من طرف said الثلاثاء 12 أبريل 2011 - 16:40
نعيم درويش الثقافة، تعريفا، هي المحرك الأساسي للكيفية التي يتم بواسطتها انتاج الافكار والمفاهيم التي تجعل المجتمع في حركة تجدد دائمة. ولعل من ابرز ما تعمل الثقافة على انتاجه المفاهيم التي تساعد على دفع المجتمع الى الامام باتجاه تبلور انظمة حكم اكثر ديموقراطية، وهي تهيئ الظروف الفكرية والنفسية لهذه العملية. لكن، وعلى عكس هذا الاتجاه، هيمن نسق الاستبداد على الثقافة العربية من خلال تمسك معظم الحكام بالمقولات الثقافية التقليدية التي تبرر نمط الحكم الاستبدادي الذي فرضوه على شعوبهم، ووظفوا الثقافة للدفاع عنه، ما يعكس جهلا فظا بطبيعتها ودورها. ربما، لهذا، كما فاجأت الثورات الشعبية الأنظمة الشمولية فاسقطتها، أو وضعتها على طريق الزوال، أو - وهذا أضعف الإيمان - أخرجتها عن صوابها، فإن هذه الأنظمة فاجأت الشعوب بمخزونها «الثقافي»، الذي ظهر واحداً موحداً من تونس إلى مصر، ومن ليبيا إلى صنعاء وسوريا، وقبلها جميعاً في إيران، وكأن الحكام الشموليين «درسوا أو بالأحرى «تعلموا» على معلم واحد. وانفجرت مرة واحدة ثقافة يصعب إيجاد تسمية لها غير «ثقافة البذاءة»، وهي الوجه الآخر لـ «ثقافة» استخدام الجمال والأحصنة والبغال والرصاص والأمن، ضد الشعب الذي يتحرك أو يتظاهر من أجل الحرية وتغيير الأنظمة.
التسلط، والفساد، والاستبداد وسوء استخدام السلطة التي تمارسها الأنظمة الشمولية في السياسة والحكم تولد ثقافة سياسية للأنظمة الشمولية، تتبدى بشكل واضح لدى مخاطبة شعوبها. ولها ميزات ظهرت جلياً منذ تفجير ثورة الياسمين في تونس، وما تلاها من ثورات في بلدان عربية أخرى. يكرهون الثقافة ويخافون الشعوب أبرز تلك الخصائص ان الأنظمة الشمولية تخاف من شعوبها. هذا الخوف الذي يولد لدى مسؤولي هذه الأنظمة، في قمة الهرم، وباقي مكوناته، كراهية نمطية للشعب والناس. فيتوهم الحاكم انه فوق شعبه، وانه ليس بحاجة ليستمد منه شرعيته، بل هي الشرعية المفروضة بالقوة على الشعب. فينعدم التقدير والاحترام اللذان يفترض بكل سلطة ان تكنها للشعب، كونه أبا السلطات جميعاً، ومصدر شرعيتها. هنا يصير الشعب عدواً، فتمارس السلطة، التي تتحول إلى مافيا حكم وتتوقف عن ان تكون أداة للإدارة الرشيدة، جبروتها وتكبرها على الشعب تجعلها ممنوعاً من اللوم أو النقد أو النقاش، وهي لا تعرف أسلوباً للتعامل معه إلا واحداً: الأمن مترافقاً دائماً مع شتائم مقذعة في قاموس موحد بذيء عدواني، يعاد إنتاجه تكراراً، ويزداد بذاءة، ويشتد عدوانية، كلما شعرت هذه الأنظمة بأن ساعة الرحيل قد دنت، ولا تتردد في المجاهرة بالاستعداد للتضحية بنصف الشعب، وربما أكثر، للبقاء في السلطة.. «لقد كانوا مليونين وخلال حكمي أصبحوا خمسة ملايين ومستعد للتضحية بالملايين الثلاثة» وفقا لتعبير معمر القذافي. ضيق الصدر.. بينما سعته أداة الحكم انها اللغة الخشبية المنقطعة عن لغة العصر، وعن التواصل مع عقول الشعوب ورغباتها، ومصلحة الاوطان وازدهارها، تنتهجها انظمة شمولية لا تعرف الا الاستبداد اسلوبا للحكم، تتحكم بها عقلية مزيفة، تصور للحاكم ان له الأرض ومن عليها، فيتكرس ضيق الصدر تجاه أي اختلاف او معارضة، ويصبح نهجاً ثابتاً مع ان سعة الصدر هي الاداة الاساسية للحكم، وبهذا تنسد قنوات الثقافة امام النظام، وتتكون لديه ثقافة هجينة ثقافة البذاءة، الوليد المشوه لطبائع الاستبداد. الانظمة الشمولية ضد الابداع والثقافة على طول الخط وبين الحاكم المستبد والثقافة علاقة توتر وتناقض لا تستقيم احداهما بوجود الاخرى، طبيعة الثقافة ان الحرية والديموقراطية والرخاء في مواجهة التسلط والاستبداد الذي يرغب به الحاكم المتسلط. نساؤهم خصصن للثقافة ومن طرائف الانظمة الشمولية العربية، اننا لم نجد زعيما فيها، اهتم بالثقافة بل معظمهم، ان لم يكونوا جميعا اسندوا هذه المهمة الى زوجاتهم بحيث بدأت اسماؤهن تتردد وتبرز في ميادين التنمية الاجتماعية والثقافية. وهذ ما دفع للمطالبة بزيادة الاهتمام الثقافي على مستوى الحكام قبل الدخول في الترتيب لعقد قمة ثقافية عربية. ومع اعتقاد معظم الحكام العرب بان هيمنة سلطاتهم السياسية على الثقافة يمكن ان يطيل من اعمار انظمتهم، اتت الاحداث الاخيرة لتفاجئ الجميع بولادة نظام جديد يعيد رسم العلاقة الحقيقية بين معظم الزعماء العرب بالثقافة، لتظهرها وكأنها نسخة عما قاله وزير الاستعلامات النازي غوبلز «حينما اسمع كلمة ثقافة.. اتحسس مسدسي». فكما تشابهت طبيعة التحركات التي تشهدها الدول العربية من حيث المطالبة بالديموقراطية والحرية والاصلاح ومحاربة الفساد، فإن رد فعل الانظمة يكاد يكون متشابها من حيث اتهام المحتجين والمتظاهرين بانهم متآمرون ينفذون اجندات خارجية ضد الوطن، حتى ان زعماء المنطقة تسابقوا في استخدام النعوت والعبارات ضد المتظاهرين من ابناء شعبهم، الامر الذي انعكس سلبا عليهم وادى بالنتيجة الى توسع الاحتجاجات. متطرفون مأجورون البداية من تونس حيث اتهم رئيسها المخلوع زين العابدين بن علي في خطاب له في 29 ديسمبر الماضي «اقلية من المتطرفين والمحرضين والمأجورين» بالعمل ضد مصالح بلادهم من خلال العنف والشغب في الشارع. وفي 10 يناير القى بن علي باللوم على اطراف خارجية وعصابات ملثمة واياد لم تتورع عن توريط التلاميذ والشباب العاقل في الاضطرابات. ووصف الاحتجاجات بانها «اعمال قلة مأجورة ارهابية تسيرها من الخارج اطراف يغيظها نجاح تونس». ودعا مواطنيه الى الحفاظ على ابنائهم «من هؤلاء المأجورين والمفسدين والمتطرفين». وفي خطابه الاخير قبل الهرب في 14 يناير، قال بن علي انه اعطى تعليمات حتى يتم التفريق بين ما سماها العصابات ومجموعات المنحرفين وبين الناس العاديين عند اطلاق الرصاص. مثيرو الشغب اما في مصر، فقد وصف مصدر امني المتظاهرين في 27 يناير بانهم من مثيري الشغب، ولن يتم التهاون معهم، في وقت قلل فيه علي الدين هلال امين الاعلام السابق في الحزب الوطني من اعداد المتظاهرين، مؤكدا انهم لا يتعدون 30 الفا ولا يعبرون عن الشعب المصري. وان كان الرئيس السابق حسني مبارك قد ابتعد عن الاوصاف التي قالها الرئيس التونسي المخلوع، الا انه وفي خطابه في الاول من فبراير، اشار الى ان البعض استغل تظاهرات الشباب الشرفاء وسعى لاشاعة الفوضى واللجوء الى العنف. واشار الى تحول التظاهرات الى مواجهات مؤسفة تحركها وتهيمن عليها قوى سياسية تستهدف امن الوطن واستقراره باعمال اثارة وتحريض وسلب ونهب وقطع طرقات واعتداء على مرافق الدولة. وقد حاول النظام تخيير مواطنيه ما بين بقائه او الفوضى، وقد اعتبر نائب الرئيس السابق عمر سليمان في 3 فبراير ان كلمة الرحيلة نداء للفوضى، متهما عناصر لها اجندات خاصة اندست وسط حركة 25 يناير. وفي اليوم التالي قال الرئيس مبارك لشبكة اي بي سي الاميركية انه لا يطيق السلطة ويود ترك منصبه، لكنه «خوفي من الفوضى يمنعني من ترك منصبي حاليا». وفي السادس من فبراير، صرح مصدر امني بانه تم القبض على جواسيس من جنسيات مختلفة يحرضون المتظاهرين. العقيد سبق الجميع أما في ليبيا فقد كان لافتا ان الزعيم الليبي معمر القذافي قد شعر بخطورة ما يجري حوله واحس بأن الأمور ستصل إليه ولهذا فقد سارع إلى انتقاد ما جرى في تونس ومصر وعبر عن دعمه لبن علي ومبارك. لكن الزعيم الليبي سبق الجميع في الألفاظ البذيئة والمسيئة التي اطلقها بحق شعبه، وقد تصدر كلامه والتعليقات عليه شاشات التلفزة ومواقع الانترنت لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر. ووصف القذافي شعبه الثائر بالكلاب الضالة، والفئران والجرذان، والمبرشمين المدمنين على حبوب الهلوسة والاطفال المهوسين والسكرانين والمشاغبين والمجانين، والرجس والانجاس والارهابيين اتباع القاعدة وبن لادن، وفي اتهامه للثوار بالعمالة قال القذافي عنهم إنهم اشخاص «مقملون موسخون يتبعون الاستخبارات الاجنبية». ولم يوفر الزعيم الليبي العرب فوصفهم بأنهم عملاء اذلاء أخساء. مغامرون متآمرون ولم يشذ الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن القاعدة فقد وصف عشرات الآلاف من ابناء شعبه الذين خرجوا للمطالبة بالتغيير بأشد العبارات، وقال في خطاب له الجمعة الماضية انه مستعد «لتسليم السلطة الى اياد أمينة» لا إلى اياد «حاقدة» و«فاسدة» و«متآمرة» و«مريضة» و«عابثة» و«عميلة». وتابع واصفا معارضيه ب «المغامرين والمتآمرين، يريدون ان يحصلوا على السلطة من فوق جماجم الشهداء والاطفال». ووصف العسكريين الذين انشقوا عنه وانضموا الى المتظاهرين بـ«الحمقى»، متهما «اللقاء المشترك» بعمليات نهب. وفي كلمة لصالح في معسكر اللواء 314 مدرع، اتهم المعارضة ب «النفخ في قير الفتنة». اما المتحدث باسم الحزب الحاكم طارق الشامي، فوصف التظاهرات التي خرجت لتأييد صالح بانها «أخرست كل الألسن البذيئة»، وردت على كل «التخرصات غير المسؤولة للمقامرين وأصحاب الرؤى السوداوية». عصابات مسلحة في سوريا في سوريا، برز الارتباك بشكل واضح على كيفية تعاطي السلطات واعلامها مع الاحتجاجات. فبعد ايام من الاحتجاجات، خرج مصدر سوري مسؤول ليتهم عصابات مسلحة بأنها وراء ما يجري في مدينة درعا جنوب البلاد. وحذر المصدر المسؤول من تصديق الاخبار الكاذبة التي تنقلها عدة جهات خارجية حول الاوضاع في درعا، مشيرا الى ان اغلبها صادر عن اسرائيل. وبعد ان احتج اهالي درعا على اتهام من خرج للتظاهر بأنهم عصابات مسلحة حاولت مستشارة الرئيس بشار الاسد بثينة شعبان توضيح الامر، وقالت: «ان هذه التسمية اطلقت ربما على من يحمل السلاح ولا يريد مطالب، بل يستهدف زعزعة الأمن». بيد ان كلام الليل لبثينة شعبان سرعان ما محاه كلام النهار لوزير الاعلام محسن بلال، الذي قال الجمعة الماضي ان: «السلام التام يسود المدن السورية، وتم اعتقال الارهابيين». واضاف بلال ان «الجو ليس جو احتجاجات ضد الحكومة، لكن هؤلاء متشددون وارهابيون يهددون الأمن القومي من 14 محافظة ليقودوا ثورة شاملة». أعداء الله في إيران وليس بعيداً عن الدول العربية الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد وصف من قام بتنظيم التظاهرات المناهضة لحكومته بأنهم اعداء، داعياً الى محاكمة أصحاب النفوذ والمال. وقد قامت مجموعة من النواب المحافظين في البرلمان بوصف زعيمي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي بأنهما مثيرا الفتنة والمفسدان في الأرض ووصف رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني المتظاهرين بأنهم اعداء الثورة، ووصل الامر بالبعض الى أن يصف المتظاهرين بأنهم اعداء الله، وفق قول وزير الداخلية مصطفى محمود نجار والمرجع الديني عباس واعظ طبسي، الذي قال «قادة المعارضة اعداء الله، وهم يستحقون بالتالي الموت بموجب الشريعة»، مشير الى ان «المسؤولين عن الفتنة في البلاد يحاربون الله ورسوله، والقانون واضح بشأن حد الحرابة». واتهم رئيس السلطة القضائية آية الله صادق لاريجاني قادة المعارضة بــ «الخيانة»، فيما وصف قائد قوى الأمن العميد احمد مقدم المتظاهرين بالغوغائيين. | |
| معمر القذافي | | | علي عبدالله صالح | | | زين العابدين بن علي | |
|
|
|