نون والقلم: أصداء سيرة غير ذاتية
صفحة 1 من اصل 1
نون والقلم: أصداء سيرة غير ذاتية
1- أرنب الغابة السوداء
ذات صدفة جميلة كنت أتجول في إحدى المكتبات العمومية أبحث عن كتاب ما،
أترك لنفسي حرية اختياره لحظة اللقاء به ،دون سابق معرفة باسم الكتاب أو
حتى باسم صاحبه ،فسمعت فتاتين تتحدثان عن كتاب لشاعر مغربي .كانتا تتحدثان
بصوت مرتفع .أعجبتا بعنوان الكتاب «أرنب الغابة السوداء» .قالت الأولى ،
انه كتاب للأطفال فهو واضح من عنوانه ، بينما كانت الثانية قد استغرقت في
قراءة بعض المقاطع منه .فجأة صاحت في وجه صاحبتها : لا ...انه كتاب شعر
،والشعر الموجود فيه جميل جدا ،ثم بدأت في الترنم بما قرأت ..أعجبت الفتاة
الأولى هي الأخرى بما سمعت.حملت كل من الفتاتين نسخة من هذا الكتاب ،و
توجهتا صوب صاحبة المكتبة لتؤديا الثمن .ابتسمت في سري .من قال إن النساء
لا يقرأن الشعر فهو جاهل ..ومن قال إن الشعر المغربي غير جميل فهو واهم
.ديوان «أرنب الغابة السوداء»دليل على صدق ما أقول. حين حكيت هذه القصة
لصديقي بوجمعة أشفري ، وهو بالمناسبة صاحب الديوان المشار إليه، ذات لقاء
به في مدينة الدار البيضاء ،قال لي : لم لا تكتب هذه الحكاية الواقعية
؟.هي شهادة جميلة في حق ديواني . ها أنا أفعل الآن ذلك ..أفعل ذلك حبا في
الشعر و في هذه القارئة المتذوقة له ...أما بوجمعة أشفري ، فأقول له باسما :
كأسك يا فتى ..هنيئا للشعر المغربي بشاعر رائع مثلك...
2- خذ الكتاب بقوة
وأنا أتجول في مدينة الجديدة ،فاجأتني إحدى المجلات العربية و هي تطل
برأسها من نافذة إحدى المكتبات الكبرى .توقفت لحظة أنظر إليها ، ثم سارعت
إلى المكتبة و اقتنيتها دون تردد.من حسن حظي أنها كانت مجلة آتية من بيروت ،
بلد صديقي جبران خليل جبران ، و أن العدد الذي اقتنيت كان هو العدد الأول
منها .قرأت المجلة بمحبة كبيرة .ثم حرصت بعد ذلك على متابعة اقتنائها عددا
وراء الآخر نظرا لافتتاني بالمواضيع التي كانت تنشرها وللطريقة التي كانت
تتم بها مناقشة هذه المواضيع .في هذه المجلة تعرفت على شباب الشعر في بيروت
و في العالم العربي في ذلك الوقت مثل يحيى جابر و يوسف بزي و غيرهما،
وفيها التقيت من جديد بكل من نزار قباني و أنسي الحاج.و حين أصدر يحيى جابر
ديوانه الأول « خذ الكتاب بقوة» راسلته على عنوان المجلة من أجله، فبعثه
لي في الحال، موقعا بهذه الكلمات الرائعة «مرحبا بك في لبنان».مرت السنون
تباعا ..و حين التقيت يحيى جابر في معرض الكتاب بالدار البيضاء سنة 2009
صحبة الشاعر المغربي نبيل منصر ، و كان أول لقاء لي به ،ضحكنا كثيرا ، كأنه
يعرفني من زمان ، و كأنني أعرفه أنا الآخر من زمان . وحين حكيت له الحكاية
، قال لي كلما قرأت اسمك في صحيفة شرقية تذكرت ذلك . ثم و لجنا جميعا بعد
ذلك إلى القاعة لنستمع إلى الشعر.كان الشعر جميلا .كيف لا يكون كذلك و فيه
شعراء رائعون مثل يحيى جابر ؟ آه ...لقد نسيت أن أخبركم باسم هذه
المجلة.لقد كان اسمها هو مجلة « الناقد».
3- أنشودة أورفيوس
كنت جالسا في مقهى وركان بحينا العتيق في ذلك الزمن البعيد.كنت قد انتهيت
للتو من كتابة قصيدة تحمل عنوان «أنشودة أورفيوس» كتبتها باللغة الفرنسية .
هي التي فرضت علي لغتها .حرت في أمرها و في المكان الذي سأقوم بنشرها فيه،
فقد كانت عملية النشر صعبة جدا خصوصا حين يكون الأمر متعلقا بالشعر .جاء
صديقي بوشعيب كادر فقدمتها له ، أعجب بها و شجعني على نشرها .ترددت في
الأمر فقد كانت قصائدي باللغة العربية قد و جدت طريقها إلى النشر و حققت
لها بعض التواجد.و كنت سعيد بالأمر و مكتفيا به . لكن القصيدة أبت إلا أن
تعلن عن وجودها بهذه اللغة بالذات ، و ترغمني على عدم التخلي عنها ، و لكي
أتخلص منها رميت بها في صندوق البريد ،و حدد ت اسم الصحيفة و اسم
الشخص الموجهة إليه باعتباره رئيسا للتحرير . لم أكن على معرفة به شخصيا،
و إن كنت طبعا أتابع كتابته الشعرية المكتوبة باللغة الفرنسية بمحبة
كبرى.نسيت الأمر بعد ذلك خصوصا ، و أنني لم أحتفظ بأي نسخة من هذه القصيدة.
ذات صباح و أنا أرتشف قهوة الصباح في نشوة شاعر في بداية حياته الأدبية ،
فاجأني صديقي بوشعيب باسما مخبرا إياي بأنني قد أصبحت شاعرا عالميا بامتياز
.فقد نشرت قصيدتي في أعلى الصفحة الأخيرة بالصحيفة الشهيرة ، و هي الصفحة
التي كانت خاصة بالثقافة و كان ينشر بها كتاب كبار، فاندهشت للأمر و شجعني
ذلك على المزاوجة في كتابة الشعر بين اللغتين ، العربية و الفرنسية .مرت
السنون طبعا و حين التقيت بالشاعر سعيد عاهد، حكيت له الحكاية، فقد كان هو
الشاعر الذي وجهت له القصيدة و كان هو الذي قام بنشرها. القصيدة ستنشر بعد
وقت طويل في ديواني الأول باللغة الفرنسية « حديقة الرغبات» و ستحظى
بقراءات نقدية متعددة. لكن مع كل ذلك ، تظل عملية نشرها الأولى هاته هي أهم
احتفاء بها ، لأنه احتفاء بالشعر من جهة و لأنه احتفاء بهذه القصيدة في حد
ذاتها دون أي معرفة بصاحبها من جهة أخرى .شكرا سعيد عاهد.
4- بريد الدار البيضاء
كان الصبي مولعا بالقراءة إلى حد الهوس. ذات مرة وجد إحدى المجلات الخاصة
بالأطفال في مثل سنه تحمل اسم «عرفان»، فطلب من أبيه أن يشتريها له، وهو ما
كان بالفعل.قرأ المجلة وأعجبته مواضيعها كثيرا . وفي الليل وعلى سريره
كالمعتاد بدأ في كتابة رسالة إلى هيئة تحرير هذه المجلة.أبدى إعجابه بكل
المواضيع التي شدت انتباهه، ولم ينس أن يشيد بالجمالية الفنية التي
ارتدتها هذه المجلة. في الصباح بعث الرسالة عن طريق البريد العادي، فلم يكن
هناك بريد غيره في ذلك الوقت البعيد.مرت الشهور، وذات عدد منها وجد رسالته
منشورة فيه، مع إرفاقها بعنوانه البريدي. فجأة بدأت الرسائل تتوافد عليه
من كل العالم العربي، ومن بين هذه الرسائل الكثيرة كانت هناك رسالة لصبية
تصغره ببضع سنين.كانت الرسالة رائعة جدا سواء على مستوى الخط الذي كتبت به
أو المضمون الذي احتوته.فكان جوابه عليها في مثل ما جاءت به، رغبة منه في
إرضاء صاحبتها ونيل إعجابها.هكذا توالت الرسائل بين الصبي و تلك الصبية،
وذات لحظة زمنية قاسية عليه انقطعت رسائل الصبية، وظل هو حريصا على انتظار
عودتها من جديد. وكان كلما صادف ساعي البريد طرح عليه السؤال تلو السؤال
عنها دون جدوى. كبر الصبي وصار رجلا أدركته حرفة الأدب ، وشغف بها كثيرا .
وحين جاء الانترنت ولج إليه كما ولج كثير من الأدباء مثله . وبدأ ينشر بعض
كتاباته في بعض المواقع الالكترونية الثقافية التي كان حريصا على عملية
اختيارها بدقة ، حتى وان وجد بعد ذلك أن كثير ا من المواقع الالكترونية
الأخرى تعيد نشر هذه الكتابات نفسها دون عناء الإشارة إلى مصدرها أو عملية
استئذانه في نشرها حتى.ومن بين المواقع الثقافية الالكترونية التي كان
حريصا على النشر فيها موقع « دروب «الثقافي. وذات مقالة نوستالجية تحدث
فيها عن علاقته بنجيب محفوظ وولعه منذ الصغر بقراءة رواياته ، وجد تعليقا
حولها من لدن كاتبة عربية مهاجرة تحمل نفس اسم الصبية التي كان يراسلها
حينما كان صبيا . ظن الأمر مجرد تشابه في الأسماء ليس إلا ، خصوصا وأن
الكاتبة العربية هاته تعيش في ألمانيا وتكتب باللغة الألمانية إلى جانب
كتابتها باللغة العربية ، في حين أن الصبية التي عرفها في الماضي كانت تعيش
في تونس ، وربما حسب ظنه ما زالت تعيش بها لحد الآن .لكن الأمور ستأخذ
وجهة أخرى حيث ستخبره هذه الكاتبة العربية بأنها هي ذات الصبية التي كان
يتبادل معها الرسائل ، و أن اسمه ظل عالقا بذهنها منذ ذلك الحين ، ومن
جمالية المفاجأة وقوتها ، فقد غاص الكاتب ، الذي هو أنا طبعا، في كتابة
رواية حول هذه النازلة الإنسانية الجميلة ، واختار لهذه الرواية من بين
العناوين عنوان « بريد الدار البيضاء» .شكرا إذن لهذه الصبية الصغيرة التي
حفزت الصبي في الزمن السابق على متابعة الكتابة منذ ذلك الوقت ، وشكرا
للكاتبة العربية المهاجرة على إخباره بأنها هي ذات الصبية ، مما كان سببا
رئيسيا في كتابة رواية في الموضوع ، في الزمن الحاضر ، وشكرا لموقع «دروب»
الثقافي الذي جمع نخبة من الكتاب العرب و جعل علاقات الصداقة تمتد قوية
بينهم .كانت اسم هذا الصبي طبعا هو « نور الدين محقق» وكان اسم هذه الصبية
كما قد أصبح معلوما لدى قراء موقع « دروب» تحديدا هو « كوثر التابعي».
5- هذا الرجل من لبنان
ذات يوم من أيام الربيع ، وفي يوم أربعاء تحديدا ، لأن هناك سوق أسبوعي كان
يقام بالقرب من حينا العتيق في منطقة سباتة ، في هذا اليوم بالذات ،حددت
هذه القصة . كنت أزور هذا السوق الأسبوعي باستمرار لأشتري بعض الكتب
القديمة بأثمان بخسة.كنت أصادف في هذا السوق الجميل في كثير من الأحيان
كتبا نادرة.مرة اشتريت منه كتابا لبربارة يونغ عن حياة جبران خليل جبران
ومؤلفاته، عنوانه « هذا الرجل من لبنان» وهو مترجم إلى اللغة العربية من
طرف سعيد عفيف بابا على ما أذكر ، تأكدت من صحة ذلك في ما بعد . كنت ما
أزال طفلا بعد في حوالي الخامسة عشر من العمر . وأنا عائد بالكتاب فرحا به
إلى المنزل لأقرأه، التقيت في الطريق بأحد أبناء الحي النجباء.كان يكبرني
بحوالي أربع سنوات .شاهدني أحمل الكتاب فطلب مني رؤيته، وحين رآه برقت
عيناه.طلب مني مقايضة هذا الكتاب بخمسة كتب لمصطفى لطفي المنفلوطي ، لأن
الكتاب صعب علي فصاحبه فيلسوف وليس مجرد كاتب فقط ، و يقدم وجهة نظر في
الحياة قد لا أفهمها .إضافة إلى إمكانية استفادتي من هذه الكتب الخمسة
لمصطفى لطفي المنفلوطي الذي يمتلك أسلوبا جميلا في الكتابة ، في تطوير
معرفتي باللغة العربية و تحسين أسلوبي و التفوق في عملية التعبير و خصوصا
في مادة الإنشاء . قبلت بالأمر على مضض، لا لأني اقتنعت بما قاله لي ابن
حينا العتيق هذا، و لكن لأنه كثيرا ما كان يمدني بالكتب التي أطلبها
منه.فقد قرأت روايات عالمية مترجمة إلى اللغة العربية هو من دلني عليها و
أعارها لي مجانا.مضت السنون ، وأصبح جبران خليل جبران أحب كاتب عندي .قرأت
كل كتبه بدون استثناء ، وقرأت كثيرا من الكتب التي كتبت عنه .وحده كتاب
بربارة يونغ « هذا الرجل من لبنان «، لم أقرأه لحد الآن ، و رغم كل جهودي
المضنية في البحث عنه لم أعثر عليه لا في المكتبات العمومية ولا في مكتبات
الأصدقاء ولا حتى عند باعة الكتب القديمة .أيها الكتاب، يا مدمني قراءة
الكتب، هل أجد عندكم هذا الكتاب ؟ أهبكم بدلا عنه خمسين كتابا بالتمام
والكمال.
6- السينما المدنية
كان أبي يعشق السينما كثيرا .كان يحكي لي عن أفلام ايطالية شاهدها في مقتبل
عمره ، و يصر على أن أراها من جديد صحبته حتى يناقشها معي .كان يوم السبت
هو يوم السينما بامتياز بالنسبة إليه لأنه يوم عطلته ، و يصر على أن لا
يضيع له في ملاقاة الأهل والأصدقاء فحسب .أما خالي المصطفى فقد كان كلما
زارنا في بيتنا العتيق بقرية الجماعة إلا و أخذني صحبته إلى السينما
باعتباري الولد الأول في البيت .كان يحب الذهاب بالخصوص إلى «السينما
المدنية» التي كانت قريبة من مقر سكنانا .كنا نشاهد فيلمين معا .و حين كنا
نعود إلى البيت ، كان رأسي يكون قد امتلأ بصور الممثلين و الممثلات من كل
الأجناس .هكذا عشقت السينما منذ الصغر .و هكذا ارتبطت السينما عندي خصوصا
بهذه السينما تحديدا ، أي « السينما المدنية « ، حتى و إن زرت كل القاعات
السينمائية بمدينة الدار البيضاء ، صحبة أصدقائي من أبناء الحي ، و نحن ما
زلنا في ريعان الصبا، مثل سينما «الشاوية» ، وسينما «الكواكب» وسينما
«موريطانيا» ، وسواها ، إذ في الغالب كان أولاد الأحياء الأخرى ينعتوننا
بأبناء «السينما المدنية «وهو نعت يجمع بين كل معالم التمدن والحضارة زمن
ثمة فقد كان يشعرنا بالزهو والامتلاء .مضت السنون تجري ، وذات يوم ، حين
كنت في زيارة إلى بيتنا العتيق ، إذ ما زالت الوالدة تقطن فيه و تصر على
البقاء حفاظا على ذاكرة أبي ، لفت انتباهي غياب « السينما المدنية «
وعملية الاستعداد لبناء عمارة في مكانها أو شيئا من هذا القبيل .عادت بي
الذكريات إلى زمن الطفولة و الصبا واستحضرت كل الأفلام الجميلة التي
شاهدتها في هذه القاعة السينمائية . و تمنيت فقط لو كنت قد أخذت لي صورة و
أنا طفل بالقرب منها.آه تنقصني بالفعل هذه الصورة .كيف لم يخطر ببالي أن
آخذ صورة لي بالقرب من هذه القاعة السينمائية و هي تشكل جزءا من طفولتي
وصباي ؟
7- الفنانة التشكيلية
كثيرا ما جلست بالقرب من أمي أستمع إلى حكاياتها الجميلة عن
طفولتها.مرة حكت لي عن شغفها الشديد وهي طفلة ببناء دور صغيرة عالية،
بطريقة فنية جميلة.كانت تقوم باختيار الأحجار الصغيرة المناسبة وتبدأ في رص
الواحدة مع الأخرى في تناسق، مع وضع مخطط في ذهنها لنوعية الدار التي تنوي
بناءها.كنت أقاطعها مرار وأنا أبتسم قائلا لها بأن مهندسة رائعة كانت
ستكون لو أتمت تعليمها كما يجب . كانت تنهرني في وداعة وتتابع عملية الحكي
مثل شهرزاد الأم لأبنائها ، فتخبرني أنها بعد أن تنتهي من بناء الدار
المرجوة تقوم بصنع دميتين من القصب، ذكرا وأنثى ، وتقوم بعملية تزويجهما
وإهداء الدار التي بنتها لهما مجانا . ثم تنصرف بعد ذلك عائدة إلى دارهم
الكبيرة ، لتقوم بعملية الرسم .كانت تحب الرسم كثيرا وتبرع فيه حسب
اعتقادها الشخصي .أمي من منطقة اشتوكة ، المحاذية لوادي أم الربيع ، أكبر
نهر في المغرب، وهي من نفس المنطقة التي أنجبت أكبر رسامة مغربية معروفة
على الصعيد العالمي ، أقصد طبعا الفنانة التشكيلية الراحلة الشعبية طلال .
ترى ما كان ضرني و أمي تحكي لي عن حبها للرسم وشغفها به أن آخذ حكايتها
مأخذ الجد باعتبارها رغبة فنية ما زالت دفينة في صدرها، و أن أشتري لها كل
لوازم الرسم، وأتركها لها في بيتنا العتيق، وأنتظر ما كانت ستفعل. قلت
لها مرة هذا الأمر فابتسمت كثيرا .قالت لي ضاحكة « حتى شاب عاد داوه
للكتاب» . قلت لها جادا ، ليس في الأمر أي عيب .بل هو عين الصواب .وحين
أردت أن أنصرف أخبرتها بأنها ستجد في الغرفة العليا من البيت أشياء ستسرها
كثيرا . كانت بالفعل هي لوازم الرسم التي كلفت أحد إخوتي بشرائها لها
ووضعها هناك . أمي الآن ترسم من حين لآخر رغم المرض الذي أتعبها، هي ترسم
فرحة بما تعمل، كأي فنانة تشكيلية في العالم.الفرق الوحيد أنها ترسم فقط
لنفسها وليس للآخرين بما فيهم نحن، أبناؤها.
8- جلسة شعرية باذخة
في معرض الكتاب بالدار البيضاء سنة 2009 ، قدمت جلسة شعرية باذخة ، جمعت
بين شعراء مغاربة وعرب هم محمد بن طلحة ، زهير أبو شايب، محمد بودويك،
عادل محمود و نور الدين بالطيب. وكان اليوم الذي عقدت فيه هذه اليوم هو
الرابع عشر من شهر فبراير، الذي يصادف طبعا يوم المحبة العالمي. و كأن
هؤلاء الشعراء وأنا كنا متفقين على الإشارة إليه ، بشكل من الأشياء ، إذ إن
كل القصائد الشعرية التي قرئت في ذلك اليوم كانت قصائد حب باذخة ، لكنها
كانت تمجد قيمة الإنساني في معناه الرمزي الموغل في الثقافة الإنسانية
الكبرى. كان الجو جميلا بالفعل، شعراء وحضورا، فقد كانت أغلبية هذا الحضور
تتكون من مثقفين عرب معروفين. فجأة وأنا أقدم الشاعر المغربي الجميل محمد
بودويك ، لفت انتباهي ولج شاعرة عربية رائعة إلى القاعة ، ولجت في هدوء
الحمائم حتى لا تثير الانتباه .فما كان مني وأنا أراها تلج إلا أن أحييها
في كلمتي دون أن أقطع حبل انسياب الكلمات .قلت بأن أي شاعر وهو يسعى للقبض
على امرأة فاتنة في جنونها ، مثلما يفعل الشاعر محمد بودويك ، وأن أي شاعرة
تسعى للكتابة عن «رجل مجنون لا يحبها» إنهما يخلق شعرا جديرا بالقراءة
والإنصات إليه. التفت الشاعرة النبيلة إلي مبتسمة، بعد أن لفظت بعنوان
ديوانها بطريقة إيحائية ضمن ما قلته من كلام، وحييتني بيدها بطريقة فيها من
الفن التشكيلي الشيء الكثير. حين عدت إلى البيت، انتزعت ديوان « رجل مجنون
لا يحبني» وبدأت في قراءته بشكل مختلف عما فعلت في أول قراءة لي له. كنت
أقرأه هذه المرة مستحضرا صورة صاحبته وهي تلج إلى القاعة في وداعة الحمائم،
وهي تبتسم في خفر أنثوي جميل، وهي تأخذ مقعدها وترهف للشعر المنشود في
القاعة، وهي تصفق كلما سمعت مقطعا شعريا جميلا. شكرا للشاعرة ميسون صقر
على كل هذا البهاء الشعري .
نور الدين محقق - الملحق الثقافي -الاتحاد الاشتراكي -16.9.2011
mohamed- عدد الرسائل : 1147
العمر : 53
Localisation : kénitra
Emploi : employé
تاريخ التسجيل : 02/09/2006
مواضيع مماثلة
» سيرة جان بول سارتر
» مجموعة لمشاهب
» كتاب يكشف جوانب من سيرة صاحب «الأطلال»
» محكيات من سيرة بوحمارة كما نشرها كتاب غربيون معاصرون له
» لطيفة رافت
» مجموعة لمشاهب
» كتاب يكشف جوانب من سيرة صاحب «الأطلال»
» محكيات من سيرة بوحمارة كما نشرها كتاب غربيون معاصرون له
» لطيفة رافت
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى