناءخرجاته العمومية، وهم الذين في عهد الملك الحسن الثاني رحمه الله كنانشاهدهم في التلفاز أثناء حفلات الولاء، يطوون جانبا من سلاهيمهم البيضاءالرقيقة والنظيفة ويهشون بها في الهواء. كل هؤلاء الجند والخدم من «الحنطات » التابعة ل « قايد المشور » هم الفرق المصاحبة مباشرة للسلطان فيكل تحركاته خارج القصر. وكانوا مميزين بلباسهم الخاص، الذي يتكون من «فرجية » بيضاء ناصعة، عليها برنس يتبدل حسب الفصول، حيث يكون خفيفا وشفيفافي الصيف وثقيلا في الشتاء، وألوانه لا تخرج عن الأسود والأحمر والأصفروالأخضر الفاتح ( ولكل لون معنى ودرجة في التراتبية ) ثم الشاشية علىالرأس. وكان هذا اللباس جد متناسق وجميل. ولا يزال إلى اليوم اللباس الخاصبفرق «الحرس الملكي» جد مميز، ويترجم فعليا، أنهم «الأرشيف الحي الوحيد»،لما كان عليه شكل الجيش المغربي خلال القرون الثلاث الماضية، على مستوىاللباس والنظام وشكل الإنضباط. - م - . | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
إيركمان.. ضابط المدفعية الفرنسي الذي نجح في منافسة الإنجليز في بلاط مولاي الحسن الأول
حين وصلمواطننا [الكابتان إيركمان] لأول مرة إلى مراكش، أبهر بجمال المدينة. فيالمقابل، لم يكن مرتاحا للإستقبال الذي خصصه له موظفوا المخزن. لم يكن ذلكالإستقبال عدائيا، ولم يكن مرحبا، فقد أطعمه القوم التغاضي واللامبالاة.كانت صورة الروميين [المسيحيين]، بلباسهما العسكري الأسود الخاص بضباطالمدفعية، الذي يثير القفشات بين الناس، غير مستساغة في ذلك الوسطالمغربي، البهي بشمسه وألوانه الفاتحة. بل إن الرجل، حين نزل بميناء مدينةالجديدة، قادما في باخرة من طنجة، وجد أمامه عينة من ذلك الإستقبال الذيوجده في مراكش. لقد خصص له باشا المدينة، مكان إقامة بئيس، مما يعكس عدممعرفته بمكانة الرجل العسكرية. وبفضل قنصلنا هناك، السيد بريدو، الذي أبانعن حنكة وكياسة واضحتين، فإن مواطنينا قد استطاعوا تحمل تلك الظروف بأقلالأعطاب الممكنة. لكن، حين وصلا إلى مراكش، فقد كانا أعزلين، حيث كانعليهما بداية البحث عن مكان للإقامة، وهو أمر في غاية الصعوبة لأجنبيينروميين في بلد منغلق مثل المغرب. لم يحصلوا على بيت مقبول، سوى بعد أنسكنوا عددا من الدور التي لا يحتمل العيش ولا الإقامة فيها. [ نحن هنانتحدث عن سنوات 1877- 1879].
كان ضابطنا [إيركمان]، قد استقبل، على كل حال، أول ما وصل إلى مراكش منقبل وزير الحرب شخصيا، محمد العربي بلمختار، الذي أدخله إلى بنيقته[مكتبه]، وهي عبارة عن غرفة من أربعة أمتار على أربعة. لقد بدا لضابطنا أنذلك نوع من التقدير لا يمنح للكل، من قبل ذلك الوزير الضخم الجثة الذي كانبالكاد يتحرك داخل مكتبه. لقد ترسخ الإنطباع مع توالي الأيام، لدى ضابطنا،أن وجوده غير مرحب به كثيرا، وأنه دخيل. لكن، مع توالي اللقاءات، تبددالشك وذبلت الريبة، بفضل حنكة الرجل، وكان ذلك انتصارا حقيقيا، في العلاقةمع وزير حربية مغربي له نزوع بريطانية، هو الذي كان يتناول وجبات طعامهالخفيفة في مكتبه. لم يكن يتردد في أن يقضم من فجلة، ثم يمدها إلى ضابطناليقضم منها هو أيضا. الحقيقة أن ضيافة ذلك الوزير تأخد منحى أكثر رونقا،حين يؤخد إيركمان مع مرافقه، إلى حديقة القصر، هناك حيث يرتاحان فعلا منلفح الشمس ومن غبار الأزقة، وسط أشجار البرتقال، وفتنة الورد الفواح،وخرير المياه المتدفقة من على النوافير الرخامية. كان عدد من العبيدالمتعجلين يقدمون لهم بعض الطعام، الذي كانوا يرون في كثرته بعض مبالغة،قبل أن يستأنسوا بطبيعة الحفاوة المغربية.
وجد إيركمان، بالبلاط السلطاني، السيد ماك لين، الذي كان السفيرالبريطاني، السير جون هاي، يحدد له بدقة خطة عمله وتحركاته، هو العارفبدقائق دار المخزن وتقاليدها. وحين أصبح أعزلا بدون توجيه، واجه عددا منالمشاكل، خاصة في عهد السلطان مولاي عبد العزيز. كان قد عاد سنة 1878 منرحلة مع السلطان [الحسن الأول]، وهو يقود فرقة الجنود المغاربة الذينتدربوا في جبل طارق. كان مولاي الحسن [الأول]، مبهورا ومغرما بتلك الفرقة،بلباسها وحسن تنظيمها، خاصة حين تصطف إلى جوار باقي فرق الجيش المغربي حيثيبرز الفرق كبيرا بينها. فيما اختار قائد تلك الفرقة [ماك لين] التزييبلباس مثير أشبه بتركي مضحك. [التحامل الفرنسي على التواجد الإنجليزيبالمغرب واضح هنا. فالكاتب يصدر عن موقف مسبق من قوة ذلك النفوذ، بالتاليفالأسلوب يخون صاحبه ويفضحه - م - ]. كان يضع طربوشا موشى بخيوط مذهبة منالجنب، ويرتدي بدلة مذهبة، تحت برنس مغربي من الحرير الشفاف، وينتعل أحذيةعالية بها قطع حديد تصدر أصواتا أثناء المشي. كان المعجبون به منبهرين به،فيما كان الذين لا يرتاحون له يعتبرون ذلك المظهر مضحكا ومبالغا فيه.
كان خبيرنا الفرنسي [إيركمان]، قد استهلك طاقة اجتهاد هائلة من أجل النجاحفي مهمته. ووجد العون الكبير في شخص المسؤول المغربي عن المدفعية، السيدمولاي أحمد الصويري. هو رجل ذكي التقيته بعد ذلك، وكان تلميذا لمواطنناعبد الرحمان دوسولطي. بعيدا، عن الإعجاب الذي كانت تحوزه فرقة المدفعيةعند السلطان مولاي الحسن، فإنها كانت تحتاج فعليا إلى إعادة تنظيم. كانتتتوفر على بعض المدفعية العتيقة، التي لا يحسن الجند الإعتناء بها، وكانيشرف عليها بعض من الهاربين من الجندية الإسبانية. كان أولئك المدفعيونذوي خبرة واضحة، لكنهم كانوا غير منضبطين بالمرة. لقد كانوا أشبه بأسلافهمالذين واجهناهم في معركة إيسلي [ يوم 14 غشت 1844 - م - ]، الذين كانواتحت قيادة إسباني إسمه « أحمد الإشبيلي ». لقد تمت إبادتهم من قبل جنودنادون أن يقوموا بدورهم العسكري بالمرة. فضل «إيركمان» التخلي عن أولئكالمدفعيين، وأسس فرقته الخاصة من الصفر، التي كانت تتكون من عبيد سود،منضبطين ومتحمسين، استوعبوا التوجيهات العسكرية بسرعة فائقة.
نجح، إذن، مواطننا في إبهار الكل، من خلال تكوينه لأول فرقة مغربيةللمدفعية الحديثة، بالبلاط السلطاني. وما كان من الحكومة الفرنسية إلا بأنقامت بدعم المبادرة من خلال منح المغرب قطعة مدفعية بكل مستلزماتهاالعسكرية. إنه بفضل صبر وحنكة اليوتنان إيركمان [سيصبح كابتان في ما بعد]،أصبح ممكنا تحريك عربة عسكرية في بلد أحصنة وجياد، لم يسبق لأهله قط أنرأوا سيارة عسكرية مصفحة تتحرك. لقد كان الأمر مبهرا، لأن خروج تلك الآليةكان يوم عيد ديني، وأثناء حفل تقديم «الهدية» للسلطان. تم استعراض الآليةوالفرقة العسكرية الجديدة بكل ما يليق بذلك من انضباط أبهر قواد القبائلالحاضرين. النتيجة، هي أن سلطة السلطان الميدانية تعززت أكثر، لأنه بعدمدة قصيرة سيحمل ذلك السلاح لأول مرة إلى أعالي جبال الأطلس، مما عزز بقوةغير مسبوقة من سلطة السلطان مولاي الحسن [الأول]، وأعطى نتائج سياسيةسريعة. كان ذلك السلطان، يحب دوما التذكير أن جده السلطان مولاي اسماعيلقد طوع القبائل الأمازيغية بفضل قوة سلاح البندقية آنذاك، التي لم تكن بعدفي حوزة الأمازيغ.
كان جلالته قد أعد ساحات للرماية العسكرية في قصور فاس، مكناس ومراكش. كانيحضر يوما واحدا في الأسبوع فجرا، طقس الرماية والتدريب عليها، مرفوقابعدد كبير من مسؤولي الدولة وخدام القصر. كان إطلاق النار يتم من على بعد300 متر، وكانت الآليات العسكرية بالية وقديمة، وقمحة البنادق مكسرة،والكراة الفحمية عديمة الفائدة. كانت النار توضع بواسطة خرقة ثوب، وكلخدام القصر ومسؤولي الدولة يحيطون بسيدهم، وكلما أصاب هدفا ما، بعد عدةمحاولات فاشلة، يصيح العبيد السود بصوت واحد: «الله يبارك في عمر سيدنا».
كان ضابطنا [إيركمان]، قد استقبل، على كل حال، أول ما وصل إلى مراكش منقبل وزير الحرب شخصيا، محمد العربي بلمختار، الذي أدخله إلى بنيقته[مكتبه]، وهي عبارة عن غرفة من أربعة أمتار على أربعة. لقد بدا لضابطنا أنذلك نوع من التقدير لا يمنح للكل، من قبل ذلك الوزير الضخم الجثة الذي كانبالكاد يتحرك داخل مكتبه. لقد ترسخ الإنطباع مع توالي الأيام، لدى ضابطنا،أن وجوده غير مرحب به كثيرا، وأنه دخيل. لكن، مع توالي اللقاءات، تبددالشك وذبلت الريبة، بفضل حنكة الرجل، وكان ذلك انتصارا حقيقيا، في العلاقةمع وزير حربية مغربي له نزوع بريطانية، هو الذي كان يتناول وجبات طعامهالخفيفة في مكتبه. لم يكن يتردد في أن يقضم من فجلة، ثم يمدها إلى ضابطناليقضم منها هو أيضا. الحقيقة أن ضيافة ذلك الوزير تأخد منحى أكثر رونقا،حين يؤخد إيركمان مع مرافقه، إلى حديقة القصر، هناك حيث يرتاحان فعلا منلفح الشمس ومن غبار الأزقة، وسط أشجار البرتقال، وفتنة الورد الفواح،وخرير المياه المتدفقة من على النوافير الرخامية. كان عدد من العبيدالمتعجلين يقدمون لهم بعض الطعام، الذي كانوا يرون في كثرته بعض مبالغة،قبل أن يستأنسوا بطبيعة الحفاوة المغربية.
وجد إيركمان، بالبلاط السلطاني، السيد ماك لين، الذي كان السفيرالبريطاني، السير جون هاي، يحدد له بدقة خطة عمله وتحركاته، هو العارفبدقائق دار المخزن وتقاليدها. وحين أصبح أعزلا بدون توجيه، واجه عددا منالمشاكل، خاصة في عهد السلطان مولاي عبد العزيز. كان قد عاد سنة 1878 منرحلة مع السلطان [الحسن الأول]، وهو يقود فرقة الجنود المغاربة الذينتدربوا في جبل طارق. كان مولاي الحسن [الأول]، مبهورا ومغرما بتلك الفرقة،بلباسها وحسن تنظيمها، خاصة حين تصطف إلى جوار باقي فرق الجيش المغربي حيثيبرز الفرق كبيرا بينها. فيما اختار قائد تلك الفرقة [ماك لين] التزييبلباس مثير أشبه بتركي مضحك. [التحامل الفرنسي على التواجد الإنجليزيبالمغرب واضح هنا. فالكاتب يصدر عن موقف مسبق من قوة ذلك النفوذ، بالتاليفالأسلوب يخون صاحبه ويفضحه - م - ]. كان يضع طربوشا موشى بخيوط مذهبة منالجنب، ويرتدي بدلة مذهبة، تحت برنس مغربي من الحرير الشفاف، وينتعل أحذيةعالية بها قطع حديد تصدر أصواتا أثناء المشي. كان المعجبون به منبهرين به،فيما كان الذين لا يرتاحون له يعتبرون ذلك المظهر مضحكا ومبالغا فيه.
كان خبيرنا الفرنسي [إيركمان]، قد استهلك طاقة اجتهاد هائلة من أجل النجاحفي مهمته. ووجد العون الكبير في شخص المسؤول المغربي عن المدفعية، السيدمولاي أحمد الصويري. هو رجل ذكي التقيته بعد ذلك، وكان تلميذا لمواطنناعبد الرحمان دوسولطي. بعيدا، عن الإعجاب الذي كانت تحوزه فرقة المدفعيةعند السلطان مولاي الحسن، فإنها كانت تحتاج فعليا إلى إعادة تنظيم. كانتتتوفر على بعض المدفعية العتيقة، التي لا يحسن الجند الإعتناء بها، وكانيشرف عليها بعض من الهاربين من الجندية الإسبانية. كان أولئك المدفعيونذوي خبرة واضحة، لكنهم كانوا غير منضبطين بالمرة. لقد كانوا أشبه بأسلافهمالذين واجهناهم في معركة إيسلي [ يوم 14 غشت 1844 - م - ]، الذين كانواتحت قيادة إسباني إسمه « أحمد الإشبيلي ». لقد تمت إبادتهم من قبل جنودنادون أن يقوموا بدورهم العسكري بالمرة. فضل «إيركمان» التخلي عن أولئكالمدفعيين، وأسس فرقته الخاصة من الصفر، التي كانت تتكون من عبيد سود،منضبطين ومتحمسين، استوعبوا التوجيهات العسكرية بسرعة فائقة.
نجح، إذن، مواطننا في إبهار الكل، من خلال تكوينه لأول فرقة مغربيةللمدفعية الحديثة، بالبلاط السلطاني. وما كان من الحكومة الفرنسية إلا بأنقامت بدعم المبادرة من خلال منح المغرب قطعة مدفعية بكل مستلزماتهاالعسكرية. إنه بفضل صبر وحنكة اليوتنان إيركمان [سيصبح كابتان في ما بعد]،أصبح ممكنا تحريك عربة عسكرية في بلد أحصنة وجياد، لم يسبق لأهله قط أنرأوا سيارة عسكرية مصفحة تتحرك. لقد كان الأمر مبهرا، لأن خروج تلك الآليةكان يوم عيد ديني، وأثناء حفل تقديم «الهدية» للسلطان. تم استعراض الآليةوالفرقة العسكرية الجديدة بكل ما يليق بذلك من انضباط أبهر قواد القبائلالحاضرين. النتيجة، هي أن سلطة السلطان الميدانية تعززت أكثر، لأنه بعدمدة قصيرة سيحمل ذلك السلاح لأول مرة إلى أعالي جبال الأطلس، مما عزز بقوةغير مسبوقة من سلطة السلطان مولاي الحسن [الأول]، وأعطى نتائج سياسيةسريعة. كان ذلك السلطان، يحب دوما التذكير أن جده السلطان مولاي اسماعيلقد طوع القبائل الأمازيغية بفضل قوة سلاح البندقية آنذاك، التي لم تكن بعدفي حوزة الأمازيغ.
كان جلالته قد أعد ساحات للرماية العسكرية في قصور فاس، مكناس ومراكش. كانيحضر يوما واحدا في الأسبوع فجرا، طقس الرماية والتدريب عليها، مرفوقابعدد كبير من مسؤولي الدولة وخدام القصر. كان إطلاق النار يتم من على بعد300 متر، وكانت الآليات العسكرية بالية وقديمة، وقمحة البنادق مكسرة،والكراة الفحمية عديمة الفائدة. كانت النار توضع بواسطة خرقة ثوب، وكلخدام القصر ومسؤولي الدولة يحيطون بسيدهم، وكلما أصاب هدفا ما، بعد عدةمحاولات فاشلة، يصيح العبيد السود بصوت واحد: «الله يبارك في عمر سيدنا».
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الضابط الفرنسي «إيركمان»، رجل ثقة السلطان مولاي الحسن الأول لحل العديد من المعادلات الرياضية والكيميائية قبل 1882
في أول حصةسلطانية للرماية يحضرها الضابط الفرنسي [إيركمان]، نجح عاليا في أن يلفتانتباه السلطان مولاي الحسن [الأول] إليه. كان السلطان يتقن فن الرماية،حقيقة، أحسن من رامينا، لكن هذا الأخير، بعد حسن اتباعه لتفاصيل التقنيةالمستعملة، نجح في استيعاب الأمر تقنيا بفضل خبرته العسكرية. بل إنالفرنسي هذا سينجح بكياسة في أن يصحح أخطاء السلطان في الرماية، مما أثرفي مولاي الحسن وجعله يهتم بإيركمان.
سيواجه الضابط الفرنسي مقاومة أشد، حين حاول إقناع المغاربة بتغييرآلياتهم العسكرية وإصلاحها، كانت الرؤوس النافذة في دار المخزن أصلب منالصخر. كان تكوين تلك الرؤوس العسكري متوسطا، مما تطلب من الرجل بدل جهدهائل، بصبر وحنكة. مثلا، مجرد تغيير فتيلة وكبسولة التفجير المدفعية، تطلبمنه وقتا طويلا. كان الكل يقول له إن تقنيته الجديدة سوف تؤخر مدة إطلاقالقذيفة وتغير من مسارها. لكن، المعرفة العلمية لضابطنا الفرنسي هي التيانتصرت في نهاية المطاف وأقنعت الكل بوجاهتها في هذا الميدان التقنيالعسكري المتخصص. النتيجة هي أنه قد تعاظمت مكانة إيركمان، وأصبح ملاذاللسؤال والإستفسار حول عدد من النقط العلمية والجبرية الرياضيةوالخرائطية، وأطلق عليه لقب : « الحكيم ».
كان السلطان [مولاي الحسن الأول] المغرم بالكيمياء، مثل أغلب العربوالمغاربة عموما، كثيرا ما يطلبه حتى في ساعة متأخرة من الليل. كان الحرسيقيمون الدنيا في أزقة المدينة، لفتح الأبواب، من أجل الإتيان بإيركمان،الذي أصبح رجلا يحوز احترام وتقدير الكل. حين يصل إلى القصر، فإنه يعبرتحت ضوء القناديل والشموع، معابر عدة وغرفا، يتراكم بها أثاث عتيق وجديد،أغلبه هدايا من سفارات أجنبية، وبعضه يعود لقرون غابرة. كانت هناك آلاتبيانو، وأرائك مذهبة وساعات حائطية وعلب موسيقية، ثم يجد أخيرا السلطانمولاي الحسن [الأول] غارقا بين أوراق ومخطوطات عربية قديمة، يحاول إيجادحل لمعادلة رياضية.
كان هناك مغربي مثير بدسائسه ومؤامراته، ينحدر من منطقة الريف، سبق وبعثهالسلطان إلى فرنسا للدراسة بباريس، والتخصص في مجال ضرب النقود. وكان منبلادتنا [لاحظوا معي التعبير هنا من قبل دولامارتينيير - م - ]، أنعاملناه هناك كشخصية سامية. لقد تعرف المغربي هناك على علماء أجلاء مثلالعالم «كاهور»، دون أن يفهم شيئا من أعمالهم. وحين عودته إلى المغرب،كلفه السلطان بإعداد مختبر للتجارب، لكن في ظروف جد غريبة. كان المخزنيحتاط من ذلك الريفي، وكان يخشى هروبه إلى شمال المغرب، الذي كان يهيئ لهالمجال للتمرد، فكان أن وضع في السجن. في كل صباح، كان جندي يأخده مكبلابالسلاسل في قدميه للإشتغال في مختبر السلطان بالقصر. وفي عهدنا هذا[مابين سنتي 1882 و 1904 - م - ]، ما زلنا نشاهد بمراكش مدخنة عالية منالحجر المرصوف، التي بناها ذلك المغربي الريفي، في مكان قصي من قصرالسعديين.
كانت شخصية ضابطنا العسكري [اليوتنان إيركمان]، قد بدأت تثير الإعجاب منالكل، وأساسا من السلطان. بل إنه حين تمت ترقيته إلى رتبة كابتان، سيتولىمنصب قيادة المهمة العسكرية بكاملها [في المغرب]. كان ذلك نتيجة طبيعيةللجهد الذي بدله الرجل في التأقلم جيدا مع الوسط المغربي. ورغم إتقانهللغة العربية، التي كان يتحدث بها بطلاقة، ورغم اندماجه الكامل في الوسطالمغربي، بما فيه الوسط الشعبي، فإنه ظل حريصا في دواخله على نخوتهالفرنسية العسكرية، وكان اندماجه ذاك سلاحا للتغطية ضد مكائد القصورالسلطانية وخدمها. لم نكن نحن لنفرح بأكثر من ذلك، فذلك هو عز المنىوالطلب [لننتبه للغة الكاتب. فهو يعترف أن الغاية هي حسن الإنسلال داخلدواليب القصر وفي نفس الآن الإبقاء على الهوية الفرنسية سليمة لمبعوثها،وعدم إغفال المهمة الأصلية للضابط الفرنسي، وهي تعزيز مكانة باريس لدىالسلطان المغربي ومحيطه - م - ]. لقد كانت خطتنا السياسية سوف تربح كثيرالو بقي الرجل في مهمته، لولا أن قرارا غريبا صدر سنة 1882، يقضي بضرورةالتحاقه بفيلق من فيالقنا العسكرية الهامة بفرنسا، وهو القرار الذي لميعجب السلطان مولاي الحسن، لأنه تم بدون أخد رأيه أو استشارته.
كانت مهمتنا العسكرية [بالمغرب] قد شهدت توالي عدد من المسؤولين العسكريينالكبار، لكن ذلك التغيير المتواصل في الرجال، قد أثر كثيرا على الغايةالتي نسعى إلى تحقيقها. لهذا السبب سوف تتفتق فكرة هامة من وزيرنا [السفيرالفرنسي بالمغرب]، الكونت دوبينيي، القاضية بتكليف الدكتور ليناريس،أساسا، بمهمة الوساطة بين بعتثنا الديبلوماسية في طنجة والقصر السلطاني،وتحريره من تراتبية بعتثنا العسكرية الصارمة.
في حوالي سنة 1886، سوف يبعث السلطان [مولاي الحسن الأول] بعثة من الشبانالمغاربة للدراسة والتكوين في مجال الهندسة العسكرية، بمدرستنا المتخصصةفي مدينة مونبولييه [بجنوب فرنسا]. ولقد كانوا تحت إمرة القنصل العامالبرتغالي الأسبق السيد دوسي، الذي اعتنق الإسلام واستقر بالمغرب. عادوابعد سنتين من التكوين والدراسة، ليجدوا أنفسهم غرباء في وسط مخزني منغلقومتطرف، مما جعلهم يتعايشون مع طبيعة ذلك الوسط بشكله السلبي. أحد أولئكالطلبة المغاربة، هو إبن مواطننا عبدالرحمان دوسولطي الذي أسلم، وسبق لناالحديث عنه بتفصيل. لقد سمحت تلك الرحلة إلى فرنسا لذلك الشاب بالإنفتاحعلى عوالم جديدة، وحين عاد إلى القصر، وجد نفسه تائها وحيدا مع زملائهالطلبة العائدين، ومن أجل التخلص من ذلك الجو الخانق والعودة إلى أصوله[التعبير الأسلم لغويا هنا، والذي يتقصده الكاتب هو «الإرتداد إلى أصولهالفرنسية» بمعناها الحضاري والسلوكي والفكري والعقدي - م - ]، فإنه التحقبطنجة، حيث عمل بالسفارة تحت إمرتي لسنوات طويلة. كانت نباهته وجديته،حاسمتين في العديد من الظروف، وقدم لي خدمات جلى في العديد من مهاميالديبلوماسية ورحلاتي وأبحاثي العلمية داخل المغرب.
سيواجه الضابط الفرنسي مقاومة أشد، حين حاول إقناع المغاربة بتغييرآلياتهم العسكرية وإصلاحها، كانت الرؤوس النافذة في دار المخزن أصلب منالصخر. كان تكوين تلك الرؤوس العسكري متوسطا، مما تطلب من الرجل بدل جهدهائل، بصبر وحنكة. مثلا، مجرد تغيير فتيلة وكبسولة التفجير المدفعية، تطلبمنه وقتا طويلا. كان الكل يقول له إن تقنيته الجديدة سوف تؤخر مدة إطلاقالقذيفة وتغير من مسارها. لكن، المعرفة العلمية لضابطنا الفرنسي هي التيانتصرت في نهاية المطاف وأقنعت الكل بوجاهتها في هذا الميدان التقنيالعسكري المتخصص. النتيجة هي أنه قد تعاظمت مكانة إيركمان، وأصبح ملاذاللسؤال والإستفسار حول عدد من النقط العلمية والجبرية الرياضيةوالخرائطية، وأطلق عليه لقب : « الحكيم ».
كان السلطان [مولاي الحسن الأول] المغرم بالكيمياء، مثل أغلب العربوالمغاربة عموما، كثيرا ما يطلبه حتى في ساعة متأخرة من الليل. كان الحرسيقيمون الدنيا في أزقة المدينة، لفتح الأبواب، من أجل الإتيان بإيركمان،الذي أصبح رجلا يحوز احترام وتقدير الكل. حين يصل إلى القصر، فإنه يعبرتحت ضوء القناديل والشموع، معابر عدة وغرفا، يتراكم بها أثاث عتيق وجديد،أغلبه هدايا من سفارات أجنبية، وبعضه يعود لقرون غابرة. كانت هناك آلاتبيانو، وأرائك مذهبة وساعات حائطية وعلب موسيقية، ثم يجد أخيرا السلطانمولاي الحسن [الأول] غارقا بين أوراق ومخطوطات عربية قديمة، يحاول إيجادحل لمعادلة رياضية.
كان هناك مغربي مثير بدسائسه ومؤامراته، ينحدر من منطقة الريف، سبق وبعثهالسلطان إلى فرنسا للدراسة بباريس، والتخصص في مجال ضرب النقود. وكان منبلادتنا [لاحظوا معي التعبير هنا من قبل دولامارتينيير - م - ]، أنعاملناه هناك كشخصية سامية. لقد تعرف المغربي هناك على علماء أجلاء مثلالعالم «كاهور»، دون أن يفهم شيئا من أعمالهم. وحين عودته إلى المغرب،كلفه السلطان بإعداد مختبر للتجارب، لكن في ظروف جد غريبة. كان المخزنيحتاط من ذلك الريفي، وكان يخشى هروبه إلى شمال المغرب، الذي كان يهيئ لهالمجال للتمرد، فكان أن وضع في السجن. في كل صباح، كان جندي يأخده مكبلابالسلاسل في قدميه للإشتغال في مختبر السلطان بالقصر. وفي عهدنا هذا[مابين سنتي 1882 و 1904 - م - ]، ما زلنا نشاهد بمراكش مدخنة عالية منالحجر المرصوف، التي بناها ذلك المغربي الريفي، في مكان قصي من قصرالسعديين.
كانت شخصية ضابطنا العسكري [اليوتنان إيركمان]، قد بدأت تثير الإعجاب منالكل، وأساسا من السلطان. بل إنه حين تمت ترقيته إلى رتبة كابتان، سيتولىمنصب قيادة المهمة العسكرية بكاملها [في المغرب]. كان ذلك نتيجة طبيعيةللجهد الذي بدله الرجل في التأقلم جيدا مع الوسط المغربي. ورغم إتقانهللغة العربية، التي كان يتحدث بها بطلاقة، ورغم اندماجه الكامل في الوسطالمغربي، بما فيه الوسط الشعبي، فإنه ظل حريصا في دواخله على نخوتهالفرنسية العسكرية، وكان اندماجه ذاك سلاحا للتغطية ضد مكائد القصورالسلطانية وخدمها. لم نكن نحن لنفرح بأكثر من ذلك، فذلك هو عز المنىوالطلب [لننتبه للغة الكاتب. فهو يعترف أن الغاية هي حسن الإنسلال داخلدواليب القصر وفي نفس الآن الإبقاء على الهوية الفرنسية سليمة لمبعوثها،وعدم إغفال المهمة الأصلية للضابط الفرنسي، وهي تعزيز مكانة باريس لدىالسلطان المغربي ومحيطه - م - ]. لقد كانت خطتنا السياسية سوف تربح كثيرالو بقي الرجل في مهمته، لولا أن قرارا غريبا صدر سنة 1882، يقضي بضرورةالتحاقه بفيلق من فيالقنا العسكرية الهامة بفرنسا، وهو القرار الذي لميعجب السلطان مولاي الحسن، لأنه تم بدون أخد رأيه أو استشارته.
كانت مهمتنا العسكرية [بالمغرب] قد شهدت توالي عدد من المسؤولين العسكريينالكبار، لكن ذلك التغيير المتواصل في الرجال، قد أثر كثيرا على الغايةالتي نسعى إلى تحقيقها. لهذا السبب سوف تتفتق فكرة هامة من وزيرنا [السفيرالفرنسي بالمغرب]، الكونت دوبينيي، القاضية بتكليف الدكتور ليناريس،أساسا، بمهمة الوساطة بين بعتثنا الديبلوماسية في طنجة والقصر السلطاني،وتحريره من تراتبية بعتثنا العسكرية الصارمة.
في حوالي سنة 1886، سوف يبعث السلطان [مولاي الحسن الأول] بعثة من الشبانالمغاربة للدراسة والتكوين في مجال الهندسة العسكرية، بمدرستنا المتخصصةفي مدينة مونبولييه [بجنوب فرنسا]. ولقد كانوا تحت إمرة القنصل العامالبرتغالي الأسبق السيد دوسي، الذي اعتنق الإسلام واستقر بالمغرب. عادوابعد سنتين من التكوين والدراسة، ليجدوا أنفسهم غرباء في وسط مخزني منغلقومتطرف، مما جعلهم يتعايشون مع طبيعة ذلك الوسط بشكله السلبي. أحد أولئكالطلبة المغاربة، هو إبن مواطننا عبدالرحمان دوسولطي الذي أسلم، وسبق لناالحديث عنه بتفصيل. لقد سمحت تلك الرحلة إلى فرنسا لذلك الشاب بالإنفتاحعلى عوالم جديدة، وحين عاد إلى القصر، وجد نفسه تائها وحيدا مع زملائهالطلبة العائدين، ومن أجل التخلص من ذلك الجو الخانق والعودة إلى أصوله[التعبير الأسلم لغويا هنا، والذي يتقصده الكاتب هو «الإرتداد إلى أصولهالفرنسية» بمعناها الحضاري والسلوكي والفكري والعقدي - م - ]، فإنه التحقبطنجة، حيث عمل بالسفارة تحت إمرتي لسنوات طويلة. كانت نباهته وجديته،حاسمتين في العديد من الظروف، وقدم لي خدمات جلى في العديد من مهاميالديبلوماسية ورحلاتي وأبحاثي العلمية داخل المغرب.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الفيل «ستوك» هدية ملكة بريطانيا فيكتوريا لسلطان المغرب يموت في فاس
كان استقبالالسلطان ببلاطات قصوره للبعثات الديبلوماسية الأجنبية القادمة من طنجة،فرصة لإبراز مكانته السياسية الشريفية الهامة أمام شعبه. إن حمل الرسائلإليه، أو تقديم الهدايا الديبلوماسية، أو التعريف بشخوص المهام الخاصة، هوفي الحقيقة نوع التواضع المفتعل الذي غايته تمجيد الجالس على العرش. [الحقيقة أن لغة دولامارتينيير هنا بعيدة عن أي منطق تأريخي علمي، بل فيهاكثير تحامل مجاني. لأنه، مثلا، ما الذي كان يقوم به زعماء فرنسا من ملوكوإمبراطورات ورؤساء، غير ذات التقليد السياسي. فالأمر ليس حكرا على سلاطينالمغرب، بل هو منسحب على كل صاحب مسؤولية عمومية عليا في دول العالم.بالتالي، فاللغة هنا فيها تحامل مجاني من قبل الكاتب - م - ].
يكون الوافدون الأجانب واقفين فوق تراب الأرض، تحت أشعة الشمس اللافحة،والسلطان فوق حصانه محمي بمظلته السلطانية، والجلبة تكون هائلة حول ذلكالوفد الأجنبي. بل إن بدلهم التي يكونون قد اعتنوا بها قبل الإستقبال،تصبح في حالة يرثى لها، ويظهرون من خلالها مغبرين، بؤساء. كان يقال لنا،لتبرير ذلك، إن السلطان مولاي الحسن متشبت بالبروتوكول المغربي الأصيل،الذي يحرص على أن يكون عرشه فوق جواده، لأن عرش أجداده كان دوما فوق صهوةجيادهم. هذه التبريرات لا تقنع أحدا منا، لكننا كنا نتعايش معها. لقد حدثفي عهد السلطان مولاي اسماعيل حادث مماثل، حين جاءت إليه سفارة من الملكلويس الرابع عشر، يترأسها السيد دوسانت أولون، الذي وجد صعوبة هائلة فيالتأقلم مع البروتوكول، فرفض التقاليد المغربية، وأصر على أن يستقبل وحدهرأسا لرأس، بما يليق بمكانته الإجتماعية والسياسية. لقد اكتشفنا، مثلا،أنه في ظل حكم السعديين، الذين كان حكمهم قويا جدا، كان تمة أسلوب آخر فيالتعامل، أكثر ترحيبا وأسلس. تكفينا العودة إلى مذكرات كاتب إسباني تعودإلى ذلك الزمن، لنكتشف كيف أن السفير كان مقيما في جناح خاص، وأنه حمل فياحترام إلى قاعة الإستقبال السلطانية، مرفوقا بترجمانه، حيث التقى السلطانأحمد المنصور [الذهبي]. وأنه بعد التحيات المعتادة في مثل هذه المناسبات،يكون الرجلان واقفان وجها لوجه على بعد خطوة واحدة، فيقوم المبعوث الأجنبيبإزالة قبعته وينحني على ركبته طالبا يد السلطان، فيقوم هذا الأخير بوضعيده على رأسه، ليرفع وجه السفير ويطلب منه الجلوس جواره على أرائك مخمليةمريحة، وأن يضع قبعته على رأسه. إن هذه الصورة تناقض الصرامة التي تقابلنافي البلاط الشريفي اليوم [يقصد الكاتب أواسط القرن 19. والحقيقة أن تعاملالسلاطين مع السفارات يختلف من دولة إلى أخرى. مثلا، الحضور الإنجليزي،الذي كان قويا في المغرب، جعل السلاطين المغاربة دوما يخصون السفاراتالبريطانية بمعاملة خاصة، تعكس التقدير المتبادل بين العرشين. بل إن أولمن سمح له بركوب الحصان أثناء استقباله من قبل السلطان المغربي هو سفيرإنجلترا الذي جاء في مهمة ديبلوماسية إلى مراكش في أواخر القرن 19، وهوالأمر الذي تم بطلب من السفير البريطاني نفسه إلى السلطان وحاشيته. أماالتعامل مع السفارات الفرنسية، خاصة بعد احتلال باريس للجزائر ابتداء منسنة 1830، وبعد هزيمة الجيش المغربي أمام الجيش الفرنسي سنة 1844 في معركةإيسلي، قد جعل السلاطين المغاربة يحرصون على إبراز علوهم وعلو مكانتهمومكانة دولتهم أمام كل سفارة فرنسية. وهذا من الأمور التي لم تكن لتتركأثرا طيبا في أنفس مختلف السفارات الفرنسية التي حضرت إلى القصر السلطانيلهذه المناسبة أو تلك. ونفس الأمر ينسحب على الإنطباع الذي خلفه استقبالالسلطان المولى الحسن الأول للسفارة الفرنسية التي كان ضمنها السيد دولامارتينيير. بالتالي، فإن تحامله هنا مفهومة أسبابه وله خلفياته، وأحكامهالإطلاقية هنا ليست علمية بالمرة ولا تمت للحقيقة بصلة. الأمر كان كذلكفعلا بالنسبة للسفارات الإسبانية والفرنسية، أما الإنجليزية والألمانيةوالسويدية والهولندية فالأمر مختلف، اختلاف المصالح والسياقات وطبيعةالعلاقات. - م - ].
لقد حاول سفيرنا ووزيرنا السيد أورديغا، حين مقدمه إلى البلاط السلطانيسنة 1882، من أجل تقديم أوراق اعتماده، أن يغطي رأسه مما تسبب في أزمةبروتكولية. ولو كان ملما بالتاريخ لطرح أمام السلطان سابقة سفيرنا السيددوسانت أولون [أمام السلطان مولاي اسماعيل]. مثلما أن أحد أسلافه، وهوالسيد تيسو، قد حصل على حق الجلوس أمام السلطان أثناء المفاوضات التجاريةوالسياسية معه، لقد كان يكفي طلب ذلك بوضوح وصرامة من أجل تحققه. لقد شجعتتلك المبادرة كل الجسم الديبلوماسي الأجنبي في المغرب على استغلال تلكالسابقة من أجل تغيير أسلوب التعامل معهم. هم الذين كانوا يصمتون من قبلبسبب العادة والخمول أو بسبب الجبن، ويتحملون تلك التفاصيل غير المقبولة.لكن لابد من الإنتباه أن لذلك معنى، بخصوص فرنسا التي هي جارة للمغرب فيالجزائر، عند العامة من المغاربة. فالمغرب بلد إسلامي قوي. وأثناء تلكالسفارات، يقدم السلطان بعض الهدايا لضيوفه، حيث يقدم فرسا مسرجة وبندقيةوسيفا للسفير أو رئيس الوفد، ثم فرسا غير مسرجة وسيفا للسكرتير الأول،ويتلقى الباقون هداياهم تبعا لرتبهم الديبلوماسية. مثلا، الترجمان الأجنبييمنح فرسا، والترجمان المغربي بغلة، مثلما توزع قطع ثوب حريرية على رجالاتالبلاط، الذين يقبلون اليد الشريفة التي تفضلت عليهم بأعطياتها.
بخصوص الهدايا التي يحملها معهم السفراء والديبلوماسيون إلى السلطان،فإنها تكون في الغالب مختارة بشكل اعتباطي. على أن أعلى الهدايا في هذاالباب، فيل هندي أهدته ملكة بريطانيا للسلطان المغربي. لقد كاد ذلك الفيلأن يغرق في عرض طنجة ويغرق معه الرجال الذين حاولوا إنزاله إلى الشط.مثلما أن رحلته داخل البلاد قد أحدتث رجة وزلزالا في ما بين القبائل،بينما كان الجو في البلاط جو حيرة حقيقية. لقد تسبب في أحداث في فاس، حيناحتج التجار على الكلفة الغالية لتوفير المأكل لذلك الحيوان الضخم. ومنحسن حظهم، أن ذلك الفيل الذي اسمه «ستوك» سوف يصاب بمرض غريب حار معهالأطباء البيطريون المغاربة، انتهى بموته. أما سائسه الهندي الذي جاء معهمن بلاد الهند البعيدة، فإنه فرح بتلك الوفاة وبالتخلص من الجو العامالمحيط به في فاس، وأسرع في العودة إلى بلاده «رادجاه».
يكون الوافدون الأجانب واقفين فوق تراب الأرض، تحت أشعة الشمس اللافحة،والسلطان فوق حصانه محمي بمظلته السلطانية، والجلبة تكون هائلة حول ذلكالوفد الأجنبي. بل إن بدلهم التي يكونون قد اعتنوا بها قبل الإستقبال،تصبح في حالة يرثى لها، ويظهرون من خلالها مغبرين، بؤساء. كان يقال لنا،لتبرير ذلك، إن السلطان مولاي الحسن متشبت بالبروتوكول المغربي الأصيل،الذي يحرص على أن يكون عرشه فوق جواده، لأن عرش أجداده كان دوما فوق صهوةجيادهم. هذه التبريرات لا تقنع أحدا منا، لكننا كنا نتعايش معها. لقد حدثفي عهد السلطان مولاي اسماعيل حادث مماثل، حين جاءت إليه سفارة من الملكلويس الرابع عشر، يترأسها السيد دوسانت أولون، الذي وجد صعوبة هائلة فيالتأقلم مع البروتوكول، فرفض التقاليد المغربية، وأصر على أن يستقبل وحدهرأسا لرأس، بما يليق بمكانته الإجتماعية والسياسية. لقد اكتشفنا، مثلا،أنه في ظل حكم السعديين، الذين كان حكمهم قويا جدا، كان تمة أسلوب آخر فيالتعامل، أكثر ترحيبا وأسلس. تكفينا العودة إلى مذكرات كاتب إسباني تعودإلى ذلك الزمن، لنكتشف كيف أن السفير كان مقيما في جناح خاص، وأنه حمل فياحترام إلى قاعة الإستقبال السلطانية، مرفوقا بترجمانه، حيث التقى السلطانأحمد المنصور [الذهبي]. وأنه بعد التحيات المعتادة في مثل هذه المناسبات،يكون الرجلان واقفان وجها لوجه على بعد خطوة واحدة، فيقوم المبعوث الأجنبيبإزالة قبعته وينحني على ركبته طالبا يد السلطان، فيقوم هذا الأخير بوضعيده على رأسه، ليرفع وجه السفير ويطلب منه الجلوس جواره على أرائك مخمليةمريحة، وأن يضع قبعته على رأسه. إن هذه الصورة تناقض الصرامة التي تقابلنافي البلاط الشريفي اليوم [يقصد الكاتب أواسط القرن 19. والحقيقة أن تعاملالسلاطين مع السفارات يختلف من دولة إلى أخرى. مثلا، الحضور الإنجليزي،الذي كان قويا في المغرب، جعل السلاطين المغاربة دوما يخصون السفاراتالبريطانية بمعاملة خاصة، تعكس التقدير المتبادل بين العرشين. بل إن أولمن سمح له بركوب الحصان أثناء استقباله من قبل السلطان المغربي هو سفيرإنجلترا الذي جاء في مهمة ديبلوماسية إلى مراكش في أواخر القرن 19، وهوالأمر الذي تم بطلب من السفير البريطاني نفسه إلى السلطان وحاشيته. أماالتعامل مع السفارات الفرنسية، خاصة بعد احتلال باريس للجزائر ابتداء منسنة 1830، وبعد هزيمة الجيش المغربي أمام الجيش الفرنسي سنة 1844 في معركةإيسلي، قد جعل السلاطين المغاربة يحرصون على إبراز علوهم وعلو مكانتهمومكانة دولتهم أمام كل سفارة فرنسية. وهذا من الأمور التي لم تكن لتتركأثرا طيبا في أنفس مختلف السفارات الفرنسية التي حضرت إلى القصر السلطانيلهذه المناسبة أو تلك. ونفس الأمر ينسحب على الإنطباع الذي خلفه استقبالالسلطان المولى الحسن الأول للسفارة الفرنسية التي كان ضمنها السيد دولامارتينيير. بالتالي، فإن تحامله هنا مفهومة أسبابه وله خلفياته، وأحكامهالإطلاقية هنا ليست علمية بالمرة ولا تمت للحقيقة بصلة. الأمر كان كذلكفعلا بالنسبة للسفارات الإسبانية والفرنسية، أما الإنجليزية والألمانيةوالسويدية والهولندية فالأمر مختلف، اختلاف المصالح والسياقات وطبيعةالعلاقات. - م - ].
لقد حاول سفيرنا ووزيرنا السيد أورديغا، حين مقدمه إلى البلاط السلطانيسنة 1882، من أجل تقديم أوراق اعتماده، أن يغطي رأسه مما تسبب في أزمةبروتكولية. ولو كان ملما بالتاريخ لطرح أمام السلطان سابقة سفيرنا السيددوسانت أولون [أمام السلطان مولاي اسماعيل]. مثلما أن أحد أسلافه، وهوالسيد تيسو، قد حصل على حق الجلوس أمام السلطان أثناء المفاوضات التجاريةوالسياسية معه، لقد كان يكفي طلب ذلك بوضوح وصرامة من أجل تحققه. لقد شجعتتلك المبادرة كل الجسم الديبلوماسي الأجنبي في المغرب على استغلال تلكالسابقة من أجل تغيير أسلوب التعامل معهم. هم الذين كانوا يصمتون من قبلبسبب العادة والخمول أو بسبب الجبن، ويتحملون تلك التفاصيل غير المقبولة.لكن لابد من الإنتباه أن لذلك معنى، بخصوص فرنسا التي هي جارة للمغرب فيالجزائر، عند العامة من المغاربة. فالمغرب بلد إسلامي قوي. وأثناء تلكالسفارات، يقدم السلطان بعض الهدايا لضيوفه، حيث يقدم فرسا مسرجة وبندقيةوسيفا للسفير أو رئيس الوفد، ثم فرسا غير مسرجة وسيفا للسكرتير الأول،ويتلقى الباقون هداياهم تبعا لرتبهم الديبلوماسية. مثلا، الترجمان الأجنبييمنح فرسا، والترجمان المغربي بغلة، مثلما توزع قطع ثوب حريرية على رجالاتالبلاط، الذين يقبلون اليد الشريفة التي تفضلت عليهم بأعطياتها.
بخصوص الهدايا التي يحملها معهم السفراء والديبلوماسيون إلى السلطان،فإنها تكون في الغالب مختارة بشكل اعتباطي. على أن أعلى الهدايا في هذاالباب، فيل هندي أهدته ملكة بريطانيا للسلطان المغربي. لقد كاد ذلك الفيلأن يغرق في عرض طنجة ويغرق معه الرجال الذين حاولوا إنزاله إلى الشط.مثلما أن رحلته داخل البلاد قد أحدتث رجة وزلزالا في ما بين القبائل،بينما كان الجو في البلاط جو حيرة حقيقية. لقد تسبب في أحداث في فاس، حيناحتج التجار على الكلفة الغالية لتوفير المأكل لذلك الحيوان الضخم. ومنحسن حظهم، أن ذلك الفيل الذي اسمه «ستوك» سوف يصاب بمرض غريب حار معهالأطباء البيطريون المغاربة، انتهى بموته. أما سائسه الهندي الذي جاء معهمن بلاد الهند البعيدة، فإنه فرح بتلك الوفاة وبالتخلص من الجو العامالمحيط به في فاس، وأسرع في العودة إلى بلاده «رادجاه».
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
كيف تتوفق السويد دوما في هداياها إلى سلاطين المغرب وتنتصر على كل السفراء الأجانب
كانتقضية الهدايا الخاصة بالأمراء المسلمين، في القرن الثامن عشر، بباريس،موضوع اهتمام خاص جدا. كان الحرص كبيرا، على أن لا يهدى لهم سوى النفيسالغالي. لقد اكتشفنا مثلا، أن الملك لويس السادس عشر، كان قد أهدى خيمةملكية بادخة، أبهرت البلاط السلطاني الشريفي بالمغرب. بل، إنني قد تمكنتمن جمع معلومات مدققة، ضمن أرشيفنا الوطني [أرشيف وزارة الخارجيةالفرنسية]، عن حجم الهدايا التي حملها ممثلونا وسفراؤنا إلى هناك. إنهاعبارة عن أسرة مذهبة، بها أعمدة رواسي ضخمة، منقوشة عليها بالذهب آياتقرآنية باللغة العربية، وكذا زرابي من نوع «أوبيسون» [ وهي زرابي تعود إلىالقرن العاشر الميلادي، معروفة جدا بفرنسا وأروبا على أنها زرابي ملوكوإمبراطورات. وهي صناعة فرنسية محضة وجد غالية. قيمة هذه الزرابيوخصوصيتها أنها تضم رسومات دقيقة عن أوضاع إنسانية مختلفة، فيها الديني،فيها السياسي، وفيها الغرامي. هي غاية في الروعة، نظرا لجحم الألوانالمتضمنة فيها، والدقة العالية التي تميزها في الإنجاز. وسميت ب « زرابيأوبيسون» نسبة إلى المعمل الملكي الشهير للزرابي بمنطقة «أوبيسون» بفرنسا،الذي تم تأسيسه سنة 1665 ميلادية، وظل يعمل إلى اليوم في إنتاج هذا النوعمن الزرابي الفاخرة. علما أن بداية ظهور هذا النوع من الزرابي، بذاتالمنطقة يعود إلى القرن العاشر الميلادي، وكانت تعرف بتقنية الزرابيالخضراء. - م - ]. ومن بين الهدايا أيضا، نجد الشراشف وأغطية الأسرةالحريرية، والأثواب الحريرية، والساعات المذهبة، والساعات الضخمة المصنوعةمن الفضة، والجواهر، وملابس النساء بالنسبة لنساء الحريم، وعددا من أوانيالشاي والقهوة، منها علب شاي من خشب الأكاجو وأخرى للسكر،، أخيرا، نجد كلشئ غايته الإبهار وخلق السعادة لدى متلقيه، مما يترجم إدراكا دقيقابالذهنية المغربية وما تعشقه من أمور العيش والحياة. لقد كنت شاهدا، في طنجة [ خلال سنوات 1882 - 1918 ]، على تسابق محموملتقديم الأجمل والأبهر والأبهى للبلاط السلطاني، بين مختلف السفراءالأجانب بها. كان الرهان، هو كسب السبق في تقديم أغلى الهدايا وأجملها. [الحقيقة أنه بالعودة إلى «أرشيف الهدايا» في القصور السلطانية المغربية،والتي أكيد أن عددا منها لا يزال موجودا ومحافظا عليه إلى اليوم، لا نتوقففقط عند معطى هدية من ملك أو إمبراطور أروبي إلى سلطان أو أمير مغربي. بل،إننا بإزاء علاقات دولة بدولة، مما يترجم قدم واقع الدولة بالمغرب منذقرون غابرة. ومعنى ترسخ فكرة الدلة كواقع وكممارسة سياسية، إنما يعتبرالترجمان لتشكل هوية حضارية معينة. ومعنى تشكل هوية مغربية بمعناهاالحضاري، إنما يكتسب دلالاته الكبرى، من خلال التراكم المتحقق في نظامالدولة، ككيان سياسي منظم، له قوانين، وله قوة مادية ورمزية، وتتمالعلاقات معه دوليا على أساسا أنه كيان موحد موجود. وهذا أمر هام منالناحية التاريخية - م - ]. كان السفير السويدي، مثلا، من أكثر السفراء توفقا، في تقديم هدايا نفيسةجدا، هي عبارة عن علب صغيرة من خشب نفيس، تتضمن خواتم من الماس والزمرد.إنك تستطيع أن تجد فيها رسما لفراشة طائرة، أو سيفا صغيرة محفورة فيهاأعداد من الحجر الكريم. مثلما قد نجد ضمنها بندقية مرصعة. أو للإبهارالأعلى، عربة مدلاة لها نوابض، والتي تتحول بعملية يدوية بسيطة إلى كرسي،والكل فيها مغطى بالحرير والساتان الأخضر، مع هدب مذهبة. بل، إن السويد قدبعتث أيضا باثنين من كراسي العرش، مرفوقين بكراسيهما الصغيرة المذهبة.وأخيرا، هدية من النوع الرفيع جدا، حينها، وهي عبارة عن ست نوافذ مزدوجة،بزجاج مربع من الكريستال. فيما كانت هولندا، قد بعتث عبر سفيرها، أدواتقهوة من الذهب الخالص، وأيضا ساعات، وقدر من فضة على الموضة الجديدة [فيأواسط القرن 19] مرفوقا بباقي أدوات الغسيل المرافقة التي هي من فضة خالصةأيضا. بعد الثورة الفرنسية [ التي وقعت سنوات 1789 - 1792 ميلادية]، تبدلتالأمور في باريس. لقد رفض الإمبراطور نابليون أن تقدم الهدايا باسمه إلىالسلطان المغربي، بل إنه أصدر أمرا بذلك إلى سفيره بطنجة السيد دورنانو،وهو في طريقه إلى فاس في مهمة ديبلوماسية. ولن يعود تقليد تقديم الهداياسوى، في فترة الإصلاح، وسوف تتخلى فرنسا نهائيا عن هذا التقليد في عهدسفارة السيد دوبينيي سنة 1892 [أي سنتين قبل وفاة السلطان مولاي الحسنالأول يوم 8 يونيو 1894، بسبب مشاكل في الكبد - م - ]. كانت زيارة البلاط السلطاني، في مهمات ديبلوماسية، مناسبة لصدور العديد منالكتابات. بعضها يعتبر كنزا حقيقيا للمعلومات، وبعضها الآخر عبارة عنانطباعات عاطفية، مثل كتاب « لوطي» عن « المغرب الجميل». بينما هناك كتبأخرى متحاملة بعض الشئ. تكون تلك الكتابات في الغالب، نتيجة أول لقاءلأولئك الديبلوماسيين مع المغرب، هم الذين يكونون مشحونين بالعديد منالقصص عن هذه البلاد، علما أن عدد القصص المختلقة حول بلاد المغرب تعتبرالأعلى بين القصص الخاصة بالدول. ألم أسمع بنفسي، مترجما إسرائيليامغربيا، يؤكد لسيده، وهما في طريقهما إلى البلاط السلطاني، أنه يمكنهالتكهن بمزاج الجالس على العرش انطلاقا فقط من لون الحصان الذي يركبه يوماستقباله السفراء. فإذا كان الحصان أبيض، فذلك علامة على الدعة والسلام،وأن ذلك عنوان على تقديره الكامل والكبير للسفير. وإذا كان الحصان أسود،فإنه علينا انتظار ساعة نحس. والحقيقة أنني أحجمت عن سؤاله عن تفسيرهلباقي ألوان الأحصنة. لقد كانت مثل هذه الترهات كثيرا ما تحكم الرؤية إلىهذه البلاد من قبلنا نحن الأجانب. يكون، في العادة، الفرسان المغاربة المرافقون للسفراء، جنودا قدامى فيالخدمة العسكرية. وهم عادة من خدام المخزن، الذين يجهلون أي شئ عنالأروبيين، وأثناء قيامهم بمهام الحراسة يتعلمون العديد من الأمور الخاصةبحياتنا الأروبية. لقد رأيناهم منبهرين، بل مصدومين، وهم يشاهدون ليلا،تحت ضوء القنادل، من ثقب صغيرة في خيمة سفير أروبي، كيف أزال هذا الأخيرباروكة شعر كانت موضوعة على رأسه وسلمها لخادمه الخاص كي يضعها فوق منضدةمخصصة لذلك، قبل أن يتمدد لينام. وطيلة الرحلة، لم يكن حديث الجندالمغاربة المرافقين سوى عن هذا الحادث، بل إن القصة سبقت السفير قبل وصولهإلى البلاط السلطاني. كان السلطان محتاطا من ذلك السفير، فكان يرمقه بنظرةثاقبة، ويخصه بمتابعة غير مسبوقة، مما جعل السفير يعتقد أن ذلك عنواناهتمام وتقدير خاص من السلطان. ومن يدري، فربما نقل ذلك في تقريره إلىحكومته، مما جعله يعطيها انطباعا مغلوطا لا أساس له من الصحة. | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مراكش في سنة 1884.. الحب من أول نظرة، والنوم في الخيام عند قدم الكتبية
رؤية مراكشتفرح ناظر المسافرين. فالمدينة نائمة بين غابات النخيل، وفي الأفق تحيطبها جبال الأطلس العالية المجللة بالثلج، مما يعطي للمشهد فعلا، شكلافاتنا، خاصة تحت سماء زرقاء صافية. لكن حين وصلنا، إليها أول مرة، بصفتهاعاصمة الجنوب المغربي الشريفي، أنا وصديقي الرسام المغرم بسحر المغرب،موريس رومبرغ، [في بدايات عقد الثمانينات من القرن التاسع عشر] كنا قدقطعنا طريقا وعرة، تحت مطر الخريف الغزير. فعلى مدى أسابيع، كانت قافلتناقد عبرت في ظروف صعبة جدا، بين الرياح الهوجاء والطمي والبحيرات هناوهناك. مثلما أن أماكن نومنا كانت غاية في الصعوبة، لقد تعب البشر وتعبتالبهائم أكثر. كانت جبال الأطلس مغطاة بغيم أسود كثيف، وغابات النخيلمقفرة، بلا شمس وتحت سماء مثقلة بغيم كثيف، مما أعطى مشهدا منفرا وباعثاعلى الحزن في الأنفس. حين اجتزنا نهر تانسيفت، كنا حيارى مشوشي البال،مكفهرين. كانت مياه النهر العالية بسبب قوة الأمطار، تجري قوية تحتالقنطرة القديمة التي بناها القائد الموحدي عبد المومن بن علي، وقد بناهابالإكراه الأسرى الإسبان خلال القرن الحادي عشر الميلادي. هكذا ولجنامباشرة، بعد ذلك، إلى غابة النخيل، حيث أصبحت الطريق أكثر أمانا وألفةودعة. كنا نلتقي هذه القافلة أو تلك، هذه الجماعة أو تلك من المسافرين،وكانت الطريق إلى الإقامة السلطانية على مرمى حجر. لقد أسرعنا الخطو، لأنالشمس بدأت تميل نحو المغيب، وكان همنا أن ندخل المدينة قبل نزول الظلامكي نجد مكانا للمبيت. وكانت مراكش قد بدأت تبدو لنا أكثر رحمة من كل ماعبرناه قبل الوصول إليها.
أخيرا، بعد أن اجتزنا ساحة واسعة عارية لسوق، كانت الكلاب وحدها التي تحومفيه بحثا عن بقايا طعام، ها نحن نقف عند أسوار المدينة العالية. دخلنا من«باب الخميس»، حيث يوجد سوق الخميس الأسبوعي الذي عبرناه. أول ما وجدناهأمامنا هو ضريح «بلبوشي»، علما أن باب الخميس، تعتبر بابا تاريخية هامةبالمدينة، ومما تحكي الأخبار أن تقويساته جيئ بها من إسبانيا منذ قرونغابرة. أما في عهد السلطان المرابطي، علي بن يوسف [بن تاشفين]، فقد كانتتسمى «باب فاس»، وفي عهد السلاطين السعديين اكتسبت اسمها الحالي. كاناللقاء الأول بالمدينة مبهجا بعض الشئ، فالأرضية مرصوفة منذ قرون، ومعحلول غبش الظلام، كنا مثل من يلج إلى قلب ركام من الطمي الأحمر. كان لابدمن انتظار أيام مشمسة، كي نمسح عن ذهننا تلك الصورة البكر عن المدينةوأهلها، حيث أعدنا اكتشاف مراكش، المدينة الحمراء، ببريقها الفتان، ولونهاالذهبي.
ها نحن وسط طرق واسعة، مع تسجيل أن عددا من الدور مهدمة. كان المشهدمنفرا، حين عاد إلينا أحد مرافقينا «علي»، الذي كنت قد بعتثه إلى الباشا،حاملا معه قرار السماح لنا بدخول المدينة، وواجب البحث لنا عن مكان إقامةبأمر سلطاني. كان علي أكثر المغاربة المرافقين لنا حيوية ولطفا وذكاء،لكنه عاد غير متحمس من زيارته [للباشا]. لقد قال لنا: «إن المدينة عامرة،لأن السلطان عاد من إحدى رحلاته مرفوقا بحاشيته وجيشه. ورغم محاولاتهالصادقة، فإن عامل المدينة لم يفلح سوى في تخصيص بيت صغير لنا، مؤقتا، فيانتظار أن يجد لنا آخر أفضل». توجهنا رأسا، للبحث عن ذلك البيت، وحينبلغناه، وجدناه نصف مهدوم وغير مريح لنا، ففضلنا أن ننصب خيامنا للمبيتفيها. توجهنا إلى جوار مسجد الكتبية الكبير، حيث الأرض سليمة وليس بهاطمي، وكان ذلك بنصيحة من العسكري الذي بعثه باشا المدينة، لتقديم المساعدةلنا.
تحركت قافلتنا من جديد، لأنه علينا قطع المدينة كلها بليل. كان الأمر أشبهبالمستحيل، لأنه كيف يمكن العبور بالجياد والبهائم المثقلة بحاجياتنا وسطذلك الزحام من البشر في الطريق؟!. لكننا وصلنا. فالناس هنا جد متعاونينومتفهمين وطيبين. كان الناس يشترون حاجياتهم من حوانيت مضاءة بشموع أوقناديل صغيرة، وسط برك من الوحل والطمي، ورغم إزعاج قافلتنا، كانوا يوسعونلنا الطريق دوما. في بعض الأحيان، كنا نجد أنفسنا، وسط وحل حقيقي بسببغزارة الأمطار الذي نزلت من السماء تلك الأيام، وكنا نتجاوز بصعوبة هائلة.كانت ملامح ناس مراكش، المائلة نحو السمرة أكثر، مختلفة نوعا ما عن ملامحناس الشمال، خاصة في فاس وتطوان. ونحن في الطريق، اجتزنا جوار المسجدالصغير ل «حارة السور»، الذي يعود إلى العهد المريني، وكان مسجدا جميلاجدا، تنبعث منه أصوات المصلين الذين يرتلون القرآن بعد صلاة المغرب. [ حكمالمرينيون المغرب قرنين من الزمن، مابين القرن 13 والقرن 15. وهم ينحدرونمن قبائل أمازيغية شرق المغرب، ولقد امتد حكمهم حتى تونس الحفصية، وشملكامل الجزائر نزولا حتى ثخوم موريتانيا الحالية. ولقد عرفوا كسلاطين علموفن وأدب. جاؤوا بعد الموحدين واجتهدوا كثيرا للإبقاء على الإمبراطوريةالمغربية كما حققها الموحدون من قبل، لكنهم لم ينجحوا في ذلك كثيرا. أهمسنوات حكمهم كانت في ما بين 1378 و 1388. ومن أهم إنجازاتهم إعادة تنظيمنظام التعليم بالمغرب، وإليهم تنسب عدد من المدارس التي تحمل إسم «المدارسالمرينية». - م - ].
اجتزنا، جزء من حي السوق، وبعد عدد من الدور المهدومة، بلغنا إلى المسجدالكبير [الكتبية]، ولأن الليل كان بهيما، فإننا بالكاد كنا نتمثل صومعتهالعالية في الظلام الدامس. كان الموقع المختار لنصب خيامنا جيدا، فقد كانتالأرض صلبة. كانت الأرض تلك، تراكما للكثير من الآثار الغابرة، والظاهرأننا كنا فوق مقبرة منسية عتيقة [هنا استفاق العالم الإركيولوجي فيالرحالة الفرنسي دولا مارتينيير - م - ]. كنا جوار ضريح قديم، وعلى مقربةمنا كان جدول ماء صاف يجري رقراقا، كنا نستغله للطهي والشرب وأيضا لإرواءالبهائم. كان عسكري الباشا، منتشيا وهو يعدد أمامنا الأشياء الجميلةالمتوفرة في ذلك المكان المعزول.
على ضوء القناديل الباهتة دبت حركة غير عادية في مرافقينا المغاربة.والظاهر أن التعب قد غادرهم فجأة، حيث شرعوا في التحرك هنا وهناك بخفةواضحة، وما هي إلا لحظات حتى كانت الخيام منصوبة في هذه المدينة الساحرةالمطلوبة والمرتجاة من الجميع. كانت خيمتنا نحن أول ما تم إنهاؤه، ثم خيمةالمطبخ، ثم خيمة الفقيه (السكرتير المغربي المرافق لنا)، ثم خيمة الفرسان،وبعدها خيمة المكلفين بالبغال. فيما وضعت المؤونة المتكونة من الشعيروالذرة، تحت تصرفنا بسرعة فائقة. كان الليل قد تقدم، حين تم طهي الحساء.خرجنا من الخيمة لتفقد الوضع ورؤية حرس الليل الذين بعثهم إلينا الباشا،لكن الجو كان باردا جدا والريح تصفر قارسة، مما ضاعف من إحساسنا بالعزلةفي هذا المكان القفر. كنا أشبه بجماعة من الناس من القرون الوسطى، محتمينبظلال هذه «الكاتدرائية المسلمة» [مسجد الكتبية الضخم والكبير]، التي يمكنأن نسميها «نوتر دام دو مراكش» [ تيمنا من الكاتب بالكنيسة الهائلة فيباريس، «نوتر دام دو باري» - م - ].
أخيرا، بعد أن اجتزنا ساحة واسعة عارية لسوق، كانت الكلاب وحدها التي تحومفيه بحثا عن بقايا طعام، ها نحن نقف عند أسوار المدينة العالية. دخلنا من«باب الخميس»، حيث يوجد سوق الخميس الأسبوعي الذي عبرناه. أول ما وجدناهأمامنا هو ضريح «بلبوشي»، علما أن باب الخميس، تعتبر بابا تاريخية هامةبالمدينة، ومما تحكي الأخبار أن تقويساته جيئ بها من إسبانيا منذ قرونغابرة. أما في عهد السلطان المرابطي، علي بن يوسف [بن تاشفين]، فقد كانتتسمى «باب فاس»، وفي عهد السلاطين السعديين اكتسبت اسمها الحالي. كاناللقاء الأول بالمدينة مبهجا بعض الشئ، فالأرضية مرصوفة منذ قرون، ومعحلول غبش الظلام، كنا مثل من يلج إلى قلب ركام من الطمي الأحمر. كان لابدمن انتظار أيام مشمسة، كي نمسح عن ذهننا تلك الصورة البكر عن المدينةوأهلها، حيث أعدنا اكتشاف مراكش، المدينة الحمراء، ببريقها الفتان، ولونهاالذهبي.
ها نحن وسط طرق واسعة، مع تسجيل أن عددا من الدور مهدمة. كان المشهدمنفرا، حين عاد إلينا أحد مرافقينا «علي»، الذي كنت قد بعتثه إلى الباشا،حاملا معه قرار السماح لنا بدخول المدينة، وواجب البحث لنا عن مكان إقامةبأمر سلطاني. كان علي أكثر المغاربة المرافقين لنا حيوية ولطفا وذكاء،لكنه عاد غير متحمس من زيارته [للباشا]. لقد قال لنا: «إن المدينة عامرة،لأن السلطان عاد من إحدى رحلاته مرفوقا بحاشيته وجيشه. ورغم محاولاتهالصادقة، فإن عامل المدينة لم يفلح سوى في تخصيص بيت صغير لنا، مؤقتا، فيانتظار أن يجد لنا آخر أفضل». توجهنا رأسا، للبحث عن ذلك البيت، وحينبلغناه، وجدناه نصف مهدوم وغير مريح لنا، ففضلنا أن ننصب خيامنا للمبيتفيها. توجهنا إلى جوار مسجد الكتبية الكبير، حيث الأرض سليمة وليس بهاطمي، وكان ذلك بنصيحة من العسكري الذي بعثه باشا المدينة، لتقديم المساعدةلنا.
تحركت قافلتنا من جديد، لأنه علينا قطع المدينة كلها بليل. كان الأمر أشبهبالمستحيل، لأنه كيف يمكن العبور بالجياد والبهائم المثقلة بحاجياتنا وسطذلك الزحام من البشر في الطريق؟!. لكننا وصلنا. فالناس هنا جد متعاونينومتفهمين وطيبين. كان الناس يشترون حاجياتهم من حوانيت مضاءة بشموع أوقناديل صغيرة، وسط برك من الوحل والطمي، ورغم إزعاج قافلتنا، كانوا يوسعونلنا الطريق دوما. في بعض الأحيان، كنا نجد أنفسنا، وسط وحل حقيقي بسببغزارة الأمطار الذي نزلت من السماء تلك الأيام، وكنا نتجاوز بصعوبة هائلة.كانت ملامح ناس مراكش، المائلة نحو السمرة أكثر، مختلفة نوعا ما عن ملامحناس الشمال، خاصة في فاس وتطوان. ونحن في الطريق، اجتزنا جوار المسجدالصغير ل «حارة السور»، الذي يعود إلى العهد المريني، وكان مسجدا جميلاجدا، تنبعث منه أصوات المصلين الذين يرتلون القرآن بعد صلاة المغرب. [ حكمالمرينيون المغرب قرنين من الزمن، مابين القرن 13 والقرن 15. وهم ينحدرونمن قبائل أمازيغية شرق المغرب، ولقد امتد حكمهم حتى تونس الحفصية، وشملكامل الجزائر نزولا حتى ثخوم موريتانيا الحالية. ولقد عرفوا كسلاطين علموفن وأدب. جاؤوا بعد الموحدين واجتهدوا كثيرا للإبقاء على الإمبراطوريةالمغربية كما حققها الموحدون من قبل، لكنهم لم ينجحوا في ذلك كثيرا. أهمسنوات حكمهم كانت في ما بين 1378 و 1388. ومن أهم إنجازاتهم إعادة تنظيمنظام التعليم بالمغرب، وإليهم تنسب عدد من المدارس التي تحمل إسم «المدارسالمرينية». - م - ].
اجتزنا، جزء من حي السوق، وبعد عدد من الدور المهدومة، بلغنا إلى المسجدالكبير [الكتبية]، ولأن الليل كان بهيما، فإننا بالكاد كنا نتمثل صومعتهالعالية في الظلام الدامس. كان الموقع المختار لنصب خيامنا جيدا، فقد كانتالأرض صلبة. كانت الأرض تلك، تراكما للكثير من الآثار الغابرة، والظاهرأننا كنا فوق مقبرة منسية عتيقة [هنا استفاق العالم الإركيولوجي فيالرحالة الفرنسي دولا مارتينيير - م - ]. كنا جوار ضريح قديم، وعلى مقربةمنا كان جدول ماء صاف يجري رقراقا، كنا نستغله للطهي والشرب وأيضا لإرواءالبهائم. كان عسكري الباشا، منتشيا وهو يعدد أمامنا الأشياء الجميلةالمتوفرة في ذلك المكان المعزول.
على ضوء القناديل الباهتة دبت حركة غير عادية في مرافقينا المغاربة.والظاهر أن التعب قد غادرهم فجأة، حيث شرعوا في التحرك هنا وهناك بخفةواضحة، وما هي إلا لحظات حتى كانت الخيام منصوبة في هذه المدينة الساحرةالمطلوبة والمرتجاة من الجميع. كانت خيمتنا نحن أول ما تم إنهاؤه، ثم خيمةالمطبخ، ثم خيمة الفقيه (السكرتير المغربي المرافق لنا)، ثم خيمة الفرسان،وبعدها خيمة المكلفين بالبغال. فيما وضعت المؤونة المتكونة من الشعيروالذرة، تحت تصرفنا بسرعة فائقة. كان الليل قد تقدم، حين تم طهي الحساء.خرجنا من الخيمة لتفقد الوضع ورؤية حرس الليل الذين بعثهم إلينا الباشا،لكن الجو كان باردا جدا والريح تصفر قارسة، مما ضاعف من إحساسنا بالعزلةفي هذا المكان القفر. كنا أشبه بجماعة من الناس من القرون الوسطى، محتمينبظلال هذه «الكاتدرائية المسلمة» [مسجد الكتبية الضخم والكبير]، التي يمكنأن نسميها «نوتر دام دو مراكش» [ تيمنا من الكاتب بالكنيسة الهائلة فيباريس، «نوتر دام دو باري» - م - ].
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الكتبية.. قصة مسجد موحدي ضخم وكبير، لم يتبق منه غير الربع!!
في الصباح،انقشعت الغيوم عن بضع خيوط شمس. كانت صومعة [الكتبية] المربعة الشكل،تجللنا بتسامقها. هي عالية فعلا، وذات رونق أخاد. كانت تمة نخلة يتيمة فيالجوار، نبتت هكذا صدفة في هذا المكان القفر، وفي البعيد تصلنا أصواتالمدينة. حسب الحكاية الشعبية هنا، فإن جنيا سيحرصنا مدة أربعين يوما، هناجوار المسجد، حتى يجدو لنا بيتا للإستقرار فيه. سوف نتلقى زيارة لبعتثناالعسكرية التي سبقتنا إلى مراكش، وسيقفون على حسن الخيام التي ننزل فيها.كنا قريبين أيضا، من ضريح سيدي علي بلقاسم، الملقب ب «أبو سجدة». والظاهرأن سمعة هذا الولي كبيرة في المدينة، لأنه يعتقد أنه يشفي من مرض السعالالديكي. ففي كل جمعة، كنا شهودا على صف طويل من الآباء الذين يحملون معهمأبناءهم المرضى. يقوم حارس الضريح، وهو رجل حذق، بما يشبه عملية لفتح ثقبفي حنجرة الطفل، بواسطة قصبة مبراة، بينما الحقيقة أنه يكتفي فقط بجرحصغير على الجلد، فيحمل الأب صغيره فرحا بعد ذلك. يكون قبلها قد قدم لهمالحارس ذاك، بضع أعشاب، متوهمين أن المرض ذاك ليس معديا.
يعود بناء مسجد الكتبية إلى عهد السلطان الموحدي عبد المومن بن عليالكومي، الذي ما أن استتب له الحكم في مراكش ودخلها دخول الفاتحين، وقضىعلى حكم المرابطين، حتى قرر بناء مسجد كبير على أجزاء من القصر المرابطي.ومما تورده عدد من المصادر العربية، أنه كان هناك ممر سري يعبره السلطانلممارسة عباداته. أما الصومعة، فإنها بنيت من قبل السلطان الموحدي الشهيريعقوب المنصور، وفي عهده بنيت أيضا صومعة إشبيلية [يقصد الكاتب صومعةالخيرالدا بمدينة إشبيلية الأندلسية الإسبانية التي لا تزال قائمة إلىاليوم. وهي من أجمل الصوامع التاريخية في أروبا كلها، وتشبه تماما هندسةصومعة الكتبية وصومعة حسان بالرباط، التي لم يكتمل بناؤها - م - ]. ثمهناك صومعة الرباط التي تعرف بصومعة حسان. وتمة تناغم كبير بين هذهالصوامع المغربية على مستوى هندسة البناء. بل، إن صومعة الخيرالدا، رغم أنالمسيحيين الكاثوليك الإسبان قد أدخلوا تعديلات على قمتها، فإنها لا تزالرغم ذلك تحتفظ على شكلها الهندسي الأصلي.
الدوائر المذهبة الثلاث فوق الصومعة [يقصد الكاتب هنا «الجامور» الذي يعلوكل صوامع المغرب - م - ]، مهداة من قبل السلطان يعقوب المنصور، كما جرتالعادة بذلك، وهي من ماله الحر الخاص. ومما تؤكد عليه الأسطرة الشعبية، أنأساس الصومعة مغروس في الأرض بنفس حجم طولها في عنان السماء. والحقيقة، أنصومعة الكتبية هي الأعلى المبنية بالحجر في كامل مراكش، وأنها تحدتالقرون، ويصل طولها إلى 67 مترا. وكل مسافر قادم من جهة الغرب يلمح صومعةالكتبية من بعيد، مثل شمعة مضاءة بنور الشمس، إنها تبرز للناظر مذهبةوضاءة، من بين غابات النخيل المحيطة بالمنطقة كلها. وحين تأتي من الشرق،فإنها تبرز كسهم منطلق صوب السماء. وهذا المشهد، المثير، بين الشروقوالغروب، يمكن أيضا ملاحظته بوضوح حين يكون المرء واقفا في ساحة جامعالفنا. الحقيقة، أن مسجد الكتبية يظهر واضحا من كل أطراف المدينة، يظهرشامخا، صلبا وجميلا. بل إن الرؤية إليه تكون فاتنة من حديقة «دار مولايعلي»، القريبة جدا من المسجد، حيث تظهر الصومعة عالية مخترقة الأشجار،ومحاطة عند قدمها بشجر السرو.
نحن نعرف أن مسجد الكتبية، هو واحد من أشهر مساجد المسلمين في العالم. بلإن «ليون الإفريقي» قد قدم عنها وصفا دقيقا (هو «جون ليون الإفريقي»، الذياسمه الأصلي الحسن بن محمد الفاسي الوزان، هو مغربي أندلسي ولد بغرناطةحوالي سنة 1491. درس بفاس، وامتهن بها مهنة موثق. رافق خاله في بعثة إلىملك تومبوكتو [بمالي]، مثلما أنه زار كل الشمال الإفريقي. أسر من قبلقراصنة صقليين بجزيرة جربة التونسية في حوالي سنة 1520، وعمد في روما منقبل البابا ليون العاشر، الذي منحه اسمه الجديد. لا نعرف الكثير عن وفاته،وحسب بعض الأخبار، فإنه عاد إلى بلاد الإسلام، وتخلى عن المسيحية، وتوفيفي تونس. مثلما ترك لنا كتاب «وصف إفريقيا» الذي كتبه في روما، وتمةالعديد من الطبعات الأروبية منه، ضمنها طبعتان بالفرنسية، الأولى كانت سنة1556 لجان تمبوريل، والثانية سنة 1830 من قبل مطابع شيفر بباريس). وفيعهده، كان المسجد يعيش واحدة من أسوأ لحظات العناية به، وبالكاد كانت تقامفيه صلاة الجمعة. ذلك، أن ساكنة المدينة كانت تفضل الصلاة في مساجدأحيائها، بالتالي، فقد كان البوار يحيط بالمسجد.
كانت الكتبية أكبر من شكلها الحالي، وكانت الصومعة تحتل وسط المسجد، بينماهي الآن جزء من الربع المتبقي منه. ومما يحكى، في هذا الباب، أن أحدالسلاطين المغاربة قد قام بمذبحة ضد عدد من معارضيه التجأوا للمسجد كبيتللعبادة، فقام العلماء الذين أغضبتهم تلك الجريمة ضد عزل محتمين بالمسجد،بتدمير الجزء الذي تمت فيه التصفية. بعد ذلك، سيشهد المسجد عددا منالإصلاحات بعضها جيد وبعضها سيئ، في عهد السلطانين مولاي عبد الرحمانومولاي الحسن [الأول]. هكذا، فإن الشكل الأصلي للمسجد لم يتم احترامهأثناء عمليات إعادة البناء، تمة باب دائري [«خوخة».. بالمعنى التقنيالمغربي - م - ] حديث، لا علاقة له بباب أخرى دائرية تعود إلى العهدالموحدي. كانت هذه الباب الأخيرة، التي قاومت الزمن، ولا تزال سليمة بفضلنوع الخشب الذي نحتت منه. مثلما أن تمة خصوصية واضحة في شكل النوافذ، التيتعتبر عنوانا على فن العمارة المغربي القديم جدا.
يعود بناء مسجد الكتبية إلى عهد السلطان الموحدي عبد المومن بن عليالكومي، الذي ما أن استتب له الحكم في مراكش ودخلها دخول الفاتحين، وقضىعلى حكم المرابطين، حتى قرر بناء مسجد كبير على أجزاء من القصر المرابطي.ومما تورده عدد من المصادر العربية، أنه كان هناك ممر سري يعبره السلطانلممارسة عباداته. أما الصومعة، فإنها بنيت من قبل السلطان الموحدي الشهيريعقوب المنصور، وفي عهده بنيت أيضا صومعة إشبيلية [يقصد الكاتب صومعةالخيرالدا بمدينة إشبيلية الأندلسية الإسبانية التي لا تزال قائمة إلىاليوم. وهي من أجمل الصوامع التاريخية في أروبا كلها، وتشبه تماما هندسةصومعة الكتبية وصومعة حسان بالرباط، التي لم يكتمل بناؤها - م - ]. ثمهناك صومعة الرباط التي تعرف بصومعة حسان. وتمة تناغم كبير بين هذهالصوامع المغربية على مستوى هندسة البناء. بل، إن صومعة الخيرالدا، رغم أنالمسيحيين الكاثوليك الإسبان قد أدخلوا تعديلات على قمتها، فإنها لا تزالرغم ذلك تحتفظ على شكلها الهندسي الأصلي.
الدوائر المذهبة الثلاث فوق الصومعة [يقصد الكاتب هنا «الجامور» الذي يعلوكل صوامع المغرب - م - ]، مهداة من قبل السلطان يعقوب المنصور، كما جرتالعادة بذلك، وهي من ماله الحر الخاص. ومما تؤكد عليه الأسطرة الشعبية، أنأساس الصومعة مغروس في الأرض بنفس حجم طولها في عنان السماء. والحقيقة، أنصومعة الكتبية هي الأعلى المبنية بالحجر في كامل مراكش، وأنها تحدتالقرون، ويصل طولها إلى 67 مترا. وكل مسافر قادم من جهة الغرب يلمح صومعةالكتبية من بعيد، مثل شمعة مضاءة بنور الشمس، إنها تبرز للناظر مذهبةوضاءة، من بين غابات النخيل المحيطة بالمنطقة كلها. وحين تأتي من الشرق،فإنها تبرز كسهم منطلق صوب السماء. وهذا المشهد، المثير، بين الشروقوالغروب، يمكن أيضا ملاحظته بوضوح حين يكون المرء واقفا في ساحة جامعالفنا. الحقيقة، أن مسجد الكتبية يظهر واضحا من كل أطراف المدينة، يظهرشامخا، صلبا وجميلا. بل إن الرؤية إليه تكون فاتنة من حديقة «دار مولايعلي»، القريبة جدا من المسجد، حيث تظهر الصومعة عالية مخترقة الأشجار،ومحاطة عند قدمها بشجر السرو.
نحن نعرف أن مسجد الكتبية، هو واحد من أشهر مساجد المسلمين في العالم. بلإن «ليون الإفريقي» قد قدم عنها وصفا دقيقا (هو «جون ليون الإفريقي»، الذياسمه الأصلي الحسن بن محمد الفاسي الوزان، هو مغربي أندلسي ولد بغرناطةحوالي سنة 1491. درس بفاس، وامتهن بها مهنة موثق. رافق خاله في بعثة إلىملك تومبوكتو [بمالي]، مثلما أنه زار كل الشمال الإفريقي. أسر من قبلقراصنة صقليين بجزيرة جربة التونسية في حوالي سنة 1520، وعمد في روما منقبل البابا ليون العاشر، الذي منحه اسمه الجديد. لا نعرف الكثير عن وفاته،وحسب بعض الأخبار، فإنه عاد إلى بلاد الإسلام، وتخلى عن المسيحية، وتوفيفي تونس. مثلما ترك لنا كتاب «وصف إفريقيا» الذي كتبه في روما، وتمةالعديد من الطبعات الأروبية منه، ضمنها طبعتان بالفرنسية، الأولى كانت سنة1556 لجان تمبوريل، والثانية سنة 1830 من قبل مطابع شيفر بباريس). وفيعهده، كان المسجد يعيش واحدة من أسوأ لحظات العناية به، وبالكاد كانت تقامفيه صلاة الجمعة. ذلك، أن ساكنة المدينة كانت تفضل الصلاة في مساجدأحيائها، بالتالي، فقد كان البوار يحيط بالمسجد.
كانت الكتبية أكبر من شكلها الحالي، وكانت الصومعة تحتل وسط المسجد، بينماهي الآن جزء من الربع المتبقي منه. ومما يحكى، في هذا الباب، أن أحدالسلاطين المغاربة قد قام بمذبحة ضد عدد من معارضيه التجأوا للمسجد كبيتللعبادة، فقام العلماء الذين أغضبتهم تلك الجريمة ضد عزل محتمين بالمسجد،بتدمير الجزء الذي تمت فيه التصفية. بعد ذلك، سيشهد المسجد عددا منالإصلاحات بعضها جيد وبعضها سيئ، في عهد السلطانين مولاي عبد الرحمانومولاي الحسن [الأول]. هكذا، فإن الشكل الأصلي للمسجد لم يتم احترامهأثناء عمليات إعادة البناء، تمة باب دائري [«خوخة».. بالمعنى التقنيالمغربي - م - ] حديث، لا علاقة له بباب أخرى دائرية تعود إلى العهدالموحدي. كانت هذه الباب الأخيرة، التي قاومت الزمن، ولا تزال سليمة بفضلنوع الخشب الذي نحتت منه. مثلما أن تمة خصوصية واضحة في شكل النوافذ، التيتعتبر عنوانا على فن العمارة المغربي القديم جدا.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
أين هي مكتبة مسجد الكتبية الهائلة؟!.. وكيف تتنكر مراكش لقبر بانيها يوسف بن تاشفين؟!
ليس هناك مكان،يظهر فيه العجز الكبير للسلطات الشريفية في الحفاظ على المعالم الأثرية،مثل ما يحدث مع مسجد الكتبية. لم يتبق عمليا منه، سوى بضع أعمدة وأقواس فيالواجهة الشرقية. ذلك، أن هذا المسجد قد تم تدمير جزء كبير منه بشكل عبثيوبدون تخطيط هندسي احترافي. فيما الجزء الغربي منه هو الذي بقي صامدا،بفضل صلابة انغراس أساساته في الأرض، وهي الشاهد الأكبر على قدم المسجدوعلى قدم تقنيات بنائه. لقد اكتشفت في بعض أجزائه زخارف بديعة جدا، توحيتقويساتها وأشكالها، عن تواجد مكان مخصص لمكتبة كبيرة، والتي تحيلنا فعلياعلى ما أورده ليون الإفريقي، من وصف يشرح معنى إعطاء إسم «الكتبية»للمسجد، أي «مسجد الكتب». [ في كتابه القيم «وصف إفريقيا»، الزاخر بالآلافمن المعلومات عن المغرب القديم، وعن علاقاته بالمشرق العربي وبإفريقياجنوب الصحراء، يقدم الكاتب والأديب والديبلوماسي المغربي الأندلسي، الحسنالوزان، الذي عرف ب «جون ليون الإفريقي» بعد حمله على اعتناق المسيحية منقبل البابا ليون العاشر بروما، إثر أسره بتونس (بجزيرة جربة) وهو في طريقعودته إلى المغرب، تفاصيل هامة عن مدينة مراكش وفاس وسجلماسة وتافيلالتوتمبوكتو وغيرها. ومن ضمن ما يتحدث عنه بتفصيل دقيق شكل مراكش وبناياتهاوقصورها وقبور السلاطين بها، ومسجد الكتبية الذي كان لا يزال زاهرابالعلماء والطلاب والكتب. بل إن الأمر يكاد يكون جامعة متكاملة مثل جامعةالقرويين بفاس. مثلما أن حجم المسجد هو من الكبر ما يجعل من يتأمل اليوم،ما تبقى من البناية، يكاد يجزم أنه لم يتبقى من الأصلي منها سوى الخمس،وأن المكتبة الكبيرة للمسجد قد ضاعت إلى الأبد. علما، أن الحسن الوزان قدزار مراكش والكتبية في بداية القرن 16 الميلادي، أي منذ 5 قرون. - م - ].
لقد قاومت صومعة الكتبية الزمن وتحدت القرون، مع تسجيل أن واجهتهاالغربية، المعرضة دوما لرياح الغرب [والمحيط] المحملة بالمطر، قد تضررتمعالمها جراء ذلك. بل إن المعلمة العالية في السماء، قد اكتسبت لونا خاصامع الزمن، أميل للأشقر الفاتح، وفي أيامنا هذه [يتحدث الكاتب هنا عنزيارته الأولى إلى مراكش سنة 1884 - م - ]، لا تزال تظهر للعين المجردةبضع أجزاء من الزليج الصغير الأخضر والأزرق، وهي ذات جمال أخاد. لكن، ذلككله لا يلغي الإحساس بالغبن من التلف الذي يطال المسجد كله. ومما نسجلهأيضا، أن المؤذن يظل ينادي للصلاة، لكننا، كلما مررنا من أمام البوابةالكبرى المتبقية للمسجد، كلما سجلنا الفراغ الكبير داخله من المصلين. وفيتباثها الأبدي، تظل الصومعة حارسة أمينة لكل الخراب المحيط بها وأيضا لهذاالمسجد المتروك للتلف والبلى.
على بعد 100 متر من الواجهة الوسطى للكتبية، في اتجاه اليمين، على امتدادخط حائط مهدوم من الآجر، وبمحاداة مجرى مائي، تمة باب منسية لا يهتم بهاأحد، تفضي إلى ضريح مؤسس المدينة، الأمير يوسف بن تاشفين. إن الرجل يناممنسيا في ضريح متهالك، بالمدينة التي أسسها وبناها، هو الذي امتد ملكهوسلطانه المرابطي، من لشبونة البرتغالية، حتى الجزائر، وجنوبا حتى بلادالسودان. تمة حجر صغير فقط، مرمي على الأرض عبارة عن شاهدة قبر لتابوتحجري، داخل غرفة حيطانها متمايلة، آيلة للسقوط والكل تحت ظل شجرة رحيمةبالمكان، الذي ظاهر أن أهله لا يهتمون قط بما هو زائل في هذه الحياة. ليسللأمير ذاك، أي ضريح، وتمة أسطورة شعبية تقول، إن شبح ذلك الصحراي الرحالةكان يعود كل مرة لتدمير أي قوس يبنى على ضريحه. المكان قفر، والزياراتإليه قليلة، وتمة فقط ثلاثة بدويين يجلسون القرفصاء عند مدخل الضريح،ينعشون ذاكرة رجل يعتبر من أهم سلاطين المسلمين.
[ الحقيقة، أن قبر يوسف بن تاشفين بمراكش، الذي لم يتبدل حاله إلى اليوم،يبعد عن مسجد الكتبية بمنطقة سيدي ميمون، قريبا من مستشفى المامونية(مستشفى ابن زهر في تسميات أخرى)، بحوالي 1500 متر. وهو قريب من الإقامةالملكية الجديدة بمراكش. وزائر الضريح، يقف عند الإهمال الذي هو متروك لهقبر باني مراكش ومؤسسها، بل مؤسس أول إمبراطورية مغربية في التاريخ، امتدتحتى تونس شرقا وحتى بلاد السودان القديمة جنوبا (مالي والنيجر وغاناوالسنغال) وضمت ثلثي شبه الجزيرة الإيبيرية شمالا. ولو عاد اليوم، فيالعقد الأول من القرن 21، الكاتب والعالم الإركيولوجي الفرنسيدولامارتينيير، الذي زار ذلك الضريح سنة 1884، وكتب عنه الأسطر التيترجمناها أعلاه، فإنه سيصاب بصدمة أكبر من الحال التي أصبح عليها ضريحيوسف بن تاشفين في قلب مدينته مراكش!!.. ولن يفهم، كيف لا يمجد المغاربة،في زمن تنافس الحضارات والبحث عن عناوين الشرف والقيم الدالة، عن مجد تليدلهم في التاريخ، من خلال إصلاح ضريح الرجل وتحويله إلى مزار سياحي ثقافيحضاري رفيع، يفاخرون به الدنيا. فمراكش هي يوسف بن تاشفين، أول من وقف علىأول ضربة فأس لبناء حائط فيها، هي ابنته وهي مشروعه الهائل في التاريخ.والظاهر أن الإبنة وحفدتها اليوم ينسون دينهم على ذلك الجد الأوللمدينتهم، الذي يعود إليه الفضل في كل المجد الذي حازته المدينة عبرالتاريخ. كم يبكي الحجر العتيق للحائط القديم، المتروك للبلى والتلفوالنسيان، لذلك الضريح، من كل العقوق الذي نطعم به كلنا كمغاربة ذاكرة رجلهائل وعظيم، مثل يوسف بن تاشفين، الذي ترك أثرا هائلا وطيبا في الأرض وفيالذاكرة. - م - ].
لقد قاومت صومعة الكتبية الزمن وتحدت القرون، مع تسجيل أن واجهتهاالغربية، المعرضة دوما لرياح الغرب [والمحيط] المحملة بالمطر، قد تضررتمعالمها جراء ذلك. بل إن المعلمة العالية في السماء، قد اكتسبت لونا خاصامع الزمن، أميل للأشقر الفاتح، وفي أيامنا هذه [يتحدث الكاتب هنا عنزيارته الأولى إلى مراكش سنة 1884 - م - ]، لا تزال تظهر للعين المجردةبضع أجزاء من الزليج الصغير الأخضر والأزرق، وهي ذات جمال أخاد. لكن، ذلككله لا يلغي الإحساس بالغبن من التلف الذي يطال المسجد كله. ومما نسجلهأيضا، أن المؤذن يظل ينادي للصلاة، لكننا، كلما مررنا من أمام البوابةالكبرى المتبقية للمسجد، كلما سجلنا الفراغ الكبير داخله من المصلين. وفيتباثها الأبدي، تظل الصومعة حارسة أمينة لكل الخراب المحيط بها وأيضا لهذاالمسجد المتروك للتلف والبلى.
على بعد 100 متر من الواجهة الوسطى للكتبية، في اتجاه اليمين، على امتدادخط حائط مهدوم من الآجر، وبمحاداة مجرى مائي، تمة باب منسية لا يهتم بهاأحد، تفضي إلى ضريح مؤسس المدينة، الأمير يوسف بن تاشفين. إن الرجل يناممنسيا في ضريح متهالك، بالمدينة التي أسسها وبناها، هو الذي امتد ملكهوسلطانه المرابطي، من لشبونة البرتغالية، حتى الجزائر، وجنوبا حتى بلادالسودان. تمة حجر صغير فقط، مرمي على الأرض عبارة عن شاهدة قبر لتابوتحجري، داخل غرفة حيطانها متمايلة، آيلة للسقوط والكل تحت ظل شجرة رحيمةبالمكان، الذي ظاهر أن أهله لا يهتمون قط بما هو زائل في هذه الحياة. ليسللأمير ذاك، أي ضريح، وتمة أسطورة شعبية تقول، إن شبح ذلك الصحراي الرحالةكان يعود كل مرة لتدمير أي قوس يبنى على ضريحه. المكان قفر، والزياراتإليه قليلة، وتمة فقط ثلاثة بدويين يجلسون القرفصاء عند مدخل الضريح،ينعشون ذاكرة رجل يعتبر من أهم سلاطين المسلمين.
[ الحقيقة، أن قبر يوسف بن تاشفين بمراكش، الذي لم يتبدل حاله إلى اليوم،يبعد عن مسجد الكتبية بمنطقة سيدي ميمون، قريبا من مستشفى المامونية(مستشفى ابن زهر في تسميات أخرى)، بحوالي 1500 متر. وهو قريب من الإقامةالملكية الجديدة بمراكش. وزائر الضريح، يقف عند الإهمال الذي هو متروك لهقبر باني مراكش ومؤسسها، بل مؤسس أول إمبراطورية مغربية في التاريخ، امتدتحتى تونس شرقا وحتى بلاد السودان القديمة جنوبا (مالي والنيجر وغاناوالسنغال) وضمت ثلثي شبه الجزيرة الإيبيرية شمالا. ولو عاد اليوم، فيالعقد الأول من القرن 21، الكاتب والعالم الإركيولوجي الفرنسيدولامارتينيير، الذي زار ذلك الضريح سنة 1884، وكتب عنه الأسطر التيترجمناها أعلاه، فإنه سيصاب بصدمة أكبر من الحال التي أصبح عليها ضريحيوسف بن تاشفين في قلب مدينته مراكش!!.. ولن يفهم، كيف لا يمجد المغاربة،في زمن تنافس الحضارات والبحث عن عناوين الشرف والقيم الدالة، عن مجد تليدلهم في التاريخ، من خلال إصلاح ضريح الرجل وتحويله إلى مزار سياحي ثقافيحضاري رفيع، يفاخرون به الدنيا. فمراكش هي يوسف بن تاشفين، أول من وقف علىأول ضربة فأس لبناء حائط فيها، هي ابنته وهي مشروعه الهائل في التاريخ.والظاهر أن الإبنة وحفدتها اليوم ينسون دينهم على ذلك الجد الأوللمدينتهم، الذي يعود إليه الفضل في كل المجد الذي حازته المدينة عبرالتاريخ. كم يبكي الحجر العتيق للحائط القديم، المتروك للبلى والتلفوالنسيان، لذلك الضريح، من كل العقوق الذي نطعم به كلنا كمغاربة ذاكرة رجلهائل وعظيم، مثل يوسف بن تاشفين، الذي ترك أثرا هائلا وطيبا في الأرض وفيالذاكرة. - م - ].
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
يوسف بن تاشفين وزينب إسحاق النفزاوية، من وجه الآخر ومن بنى مراكش؟!
ترك لنا مرجععربي معلومات هامة عن سيرة يوسف بن تاشفين، ونموذجا لسيرة كل السلاطين.كان الرجل شجاعا، حاسما، حيويا، منخرطا في تدبير شؤون الحكم بالكامل،مراقبا للمدن ومهتما بشؤون أبناء بلده، مثلما كان جوادا سخيا. كان منصرفاعن ملذات الدنيا، ورعا، عادلا ونزيها. كان متواضعا في ملبسه أيضا، ومهمابلغ من مجد وسلطان فإنه لم يلبس قط غير لباس الصوف. كان أكله منحصرا علىالشعير، اللحم وحليب النوق، ولقد مكنه هذا النظام الخاص في الأكل أن يعمرطويلا، حيث قارب المئة سنة. لقد توفي بمراكش سنة 1106 ميلادية، بعد حكمدام أربعين عاما. كان أسمر البشرة، مربوع القد، نحيفا، بلحية قليلة الزغب.كانت نبرات صوته هادئة، وعيناه سوداوان، أنفه معقوف وحاجباه كثان ومقرونينفي الوسط، مما كان يثير غيرة الكثيرين. كان شعره أجعد قصير، وله خصلة شعرواحدة تتدلى من على أذنه.
جاء يوسف بن تاشفين من الصحراء مع مرابطيه، لاكتشاف ثروات الشمال[المغربي]. ومثل الموحدين الذين جاؤوا بعده وقضوا على ملك المرابطين، ومثلالشيخ ماء العينين في أيامنا هذه [سنة 1884 ميلادية]، فإن هؤلاء المساغبةالقادمين من الصحراء، يقومون باجتياح، باسم الدين، كل البلاد التي تقع فيطريقهم. [هذا تعبير قدحي من الكاتب، وهو يعني به أساسا هنا الشيخ ماءالعينين المرابط والمجاهد بالسمارة ضد الوجود الفرنسي والإسباني بالمغربالصحراوي، أي في إقليم شنقيط وإقليم الصحراء الغربية بشقيها وادي الذهبوالساقية الحمراء. فقد كان جهاده ومقاومته ومبايعته للسلطان مولاي الحسنالأول، من الأمور التي تقلق جدا فرنسا وخدامها حينذاك. لهذا يصفهم الكاتبهنا ب «المساغبة» أي «الجياع». مع الإشارة أن الموحدين لم يأتوا منالصحراء، بل هم مصامدة من أعالي جبال الأطلس الكبير، قريبا من جبل توبقالالعالي ب 4165 مترا عن سطح البحر. - م - ].
حين نزل الأمير المرابطي من جبال الأطلس، دمر في البداية مدينة أغمات،التي تظهر بقايا أطلالها من بعيد في الجنوب المراكشي. كانت المدينة جميلةجدا، عند مدخل أوريكا، حيث المياه دائمة الجريان من منابع متعددة. ولقدترك لنا المؤرخون المغاربة معلومات هامة عن هذه المدينة التي يصفونها ب«بغداد المغرب». [لابد من تحديد أمر هام غفل عنه الكاتب والباحث والرحالةالفرنسي دولامارتينيير حول مدينة أغمات. فالحقيقة أنها كانت أول مدينةاستقر بها المرابطون، ومنها انطلقوا لتطويع باقي مناطق المغرب الأوسط، بلإن منظرهم الروحي عبد الله بن ياسين غادر منها إلى الصحراء مجددا، بعد أناعتزل المسؤولية السياسية واختار الإستمرار في الدعوة الدينية الوعظيةوالإرشادية، ولم تكن مراكش قد بنيت بعد. بل إنه ترك زوجته التي طلقها بهذهالمدينة، وهي سيدة أمازيغية جد ذكية وذات علم ورأي ودور سياسي، هي زينبإسحاق النفزاوية، التي تزوجت أشد قواد زوجها المحاربين، يوسف بن تاشفين.بل مما تورده العديد من المصادر أن اختيار موقع مراكش يعود إلى هذهالمرأة، ولربما سحر المدينة آت من أنها مدينة بنيت برغبة امرأة واختيارأنثى غير عادية في تاريخ المغرب. وحين اتخد القرار لمغادرة أغمات، التيكانت مدينة منافسة قوة وجمالا وموقعا جبليا وعرا، تقرر تقويض مجدها وعناصرقوتها تلك، مما تسبب في خسارة آثار لا تقدر بثمن. ومما يقدم دليلا علىاستمرار تقدير بن تاشفين وزوجته للمدينة، أنهم حين اعتقلوا الأمير والملكالأندلسي الشاعر، المعتمد بن عباد، قادوه إليها حيث بقي في ما يشبهالإقامة الجبرية إلى أن مات بها وله بها ضريح مشهور اليوم. واختيار ذلكالمكان ربما يعود السبب فيه أن المدينة ذات جمال طبيعي، والملك الشاعر،يستحق إقامة في أعلى جبل أخضر، في إقامة محترمة، من أن يكون أسيرا في سجونمدينة في السفح مثل مراكش. - م - ].
سيتم اكتشاف آثار رومانية في أغمات (بوكانوم هيمروم). مثلما أنه كانت لهاسكتها المالية الخاصة، وكانت تضرب بها نقود من ذهب، أتوفر على واحدة منها،جد جميلة وذات رونق أخاد، مما يعكس مدى التقدم الحضاري الذي بلغته مدينةأغمات في الأزمنة الغابرة. كانت تمة حضارة هناك دمرها يوسف بن تاشفين، وهوالقائد الذي سيتزوج من ابنة أمير المدينة، الجميلة زينب، التي تحكيالأسطورة أنها كانت ساحرة، تمكنت من قلب الصحرواي القائد، وقدمت له الكثيرمن الخطط لترويض القبائل. بل، إن الحكاية الشعبية هنا، لا ترجع أمر بناءمدينة مراكش ليوسف بن تاشفين، عكس ما تذهب إليه المصادر التاريخية، بلإنها تنسب إلى ابنه عبد الحسن، الذي بنى أول أجزائها في المكان الذي يعرفب «قصر الحجر»، والذي لا أثر له اليوم. وهناك مصادر تؤكد، أنه قبل مجيئالمرابطين، كانت هناك بنايات بين أغمات وحوض تانسيفت، وأن ما قام به ذلكالأمير هو أنه جمع تلك البنايات وأعاد تنظيمها بنصيحة من قاض شيخ بالمنطقة.
كانت مراكش، مستقر المرابطين المفضل، وستبقى عاصمة أيضا للموحدين بعدهم.لقد كان أولئك الصحراويون، الذين رغم بلوغهم إسبانيا والأندلس الفاتنة،مغرمين بمراكش، لأنها قريبة من الصحراء، عند قدم جبال الأطلس العالية.وبعد أن تخلى عنها المرينيون، الذين اختاروا فاس في شمال المغرب، فإنهاسوف تستعيد مجدها الأبهى في عهد السعديين. هؤلاء القادمون بدورهم من مناطقصحراوية [الصحراء المغربية الشرقية]، سيجعلون منها أعظم وأجمل عواصمإفريقيا وبلاد المغرب الإسلامي، التي بلغ تعداد سكانها في عهدهم، أكثر من500 ألف نسمة، كما يؤكد الرحالة والمؤرخون الذين زاروها. وتمة باب مهمة،لا تزال تقاوم عوادي الزمن، هي « باب غناوة» ( أي « باب الغينيين») بحيالقصبة. لقد بنيت في عهد يعقوب المنصور سنة 1207، من قبل أسرى إسبان، حتىوإن كانت بعض التخاريم الخزفية فيها تعود إلى زمن قريب. لقد بنيت من حجرنضيدي رمادي وأحمر، مستخرج من منطقة جبيلات [القريبة من مراكش في اتجاهالشمال - م - ]. وهذه الباب ذات زخارف جد دقيقة ورشاقة عتيقة آسرة.
جاء يوسف بن تاشفين من الصحراء مع مرابطيه، لاكتشاف ثروات الشمال[المغربي]. ومثل الموحدين الذين جاؤوا بعده وقضوا على ملك المرابطين، ومثلالشيخ ماء العينين في أيامنا هذه [سنة 1884 ميلادية]، فإن هؤلاء المساغبةالقادمين من الصحراء، يقومون باجتياح، باسم الدين، كل البلاد التي تقع فيطريقهم. [هذا تعبير قدحي من الكاتب، وهو يعني به أساسا هنا الشيخ ماءالعينين المرابط والمجاهد بالسمارة ضد الوجود الفرنسي والإسباني بالمغربالصحراوي، أي في إقليم شنقيط وإقليم الصحراء الغربية بشقيها وادي الذهبوالساقية الحمراء. فقد كان جهاده ومقاومته ومبايعته للسلطان مولاي الحسنالأول، من الأمور التي تقلق جدا فرنسا وخدامها حينذاك. لهذا يصفهم الكاتبهنا ب «المساغبة» أي «الجياع». مع الإشارة أن الموحدين لم يأتوا منالصحراء، بل هم مصامدة من أعالي جبال الأطلس الكبير، قريبا من جبل توبقالالعالي ب 4165 مترا عن سطح البحر. - م - ].
حين نزل الأمير المرابطي من جبال الأطلس، دمر في البداية مدينة أغمات،التي تظهر بقايا أطلالها من بعيد في الجنوب المراكشي. كانت المدينة جميلةجدا، عند مدخل أوريكا، حيث المياه دائمة الجريان من منابع متعددة. ولقدترك لنا المؤرخون المغاربة معلومات هامة عن هذه المدينة التي يصفونها ب«بغداد المغرب». [لابد من تحديد أمر هام غفل عنه الكاتب والباحث والرحالةالفرنسي دولامارتينيير حول مدينة أغمات. فالحقيقة أنها كانت أول مدينةاستقر بها المرابطون، ومنها انطلقوا لتطويع باقي مناطق المغرب الأوسط، بلإن منظرهم الروحي عبد الله بن ياسين غادر منها إلى الصحراء مجددا، بعد أناعتزل المسؤولية السياسية واختار الإستمرار في الدعوة الدينية الوعظيةوالإرشادية، ولم تكن مراكش قد بنيت بعد. بل إنه ترك زوجته التي طلقها بهذهالمدينة، وهي سيدة أمازيغية جد ذكية وذات علم ورأي ودور سياسي، هي زينبإسحاق النفزاوية، التي تزوجت أشد قواد زوجها المحاربين، يوسف بن تاشفين.بل مما تورده العديد من المصادر أن اختيار موقع مراكش يعود إلى هذهالمرأة، ولربما سحر المدينة آت من أنها مدينة بنيت برغبة امرأة واختيارأنثى غير عادية في تاريخ المغرب. وحين اتخد القرار لمغادرة أغمات، التيكانت مدينة منافسة قوة وجمالا وموقعا جبليا وعرا، تقرر تقويض مجدها وعناصرقوتها تلك، مما تسبب في خسارة آثار لا تقدر بثمن. ومما يقدم دليلا علىاستمرار تقدير بن تاشفين وزوجته للمدينة، أنهم حين اعتقلوا الأمير والملكالأندلسي الشاعر، المعتمد بن عباد، قادوه إليها حيث بقي في ما يشبهالإقامة الجبرية إلى أن مات بها وله بها ضريح مشهور اليوم. واختيار ذلكالمكان ربما يعود السبب فيه أن المدينة ذات جمال طبيعي، والملك الشاعر،يستحق إقامة في أعلى جبل أخضر، في إقامة محترمة، من أن يكون أسيرا في سجونمدينة في السفح مثل مراكش. - م - ].
سيتم اكتشاف آثار رومانية في أغمات (بوكانوم هيمروم). مثلما أنه كانت لهاسكتها المالية الخاصة، وكانت تضرب بها نقود من ذهب، أتوفر على واحدة منها،جد جميلة وذات رونق أخاد، مما يعكس مدى التقدم الحضاري الذي بلغته مدينةأغمات في الأزمنة الغابرة. كانت تمة حضارة هناك دمرها يوسف بن تاشفين، وهوالقائد الذي سيتزوج من ابنة أمير المدينة، الجميلة زينب، التي تحكيالأسطورة أنها كانت ساحرة، تمكنت من قلب الصحرواي القائد، وقدمت له الكثيرمن الخطط لترويض القبائل. بل، إن الحكاية الشعبية هنا، لا ترجع أمر بناءمدينة مراكش ليوسف بن تاشفين، عكس ما تذهب إليه المصادر التاريخية، بلإنها تنسب إلى ابنه عبد الحسن، الذي بنى أول أجزائها في المكان الذي يعرفب «قصر الحجر»، والذي لا أثر له اليوم. وهناك مصادر تؤكد، أنه قبل مجيئالمرابطين، كانت هناك بنايات بين أغمات وحوض تانسيفت، وأن ما قام به ذلكالأمير هو أنه جمع تلك البنايات وأعاد تنظيمها بنصيحة من قاض شيخ بالمنطقة.
كانت مراكش، مستقر المرابطين المفضل، وستبقى عاصمة أيضا للموحدين بعدهم.لقد كان أولئك الصحراويون، الذين رغم بلوغهم إسبانيا والأندلس الفاتنة،مغرمين بمراكش، لأنها قريبة من الصحراء، عند قدم جبال الأطلس العالية.وبعد أن تخلى عنها المرينيون، الذين اختاروا فاس في شمال المغرب، فإنهاسوف تستعيد مجدها الأبهى في عهد السعديين. هؤلاء القادمون بدورهم من مناطقصحراوية [الصحراء المغربية الشرقية]، سيجعلون منها أعظم وأجمل عواصمإفريقيا وبلاد المغرب الإسلامي، التي بلغ تعداد سكانها في عهدهم، أكثر من500 ألف نسمة، كما يؤكد الرحالة والمؤرخون الذين زاروها. وتمة باب مهمة،لا تزال تقاوم عوادي الزمن، هي « باب غناوة» ( أي « باب الغينيين») بحيالقصبة. لقد بنيت في عهد يعقوب المنصور سنة 1207، من قبل أسرى إسبان، حتىوإن كانت بعض التخاريم الخزفية فيها تعود إلى زمن قريب. لقد بنيت من حجرنضيدي رمادي وأحمر، مستخرج من منطقة جبيلات [القريبة من مراكش في اتجاهالشمال - م - ]. وهذه الباب ذات زخارف جد دقيقة ورشاقة عتيقة آسرة.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
لماذا مراكش مغضوب عليها منذ القرن السابع عشر ؟! وما قصة سجن «دار السيغما» المخصص للأسرى المسيحيين؟!
محيطالكتبية جد هام وجميل بذكرياته الآسيانة. تمة المسجد المتروك للبلى، تمةالساحات الواسعة المحيطة به، التي بها أشجار البرتقال، ثم الطريق المؤديةإلى «باب كناوة» الفاتنة، والتي تعبر جوار ضريح يوسف بن تاشفين. هذاالمشهد كله لا بد أن يثير كل زائر جوال بالمنطقة، لأنه مثقل بغنى الماضي.ففي صباحات شتاء المغرب، ثم صباحات الربيع، حين يكون الجو لطيفا وشفيفا،فإنه بإمكان المرء أن يتمتع بالمنظر الصافي لجبال الأطلس وهي مجللةبالثلج. لقد تجولت في تلك البقاع بمتعة، حيث التلذذ بمنظر الأشجار المثمرةلعرصة بن دريس، ثم المامونية، وهي كلها ضاجة بمختلف أنواع الورد والزهر،التي تتساوق وعروش شجر السرو، المطلة من على أسوار قصر مولاي علي، الحمراءالمشبعة بالشمس، وغير بعيد عن الحيطان البيض للمباني الجديدة. غير بعيد عن المكان الذي نصبت فيه خيامنا، كانت توجد خان قديمة [فندقمغربي قديم]، حيث كان السلطان الموحدي المامون، في سنة 1229 ميلادية، ينزلبه المسيحيين. كانت به كنيسة صغيرة للعبادات، والتي كان ملوك البرتغاليزودونها باللازم دينيا. كانت هناك مقبرة مخصصة لهم بمنطقة تسمى «البور»،أي الأرض الجرداء التي بلا ماء، لكننا لم نتمكن من العثور على أي أثر لهااليوم [ في سنة 1884 ميلادية]. لقد بنى السعديون حيا جديدا قرب الكتبية،وبالعودة إلى رسومات الفنان الهولندي «ماتام»، الذي عاش في بلاط السلطانأحمد المنصور [أقوى وأهم سلاطين السعديين على الإطلاق والذي بلغ ملكه حتىتونس والسودان وفرنسا - م - ]، فإن قصر النساء كان بالجوار من المسجد،وأيضا مبنى الوصيفات والخادمات المقابل له. لقد خمنت أن خيامنا كانتمنصوبة على الأرض التي توجد بها آثار تلك البنايات مدفونة تحت التراب،والتي تحيل على مجد غابر. كان هناك أيضا سجن مخصص للجنود المسيحيين الأسرىبالجوار، وكان يطلق عليه «دار السيغما»، وسوف يكتب الأسير «مارمول» عنهاتفاصيل لم يوسع الوصف فيها بدقة للأسف. ( هو الأسير الإسباني «لي مارمولكارافاجال»، المنحدر من غرناطة. كان جنديا ضمن حملة الملك شارل الخامس علىمدينة الجزائر، فتم أسره من قبل الجند السعديين الذين كانوا يحكمون فيالجزائر كلها، فقضى سبع سنوات في المغرب، ضمنها رحلة طويلة في بلادالأمازيغ. وتوجد طبعة فرنسية لكتاب «الوصف العام لإفريقيا مارمول» لكاتبهدابانكور، الصادر بباريس سنة 1667 في ثلاثة أجزاء. ). الأبحاث الإركيولوجية صعبة في المدن المغربية، لأن مواد البناء ليست صلبة.فالبناؤون يشتغلون بطرق عتيقة. إنهم يجهلون طريقة نحت الحجر وتقويمه منالمقالع، وغالبا ما يستعملون آجرا غير سليم وغير مشبع بالنار، بل إنهميكتفون بالطمي المضغوط لبناء الحيطان أو إنجاز التقويسات والمنافذ. بينمافي العهد المريني، الذي نحن منبهرون ببناياته الجميلة في مدينة «شالة»الأثرية وغيرها، أو في العهد السعدي، خاصة بمراكش، فإن الطمي المستعمل جدصلب وقوي، بل إنه أشبه بأشد الحيطان الرومانية صلابة. إنه طمي مصنوعباحترافية عالية ولقد قاوم عوادي الزمن حتى الآن [ أي بعد مرور أكثر منأربعة قرون. من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، تاريخ زيارةدولامارتينيير للمغرب. - م - ]. وفي أيامنا هذه، اندثرت تلك الصنعةالمغربية في مواد البناء، ولم نعد نجد غير طمي بئيس، لا يصمد طويلا. يطلقعليه إسم «تابية»، ورغم أنه يوضع في قوالب مستطيلة، ويترك حتى يتبخر منهالماء، فإنه سهل العطب ولا يصمد طويلا في الزمن. فالمطر والشمس يفتتانهونادرا ما نشاهد بيتا تجاوز الخمسين سنة اليوم، بينما بيوت الأغنياء وحدهاالتي تصمد أكثر، لأن الآجر المستعمل يكون ثمنه عاليا. لكن أغلب تلك البيوتأيضا تجد مشاكل في أسطحها التي لا تقاوم كثيرا ظروف الطقس، والتي لابد منإعادة إصلاحها قبل كل فصل شتاء. إننا نأسف حين نشاهد ذلك التلف الذي أصاب القصور القديمة، التي لا يعتنيبها أحد، والتي تجعل أجزاء منها مهدمة. تمة سقوف خشبية فاتنة، تمة أعمالجبص غاية في الروعة تفنن فيها الصناع، وتمة زليج مرصوف بدقة وجميل،، كلذلك مهدم ومتروك للتلف. في مثل هذه الظروف، فإن هندسة حي بكامله تتغيربسرعة، وبمستطاعنا القول بدون تحفظ، إن مراكش مدينة الأطلال.. لقد عانتكثيرا من الحروب، خاصة في القرن السابع عشر، حين غزاها مولاي اسماعيلبشراسة للقضاء على ابن أخيه المتمرد بن محرز. لقد ترك ذلك السلطان،المعروف بعنفه الشديد، المدينة نهبا للسرقة. لقد أعدم كل كبار المدينة،وأمر أن تسمل عيون ثلاثين منهم أمام عينيه. لقد تم العبث بقصور السعديينالفاتنة، وتم نهبها بشراسة، مثلما حملت الكثير من تفاصيل جمالها إلى قصورمكناس. لقد تركت مراكش لمصيرها، حتى نهاية القرن 18، حين حل بها السلطان سيديمحمد بن عبد الله وبنى بها قصره. لقد وجد ذلك السلطان المدينة مدمرة فيثلاثة أرباعها، فقام أولا بترميم أسوارها، ثم المساجد. بعدها جاءت فترةالإضطرابات التي شهدها عهد السلطان مولاي سليمان، وطالتها تلك الإضطرابات.وفي عهد السلطان مولاي عبد الرحمان، الذي كان معجبا بالمدينة، فإنه سيباشربها عددا من الإصلاحات الهامة، التي للأسف، يصعب معها معرفة حقيقة الوضعالأثري وشكل البناء في هندسته القديمة. فالظاهر أن المدن المغربية تبنىبدون تخطيط مسبق أو هندسة محددة، بل إنها تبنى حسب مكر التاريخ وأحكامهوصدفه. والأمر يظهر واضحا وجليا أكثر في مراكش، التي لها شكل طويل غيرمتناسق وغير مفهوم، والحال أنها بنيت في منبسط مفتوح، ولا تحدها سوى هضبةكليز الصخرية التي منها نشاهد المدينة كاملة. | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
20 ألف مومس في مراكش سنة 1884 وقصة ساحة جامع الفنا مع الفنون الشعبية
بنيتمراكش على أرض كانت بها دوما حدائق غناء، بدليل أن أغلب أحياء المدينةالقديمة تحمل أسماء نباتات وحدائق. هكذا نجد اليوم الحي القديم والحيالجديد لحدائق رياض الزيتون، مثلما أن هناك حي رياض عروس، وحي جنان بنشكرةقرب قصر الباهية، ثم عرصة مولاي موسى غير بعيد عن حي اليهود، ثم هناك حيجنان الصدر الأعظم بوعشرين. يتكون وسط المدينة من حي المواسين وحي سيدي عبد العزيز، بينما الإقامةالسلطانية، أي دار المخزن والقصبة، فقد كانوا دوما في جنوب المدينة،تفصلهما عن باقي الأحياء مساحات أرض جرداء واسعة. [ حي المواسين بمراكش لايزال قائما إلى اليوم، وهو قريب من حي القصور، غير بعيد عن ساحة جامعالفنا. وكان الحيان معا يضمان منازل الأغنياء بالمدينة منذ القدم، إذ بهارياضات واسعة وجميلة. وأغلب الرياضات التي باعها الأحفاد اليوم للأروبيينبملايين الدراهم توجد بهذه الأحياء، وهي للحقيقة تضم نفائس نادرة لا أحديعرف قيمتها، خاصة أنها لم تشهد أي بحث إركيولوجي لاكتشاف المخبوء فيها،خاصة الغرف التي تحفر تحت الأرض والتي كانت مخازن سرية للعديد من النفائس.إن الحيطان هناك كاتمة أسرار، وجزء هائل من ذاكرتنا الجماعية يباع بأبخسالأثمان للأجانب. أما حي سيدي عبد العزيز، فهو حي الفقراء دوما بالمدينةالقديمة بمراكش، وهو حي ينسب إلى ضريح سيدي عبد العزيز التباع، أحد رجالاتمراكش السبعة. - م - ]. لقد تم نقل حي اليهود بدوره، إلى المنطقة السلطانية، في عهد السعديين.وتعتبر ساحة جامع الفنا الرابط بين وسط المدينة ومقر دار المخزن. الساحةهذه، التي تعني «ساحة الفرح»، لا علاقة لها بالفرح [!!]. المكان محاطبالكثير من القاذورات وبعض الدور المهدمة، ما عدا منزل وحيد، بشع في شكلبنائه، والذي يقيم فيه «القايد ماك لين» قائد المدفعية في الحرس الشريفي.[القايد ماك لين هو مواطن عسكري إنجليزي عمل بدار المخزن في عهد السلطانمولاي الحسن الأول. ولقد احتك به الكاتب بمراكش سنة 1884، تاريخ أول زيارةله للمدينة. وهي الفترة التي يحكي عنها هنا. - م - ]. لكن، ما يهب للمكانرونقا، هو الإمتداد الذي يبدو في الأفق لجبال الأطلس، ثم صومعة الكتبيةالشامخة في السماء، والتي تكتسب لونا ذهبا مع كل شمس أصيل، مما يعطيللمكان منظرا أخادا وآسرا. ثم إن أكبر تجمع بشري يمكن أن تسعد به وتحتكبه، يوجد في ساحة جامع الفنا بالتحديد. كل المهن هنا، باعة الخردة وقطعالحديد البالية، زجاجات قديمة مستعملة، علب عتيقة، والعديد من الأشياءالمستعملة البالية، القادمة في رحلة مثيرة من أصقاع بعيدة. ثم، نجد أهلالحرف والمهن، المتخصصون في وضع جبيرة الكسور [الجبارون]، والحلاقون وأهلالحجامة، ثم باعة الأدوية الشعبية، والعديد من الباعة الآخرين. الجميعيجلس تحت خيام صوف. فيما العطارون يعرضون موادهم على الأرض، التي تتضمنبعضا من المواد المخدرة العجيبة، مثل دقيق الثعابين المجفف في زجاجاتخاصة. وهياكل عصافير وبوم وحمام وعدد من الحيوانات المفترسة، مثل الثعالبوالسرعوب وزغب غزال الصحراء وعظام عدد من الحيوانات غير المعروفة الأصل..الكل موضوع فوق مصطبة من خشب متهالكة. يعتبر الحلاقون الأكثر حركة، لأنهم منهمكون دوما في العمل. وتمة ظاهرةمثيرة، تجعل البسطاء من الناس، يتجهون إلى هؤلاء الحلاقين وأهل الحجامة،من أجل أن يمتصوا لهم بعضا من دمهم، بضربة من قصبة مبراة في العنق. يوضععلى الجرح، قليل من غبار النحاس، ويشرع الحلاق في امتصاص الدم بفمه ويضعهفي زجاجة خاصة. العملية بسيطة، نظيفة وسريعة، يستشعر المواطن بعدها راحةكاملة ويتبعها بحلق رأسه، قبل أن يغادر بقلب أكثر خفة، ويعبر من أمام جمعمن الزبناء الجالسين القرفصاء ينتظرون دورهم. يعتبر وسط ساحة جامع الفنا، المملكة الخاصة للحكواتيين وأصحاب حلقات الرقصوالغناء. هنا، تجد جماعة من المتفرجين متحلقين، يصغون باستغراق وبأفواهمفتوحة، لمغن يحمل في يده دفا. هناك، في الجوار، تملك فرقة موسيقية شعبيةقوة إجبار تجمع آخر من الناس على الجلوس للإنصات. إن المكان فضاء للتفريغوالترويح عن الذات، والجميع غير مهتمين بالقذارة المحيطة بالمكان. في حلقةأخرى، نجد فرقة البهلوانيين المهرة، وهي فرقة تعرف ب «سيدنا موسى»، وهمأناس قادمون من «تازروالت»، ولهم دربة عالية في ممارسة الألعابالبهلوانية. أحدهم يعدو سريعا في مكان ضيق ويقوم بدوران على ذاته بسرعةفائقة، فيما يقف متعاضدين في ما يشبه سلما متشابكا في السماء، رفاق لهشداد، حليقي الرؤوس، وكلهم يرتدون بدلة موحدة فاتحة اللون وعليها صدرياتسوداء مزينة برسوم بيضاء. [ منذ نهاية الخمسينات من القرن العشرين، أصبحتتلك الصدريات حمراء عند بهلوانيي «سيدي حماد أموسى». وهم مريدون تابعونلزاوية تزروالت بسوس، وبالتحديد بضريح سيدي حماد أوموسى بإقليم تزنيت. ولاتزال هذه الفرق البهلوانية موجودة بكثرة في مدن الجنوب المغربي بين مراكشوتنزنيت، مرورا بأكادير وتارودانت ووصولا حتى وارزازات في أقصى الشرقالسوسي. وهي فرق تجوب الدواوير والأسواق وساحات العرض العمومية الشعبيةبالمدن المغربية الجنوبية. ويندر أن تجدهم في مدن الشمال إلى اليوم.وللحقيقة، فإنها فرق جد منظمة، عناصرها مدربون تدريبا عاليا على ما تتطلبالعمليات البهلوانية من رشاقة. ولهم دوما زي موحد وجميل. بل يمكن اعتبارهمالفرقة الشعبية الرياضية القادمة من البوادي المغربية، الوحيدة، المنظمةبذلك الشكل الإحترافي العالي، وكثيرا ما ربط بين احترافيتها تلك والإعتقادببركة الولي الصالح الذي ينسبون إلى ضريحه، لهذا كان ودهم مطلوبا، وكثيراما كانت تقدم لهم الأعطيات بشكل وافر. - م - ]. مكان التجمع الأكبر في ساحة العروض بجامع الفنا، هو ذلك الذي تكون فيهالفرق الغنائية الأمازيغية القادمة من سوس. يكون هؤلاء مرتدين لباسا أبيضطويل لها حزام ملفوف في الوسط ويضعون «رزة» على الرأس، ويصطف جوارهم عددمن الفتية الذين يؤدون رقصات خاصة مثيرة [فيها لعب بالكتفين متواصل].هؤلاء الراقصون لا يصلون إلى روعة رقصات منطقة جبالة في الشمال المغربي،التي تتميز بحذاقة أكبر. ثم هناك في الجوار، لاعبوا النار، الذين يتشبهونبأهل عيساوة [الذين أصلهم من مكناس بضريح الهادي بنعيسى، ولا تزال فرقهمقائمة إلى اليوم بذات الطقوس العنيفة، ولهم موسم سنوي يقام مع كل احتفاءبذكرى مولد الرسول الكريم - م -]. إنهم يوهمون الناس بشرب النار والماءالمغلي، والحال أنهم يشربون من أباريق مفصولة في الوسط بغشاء صلب. وهؤلاءفي الحقيقة فنانون مبدعون، لأنهم بأدوات وتقنيات بسيطة ينجحون في إبهارالحضور ب «بركاتهم» التي لا يرقى إليها الشك عند العامة. هؤلاء العامةالذين لا يترددون في نفحهم الأعطيات والتصفيق لهم مطولا. بين تلك الجموع الهائلة التي تملأ ساحة جماع الفنا حتى مغيب الشمس، يحدثأن تصادف نساء متلحفات بلحاف أبيض، محجبات، لكنهن يحرصن على إظهار بعضالغنج. لقد فوجئت بتقنياتهن في الإغراء للوقوع على زبون بعد هبوط الليل،كلهن يلبسن في أرجلهن بلغة مزينة بألوان صفراء فاتحة. الجميع هنا، يصنفهنفي مرتبة وضيعة، وتمة حديث أنه بمراكش توجد 20 ألف بائعة هوى. [ هذا رقم غير رسمي وهو مبالغ فيه من قبل دولامارتينيير. لكن ما هو مؤكد هو أنه كانفي عرصة مولاي موسى، وأيضا في «عرصة الحوثة» بمراكش، القريبة من حي ضباشي،تجمع كبير لبيوت الهوى خلال القرن 19 والنصف الأول من القرن العشرين. وكانيشرف عليها قائد خاص ينظم عمل الفرق الغنائىة، وأيضا دور الدعارةويراقبها، إسمه القايد بوفسيو. ومع السنوات الأولى لاستقلال المغرب، ألغيتهذه المهمة، وصدر قرار بمنع تخصيص أحياء في المدن المغربية لبائعات الهوى.هذا ما حدث في مراكش وكذلك في فاس وطنجة والدارالبيضاء، التي كان بها حيبوسبير القديم، المعروف كحي للدعارة رسميا - م - ]. | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
حامي مراكش سيدي بلعباس السبتي، النائم في قبر الفيلسوف ابن رشد
لباس أهل مراكشمختلف عن باقي الألبسة التي نشاهدها في المغرب. فهم يميلون أكثر للملابسالملونة. في مراكش شاهدت كثيرا الجلباب الواسع المنسوج من الصوف الرمادي،بخطوط تعرف ب «المراكشية»، وهو جلباب جميل. مثلما شاهدت الجلباب السوسيالأبيض أو الأزرق. وفي الطريق كنت تصادف أمازيغيي الجبال، النازلين منأعالي الأطلس الكبير، ببرنسهم الأسود الغليظ، التي تتدلى منه في الخلافرسوم برتقالية اللون، وهي رسوم تعود إلى الرسومات البونية القديمة [مملكةقرطاجة الأمازيغية القديمة - م - ].
تختلف مراكش الحمراء، مدينة الجنوب المغربي، بشمسها الدافئة، الذهبيةوبغبارها أيضا، عن باقي المدن المغربية كلها، خاصة فاس. هذه الأخيرة، التيتعتبر عاصمة الشمال، هي مدينة المهاجرين المغاربة الأندلسيين، التي يعبرهاواد صغير. مثلما أن مزاج الساكنة يختلف كثيرا، فالفاسيون متعلمون أكثرويميلون للحذاقة في سلوكاتهم اليومية، بل إنهم تجار مهرة، وتقنياتها تجريلهم في الدم. هم منفتحون وبفكر إقناعي. ورغم أنهم ميالون للنقد دوما، فإنالمخزن ظل يختار منهم دوما أهم رجاله ومسؤوليه النافذين. على العكس منذلك، فإن المراكشيين، الذين هم خليط من أهل الصحراء وساكنة الجبال وعددغير يسير من العبيد السود، هم على العكس [من الفاسيين]، يصدرون عن مزاجهادئ وطبيعة سلسة، لكن مع ضعف في الثروات. بالنسبة للبورجوازية الفاسية،المعروف أهلها بالتعالي، فإن مراكش قد أصابتها اللعنة، لأنها في ادعائهم،قد بنيت تحت برج العقرب، وهو في نظر منجميهم، برج يجلب النحس. ويضيفون أنهليس بهذه المدينة عائلات [قديمة]، لأنها ظلت تهدم كل مئة عام، وأنمستقبلها شؤم. مما يجعل ناسها، غير مبالين، لا حاجة بهم إلى العلم أوامتلاك «نباهة استغلال الفرص». ويخلصون بلؤم، إلى أنه لم يحدث أن رأينامراكشيا بلغ مركزا ساميا، وأن هذه المدينة - في زعمهم الظالم - قد بناها«أجلاف الصحراء» (المرابطون)، وأصبحت فيما بعد موطنا للأمازيغ الشلوح،أولئك الشداد المتوحشون النازلون من الجبال.
في المجمل، فإن المدينتين، بأمزجة أهلها الخاصة، كما لو أنهما عاصمتادولتين مختلفتين. مملكة فاس القديمة بسهولها الخضراء المحيطة بها، المزهرةفي الربيع، وهي عاصمة المغرب العربي الكبير، التي مجدها وبجلها «لوتي» فيكتابه. [ألف هذا الرحالة الفرنسي، بيير لوتي، واحدا من أهم كتب الرحلاتالأروبية إلى المغرب. وهو كتاب تمجيدي بالكامل، لأن الرجل أبهر كثيرابالحضارة المغربية، وكان من أشد المدافعين عن قيمة فاس وشمال المغرب كله.وهو كتاب جلب على صاحبه الكثير من النقد في الفترة التي سبقت احتلالالمغرب من قبل فرنسا وإسبانيا سنة 1912، لأنه دافع عن وجود دولة وثقافةوحضارة في بلاد المغرب، الأمر الذي لم يعجب الكثير من مهندسي باريس الذينكانوا يحتلون الجزائر منذ سنة 1830. - م -]. بينما مملكة المغرب القديمالقادمة من الجنوب [يقصد بها دولة المرابطين القادمة من عمق الصحراءالمغربية وأساسا من بلاد شنقيط (أي موريتانيا الحالية). ودولة الموحدينالنازلة من أعالي جبال الأطلس الكبير، من جبل درن بالتسمية الخلدونيةالقديمة. - م - ]، فإنها من خلال مدينتي مراكش وتارودانت، هي بلاد الشمسالساطعة الدافئة، التي تحيط بها أحيانا مناطق قاحلة، مع ميزة الجوار معأجمل جبال الأطلس العالية لبلاد الأمازيغ [الشلوح].
تواصلت أبحاثنا ودراساتنا، تحت الخيام التي كنا نقيم بها [قرب مسجدالكتبية]. لكن مشاكل عدة ما لبتث أن برزت على السطح. وهي المشاكل التيتعاظمت مع النزول المتواصل للحرارة، بل مع اشتداد البرد في فصل الشتاء،حيث لياليه قارسة جدا. ثم إن استمرار بقائنا في تلك الخيام ونحن في مدينةبها عمران، قد كان يضاعف من أسباب التوتر والقلق. كنا، في قلب تلك الأراضيالفارغة الشاسعة، بعيدين عن وسط المدينة، بل وكنا في قلب أطرافها المتهدمةالبالية. كان قطاع الطرق واللصوص يحومون دوما حول خيامنا، كل ليلة، وكانوايحومون حول بهائمنا. وحراس الأمن الذين خصنا بهم الباشا في البداية، قدرحلوا، فأصبحنا مكتفين بحراسنا الخاصين، وهو الأمر الذي لم يكن محتملا.كان لابد من انتظار مرور صديقنا الإيطالي، القائم بالأعمال في المغرب،بمراكش، السيد جونتي، لكي تتحسن أمورنا قليلا. فقد زارنا، ووقف بنفسه عندحال أحد مرافقينا المريض جدا، فرق لحاله وقرر مساعدتنا. لقد زارنا فجأةذات صباح سكرتير الباشا، ليبشرنا أن منزلا قد وضع رهن إشارتنا بحي زاويةسيدي بلعباس. ولقد تم إفهامنا أن اختيار الباشا لذلك الحي بالتحديد فيهتقدير كبير لنا، إذ لأول مرة سينزل به مسيحيون. لقد كنا نلبس اللباسالمحلي منذ إقامتنا في ذلك البيت، حتى لا نتسبب في مواجهات مع ساكنة تعرففي كل المدينة بأنها الأكثر رفضا للتواجد الغربي بالمدينة، أو باللغةالمحلية ل «الروميين». لقد كان لزاوية وضريح سيدي بلعباس بمراكش نفسالمكانة الروحية والدينية التي لضريح مولاي ادريس بفاس. لقد كان بلعباسحارس المدينة الروحي، وحامي سكانها. [ تقع الزاوية العباسية بالحي الذييحمل اسم الرجل نفسه، قرب باب تاغزوت في عمق المدينة القديمة بمراكش.والمعلومة الأهم في ذلك كله، هو أن الرجل الورع والعالم الفقيه سيديبلعباس السبتي يرقد في نفس القبر الذي دفن فيه الفيلسوف ابن رشد بعد نقلرفاته إلى الأندلس ودفنه هناك. - م - ].
إسمه مولاي أحمد بن جعفر السبتي الخزرجي، من مواليد مدينة سبتة،والمراكشيون يطلبون يوميا بركاته. هناك حكاية تتداول - وهي غير صحيحة -أنه حين استشعر قرب احتلال البرتغال لمدينته سبتة، قام ببيعها إلى يهوديلقاء خبزة واحدة. والغاية من الحكاية هي حماية هيبة الإسلام [أي أنالمدينة لم يفرط فيها المسلمون!!]. لقد فر سيدي بلعباس من ذلك الإحتلالوانتهى به المطاف في مراكش. لم يكن يتجاوز الستة والعشرين من عمره، لكنقيمته المعرفية والدينية كانت كبيرة. كان يحض على التقشف والزهد ومحبةالآخرين، كان يهب لباسه للفقراء ويبقى هو عاريا، والظاهر أنه أفضل وأكرممن [قديسنا] سان مارتان الذي لم يكن يهب غير نصف معطفه. لقد نزل أولابهضبة كليز المطلة على مراكش، حيث كانت بركاته تبهر الكل. كان يدلق الحليبعلى التراب، فيبقى الحليب عالقا في الهواء ببياضه، لا يلامس التراب. فكانأن كتب إلى السلطان بعض حساده يسعون الدس، وحين بلغت الرسالة إلى سيديبلعباس، مرسلة من السلطان الذي بعثها إليه يطلب منه جوابا، أبهر ذلكالسلطان بذات الرسالة التي أعيدت إليه وقد حورت ذات كلماتها كي تعطي معنىجميلا. فكان أن أبهر كل من في البلاط من روعة موقف الرجل، الذي اقتنعوا أنالسماء تحفظه وتحميه، وأن الله بعثه لحماية المدينة.
لقد تم دفنه بمقبرة سيدي مروان، خارج باب تاغزوت، فكان الحجيج يأتي إلىقبره غفيرا، ويغرقونه بالأعطيات التي تصل أحيانا آلاف الدنانير المذهبة.مع مرور الوقت التفت أسوار مراكش على قبره وأدخلته إلى حضن المدينة، ويعودالفضل إلى السلطان السعدي عبد الله أبو فارس، الملقب ب «الواثق بالله»، فيبناء ضريحه الحالي والمسجد والمدرسة المرفقة به. كان ذلك السلطان مريضابمرض عصبي حسب بعض المصادر، وبمرض في المعدة في مصادر أخرى تجعل بطنهمنتفخة جدا، ولأنه كان يعتقد أنه مسكون بجني ما، فإنه قرر بناء تلكالزاوية والإعتناء بالضريح طلبا للشفاء. لقد جهزت تلك المدرسة بمكتبةكبيرة جد غنية، تضم عشرات الكتب القيمة. وهي مكتبة يشرف عليها اليوم [فيسنة 1884 - م - ] ناظر للأوقاف. كان الحي الذي يوجد فيه الضريح لقرون«حرما»، أي مقدسا، وهو ملجأ لكل هارب من بطش ما، بل منهم من بنى منزلا بهدون أن يمنعه أحد من ذلك.
قام السلطان مولاي اسماعيل [من أهم وأكبر السلاطين العلويين الذي حكمالمغرب بين سنتي 1672 و 1727 - م - ]، ببناء ضريح جديد لسيدي بلعباس،اعتذارا منه لأهل المدينة على التدمير الذي طالها بسببه قبل أن يتمكن مناحتلالها. وهو الضريح الذي جدده السلطان سيدي محمد [بن عبد الرحمان]،وعلمت أنه تم تجديده مؤخرا من قبل السلطان مولاي عبد العزيز. لقد أصبحسيدي بلعباس ملاذا للفقراء والعميان بمراكش، الذين يحظون بحماية وعنايةخاصة في زاويته. ويحدث أن تسمع عند مدخل ضريحه المزين بالرخام الأبيضالمقوس، الذي أكيد أنه استقدم من أطلال قصر من قصور السعديين، منادياينادي: « أيها المسلمون، كل من يريد أن يبيع شيئا أو يشتري شيئا، ليقدمصدقة في حق سيدي بلعباس، سيد البيع والشراء، سيد الأرض والبحر». يجلسالفقراء السعاة، على جانب الحائط مصطفين، وأغلبهم عمي، ويمدون أياديهم فيالهواء لقاء صدقة. يظلون هناك طيلة النهار وجزء من الليل، وحين يتحسسونوقع خطى وحوافر يميزون بين الزائرين، فينادون بالصدقات التي يرجونها عاليةمنا نحن العابرين.
تختلف مراكش الحمراء، مدينة الجنوب المغربي، بشمسها الدافئة، الذهبيةوبغبارها أيضا، عن باقي المدن المغربية كلها، خاصة فاس. هذه الأخيرة، التيتعتبر عاصمة الشمال، هي مدينة المهاجرين المغاربة الأندلسيين، التي يعبرهاواد صغير. مثلما أن مزاج الساكنة يختلف كثيرا، فالفاسيون متعلمون أكثرويميلون للحذاقة في سلوكاتهم اليومية، بل إنهم تجار مهرة، وتقنياتها تجريلهم في الدم. هم منفتحون وبفكر إقناعي. ورغم أنهم ميالون للنقد دوما، فإنالمخزن ظل يختار منهم دوما أهم رجاله ومسؤوليه النافذين. على العكس منذلك، فإن المراكشيين، الذين هم خليط من أهل الصحراء وساكنة الجبال وعددغير يسير من العبيد السود، هم على العكس [من الفاسيين]، يصدرون عن مزاجهادئ وطبيعة سلسة، لكن مع ضعف في الثروات. بالنسبة للبورجوازية الفاسية،المعروف أهلها بالتعالي، فإن مراكش قد أصابتها اللعنة، لأنها في ادعائهم،قد بنيت تحت برج العقرب، وهو في نظر منجميهم، برج يجلب النحس. ويضيفون أنهليس بهذه المدينة عائلات [قديمة]، لأنها ظلت تهدم كل مئة عام، وأنمستقبلها شؤم. مما يجعل ناسها، غير مبالين، لا حاجة بهم إلى العلم أوامتلاك «نباهة استغلال الفرص». ويخلصون بلؤم، إلى أنه لم يحدث أن رأينامراكشيا بلغ مركزا ساميا، وأن هذه المدينة - في زعمهم الظالم - قد بناها«أجلاف الصحراء» (المرابطون)، وأصبحت فيما بعد موطنا للأمازيغ الشلوح،أولئك الشداد المتوحشون النازلون من الجبال.
في المجمل، فإن المدينتين، بأمزجة أهلها الخاصة، كما لو أنهما عاصمتادولتين مختلفتين. مملكة فاس القديمة بسهولها الخضراء المحيطة بها، المزهرةفي الربيع، وهي عاصمة المغرب العربي الكبير، التي مجدها وبجلها «لوتي» فيكتابه. [ألف هذا الرحالة الفرنسي، بيير لوتي، واحدا من أهم كتب الرحلاتالأروبية إلى المغرب. وهو كتاب تمجيدي بالكامل، لأن الرجل أبهر كثيرابالحضارة المغربية، وكان من أشد المدافعين عن قيمة فاس وشمال المغرب كله.وهو كتاب جلب على صاحبه الكثير من النقد في الفترة التي سبقت احتلالالمغرب من قبل فرنسا وإسبانيا سنة 1912، لأنه دافع عن وجود دولة وثقافةوحضارة في بلاد المغرب، الأمر الذي لم يعجب الكثير من مهندسي باريس الذينكانوا يحتلون الجزائر منذ سنة 1830. - م -]. بينما مملكة المغرب القديمالقادمة من الجنوب [يقصد بها دولة المرابطين القادمة من عمق الصحراءالمغربية وأساسا من بلاد شنقيط (أي موريتانيا الحالية). ودولة الموحدينالنازلة من أعالي جبال الأطلس الكبير، من جبل درن بالتسمية الخلدونيةالقديمة. - م - ]، فإنها من خلال مدينتي مراكش وتارودانت، هي بلاد الشمسالساطعة الدافئة، التي تحيط بها أحيانا مناطق قاحلة، مع ميزة الجوار معأجمل جبال الأطلس العالية لبلاد الأمازيغ [الشلوح].
تواصلت أبحاثنا ودراساتنا، تحت الخيام التي كنا نقيم بها [قرب مسجدالكتبية]. لكن مشاكل عدة ما لبتث أن برزت على السطح. وهي المشاكل التيتعاظمت مع النزول المتواصل للحرارة، بل مع اشتداد البرد في فصل الشتاء،حيث لياليه قارسة جدا. ثم إن استمرار بقائنا في تلك الخيام ونحن في مدينةبها عمران، قد كان يضاعف من أسباب التوتر والقلق. كنا، في قلب تلك الأراضيالفارغة الشاسعة، بعيدين عن وسط المدينة، بل وكنا في قلب أطرافها المتهدمةالبالية. كان قطاع الطرق واللصوص يحومون دوما حول خيامنا، كل ليلة، وكانوايحومون حول بهائمنا. وحراس الأمن الذين خصنا بهم الباشا في البداية، قدرحلوا، فأصبحنا مكتفين بحراسنا الخاصين، وهو الأمر الذي لم يكن محتملا.كان لابد من انتظار مرور صديقنا الإيطالي، القائم بالأعمال في المغرب،بمراكش، السيد جونتي، لكي تتحسن أمورنا قليلا. فقد زارنا، ووقف بنفسه عندحال أحد مرافقينا المريض جدا، فرق لحاله وقرر مساعدتنا. لقد زارنا فجأةذات صباح سكرتير الباشا، ليبشرنا أن منزلا قد وضع رهن إشارتنا بحي زاويةسيدي بلعباس. ولقد تم إفهامنا أن اختيار الباشا لذلك الحي بالتحديد فيهتقدير كبير لنا، إذ لأول مرة سينزل به مسيحيون. لقد كنا نلبس اللباسالمحلي منذ إقامتنا في ذلك البيت، حتى لا نتسبب في مواجهات مع ساكنة تعرففي كل المدينة بأنها الأكثر رفضا للتواجد الغربي بالمدينة، أو باللغةالمحلية ل «الروميين». لقد كان لزاوية وضريح سيدي بلعباس بمراكش نفسالمكانة الروحية والدينية التي لضريح مولاي ادريس بفاس. لقد كان بلعباسحارس المدينة الروحي، وحامي سكانها. [ تقع الزاوية العباسية بالحي الذييحمل اسم الرجل نفسه، قرب باب تاغزوت في عمق المدينة القديمة بمراكش.والمعلومة الأهم في ذلك كله، هو أن الرجل الورع والعالم الفقيه سيديبلعباس السبتي يرقد في نفس القبر الذي دفن فيه الفيلسوف ابن رشد بعد نقلرفاته إلى الأندلس ودفنه هناك. - م - ].
إسمه مولاي أحمد بن جعفر السبتي الخزرجي، من مواليد مدينة سبتة،والمراكشيون يطلبون يوميا بركاته. هناك حكاية تتداول - وهي غير صحيحة -أنه حين استشعر قرب احتلال البرتغال لمدينته سبتة، قام ببيعها إلى يهوديلقاء خبزة واحدة. والغاية من الحكاية هي حماية هيبة الإسلام [أي أنالمدينة لم يفرط فيها المسلمون!!]. لقد فر سيدي بلعباس من ذلك الإحتلالوانتهى به المطاف في مراكش. لم يكن يتجاوز الستة والعشرين من عمره، لكنقيمته المعرفية والدينية كانت كبيرة. كان يحض على التقشف والزهد ومحبةالآخرين، كان يهب لباسه للفقراء ويبقى هو عاريا، والظاهر أنه أفضل وأكرممن [قديسنا] سان مارتان الذي لم يكن يهب غير نصف معطفه. لقد نزل أولابهضبة كليز المطلة على مراكش، حيث كانت بركاته تبهر الكل. كان يدلق الحليبعلى التراب، فيبقى الحليب عالقا في الهواء ببياضه، لا يلامس التراب. فكانأن كتب إلى السلطان بعض حساده يسعون الدس، وحين بلغت الرسالة إلى سيديبلعباس، مرسلة من السلطان الذي بعثها إليه يطلب منه جوابا، أبهر ذلكالسلطان بذات الرسالة التي أعيدت إليه وقد حورت ذات كلماتها كي تعطي معنىجميلا. فكان أن أبهر كل من في البلاط من روعة موقف الرجل، الذي اقتنعوا أنالسماء تحفظه وتحميه، وأن الله بعثه لحماية المدينة.
لقد تم دفنه بمقبرة سيدي مروان، خارج باب تاغزوت، فكان الحجيج يأتي إلىقبره غفيرا، ويغرقونه بالأعطيات التي تصل أحيانا آلاف الدنانير المذهبة.مع مرور الوقت التفت أسوار مراكش على قبره وأدخلته إلى حضن المدينة، ويعودالفضل إلى السلطان السعدي عبد الله أبو فارس، الملقب ب «الواثق بالله»، فيبناء ضريحه الحالي والمسجد والمدرسة المرفقة به. كان ذلك السلطان مريضابمرض عصبي حسب بعض المصادر، وبمرض في المعدة في مصادر أخرى تجعل بطنهمنتفخة جدا، ولأنه كان يعتقد أنه مسكون بجني ما، فإنه قرر بناء تلكالزاوية والإعتناء بالضريح طلبا للشفاء. لقد جهزت تلك المدرسة بمكتبةكبيرة جد غنية، تضم عشرات الكتب القيمة. وهي مكتبة يشرف عليها اليوم [فيسنة 1884 - م - ] ناظر للأوقاف. كان الحي الذي يوجد فيه الضريح لقرون«حرما»، أي مقدسا، وهو ملجأ لكل هارب من بطش ما، بل منهم من بنى منزلا بهدون أن يمنعه أحد من ذلك.
قام السلطان مولاي اسماعيل [من أهم وأكبر السلاطين العلويين الذي حكمالمغرب بين سنتي 1672 و 1727 - م - ]، ببناء ضريح جديد لسيدي بلعباس،اعتذارا منه لأهل المدينة على التدمير الذي طالها بسببه قبل أن يتمكن مناحتلالها. وهو الضريح الذي جدده السلطان سيدي محمد [بن عبد الرحمان]،وعلمت أنه تم تجديده مؤخرا من قبل السلطان مولاي عبد العزيز. لقد أصبحسيدي بلعباس ملاذا للفقراء والعميان بمراكش، الذين يحظون بحماية وعنايةخاصة في زاويته. ويحدث أن تسمع عند مدخل ضريحه المزين بالرخام الأبيضالمقوس، الذي أكيد أنه استقدم من أطلال قصر من قصور السعديين، منادياينادي: « أيها المسلمون، كل من يريد أن يبيع شيئا أو يشتري شيئا، ليقدمصدقة في حق سيدي بلعباس، سيد البيع والشراء، سيد الأرض والبحر». يجلسالفقراء السعاة، على جانب الحائط مصطفين، وأغلبهم عمي، ويمدون أياديهم فيالهواء لقاء صدقة. يظلون هناك طيلة النهار وجزء من الليل، وحين يتحسسونوقع خطى وحوافر يميزون بين الزائرين، فينادون بالصدقات التي يرجونها عاليةمنا نحن العابرين.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الصمت متعة مراكش القديمة، سنة 1884، في مقابل ضجيج باريس الخانق
البيتالذي خصص لنا، هو رياض السيد بن ابراهيم الحرار، التي هي سكنى صيفية له،وهو ابن تاجر حرير مشهور. كان الرجل الذي اغتنى في عهد السلطان سيدي محمد[بن عبد الرحمان]، قد استجاب لطلب الباشا أن يترك لنا ذلك البيت الكبيرأثناء فصل الشتاء. كنا نلج إليه عبر مسارب ملتوية من الأزقة والدروب، بينحيطان عالية لا نوافذ بها، التي ذكرتني بأزقة فاس. حي الزاوية هذا، الذيليس به محلات تجارية ولا حركة، أشبه بدير مشرقي. ويكمل بصيص ضوء على طولالبيوت هذا المشهد التعبدي. كنا نتقدم من عتمة إلى أخرى، ومن فضاء غرائبيإلى آخر، قبل أن نجد أنفسنا أمام باب خشبية ضخمة، بها مسامير غليظة منالنحاس، وهي باب عتيقة جدا، تناجي السنين مع الحيطان المجاورة. قادنا ممرصغير تنفتح عليه تلك الباب، إلى حديقة داخلية، وفي العمق توجد بنايةالسكن. فجأة وأحسسنا هجوم ضوء هائل، وجو مفعم بأريج رائحة البرتقالوالورد، وكان ذلك لحظة فرح بعد مسار معتم وروائح رطوبة عبرنا منها طويلا.ففي بلداننا الأروبية، حيث الحياة متسارعة، وفي الغالب مفتعلة، فإننا لانعرف شيئا عن فتنة وجمال الدواخل المغربية والعربية. أليس في بلاد المغربوالعرب فقط، التي نستطيع فعلا الحديث عن معنى «البيت» [بمعناه الحميمي]؟!. كانت، دعة هنية، تعم تلك الحديقة الصغيرة في ذلك البيت. الحديقة التي كانتمرصوفة بها ممرات بين شجر البرتقال. وكان سعف نخيل مجاور يطل علينا من علىالسور العالي الذي كان يعزلنا عن العالم الخارجي. (عزلتنا كانت شاملةوحقيقية. ففي ذلك الزمن - 1884- لم يكن هناك بريد منظم، وكانت الرسائلتحمل إلينا عبر «رقاص» يجري بين العناوين. كانت الرسائل تحمل من طنجة عبرالبواخر إلى أقرب ميناء علي المحيط الأطلسي، قبل أن تنقل للمدن الداخليةالمعنية. هكذا كانت بعض رسائل باريس لا تصلنا سوى بعد مرور 40 يوما علىبعثها. أما الأخطاء البريدية فحدث ولاحرج. لقد توصلت مرة بحزمة جرائد عادتمن بلاد المارتينيك، بعد أن أخطأ بريدي من عندنا في وضعها في المكانالصحيح، وبدل بعثها إلى «ماروك» (أي المغرب)، بعثها إلى «مارتينيك».). كان البيت حيث نزلنا مضيافا وجميلا. وكان لون الصباغة الأبيض يعطي للونالشجر رونقا أكبر وأبهى. لم يكن تمة ذلك التواضع البئيس للتخاريم اليهوديةالتي تميز بعض دور فاس، والتي كانت سائدة جدا في القرن 19. كان البيت الذينزلنا فيه قديما جدا، والظاهر أنه بني في عهد السلطان سيدي محمد بن عبدالله. كانت به قبة محمولة على أعمدة من رخام، ومحاطة بتخاريم جبص مريحة،وتحيط بها الغرف. كان السقف من خشب، كان مذهبا بعض الشئ، محاطا باللبلابالأخضر مما يعطى للون السماء بزرقته فتنة أكبر. كانت الحيطان مزينةبالزليج، وكذا الممرات، وكان ذلك الزليج لا يتجاوز نصف الحائط من الأسفلإلى الأعلى. كان من قطعة صغيرة مربعة ملونة وذات هندسة دقيقة. نجد فيهااللون الأزرق الفاتح والقرمزي والأصفر الخفيف، وهي تقنية بناء تراجعتاليوم. ومن على رخام دائري أبيض، كانت تسيل مياه نافورة هادئة أسيانةورقراقة. تمة بعض من طيور الدوري الخاصة بمراكش برأسها الأزرق، التي لهاألفة مع المكان، تضرب بأجنحتها فرحة وفي أمان، لأن لها ألفة مع ذلك البيتوأهله. تمة جزء من البناية معزول، يضم المطبخ وأماكن سكنى الخدم. وفي عمقالحديقة، ربطنا جيادنا وبغالنا، فيما الإسطبل يضم أصلا عددا من الأحصنة. تطلب تآلفنا مع المكان بعض الوقت، فقد كان مأمولا أن تكون تلك البنايةالجميلة الدافئة في الأيام المشمسة، حانية أيضا في أيام الشتاء الممطرة.وعموما فإن المغاربة، لا يولون كبير اهتمام لشروط السلامة في البناء.فالمنازل غير موجهة التوجيه السليم [نحو الشمس]، وأغلبها به رطوبة، حيثتكون باردة جدا في الشتاء وحارة في الصيف، حد الإختناق. إن الذي لم يعش فيبيوت هذا المغرب العتيق لن يفهم ما أقصده. إن النوافذ منعدمة، وإذا ماأغلقت الباب ليلا، فعليك إغلاقها جيدا حتى لا تتجمد أطرافك من البردالقارس. ليس هناك مدافئ في البيوت المغربية، وعند علية القوم يتم الإلتجاءإلى مواقد الجمر التي تمتص الأوكسيجين وتؤدى إلى الإختناق. لقد شاهدت مرةالباشا، العليل أصلا، يكاد ينفق بسبب موقد من تلك المواقد. بينما بعضالأغنياء، يبنون فوق الأسطح أجنحة صغيرة يطلقون عليها إسم «نزاهة»، التييصعدون إليها في فصل الشتاء للتدفي بخيط الشمس، لكن عددهم قليل جدا. توجد زاوية سيدي بلعباس، في أطراف [المدينة القديمة لمراكش]، في اتجاهالشمال. وكان من حضنا أن ننزل في بيت بعيد عن ضوضاء وسط المدينة، ونحننعرف معنى ضوضاء مدينة إسلامية، الذي لا مجال لمقارنته بضوضاء معاملنا فيباريسنا الكبيرة والضخمة. كنا نشهد الحياة تأخد مجراها الهادئ في مراكش.ومن وقت لآخر كانت تصل إلينا موسيقى الطبول التي تذكرنا بسود إفريقياالقادمين من بلاد السودان. وأحيانا يصل إلينا عزف حزين من موسيقىالمغاربة، وهذا النوع من الموسيقى قليل هنا إذا ما قورن بفاس. كنا محاطينبصمت هائل، ذلك الصمت الهادئ الأسيان، المخصب. وكان الفضل في ذلك، فينظري، يعود إلى الزاوية، والحال أن الصمت عندنا في أروبا عطب. وإذا حدثوتكسر ذلك الصمت بعنف، فإنه ما يلبث أن يعود لهدوئه بسرعة. كانت الحياةتأخد مجراها السلسل العادي في ذلك البيت بين الخدم المغاربة. ترى أحدهميمشي حافيا فوق الزليج بخفة وآخر يحمل في صمت إناء نحاسيا تصدر منه روائحشجية. إن هؤلاء القوم الطيبون جدا، ينتبهون عاليا لأفعالهم، وكثيرا ما كانيأتي صوت امرأة سوداء يعطي أوامر بصوت هادئ يكاد يكون همسا. هنا نتشربمتعة الصمت بلذة هائلة. | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
يوم اكتشفنا السلطان مولاي الحسن الأول، مندسين بين الناس بمراكش، بعد صلاة عيد الأضحى سنة 1884
صوت الآذانيأتي منبعتا من المسجد الكبير لضريح سيدي بلعباس [بمراكش سنة 1884]، فيأوقات محددة على مدار اليوم. في الصباح الباكر، ينادي لصلاة الفجر، وتمةصوتان يتناجيان في ذلك الآذان. في الليل، بعد صلاة العشاء، تصل إليناأصوات أدعية حانية ومؤثرة. يكون الطُّلْبة حينها في مناجاة لربهم كي يخففآلام كل مضيوم في ذلك الليل. تلك الأدعية، شبيهة ببعض أدعية كنائسناالمسيحية، فهي تأتي من شغاف القلب. الألم هو الألم، في هذا العالم. لكن،أوليست أجمل الأديان، تلك التي تسعى جاهدة للتخفيف من ذلك الألم؟!.
قريبا من البيت الذي نزلنا به، توجد مدرسة صغيرة من تلك التي يطلق عليهاالمغاربة إسم «المسيد»، يتم فيها تلقين القرآن. كنا نسمع فيها صوت الأطفالوهم يرددون سورا منه في الصباح والعشي. كانت تلك المدرسة الفضاء الوحيدالذي به حيوية في ذلك الحي. إن الطلبة الذين يتمكنون من حفظ القرآن كاملاواستظهاره بتفوق، يصبحون «فقها»، وتصبح لهم مكانة عالية محترمة عندالعامة، والحقيقة أنهم لن يكونوا سوى متعلمين بسطاء. لقد اكتشفت أن للحفظقوة كبيرة عند المغاربة، بل إنه قيل لي، إن الطلبة يلتهمون نبات «ستالحسن» (وهو نبتة طبية سامة معمرة من فصيلة البادنجانات)، من أجل تقويةذاكرة الحفظ، رغم المخاطر التي تطرحها على الصحة. لقد انتقد كثيرا المؤرخوالعالم ابن خلدون في زمنه، هذه الطريقة في التعليم الشائعة بين المغاربة.
كانت فترة إقامتنا في ذلك البيت الجميل والكبير [في حي سيدي بلعباسبمراكش]، قد قربت من نهايتها. مع مرور الوقت، كنا نتأكد أن وجودنا غيرمرغوب فيه هناك، لأننا عوملنا كأجانب. فرغم الإحترام الذي أحسسناه، ورغمأننا حرصنا على احترام التقاليد المحلية [ولبسنا اللباس المغربي طوالالوقت]، فإن في العيون ما فيها من ريبة وشك واحتياط. كنا مقبولين كواجبفقط، وهذا مما كان يجعلنا دوما محتاطين. فقد كنا تحت رحمة العشرات من زوارالضريح ومن أتباعه، الذين ينتظرون فقط سقوطنا في أي خطأ بسيط ليشعلوهاحركة مواجهة في ذلك الحي. لكن، وقع حادث سوف يعزز من مكانتنا لم نخطط لهبالمرة، ولا كان في البال. لقد قررنا أن نحضر احتفالات عيد الأضحى ( يسميهالمغاربة «العيد الكبير»)، في بلاط مولاي الحسن [الأول]. وفي ليلة العيد،كان الناس المحيطون بنا جد متحمسين لذلك العيد، وظهرت بينهم حمية هائلةللإحتفاء. فقد اهتموا بلباسهم الجديد، واهتموا أيضا بلباسنا الخاصبالمناسبة، بل إننا حين ركبنا جيادنا، اكتشفنا أنها هي أيضا مزينة بالجميلوالمبهر، فكنا حقا في لحظة مميزة للفرح.
كان علينا قطع المدينة كلها، وحين بلغنا القصر، كنا آخر الملتحقين، فصعبعلينا الولوج والدخول، لأن باحة القصر كانت مملوءة بضيوف السلطان من ممثليالقبائل والقياد، القادمين خصيصا للإحتفاء بهذه المناسبة. كنا نشاهدالوفود تتعاقب، وبلغت إلى مسامعنا موسيقى الحرس الشريفي، ثم دوي صوتالمدافع المحتفية بالمناسبة. كانت الحركة ضاجة في ذلك الصباح المضئوالجميل، والشمس تكاد تكون حارقة، حتى ونحن لا نزال في فصل الشتاء. فجأةجائتني فكرة أن نغادر القصر بسرعة وأن نلتف على سوره، كي نسبق الموكبالسلطاني بأن نصطف بين العامة من الناس، الواقفين تبعا لترتيب أحيائهم،والذين سيمر السلطان لتحيتهم. كانت الإحتفالية تلك تتم في منطقة فلاحية،عند مخرج «باب أغمات» . وكان الأمر كله يتم في ديكور عادي بسيط، مما يقويمن رمزية وروحانية الإحتفال. كان الفضاء مفتوحا أمامنا بشكل فاتن حتى قدمجبال الأطلس العالية، المجللة بالثلج، كان المشهد فعلا جميلا وآسرا. وفيمقدمة الصورة، الضريح الكبير لسيدي يوسف بن علي، بقبته المزينة بالقرميدالأخضر الناصع، وعليها «جامور» مذهب. وهو ضريح تم تجديده في عهد السعديين،لأنه تنسب لصاحبه الكثير من الكرامات والخوارق. [ الحقيقة أن ما يصفه هناالرحالة الفرنسي والعالم الإركيولوجي الخبير هنري دولا مارتينيير، من موقعخارج باب أغمات بمراكش، قد تبدل كليا اليوم. فالفضاء الفلاحي المفتوح عندهذه الباب التاريخية الكبيرة، المفضية إلى الأطلس الكبير في اتجاه أوريكاوآيت أورير، قد غزاها البناء على مدار القرن والنصف الأخير. بل إن الضريحالذي يتحدث عنه، والذي كان معزولا خارج أسوار مراكش لسيدي يوسف بن علي، هوفي قلب حي كبير يحمل إلى اليوم إسم الرجل. وباب أغمات للإشارة هو قريب منحي «بابا إيلان»، أي حي «هيلانة»، الذي هو اسم يهودي يحيل ربما على أنالمنطقة كانت كلها في زمن ما حيا لليهود بمراكش. ومن تلك الباب يتم التوجهإلى حدائق أكدال الفاتنة التابعة للقصور السلطانية القديمة بمراكش. ولاتزال حدائق أكدال قائمة إلى اليوم، بذات الرونق والجمال والبهاء، بل إنهاواحدة من أهم منتجعات ساكنة مراكش البهجة. والميزة الأخيرة لباب أغمات،أنه بالأرض القريبة منها خارج السور، توجد أكبر مقابر مراكش، وهي «مقبرةباب غمات»، التي تضم رفات أكبر وأهم شخصيات مراكش منذ القدم، من علماءوفقهاء وشعراء وأدباء ومسؤولين كبار في الدولة. ومن أشهر أدباء مراكشالمدفونين بها «شاعر الحمراء». - م - ].
حين ظهر السلطان مولاي الحسن [الأول]، كان يمتطي جوادا سلطانيا أصيلاأبيض، بعرف أسود، وهو أضمر وأخف من أحصنته المعتادة السابقة. كان ركابالجواد، عاديا بسيطا كما جرت العادة بذلك، بلون أخضر فاتح يتماشى ولونالحصان. كانت زينته غير مفتعلة وبسيطة، حيث لا شئ وضع على غرته، وتحيطبعنقه العريض قطعة ثوب مذهبة صغيرة. وهذا عكس أحصنة بعض القواد، المثقلةبما يطلق عليه إسم «التلمساني»، وهو تزويق مبالغ فيه يحيط برقبة الحصانكله. كان السلطان محاطا بوزرائه وخدام القصر، ويتقدم الهوينا ببطء علىجواده. كان هناك، باشا المدينة سي بنداوود، الغارق في لباسه الأبيضالناصع، يمتطي بغلة مزينة، ويتبعه عدد من الجنود المزينين بطاربيش حمر منفاس، وبلباس أبيض ناصع. تقدم الباشا من السلطان وانحنى أمامه رفقة جنده،ترجمانا للطاعة الكاملة.
حرصت على أن نكون في مقدمة صف سكان حي الزاوية [زاوية سيدي بلعباس] ، وكنانلوح بأيدينا مثل كل الساكنة إلى السلطان. فجأة، لمحنا مولاي الحسن[الأول] بين الجموع، فمال إلى خليفة قايد المشور يسأله من نكون، فتوجهالرجل صوبنا، يسأل مرافقنا المغربي، الذي قلنا له أن ينقل إلى جلالتهاحترامنا وتقديرنا، وأننا حرصنا على تحيته بين الناس لنشكره على العنايةالتي نلقاها في مهمتنا العلمية بمراكش. حين نقل جوابنا إليه، بانت منهابتسامة رضى، أضاءت وجهه. أدركنا أن باب الرضى قد فتحت أمامنا، إذ لم تكدتنتهي الإحتفالية حتى التحق بنا باشا المدينة، الذي شكرنا على مبادرتنا.مثلما أن العامة من الناس قد أصبحوا مهتمين بنا، نحن الروميون اللابسونلباسا مغربيا، والذين يشرفونهم بالإقامة معهم في حيهم، حي الزاوية. كانالخدم الذين يشرفون على تلبية حاجياتنا قد ازدادوا فخرا بنا، ولمعت فيأعينهم ملامح غبطة ورضى واضحة.
انتهى
قريبا من البيت الذي نزلنا به، توجد مدرسة صغيرة من تلك التي يطلق عليهاالمغاربة إسم «المسيد»، يتم فيها تلقين القرآن. كنا نسمع فيها صوت الأطفالوهم يرددون سورا منه في الصباح والعشي. كانت تلك المدرسة الفضاء الوحيدالذي به حيوية في ذلك الحي. إن الطلبة الذين يتمكنون من حفظ القرآن كاملاواستظهاره بتفوق، يصبحون «فقها»، وتصبح لهم مكانة عالية محترمة عندالعامة، والحقيقة أنهم لن يكونوا سوى متعلمين بسطاء. لقد اكتشفت أن للحفظقوة كبيرة عند المغاربة، بل إنه قيل لي، إن الطلبة يلتهمون نبات «ستالحسن» (وهو نبتة طبية سامة معمرة من فصيلة البادنجانات)، من أجل تقويةذاكرة الحفظ، رغم المخاطر التي تطرحها على الصحة. لقد انتقد كثيرا المؤرخوالعالم ابن خلدون في زمنه، هذه الطريقة في التعليم الشائعة بين المغاربة.
كانت فترة إقامتنا في ذلك البيت الجميل والكبير [في حي سيدي بلعباسبمراكش]، قد قربت من نهايتها. مع مرور الوقت، كنا نتأكد أن وجودنا غيرمرغوب فيه هناك، لأننا عوملنا كأجانب. فرغم الإحترام الذي أحسسناه، ورغمأننا حرصنا على احترام التقاليد المحلية [ولبسنا اللباس المغربي طوالالوقت]، فإن في العيون ما فيها من ريبة وشك واحتياط. كنا مقبولين كواجبفقط، وهذا مما كان يجعلنا دوما محتاطين. فقد كنا تحت رحمة العشرات من زوارالضريح ومن أتباعه، الذين ينتظرون فقط سقوطنا في أي خطأ بسيط ليشعلوهاحركة مواجهة في ذلك الحي. لكن، وقع حادث سوف يعزز من مكانتنا لم نخطط لهبالمرة، ولا كان في البال. لقد قررنا أن نحضر احتفالات عيد الأضحى ( يسميهالمغاربة «العيد الكبير»)، في بلاط مولاي الحسن [الأول]. وفي ليلة العيد،كان الناس المحيطون بنا جد متحمسين لذلك العيد، وظهرت بينهم حمية هائلةللإحتفاء. فقد اهتموا بلباسهم الجديد، واهتموا أيضا بلباسنا الخاصبالمناسبة، بل إننا حين ركبنا جيادنا، اكتشفنا أنها هي أيضا مزينة بالجميلوالمبهر، فكنا حقا في لحظة مميزة للفرح.
كان علينا قطع المدينة كلها، وحين بلغنا القصر، كنا آخر الملتحقين، فصعبعلينا الولوج والدخول، لأن باحة القصر كانت مملوءة بضيوف السلطان من ممثليالقبائل والقياد، القادمين خصيصا للإحتفاء بهذه المناسبة. كنا نشاهدالوفود تتعاقب، وبلغت إلى مسامعنا موسيقى الحرس الشريفي، ثم دوي صوتالمدافع المحتفية بالمناسبة. كانت الحركة ضاجة في ذلك الصباح المضئوالجميل، والشمس تكاد تكون حارقة، حتى ونحن لا نزال في فصل الشتاء. فجأةجائتني فكرة أن نغادر القصر بسرعة وأن نلتف على سوره، كي نسبق الموكبالسلطاني بأن نصطف بين العامة من الناس، الواقفين تبعا لترتيب أحيائهم،والذين سيمر السلطان لتحيتهم. كانت الإحتفالية تلك تتم في منطقة فلاحية،عند مخرج «باب أغمات» . وكان الأمر كله يتم في ديكور عادي بسيط، مما يقويمن رمزية وروحانية الإحتفال. كان الفضاء مفتوحا أمامنا بشكل فاتن حتى قدمجبال الأطلس العالية، المجللة بالثلج، كان المشهد فعلا جميلا وآسرا. وفيمقدمة الصورة، الضريح الكبير لسيدي يوسف بن علي، بقبته المزينة بالقرميدالأخضر الناصع، وعليها «جامور» مذهب. وهو ضريح تم تجديده في عهد السعديين،لأنه تنسب لصاحبه الكثير من الكرامات والخوارق. [ الحقيقة أن ما يصفه هناالرحالة الفرنسي والعالم الإركيولوجي الخبير هنري دولا مارتينيير، من موقعخارج باب أغمات بمراكش، قد تبدل كليا اليوم. فالفضاء الفلاحي المفتوح عندهذه الباب التاريخية الكبيرة، المفضية إلى الأطلس الكبير في اتجاه أوريكاوآيت أورير، قد غزاها البناء على مدار القرن والنصف الأخير. بل إن الضريحالذي يتحدث عنه، والذي كان معزولا خارج أسوار مراكش لسيدي يوسف بن علي، هوفي قلب حي كبير يحمل إلى اليوم إسم الرجل. وباب أغمات للإشارة هو قريب منحي «بابا إيلان»، أي حي «هيلانة»، الذي هو اسم يهودي يحيل ربما على أنالمنطقة كانت كلها في زمن ما حيا لليهود بمراكش. ومن تلك الباب يتم التوجهإلى حدائق أكدال الفاتنة التابعة للقصور السلطانية القديمة بمراكش. ولاتزال حدائق أكدال قائمة إلى اليوم، بذات الرونق والجمال والبهاء، بل إنهاواحدة من أهم منتجعات ساكنة مراكش البهجة. والميزة الأخيرة لباب أغمات،أنه بالأرض القريبة منها خارج السور، توجد أكبر مقابر مراكش، وهي «مقبرةباب غمات»، التي تضم رفات أكبر وأهم شخصيات مراكش منذ القدم، من علماءوفقهاء وشعراء وأدباء ومسؤولين كبار في الدولة. ومن أشهر أدباء مراكشالمدفونين بها «شاعر الحمراء». - م - ].
حين ظهر السلطان مولاي الحسن [الأول]، كان يمتطي جوادا سلطانيا أصيلاأبيض، بعرف أسود، وهو أضمر وأخف من أحصنته المعتادة السابقة. كان ركابالجواد، عاديا بسيطا كما جرت العادة بذلك، بلون أخضر فاتح يتماشى ولونالحصان. كانت زينته غير مفتعلة وبسيطة، حيث لا شئ وضع على غرته، وتحيطبعنقه العريض قطعة ثوب مذهبة صغيرة. وهذا عكس أحصنة بعض القواد، المثقلةبما يطلق عليه إسم «التلمساني»، وهو تزويق مبالغ فيه يحيط برقبة الحصانكله. كان السلطان محاطا بوزرائه وخدام القصر، ويتقدم الهوينا ببطء علىجواده. كان هناك، باشا المدينة سي بنداوود، الغارق في لباسه الأبيضالناصع، يمتطي بغلة مزينة، ويتبعه عدد من الجنود المزينين بطاربيش حمر منفاس، وبلباس أبيض ناصع. تقدم الباشا من السلطان وانحنى أمامه رفقة جنده،ترجمانا للطاعة الكاملة.
حرصت على أن نكون في مقدمة صف سكان حي الزاوية [زاوية سيدي بلعباس] ، وكنانلوح بأيدينا مثل كل الساكنة إلى السلطان. فجأة، لمحنا مولاي الحسن[الأول] بين الجموع، فمال إلى خليفة قايد المشور يسأله من نكون، فتوجهالرجل صوبنا، يسأل مرافقنا المغربي، الذي قلنا له أن ينقل إلى جلالتهاحترامنا وتقديرنا، وأننا حرصنا على تحيته بين الناس لنشكره على العنايةالتي نلقاها في مهمتنا العلمية بمراكش. حين نقل جوابنا إليه، بانت منهابتسامة رضى، أضاءت وجهه. أدركنا أن باب الرضى قد فتحت أمامنا، إذ لم تكدتنتهي الإحتفالية حتى التحق بنا باشا المدينة، الذي شكرنا على مبادرتنا.مثلما أن العامة من الناس قد أصبحوا مهتمين بنا، نحن الروميون اللابسونلباسا مغربيا، والذين يشرفونهم بالإقامة معهم في حيهم، حي الزاوية. كانالخدم الذين يشرفون على تلبية حاجياتنا قد ازدادوا فخرا بنا، ولمعت فيأعينهم ملامح غبطة ورضى واضحة.
انتهى
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مواضيع مماثلة
» كيف كان المغرب قبل الإستعمار ب 50 سنة؟!..
» رجال السلاطين الأقوياء في مغرب القرن التاسع عشر من خلال كتاب "حول مائدة الغداء" لمحمد المختار السوسي /مصطفى حيرن
» جمعيات
» لماذا لم يكن المغاربة يستهلكون البرتقال؟
» لماذا اختار المغاربة المالكية؟
» رجال السلاطين الأقوياء في مغرب القرن التاسع عشر من خلال كتاب "حول مائدة الغداء" لمحمد المختار السوسي /مصطفى حيرن
» جمعيات
» لماذا لم يكن المغاربة يستهلكون البرتقال؟
» لماذا اختار المغاربة المالكية؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى