صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الاختيار في التوجيه تعبير عن الشخصية

اذهب الى الأسفل

الاختيار في التوجيه تعبير عن الشخصية Empty الاختيار في التوجيه تعبير عن الشخصية

مُساهمة من طرف said السبت 9 يوليو 2011 - 21:28

إن تدبير
الموارد البشرية تدبيرا عقلانيا أضحى غاية كل المجتمعات التواقة إلى النمو
والتقدم . فالفكرة السائدة اليوم ترى أن النماء الاقتصادي يقتضي تنمية
لإمكانيات كل فرد أو البعض منها على الأقل . بل أكثر من ذلك ، فإن الفكرة
التي تمحورت حولها كل الخطابات المتعلقة بإدماج الشباب في الحياة
الاقتصادية والاجتماعية ، ترى أنه من الممكن إيجاد حلول لهذه الصعوبات عبر
تأهيل الشباب. والحال أنه يمكن لبعض المشاكل الاجتماعية كالبطالة
والانحراف وتعاطي المخدرات وغيرها ، أن تجد حلولا عبر نمو معارف ومهارات و
معارف سلوكية لدى الأفراد .



أدركت كل الدول المتقدمة هذه التوجيهات وشددت على أن تتمركز الممارسات
التربوية بشكل عام وممارسة التوجيه بشكل خاص على الشخص وعلى توضيح
مشاريعه وعلى الكفايات التي يمكن أن ينميها ، بغية توجيهه الوجهة التي
تناسب شخصيته واهتماماته وكفاياته. وقد تعددت المقاربات في التوجيه لتحقيق
هذه الغاية ، ونقدم إحداها عبر هذا الموضوع بشكل مقتضب ، و يتعلق الأمر
«بنظرية هولاند «. فقد حاول هولاند من خلال هذه النظرية وصف الأشخاص
والمحيطات المهنية والتفاعلات الممكنة بينهما ، كما وضع « سيناريوهات»
لتطابق الأشخاص مع المحيطات المهنية الملائمة لهم . إن هذه الشبكة التي
أعدها هولاند تسعى إلى شرح السلوكات المتعلقة بالميول المهنية وتقترح على
المستشار في التوجيه والمدرسة وسائل لمساعدة التلاميذ على وضع اختيارات
صائبة ومستنيرة ، وتدبير التغيرات التي تحدث أثناء حياتهم الدراسية أو
المهنية .

مبادئ ومرتكزات نظرية هولاند
نظرا لتكوين هولاند في سيكولوجية الإرشاد ، وبناء على التجارب التي راكمها
من خلال ممارسته لمهنة الإرشاد الكلينيكي ، بدأ يفكر في إشكالية تقييم
الشخصيات من خلال رائز يعتمد جرد الأفضليات المهنية للأشخاص . وهكذا بدأ
يهتم بدراسة مختلف مظاهر السلوكات الفردية المتعلقة بالميول المهنية
كالاختيار المهني والانجذاب إلى إحدى المهن ، والأدوار التي يمكن القيام
بها داخل هذه المهنة ، والنجاح المهني وإمكانيات الابتكار والخلق داخل
المهنة والإشباع الذي يمكن الحصول عليه . لذا بدا لهولاند أنه من الممكن
تصنيف الاهتمامات والميول والخاصيات والسلوكات الفردية إلى أصناف أو أنماط .
كما لاحظ أنه يمكن وصف الوسط المهني من خلال الأشخاص المتعايشين داخله .
ولاحظ أن سلوكات الفرد لها علاقة وطيدة ورهينة بنوع شخصيته والوسط الذي
ترعرع فيه .
انطلاقا من هذه المعطيات ، وضع هولاند بعض المبادئ التي اعتمدها كقاعدة
لبناء نظريته . يتجلى أول هذه المبادئ في كون الاختيار المهني لا يتضمن فقط
إعلانا عن ميل ، بل تعبيرا عن شخصية بكاملها . ويتجلى المبدأ الثاني في
كون أن جرد الميول والاهتمامات يشكل في الواقع جردا للشخصية . وقد أسس على
هذه الفرضية رائزه « جرد الأفضليات المهنية « الذي استعمله لقياس أنماط
الشخصية . وبناء على هذه الفرضية ، يعتبر الاختيار المهني انعكاسا لشخصية
الفرد ومحفزاته ومعارفه ومؤهلاته ، كما يعتبر الشغل محيطا وفضاء تنسج
داخله مجموعة من العلاقات لا يستلزم فقط استعمال أدوات لأداء مجموعة من
الوظائف المعزولة ، بل يمثل أيضا دورا ومركزا اجتماعيين وأسلوب حياة . هكذا
، عندما يعبر الفرد عن اختيار دراسي أو مهني ، فإنه يعبر عن مجموعة من
المعلومات عن ذاته تتعلق بالمحفزات التي تحركه ، والمعرفة التي يمتلكها عن
الشغل أو التكوين والصورة التي لديه عن ذاته . وبصيغة أشمل ، يشكل التعبير
عن الاختيار إسقاطا لشخصية الفرد .
ويتجلى المبدأ الثالث في كون أن الأفراد الذين يتجمعون داخل شغل ، يشتركون
في نفس المواصفات وتتشابه سيرة نمو وتكوين شخصيتهم. وبناء على هذا المبدأ ،
فإنه عند انخراط مجموعة من الأشخاص في نفس الشغل ، فذلك يدل على كونهم
يشتركون في مجموعة من الخصال . ولهذا السبب ، فإنهم قابلون للتشابه في
الطريقة التي يتناولون بها القضايا والإشكاليات ، كما يتشابهون في الكيفية
التي يتعاملون بها ويتفاعلون .
أما المبدأ الأخير الذي اعتمده هولاند في وضع نظريته ، فيتمثل في افتراض أن
الإشباع والاستقرار في الشغل ، والنجاح في الحياة المهنية رهين بمدى
تلاؤم شخصية الفرد مع المحيط الذي يشتغل فيه . لكن كيف تتكون وتنمو هذه
الشخصيات أو الأنماط التي يتحدث عنها هولاند ؟
إن منظور هولاند لنمو هذه الأنماط يشكل في الواقع نظرية لنمو الشخصية . حسب
هذا المنظور ، يولد الطفل بخاصيات وراثية تنضاف إليها خاصيات يمتلكها عبر
تجاربه ، حيث تجعله هذه المعطيات ينمي أذواقا لبعض الأنشطة وينفر من أخرى .
وتتعلق التجارب ، التي يتحدث عنها هولاند ، بالحياة المعيشية للطفل داخل
بيته وفي المدرسة وأثناء احتكاكه بأقرانه وبالأشخاص المتواجدين في محيطه ،
حيث توفر له هذه المحيطات إمكانيات ودعائم يغلب عليها طابع أنماط الشخصيات
المتواجدة في هذا المحيط . إن الأنشطة التي يتعاط إليها الطفل تتحول فيما
بعد إلى ميول واهتمامات تنال دعما وتقوية من طرف مختلف المحيطات التي يحتك
بها ، حيث يحقق بذلك إشباع حاجاته . ويدفع توالي هذه الاهتمامات والميول
الطفل إلى اكتساب مهارات خاصة تصبح هي الأخرى مدعمة من طرف وسطه . ويترتب
عن هذه السيرورة بروز استعدادات خاصة تشكل ، في نهاية الأمر ، نمط شخصيته
التي ستبرهن عن امتلاك خاصيات وسلوكات خاصة سواء على مستوى إدراكها لذاتها
ولمحيطها أو على مستوى قيمها وردود أفعالها تجاه تأثيرات المحيط وكذا على
مستوى أفضلياتها وأساليب تكيفها ومجمل سلوكاتها .
يتبين من خلال هذه المقاربة ، كما يؤكد هولاند نفسه ، أن منظوره لنمو أنماط
الشخصية مقتبس بشكل كبير من النظرية السلوكية الاجتماعية لستاتز STAATS
(1981). ومن بين ما اقترح هذا الأخير، « أن الفرد ينمي ، منذ ولادته ومن
خلال الدعائم الذي يستقبلها ، مجموعة من السلوكات تشكل في نهاية الأمر
العناصر الأساسية التي تدخل في تكوين شخصيته «
وصف أنماط هولاند
يرى هولاند «1985» أنه يمكن تصنيف الأمريكيين تبعا للثقافة الأمريكية ، حسب
درجات تشابههم بأنماط الشخصية الستة التالية Types de personnalité :
الواقعي، الباحث ، الفني ، الاجتماعي ، المقاولاتي والمحافظ ويمكن إقامة
درجة التشابه هاته بمقارنة خاصيات وسلوكات شخص معين مع خاصيات الأنماط
الستة النظرية والافتراضية التي حددها «هولاند» والتي سنتطرق لها لاحقا ،
ويسمى النمط الذي يشبه الشخص نمطه الشخصي « son type de personnalité « في
حين تسمى درجة تشابهه مع كل هذه الأنماط الستة «نموذجه الشخصي « son
patron de personnalité أو جانبية شخصيته .
ويرى» هولاند « أيضا أنه يمكن تصنيف المجالات المهنية التي يتعايش فيها
الأشخاص ، والتي يسميها بالمحيطات Les environnements إلى ستة محيطات مهنية
موازية لمواصفات الأنماط الستة للشخصيات . فهناك محيط واقعي ومحيط فني
ومحيط اجتماعي ومحيط مقاولاتي ومحيط محافظ ويوفر كل محيط فضاء وإمكانيات
تسمح للفرد بتنمية مهاراته وتوظيفها ، وتدعيم قيمه واهتماماته ومواقفه
الخاصة .
عندما يتعرف كل شخص على اهتماماته واستعداداته وكفاياته الخاصة ،
فإن ذلك سيجعله يبحث عن أوساط تلائم خاصياته ورؤيته للعالم. وبتعبير أدق ،
يبحث الأشخاص عن محيطات تمكنهم من ممارسة مواهبهم ومهاراتهم وتسمح لهم
بالتعبير عن قيمهم وتناول القضايا التي تثير انشغالا تهم ، كما تمكنهم من
لعب الأدوار التي يرونها تناسبهم .
1) أنماط الشخصية :
يصف هولاند كل واحد من هذه الأنماط الستة على الشكل التالي :
- الشخصية ذات النمط الواقعي : تحب هذه الشخصية الأنشطة التي تتطلب
المعالجة اليدوية للأشياء والأدوات ، وتمتلك مهارات يدوية وميكانيكية
وتقنية ، وتجد متعة في استعمالها في الحياة المهنية ، أو الوضعيات التي
تتطلب هذه المهارات .
وتشكل السلطة والمال والمركز الاجتماعي قيما بالنسبة لهذه الشخصية . فهي
شخصية مستقيمة وأمينة ومواظبة وصريحة ومستقرة ومحبة للعزلة .

- الشخصيات ذات النمط الباحث :
تتميز هذه الشخصية بالميل إلى البحث بمختلف أشكاله وفي جميع المجالات (
الفيزياء والبيولوجيا ومختلف أشكال الثقافة ) ، وبنفورها من الأنشطة ذات
الطابع الإقناعي والاجتماعي أو الروتيني ، فهي شخصية واسعة الاطلاع ، لها
موهبة في العلوم والرياضيات وتعتبر نفسها كذلك . لها ثقة بالنفس تتسم بالحس
النقدي والفضول الثقافي ، وتمتلك قدرة على التحليل ودقة الملاحظة ، كما
أنها يقظة وحذرة وذات تفكير منهجي ومستقلة ومتحفظة ورزينة .

- الشخصية ذات النمط الفني :
يغلب على هذه الشخصية نزوعها إلى الأنشطة غير المقيدة لحريتها ، والتي تسمح
لها بالإبداع والابتكار والخلق من خلال معالجة يدوية لأدوات مختلفة ، غير
أنها تنفر من كل نشاط ممنهج ومنظم . تمتلك قدرات ومؤهلات فنية سواء على
مستوى اللغة أو الموسيقى أو الكتابة ، وتعطي قيمة كبيرة للجودة الفنية .
تتميز بالنزوع إلى التعبير عن نفسها ، وهي أصيلة وسريعة البديهة وذات خيال
خصب ، إلا أنها غير امتثالية و لا محافظة و تبدو معقدة وغير منظمة ومندفعة
وضعيفة الحس العملي .

- الشخصية ذات النمط الاجتماعي :
تهتم هذه الشخصية بالاشتغال مع الآخرين ، سواء بهدف التربية أو الإرشاد أو
التطبيب ، وتعطي لهذا النوع من الأنشطة قيمة كبيرة . وعكس ذلك ، فإنها لا
تحب الأنشطة التي تتطلب المنهجية والتنظيم اللذين يحتمان استعمال المعدات
والأدوات والآلات . تتوفر على قدرات لنسج علاقات إنسانية وتجد متعة في ذلك
غير أنها تفتقد مهارات يدوية وتقنية . الصورة التي لديها عن ذاتها أنها
شخصية تحب مساعدة الآخرين وفهمهم ، ولها استعداد للتعليم أكثر مما لها
لمجالات الميكانيك والعلوم . تبدو متعاونة وسخية ومثالية ومسؤولة ومتفهمة ،
تربط علاقات حارة مع الآخرين ، ومقنعة ومتسامحة واجتماعية وفطنة وحادة
التفكير

- الشخصية ذات النمط المقاولاتي :
تحب هذه الشخصية هي الأخرى الاشتغال مع الآخرين ، لكن من أجل تنظيمهم
وتسييرهم وتسعى من خلال علاقاتها إلى الربح المادي . لا تنجذب للأنشطة ذات
الطابع النسقي والممنهج . تكون قدراتها العلمية ضعيفة إلى حد مقارنة مع
قدراتها العلائقية من أجل القيادة والإقناع . ويمثل الخوض في السياسة
والنجاح الاقتصادي من أهم قيمها . الصورة التي لديها عن ذاتها أنها
ديناميكية وشعبية واجتماعية ، لها قدرة كبيرة على التعبير ، كما أنها شخصية
طموحة تمتلك طاقة فائقة ، تحب التظاهر ، غريبة الأطوار وشاذة أحيانا ،
لكنها متفائلة ومنشرحة ومغامرة ونشيطة وسلطوية و « ضجاجة « بعض الشيء .
- الشخصية ذات النمط المحافظ : تفضل الأنشطة التي تعتمد المعالجة اليدوية
للمعطيات بشكل ممنهج و منظم داخل مؤسسات إنتاجية أو خدماتية . ( كمعالجة
الملفات وترتيبها والاشتغال على الآلات المكتبية ) . تكره الأنشطة غير
المحددة المعالم ، وتحبذ الاشتغال في فضاء منظم واضح المهام لا يمت بصلة
إلى الميادين الفنية ، لها استعداد للعمل في المكتب والتعامل بالأرقام .
تعتبر ذاتها محافظة ومنظمة ، تعطي قيمة للنجاح في الأعمال والاقتصاد لكن
بطريقة مخالفة للشخصية المقاولاتية. تبدو عملية وفعالة وصاحبة ضمير وصلبة
في مبادئها لا ترحم في تطبيق القانون ، لها شعور بالحرمان ومتحفظة ومواظبة
ومقتدرة وذات كفاءة .
ويرى هولاند ، باستناده إلى ما أوردناه ، بأنه يمكن قياس درجات قوة حضور كل
نمط من هذه الأنماط الستة عند كل شخص ، وذلك بواسطة رائز سماه « جرد
الأفضليات المهنية « حيث يطلب من الفرد ، عند تمرير هذا الرائز ، تحديد
أفضليات من بين عدة أنشطة تمثل مواصفات كل الأنماط الستة . و من خلال
الأنشطة المختارة والمفضلة يمكن ترتيب درجات حضور كل نمط عند الشخص ، ويسمى
النمط البارز في أعلى الترتيب نمطه الشخصي ، في حين يتحدد نموذجه الشخصي
أو جانبية شخصيته بترتيب الأنماط الستة حسب أهمية حضورها في هذا الجرد .

ب - أنماط المحيطات المهنية
يتمثل المبدأ الأساسي الذي اعتمده هولاند لتصنيف المحيطات المهنية الستة في
كون أن المحيطات تتكون من مجموعة أشخاص تختلق وضعيات وجوا يتناسب مع نوع
شخصيتهم المشترك ، وبالتالي يمكن تحديد محيط ما من خلال التعرف على مواصفات
الأشخاص المتعايشين والمنسجمين داخل هذا المحيط ويتم تحديد أنماط المحيطات
وأنماط الشخصيات انطلاقا من نفس المبادئ ، ليس فقط لتصنيف الأشخاص
والمحيطات ، وإنما ـ و هو المهم ـ للتنبؤ أيضا بالتأثيرات المرتقبة بين
الفرد والمحيط . فيمكن مثلا التوقع بأن نمط شخصية فنية سيتمكن من إشباع
حاجته داخل محيط من نمط فني ، في حين سيختنق داخل محيط محافظ .
هكذا إذن حدد هولاند ستة محيطات تطابق جانبية كل محيط جانبية كل نمط من
أنماط الشخصية الستة التي تعرفنا سابقا على مواصفاتها . وتتميز هذه
المحيطات المهنية بأنشطة وبمتطلبات ، حيث يدعم كل محيط السمات السيكولوجية
التي تتوافق معه . ولتفادي تكرار هذه المواصفات سنقتصر على مثال واحد
للتوضيح : إن المحيط الاجتماعي مثلا يوفر للشخص فرصا للدخول في علاقات مع
الآخرين من أجل تربيتهم أو مدهم بمعلومات أو إرشادهم أو معالجتهم ، وتكون
أنماط الشخصية الاجتماعية سائدة داخل هذا المحيط الذي يشجع الأشخاص
للانخراط في أنشطة اجتماعية ، ويوفر فضاء رحبا يسمح بتنمية مهاراتهم في هذا
المجال ، يجعلهم يحسون أنهم محبون للغير ، متفهمون ، اجتماعيون وواضحون في
آرائهم . وخلاصة القول يجب أن يصبح الأشخاص داخل هذا المحيط أكثر إحساسا
بالتأثيرات ذات الطابع الاجتماعي والإنساني أو الديني ، كما يصبحون أكثر
انجذابا إلى المهن ذات الطابع الاجتماعي التي ستمكنهم من التعبير عن قيمهم
الإنسانية واستغلال قدراتهم على نسج علاقات تفاعلية مع الآخرين في جو من
الحب والمساعدة والتعاون والتآزر ، وتجعلهم ينمون خاصيات الشخصية
الاجتماعية ، كالسخاء والكرم والمثالية والحس بالقدرة والإقناع والرقة
والفطنة والحساسية .
وفي الأخير لابد من التأكيد على أن الأنماط الستة التي تحدث عنها هولاند
ليست سوى افتراضية ونظرية ننطلق منها لتركيب الشخصيات الحقيقية أو المحيطات
المهنية الحقيقية . فالشخصية الباحثة مثلا يمكن أن تتفرع إلى باحثة
واقعية أو باحثة فنية ، ثم هناك باحثة واقعية اجتماعية ، وباحثة واقعية
محافظة ، وكذلك المحيطات حيث أن المحيط المحافظ يمكن أن يتفرع إلى محيط
محافظ ـ واقعي أو محيط محافظ ـ مقاولاتي ، ثم إلى محيط محافظ ـ واقعي ـ
باحث أو محيط محافظ ـ واقعي ـ مقاولاتي الخ.
إن نموذج شخصية الطبيب المنسجمة تتشكل مثلا من «باحث ـ واقعي ـ اجتماعي « ،
أي أن جانبية شخصيته تطغى عليها أولا مواصفات الباحث التي تتمثل في
الاطلاع الواسع بالعلوم المتعلقة بالطب ومن امتلاك تفكير منهجي ينطلق من
الافتراض العقلاني ودقة الملاحظة والتحليل. ثم تليها مواصفات الواقعي التي
تتجلى في امتلاك مهارات يدوية وتقنية حيث يجد متعة في استعمالها في حياته
المهنية لمعالجة الناس ، وانه اجتماعي لأن العلاقة التي ينسجها مع مرضاه
أثناء العلاج تكون مبنية على التفاهم والتعاون والثقة والتآزر . ويجب أن
يكون النمط المقاول في أسفل الترتيب في نموذج شخصية الطبيب وإلا أصبح الربح
المادي هدف علاقته بمرضاه.
بناء على هذه الأشغال التي قام بها هولاند صاغ عدد من الافتراضات تتعلق
بالسلوك التي تتنبأ به نظريته . و ظل الجانب الإنساني التي تتأسس عليه
نظريته متجليا في افتراضاته ، بحيث لا تقتصر على التنبؤ بالسلوك المهني بل
تمتد إلى التنبؤ بالسلوك في الدراسة وفي المجتمع .
يرى هولاند أنه كلما حققت الشخصية انسجاما وتميزا في نموذجها وحددت هوية
واضحة كلما استطعنا التمكن من التنبؤ بسلوكها ومردوديتها في الدراسة وفي
الشغل ، كما نتمكن من التعرف على المهام التي ستفضلها والأدوار التي تتقنها
والمحاولات التي ستقوم بها لتكيف الدراسة أو الشغل مع أسلوبها الخاص . كما
ستساعدنا تراتبيبية الأنماط في جانبية شخصيتها أو ما سماها هولاند
بالتراتبية الإنمائية hierarchie developpementale من التعرف على
اختياراتها الدراسية والمهنية ، حيث أن النمط المهيمن والبارز عند الشخصية
يحدد اختيارها المفضل أما النمط الثاني والثالث يمثلان المظاهر الثانية
والثالثة لاختياره.
يفترض أيضا هولاند أنه كلما كانت الشخصية منسجمة ومميزة وذات هوية محددة
كلما استقرت قراراتها في التوجيه ، بل وارتفعت مقاومتها للصعوبات التي
ستحاول إعاقة تحقيق اختيارها ، كما سيرتفع احتمال انخراطها الايجابي
والتزامها في حياتها الدراسية والمهنية ، في حين أن الارتياح وإشباع
حاجاتها والنجاح الدراسي والمهني يرتبط بمستوى التكوين الذي حصل عليه
وبمدى تلاؤم جانبية الشخصية بجانبية المحيط.
إن اعتماد هذه النظرية في التربية تستلزم من المدرسة توفير فضاءات تجعل
التلاميذ ، منذ بداية تمدرسهم يحتكون بكل مجال من المجالات الستة للأنشطة
التي حددها هولاند ، حتى يتمكن كل تلميذ من تنمية نموذج شخصيته ، ويجعلها
تنحو نحو الانسجام والتمايز وتصل إلى الإحساس بامتلاك هوية واضحة .
كما يجب تكييف برامج التعليم ومناهجه مع حاجيات التلاميذ الخاصة ، واعتماد
بيداغوجية فارقية تسمح لكل هذه الأنماط بالنماء والتكوين ، والتعبير عن
قيمها وإدراكها لذاتها وللواقع ، وكذا اهتماماتها وانشغالاتها ، وممارسة
أسلوبها في التكيف والاندماج . ويمكن تقييم مدى بلوغ هذه الأهداف من خلال
روائز أعدت لذلك من طرف هولاند وآخرين . وتتحدد قرارات التوجيه ، تبعا لهذا
المنظور ، من خلال جرد تشخيصي يهدف إلى التنبؤ بإمكانيات تكييف التلاميذ
مع وضعيات دراسية أو مهنية ، حيث يجعل من خدمات التوجيه تسعى ، بمشاركة
التلميذ ، إلى وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب .
يمكن اعتبار نظرية «هولاند» نظاما ملتصقا بالأفعال والوقائع ، كون هولاند
تشكل لديه إحساس ووعي بالمشاكل التي تطرحها مسألة الاختيار في التوجيه من
خلال اشتغاله كممارس في التوجيه ، حيث مكنته هذه الفرصة من الاحتكاك بزبائن
متنوعة (جنود وطلبة ومرضى عقليين وعمال ) ، ومن خلال تكوينه الجامعي
واشتغاله في البحث المتخصص في مجال التوجيه ، كل ذلك جعله يبني مفاهيمه
بشكل جيد ويطرح افتراضاته بصفة مفصلة ويبرز الروابط التي تجمع بين مختلف
عناصر نظريته .
لذلك أثارت نظرية هولاند عددا كبيرا من الباحثين حاولوا التحقق من
صدقيتها و مدى تطابقها مع الواقع . وقد تم التأكد من صدقية عدد كبير من
افتراضاتها . ومع ذلك لم تنج من انتقادات تيارات أخرى ترى الأمور بشكل
مختلف . وتتجلى هذه الانتقادات في كون هذا المنظور يفترض الوجود المسبق
لتناغم ثابت وقار بين الإنسان والعالم السوسيو اقتصادي ، وهو ما يفنده
عالم اليوم المتغير والمتحول باستمرار .ذلك أن التوجيه ، من خلال منظور
هولاند ، يسعى إلى تطابق شخص محدد بشكل نهائي مع محيط مهني مستقر وثابت ،
في حين ترى التيارات الحديثة أن التوجيه عملية بحث مستمرة عن توافق بين شخص
ديناميكي ينمو ويتطور باستمرار مع محيط اجتماعي ومهني متغير بشكل دائم .
أما النقد الثاني الموجه إلى نظرية هولاند يتمثل في ضعف قدراتها التفسيرية
كونها لا تقدم تفسيرا كافيا للمراحل والسيرورات التي تنمو وتتشكل عبرها
الشخصيات و لا توضح الميكانيزمات التي تحكم التفاعل الحاصل بين الشخص
ومحيطه . ويقول هولاند نفسه إن هذه المسألة تبقى مفتوحة للبحث والباحثين
.ورغم ذلك يقول «بيجولد» (1989) في تقييمه لنظرية هولاند ، « إنه رغم ما
يعرفه عالم اليوم من تحولات جوهرية و سريعة حيث ترتكز الاهتمامات على
التغيير عوض الاستقرار (...) يبدو أننا سنكون واقعيين عندما نؤكد أن منظور
هولاند بإمكانه تقديم خدمات جليلة للممارسين في التوجيه المدرسي والمهني « .
وقال هولاند نفسه في مقدمة لكتابه الذي أصدره سنة 1973 : « يمكن أن أكون
على خطأ ، غير أني واضح على الأقل».

المختار شعالي
الملحق التربوي
الاتحاد الاشنتراكي
7/7/2011
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى