الجنس في حياة الرسول (ص).
2 مشترك
صفحة 2 من اصل 2
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
قبلة الصيام
وتنقل نصوص أخرى أنّ النبي
لم يكن وحده الصائم حين تقبيله عائشة. فهي تقول: «أراد رسول الله (ص) أن
يقبّلني، فقلت: إني صائمة. فقال: وأنا صائم! ثم قبّلني». وتقول أيضاً: «كان
رسول الله (ص) ليظلّ صائماً، فيقبّل أين شاء من وجهي، حتى يفطر».
فضلا عن «قبلة الصيام»، تخبرنا بعض النصوص أنّ تقبيل عائشة لم يكن ينقض
وضوء النبي (ص). حيث ذكر عروة عنها (أي عائشة): «أنّ رسول الله (ص) قبّل
بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ. فقلت [عروة]: ومن هي إلا أنتِ؟!
فضحكت». ونقل عنها قولها أيضاً: «كان النبي (ص) ينال مني القبلة بعد
الوضوء، ثم لا يعيد الوضوء»، أي، «يتوضأ، ثم يقبّل، ثم يصلّي».
ماذا نستنتج من هذه الأحاديث بغض النظر عن صراع الفقهاء وخلافاتهم؟
إننا نلاحظ، بشكل لا مواربة فيه ولا تردد، أن لا حدود لجرأة عائشة في
الحديث عن الجنس وحميميات النبي (ص) ولو كان المجلس مجلس رجال، حتى أن بعض
طلاب العلم الذين يتحلقون حولها لسماع رواياتها لم يخف حرجه من حديثها،
معتبراً إياه أحد أنواع الرفث:
«خرج علقمة وأصحابه حجاجاً، فذكر بعضهم الصائم: يقبّل ويباشر! فقام رجل
منهم، قد قام سنتين وصامهما: هممت أن آخذ قوسي فأضربك بها، فكفّوا حتى تأتي
عائشة، فسألوها عن ذلك، فقالت عائشة: كان رسول الله (ص) يقبّل ويباشر،
وكان أملككم لإربه! قالوا: يا أبا شبل، سلها! قال: لا أرفث عندها اليوم!
فسألوها، فقالت: «كان يقبّل ويباشر وهو صائم». وقالت عائشة، مرّة، لأخيها
عبد الرحمن: «ما يمنعك أن تدنو من أهلك، فتقبّلها وتلاعبها؟ فقال: أقبّلها
وأنا صائم! قالت: نعم». وحين سئلت: «ما يحلّ للرجل من امرأته صائماً؟ قالت:
كلّ شيء إلا الجماع».
هنا علينا أن نضع سطرا عريضا على «كل شيء» ونتساءل عن المقصود بهذه «الكل
شيء»، إذا علمنا أن الجماع هو «إدخال ذكر الرجل في فرج المرأة».. كما يتعين
علينا، على ضوء ذلك، أن نعيد صياغة الكلام المروي على لسان عائشة، لنرى
أنه أصبح يعني صراحة أن «كل جسد المرأة حلال لزوجها أثناء الصيام باستثناء
الإيلاج وقضاء الوطر»، وهو ما لا يستقيم أبدا مع «لزوم الإمساك عن الشهوة»،
ذلك أن المداعبة استجلاب لكل «شياطين الجسد»، ودق لكل أجراسه.
لم يكن وحده الصائم حين تقبيله عائشة. فهي تقول: «أراد رسول الله (ص) أن
يقبّلني، فقلت: إني صائمة. فقال: وأنا صائم! ثم قبّلني». وتقول أيضاً: «كان
رسول الله (ص) ليظلّ صائماً، فيقبّل أين شاء من وجهي، حتى يفطر».
فضلا عن «قبلة الصيام»، تخبرنا بعض النصوص أنّ تقبيل عائشة لم يكن ينقض
وضوء النبي (ص). حيث ذكر عروة عنها (أي عائشة): «أنّ رسول الله (ص) قبّل
بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ. فقلت [عروة]: ومن هي إلا أنتِ؟!
فضحكت». ونقل عنها قولها أيضاً: «كان النبي (ص) ينال مني القبلة بعد
الوضوء، ثم لا يعيد الوضوء»، أي، «يتوضأ، ثم يقبّل، ثم يصلّي».
ماذا نستنتج من هذه الأحاديث بغض النظر عن صراع الفقهاء وخلافاتهم؟
إننا نلاحظ، بشكل لا مواربة فيه ولا تردد، أن لا حدود لجرأة عائشة في
الحديث عن الجنس وحميميات النبي (ص) ولو كان المجلس مجلس رجال، حتى أن بعض
طلاب العلم الذين يتحلقون حولها لسماع رواياتها لم يخف حرجه من حديثها،
معتبراً إياه أحد أنواع الرفث:
«خرج علقمة وأصحابه حجاجاً، فذكر بعضهم الصائم: يقبّل ويباشر! فقام رجل
منهم، قد قام سنتين وصامهما: هممت أن آخذ قوسي فأضربك بها، فكفّوا حتى تأتي
عائشة، فسألوها عن ذلك، فقالت عائشة: كان رسول الله (ص) يقبّل ويباشر،
وكان أملككم لإربه! قالوا: يا أبا شبل، سلها! قال: لا أرفث عندها اليوم!
فسألوها، فقالت: «كان يقبّل ويباشر وهو صائم». وقالت عائشة، مرّة، لأخيها
عبد الرحمن: «ما يمنعك أن تدنو من أهلك، فتقبّلها وتلاعبها؟ فقال: أقبّلها
وأنا صائم! قالت: نعم». وحين سئلت: «ما يحلّ للرجل من امرأته صائماً؟ قالت:
كلّ شيء إلا الجماع».
هنا علينا أن نضع سطرا عريضا على «كل شيء» ونتساءل عن المقصود بهذه «الكل
شيء»، إذا علمنا أن الجماع هو «إدخال ذكر الرجل في فرج المرأة».. كما يتعين
علينا، على ضوء ذلك، أن نعيد صياغة الكلام المروي على لسان عائشة، لنرى
أنه أصبح يعني صراحة أن «كل جسد المرأة حلال لزوجها أثناء الصيام باستثناء
الإيلاج وقضاء الوطر»، وهو ما لا يستقيم أبدا مع «لزوم الإمساك عن الشهوة»،
ذلك أن المداعبة استجلاب لكل «شياطين الجسد»، ودق لكل أجراسه.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
قبلة الصيام
إنه لمن المثير حقا- سيقول
البعض- أن تتحدث عائشة في مجتمع «طهراني» حول الجنس في مجلس يؤمه الرجال
(حتى إن كانوا من الصحابة)، لكن أغلب فقهاء السنة يعتبرون أنها (عائشة) أحق
بتعليم المسلمين أصول التربية الجنسية كما جاء بها النبي (ص)، لأنها كانت
محظيته وأقرب زوجاته إلى قلبه، وإلى فراشه، ولأنها المؤهلة الأولى، وبدون
أي منافس، للحديث حول هذا الموضوع. أليست «أفقه نساء الأمة على الإطلاق؟»،
حسب أغلب فقهاء السنة، قديمهم وحديثهم. ودليلهم على ذلك أن الأحاديث التي
جرى إسنادها إلى عائشة يبلغ عددها ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق
البخاري ومسلم منها على مائة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة
وخمسين حديثاً، وانفرد مسلم بتسعة وستين حديثاً ؛ حيث مكنت رواياتها من نقل
الأحكام الشرعية المتعلقة بالتربية الجنسية كما عاشها النبي (ص)، ولذلك
قال الذهبي عنها: «لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في
النساء مطلقاً امرأة أعلم منها».
وقال الزهري: «لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزوجه وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل».
وقال عطاء بن أبي رباح: «كانت عائشة رضي الله عنها أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة».
وقال عروة: «ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة رضي الله
عنها، وهذه الرواية عن عروة تروى بوجه آخر مفصل يبين لنا أن عائشة كانت على
ذكاء وافر وفطنة عجيبة، يقول عروة وهو ابن أختها: صحبت عائشة رضي الله
عنها فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية أنزلت ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا
بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بقضاء ولا طب
منها».
وقال ابن سعد في الطبقات: «كانت عائشة رضي الله عنها أعلم الناس، يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وقال أيضا: «ما كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يشكون في شيء إلا سألوا عنه عائشة ، فيجدون عندها من ذلك علما».
وصنف «الزركشي» كتاباً كاملاً سماه: «الإجابة فيما استدركته عائشة على
الصحابة»، حيث نقل فيه تصويبات عائشة للأخطاء التي وقع فيها الصحابة، إضافة
إلى الأقوال التي خالفتهم فيها وقارعتهم حولها بحجة ودليل.
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: «ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إذا احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية نزلت ولا
فريضة من عائشة رضي الله عنها».
2/8/2012
البعض- أن تتحدث عائشة في مجتمع «طهراني» حول الجنس في مجلس يؤمه الرجال
(حتى إن كانوا من الصحابة)، لكن أغلب فقهاء السنة يعتبرون أنها (عائشة) أحق
بتعليم المسلمين أصول التربية الجنسية كما جاء بها النبي (ص)، لأنها كانت
محظيته وأقرب زوجاته إلى قلبه، وإلى فراشه، ولأنها المؤهلة الأولى، وبدون
أي منافس، للحديث حول هذا الموضوع. أليست «أفقه نساء الأمة على الإطلاق؟»،
حسب أغلب فقهاء السنة، قديمهم وحديثهم. ودليلهم على ذلك أن الأحاديث التي
جرى إسنادها إلى عائشة يبلغ عددها ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق
البخاري ومسلم منها على مائة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة
وخمسين حديثاً، وانفرد مسلم بتسعة وستين حديثاً ؛ حيث مكنت رواياتها من نقل
الأحكام الشرعية المتعلقة بالتربية الجنسية كما عاشها النبي (ص)، ولذلك
قال الذهبي عنها: «لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في
النساء مطلقاً امرأة أعلم منها».
وقال الزهري: «لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزوجه وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل».
وقال عطاء بن أبي رباح: «كانت عائشة رضي الله عنها أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة».
وقال عروة: «ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة رضي الله
عنها، وهذه الرواية عن عروة تروى بوجه آخر مفصل يبين لنا أن عائشة كانت على
ذكاء وافر وفطنة عجيبة، يقول عروة وهو ابن أختها: صحبت عائشة رضي الله
عنها فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية أنزلت ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا
بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بقضاء ولا طب
منها».
وقال ابن سعد في الطبقات: «كانت عائشة رضي الله عنها أعلم الناس، يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وقال أيضا: «ما كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يشكون في شيء إلا سألوا عنه عائشة ، فيجدون عندها من ذلك علما».
وصنف «الزركشي» كتاباً كاملاً سماه: «الإجابة فيما استدركته عائشة على
الصحابة»، حيث نقل فيه تصويبات عائشة للأخطاء التي وقع فيها الصحابة، إضافة
إلى الأقوال التي خالفتهم فيها وقارعتهم حولها بحجة ودليل.
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: «ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إذا احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية نزلت ولا
فريضة من عائشة رضي الله عنها».
2/8/2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
إذا التقى «الختانان» وجب الاغتسال
قبل الحديث عن «واجب الاغتسال» كما رسمته لنا نصوص الحديث، يتعين، أولا، رسم البيئة التي ظهر فيها النبي (ص) حتى نقف عن كثب على «اشتغال» شح المياه على الأحكام الشرعية وتأثيره في «الواجب» و»المستحب» و»المكروه». فمعلوم أن الجوع والعطش كانا دارجين في صحراء العرب حتّى شرب هؤلاء الدم وأكلوا الجراد واليربوع والقمّل والأفاعي. كما أن الحروب والغزوات بدافع الاستحواذ على موارد المياه لم تكن أمرا استثنائيّا، وإنما مؤسسة من المؤسسات الاجتماعيّة القائمة. كلّ هذه المعطيات تبين لنا أهمية الماء في بيئة تطبعها أجواء الصحراء، مما كان يفرض على الرجل العربي، آنذاك، أن يتعايش قسرا مع الأوساخ (أو على الأقل يدخل في صراع غبر متكافئ معها)، وأن يطيل شعره فيسدله ضفائر. ويتضح من ذلك، كما خلص هشام جعيط أن «الحياة اليوميّة للعرب قديما كانت حياة صعبة، لأنّ التنقّل في الصحراء شاق ومحفوف بالمخاطر والطعام قليل والماء شحيح، والأغلبيّة فقيرة وبائسة وهمّها الأكبر المحافظة على البقاء». في هذا السياق يمكن الحديث عن العلاقة بين الفعل الجنسي و»واجب» استعمال الماء، أي الاغتسال من الجنابة في فضاء تحكمه الندرة وتؤطر علاقاته تلك التوترات القائمة بين الحاجة والمتاح. إن مؤسّسة تعدّد الزوجات التي رعاها النبي (ص) توفّر دون شك مفاتيح لهذا «الواجب»، ذلك أن جموح الشهوة وتوزيع الأيام بالتساوي على الزوجات، فضلا عن التسري بملك اليمين، يقتضي استعمال الماء، خاصة ما تتعرّض إليه المرأة من عوارض الحيض والمرض، وما يتعرض إليه الرجل من تعرق وإجهاد ولقاء الختان بالختان. فقد نُقل عن عائشة جوابا على سؤال حول: هل يقع واجب الاغتسال على الذي يجامع دون أن ينزل، فقالت: «فعلناه مرة، فاغتسلنا!». وعنها أيضاً: «قال رسول الله (ص): إذا قعد بين الشعب الأربع، ثم ألزق الختان بالختان، فقد وجب الغسل»؛ وفي نص آخر: «إذ مسّ الختان الختان»؛ وقالت أيضا: «إذا التقى الختانان، فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله (ص)، فاغتسلنا». مرة أخرى، نلاحظ أن عائشة، بجرأتها الهائلة، حسب ما ترويه نصوص الحيث، كانت تزيل كلّ حرج بخصوص كل ما يرتبط بالفعل الجنسي كما عاشه محمد (ص)، ما دامت مرجع موثوقا يطمئن إليه المؤمنون وأحباب النبي. روى سعيد بن المسيب «أنّ أبا موسى، قال لعائشة: أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أستحي منك! فقالت: سل، ولا تستح، فأنا أمك! فسألها عن الرجل يغشى ولا ينزل، فقالت: عن النبي (ص)، إذا أصاب الختان الختان، فقد وجب الغسل». وفي حيث آخر»قال زهير: كنت عند عمر، فقيل له: إن زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد؛ قال زهير: في حديثه الناس برأيه، في الذي يجامع ولا ينزل. فقال: أعجل به! فأتي به، فقال: يا عدو نفسه! أوقد بلغت أن تفتي الناس في مسجد رسول الله (ص) برأيك؟! قال: ما فعلت، ولكن حدثني عمومتي عن رسول الله (ص)! قال: أي عمومتك؟! قال: أبي بن كعب... قال: كنا نفعله فلا نغتسل... فجمع الناس (...) واتفق الناس على أن الماء لا يكون إلا من الماء، إلا رجلين: عليّ بن أبي طالب ومعاذ بن جبل، قالا: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل! فقال علي: يا أمير المؤمنين! إنّ أعلم الناس بهذا أزواج النبي (ص)! فأرسل إلى حفصة، فقالت: لا علم لي، فأرسل إلى عائشة، فقالت: إذا جاوز الختان الختان، وجب الغسل، فتحطم عمر، يعني تغيّظ. ثم قال: لا يبلغني أنّ أحداً فعله ولا يغسل إلا أنهكته عقوبة». والغريب، هنا أن «حفصة»- وهي من أزواج النبي- «لا تعلم»، بينما ملكت عائشة كل العلم، مما يطرح أكثر من سؤال حول «تحرج» باقي نساء النبي من الحديث الجنسي، وفسحهن الطريق أمام فقه عائشة التي كانت لا تكتفي بالإفتاء، بل تصحح وتقارع الرجال. 3/8/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
إذا التقى «الختانان» وجب الاغتسال
لما كان النبي (ص) ضوء طريق لأتباعه المسلمين، هو الذي جاء بقرآن يمجد الماء والوضوء والاغتسال، فإن «الفعل الجنسي»، كي تكتمل المتعة، كان ينبغي أن يتحقق عبر جسد طاهر، بدون أوساخ أو نجاسة أو عطانة. وهذا ما تعكسه فتاوى الجنس التي ينقلها الرواة عن عائشة، كما رأينا سابقا. لقد كان الماء معنى وجود، وكان سبب قلاقل وحروب، مما دفع النبي، الذي كان ابن بيئته، إلى توجيه النداء لأتباعه حتى لا يسرفوا في استهلاك الماء فقال: «كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة» (رواه ابن ماجة)، بل إنه نهى عن الإسراف في استخدام الماء في أغراض الوضوء أو الاغتسال، فقد روى عبد الله بن عمر أن النبي (ص) مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الإسراف؟» فقال رضي الله عنه: أفي الوضوء إسراف؟ فقال (ص): «نعم، وإن كنت على نهر جار» (رواه ابن ماجة)، ولذلك كان يقال: «من قلة فقه الرجل ولوعه بالماء». وقد طبق النبي ما نهى عنه على نفسه وعلى أهل بيته؛ ف»عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد». وقد روي عن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي (ص) من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبًا من ذلك. وروي أن قومًا سألوا جابرًا عن الغسل فقال: يكفيك صاع، فقال رجل: ما يكفي، فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى شعرًا منك وخير منك؛ يعني النبي (ص). (متفق عليه). وجاء على لسان عائشة: «كنت أغتسل أنا والنبي (ص) من إناء واحد، من جنابة». وفي رواية أخرى منقولة عنها: «كنت أغتسل، أنا ورسول الله (ص)، من إناء واحد، بيني وبينه، فيبادرني، حتى أقول: دع لي، دع لي! قالت: وهما جنبان». وكانت عائشة، أيضا، تغسل سائل النبي المنوي، فتقول حسب الحديث: «كان همام بن الحارث عند عائشة، فأبصرته جارية لعائشة وهو يغسل أثر الجنابة من ثوبه أو يغسل ثوبه، فأخبرت عائشة، فقالت: لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله (ص)». ويروي همام بن الحارث ، فيقول: «نزل بعائشة ضيف، فأمرت له بملحفة، فاحتلم بها، فاستحيا أن يرسل بها وفيها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء، ثم أرسل بها! فقالت عائشة: لمَ أفسدَ علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بإصبعه، ربما فركته من ثوب رسول الله (ص) بإصبعي». وفي «المحلّى»، نجدها تقول: «كنتُ أفركه [المني] من ثوب رسول الله». وتنقل عائشة أيضا كيف كان يتعامل النبي مع إفرازات حيضها، فتقول: «كُنت ورسول الله (ص) في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء، غسل مكانه لم يعده، وإن أصابه - يعني: ثوبه - شيء، غسل مكانه، لم يعد، وصلّى فيه». | ||
4/8/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رد: الجنس في حياة الرسول (ص).
سبق أن أوردنا في مستهل حلقاتنا حديثا نقله ابن سعد في «الطبقات الكبرى»، عن «محمد بن عمر حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: قال رسول الله (ص) كنت من أقل الناس في الجماع حتى انزل الله علي الكفيت فما أريده من ساعة إلا وجدته وهو قدر فيها لحم». وفي حديث آخر، «أخبرنا محمد بن عمر قال وحدثنا بن أبي سبرة وعبد الله بن جعفر عن صالح بن كيسان مثله أخبرنا محمد بن عمر حدثني أسامة بن زيد الليثي عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله (ص) لقيني جبريل بقدر فأكلت منها وأعطيت الكفيت قوة أربعين رجلا في الجماع». وفي «الجامع الصغير» للسيوطي: «أنبانا ابن جريج قال?:? أخبرت عن أنس بن مالك قال?:? قال النبي (ص)?:? أعطيت الكفيت قيل?:? وما الكفيت؟ قال?:? قوة ثلاثين رجلا في البضاع، وكانت له تسع نسوة وكان يطوف عليهن جميعا في ليلة?». وجاء في «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» للهيثمي، «عن جابر قال: أعطي رسول الله الكفيت. قلت للحسن: وما الكفيت؟ قال: البضاع». ونقل ابن الأثير أن «الكفات: الجماع». وإذا كانت أحاديث «الكفيت» متنوعة، وأرودها الرواة والفقهاء بكثرة في مصنفاتهم، فإنها مع ذلك لم تسلم من «تجريح» بعض الفقهاء الآخرين الذين قالوا بعدم صحتها، وبذلوا مجهودات كبيرة في إظهار فسادها على وجه إسنادها، حيث اعتبروا «الكفيت» من جملة التدليس الذي أُدخل على النبي.. وبين هذا الفريق وذاك، ورغم اختلاف معنى «الكفيت» حسب تفاسير الفقهاء، تثبت أهمية الجنس في حياة الرسول، وهذا ما تشير إليه مجموعة من الأحاديث التي لا وقع عليها إجماع. فالنبي لا يخفي ولعه بالنساء، ولا إقباله الكثيف على الجماع، رغم أن هذا الولع خلف ردود أفعال مختلفة لدى المفسرين، فبينما يرى البعض (النسائي، الطبري، الحافظ) أنه ليس دليل شهوانية، بل دليل اكتمال رجولة، ذلك أن الله، حسب ما ينقله القرآن، لم يأمر بالرهبانية والتبتل والامتناع عما أحلَّ من الطيبات.. فإن آخرون يجتهدون، كل من موقعه ومرجعيته الدينية والفكرية، في اتهام نبي الإسلام بالتهافت الهائل على النساء، ويمعنون في «الفضح».. وكأن النبي ليس بشرا، وكأن الإسلام جاء لمحو الجنس من فراش المبعوث، وتثبيته في تلقي الوحي وتعليم المؤمنين أصول دينهم؟ ومن ذلك «استعمالهم» لمجموعة من الأحاديث التي تُروى في الصحاح. ففي صحيح مسلم، «يروى أن رسول الله ( ص ) رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه، فقال: «إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدب في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يردها في نفسها». وفي رواية أخرى : أن النبي (ص) رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش فقضى حاجته منها ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم : « إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله، فإنه يضمر ما في نفسه».. ويستدلون على ذلك أيضا بما يرويه البخاري عن عائشة: «كنت أطيب رسول الله ( ص ) فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا». | ||
6/8/2012 |
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مائدة الجنس
وفي حديث آخر عن أنس بن م الك: «كان النبي (ص) يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشر. قلت لأنس : أو كان يطيقه. قال : كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين».. وإذا كان للفعل الجنسي أهمية في حياة الرسول (ص)، وألقى الله في قلبه حب النساء، فإن الطعام وسيلة لإضرام الحيوية في الفراش، مما يزكي إقبال النبي على أطعمة بعينها وإيلائها أهمية قصوى كمادة محركة للطاقة. وهذا، كما يبين التاريخ، ليس حكرا على ثقافة الإسلام، ذلك أن كافة المجتمعات الإنسانية كان لديها مجموعة من الاعتقادات بخصوص الأغذية والخلطات المحرضة على الجنس، أو المعالجة للخلل الجنسي. بل إن علم الجنس الحديث- السيكسولوجيا- يرى أن «الدفع الجنسي لكي يسير بشكله الطبيعي أو ينشط بمعدل أكبر من نشاطه الطبيعي، فإنه يتطلب موازنة بين عمل الغدد والأعصاب من جهة واختيار الطعام المناسب من جهة وبطبيعة الحال لا بد من توفر الراحة النفسية» (كتاب الطعام والجنس). والسؤال هو: ما هي أنواع الطعام التي كان يستعملها النبي للحفاظ على لياقته البدنية وقدرته على الفعل الجنسي؟ كان النبي (ص) حينما يستفيق من نومه، يتناول كوباً من الماء مذاباً فيه ملعقة عسل. وفي حديث أنه قال: «عليكم بشراب العسل». وعن عائشة قالت: «كان رسول الله (ص) يحب الحلواء والعسل». وذكر البخاري في الصحيح «عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عند زينب بنت جحش عسلاً ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل: أكلت مغافير؟ إني لأجد منك ريح مغافير! (المغافير: بقلة أو صمغة متغيرة الرائحة، فيها حلاوة)، قال: لا ولكن شربت عسلاً ولن أعود له وقد حلفت لا تخبرني بذلك أحداً». إن حب النبي (ص) للعسل جعله يطلبه لدى بيت زينت بنت جحش، فيمكث عندها طويلا مستلذا حلاوته، مما دفع بحلف عائشة إلى «التواطؤ» من أجل إنهاء «هذا الحب».. إذ تحول العسل إلى وسيلة للاستدراج والاستفراد.. وإلى احتمال لتحقق الفعل الجنسي. فما هي إذن العلاقة القائمة بين العسل و»العسيلة»؟ فالعسل، لغة، هو لعاب النحل، أما العسيلة فهي «النطفة» أو «ماء الرجل» أو «حلاوة الجماع»، وقد جرى تشبيه (الجماع) بالعسل للذته، وهي كناية عن لذة الجماع، أي تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة. فما سر هذا الحديث الكثيف عن العسل والجماع، وما سر اجتماعهما معا في قلب النبي (ص)؟ تنقل عائشة عن النبي (ص) أن «العسيلة هي الجماع». وفي جاء في صحيح مسلم عن عائشة: «جاءت امرأة رفاعة إلى النبي (ص)، فقالت: كنت عند رفاعة، فطلّقني، فبتّ طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير: إن ما معه مثل هدبة الثوب! فتبسم رسول الله (ص)، فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؛ لا! حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك». وفي لسان العرب تفاصيل أخرى عن هذا الحديث، حين يقول: « وقال النبي (ص) لامرأة رفاعة القرظي، وقد سألته عن زوج تزوجته لترجع به إلى زوجها الأول الذي طلقها، فلم ينتشر ذكره للإيلاج: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك! يعني جماعها لأن الجماع هو المستحلى من المرأة، شبّه لذة الجماع بذوق العسل». إن البحث عن الماء والكلأ بالنسبة للعربي، لم يكن يوازيه في الحلم سوى تلك المسافة التي يعبرها نحو العسل والعسيلة، أي نحو «الحلاوة» والجنس، مما أدى إلى تعزيز ذلك التواصل بين المسلم والجنة، أي تلك المنطقة التي ظلت تحفر عميقاً في وعي العربي من جهة توضيح المسافة بين قساوة الصحراء والوفرة التي تمثلها «أرض عدن» التي تمتلك «الذهب والفضّة»، وتنعم بـ «أنهار من الخمر والعسل»، وأيضاً تنعم بـ «الحور العين». إن محبة العسل والعسيلة، في العمق، هي محاولة للبحث عن أسلوب للسيطرة على «الوفرة»، وكان هذا هو الدور التاريخي للنبي (ص)، أي تبشير المؤمنين بأن هناك في الضفة الأخرى أرضا «زراعية» لا مهانة فيها ولا اضطهاد، ولا جوع فيها ولا عطش، ولا زوابع فيها ولا عواصف.. أرضا خارج البيئة الصحراوية القاحلة، تتدفق أنهارا من عسل ولبن وخمر، مليئة بالنساء والفواكه والأبكار والولدان المخلّدين والأرائك.. ولذلك نستطيع أن نقول إن محبة العسل والعسيلة انتماء لما وعد به النبي الناسَ.. | ||
7/8/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
«هريسة» جبريل
بخصوص
ما نُقل من طرف بعض الرواة عن إقبال النبي (ص) على النساء بشراهة مثيرة
للإعجاب والاستغراب (وهي أحاديث كثيرة جدا)، فإن فريقا آخر من الفقهاء
اشتغل على هذا الموضوع بالنفي، وأمعن في «الحفر» لدحض «شبهة» وضعية التقابل
مع الجسد الأنثوي والاستغراق الشامل في الولع به.
ومن ذلك، حديث مطعون في صحته ينقل شكوى النبي (ص) من رخاوة في الهمة،
واستنجاده بالملك جبريل ليرشده إلى طريقة للحفاظ على لياقته الجنسية. هذا
الحديث نقله الغزالي (في آداب النكاح وكسر الشهوتين) كما نقله الألباني
والكليني (صاحب كتاب الكافي)، حيث يُروى عن النبي: « شكوت إلى جبريل عليه
السلام ضعفي في الوقاع (النكاح)، فدلني على الهريسة «.
وفي الكافي أيضا: «عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلى ابن محمد،
عن بسطام بن مرة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن محمد بن معروف، عن صالح بن
رزين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه
السلام): عليكم بالهريسة فإنها تنشط للعبادة أربعين يوما، وهي المائدة التي
أنزلت على رسول الله (ص)».
وفيه أيضا: « قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شكا إلى ربه وجع الظهر، فأمره بأكل الحب مع اللحم ، يعني الهريسة».
وفي حديث آخر: « عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن
سنان، عن منصور الصيقل، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه
السلام)، قال: إن الله عزّ وجلّ أهدى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
هريسة من هرايس الجنّة، غرست في رياض الجنّة، وفركتها حور العين، فأكلها
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فزادت في قوته بضع أربعين رجلا، وذلك شيء
أراد الله عزّ وجلّ أن يسر به نبيه صلى الله عليه وآله».
وجاء في المحاسن: « عن محمد بن عيسى، عن الدهقان، عن درست، عن عبدالله بن
سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): أتاني جبرئيل فأمرني بأكل الهريسة ليشتد ظهري، وأقوى بها على عبادة
ربي».
وفيه الكتاب نفسه: « عن معاوية بن حكيم، عن عبد الله بن المغيرة، عن
إبراهيم بن معرض، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن عمر دخل على حفصة،
فقال: كيف رسول الله فيما فيه الرجال؟ فقالت: ما هو إلا رجل من الرجال،
فأنف الله لنبيه (صلى الله عليه وآله)، فأنزل إليه صحيفة فيها هريسة من
سنبل الجنة فأكلها، فزاد في بضعه بضع أربعين رجلا».
وروى الواقدي: « لما نزل رسول الله »صلى الله عليه وآله« وادي القرى أهدى
له بنو عريض اليهودي هريسة، فأكلها، وأطعمهم أربعين وسقاً، فهي جارية عليهم
إلى يوم القيامة».
ومهما يكن من توتر قائم بين النفي والإثبات حول موضوع «الاستنجاد بجبريل»،
فإن أكل الهريسة (وهي لحم منقوع في قمح مهروس)، كان متداولا على أوسع نطاق
بين العرب قبل الإسلام، ويرجع ذلك إلى طبيعة الأرض وأنماط الحياة والثروة
الحيوانية، فالطعام العربي آنذاك لم يكن يخرج عن ثلاثة أو أربعة أصناف
«التمر» و»اللبن» و»اللحم» و»القمح»، كما أن جميع أطباقهم تتكون من تلك
الأصناف رغم اختلاف مسمياتها وطريقة إعدادها.
ما نُقل من طرف بعض الرواة عن إقبال النبي (ص) على النساء بشراهة مثيرة
للإعجاب والاستغراب (وهي أحاديث كثيرة جدا)، فإن فريقا آخر من الفقهاء
اشتغل على هذا الموضوع بالنفي، وأمعن في «الحفر» لدحض «شبهة» وضعية التقابل
مع الجسد الأنثوي والاستغراق الشامل في الولع به.
ومن ذلك، حديث مطعون في صحته ينقل شكوى النبي (ص) من رخاوة في الهمة،
واستنجاده بالملك جبريل ليرشده إلى طريقة للحفاظ على لياقته الجنسية. هذا
الحديث نقله الغزالي (في آداب النكاح وكسر الشهوتين) كما نقله الألباني
والكليني (صاحب كتاب الكافي)، حيث يُروى عن النبي: « شكوت إلى جبريل عليه
السلام ضعفي في الوقاع (النكاح)، فدلني على الهريسة «.
وفي الكافي أيضا: «عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلى ابن محمد،
عن بسطام بن مرة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن محمد بن معروف، عن صالح بن
رزين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه
السلام): عليكم بالهريسة فإنها تنشط للعبادة أربعين يوما، وهي المائدة التي
أنزلت على رسول الله (ص)».
وفيه أيضا: « قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شكا إلى ربه وجع الظهر، فأمره بأكل الحب مع اللحم ، يعني الهريسة».
وفي حديث آخر: « عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن
سنان، عن منصور الصيقل، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه
السلام)، قال: إن الله عزّ وجلّ أهدى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
هريسة من هرايس الجنّة، غرست في رياض الجنّة، وفركتها حور العين، فأكلها
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فزادت في قوته بضع أربعين رجلا، وذلك شيء
أراد الله عزّ وجلّ أن يسر به نبيه صلى الله عليه وآله».
وجاء في المحاسن: « عن محمد بن عيسى، عن الدهقان، عن درست، عن عبدالله بن
سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): أتاني جبرئيل فأمرني بأكل الهريسة ليشتد ظهري، وأقوى بها على عبادة
ربي».
وفيه الكتاب نفسه: « عن معاوية بن حكيم، عن عبد الله بن المغيرة، عن
إبراهيم بن معرض، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن عمر دخل على حفصة،
فقال: كيف رسول الله فيما فيه الرجال؟ فقالت: ما هو إلا رجل من الرجال،
فأنف الله لنبيه (صلى الله عليه وآله)، فأنزل إليه صحيفة فيها هريسة من
سنبل الجنة فأكلها، فزاد في بضعه بضع أربعين رجلا».
وروى الواقدي: « لما نزل رسول الله »صلى الله عليه وآله« وادي القرى أهدى
له بنو عريض اليهودي هريسة، فأكلها، وأطعمهم أربعين وسقاً، فهي جارية عليهم
إلى يوم القيامة».
ومهما يكن من توتر قائم بين النفي والإثبات حول موضوع «الاستنجاد بجبريل»،
فإن أكل الهريسة (وهي لحم منقوع في قمح مهروس)، كان متداولا على أوسع نطاق
بين العرب قبل الإسلام، ويرجع ذلك إلى طبيعة الأرض وأنماط الحياة والثروة
الحيوانية، فالطعام العربي آنذاك لم يكن يخرج عن ثلاثة أو أربعة أصناف
«التمر» و»اللبن» و»اللحم» و»القمح»، كما أن جميع أطباقهم تتكون من تلك
الأصناف رغم اختلاف مسمياتها وطريقة إعدادها.
8/8/2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
«هريسة» جبريل
ومن فوائد الهريسة (أي القمح المطبوخ مع اللحم) أنه يشد الظهر ويقوي الشكيمة وينشط الجسم ويعين على العبادة، حسب ما نقل عن النبي (ص). اتهام الرسول باستعمال «الهريسة» كمنشط جنسي قاد بعض الفقهاء إلى شن هجوم مضاد على كل الرواة الذين ادعوا أن النبي كان يعاني من ضعف في إتيان زوجاته ومباشرتهن، وأنه كان يلجأ إلى «الكفيت» أو «الهريسة» لوضع حد لهذا الخور الجنسي. ومن وجوه إبطال الشبهة عن النبي (ص)، حسب هؤلاء أن الله خص محمدا «بقوة ثلاثين رجلا في البطش والجماع تؤهله للطواف على أهله في ليلة واحدة». فعن قتادة عن أنس بن مالك قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن تسع نسوة، قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين». وروي أيضا عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم: «أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة». ومن ثم- يقول هؤلاء الفقهاء- فقد اختص الله سيدنا محمد (ص) بقوة في البدن وكثرة الجماع، مع أن كثرة أزواجه، وهي صفة يشترك فيها مع من سبقه من الأنبياء كما قال عز وجل: «ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية». ويضيفون «وكذلك طوافه (ص) على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، يشترك فيها مع من سبقه من الأنبياء، كما دل على ذلك قوله (ص): «كان لسليمان ستون امرأة فقال: لأطوفن عليهن الليلة، فتحمل كل واحدة منهن غلاما فارسا يقاتل في سبيل الله، فلم تحمل منهن إلا واحدة فولدت نصف إنسان»، فقال رسول الله: «لو كان استثنى لولدت كل واحدة منهن غلاما فارسا يقاتل في سبيل الله». كما يستدل هؤلاء الفقهاء على أن قوة النبي (ص) البدنية، بقصة تمكنه من التغلب على «ركانة المطلبي»- وهو مصارع معروف بالقوة والجلادة) الذي صارعه مرتين أو ثلاثا فصرعه في كل مرة. ويضيفون أن من مظاهر قوة النبي (ص) «أنه كان يسافر طويلا، ويقاتل الأبطال، ويتقدم الشجعان، ويخلف الفرسان، ويكبت الجلد القوي من أصحاب الطغيان، بينما هو في النصف الأخير في العقد السادس - بل كان قد جاوز الستين من عمره - ولم يسكن، أو يتوان، أو يتكاسل عن مثل هذه الأعمال الشاقة التي تطلب المزيد من القوة».. ومن وجوه رد الشبهة أيضا ضعف إسناد حديث «الهريسة». قال أبو سعيد النقاش: «روي عن الضحاك - راوي الخبر - الموضوعات. قلت: وهذا منها، وقد أورده ابن الجوزي في «الموضوعات» من طريق ابن عدي، وقال: «نهشل كذاب، وسلام متروك، مرمي، وأحدهما سرقه من محمد بن الحجاج، وركب له إسنادا». وابن الحجاج هذا هو الذي اشتهر بهذا الحديث ووضع له عدة أسانيد. قال ابن الجوزي وغيره: «وضعه محمد بن الحجاج اللخمي، وكان صاحب هريسة، وغالب طرقه تدور عليه، وسرقه منه كذابون». | ||
9/8/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الحناء كفاعل جنسي
للعرب تاريخ طويل، منذ ما قبل الإسلام، مع الشبق الجنسي وأساليب التعبير
عن الشهوة ضدا على كل الحدود التي كانت تحصر الفعل الجنسي في مساحة ضيقة
لا ينبغي تجاوزها. ومع ذلك، ورغم المحاولات التي قامت بها «الشريعة» من أجل
حصر الشبق في الأحكام الشرعية، فإن بعض العادات الدالة على «الجاهلية»
(مثل خضاب الحناء)، كما تصورها القراءة الفقهية، استمرت في الوجود، بل
تكرست بقوة شديدة، وأصبحت دالة على الامتثال والتأسي.
فصحيح أن الإسلام، على الأقل، حسب ما يردده الطهرانيون اشتغل على «تتفيه»
الجسد وتحقيره وتدنيسه وإبعاده عن الحياة العامة وحصره داخل جدران المنزل
أو تحت الخمار استناداً إلى السلف. لكن لا ينبغي أن يلهينا هذا عن محاولة
الابتعاد عن أوهام كل تلك القراءات «المقولبة». فالمطلوب، إذن، هو الالتفات
إلى وقائع عاشتها المجتمعات العربية في ماضيها، وكي استطاع النبي محمد أن
ينجح في الجمع بين حدي الزهد باللذات الحسية والتعبير الحرّ عنها، حسب ما
تنقله الأحاديث النبوية.
وإذا كنا في الحلقات السابقة قد تعرفنا على بعض أنواع الأكل التي كان
يستعملها النبي (ص) للرفع من همته الجنسية، فإن للحناء أيضا مكانة مهمة في
مساحة الجنس الإسلامي. إذ يروى أن النبي ( ص) قال: «الحناء خضاب الإسلام ،
يزين المؤمن ويذهب بالصداع ويحد البصر ويزيد في الجماع والحسنة بعشرة
والدرهم بسبعمائة».
وعن مولى النبي ( ص) أنه قال: «عليكم بسيد الخضاب، فإنه يزيد في الجماع
ويطيب البشرة». وقال ( ص): «أفضل ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم».
وفي حديث آخر: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «قال رسول الله ( ص):
اختضبوا بالحناء، فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم ونكاحكم وحسن وجوهكم ويباهى
الله بكم الملائكة. والدرهم في سبيل الله بسبعمائة والدرهم في الخضاب بسبعة
آلاف، فإذا مات أحدكم وأدخل قبره دخل عليه ملكاه، فإذا نظر إلى خضابه قال
أحدهما لصاحبه: أخرج عنه ، فما لنا عليه من سبيل».
و»عن جعفر بن محمد، [عن آبائه] عليهم السلام، قال: رخص رسول الله (ص)
للمرأة أن تخضب رأسها بالسواد. قال : وأمر رسول الله (ص) النساء
بالخضاب..ذات البعل وغير ذات البعل، أما ذات البعل فتتزين لزوجها وأما غير
ذات البعل فلا تشبه يدها يد الرجال».
إن الحناء تتقدم هنا كنوع من الإدراك لما يتعين على الجسد أن يكونه وهو
يتهيأ للفعل الجنسي. إذ لا ينبغي أن ننسى أن الأمر يتعلق بأجساد عارية تحت
الشمس، وأن ثمة تاريخ أوسع وأرحب من تلك المواجهة بين الجسد العربي والبيئة
الصحراوية.
وهذا معناه، في المحصلة أنه يتعين علينا- كي نفهم أهمية الحناء على المستوى
الجنسي- أن نصل، حسب ما يراه ابراهيم محمود في دراسة له حول «أحاديث الجسد
القاتلة»، إلى معرفة «كيف جرى تعليم الجسد، أو وضعه في حيّز بانورامي
معتقدي، وأطلِق في فضاء التاريخ ليكون في مقدوره، بثُّ ما يجب العمل
بموجبه، وهو يمارس دوراناً مستمراً حول محور قاعدي يوجَّه بموجبه، إنه
الجسد النموذجي المتجدد دائماً». إنه فعلا جسد نموذجي (الجسد النبوي)
ويحتاج ليتجدد إلى الحناء، ولو كانت تدخل في إطار تقشفي..
10/8/2012عن الشهوة ضدا على كل الحدود التي كانت تحصر الفعل الجنسي في مساحة ضيقة
لا ينبغي تجاوزها. ومع ذلك، ورغم المحاولات التي قامت بها «الشريعة» من أجل
حصر الشبق في الأحكام الشرعية، فإن بعض العادات الدالة على «الجاهلية»
(مثل خضاب الحناء)، كما تصورها القراءة الفقهية، استمرت في الوجود، بل
تكرست بقوة شديدة، وأصبحت دالة على الامتثال والتأسي.
فصحيح أن الإسلام، على الأقل، حسب ما يردده الطهرانيون اشتغل على «تتفيه»
الجسد وتحقيره وتدنيسه وإبعاده عن الحياة العامة وحصره داخل جدران المنزل
أو تحت الخمار استناداً إلى السلف. لكن لا ينبغي أن يلهينا هذا عن محاولة
الابتعاد عن أوهام كل تلك القراءات «المقولبة». فالمطلوب، إذن، هو الالتفات
إلى وقائع عاشتها المجتمعات العربية في ماضيها، وكي استطاع النبي محمد أن
ينجح في الجمع بين حدي الزهد باللذات الحسية والتعبير الحرّ عنها، حسب ما
تنقله الأحاديث النبوية.
وإذا كنا في الحلقات السابقة قد تعرفنا على بعض أنواع الأكل التي كان
يستعملها النبي (ص) للرفع من همته الجنسية، فإن للحناء أيضا مكانة مهمة في
مساحة الجنس الإسلامي. إذ يروى أن النبي ( ص) قال: «الحناء خضاب الإسلام ،
يزين المؤمن ويذهب بالصداع ويحد البصر ويزيد في الجماع والحسنة بعشرة
والدرهم بسبعمائة».
وعن مولى النبي ( ص) أنه قال: «عليكم بسيد الخضاب، فإنه يزيد في الجماع
ويطيب البشرة». وقال ( ص): «أفضل ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم».
وفي حديث آخر: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «قال رسول الله ( ص):
اختضبوا بالحناء، فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم ونكاحكم وحسن وجوهكم ويباهى
الله بكم الملائكة. والدرهم في سبيل الله بسبعمائة والدرهم في الخضاب بسبعة
آلاف، فإذا مات أحدكم وأدخل قبره دخل عليه ملكاه، فإذا نظر إلى خضابه قال
أحدهما لصاحبه: أخرج عنه ، فما لنا عليه من سبيل».
و»عن جعفر بن محمد، [عن آبائه] عليهم السلام، قال: رخص رسول الله (ص)
للمرأة أن تخضب رأسها بالسواد. قال : وأمر رسول الله (ص) النساء
بالخضاب..ذات البعل وغير ذات البعل، أما ذات البعل فتتزين لزوجها وأما غير
ذات البعل فلا تشبه يدها يد الرجال».
إن الحناء تتقدم هنا كنوع من الإدراك لما يتعين على الجسد أن يكونه وهو
يتهيأ للفعل الجنسي. إذ لا ينبغي أن ننسى أن الأمر يتعلق بأجساد عارية تحت
الشمس، وأن ثمة تاريخ أوسع وأرحب من تلك المواجهة بين الجسد العربي والبيئة
الصحراوية.
وهذا معناه، في المحصلة أنه يتعين علينا- كي نفهم أهمية الحناء على المستوى
الجنسي- أن نصل، حسب ما يراه ابراهيم محمود في دراسة له حول «أحاديث الجسد
القاتلة»، إلى معرفة «كيف جرى تعليم الجسد، أو وضعه في حيّز بانورامي
معتقدي، وأطلِق في فضاء التاريخ ليكون في مقدوره، بثُّ ما يجب العمل
بموجبه، وهو يمارس دوراناً مستمراً حول محور قاعدي يوجَّه بموجبه، إنه
الجسد النموذجي المتجدد دائماً». إنه فعلا جسد نموذجي (الجسد النبوي)
ويحتاج ليتجدد إلى الحناء، ولو كانت تدخل في إطار تقشفي..
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
التماس الجنسي مع حاسة الشم
رأينا كيف أن الرجل العربي، في الجاهلية، وفي بيئة صحراوية تغمرها الشمس والنقع وقلة الماء، كانت غرائزه تهتز وتهيج تماما مثل أي فحل قطيع، عندما كان يلمح امرأة سادلةً شعرها، ومتزيّنة، يفوحُ منها عبق العطر وأريجه، فتشتهيها نفسه ويهفو إليها جسده المتعرق والمغبر. لم يكن الإيقاع الجنسي، حينذاك، خافتا أو مضبوطا. وكان الرجل يقع على المرأة مثلما يقع البعير على الناقة، رغم أن ذلك يفضح البنية النفسية للرجل، والجهد المبذول بالنسبة للمرأة لترتخي وتحيل وتتجاوب وتتفاعل. فهل كل النساء كن يتفاعلن مع الرجل العربي وهو يتأبط عرقه وأدران ترحاله؟ لقد كان وجهاء العرب قبل الإسلام يكثرون من وضع الأطياب، حتى اتهم بعضهم بالتشبه بالنساء. غير أن الإسلام، حين ميز بين طيب النساء وطيب الرجال، سمح بإقامة مساحة أكثر لياقة وغرائزية وشبقية من ذي قبل. حيث أصبح عربالصحراء، مع النبي (ص)، أمام «أنسيكلوبيديا جنسية مدهشة» (آداب الجماع)، كما أصبح الجنس ليس تعطيلا لحاسة الشم، بل يقع على خطوط التماس معها.. وهذا ما سمح به التطيب: يقول الرسول (ص): «حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة». وقال: «إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود فنظفوا أفنيتكم».وعن أنس بن مالك قال «كان رسول الله (ص) إذا أتى بطيب لم يرده» وفي رواية: قال أنس: «لا يرد الطيب». وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: «من عرض عليه طيب، وفي رواية ريحان، فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل (رواه مسلم). وعن محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية: «سألت عائشة (رض) أكان رسول الله (ص) يتطيب؟ قالت نعم، بذكارة الطيب: المسك والعنبر». وقال الأزهري: «كانوا يكرهون المؤنث من الطيب ولا يرون بذكورته بأساً». قال: والمراد بالمؤنث طيب النساء مثل الخلوق والزعفران، وأما ذكورته فما لا لون له من المسك والعود والبخور والعنبر، والذكورة والذكارة بمعني واحد وهي جمع ذكر». وعن نافع مولى ابن عمر (رض) عنهما قال: «كان ابن عمر يستجمر بالألوة غير مطراة والكافور يطرحه مع الألوة، ويقول: هكذا كان يستجمر رسول الله (ص)» (رواه مسلم). و(الاستجمار التبخر من المجمرة وهي التي توضع فيها النار، والألوة العود الذي يتبخر به، والمطري المطيب». وعن أنس بن مالك (رض) قال: «كان لرسول الله، (ص) سكة يتطيب بها (أخرجه أبو داود). وعن أبي أيوب الأنصاري (رض)، قال: قال رسول الله (ص): الحناء والتعطر والسواك والنكاح من سنن المرسلين..» (رواه الترمذي). وعن أنس بن مالك (رض) قال: نهى رسول الله (ص) أن يتزعفر الرجل وفي رواية: نهى عن التزعفر يعني للرجال (رواه البخاري ومسلم). (ومعنى كراهية التزعفر للرجل أن يتطيب به). | ||
11/8/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
التماس الجنسي مع حاسة الشم
إن
بناء الرجولة يصبح أكثر تعقيدا، كلما تحركت في سياق إيماني مغلق. ذلك أنها
(الرجولة) تشتغل أساسا على الفصل بين هويتين جنسيتين مختلفتين. وعلى هذا
الأساس، فالتمييز بين عطر الرجل وعطر الأنثى في الإسلام مؤسس، على مستوى
البنية السيكولوجية، على كراهة الأنوثة وتحقيرها.
فصحيح أن النبي (ص) كان يحب النساء، لكن الوحي علمه كيف يقمع كل ما هو
أنثوي في الرجل، رغم أن العطر يتقدم في الأحاديث النبوية السالفة، وفي
المستوى العميق للتأويل، كفعل «تذكير للمؤنث» وتسويغ له.
إن العطر الرجولي بهذا المعنى كشف لهوية جنسية ضدا على معادلها الموضوعي
(الأنوثة)، إذ أن الرجولة لا يتم الاستدلال عليها دائما بفضل الحركات ونبرة
الصوت واختيار اللعب والملابس، بل إن الانتساب الجذري إليها، وحتى قبل فحص
العضو التناسلي، يمر عبر حاسة الشم (الرائحة). وكل خروج عن هذا القانون
يعتبر تعبيرا عن «اختلاف بيولوجي» محرم، ما دامت الذكورة في الإسلام ليست
مفهوما إشكاليا، أي أنها ليست متعددة، وليست لها أي نوايا للتنازل عن
امتيازاتها وسلطها. كما أن هؤلاء الذين»كانوا يكرهون المؤنث من الطيب ولا
يرون بذكورته بأساً» إنما يرون أن الذكورة امتياز طبيعي لا ينبغي تلويثه
بأي عنصر هش يؤسس للشك في القضيب.
إن العطر، كما يقدمه النبي ويشتهيه، ليس تعبيرا عن انزياح، بل عن تراتبية
جنسية. فعطر الرجل يتميز بالصلابة، بينما تنطلي الرخاوة على العطر الأنثوي.
وهكذا يتم إعادة هذا التمييز إلى مرجعيته الجنسية؛ ف»الصلب مثلاً يصبح
أعلى من الرخو، بما أنه يحيل إلى القضيب بينما يحيل الرخو إلى المهبل. وكما
نرى يزداد امتداح الصلابة في المجتمعات الأكثر بطريركيّة، بينما تكون
الرخاوة بمثابة عار على الرجل، أو عار على الرجولة جمعاء».
ومع ذلك، فلا ينبغي أن نظن بأن هناك حربا بين الرجال والنساء حول هذا
الموضوع. فإثبات الذكورة بالنسبة للمجتمعين معا غاية. فالنساء «لسن أقلّ
تمثّلاً لموقعهنّ، المحدّد من وجهة النظر الذكوريّة، إذ يندر أن نجد امرأة
تنجذب إلى رجل أضأل منها قامة، أو أدنى منها مرتبة على مختلف الأصعدة،
وحتّى يندر أن تفضّل امرأة رجلاً مكافئاً لها، بل تسعى لا شعوريّاً وراء من
تعتقد أنّه يتفوّق عليها». وعلى هذا المنوال وجدنا النبي (ص) يميز بين
العطرين، لأن السؤال المطروح أنذاك هو كيف أحب النساء؟ وكيف تقبل علي
النساء؟ وكيف أحافظ على ذكورتي في مجتمع يمجد الذكورة ويحقر الأنوثة؟
نقرأ في دراسة حول «الذكرنة العربية» مايلي:
(لقد بلغ تفضيل الذكر على الأنثى في الإسلام درجة أضحى ينعكس حتّى في
اختلاف القراءات القرآنية، فقد ذكر القدماء بهذا الشأن تفضيل القراء بالياء
(= مذكّر) على القراءة بالتاء (= مؤنّث): «عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله
قال: إذا شككتم في الياء والتاء فاجعلوها ياءً، فإنّ القرآنَ ذكرٌ
فَذَكِّروه.» (مصنف ابن أبي شيبة: ج 7، 202). فالذّكرُ في العربيّة هو
الجليل الخطير، أو هو «النّصل المطبوع من خلاصة الحديد، فالمعنى: أن القرآن
نبيهٌ خطيرٌ فاعرفُوا له ذلك وصفوا به.» (الفائق للزمخشري: ج 2، 13؛ أنظر
أيضًا: سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 1، 4505).
ولا تقتصر الذكورة على وصف القرآن، بل تتعدّاه أيضًا إلى الحديث، فقد ذكر
الزّهري: «الحديثُ ذكرٌ يحبّه ذكورُ الرّجال ويكرَهُه مُؤنّثوهم. وأراد
الزهري أنّ الحديثَ أرفعُ العلم وأجَلُّه خطرًا، كما أنّ الذكور أفضل من
الإناث، فأَلِبّاءُ الرّجال وأهلُ التمييز منهم يحبّونه، وليس كالرّأي
السخيف الذي يحبه سُخفاء الرجال، فضربَ التذكير والتأنيث لذلك مثلاً…»
(غريب الحديث لابن قتيبة: ج 2، 229؛ أنظر أيضًا: المجالسة وجواهر العلم
لأبي بكر الدينوري: 228؛ النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي : ج 1، 16).
وحتّى العطور والطّيوب الّتي كان يتطيّب بها العرب قد تمّ تقسيمها إلى
مذكّر ومؤنّث، ووصلت الكراهية العربيّة الإسلاميّة إلى العطور والطّيوب
المؤنّثة، حيث فضّلوا عليها المذكّرة: «كانوا يكرهون المُؤَنّثَ من الطّيب
ولا يَرَوْنَ بِذُكْورَتِه بأْسًا». (الفائق للزمخشري: ج 1، 64؛ لسان
العرب: مادة «أنث»؛ تهذيب اللغة للأزهري: ج 5، 112؛ غريب الحديث لابن
الجوزي: ج 1، 362).
13-08-2012
بناء الرجولة يصبح أكثر تعقيدا، كلما تحركت في سياق إيماني مغلق. ذلك أنها
(الرجولة) تشتغل أساسا على الفصل بين هويتين جنسيتين مختلفتين. وعلى هذا
الأساس، فالتمييز بين عطر الرجل وعطر الأنثى في الإسلام مؤسس، على مستوى
البنية السيكولوجية، على كراهة الأنوثة وتحقيرها.
فصحيح أن النبي (ص) كان يحب النساء، لكن الوحي علمه كيف يقمع كل ما هو
أنثوي في الرجل، رغم أن العطر يتقدم في الأحاديث النبوية السالفة، وفي
المستوى العميق للتأويل، كفعل «تذكير للمؤنث» وتسويغ له.
إن العطر الرجولي بهذا المعنى كشف لهوية جنسية ضدا على معادلها الموضوعي
(الأنوثة)، إذ أن الرجولة لا يتم الاستدلال عليها دائما بفضل الحركات ونبرة
الصوت واختيار اللعب والملابس، بل إن الانتساب الجذري إليها، وحتى قبل فحص
العضو التناسلي، يمر عبر حاسة الشم (الرائحة). وكل خروج عن هذا القانون
يعتبر تعبيرا عن «اختلاف بيولوجي» محرم، ما دامت الذكورة في الإسلام ليست
مفهوما إشكاليا، أي أنها ليست متعددة، وليست لها أي نوايا للتنازل عن
امتيازاتها وسلطها. كما أن هؤلاء الذين»كانوا يكرهون المؤنث من الطيب ولا
يرون بذكورته بأساً» إنما يرون أن الذكورة امتياز طبيعي لا ينبغي تلويثه
بأي عنصر هش يؤسس للشك في القضيب.
إن العطر، كما يقدمه النبي ويشتهيه، ليس تعبيرا عن انزياح، بل عن تراتبية
جنسية. فعطر الرجل يتميز بالصلابة، بينما تنطلي الرخاوة على العطر الأنثوي.
وهكذا يتم إعادة هذا التمييز إلى مرجعيته الجنسية؛ ف»الصلب مثلاً يصبح
أعلى من الرخو، بما أنه يحيل إلى القضيب بينما يحيل الرخو إلى المهبل. وكما
نرى يزداد امتداح الصلابة في المجتمعات الأكثر بطريركيّة، بينما تكون
الرخاوة بمثابة عار على الرجل، أو عار على الرجولة جمعاء».
ومع ذلك، فلا ينبغي أن نظن بأن هناك حربا بين الرجال والنساء حول هذا
الموضوع. فإثبات الذكورة بالنسبة للمجتمعين معا غاية. فالنساء «لسن أقلّ
تمثّلاً لموقعهنّ، المحدّد من وجهة النظر الذكوريّة، إذ يندر أن نجد امرأة
تنجذب إلى رجل أضأل منها قامة، أو أدنى منها مرتبة على مختلف الأصعدة،
وحتّى يندر أن تفضّل امرأة رجلاً مكافئاً لها، بل تسعى لا شعوريّاً وراء من
تعتقد أنّه يتفوّق عليها». وعلى هذا المنوال وجدنا النبي (ص) يميز بين
العطرين، لأن السؤال المطروح أنذاك هو كيف أحب النساء؟ وكيف تقبل علي
النساء؟ وكيف أحافظ على ذكورتي في مجتمع يمجد الذكورة ويحقر الأنوثة؟
نقرأ في دراسة حول «الذكرنة العربية» مايلي:
(لقد بلغ تفضيل الذكر على الأنثى في الإسلام درجة أضحى ينعكس حتّى في
اختلاف القراءات القرآنية، فقد ذكر القدماء بهذا الشأن تفضيل القراء بالياء
(= مذكّر) على القراءة بالتاء (= مؤنّث): «عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله
قال: إذا شككتم في الياء والتاء فاجعلوها ياءً، فإنّ القرآنَ ذكرٌ
فَذَكِّروه.» (مصنف ابن أبي شيبة: ج 7، 202). فالذّكرُ في العربيّة هو
الجليل الخطير، أو هو «النّصل المطبوع من خلاصة الحديد، فالمعنى: أن القرآن
نبيهٌ خطيرٌ فاعرفُوا له ذلك وصفوا به.» (الفائق للزمخشري: ج 2، 13؛ أنظر
أيضًا: سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 1، 4505).
ولا تقتصر الذكورة على وصف القرآن، بل تتعدّاه أيضًا إلى الحديث، فقد ذكر
الزّهري: «الحديثُ ذكرٌ يحبّه ذكورُ الرّجال ويكرَهُه مُؤنّثوهم. وأراد
الزهري أنّ الحديثَ أرفعُ العلم وأجَلُّه خطرًا، كما أنّ الذكور أفضل من
الإناث، فأَلِبّاءُ الرّجال وأهلُ التمييز منهم يحبّونه، وليس كالرّأي
السخيف الذي يحبه سُخفاء الرجال، فضربَ التذكير والتأنيث لذلك مثلاً…»
(غريب الحديث لابن قتيبة: ج 2، 229؛ أنظر أيضًا: المجالسة وجواهر العلم
لأبي بكر الدينوري: 228؛ النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي : ج 1، 16).
وحتّى العطور والطّيوب الّتي كان يتطيّب بها العرب قد تمّ تقسيمها إلى
مذكّر ومؤنّث، ووصلت الكراهية العربيّة الإسلاميّة إلى العطور والطّيوب
المؤنّثة، حيث فضّلوا عليها المذكّرة: «كانوا يكرهون المُؤَنّثَ من الطّيب
ولا يَرَوْنَ بِذُكْورَتِه بأْسًا». (الفائق للزمخشري: ج 1، 64؛ لسان
العرب: مادة «أنث»؛ تهذيب اللغة للأزهري: ج 5، 112؛ غريب الحديث لابن
الجوزي: ج 1، 362).
13-08-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
لعطر الذي يهيج ويضيء
لا
شك أن جسد النبي (ص) خلق لغته. فرائحة الطيب التي انتصر إليها- مثله في
ذلك مثل المسيح (قصة المرأة التي سكبت على رأسه عطر الناردين)- توضح، على
المستوى الجنسي، أن محمدا استطاب مذاق العذوبة الرائقة، ومشهد الجمال
الدنيوي ملتبسا بروائح الآخرة الفردوسية العبقة.
فعن انس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أزهر اللون،
كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ وما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أزكى من رائحة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم» (متفق عليه).
وعنه أيضا، قال: «دخل علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال (أي نام)
عندنا فعرق، فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فقال :»يا أم سليم: ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا
عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب» (رواه مسلم).
وذكر البخاري في تاريخه الكبير، عن جابر: «لم يكن النبي (ص) يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه».
ويؤيدُ هذا ما رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر بن سمرة: «أن رسول الله
(ص) مسح خده قال: فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار.
وكان(ص) يُعرف منه ريح الطيب إذا أقبل».
وكان النبي لا يسلك طريقاً فيتبعه أحد، إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه.
قال إسحاق بن راهوية: أنّ تلك كانت رائحته بلا طيب.
بل كان له سُكة يتطيب منها، فعن أنس بن مالك : «كان لرسول الله (ص) سُكة
يتطيب منها، ومعنى السُكة: طيب مجموعَ من أخلاطٍ، ويحتمل أن يكون وعاءً
لذلك. (أنظر صحيح أبي داود 2 برقم 3508 الألباني).
وكان محمد (ص) يُحب التطيب بالعود، والمسك، والعنبر وغيرها. فعن محمد بن
علي قال : «سألتُ عائشة: أكان النبي (ص) يتطيب؛ قالت: نعم بذكارة الطيب:
المسك والعنبر».
وكان من هديه أيضا عدم رد الطيب إذا قُدِّم له أو أهدي إليه.
أخرج أبو داود والنسائي: أن النبي (ص) قال: من عُرض عليه طيبٌ فلا يرده
فإنه طيب الريح خفيف المحمل، والحديث يدلُ على أن رد الطيب خلاف السُنة
لأنه باعتبار ذاته خفيف لا يثقل حمله.
لقد كان التعطر من الأشياء المحببة جداً إلى النبي (ص)، مما يسمح بالقول
إن هذا الاحتفال الواسع بالطيب يقدم الدليل على أنه سلاح للسيطرة على أجساد
النساء، ودفع بهي لأي «نشوز أنثوي» يقود إلى التعنيف وهجر المضاجع.. إن
الرائحة هنا انهزام لأوساخ ما قبل الإسلام، وانهزام للجسد الأنثوي الممانع.
إنه بمعنى من المعاني سلطة جنسية مضادة
الّتي ما عادت تُرى مليّا بل تُستنشَق، ولها تأثير أعمق لأنّه تأثير فوريّ.
فبمجرّد أن يُتَنشَّق الشّخص حتّى يدلّ عليه عطره، على الرّغم حتّى من أنّ
جسده يظلّ بعيدا. إنّ العطر يحوّل الفاقدَ النّفوذ، الملحقَ بالشّمّ
وبالرّائحة، إنّه يهيّج ويضيء..
14-08-2012
شك أن جسد النبي (ص) خلق لغته. فرائحة الطيب التي انتصر إليها- مثله في
ذلك مثل المسيح (قصة المرأة التي سكبت على رأسه عطر الناردين)- توضح، على
المستوى الجنسي، أن محمدا استطاب مذاق العذوبة الرائقة، ومشهد الجمال
الدنيوي ملتبسا بروائح الآخرة الفردوسية العبقة.
فعن انس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أزهر اللون،
كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ وما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أزكى من رائحة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم» (متفق عليه).
وعنه أيضا، قال: «دخل علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال (أي نام)
عندنا فعرق، فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فقال :»يا أم سليم: ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا
عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب» (رواه مسلم).
وذكر البخاري في تاريخه الكبير، عن جابر: «لم يكن النبي (ص) يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه».
ويؤيدُ هذا ما رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر بن سمرة: «أن رسول الله
(ص) مسح خده قال: فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار.
وكان(ص) يُعرف منه ريح الطيب إذا أقبل».
وكان النبي لا يسلك طريقاً فيتبعه أحد، إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه.
قال إسحاق بن راهوية: أنّ تلك كانت رائحته بلا طيب.
بل كان له سُكة يتطيب منها، فعن أنس بن مالك : «كان لرسول الله (ص) سُكة
يتطيب منها، ومعنى السُكة: طيب مجموعَ من أخلاطٍ، ويحتمل أن يكون وعاءً
لذلك. (أنظر صحيح أبي داود 2 برقم 3508 الألباني).
وكان محمد (ص) يُحب التطيب بالعود، والمسك، والعنبر وغيرها. فعن محمد بن
علي قال : «سألتُ عائشة: أكان النبي (ص) يتطيب؛ قالت: نعم بذكارة الطيب:
المسك والعنبر».
وكان من هديه أيضا عدم رد الطيب إذا قُدِّم له أو أهدي إليه.
أخرج أبو داود والنسائي: أن النبي (ص) قال: من عُرض عليه طيبٌ فلا يرده
فإنه طيب الريح خفيف المحمل، والحديث يدلُ على أن رد الطيب خلاف السُنة
لأنه باعتبار ذاته خفيف لا يثقل حمله.
لقد كان التعطر من الأشياء المحببة جداً إلى النبي (ص)، مما يسمح بالقول
إن هذا الاحتفال الواسع بالطيب يقدم الدليل على أنه سلاح للسيطرة على أجساد
النساء، ودفع بهي لأي «نشوز أنثوي» يقود إلى التعنيف وهجر المضاجع.. إن
الرائحة هنا انهزام لأوساخ ما قبل الإسلام، وانهزام للجسد الأنثوي الممانع.
إنه بمعنى من المعاني سلطة جنسية مضادة
الّتي ما عادت تُرى مليّا بل تُستنشَق، ولها تأثير أعمق لأنّه تأثير فوريّ.
فبمجرّد أن يُتَنشَّق الشّخص حتّى يدلّ عليه عطره، على الرّغم حتّى من أنّ
جسده يظلّ بعيدا. إنّ العطر يحوّل الفاقدَ النّفوذ، الملحقَ بالشّمّ
وبالرّائحة، إنّه يهيّج ويضيء..
14-08-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
محن النبي الجنسية
محنتان أو اختباران جنسيان رهيبان تعرض لهما النبي (ص) مع أزواجه، وكانت أجنحته خلالهما متكسرة، ولم يكن له من سلاح سوى الانكفاء والمكابدة السالبة. المحنة الأولى، وهي الأقل شهرة، كان بطلاها خصيٌّ قبطي ومارية بنت شمعون التي أهداها الملك المقوقس للنبي. وقيل إن الخصي قريب مارية، وقيل: إنه شيخ كبير؛ لأنه أخوها، وقال ابن حجر العسقلاني: ولا ينافي ذلك نَعْته في الروايات بأنه قريبها أو نسيبها أو ابن عمها، لاحتمال أنه أخوها لأمّها، والله أعلم. قال حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عن ثابت، عن أنس بن مالك: إن رجلًا كان يُتهم بأم وَلدِ رسول الله (ص) فقال رسول الله (ص) لعليّ: «اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ»، فأتاه عليّ، فإذا هو في رُكي يتبرّد فيها، فقال له عليّ: أخرج، فناوَله يده، فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر، فكفَّ عنه عليّ، ثم أتى النبيّ (ص)، فقال: يا رسول الله: إنه لمجبوب ما له ذكر». أخرجه مسلم، ولم يسمِّه، وسماه أبو بكر بن أبي خيثمة، عن مصعب الزبيري: مأبورًا، ولفْظُه: ثم ولدت مارية التي أهداها المقوقس إلى رسول الله (ص) ولدَه إبراهيم، وكان أهدى معها أختها سيرين وخصيًّا يقال له مأبورا. وأخرج ابنُ عبد الحكم في «فتوح مصر» بسندِه عن عبد الله بن عمرو؛ قال: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم على القبطية أُمّ ولده إبراهيم فوجد عندها نسيبًا لها قدم معها من مصر، وكان كثيرًا ما يدخل عليها؛ فوقع في نفسه شيء، فرجع فلقيه عُمر (رض) عنه، فعرف ذلك في وجهه؛ فسأله فأخبره؛ فأخذ عمر رضي الله عنه السيف ثم دخل على مارية وقريبُها عندها فأهوى إليه بالسيف، فلما رأى ذلك كشف عن نفسه، وكان مَجبُوبًا ليس بين رِجْليه شيء؛ فلما رآه عمر رجع إلى رسول الله (ص) فأخبره؛ فقال رسول الله (ص): «إنّ جبرائيل أتاني فأخبرني أنَّ الله تعالى قد بَرَأها وقرِيبها، وأن في بطنها غلامًا مني، وأنه أشبه الناس بي، وأنه أمرني أنَّ أسمِّيه إبراهيم، وكناني أبا إبراهيم». ووردت زيادة في المعجم الكبير للطبراني بعد قوله أم إبراهيم، وهي حامل بإبراهيم، فوجد عندها نسيبًا لها كان قدم معها من مصر، فأسلم وحسنُ إسلامه، وكان يدخل على أم إبراهيم فرضي لمكانه منها أن يجبَّ نفسه، فقطع ما بين رجليه حتى لم يَبْقَ له قليل ولا كثير... الحديث، قال ابن حجر العسقلاني: «وهذا لا ينافي ما تقدم أنه خصيّ أهداه المقوقس، لاحتمال أنه كان فاقد الخصيتين فقط مع بقاء الآلة، ثم لما جبّ ذكره صار ممسوحًا». و»يجمع بين قصتي عمر وعليّ، باحتمال أن يكون مضى عمر (رض) إليها سابقًا عَقِب خروج النبي (ص)، فلما رآه مجبوبًا اطمأنَّ قَلْبهُ، وتشاغل بأمر ما، وأن يكون إرسال عليّ ترَاخى قليلًا بعد رجوع النبيّ (ص) إلى مكانه ولم يسمع بعد بقصة عمر، فلما جاء عليّ وجد الخصيّ قد خرج من عندها إلى النخل يتبرد في الماء، فوجده، ويكون إخبار عمر وعليّ معًا، أو أحدهما بعد الآخر، ثم نزل جبرائيل بما هو أأكَد من ذلك». وروى الوَاقِدِيُّ عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة؛ قال: بعث المقوقسُ إلى رسول الله (ص) بمارية وأُختها سيرين وبألف مثقالٍ ذهبًا وعشرين ثوبًا لينًا، وبغلته الدلدل، وحماره عفير ويقال يعفور، ومعهم خصيّ يقال له مأبور، ويقال هابور... الحديث؛ وفيه: فأقام الخصيّ على دينه إلى أن أسلم بعد في عَهْد النبي (ص). وحكى ابن إسحق في السيرة أن المقوقس ملك مصر أهدى للنبي جارية وغلاماً وقد تزوج النبي الجارية وهي مارية القبطية، وقبل الغلام وهو مأبور، وكان مأبور يخدم النبي في بعض العوالي حيث أسكن مارية القبطية، وخلال ذلك جاء من يشي بهما للنبي الكريم ويتهم مأبور بالفاحشة مع مارية. ونقل ابن إسحق أن النبي قال لعلي بن أبي طالب: اذهب يا علي فاقتل مأبور، وتوجه علي من فوره إلى البستان حيث يقيم مأبور وهو مشرع السيف وحين رآه مأبور عرف مراده فهرب فتبعه علي فصعد شجرة فتسلق وراءه علي شاهراً سيفه، فسقط مأبور من الشجرة فانكشفت عورته فإذا هو مجبوب!! فعاد علي إلى النبي فقال: يارسول الله أحدنا ترسله في أمر أفيكون كالسكة المحماة ينفذ ما أمرته أم أن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب؟ فقال له النبي: بل إن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب، فأخبره علي بما رأى فقال له النبي الكريم: أحسنت فكف عنه حينذاك.? 15-08-2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
محنة «الإفك» على عائشة
المحنة الثانية التي تعرض لها النبي (ص)، هي تلك المرتبطة بما يسمى ب»حديث الإفك»؛ والإفك: الكذب، وكذلك الأفيكة، والجمع الأفائك. ورجل أفاك أي كذاب. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن الزبير «وذلك أفكهم» بفتح الهمزة والفاء والكاف، على الفعل، أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد. والأفك «بالفتح» مصدر قولك: أفكه يأفكه أفكا، أي قلبه وصرفه عن الشيء. وقرأ عكرمة «أفكهم» بتشديد الفاء على التأكيد والتكثير. قال أبو حاتم: يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم. وذكر المهدوي عن ابن عباس أيضا «آفكهم» بالمد وكسر الفاء، بمعنى صارفهم. وعن عبد الله بن الزبير باختلاف عنه «آفكهم» بالمد، فجاز أن يكون أفعلهم، أي أصارهم إلى الإفك. وجاز أن يكون فاعلهم كخادعهم. ودليل قراءة العامة «إفكهم» أي يكذبون. وقيل «أفكهم» مثل «أفكهم» (القرطبي 3135). أما حديث الإفك، فمرتبط باتهام عائشة بإتيان الفاحشة (الخيانة الزوجية). وتقص عائشة نفسها ما وقع حتى غمرتها التهمة: فتقول : «كان رسول الله (ص) عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه: فأيتهن خرج سهمها خرجت معه، فلما كانت غزوة بني المصطلق خرج سهمي عليهن فارتحلت معه. قالت: وكان النساء إذ ذاك يأكلن العلق: لم يهجهن اللحم فيثقلن، وكنت إذا رحل بعيري جلست في هودجي ثم يأتي القوم فيحملوني يأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه علي ظهر البعير ويشدونه بالحبال وبعدئذ ينطلقون. فلما فرغ رسول الله من سفره ذاك توجه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات فيه بعض الليل، ثم أذن في الناس بالرحيل فتهيؤا لذلك، وخرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي فلما فرغت أنسل من عنقي ولا ادري فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته وجاء القوم الذين كانوا يرحلون لي البعير (وقد كانوا فرغوا من إعداده) فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع فاحتملوه فشدوه علي البعير ولم يشكوا أنى به، ثم أخذوا برأس البعير وانطلقوا، ورجعت إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب، لقد انطلق الناس.. قالت: فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني وعرفت أني لو افتقدت لرجع الناس إلي، فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي، وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجته فلم يلبث مع الناس، فرأي سوادي فأقبل حتى وقف علي، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب فلما رآني قال:»إنا لله وإنا إليه راجعون» ظعينة رسول الله (ص)؟ وأنا متلففة في ثيابي ما خلفك يرحمك الله؟ قالت فما كلمته ثم قرب إلي البعير فقال أركبي واستأخر عني.. قالت: فركبت وأخذ برأس البعير منطلقاً يطلب الناس فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت ونزلوا فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي البعير فقال أهل الإفك ما قالوا وارتجع العسكر والله ما أعلم بشيء من ذلك». وتتابع: «قدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله (ص) اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي؛ إنما يدخل رسول الله (ص) يسلّم، ثم يقول: كيف تيكم؟ فذاك يريبني، ولا أشعر بالشرّ! حتى خرجت بعدما نقهت، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو مبرزنا، ولا نخرج إلاّ ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التنزّه. وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف، وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصدّيق، وابنها مسطّح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قِبَل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح! فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبّين رجلاً قد شهد بدراً؟ قالت: أي هنتاه! أولم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً إلى مرضي». 16-08-2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
محنة «الإفك» على عائشة
فلما رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله (ص)، فسلّم، ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ - وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما - فأذن لي رسول الله (ص). فجئت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه! ما يتحدّث الناس؟ فقالت: يا بنية، هوّني عليك، فوالله لقلّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر، إلا كثرن عليها. قلت: سبحان الله! وقد تحدّث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. ودعا رسول الله (ص) عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله. فأما أسامة بن زيد، فأشار على رسول الله (ص) بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال: يا رسول الله، هم أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وأما عليّ بن أبي طالب، فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. فدعا رسول الله (ص) بريرة، فقال: أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، إن رأيت أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام على عجين أهلها، فتأتي الداجن، فتأكله. فقام رسول الله (ص) على المنبر، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال رسول الله (ص) وهو على المنبر: يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً! ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي! فقام سعد بن أبي معاذ الأنصاري، فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من أخوتنا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك! فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج - وكان رجلاً صالحاً ولكن اجتهلته الحمية - فقال لسعد بن معاذ: كذبت! لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله! وقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت! لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين! فثار الحيّـان الأوس والخزرج، حتى همّوا أن يقتتلوا. ورسول الله قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا. قالت عائشة: «بكيتُ يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي. فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله (ص)، ثم جلس. ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء. فتشهد رسول الله (ص) حين جلس، ثم قال: أمّا بعد، يا عائشة، فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه. فلما قضى رسول الله (ص) مقالته، قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله (ص) فيما قال! فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله (ص)! فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله (ص)! فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله (ص)! فقلت؛ وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: إني - والله - لقد عرفت أنكم سمعتم بهذا حتى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به؛ فإن قلت لكم: إني بريئة! لا تصدقون بذلك! وإن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدقونني. وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون». ثم تحوّلت، فاضطجعت على فراشي، وأنا - والله - حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي. ولكن - والله - ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يوحى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عزّ وجلّ فيّ بأمر يتلى. ولكني - والله - كنت أرجو أن يرى رسول الله (ص) رؤيا، يُبرئني الله بها. فوالله، ما رام رسول الله (ص) مجلسه، ولا خرج من أهل بيته أحد، حتى أنزل الله عزّ وجلّ على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى أنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشتات من ثقل القول الذي أنزل عليه. فلما سري عن رسول الله (ص)، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلّم بها، أن قال: أبشري يا عائشة! أما الله فقد برّأك! فقالت لي أمي: قومي إليه؛ فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي».. فأنزل الله عزّ وجلّ «إنّ الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم».. فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة? ؛ فأنزل الله عز وجل «ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى»، إلى قوله، «ألا تحبّون أن يغفر الله لكم» - قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله - فقال أبو بكر: إنّي لأحب أن يغفر الله لي! فرجّع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: «لا أنزعها منه أبداً». فلما رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله (ص)، فسلّم، ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ - وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما - فأذن لي رسول الله (ص). فجئت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه! ما يتحدّث الناس؟ فقالت: يا بنية، هوّني عليك، فوالله لقلّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر، إلا كثرن عليها. قلت: سبحان الله! وقد تحدّث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. ودعا رسول الله (ص) عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله. فأما أسامة بن زيد، فأشار على رسول الله (ص) بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال: يا رسول الله، هم أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وأما عليّ بن أبي طالب، فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. فدعا رسول الله (ص) بريرة، فقال: أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، إن رأيت أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام على عجين أهلها، فتأتي الداجن، فتأكله. فقام رسول الله (ص) على المنبر، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال رسول الله (ص) وهو على المنبر: يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً! ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي! فقام سعد بن أبي معاذ الأنصاري، فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من أخوتنا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك! فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج - وكان رجلاً صالحاً ولكن اجتهلته الحمية - فقال لسعد بن معاذ: كذبت! لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله! وقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت! لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين! فثار الحيّـان الأوس والخزرج، حتى همّوا أن يقتتلوا. ورسول الله قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا. قالت عائشة: «بكيتُ يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي. فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله (ص)، ثم جلس. ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء. فتشهد رسول الله (ص) حين جلس، ثم قال: أمّا بعد، يا عائشة، فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه. فلما قضى رسول الله (ص) مقالته، قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله (ص) فيما قال! فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله (ص)! فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله (ص)! فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله (ص)! فقلت؛ وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: إني - والله - لقد عرفت أنكم سمعتم بهذا حتى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به؛ فإن قلت لكم: إني بريئة! لا تصدقون بذلك! وإن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدقونني. وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون». ثم تحوّلت، فاضطجعت على فراشي، وأنا - والله - حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي. ولكن - والله - ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يوحى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عزّ وجلّ فيّ بأمر يتلى. ولكني - والله - كنت أرجو أن يرى رسول الله (ص) رؤيا، يُبرئني الله بها. فوالله، ما رام رسول الله (ص) مجلسه، ولا خرج من أهل بيته أحد، حتى أنزل الله عزّ وجلّ على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى أنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشتات من ثقل القول الذي أنزل عليه. فلما سري عن رسول الله (ص)، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلّم بها، أن قال: أبشري يا عائشة! أما الله فقد برّأك! فقالت لي أمي: قومي إليه؛ فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي».. فأنزل الله عزّ وجلّ «إنّ الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم».. فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة? ؛ فأنزل الله عز وجل «ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى»، إلى قوله، «ألا تحبّون أن يغفر الله لكم» - قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله - فقال أبو بكر: إنّي لأحب أن يغفر الله لي! فرجّع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: «لا أنزعها منه أبداً». قالت عائشة: «وكان رسول الله (ص) سأل زينب بنت جحش، زوج النبي (ص) عن أمري: ما علمتِ؟ أو: ما رأيتِ؟ فقالت: يا رسول الله! أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيراً! قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي (ص)، فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش، تحارب لها، فهلكت فيمن هلك.. 17-08-2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
محنة «الإفك» على عائشة
لقد كانت عائشة تكره أن يسبّ عندها حسان [بن ثابت، وهو أحد الذين ساهموا في نشر القصة]، وتقول: فإنه قال:
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء
وقالت: والله إنّ الرجل الذي قيل له ما قيل، [أي: صفوان بن المعطل]،
ليقول: سبحان الله! فو الذي نفسي بيده، ما كشفت عن كنف أنثى قط! ثم قتل بعد
ذلك شهيداً، في سبيل الله».
وكان الذي تكلموا بحديث الإفك هم: مسطح بن أثانة وحمنة بنت جحش وحسان بن
ثابت، فيما تكلف عبد الله بن أبي، بإذاعته وتضخيمه، رفقة حمنة.
ويضيف ابن هشام أنّ النبي «خرج إلى الناس، فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله
عليه في القرآن من ذلك، ثم أمر بمسطح بن أثانة وحسان بن ثابت، وحمنة بنت
جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فضربوا حدّهم».
قال ابن عبّاس: »من أذنب ذنباً، ثم تاب منه، قبلت توبته: إلا من خاض في أمر عائشة! «
وكان النبي يقول عن صفوان بن المعطّل: «إن صفوان خبيث اللسان، طيب القلب». من ناحيته، كان حسّان، شاعر النبي، قد هجا صفوان بقوله:
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا
وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
وتقول إحدى الروايات، «إنّ ثابت بن عيسى بن الشماس وثب على صفوان بن
المعطّل، حين ضرب حسّان، فجمع يديه إلى عنقه بحبل، ثم انطلق به إلى دار بني
الحارث ابن الخزرج، فلقيه عبد الله بن رواحة، فقال: ما هذا؟ قال: أما
أعجبك ضرب حسان بالسيف؟! والله ما أراه إلا قد قتله؛ قال له عبد الله بن
رواحة: هل علم رسول الله (ص) بشيء مما صنعت؟ قال: لا والله! قال: لقد
اجترأت، أطلق الرجل! فأطلقه. ثم أتوا رسول الله (ص)، فذكروا له ذلك، فدعا
حسّان وصفوان بن المعطّل؛ فقال ابن المعطّل: يا رسول الله، آذاني وهجاني،
فاحتملني الغضب، فضربته! فقال رسول الله (ص) لحسان: أحسن يا حسّأن، أتشوهت
على قومي إذ هداهم الله للإسلام؟! ثم قال: أحسن يا حسان في الذي أصابك!
قال: هي لك يا رسول الله».
ويذكر ابن كثير : «ثم أنّ صفوان بن المعطّل اعترض حسّان بن ثابت بالسيف، حين بلغه ما كان يقول فيه، فضربه ثم قال:
تلقَ ذباب السيف عني فإنني
غلام إذا هوجيت لست بشاعر
فذُكر ذلك لرسول الله (ص)، فدعا حسّان وصفوان بن المعطّل، فقال صفوان:
هجاني يا رسول الله وآذاني، فضربته؛ فقال رسول الله (ص) لحسّان: أحسن يا
حسّان. قال: هي لكَ يا رسول الله؛ فأعطاه رسول الله (ص) عوض عنها بيرحاء،
وهي قصر بني حديلة ؛ وأعطاه سيرين، أمة قبطية، وهي أخت مارية، أم ابراهيم
ابن رسول الله، فولدت له عبد الرحمن».
وفي رواية من أسد الغابة ، يقال: «إن رسول الله (ص) جلد الذين قالوا
لعائشة ما قالوا، ثمانين جلدة: حسّان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت
جحش. وكان حسّان ممن خاض في الإفك، فجُلد فيه في قول بعضهم: وأنكر قوم ذلك،
وقالوا: إن عائشة كانت في الطواف ومعها أم حكيم بن خالد بن العاص، وأم
حكيم بن عبد الله... فذكرتا حسّان، فسبّتاه، فقالت عائشة: إني لأرجو أن
يدخله الله الجنّة بذبّه عن النبي (ص) بلسانه! أليس هو القائل:
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء
وبرّأته من أن يكون افترى عليها. فقالتا: ألم يقل فيك؟ فقالت: لم يقل شيئاً؛ لكنه الذي يقول:
حسان رزان ما تزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فإن كان ما قد قيل عني قلته
فلا رفعت سوطي إلى أناملي
وفي نص ابن هشام ، «أن امرأة مدحت حسان بن ثابت عند عائشة، فقالت:
حسان رزان ما تزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الفوافل
- بالنسبة لأمّ كلثوم، فإنني أفكّر لها في أمْر. إن دورها سيأتي فيما بعد.
لنبْدأْ بفاطمة، سوف تتزوّج عليّا بن أبي طالب، الذي يفكّر فيها منذ مدّة.
فعليّ ابن عمه، الذي آواه منذ زمن خديجة من أجل التخفيف عنْ عمّه أبي طالب
الذي كان يعيش وضعية صعبة، صار اليوم شابّا وسيما في العشرين من عمره. كما
أنه من الأوائل الذين أسلموا، وإسلامه قويّ متين. علاوة على أن الرسول
مُعجب بذكائه وبسالته وإقدامه.
سألته عائشة قائلة:
- وهلْ تعرف أنتَ رأيها؟
- أعرف ابنتي جيّدا، هي تحبّه في صمْت، وتتشوّق إلى سماع طلب يدها.
- ولماذا لمْ يفعل ذلك؟
- سوف يأتي، سأشجّعه.
لقد تردّد عليٌّ كثيرا. وبما أنه لم يرثْ شيئا من والده أبي طالب، الذي
توفّيَ رافضا اعتناق الإسلام، فقد كان معوزا، ولم تسمح له غنائم معركة بدر
سوى بدرْع باعه من أجْل اداء صداق فاطمة. وهو بدوره يحبّها منذ أكثر من عشر
سنوات. لقد عاش في كنف بيت الرسول، مثل أخ لها. رأها أمامه تكبُر وتتفتّح
وتضحك وتبكي. كان يعجبه مزاجها وأسلوبها. صحيح أنها ليستْ جميلة إلى حدّ
كبير، لكنها بنت النبيّ. وقدْ تقدّم للزواج منها رجال أغْنى منه، لكنْ بدون
جدوى. وذات صباح من شهر أبريل، تمالك عليّ نفسه وتجرّأ على الذهاب لمقابلة
عائشة. بعدها استقبله محمد قائلا:
- ما خطبُ ابن أبي طالب؟?.
?لم ينطق عليّ من فرط خجله، وظلّ يغضّ بصره، وبعد بُرْهة تمتم قائلا:
- أطلبُ فاطمة.
تهلّل وجه النبيّ، وقام فاتحا ذراعيْه وعانقه مبتسما وموافقا. أما عائشة،
فقد فركتْ يديْها مردّدة مع نفسها بأنّ ابنة زوجها محمد سوف تصبحُ أقلّ
عدوانية حين تعيش بدورها علاقة حبّ مع رجل. تمّ الاتفاق على تاريخ الزّفاف
الذي أُعدّ له بطريقة أفخم من زواج عائشة. غير أنّ هذه الأخيرة كانتْ
مرتاحة جدّا بالقدْر نفسه الذي كان فيه الرسول مرتاحا للاطمئنان على ابنته
التي كانَ قدْ وعد زوْجته خديجة، وهي على فراش الموْت، بإيجاد زوْج لائق
لابنتهما الصّغرى. وقدْ لعبتْ كلّ من عائشة وسودة دورا كبيرا في هذا
الزّواج، رغْم شكْوى فاطمة من فقر عليّ.
غيْر أنّ الظروف السيّئة كانتْ في انتظار عائشة خلال فترة الفرَح هذه. ذلك
أن القدَر شاء أنْ يموت زوج حفصة، خنيس بن حذافة، ليجد عمر بن الخطاب نفسه،
في بداية شهر ماي، أمام بنت أرملة. ومن ثمّ بدأ يطوف بحْثا عن زوج ثان
لها. وقد عرضها في البداية على عثمان بن عفان، معدّدا أمامه مزايا حفصة
وجمالها وحداثة سنّها الذي لا يتعدّى الثماني عشرة سنة، فضْلا عن تعلّمها
وإتقانها للقراءة والكتابة. فقال عثمان معتذرا:
- ما لي في النساء حاجة، وأنا لا زلتُ أفكّر كثيرا في زوجتي رقيّة.
بعد ذلك ذهب خائبا ليعرضها على أبي بكر الصديق، صديقه الوفيّ، لكنه اعتذر
بلباقة. وقد غضب على عثمان أكثر لكوْنه كان يعتبره المرشّح المناسب للزواج
من حفصة. وأمام حيرته، فكّر في التوجّه لزيارة الرسول الذي شكا له رفض
عثمان لابنته. في هذه الأثناء فكّر الرسول مليّا، وقال لعمر مبتسما:
- ألا أدلّك على ختن هو خير من عثمان، وأدلّ عثمان على ختن [أيْ زوْج البنت] هو خير له منك.
حبس عمر أنفاسه. وإذا كان قد فهم جيّدا، فإنّ النبيّ يريد الزواج من حفصة،
وتزويج ابنته أمّ كلثوم لعثمان بن عفان. ثمّ من شدة فرحه قال مجيبا الرسول:
- هو كذلك يا رسول الله.
من خارج الخيْمة، استمعتْ عائشة لما دار بين محمد وعمر، وفهمتْ مضمون
اقتراح الرسول: إنه يرغب في الحفاظ على صهْره عثمان، بتزويجه من أمّ كلثوم،
أخت زوجته رقيّة المتوفّاة1. فهذا الصحابي ضروريّ وهامّ بالنسبة له،
وينبغي أنْ يظلّ داخل العائلة. أمّا فيما يتعلّق بعمر بن الخطاب، الذي كشف
عن موهبة كبيرة كرجل حرْب مخطّط واستراتيجيّ، وقدرة فائقة على إدارة
المعارك، فإنه بات من الضروريّ أنْ يلتحق بالدائرة النبوية الحميمية
الضيّقة، ويصبح صهْرا للرسول، شأنه في ذلك شأن أبي بكر.
غيْر أن النقطة الأهمّ في هذه الصفقة، بالنسبة لعائشة، فهي هذا الزواج الذي
رغب فيه زوجا. لقد ضربها هذا الخبر في الصميم، وجعلها تتساءل: لماذا لمْ
يكتف بامرأة واحدة كما كان الأمر مع خديجة؟
مع ذلك، كان ثمّة سؤال واحد يشغل بالها: كيْف تجعله، في ظلّ هذا الواقع الجديد مرتبطا بها هي، ومفضّلا إياها على الأُخريات؟
1 يروي البلاذري في كتابه (أنساب الأشراف)، المجلد الأول، ص. 341 أنّه
:»فلما توفيت رقية ، زوّجها [أيْ أمّ كلثوم] رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عثمان أيضا ، فلم تزل عنده حَتَّى توفيت فِي سنة تسع
، وبكى عثمان ، فقال لَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ما يبكيك ؟ ، فقال : انقطاع صهري منك يا رسول الله ، فقال رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « كلا ، إنه لا يقطع الصهر الموت ، وإنما
يقطعه الطلاق ، ولو كانت عندنا ثالثة لزوجناك «. (المترجم).
18-08-2012
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء
وقالت: والله إنّ الرجل الذي قيل له ما قيل، [أي: صفوان بن المعطل]،
ليقول: سبحان الله! فو الذي نفسي بيده، ما كشفت عن كنف أنثى قط! ثم قتل بعد
ذلك شهيداً، في سبيل الله».
وكان الذي تكلموا بحديث الإفك هم: مسطح بن أثانة وحمنة بنت جحش وحسان بن
ثابت، فيما تكلف عبد الله بن أبي، بإذاعته وتضخيمه، رفقة حمنة.
ويضيف ابن هشام أنّ النبي «خرج إلى الناس، فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله
عليه في القرآن من ذلك، ثم أمر بمسطح بن أثانة وحسان بن ثابت، وحمنة بنت
جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فضربوا حدّهم».
قال ابن عبّاس: »من أذنب ذنباً، ثم تاب منه، قبلت توبته: إلا من خاض في أمر عائشة! «
وكان النبي يقول عن صفوان بن المعطّل: «إن صفوان خبيث اللسان، طيب القلب». من ناحيته، كان حسّان، شاعر النبي، قد هجا صفوان بقوله:
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا
وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
وتقول إحدى الروايات، «إنّ ثابت بن عيسى بن الشماس وثب على صفوان بن
المعطّل، حين ضرب حسّان، فجمع يديه إلى عنقه بحبل، ثم انطلق به إلى دار بني
الحارث ابن الخزرج، فلقيه عبد الله بن رواحة، فقال: ما هذا؟ قال: أما
أعجبك ضرب حسان بالسيف؟! والله ما أراه إلا قد قتله؛ قال له عبد الله بن
رواحة: هل علم رسول الله (ص) بشيء مما صنعت؟ قال: لا والله! قال: لقد
اجترأت، أطلق الرجل! فأطلقه. ثم أتوا رسول الله (ص)، فذكروا له ذلك، فدعا
حسّان وصفوان بن المعطّل؛ فقال ابن المعطّل: يا رسول الله، آذاني وهجاني،
فاحتملني الغضب، فضربته! فقال رسول الله (ص) لحسان: أحسن يا حسّأن، أتشوهت
على قومي إذ هداهم الله للإسلام؟! ثم قال: أحسن يا حسان في الذي أصابك!
قال: هي لك يا رسول الله».
ويذكر ابن كثير : «ثم أنّ صفوان بن المعطّل اعترض حسّان بن ثابت بالسيف، حين بلغه ما كان يقول فيه، فضربه ثم قال:
تلقَ ذباب السيف عني فإنني
غلام إذا هوجيت لست بشاعر
فذُكر ذلك لرسول الله (ص)، فدعا حسّان وصفوان بن المعطّل، فقال صفوان:
هجاني يا رسول الله وآذاني، فضربته؛ فقال رسول الله (ص) لحسّان: أحسن يا
حسّان. قال: هي لكَ يا رسول الله؛ فأعطاه رسول الله (ص) عوض عنها بيرحاء،
وهي قصر بني حديلة ؛ وأعطاه سيرين، أمة قبطية، وهي أخت مارية، أم ابراهيم
ابن رسول الله، فولدت له عبد الرحمن».
وفي رواية من أسد الغابة ، يقال: «إن رسول الله (ص) جلد الذين قالوا
لعائشة ما قالوا، ثمانين جلدة: حسّان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت
جحش. وكان حسّان ممن خاض في الإفك، فجُلد فيه في قول بعضهم: وأنكر قوم ذلك،
وقالوا: إن عائشة كانت في الطواف ومعها أم حكيم بن خالد بن العاص، وأم
حكيم بن عبد الله... فذكرتا حسّان، فسبّتاه، فقالت عائشة: إني لأرجو أن
يدخله الله الجنّة بذبّه عن النبي (ص) بلسانه! أليس هو القائل:
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء
وبرّأته من أن يكون افترى عليها. فقالتا: ألم يقل فيك؟ فقالت: لم يقل شيئاً؛ لكنه الذي يقول:
حسان رزان ما تزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فإن كان ما قد قيل عني قلته
فلا رفعت سوطي إلى أناملي
وفي نص ابن هشام ، «أن امرأة مدحت حسان بن ثابت عند عائشة، فقالت:
حسان رزان ما تزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الفوافل
- بالنسبة لأمّ كلثوم، فإنني أفكّر لها في أمْر. إن دورها سيأتي فيما بعد.
لنبْدأْ بفاطمة، سوف تتزوّج عليّا بن أبي طالب، الذي يفكّر فيها منذ مدّة.
فعليّ ابن عمه، الذي آواه منذ زمن خديجة من أجل التخفيف عنْ عمّه أبي طالب
الذي كان يعيش وضعية صعبة، صار اليوم شابّا وسيما في العشرين من عمره. كما
أنه من الأوائل الذين أسلموا، وإسلامه قويّ متين. علاوة على أن الرسول
مُعجب بذكائه وبسالته وإقدامه.
سألته عائشة قائلة:
- وهلْ تعرف أنتَ رأيها؟
- أعرف ابنتي جيّدا، هي تحبّه في صمْت، وتتشوّق إلى سماع طلب يدها.
- ولماذا لمْ يفعل ذلك؟
- سوف يأتي، سأشجّعه.
لقد تردّد عليٌّ كثيرا. وبما أنه لم يرثْ شيئا من والده أبي طالب، الذي
توفّيَ رافضا اعتناق الإسلام، فقد كان معوزا، ولم تسمح له غنائم معركة بدر
سوى بدرْع باعه من أجْل اداء صداق فاطمة. وهو بدوره يحبّها منذ أكثر من عشر
سنوات. لقد عاش في كنف بيت الرسول، مثل أخ لها. رأها أمامه تكبُر وتتفتّح
وتضحك وتبكي. كان يعجبه مزاجها وأسلوبها. صحيح أنها ليستْ جميلة إلى حدّ
كبير، لكنها بنت النبيّ. وقدْ تقدّم للزواج منها رجال أغْنى منه، لكنْ بدون
جدوى. وذات صباح من شهر أبريل، تمالك عليّ نفسه وتجرّأ على الذهاب لمقابلة
عائشة. بعدها استقبله محمد قائلا:
- ما خطبُ ابن أبي طالب؟?.
?لم ينطق عليّ من فرط خجله، وظلّ يغضّ بصره، وبعد بُرْهة تمتم قائلا:
- أطلبُ فاطمة.
تهلّل وجه النبيّ، وقام فاتحا ذراعيْه وعانقه مبتسما وموافقا. أما عائشة،
فقد فركتْ يديْها مردّدة مع نفسها بأنّ ابنة زوجها محمد سوف تصبحُ أقلّ
عدوانية حين تعيش بدورها علاقة حبّ مع رجل. تمّ الاتفاق على تاريخ الزّفاف
الذي أُعدّ له بطريقة أفخم من زواج عائشة. غير أنّ هذه الأخيرة كانتْ
مرتاحة جدّا بالقدْر نفسه الذي كان فيه الرسول مرتاحا للاطمئنان على ابنته
التي كانَ قدْ وعد زوْجته خديجة، وهي على فراش الموْت، بإيجاد زوْج لائق
لابنتهما الصّغرى. وقدْ لعبتْ كلّ من عائشة وسودة دورا كبيرا في هذا
الزّواج، رغْم شكْوى فاطمة من فقر عليّ.
غيْر أنّ الظروف السيّئة كانتْ في انتظار عائشة خلال فترة الفرَح هذه. ذلك
أن القدَر شاء أنْ يموت زوج حفصة، خنيس بن حذافة، ليجد عمر بن الخطاب نفسه،
في بداية شهر ماي، أمام بنت أرملة. ومن ثمّ بدأ يطوف بحْثا عن زوج ثان
لها. وقد عرضها في البداية على عثمان بن عفان، معدّدا أمامه مزايا حفصة
وجمالها وحداثة سنّها الذي لا يتعدّى الثماني عشرة سنة، فضْلا عن تعلّمها
وإتقانها للقراءة والكتابة. فقال عثمان معتذرا:
- ما لي في النساء حاجة، وأنا لا زلتُ أفكّر كثيرا في زوجتي رقيّة.
بعد ذلك ذهب خائبا ليعرضها على أبي بكر الصديق، صديقه الوفيّ، لكنه اعتذر
بلباقة. وقد غضب على عثمان أكثر لكوْنه كان يعتبره المرشّح المناسب للزواج
من حفصة. وأمام حيرته، فكّر في التوجّه لزيارة الرسول الذي شكا له رفض
عثمان لابنته. في هذه الأثناء فكّر الرسول مليّا، وقال لعمر مبتسما:
- ألا أدلّك على ختن هو خير من عثمان، وأدلّ عثمان على ختن [أيْ زوْج البنت] هو خير له منك.
حبس عمر أنفاسه. وإذا كان قد فهم جيّدا، فإنّ النبيّ يريد الزواج من حفصة،
وتزويج ابنته أمّ كلثوم لعثمان بن عفان. ثمّ من شدة فرحه قال مجيبا الرسول:
- هو كذلك يا رسول الله.
من خارج الخيْمة، استمعتْ عائشة لما دار بين محمد وعمر، وفهمتْ مضمون
اقتراح الرسول: إنه يرغب في الحفاظ على صهْره عثمان، بتزويجه من أمّ كلثوم،
أخت زوجته رقيّة المتوفّاة1. فهذا الصحابي ضروريّ وهامّ بالنسبة له،
وينبغي أنْ يظلّ داخل العائلة. أمّا فيما يتعلّق بعمر بن الخطاب، الذي كشف
عن موهبة كبيرة كرجل حرْب مخطّط واستراتيجيّ، وقدرة فائقة على إدارة
المعارك، فإنه بات من الضروريّ أنْ يلتحق بالدائرة النبوية الحميمية
الضيّقة، ويصبح صهْرا للرسول، شأنه في ذلك شأن أبي بكر.
غيْر أن النقطة الأهمّ في هذه الصفقة، بالنسبة لعائشة، فهي هذا الزواج الذي
رغب فيه زوجا. لقد ضربها هذا الخبر في الصميم، وجعلها تتساءل: لماذا لمْ
يكتف بامرأة واحدة كما كان الأمر مع خديجة؟
مع ذلك، كان ثمّة سؤال واحد يشغل بالها: كيْف تجعله، في ظلّ هذا الواقع الجديد مرتبطا بها هي، ومفضّلا إياها على الأُخريات؟
1 يروي البلاذري في كتابه (أنساب الأشراف)، المجلد الأول، ص. 341 أنّه
:»فلما توفيت رقية ، زوّجها [أيْ أمّ كلثوم] رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عثمان أيضا ، فلم تزل عنده حَتَّى توفيت فِي سنة تسع
، وبكى عثمان ، فقال لَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ما يبكيك ؟ ، فقال : انقطاع صهري منك يا رسول الله ، فقال رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « كلا ، إنه لا يقطع الصهر الموت ، وإنما
يقطعه الطلاق ، ولو كانت عندنا ثالثة لزوجناك «. (المترجم).
18-08-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
محنة «الإفك» على عائشة
ومما نقله السيد مرتضى العسكري من مناقشات تمت بين العلماء حول قصة الافك، وحيرتهم في رفع التناقضات التي همت روايات الصحاح والأسانيد، قوله: أ - قال الحافظ ابن حجر في ترجمة صفوان من الاصابة : أورد على هذا أن صفوان كيف كان حصورا وقد روي عن أبي داود عن أبي سعيد أنه قال: جاءت امرأة صفوان إلى النبي ( ص ) فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان يضربني. ثم قال ابن حجر : وإسناده صحيح ولكن يشكل عليه أن عائشة قالت في حديث الافك : ان صفوان قال: والله ما كشفت عن كنف انثى قط ... ثم ذكر ان البخاري قد انتبه إلى هذا التنافي ولذلك ضعف حديث أبي داود ليسلم حديث الافك. ب - اخرج البخاري والطيالسي وعبد الله بن احمد في مسند أبيه جميعا عن مسروق عن أم رومان : إن مسروقا لم يدرك أم رومان فان أم رومان كانت قد توفيت في السنة الرابعة أو الخامسة أو السادسة من الهجرة في المدينة ومسروق ولد في السنة الأولى من الهجرة في اليمن وقدم من اليمن بعد وفاة رسول الله (ص). قال الشيباني في الجمع بين رجال الصحيحين: (وأنكر على البخاري أخراج حديثه عن أم رومان ، إذ كانت بلا خلاف قد توفيت في عهد النبي ولم يكن مسروق حينئذ وهو حديث واحد). وقال ابن عبد البر: (رواية مسروق عن أم رومان مرسلة ولعله سمع ذلك من عائشة). وقال الزركشي: « رون البخاري لأم رومان حديثا واحدا من حديث الافك من رواية مسروق عنها ولم يلقها وقيل: ( عن مسروق حدثتني أم رومان ) وهو وهم... ذكر ابن سعد وغيره ان أم رومان ماتت في حياة رسول الله ( ص ) في سنة ست من الهجرة ونزل رسول الله ( ص ) في قبرها ، وهذا يقوي الاشكال في إخراج البخاري رواية مسروق عنها ، لكن أنكر قوم موتها في حياة رسول الله ( ص ) منهم أبو نعيم الاصفهاني، ولاعمدة لمن أنكره إلا رواية مسروق. وقال الخطيب: لم يسمع مسروق من أم رومان شيئا والعجب كيف خفي ذلك على البخاري وقد فطن مسلم ؟ « . وانما قال : فطن مسلم لانه لم يخرج حديث مسروق في الافك عن أم رومان. ج - روى الحافظ ابن حجر في ترجمة صفوان من الاصابة عن أبي داود عن أبي سعيد أنه قال : جاءت امرأة صفوان إلى النبي ( ص ) فقالت : يا رسول الله ( ص ) ان زوجي صفوان يضربني . ثم قال ابن حجر : وإسناده صحيح ، ولكن يشكل عليه أن عائشة قالت في حديث الافك أن صفوان قال : والله ما كشفت عن كنف انثى قط . . . . ثم ذكر أن البخاري قد انتبه إلى هذا التنافي ، ولذلك ضعف حديث أبي داود ليسلم حديث الإفك. د - أشكل على حديث الافك في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث أن ما جاء نجبه من محاورة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة يتنافى ووفاة سعد بن معاذ قبل ذاك بعام أو أكثر فانه كان قد توفي بعد غزوة بني قريظة ، وقد أجاب بعضهم عن هذا الايراد بان المحاورة في سيرة ابن هشام ومن تبعه من المؤرخين قد وقعت بين اسيد بن حضير وسعد بن عبادة وان ما في رواية ابن هشام أسيد بن حضير بدل سعد بن معاذ هو الصحيح وما في صحيح البخاري ومسلم خطأ في الاسم ووهم. أقول : وهذا الجواب غير واف فان اسم أسيد قد جاء في رواية الصحيحين بعد اسم سعد بن معاذ ونسب إلى كل منهما دور خاص في ذلك الموقف وهذا لفظ الصحيحين: فقام سعد أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك فان كان من الأوس ضربنا عنقه وان كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك . . . فقام سعد بن عبادة . . فقال لسعد : كذبت لعمر الله لا تقتله . . . . فقام أسيد ابن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين . . . الحديث. ففي رواية الصحيحين نسب إلى سعد بن معاذ الاقتراح بقتل القاذفين وإلى ابن عمه أسيد بن حضير مهاجمة سعد بن عبادة دفاعا عن سعد بن معاذ مع التصريح باسمه أسيد ونسبته من سعد. ويؤيد ما نرى من أن رواة الصحاح لم يوهموا ولم يخطئوا في ذكر الاسم ، وأنهم كانوا قد لحظوا التنافي بين موت سعد بن معاذ قبل غزوة بني المصطلق وحضوره في ذلك الموقف، انهم لم يصرحوا باسم الغزوة في صدر هذا الحديث الذي ذكر فيه اسم سعد بن معاذ وانما قالوا في غزوة غزاها بينما في سيرة ابن هشام لما لم يرد اسم سعد بن معاذ في روايتهم صرح باسم الغزوة وقالوا: (فلما كانت غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه..الحديث). ولعل الزهري قبل كل هؤلاء قد لا حظ بعض التباين والتنافي في أحاديث الافك المروية عن أم المؤمنين حين لم يأت بها على وجهها ، بل أدمج بعضها في بعض ثم قال: إن بعض القوم كان أدعى لحديثها من بعض. وفي هذا القول إشارة واضحة باختلاف الأحاديث التي أدمج بعضها ببعض ، ولو لا هذا التصرف منه لاستطعنا اليوم مقارنة تلك الأحاديث وتفهم الواقع التاريخي أكثر من هذا. ه? - خبر حد القذف : جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أيضا في ذيول هذه القصة انها قالت : « لما نزل عذري قام النبي (ص) على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم «. وفي رواية ابن هشام عنها : « ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن في ذلك، ثم امر بمسطح بن اثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش - وكانوا ممن افصح بالفاحشة - فضربوا حدهم «. هكذا جاء في ما روي عن أم المؤمنين غير انه لم يثبت إجراء حد القذف على واحد من هؤلاء ، فقد مر بنا قول الواقدي : (قالت - أي أم المؤمنين عائشة : فضربهم رسول الله (ص) الحد . . . ويقال : ان رسول ألله ( ص ) لم يضربهم وهو أثبت عندنا). وفي تراجم: أ - حسان بن ثابت: في أسد الغابة: عن هشام، عن أبيه - عروة بن الزبير- أن رسول الله جلد الذين قالوا لعائشة ما قالوا ثمانين، حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، وكان حسان ممن خاض في الإفك فجلد فيه في قول بعضهم وأنكر قوم ذلك. ب - حمنة بنت جحش : في ترجمتها في أسد الغابة: وقال بعضهم انها جلدت مع من جلد فيه - في الافك - وقيل لم يجلد أحد . وانما قال العلماء لم يضربهم الحد وأنكروا ذلك مع التصريح بذلك في ما رووا عن أم المؤمنين عائشة في الصحاح والسن والمسانيد ، لان حد القذف انما يثبت عندما يشهد الشهود امام الحاكم وفي وجه من يرمونه بالفاحشة ، كما وقع ذلك لأبي بكرة ونافع ابني الحارث بن كلدة الثقفي وشبل ابن معبد البجلي أمام الخليفة عمر بأن المغيرة زنى بأم جميل بنت الافقم وفي وجه المغيرة ونكل زياد بن أبيه عن الشهادة فأمر الخليفة بضربهم ثمانين جلدة ، وعلى اثر ذلك سقطت شهادتهم عن الأعتبار حتى اعلن نافع وشبل توبتهما فقبلت بعد ذلك شهادتهما ، ولم يتب أبو بكرة فكان لا يستطيع ان يدلي الشهادة في أمر إلى آخر عمره). وما جاء في الروايات المروية عن أم المؤمنين عائشة في قصة الافك ان كلا من عبد الله بن أبي ومسطح بن اثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ارجفوا بخبر الافك ، ولم يأت في تلكم الروايات أكثر من ذلك. وبناء على ذلك لا يثبت عليهم حد القذف ليجريه عليهم رسول الله (ص). هذا ما وجدناه عند العلماء من مناقشات حول ما روي عن أم المؤمنين في خبر الافك. 22-08-2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
محنة «الإفك» على عائشة
ففي رواية الصحيحين نسب إلى سعد بن معاذ الاقتراح بقتل القاذفين وإلى ابن عمه أسيد بن حضير مهاجمة سعد بن عبادة دفاعا عن سعد بن معاذ مع التصريح باسمه أسيد ونسبته من سعد. ويؤيد ما نرى من أن رواة الصحاح لم يوهموا ولم يخطئوا في ذكر الاسم ، وأنهم كانوا قد لحظوا التنافي بين موت سعد بن معاذ قبل غزوة بني المصطلق وحضوره في ذلك الموقف، انهم لم يصرحوا باسم الغزوة في صدر هذا الحديث الذي ذكر فيه اسم سعد بن معاذ وانما قالوا في غزوة غزاها بينما في سيرة ابن هشام لما لم يرد اسم سعد بن معاذ في روايتهم صرح باسم الغزوة وقالوا: (فلما كانت غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه..الحديث). ولعل الزهري قبل كل هؤلاء قد لا حظ بعض التباين والتنافي في أحاديث الافك المروية عن أم المؤمنين حين لم يأت بها على وجهها ، بل أدمج بعضها في بعض ثم قال: إن بعض القوم كان أدعى لحديثها من بعض. وفي هذا القول إشارة واضحة باختلاف الأحاديث التي أدمج بعضها ببعض ، ولو لا هذا التصرف منه لاستطعنا اليوم مقارنة تلك الأحاديث وتفهم الواقع التاريخي أكثر من هذا. ه? - خبر حد القذف : جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أيضا في ذيول هذه القصة انها قالت : « لما نزل عذري قام النبي (ص) على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم «. وفي رواية ابن هشام عنها : « ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن في ذلك، ثم امر بمسطح بن اثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش - وكانوا ممن افصح بالفاحشة - فضربوا حدهم «. هكذا جاء في ما روي عن أم المؤمنين غير انه لم يثبت إجراء حد القذف على واحد من هؤلاء ، فقد مر بنا قول الواقدي : (قالت - أي أم المؤمنين عائشة : فضربهم رسول الله (ص) الحد . . . ويقال : ان رسول ألله ( ص ) لم يضربهم وهو أثبت عندنا). وفي تراجم: أ - حسان بن ثابت: في أسد الغابة: عن هشام، عن أبيه - عروة بن الزبير- أن رسول الله جلد الذين قالوا لعائشة ما قالوا ثمانين، حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، وكان حسان ممن خاض في الإفك فجلد فيه في قول بعضهم وأنكر قوم ذلك. ب - حمنة بنت جحش : في ترجمتها في أسد الغابة: وقال بعضهم انها جلدت مع من جلد فيه - في الافك - وقيل لم يجلد أحد . وانما قال العلماء لم يضربهم الحد وأنكروا ذلك مع التصريح بذلك في ما رووا عن أم المؤمنين عائشة في الصحاح والسن والمسانيد ، لان حد القذف انما يثبت عندما يشهد الشهود امام الحاكم وفي وجه من يرمونه بالفاحشة ، كما وقع ذلك لأبي بكرة ونافع ابني الحارث بن كلدة الثقفي وشبل ابن معبد البجلي أمام الخليفة عمر بأن المغيرة زنى بأم جميل بنت الافقم وفي وجه المغيرة ونكل زياد بن أبيه عن الشهادة فأمر الخليفة بضربهم ثمانين جلدة ، وعلى اثر ذلك سقطت شهادتهم عن الأعتبار حتى اعلن نافع وشبل توبتهما فقبلت بعد ذلك شهادتهما ، ولم يتب أبو بكرة فكان لا يستطيع ان يدلي الشهادة في أمر إلى آخر عمره). وما جاء في الروايات المروية عن أم المؤمنين عائشة في قصة الافك ان كلا من عبد الله بن أبي ومسطح بن اثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ارجفوا بخبر الافك ، ولم يأت في تلكم الروايات أكثر من ذلك. وبناء على ذلك لا يثبت عليهم حد القذف ليجريه عليهم رسول الله (ص). هذا ما وجدناه عند العلماء من مناقشات حول ما روي عن أم المؤمنين في خبر الافك. 23-08-2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مجرد طروس تحتاج إلى النص الأصلي
إن الغاية من وراء التأكيد على «بشرية النبي»، في سياق الحديث عن الفعل الجنسي، مع كل الاعتراضات التي حاولنا تسجيلها على بعض «رواة الأحاديث»، فضلا عن تباين قراءة الفقهاء وتصنيفاتهم لبعض الروايات، ومن بينها تلك التي لا تنطلي على العقل.. هو إظهار أن النبي (ص) كان يمشي في الأسواق، وكان ابن البيئة التي أنجبته، وأنه لا يعتبر معصوما من الخطأ في شيء، إلا في جانب تبليغ القرآن فقط، حسب الاعتراف القرآني « قل إنما أنا بشر يوحى إليّ». أما في ما غير ذلك، فكان يحب النساء مثل غيره من رجال قبيلته الذين كانوا لا يتمالكون أنفسهم كلما تعلق الأمر بملء الجراب وامتطاء الجياد وسل السيوف للإغارة على مواطن الكلأ والماء، بسبب ما قلناه سابقا من سيادة اقتصاد الصحراء (الندرة). كما كان يبكي ويكتئب ويمرض وتنتابه الحيرة والغيرة، ويقع تحت سلطة الإغراء.. لقد كان النبي (ص) إذن- كما تبين الأحاديث، حتى التي يصنفها فقهاء السنة- يخطئ كغيره من البشر. وهذا ما أكده غير ما مرة، وفي أكثر من حديث، بقوله: «إنما أنا بشر وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون ألحن من بعض وأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها». وقد كان النبي (ص) يعمل أيضا بالقياس، حيث قال لابن مسعود: «اقض بالكتاب والسنة فإن لم تجد فيهما اجتهد رأيك». وموقفه من معاذ بن جبل معروف إذ سأله قبل أن يبعث به إلى اليمن:»بما تحكم؟ قال معاذ بكتاب الله، قال فإن لم تجد، قال فبسنّة رسول الله، قال فإن لم تجد؟ قال اجتهد رأيي، فقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحبه الله ورسوله». لقد عاش النبي (ص) حياة رجل فاعل ومنفعل، ولم يكن أبدا كتلة ضوئية سقطت من السماء وحافظت على نورها إلى أن غادرت الحياة. كما تميزت أحكامه، في الكثير من المواقف، بالمرونة، مما كان يقتضي تدخل الوحي لتعديل هذا القرار ونسخ هذا الحكم وتصحيح هذا الخطأ، كما كان عرضة للزجر الرباني. لكن الغرب أن غلاة المفسرين والفقهاء- حسب الباحثة سلوى الشرفي- ما زالوا «يعتمدون على بعض أقوال الرسول وأفعاله حتى وإن كانت متناقضة بوضوح مع القرآن أو فيما بينها، وينفون عنها الصفة البشرية ويصرون على أنها امتداد للوحي». وتضيف: «إلى جانب الأحاديث البشرية، توجد شبهات حول رواة الأحاديث وعملية جمعها وتدوينها. حتى أنه في عهد الخليفتين الأول والثاني منعت الرواية وأحرقت صحفها وفرض عمر ابن الخطاب حظرا على أبي هريرة لإكثاره الرواية عن الرسول». ويروى في مسلم (المقدمة): «لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث»، وهناك نماذج عديدة من هؤلاء الرواة المجروحين الذين لا تنطبق عليهم صفة الرّاوي الثقة، مما يبرهن على وقوع انحرافات كثيرة في عملية تجميع الأحاديث وتدوينها. وهي عملية تمت بعد قرن أو أكثر من وفاة الرسول. تقول الباحثة سلوى الشرفي: «لعبت التّناحرات السياسية دورا هاما في تفضيل تدوين أحاديث على أخرى. فبين لحظة القول والفعل النبوييْن ولحظة التدوين كانت الدول تتغير والفرق السياسية تتناحر وتتجادل وتبحث عن الحديث، أي القانون، المناسب لتأكيد مقولاتها». ولعل هذا ما يجعلنا نقول إن الفعل الجنسي، كما تم نقله عن النبي (ولو بلسان زوجته عائشة)، مجرد طروس كثيرة نحتاج إلى النص الأصلي كي نصادق عليها. وبسبب هذا النقص الحاصل، فهي تحتاج منا إلى وضعها تحت اختبارات العقل والمنطق، بدل النظر إليها كحقائق مطلقة ينبغي الامتثال إليها ووضع كل ناكر لها خارج دائرة الإسلام.. 27-08-2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» مشروع حياة : ليس الجابري فقط مشروعا فكرياً، بل هو مشروع حياة تعبر عن مرحلة بأكملها في تاريخ العرب المعاصر
» لا حياة لمن تنادي..
» حياة بوخريز
» حياة بوخريص
» حياة الادريسي
» لا حياة لمن تنادي..
» حياة بوخريز
» حياة بوخريص
» حياة الادريسي
صفحة 2 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى