صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عائشة، محْبوبةُ النبيّ

صفحة 1 من اصل 3 1, 2, 3  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty عائشة، محْبوبةُ النبيّ

مُساهمة من طرف izarine الثلاثاء 31 يوليو 2012 - 0:50



«ليستْ
جونفييفْ شوفيل غريبة عن الثقافة العربية الإسلامية وتاريخها. ففضلا عن
قضائها جزءا من طفولتها في كل من الجزائر وسوريا، فقد سبق لها أن نالت
الجائزة العالمية «الأمير فخر الدين» عن كتابها «صلاح الدين موحّد
الإسلام». وفي كتابها «عائشة، محبوبة النبيّ»، اختارتْ أسلوبا آخر للحديث
عن علاقة عائشة بالرسول، هو أسلوب التخييل التاريخي الذي يمزج بين الحدث
التاريخي والمتخيّل. غير أنّ نسبة الواقع هنا تتجاوز التخييل. لقد حياة
عائشة مع الرسول حياة ملحمية، بل إنها تنطوي على الكثير من الرومانيسك
بالمعنى الإنساني العام. وقد خلّفت عائشة الكثير من المرويات والمحكيات
والأحاديث عن حبّ الرسول لها وتعلّقه بها، بل حتى عن بعض حميمياتهما. في
هذا الكتاب، تتبع شوفيل المسار التاريخي، السير ذاتي، لشخصية عائشة كما
يرويها كبار الأخباريين: ابن إسحاق، الطبري، البخاري، الواقدي وغيرهم، كما
تعمد إلى إعادة وضع عدد من الآيات القرأنية في سياق هذا المسار. إنه كتاب
يتعيّن قراءته بمتعة العيْن الروائية وليْس بعين المرجعية التاريخية
المبثوثة في كتب المؤرخين ونصوص السيرة.»


جونفْييفْ شوفيلْ


الليلُ يسدل ستاره على مكّة. والمدينة تندمس وتتكوّم داخل عشّها المحاط
بجبال مائلة إلى الزرقة. والأصوات تتضاءل شيئا فشيئا. رياح الصّحراء تندفع
على طول الأزقة الضيقة، تطرق أبواب المنازل، وتقرع النوافذ. والدواب بدورها
تضرب الأرض بحوافرها تعبيرا عن انزعاجها. جميع البيوت تخلد للنوم تباعا،
إلا واحدة غير بعيدة عن المركز ظلّت ساهرة الليل كله. بيت كبير يعرفه
الجميع جيّدا، تحيط به جدران طينية مرتفعة. ربّ البيت أبو بكر، تاجر مشهور
بثروته الكبيرة ومعرفته الواسعة. كان الناس ينصتون إلى كلامه الموزون وإلى
أحكامه السديدة.
من خلف مشابك المشربيات، كانتْ تلوح حركة غير عادية لمصابيح يدوية، وأشباح
بشرية تجري هناك وهناك. ومن فناء البيْت وصولا إلى الغرف، كانتْ تُسمع
وشوشات وهمسات ونحيب نساء خشية أنْ يحدث سوء لأمّ رومان التي كانت تتوجّع
وتعاني من آلام الوضع، والعاجزة لحدّ الآن عن أنْ تضع مولودا منذ مدّة وهو
يتحرّك في بطنها. بالقرب منها، داخل غرفة فسيحة، مغطّاة بزرابي وثيرة،
تتبعها عيون المولّدة: أمّ عمّار التي تعتبر أفضل وأشهر مولّدة خبيرة.
مباشرة بعد وصولها، مع آلام المخاض الأولى، والشمس في كبد السماء، عرفت
المولدة حجم الخطر الذي كان يتهدّد الأمّ: فقد كان رحمها ضيّقا للغاية لا
يسمح بخروج المولود.
وباحتشام وحياء، كان أبو بكر يقف وراء ستار غرفة الأمّ باكيا منتحبا خوفا
على زوجته. لقد كانت أمّ رومان زوجته المحبوبة. امرأة ذات جمال أخّاذ، وقدّ
ممشوق، وبشرة حريرية، بيضاء كالحليب، لها عينان سوداوان، وشعر نحاسي اللون
محمرّ كجمر متّقد. (يروي ابن سعد في «طبقاته» أنّ الرسول قال عنها: «من
سرّه أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظرْ إلى أمّ رومان»). لذلك
فمنذ الصباح الباكر وأبو بكر يرتجف من الخوف.
هل كان الوضع محنة كبيرة وقاسية إلى هذا الحدّ؟ لقد سبق لزوجة أبي بكر
الأولى أنْ لفظت أنفاسها وهي تضع مولودها، طفلة أطلق عليها لقب «أسماء».
لذلك فقد كان يتذكّر الأسى والوحدة في آن. إلى أنْ دخلت أمّ رومان حياته،
وعرفتْ كيف تُدخل الدفء على قلبه. فهل ستتكرّر المأساة ذاتها؟
خاطبته المولّدة بصوت أجشّ قائلة:
- «سيّدي أبا بكر، ما الذي ترغب فيه، الجنين أم فقدان الاثنين معا؟».
كان حدّة الألم قد تزايدت وتفاقمتْ، مما جعل أمّ رومان تصرخ وتتلوّى من شدة
الألم. بجانبها، جارية صغيرة تربّت على بطنها بغصن من شجر النخيل، بينما
كانت أمّ عمار تستعمل جميع فنون التوليج التي تعرفها لكن بدون جدوى.
وبمساعدة الجارية، ربطت يديْ أمّ رومان بقوائم السرير، ثمّ رفعته طولا، كما
جرت العادة آنذاك، وبدأت في محاولة إخراج الجنين. مرّت الساعات بطيئة،
وحلّ الغسق الذي بدا في نشر الظلام على الوادي. وعلى ضوء المصابيح، اقتربت
أمّ عمّار من الستار، وقالت بصوت منخفض:
- يا أبا بكر، لقد حان الوقت، ادخل ودّع زوجتك، فلا بدّ من فتح بطنها.
صرخ أبو بكر وهو يضرب الأرض برجليه:
- كلاّ? لن تقتليها? وإذا ماتت فلنْ تخرجي حيّة من هذا البيت.
ثم بادرته بالسؤال:
- هل تريد أن تفقد الجنين والأمّ؟
وعادتْ المولدة نحو السرير الذي تعلق فيه الأمّ الممتقعة اللون والتي لا
تتنفّس إلا بصعوبة كبيرة. ومن داخل سلّتها، أخرجت سكينا دقيقا من الفولاذ
الدمشقي، والذي بواسطته نجحت في إخراج عدد كبير من الرضّع في مكّة إلى
الوجود.
قالت لأبي بكر وهي تشحد السكين:
- على ماذا قرّ عزمك يا أبا بكر؟
فأجاب:
- توقفي، هناك أمل آخر: هي يد خديجة? التي استطاعت تحقيق المعجزات لمحمد في الأزمة التي انتابته.


تقديم وترجمة: مصطفى النحال

21-07-2012

فسحة - الاتحاد الاشتراكي


عدل سابقا من قبل izarine في الثلاثاء 31 يوليو 2012 - 1:00 عدل 1 مرات
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty السيدة خديجة تنقذ والدة عائشة

مُساهمة من طرف izarine الثلاثاء 31 يوليو 2012 - 0:54


وبأمْر
من أبي بكر الصديق، هرع أحد صبيانه إلى فتح الباب الكبير والخشبيّ للبيت،
مندفعا عبر أزقّة المدينة الضيقة ليصل إلى بيت السيدة خديجة غير البعيد
كثيرا. كان الوقت متأخرا بطبيعة الحال، غير أنها استقبلته بكل سهولة. فلم
تكن تلك هي المرّة الأولى التي يبعثه فيها أبو بكر رسولا إلى صديقه الحميم
محمّد، زوج خديجة الجليل.
بادرها لها الصبيّ لاهثا ومستعطفا:
- سيدتي تعاليْ بسرعة، إنّ سيدي ينتظرك، وهو في أمسّ الحاجة إليك.
غيْر أنها ردّت قائلة:
- لا أستطيع مغادرة البيت، فأنا بدوري قلقلة لأنّ محمدا لم يصل إلى البيت بعدُ.
كانت خديجة بنت خويلد من أبرز نساء قريش نسبا، وأعظمهنّ شرفا، وأكثرهن
مالا. وكانت قبل عشرين سنة قد اختارت رجلا وسيما وذكيا ليخرج في تجارتها
مؤتمنا عليها. لذلك أحسنت معاملته وأجزلت عطاءه واجره، ثم اختارته زوجا
ثالثا لها: إنه محمد بن عبد الله بن هاشم. كان عمره آنذاك خمسة وعشرين سنة،
بينما كانت هي تبلغ أربعين سنة من عمرها. ورغم فارق السنّ، فقد نجح
الزوجان في العيش في انسجام تام، كما أنّ بيتهما كبُر بإنجاب وَلَد ذكر،
وافته المنيّة منذ نعومة أظافره، وأربع بنات.
لكن في إحدى الليالي، ليلة الاثنيْن، التي صادفت اليوم الثاني عشر من شهر
ربيع الأول، كان محمد قد سمع صوْتا لا يتوقف عن ملاحقته وإخباره عن إله
واحد ووحيد اختاره لكيْ ينشر دينه الجديد. منذ تلك اللحظة وهو يدخل في حالة
هذيان معتقدا أنه أصيب بمسّ من الجنون. ولم يكنْ يعود إلى هدوئه ويشعر
بالارتياح إلا في حضن خديجة التي تربّتُ عليه وتطمئنه.
أضافتْ خديجة وهي تدرأ البيت بانفعال شديد طولا وعرضا:
- هذا الأمر ليس عاديا، إنه تأخّر في الصحراء.
فوق فستانها المصنوع من الحرير الأصفر، كانت ترتدي «عباية» من جلد الجمل، جيّدة الصنع تخفي ملامح جسمها.
قالتْ موضّحة للصبيّ:
- كان منفعلا جدّا حين غادر البيت، وكان يضرب رأسه معتقدا أنّ لعنة ما
تطارده. وكلّ ما أخشاه هو أنْ يوحي له الليل بارتكاب حماقة ما. غير أنّ
الصبيّ ردّ عليها مشددا:
- يا أمّ القاسم، إنّ أمّ رومان تحتضر، فالجنينُ الحيّ يأبى أنْ يخرج من
بطنها. ويقول مولاي بأنّ يديْك تصنعان المعجزات، وهما قادرتان على إنقاذها
بما أنهما يشفيان محمّدا.
وهمهمتْ قائلة:
- إنهما تخففان من آلام محمّد لأنّ الله هو الذي يشاء له ذلك، وهو الذي
يعطيني تلك القوّة. إنّ الإنسان الذي اتخذته زوْجا لي لا يشبه أحدا، لا
يشبه الآخرين. الله اختاره، وهو لحدّ الآن لا يريد أن يصدّق هذا الأمر. وما
دام خائفا فإنه سوف يعاني، وسيظلّ ليديّ شرف علاجه.
أطرق الصبيّ رأسه متضايقا من كلامها. فهو لا يعنيه أمر هذا الرجل الذي يسمع
أصواتا تخبره بأنه هو النبيّ. فقد عاش غيره من قبل الوهم نفسه لكن بدون
جدوى. المدينة برمّتها تتهكم من هذه الأخبار مرددة بأن تاجرا بمثا هذه
السمعة الطيبة يتيه في الصحراء. لكن ماذا سيقول سيده إذا لم يجلب معه
المرأة المعجزة التي طالب بإحضارها؟ فلو عاد بخفيّ حنين لأثار بذلك ثائرة
أبي بكر المخيفة. وكان هذا المصير المنتظر هو الحافز الذي حمله على مواصلة
طلبه قائلا:
- إذا كان الله موجودا، كما تقولين، ألا يريد أنْ يبقي زوجة أبي بكر المحبوية، الذي أخلص بدوره للدين الجديد؟
هذا الكلام سيمسّ خديجة في العمق، ويجعلها تتسمّر في مكانها مصفرّة اللون. وقالت مهمهمة:
- أقسم بالله أنّ كلامك هذا أخجلني كثيرا. وبعد كلّ هذا وذاك ، ألمْ يرسلك الله إليّ للقيام بفعل حسن؟
اقشعرّ بدنها قليلا، ثمّ أضافت بنبرة مطمئنة بعد تفكير:
- إنّ الله عادل ورحمان رحيم. وقدْ يعاقبني إذا لم أبادر إلى تلبية نداء
الصديق المفضّل لزوجي، وأخيه وأقرب سند له. وحتى محمد فإنه سوف يلومني
كثيرا، هو الذي يكره القسوة لم يسبق له أن عاملني بشدّة وخشونة.
وسرعان ما نسيتْ خديجة مرحلة التردّد التي عاشتها، وأصدرتْ بعض الأوامر
لخدمها، ثمّ غادرت بيتها لكيْ تسرع إلى الالتحاق بسرير أمّ رومان. كانت هذه
الأخيرة تتنفّس بصعوبة كبيرة، في بيت شديد الدفء بفعل مواقد النار
المشتعلة. كانت المسكينة تبدو كأضحيّة معلقة ومهيّأة للذبيحة. ودون أن تضيع
وقتا كبيرا في تقديم التحية والسلام، حدجتْ خديجة المولّدة المسلّحة بسكين
حديدية في يديها بنظرة شزراءَ، ووضعتْ راحة يديْها بكلّ هدوء على بطن
المرأة المسكينة المعلّقة. بقيتْ هكذا دقائق طويلة غير آبهة بالجارية التي
تقلب الساعة الرّملية. لم يكن يهمّ خديجة ما إذا كانت العملية قد طالت ثلاث
مرات أو ستّ أو عشرة. كانت تنتظر النتيجة بفارغ الصبر. وفجأة، انتاب بطن
أمّ رومان ألم شديد، بحيث دوّى في الليل صوت صراخها كلّ أرجاء البيت الذي
تجمّدت الحركة داخله. وبدأ كلّ واحد يتساءل: « هلْ هي ساعة الخلاص قد
حلّت.....أم أنه الموت المحقّق؟»


23-07-2012



izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty ميلاد عائشة

مُساهمة من طرف izarine الثلاثاء 31 يوليو 2012 - 0:57

كان الصمتُ السائد مثيرا للغاية.
في الخارج، صوت الجمّال يردّد:
- لقد انبلجَ الصبح...هيّا لنذهبْ?
ومثل الصدى المدوّي، انطلق صراخ المولود مالئا كافة أرجاء الغرفة. أما أبو
بكر، فإنّ دموعه سرعان ما انهمرتْ من عينيْه تعبيرا عن فرحته الكبيرة. لقد
سمع للتوّ صوت مولوده الجديد، وهو صبيّ ذَكَر على الأرجح. ثمّ إن حركة
الجواري داخل البيت تزيده اطمئنانا أكثر. غير أنّ إحساسا غريبا بالقلق
انتابه في النهاية، وقضّ مضجعه حين أزاحَ الستار من أجل رؤية محبوبته، التي
وجدها راقدة مرهقة... لكنها حيّة تُرزق.
ردّد بصوْت مرتفع ساجدا وفق الطقوس الجديدة التي جاء بها محمد:
- الله أكبر?
بعد ذلك أسرع إلى السرير، وجلس ينظر غلى جميلته التي ابتسمت له بوهن، وقالت له بنبرة حزينة ومستسلمة:
- آسفة، إنها طفلة، يمكنك أن تغرقها إذا شئتَ1.
كيف يمكنه إخفاء خيبته؟ فقد كانت رغبته هي أن تخلّف له طفلا ذكرا. فمن زواج
سابق2 كان قد خلّف ابنا هو عبد الله الذي اصبح رجلا، وبنتا هي أسماء التي
ساعدته كثيرا في أعماله التجارية. ومن هذه الزوجة الثانية، الشابة
والجميلة، كان ينتظر، فضْلا عن الحب، أن تعطيه فرصة إنجاب وريث آخر له. وقد
عاش على هذا الأمل طيلة تسعة أشهر، الأمل الذي تحوّل، مع مرّ الأيام،
يقينا كبيرا. كان يريد أن يبرهن لسكّان المدينة على أنه حافظ على فحولته
رغم شعره الذي خطّه الشّيب، واللحية البيضاء التي كان يصبغها بالحنّاء من
أجل إخفاء آثار السنين التي تجاوزت الأربعين. وكان قد تضرّع لله، ربّ
الكون، طالبا منه أمنيته التي لم تتحقق.
اقترب من السلّة الجلدية التي هي بمثابة مهد وضع داخله الرضيع لكيْ يكتشف
سبب معاناته. غير أن قلبه البارد سرعان ما تهاوى أمام هذا الوجه اللطيف
المحاط بشعر أحمر. انتابه شعور غريب حين أمسك الأصبع الصغير اليدَ التي
اقتربت للمسه، وأطبق عليها بقوة مثيرة.
قال أبو بكر ملتفتا في اتجاه الزوجة:
- ما الاسم الذي سنطلقه عليها؟
- نسميها باسم والدتي التي كان شعرها أحمر كذلك: عائشة?
في هذه اللحظة انطلقت زغاريد النساء المتواجدات داخل الغرفة، معبّرات عن ارتياحهنّ وشكرهنّ بعبارة «الله أكبر».
في بداية القرن السابع الميلادي هذا، كانت العادة السائدة في شبه الجزيرة
العربية هي إغراق البنات. وهي عادة تلقفها القرشيون، أسياد مكّة وحرّاس
المعبد، عن أسلافهم منذ غابر العصور. وكانت تسمح للأغنياء بالزيادة في
اغتنائهم على حساب الضعفاء، ولم يكن المعوزون يأملون سوى في كونهم باقين
على قيد الحياة. أما النساء، فلم يكنّ سوى مجرّد إناث يلدن ويضمنّ للرجال
نسبا من الورثة، ويوفّرن لهم المتعة الجنسية. كانت النساء مجرّد بطن وجنس
وسلع تباع أو تستبدل بالخرفان والجمال. وسواء أكنّ زوجات أو جواريَ أو
مومسات، فكلهنّ كائنات دونية حاضعات لقانون السّيّد الذي له الحقّ، علاوة
على ذلك، في وأْدهنّ حيّات أو إغراقهنّ، إذا شاء الحظّ التعس، أن يولدن عوض
طفل ذكر مرغوب فيه ومنتظر من أجل كبرياء العائلة وشرف القبيلة.
ومنذ أن سمع الصوت، تكلّم محمد لغة أخرى. أولئك الذين استمعوا إليه من
محيطه القريب، أثارهم صواب خطابه ووضح رسالته. وكانت خديجة، بدافع من
حدسها، هي أوّل من اعتنق الديانة الجديدة، ولم يتأخّر في السّير على
منوالها أبو بكر، مأخوذا بسحر وجمال خطاب صديقه الذي كانت له الشجاعة على
أن يقف في وجه عبادة الأصنام والجهر بقوة الإله الواحد. لذلك قبل بدوره هذا
الدين الجديد الذي يُسمى «الإسلام».
قال وهو ينظر إلى صبيّته في مهدها:
- يا عائشة، هذا هو اسمك، بارك الله فيك لأنه أحياك?
وردّت عليه خديجة قائلة:
- أعلم حسن طويّتك وسلامة قلبك، جازاك الله على ذلك.
استجمعتْ أمّ رومان قوّتها، واستقامت مستندة إلى الوسادة، ثمّ مدّت يديها إلى زوجها قائلة:
- أنت حكيم سيدي. وهذه الطفلة سوف تكون نورنا وعسل حياتنا. انظر إليها كم هي جميلة، ويخامرني إحساس بأنه سيكون لها شأن عظيم.
انحنتْ خديجة على المهد وهي تمسحُ دمعة من عينيْها، ولسانُ حالها يقول
بأنها فعلت خيرا حين تبعت صبيّ أبي بكر ملبّية نداءه. وبفضل الله استطاعت
يداها إنقاذ امرأة حامل كانت تصارع الموت من أجل إعطاء الحياة لمولودها
الذي يستحق المجيء إلى هذا العالم. وبعد الانتهاء من عملها، استعادتْ
الانشغال بموضوع زوجها، ثم التفتت إلى أبي بكر وأسرّتْ إليه:
- إنّ محمدا يشغلني كثيرا، فلنذهبْ إلى الصحراء للالتحاق به، وسوف يكون سعيدا بسماع الخبر.
وافقها الرأيَ أبو بكر، ثم أعطى أوامره لنفر من الخدم الذين جهّزوا
المصابيح والجمال استعدادا للخروج. ثمّ سرعان ما فُتح الباب الخشبيّ على
الزقاق المكسوّ بالرمل الذي يتلألأ تحت أشعة القمر. وعلى ضوء نجوم السماء،
غادر الطابور الصغير المدينة بخطى خافتة.

غدا: مولد عائشة ونزول
الوحي على محمّد

1 تشير شوفيل هنا إلى عادة وأد البنات أو إغراقهنّ في النهر خشية الفقر أو
دفعا للعار والشتيمة. وهي العادة التي كانت سائدة في العديد من القبائل
العربية في مرحلة ما قبل الإسلام. (المترجم).
2 زوجة أبي بكر الأولى هي قتيلة بنت عبد العزى: اختلف في إسلامها، وقد ولدت
له عبدالله وأسماء وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية وهي التي جاءت بعد
الإسلام بهدايا لابنتها في المدينة فأبت أسماء أن تصلها لكونه كافرة حتى
سألت الرسول فقالت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي قال: نعم صلي أمك.
رواه البخاري.(المترجم)

24-07-2012
جونفْييفْ شوفيلْ / تقديم وترجمة: مصطفى النحال
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty عائشة، «السيدة الصغيرة»

مُساهمة من طرف izarine الثلاثاء 31 يوليو 2012 - 10:36

كان هذا العالم الصغير
يغمرها بالعناية. وقد كان يرقّ لأمّ رومان جمال ابنتها، أما أبو بكر، فقد
كان في غاية السعادة لكونه لم يقتل ابنته. وسرعان ما انتبه إلى ذكائها
الوقّاد ونضجها وذاكرتها المذهلة
وكان أبوها فخورا بذلك، فعائشة باتتْ تمثل بالنسبة له استمرارا لنسبه
العلمي المستحق. لذلك فكّر في أن يجعل منها امرأة عالمة، ويفتح في وجهها
مآت القراطيس الثمينة المحفوظة في رفوف خزانته.
ودونما تأخير، شرع في تعليمها مبادئ المعرفة وعناصر من تاريخ الشعوب
والقبائل العربية وأنسابها، دون أن ينسى الحديث إليها عن الله الواحد، خالق
الكون، وعن رسوله محمد صديقه. وكان محمد كلما زار أبا بكر في بيته، تفاجئه
عائشة باستظهار الآيات التي تلقاها من جبريل، والتي لقنها إياها والدها.
كان يكفيه أن ينصت إليها بانتباه لتكشف عن ذاكرة قوية.
ذات صباح، في خريف 619، في زاوية من الباحة الشاسعة التي تنتصب وسطها نخلة
وحيدة كبيرة، جمعت عائشة حولها بعضا من صديقاتها من بنات الجيران، كلهنّ من
نفس السن، وكن يرتدين جميعا فساتين مخططة أو مطرزة ببعض التوشيات
الجانبية. ضفائرهنّ السوداء ملفوفة بأشرطة متعددة الألوان الزاهية، وعيون
سوداء في وجوه داكنة.
كانت «السيدة الصغيرة»، كما كان يطلق عليها أهلها في البيت، عن باقي
صديقاتها، في المقام، الأول، بلون شعرها وقامتها المرتفعة قليلا، ونبرتها
التحكّمية. كانت هي التي تختار نوعية اللعبة، وهي التي تقرر ما ينبغي فعله،
وهي التي تأمر. وبعيدا عن أكياس السلع المتراكمة، وحركة ذهاب وإياب
الدوابّ، على وسادات مزركشة بالقصب، مصطفة في ظل حيطان عالية، كانت عائشة
تستعرض أمام صديقاتها المنبهرات مجموعة من الدمى التي جلبها لها والدها من
رحلاته المتعددة عبر الأقطار والأصقاع البعيدة. كانت هذه الدمى ترتدي
فساتين هذه البلدان البعيدة المليئة بالخيرات، والتي كانت تصل إليها
قوافله. كما كانت تعرض أمامهن بعضا من الثياب النفيسة المزركشة والمخملية.
كانت الصغيرات يتأملن هذه المعروضات بنوع من الإعجاب، حالمات بهذه العوالم
البعيدة والمجهولة حيث النساء ملكات يلهبن قلوب الرجال بجمالهنّ. وكانت كل
واحدة منهنّ تروي تباعا حكاية عن ملكة من الملكات الأسطورية: كليوباطرا، أو
بلقيس، أو ملكة سبأ. ومن داخل صندوق القصب، أخرجت بلطف حيوانات بأجنحة من
الخزف الأزرق.
فجاة، سُمع صوت رجولي جعل هذا الجمع الصغير يُفاجأ مذعورا:
هذه لعب غريبة.
وحين تعرفت المجموعة الصغيرة على صوت محمد، تفرقت خجلا كأنها سرب من الحمام يبحث عن ملاذ.
وحدها عائشة ظلت متسمرة في مكانها أمامه، وأجابته برباطة جأش:
إنها جياد.
غير أنه ردّ عليها ضاحكا:
الجياد لا أجنحة لها.
هل نسي رسول الله جياد سليمان؟
قال بنوع من التهكّم:
أنت صبية عالمة أيتها الحُميراء.
في هذه الأثناء، خرج أبو بكر وقد تعرّف على صوت صديقه، من مخازنه، قصد
استقباله، وزجر ابنته مذكّرا إياها بالتواضع والاحترام اللائق من طرف بني
جنسها، وباللياقة الواجبة تُجاه الزّوار.
غير أن محمدا بادره بالقول:
لا تكن قاسيا. فمن حقّ الأطفال أن يتسلّوا ويضحكوا. ونحن الذين لا ينبغي لنا أن نقاطعهم. وأضاف ملتفتا نحو عائشة:
أجل، معك الحق أيتها الغزالة، كانت لجياد سليمان أجنحة مثلها مثل ملائكة الله.
نظر إلى الصبية نظرة مطوّلة، وكانت هي تلاحظ ذلك خلسة. في هذه الأثناء أخذه أبو بكر من ذراعه متسائلا:
بالله عليك، يبدوا الفرح على محياك. وهذا يثلج صدري. فهل تريد أن تخبرني بشيء ما؟
كان محمد قد فقد قبل أسبوعيْن زوجته الوحيدة، خديجة..منذ ذلك اليوم المشؤوم
وهو يبكي المرأة التي ظلت مدة خمس وعشرين ينة مشغّلته وشريكته وزوجته
ومحبوبته، وسيّدة بيته، وأمّ أولاده. وفوق هذا وذاك كانت هي أمينة سرّه
وأوّل من اعتنق الإسلام، وخير سند لدعوته.
وإمعانا في اختباره، أخذ الله بعد ثلاثة أيام عمّه أبا طالب، رأس قبيلة بني
هاشم الذي كان قد ربّاه صغيرا. فقد كان لهذه الوفاة وقع تفاقم فقدان
الأمل. فهي لا تعني فقط فقدان قريب مخلص له ومتضامن معه، تبناه مثل ابنه
تماما، لكنها تعني كذلك وبالخصوص نهاية حماية سياسية، الأمر الذي كان يعني
تبعات خطيرة. وفي غياب هذه الرعاية سيكون مستقبله في مكة مسألة اتفاق
وتسوية.
ومنذ تلك اللحظة تاه محمد مثل روح مجروحة، وبدأ في التساؤل: ألم يكن هو المسؤول عن كل هذه المآسي؟
قبل أربع سنوات، كان قد استسلم لجبريل الذي أخبره ذات ليلة بأن الوقت كان
قد حان لإعلان الدين الجديد، ودعوة عبدة الأصنام إلى توحيد الله. من أجل
ذلك توجّه إلى دار الندوة، القريبة من الكعبة. هناك روى لهم رؤاه، كما حكى
لهم ما أملاه عليه جبريل، داعيا الجميع إلى عبادة الله الواحد الأحد،
ونسيان العزى واللات ومناة وباقي الآلهة الأخرى إذا أرادوا النجاة من عذاب
النار.
كل هذا أغضب سادة قريش، الذين قاموا بإخراجه من الكعبة، في الوقت الذي
استهزأ فيه سكان مكة من كلامه, وكان قد تحمّل في صمت مختلف أنواع السخرية
والازدراء. بل لقد بلغ بهم الأمر إلى حدّ رميه والاعتداء عليه وعلى الأوائل
الذين تبعوه، ومعظمهم من العبيد.


جونفْييفْ شوفيلْ / تقديم وترجمة: مصطفى النحال

27-07-2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty فكرة الهجرة إلى الطائف

مُساهمة من طرف izarine الثلاثاء 31 يوليو 2012 - 10:38


كان
سادة قريش قد اعتبروا محمدا مزعجا وكذّابا، بل ومسخّرا من جهات خارجية.
أكثر من ذلك، لقد بلغ بهم الأمر إلى حدّ اتهامه ب»الأبْتر»1، وهو الوصف
الذي ردّ عليه النص القرآني بقوله:»إنّ شانئكَ هو الأبتر» (سورة الكوثر،
الآية 3). بعد ذلك توالتْ سلسلة من الشتائم والتحرّشات، وكانت جماعة صغيرة
من الذين أسلموا قد هاجرت إلى الحبشة، وهي بلاد كانتْ تعتنق المسيحية
القائمة على مبدأ التوحيد، بينما بقي الآخرون داخل مكة إلى جانب الرسول
الذي لو يتوانَ في الاستمرار في نشر دعوته. بل كان كلّ يوم يذهب إلى جوار
الكعبة من أجل شرح تعاليم الدين الجديد، وتقديم المعاني الحقيقية للقيامة
والجنّة والنار. ولإقناع العرب البدْو الذين كانوا يطالبونه بالإتيان
بمعجزات عينيّة، كان يقول لهم:» إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ
وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ» (سورة فصّلت، الآية 6).
وبالمقابل، فإن إصرار محمد على التمادي في نشر دعوته والتعريف بها، مكّنه
من كسب حلفاء جدد، وبخاصة من بين أعيان قريش، أما الفقراء والعبيد، فإنّ
معظمهم ارتدّ بسبب التعذيب، وخوفا على حياتهم. وحين طفح الكيل بسادة قريش،
لذكره آلهتم بالسوء، ناصبوه العداء، وسعوا إلى قتله لكن بدون جدوى. لذلك
طلبوا من محيطه العائلي المقرّب أن يسعى إلى ثنيه عما يقوم به. فاتصلوا
بعمّه أبي طالب، الذي لم يعتنق الإسلام، وبقي وفيّا لعلاقات الدّم
والتضامن القَبَليّ، وشكوا له أن محمدا سبّ آلهتهم وعاب دينهم، والحلّ هو
أن يكفّه عن ذلك أو يترك الأمر بينه وبينهم من أجل تصفيته.
وحين طلبوا منه أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدون هم إلهه سنة، أجابهم قائلا:»لا
أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم
عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين»(سورة الكافرون).
منذ هذه اللحظة بالذات، بدأ محمّد، الوحيد والحائر، في تكثيف زياراته
اليومية إلى بيت أبي بكر الوفيّ المخلص. وبعد أداء الصلاة، كان الصديقان
يخوضان في نقاشات طويلة حول مستقبل الدين الإسلامي، وكيفية تطويره وتوسيعه
ليصل إلى مناطق وأصقاع أخرى؟ لقد باتت مكّة تشكّل بالنسبة إليه أفقا مظلما.
لكنّ السؤال الذي كان مطروحا هو: أية بلاد أو أيّة مدينة يمكن المغامرة
بالذهاب إليها؟ وحين جهر أبو بكر بها السؤال، أجابه محمد قائلا:
- الله سبحانه وتعالى سوف يخبرني باسمها، وبالتوقيت الذي يتعيّن فيه الخروج من مكّة?
وما هي إلا فترة قصيرة حتى قدم عند أبي بكر مبشّرا إياه:
- سنذهب إلى الطائف، توجد هناك وفرة في الخضر والفواكه، مثلما يوجد هواء
صحّي وحياة ملائمة، شريطة أن يستقبلنا أهلها، ويقبلوننا بديننا وشعائرنا.
كانتْ هذه العبارات تصل إلى سمْع عائشة، مثلما كان يصل إليه كلّ ما يصدر عن
هذا الصديق الغامض لوالدها، والذي بات جزءا من حميمية البيت والعائلة.
غيْر أنها ما تزال بعدُ صغيرة لكيْ تعرف وتفهم تفاصيل وجزئيات الرّسالة
الإلهية، والصعوبات الحقيقية التي تعترضها.
وفي الوقت الذي خرجتْ فيه الفتيات الصغيرات من مخابئهنّ، بعد أن احتميْن بها خوفا من محمد، توجّهت إليهنّ عائشة موبّخة:
- محمّد ليس شيطانا، ولكنه رسول الله. وهو يحبّ الأطفال، فلماذا تهربن منه؟
وهو اليوم لا يبكي كالأيام السابقة، ولو لمْ يخرج أبي لكان قد لعب معنا.
ردّتْ إحداهنّ، واسمها هنْد قائلة:
- هذا أمر مستحيل? إنّ الرجل لا يلعب مع الصغيرات، وخصوصا إذا كان نبيّا.
بينما أضافتْ أخرى بأنه دجّال لا ينبغي الاقتراب منه. وأضافت ثالثة بأن
أباها يريد تصديقه لكنه كان ينتظر علامة ومعجزة للقيام بذلك. غير أنّ
الطفلة عائشة ردّتْ عليهنّ قائلة:
- أخبركم بكل يقين بأنه يقول الحقيقة. إنّ أبي يعرف الكَذَبَة، كما يعرف
الشيء الكثير في الحياة لأنه متمرّس، وهو متأكد من حسن طويته. لذلك صدّقه
واعتنق ديانته بدون تردّد وأنا تبعته في ذلك.
ثم جلستْ أرضا، وتحلقتْ حولها البنات، وقالت إحداهنّ:
- إن أمي تختصم كثيرا مع أبي بسبب الرسول، وهي تقول بأنه يوما ما سوف يتبعه
الجميع لأنه لا يعلّمنا سوى العدل والإحسلن وحسن المعاملة، وخصوصا تُجاه
النساء. وقد هددها والدي بالطلاق إنْ هي عادت وكرّرت نفس هذا الكلام
الأخرق.
انحنت عائشة نحوهنّ وقالت بصوت منخفض:
- هل ترغبن في معرفة أمر سرّي؟ إن الرسول لا يريد الزواج مرة أخرى، كما
يفعل الذين تموت زوجاتهنّ. لقد كان يجب زوجته العجوز خديجة كثيرا، وبالتالي
لا يمكنه نسيانها. وهناك الكثير من النساء في المدينة اللواتي يرغبن في
الزواج منه، لكنه رفض. فهو يحافظ على قلبه للزوجة التي فارقته. فمن أجلها
يبكي، وحين رآنا توقّف عن البكاء.
غدا: جُبير، خطيب عائشة
في مهدها

1 الأبتر في اللغة لها عدة معاني، فهي تعني الإنسان الخاسر، كما تضير إلى
كل أمر انقطع من الخير أثره فهو ،بتر، غير أن سادة قريش استعملوها في سياق
قدحي شخصي، وهو انه إذا مات اولاد الشخص الذكور أو ليس له اولاد ذكور أصلاً
(المترجم).


جونفْييفْ شوفيلْ / تقديم وترجمة: مصطفى النحال

28-07-2012


izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty جبير، خطيب عائشة

مُساهمة من طرف izarine الثلاثاء 31 يوليو 2012 - 10:41

أمام الوقع الكبير الذي خلّفه كلام عائشة على صديقاتها، بصدد الرّسول وزوجته خديجة، ستضيف قائلة:
- هل تعتقدْن أننا سنحصلُ على أزواج يحبوننا إلى هذا الحدّ؟
لقد كانت العادة تقتضي أن تتمّ خطبة البنات منذ الولادة، بحيث يقوم الآباء
بإبرام اتفاقات إيجابية من خلال الحسم في مسألة زواجهنّ. وفي جميع الحالات،
ينلغي على الصبيّة قبول الزواج دون أن تكون متأكدة مما إذا كان الزوج
سيحبها يوما ما، أو سوف تحبّه هي. وقد أسرّتْ إليهنّ هند، البالغة من العمر
ثماني سنوات، باسم خطيبها الذي يكبرها بعشر سنوات، ومن المنتظر أنْ
يتزوّجها بعد بلوغها وحيْضها. أجابتها عائشة:
- أنا بدوري أتوفر على خطيب اسمه «جبير»1، ويبلغ من العمر اثنتا عشرة سنة،
وأتمنى أنْ يكون لطيفا معي وطيّبا. لكن ما يزال ثمّة وقت كبير وكاف لكيْ
ألعب معكنّ ومع الدمى التي أحبها.
بعد ذلك عرج الحديث على ظاهرة الحيْض الغريبة، والتي ستطبع نهاية الطفولة.
لذلك عليهنّ تعلّم مهنة الزوجة والمرأة التي تلد، وكذا تعلّم مواجهة وتحمّل
الآلام. وقد روتْ لهنّ عائشة كيف عانتْ والدتها في ولادتها، ثم كيف تخلّصت
بمعجزة على يد خديجة زوجة محمد. وهي الحكاية التي سارت على جميع الألسُن
منذ وفاة خديجة التي كانت ليدها سلطة سحرية. غير أن الظهور المفاجئ للجارية
بريرة2، سوف يفرّق هذا التجمّع الصغير، لتلتحق كلّ صبيّة ببيتها لتناول
وجبة الغذاء. وفي الوقت الذي كانتْ تختفي فيه عائشة داخل الظّلّ الظليل
للبيت، التفتتْ وراءها لتلمح خيال رجليْن آتييْن من بعيد، يرتديان جلبابين
من القطن الأبيض، ومعمّمان بعناية، يجتازان الباحة المقفرة، في هذه الساعة
من النهار الذي توجد فيها الشمس في كبد السماء، وترسل أشعتها على الأرض
المحترقة مثل أتّون. يبدو أحدهما أطول نسبيا من الثاني، وهو يمشيان بخطى
وئيدة.
كما جرت العادة كلّ يوم، وبعد قضاء وقت طويل في المناقشة بالمسجد الخاص
الذي يصلّيان فيه في سرية تامة، يصطحب والدها محمّدا ويعانقه عند مدخل
الباب. في هذه اللحظة توقّف ليقول له:
- حظّا سعيدا بمدينة الطائف يا أخي. أكرّر لك أنّه إذا بقينا هنا فإنّ
الإسلام سوف يموت. ونحنُ الذين ينغي أنْ ندافع عنه. فاليهود لهم إلههم،
وكذلك النصارى، ولهذا السبب هم أقوياء. ولا يجب أن تبقى أمتنا أمة الأصنام
التي لا قيمة لها. لكن نحن عندنا الله الذي عرّف نفسه على لسانك، لذلك واجب
علينا أنْ نخلق الأتباع الذين ينشرون الدعوة في باقي الأمصار العربية.
أجاب محمد، وهو يرفع يديْه إلى السماء:
- إنْ شاء. سوف أهاجر بعد أيام، وسوف أخبرك بذلك.
بعد ذلك اختفى محمد في الزقاق، بينما التحق أبو بكر بابنته عائشة في البيت.
وبروح مرحة سينحني على شعر ابنته مشعّتا إياه بيديْه وقال لها:
- أيّتها الحُميراء? ياله من اسم جميل أطلقه عليْك رسول الله:
- إنه يسخر منّي، أنا اسمي عائشة.
- وأنا والدك أطلب منك الكثير من التواضع. فمحمّد رجل في غاية الأهمية،
ويجب علينا الإنصات إليه. فهو يسمع كلام الله، وينقل إلينا ما يتعيّن علينا
فعله لكي نستحقّ الجنة.
- لماذا يريد الذهاب إلى الطائف؟ وهل سنرافقه نحن؟
- سنفعل ما يأمرنا الله به. لا تقلقي، إن الله كبير?
أخذ بيدها ودخلا معا إلى الغرفة التي تجتمع فيها العائلة التي لا زالت في
انتظارهما. جلس كلّ واحد منهما على الوسائد الوثيرة المزركشة التي تحيط
بالبيت. الرجال في جانب، والنساء في جانب آخر، حيث اتخذتْ عائشة مكانها إلى
جوار والدتها بالقرب من أسماء أختها. تناول الحديث أهمّ الأحداث التي طبعت
اليوم، بينما كانت الجواري يضعْن صحائن اللحم والخضر والفواكه وبعض
التّمار وحلوى بالعسل على الأرض. بعد العشاء، انسحبت النساء ليتركن الرجال
يتبادلون تحليلاتهم عن التجارة والسياسة وهم يرتشفون قهوتهم اليمنية
المعطّرة بالقاقلّة.
وبينما ظلّ بيت أبي بكر يعيش قلقا بعد طرح فكرة الهجرة إلى الطائف
والابتعاد عن مكّة، كما عرف نقاشا حادا بين أبي بكر ووالده الرافض لتصديق
محمد واتباعه، في هذا الوقت دخل الرسول إلى غرفته داخل البيت للتأمّل. فمنذ
وفاة خديجة بات هذا البيت الكبير مصدر شقاء وتعاسة له بعد أن كان مصدر
سعادة وحبور. ذلك أن روح الزوجة المحبوبة ما زالت حاضرة فيه. وذكراها ما
فتئتْ تلقي بظلالها على كلّ ركن من أركانه. ولو كان وحيدا لربّما استطاع
تجاوز الألم، غير أنه يسمع كلّ يوم بكاء متواصلا لبناته وهنّ يستحضرن ذكرى
والدتهنّ.
جلس محمد على طرف السرير، واضعا رأسه بين يديه وهو يفكّر في الحديث الذي
جرى بينه وبين صديقه أبي بكر بصدد رحلته الضرورية إلى الطائف من أجل جسّ
نبض أهلها. هل هذا هو المكان الملائم الذي ينبغي التوجّه إليه؟ ظلّ هذا
السؤال يراوده، وظل يدعو الله أن يوفقه في هذا المسعى ويستجيب لسؤاله، غير
أنّ جبريل تركه متخبطا حائرا بدون جواب، مع أنّ الوقت لا يرحم، والمناخ
يتأجّج، وأتباعه قلقون حائرون.

1 جبير بن مطعم، لم يعتنق لا هو ولا والده الإسلام، فلما خطبها النبي قالت
أم رومان زوج أبي بكر: إن مطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه، ووالله ما وعد
أبو بكر وعدا قط فأخلفه، فدخل أبو بكر على مطعم ابن عدي وعنده امرأته أم
الصبي فقالت: يا ابن أبي قحافة! لعلك مصبئ صاحبنا تدخله في دينك الذي أنت
عليه إن تزوج إليك؟ فانفسخت الخطبة على أثر هذا الحديث (انظر: سيرة ابن
إسحاق).
2 كانت بريرة خادمة ملازمة لعائشة منذ طفولتها. وبقيتْ ملازمة لها حتى بعد
زواجها من الرسول، وأمينة سرّها. وقد اعتمد علي شهادتها في حديث الإفك
الذي أسال الكثير من المداد حول سلوك عائشة في قضية العقد. وهي التي دعاها
الرسول، فقال لها: «أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» فقالت
بريرة: والذي بعثك بالحق، إن ما رأيت عليها أمرًا قط أغمضه عليها أكثر من
أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن (الدواجن) فتأكله
(المترجم).


جونفْييفْ شوفيلْ / تقديم وترجمة: مصطفى النحال

30-07-2012

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty خوْلة تخيّر الرّسول: «إنْ شئتَ بكْرًا وإنْ شئتَ ثيباً»

مُساهمة من طرف izarine الأربعاء 1 أغسطس 2012 - 18:38

في هذا المناخ، كان على
محمّد أنْ يتصرّف. ففي هذه الأثناء، كان يحاول أنْ يتخيّل الجبال المكسوّة
بالخضرة، والحدائق والوديان والحدائق المتواجدة خلف بيوت الطائف المرحّبة.
لكنَّ الغريب في الأمر، هو أنّ هناك وجْها كان يفرض نفسه عليه، وجه عائشة
الذي كان يرمقه من الباب الكبير للبيت، حائرا قلقا مما سمعه من حديث بينه
وبين أبي بكر. كان الاضطراب يتملّكه والحيرة تسكنه، ذلك أنّ الأحلام التي
يراها في الليل، خلال هذه الأيام الأخيرة ما فتئتْ تقضّ مضْجعه. ففي منامه،
قدّم له ملاك مرّتان طفلة مقمّطة في ثوب من حرير وهما يقولان له:
- «هذه زوجتك، فاكشفْ عن وجهها?»1.
استسلم وكشف بذهول عن ملامح عائشة، وسرعانَ ما استيقظ من منامه مذعورا
يتصبّب عرقا. ما هذه الحماقة التي انتابته؟ الطفلة لا يتعدّى عمرها الستّ
سنوات بينما هو في الخمسين. ثم إنه أخفى هذا الأمر ولم يحدّث به أحدا. غير
أن الملاك سوف يزوره للمرّة الثالثة خلال الليلة الماضية، بيدَ أن محمّدا
هو الذي طلب منه هذه المرّة أنْ يكشف عن الوجه. ومن جديد بدتْ له عائشة،
ثمّ فرك عينيْه قائلا: «إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ».
وبحركة من يده، ضرب في الهواء وكأنه يطرد الجنّ المتطاولين، وبعد ذلك توجّه
مصدوما إلى بيت أبي بكر. على مقربة من البيت، تلعب الصبايا بدُماهنّ، وعند
رآها رفقتهنّ أربكته أحلامه غير اللائقة. ومرّة أخرى سيلتزم الصمت خجلا من
أن يثير مثل هذا الموضوع أمام صديقه. وعند عودته إلى البيت، عاد إلى
التفكير في مشاريعه المستقبلية، إلاّ أنّ الوجه كان يبدو له ثانية ويقضّ
مضجعه.
وفجأة، سيخرجه صوت نسويّ من شروده قائلا مخاطبا إياه قائلا:
- يا محمّد، لا يمكنك أن تبقى وحيدا مستسلما للوحدة، فهلاّ تزوجتَ يا رسول
الله لتسلو بعض حزنك، وتؤنس وحدتك بعد خديجة، وإذا شئتَ فعندي لك زوجتان،
إحداهما بِكْر والثانية ثَيِّب، فأيّهما تريد؟
هبَّ محمّد منتصبا في جلسته، وعيناه شاردتان. وعلى بُعد خطوتيْن منه، كانتْ
تقف البدينة خوْلة وهي تضع يديْها على خصرها متمايلة تحدجه بنظرة ساخرة.
ذلك أنه مباشرة بعد وفاة خديجة، أخذتْ هذه القريبة من زوجته مشعل سلطة
تدبير البيت الذي يعيش حالة حداد. فالرجل أرمل، وهو نبيّ فوق ذلك، لا يمكنه
مواجهة مشاكل البيت. صحيح أن له أربع بنات: الثلاث الأكبر سنّا كنّ قد
تزوّجنَ من رجال ينتمون إلى نسب شريف لم يعتنقوا الإسلام.وبينما كانت تعيش
أولى بناته علاقة حبّ جميلة مع زوجها، فإن أختيْها الأخرييْن طُلّقتا بعد
أن فقدتا الحظوة بإبعاد والدهما وقبيلته. أما صغرى بناته، العازبة، فإنها
أصغر من أن تقوم بدور والدتها.
وبخصوص فاطمة وأختيْها المهجورتين، فإنهما معا تضامنتا بالبكاء والنواح ضد
شرّ الجميع، وجحود البعض، وضد الألم الذي ما فتئ ينهكهما. لم تكن أيّة
واحدة منهما بقادرة على تحمّل مسؤولية البيت إذن.
كان ينبغي أن تحتلّ هذا المنصب امرأة قوية وذات تجربة. ولم تكن مكة تفتقد
إليهنّ. كانت خولة الخاطبة، حين تكون رائقة المزاج، تعرف كيف تقوم بعملها
على أحسن وجه، وكانت تعجب محمدا. ومن جانبه، فقد كان ما يزال ينعم بوسامة
الرجل وحسن المظهر، فضْلا عن يديه الطويلتيْن وصوته الرخيم وتلك النظرة
المتلألئة التي تنفذ إلى أعماق الروح. كانت الخمسة والعشرون سنة التي قضاها
في الإخلاص والوفاء إلى زوجة تكبره بخمس عشرة سنة تبدو غريبة، فقد كان
الأمر استثناء في ذاكرة البدو. علاوة على هذا، فإن شجاعته أمام المضايقات
والاعتداءات التي تعرض لها، جعلته مشهورا ليس فقط داخل المدينة، بل كذلك في
الأصقاع المحيطة، وصولا إلى تخوم الصحراء حيث كان أصحاب القوافل ينقلون
مآثره.
- ثيّب أمْ بكر؟
اقتراح خوْلة هذا أثار فضول الرسول وشغل باله. لذلك سألها بنبرة خائبة الأمل:
- عن أية نساء تتحدثين؟ لا يمكن لأية واحدة منهما أن تعوّض زوجتي خديجة
الطيبة الحنون. لقد صدّقتني في الوقت الذي لم أكنْ شيئا. وحين ظننتُ بأنني
جُننتُ، وحدها التي كانتْ تطمئنني وتعيدني إلى هدوئي. وهي التي أقنعتني
بالخضوع إلى الأوامر الإلهية، والشروع في نشر الدعوة، رغم المصاعب. عزيزتي
المسكينة? لقد فقدتها إلى الأبد، وسوف يكون من المستحيل عليّ نسيانها.
واحتراما للفقيدة، صمتتْ خولة للحظات قبل أنْ تواصل قائلة:
- وأَمَّا الثَّيِّبُ، فَهي سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، امرأة آمَنَتْ بِكَ
وَاتَّبَعَتْكَ في دين الإسلام. هاجرت إلى الحبشة مع زوجها سكران، وبعد
عودتهما إلى مكة بقليل، توفّي زوجها. ستبلغ عما قريب سنتها الأربعون وستكون
مستعدة للزواج بك.
أجابها بالقوْل:
- حسنا، والآن من هي البكْر؟
- أَمَّا الْبِكْرُ، فَهي ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْكَ، عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
امتقعَ لون محمد، ذلك أن الرؤيا التي رآها ثلاث مرّات متتالية تعود الآن لتشغل باله. فهل هذه مشيئة الله؟
بادرها محمد:
- اذهبي لزيارة سودة أوّلا، وإذا رضيتْ فلتبحثْ عن رجل على وجه السرعة أطلبها منه. وبعد ذلك اذْهبي عند أبي بكر.

1 الصيغة التي يرد بها هذا الحدث في كتب السير والأخبار هي أن الرسول قال
لعائشة: « أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ، جَاءَنِي بِكِ
الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ
فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ فَأَقُولُ : إِنْ يَكُ
هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ» (المترجم).


31-07-2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty النبيّ محمد يتزوّجُ سوْدة ويخطبُ عائشة

مُساهمة من طرف izarine الخميس 2 أغسطس 2012 - 19:17

في اليوم الموالي، سيتزوّج
محمد من سوْدة بنت زمعة، ويقيمها تحت سقف بيته. كانتْ سوْدة امرأة عادية،
لا هي بالجميلة ولا بالذّميمة. بدينة قليلا، بلا نضارة ولا جاذبية. وديعة
ومطيعة، ولا تطمع سوى في إرضاء محمد في كلّ شيء، وكان يسعدها أنْ تردّد:
- قدَري بين يدي رسول الله?
ماذا عساها أنْ تحلم بما هو أفضل سوى أنْ يختارها من يضمن الجنّة لمن
يتبعه، وأنْ تكون الوحيدة التي تشترك معه الفراش؟ كل هذا يجعلها تستحق أنْ
تسيّر مقاليد بيته، وأنْ تخفّف من آلام بناته اللواتي تبرّر الحسرة والألم
خمولهنّ، وكذا أنْ تنتظره لساعات طوال بدون شكوى، بينما يقضي هو وقتا طويلا
خارج البيت رفقة صحابته الخلّص في مناقشة مستقبل الإسلام، وفي الهجرة
المحتملة لأتباعه نحو أماكن أكثر أْمنا. لقد تزوّج محمد للمرّة الثانية
بحثا عن راحة البال. وهذه الزوجة لنْ تحتلّ سوى مكان عابر في سرير النبيّ.
وبمجرّد أنْ تنتهيَ مراسيم حفل الزواج، سوف تتوجّه خوْلة إلى زيارة أبي بكر، الرجل الجليل الوقور.
سارتْ خوْلة بخطى مرحة، تحت فستان مخمليّ أزرق اللون، موشّى بحزام مشمشيّ
يبرز اهتزازات جسدها. وعبْر أزقّة مكة الضيقة، راحتْ الخاطبة خولة تخطو
خطوات وئيدة في اتجاه بيت أبي بكْر. الهواء رطب هذا الصباح من صباحات شهر
نونبر، والشمس تتّجه نحو كبد السماء ولا زالتْ حرقتها لم تشتدّ بعدُ. عربات
وحمير وماشية تملأ الطريق في نوع من النشاز العادي والمألوف. تتسلل خوْلة
لاهية وهي تهيّء في ذهنها ما ستقوله من كلام معسول وجذّاب.
وإذا كانت المرحلة الأولى من مهمّتها قد انتهتْ بنجاح، فإن المهمة الثانية
محفوفة بالمخاطر. وقد استشعرتْ ذلك بمجرد أنْ وطئتْ قدماها مدخل البيت
الكبير. كان أبو بكر غائبا. وفي غيابه استقبلتها أمّ رومان. في البداية
استدرجتها خوْلة ببعض عبارات الإطراء قبل أنْ تفصح لها عن مضمون طلب محمد
قائلة:
- إنّ رسول الله يرغب في الزواج من عائشة?.
بدتْ علامات التوتّر على محيّا أمّ رومانْ التي أجابتها:
- أليْستْ أصغر منه بكثير؟
هذا الطلب كدّر صفوها كثيرا. أَلَمْ يتزوّج محمد مؤخرا من سودة؟ ما الذي
يحتاج إليه بعد؟ ثمّ إنها لم تكن لتتخيّل كنزَها الصغير عائشة بين يديْ رجل
خمسينيّ، حتى لو كان أعزّ صديق لزوجها.
في بداية القرن السابع الميلادي هذا (القرن الأول الهجري)، كان تعدّد
الزوجات مسألة مألوفة في شبه الجزيرة العربية. وقد جرتْ العادة، في غالب
الأحيان، أنْ يختار الرجال زوجات تصْغرهم بكثير، حتى وإنْ كانوا في أرذل
العمر. يقال إنّ الحسناوات الصغيرات ينعشْن الرغية ويجدّدنْ الدماء. فهل
للرسول نزوات معيّنة خفيّة كشفتْ عنها وفاة زوجته؟
وكأمّ ساخطة، هبّتْ والدة عائشة لكيْ تطرد من بيتها هذه المرأة الوقحة التي لم تتأثّر لكلامها. غيْر أن خولة بادرتْ بالقول:
- يَا أُمَّ رُومَانَ ، وَمَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وهو شرف لبيت أبي بكر؟
لكنّ أم رومانْ ردّت بنبرة جفاء:
- انْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ آتٍ.1
واحتراما لأعراف الضيافة، دعتْ أم رومان إحدى جواريها التي قدّمتْ لهما قدحيْن من حليب الشاة قائلة لها:
- لا تدعي الصغيرة تدخل علينا حتى لا تسمع ما يدور بيننا.
وفوْر وصوله إلى البيت، سوف يلتحق بهما أبو بكر الذي سيستمع إلى خولة
بانتباه كبير دون أن ينبس ببنت شفة. فكيف يمكنه الرّدّ على مثل هذا الطلب
الذي أدخله في حيرة كبيرة لعدة أسباب؟ السبب الأوّل، هو أنّ ابنته أصغر
بكثير عن رجل يمكن أنْ يكون جدّا لها.
أما السبب الثاني، فهو أن أبا بكر كان قد قطع على نفسه وعدا مع أحد شركائه،
هو الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ، أن تكون عائشة، وهي بعد في مهدها، زوجة
لابنه جبير الذي لا يتجاوز عمره اثنتا عشرة سنة. فكيف السبيل إلى رفض طلب
محمّد؟ هو صديقه وأوّل من صدّقه من الرجال؟ هل يمكنه أن يقول «لا» للنبيّ
دون أنْ يثير غيظه؟ دون إغضابه وإغضاب الله؟ وبحكمته المعروفة، اكتفى أبو
بكر بالقوْل:
- هل تَصْلُحُ عائشة لرسول الله وَهِيَ ابْنَةُ «أَخِيهِ»؟ عندنا بنات أخريات في العائلة صالحات للزواج.
وبدون شعور باليأس، ابتسمتْ خولة تاركة بيت أبي بكر لتعود أدراجها على وجه
السرعة لتخبر محمّدا بما دار من حديث بينها وبين والديْ عائشة. خرجتْ من
الباب الكبير، وانعطفت عبر الزقاق منحازة إلى جانبه الظليل. ومن بيت مجاور،
كان يخرج موكب راقص يكسر صمت الزقاق ليختفي وسط شجر السّنْط. في الجانب
الآخر من الزقاق سوف تشاهد عائشة مكللة بشعرها الأحمر. وأمام مرحها
ولامبالاتها، همهمت خوْلة قائلة:
- فضْلا عن كونها بكْرا، فإنها حسناء تعد بألف إغراء. مشروع جيّد للرسول.
بعد دقائق بقليل، سوف يخرج أبو بكر بدوره من البيت. فبعد أنْ أطفأ غضب زوجته أمّ رومان، قرّر التوجّه إلي بيت المطعم بن عديّ.

1 جزء من الحادث كما تورده كتب السيرة على لسان عائشة دائما هو كما يلي:
«قَالَتْ [خولة] : فَأَتَيْتُ أُمَّ رُومَانَ فَقُلْتُ : يَا أُمَّ
رُومَانَ ، وَمَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ
وَالْبَرَكَةِ ، قَالَتْ : وَذَاكَ مَاذَا ؟ قَالَتْ : رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ عَائِشَةَ ، قَالَتْ :
انْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ آتٍ ، قَالَتْ : فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : أَوَ تَصْلُحُ
لَهُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَا أَخُوهُ وَهُوَ أَخِي ، وَابْنَتُهُ تَصْلُحُ
لِي ، قَالَتْ : وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ رُومَانَ :
إِنَّ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ ،
فَوَاللَّهِ مَا أَخْلَفَ وَعْدًا قَطُّ ، تَعْنِي : أَبَا بَكْر.
(المترجم).


01-08-2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty أبو بكر يفسخ خطوبة ابنته عائشة من جبير ويعد محمّدا

مُساهمة من طرف izarine الجمعة 3 أغسطس 2012 - 17:38

بعد خروج خوْلة لتخبر
الرسول، تبعها أبو بكر متوجّها إلى بين المطعم بن عديّ، على بعد بضعة أزقة
من بيته. وإذا ظلّ الاتفاق المبرم عند ولادة عائشة ساري المفعول، فإن أبا
بكر لا يمكن أنْ ينقضه، وسوف يتفهّم محمد ذلك، وبالتالي عليه أنْ ينسى
عائشة. وهو الأمر الذي من شأنه إعادة البسمة إلى محيّا محبوبته أمّ رومان،
وإعادة السلم إلى بيته.
بعد تبادل بعض عبارات المجاملة، والحديث في أمور التجارة، بادرتْ زوجة المطعم بن عديّ قائلة:
- يا أبا بكر، لَعَلَّنَا إِنْ أَنْكَحْنَا هَذَا الْفَتَى إِلَيْكَ تُصْبِيهِ وَتُدْخِلُهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عليه.
هذا الكلام فاجأ أبا بكر كثيرا، ثمّ التفت نحو شريكه وقال بنبرة متوتّرة:
- هل سمعتَ ما قالتْ زوجتك؟ وهل تتفق مع ما قالتْ؟
- أجل، وإنَّهَا لَتَقُولُ مَا تَسْمَعُ.
ساد الغرفة صمت بارد، ثمّ انتهى الكلام واللقاء، وانصرف أبو بكر دون أنْ
ينبس ببنت شفة. عاد إلى البيت منشرح البال لكونه تحرر من الوعد الذي كان قد
قطعه على نفسه مع والد جبير. لقد خلّصه الله من الالتزام، ذلك أن ابنته،
التي نشأت في عبادة الله، لا يمكنها أن تعيش مع عبدة أصنام متشبّتين بعادات
وتقاليد أسلافهم.
ردّد مع نفسه وهو في طريقه إلى البيت:
- يا لهمْ من كفرة?
لم يشعر بأيّ إحساس بالمرارة، ولا بأيّة رغبة في الاحتجاج. بل بالعكس
تماما، إنّ هذا الرفض الجافّ، الذي كان من المتوقّع إهانته وإذلاله، قد
أسْعده. فلا شيء يمنعه الآن من تزويج ابنته إلى النبيّ، وهي فرصة غير
منتظرة لم يكن ليدعها أبو بكر تمرّ. فاَنْ يصبح صهرا لرسول الله، سيكون
بالنسبة له موقعا محسودا عليه داخل الوسط الفتيّ لجماعة المسلمين. وقد بدأ
يتخيّل الإيجابيات الناجمة عن هذه الوضعية الجديدة: يتعلق الأمر بالنفوذ
والموقع السياسي اللذيْن يؤديان إلى السلطة. غيْر أنّ شباب ابنته أحيا لديه
وسواسا آخر: هل من اللائق أنْ يرمي بابنته بين أحضان رجل لم يتبقّ في عمره
الكثير بالقياس إليْها؟ لكن هذا الرّجل، من جهة أخرى، هو النبيّ الله.
وإذا كانت هذه هي المشيئة الإلهية، فلا مناص من الخضوع إليها، مقابل الحصول
على مكافأة عليها دون ريب. لم يبْقَ أمامه إذن سوى العمل على إقناع زوجته
بسلامة هذا الاختيار.
ومباشرة بعد عودة أبي بكر إلى البيت، سيزوره محمد شخصيّا من أجل الرّدّ على التنبيهات التي أوصلتها إليه خوْلة:
- يا أبا بكر، أنا وأنت لسنا إخوة إلا في الإسلام، لذلك فإن هذا الزواج شرعيّ، وعائشة هي مَن اخترتُ?
تمتم الأب قائلا:
- كنتُ وعدت شخصا آخر بتزويجها لابنه، غير أن الله حرّرني من أيّة ارتباطات. فحمدا لله على أن ابنتي ستكون زوجة لك?
وعلى الفوْر، وقّع الرجلان اتفاقا يقضي بأن لا يتمّ الزواج إلا بعد أنْ تصل
البنت إلى سنّ البلوغ. وإلى ذلك الحين، سوف تبقى عائشة في بيت أهلها حيث
يمكن لزوجها القادم زيارتها وقتما شاء.
وانتهى الاتفاق بعناق أخوي، وبكى الاثنان من الفرح. وقد عمل هذا الزواج
المُبرمج على تقريب أواصر الصداقة بين بعضهما البعض بصورة قوية. وقال محمد:
- إنها مشيئة الله?
- أجل، هذا أمر مكتوب ومقدّر. والآن بتّ أعلم لماذا لم أعمد إلى إغراق الحميْراء في الوادي.
أضاف محمد:
- واحرص يا أخي على ألاّ يصيبها أيّ سوء، وخصوصا ألاّ يعمدوا إلى ختانها
فتلك بدعة. إن الختان مهمّ للصبيان الذكور، لاعتبارات وقائية، لكن البنات
لا ينبغي إزالة أيّ شيء منهمنّ.
ردّ أبو بكر مستغربا من سماع صدور مثل هذا الكلام عن النبيّ:
- أنت السيد، وستطبّق أوامرك كما تشاء، يمكنك الذهاب الآن، فالطائف فكرة جيّدة.
عاد محمّد أدراجه وقلبه مرتاح ومطمئنّ، ثم شرع وهو في طريقه إلى البيت في
تنظيم أفكاره. ففي المجتمع العربي المحيط به، كانتْ للجنس أهميته، بحيث كان
يشكّل عنصرا أساسيا في الحياة اليومية. فالنساء، حين يموت أزواجهنّ أو
يُطلّقْن، لا يبقى جمالهنّ هو وسيلة إغراء الرجل المناسب لهنّ. ففي الوقت
الذي مات فيه زوجان سابقان لخديجة، تصرّفت هذه الأخيرة مع محمد بنفس
التصرّف حين بحثتْ عن شخص يخرج بتجارتها في القوافل. ولمّا تزوّجتْ به،
جمعت بذلك بين الحُسنييْن.
وبدوه، فإنّ محمّدا الذي فقد زوجته خديجة، تزوّج من سودة للتفرّغ لما هو
أهمّ. كان يحتاج إلى امرأة في البيت وفي السرير. كان يحتاج إلى امرأة
مجرّبة لا إلى امرأة حديثة العهد لا تجربة لها وتحتاج إلى وقت ومجهود
للتعلّم. ثم إنه لا وقت لديه للبحث عن امرأة خارج الزواج. لقد كان ثمّة ما
هو أهمّ في انتظاره، وهو الذي كان يقضّ مضجعه: إنه الدفاع عن الإسلام
والعمل على نشره. وفي الجانب الآخر من هذه الالتزامات، يحافظ الحُلم على
مكانه، وكان حلمه هي عائشة. وبعد أنْ أبرم العقد مع والده، يكون بذلك قد
ضمنها لنفسه، له هو وحده.


2/8/2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty عائشة الصبيّة ترفض محمّدا لأنه كهل وصديق لأبيها تقديم وترجمة: مصطفى النحال

مُساهمة من طرف izarine الجمعة 3 أغسطس 2012 - 18:19

إن الطفلة التي رأت النور
على يد خديجة، في اللحظة ذاتها التي أعلن فيها المَلاك جبريل عن مهمة محمد
الدينية، الطفلة التي رآها تكبر أمام أعينه، البنت الصغيرة التي سيتولّى
بنفسه فتح عينيْها على الحياة، والمرأة البرعم التي لنْ تكون من نصيب شخص
آخر سواه، بما أنه هو الذي سيكون له حقّ افتضاض بكارتها وتلقينها فنّ
الحبّ. عذراء للمرّة الأولى في حياته كرَجُل. هذه الوضعية من شأنها أنْ
تغذّي خياله. سوف يعرف نشوة الامتلاك الحقيقيّ الذي سيجعل منه رجلا كامل
الرّجولة.
سوف يربح من هذا الزواج خليفة وفيّا، أيْ نوعا من القرين تعتبر ثروته
أساسية له، وولاؤه لا حدود له. ولاء لنْ يذّخر شيئا في التعبير عنه دون أنْ
يخونه في يوم من الأيام. أَلَمْ يكنْ أبو بكْر يردّد على مسامع محمّد غير
ما مرّة:
- أَنَا وَمَالِي إِلا لَكَ يَا رَسُولَ الله1.
كيف سيكون ردّ فعل عائشة حين سيخبرونها بأمر خطبتها من محمد؟ هذا السؤال لمْ
يخطر على باله. لو كانتْ أكبر بعشر سنوات، لكان أخذ رأيها بالاعتبار. لكنْ
يتعيّن عليه انتظار بضعة سنوات قبل أن يأخذها إلى بيته. سوف يكون عنده ما
يكفي من الوقت من أجل ترويضها وتعويدها وإيقاظ الشعور بالحنان والثقة فيها
يكون مماثلا لما يستشعره تُجاهها في أعماقه.
أما عائشة، التي كانت تجهل كلّ شيء عن الزيارات المتتالية للخاطبة خوْلة،
ثم للرسول فيما بعد، وبعيدا عن ارتيابها في المناقشلات والقرارات التي
اتُّخذتْ في شأنها، فإنها ظلّتْ تلهو وتلعب في الحديقة مع أبناء الجيران لا
تلوي على شيء ولا تبالي. كانت أمّها تسعى، وهي تحيطها بمراقبة الجارية
«بريرة»، إلى منعها من اللعب مع الأطفال في الزقاق. لذلك كانتْ تأمرها
بالعودة إلى البيت، وتنبهها بالقوْل:
- من الآن فصاعدا، لم يعد بإمكانك الخروج من البيت للعب. لقد كبُرت يا
ابنتي، وبعد فترة سوف تصبحين أمرأة، ولا ينبغي أنْ يلمسك الأولاد. وأنت
تعرّضين نفسك للأنظار، وذلك ليس جيّدا لك.
- هل تريدين أنْ تمنعي عليّ حتى اللعب بالدّمى؟
- بإمكانك أنْ تلعبي كيف تشائين ومتى تشائين، مثلما كان الأمر من قبلُ، لكن
في الباحة أو في البيت. سوف نحضر لك صديقاتك إلى هنا، البنات فقط. أنت
مخطوبة يا عائشة، ولا بدّ من صيانتك والحفاظ عليك.
- مخطوبة إلى جبير، أعلم ذلك. لكنْ هو صغير وما يزال أمامنا ما يكفي من الوقت.
بعد الالتحاق بالبيت، أخذت أمّ رومان ابنتها إلى غرفتها المزيّنة بوسادات
دمشقية تحت ستائر نسيجية من القطن تخفي المشربيات. مواقد نار صغيرة موزّعة
عبر أرجاء الغرفة تنبعث منها روائح البخور الممزوجة بالمسك والورد. على
مائدة واطئة وُضعتْ بعض الحلويات والسكريات التي لم تستطع عائشة مقاومة
الرغبة في تذوّقها.
استأنفتْ أمّ رومان حديثها موجّهة الخطاب إلى ابنتها:
- لقد تغيّر كلّ شيء، فقد طلبك محمد للزواج.
هبّتْ الطفلة فزعة، ونظرتها مرتعبة، ثمّ صرختْ قائلة:
- رسول الله؟ لا أريده? إنه كهْل كبير، وهو صديق لأبي?
وبنظرة متوسّلة، حدجتْ أمّها التي حبستْ دموعها. من جديد، سوف ينقبض قلبها
ويتمزّق. ذلك أنّ تردّداتها التي صدرت عنها من قبل عاودتها. غير أن زوجها
عرف كيف يقنعها بأن كل شيء سيسير على ما يُرام، ووعدها بأنْ يقدّم المسألة
بكيفية مغرية وطبيعية لطفلتهما التي لا بدّ أن تتزوّج يوما ما.
أخذت أمّ رومان ابنتها بين يديْها حاضنة إياها بقوّة، وشرحت لها بصوت شجيّ قائلة:
- لا تخافي يا حمامتي، إنه يحبّك وأنت التي يريد. ولقد أبرم اتفاقا مع
والدك، وسوف ينتظر إلى أن تصبحي في سنّ صالحة للزواج. لنْ ندعك تذهبين معه،
على الأقلّ ليس قبل أربع سنوات.
ردّتْ عائشة:
- إذن لمْ يتغير شيء؟ سأبقى هنا مع من أحبّ؟
- أجلْ يا عسل قلبي، لكنك خطيبة رسول الله. وحينما سيحين الوقت، سوف تصبحين
زوجة له، وسيسكنك في بيته وتحت سقفه. ينبغي أنْ تكوني فخورة بذلك، لأنه
شرف لك وتكريم لنا.
نظرتْ عائشة إلى والدتها وحرّكتْ رأسها موافقة. شرف العائلة، تضامن
العشيرة... جمل تسمعها منذ نعومة أظافرها. مع مرور الأيام، وهي مختبئة خلف
رُزم السّلع المتراكمة في باحة بيتهم تترصّد كل ما يجري داخل البيت،
اطّلعتْ على الكثير من الأسرار المتعلقة بالاتفاقيات المبرمة بين القبائل،
والتحالفات السياسية، والعقود التجارية. وكانت قد لاحظت التأثير الذي
يمارسه الرسول على والديْها، كما فهمتْ أهمية هذه الديانة الجديدة التي
ترعرعتْ داخلها منذ أنْ كانت في المهد. وقد ذكّروها آلاف المرّات بمعجزة
ولادتها في اللحظة ذاتها التي رأى فيها محمد الملاك جبريل الذي حال دون أنْ
يرمي نفسه في الوادي، وصولا إلى الاعتقاد بأنّ الله خلقها لكيْ تكون زوجة
لرسوله؟ ولم تكن بعيدة عن تخيّل ذلك حين قالت لها والدتها وهي تمسح بشعرها:
- هذا الشعر الأحمر علامة على شأن كبير يخبئه القَدَر لك، وأنا أتصور لك مقاما عظيما ياابنتي. قد تصبحين ملكة...الله وحده يعلم.
1 الحيث بكامله، كما يرويه ابن ماجة هو :» حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ ، نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، نا
أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : « مَا نَفَعَنِي مَالٌ ، مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ « ،
قَالَ : فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ، وَقَالَ : هَلْ أَنَا وَمَالِي إِلا لَكَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ « . (المترجم)


3/8/2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty الرسول يشرح لعائشة سبب زواجه بها

مُساهمة من طرف izarine الأحد 5 أغسطس 2012 - 18:45

قالت أمّ رومانْ لابنتها عائشة وهي تمسح بشعرها:
- هذا الشعر الأحمر علامة على شأن كبير يخبئه القَدَر لك، وأنا أتصور لك مقاما عظيما ياابنتي. قد تصبحين ملكة...الله وحده يعلم.
- هلْ سيصبح محمد ملكا؟
- إذا شاء الله يكون، كل شيء مقدّر?
وقفتْ عائشة أمام نافذة غرفتها، سارحة بعيْنيْها عبر فسيفساء السطوح
الغارقة في الشفق الأصيليّ لغروب الشمس. السماء محمرّة في الأفق فوق
الجبال. في هذه الساعة التي تسبق ظلمة الليل، تكتسي قمم الجبال لونا قرمزيا
وبنفسجيا يحيط بالرداء الأرجوانيّ والمذهّب الذي يعلو المدينة. ينقبض
قلبها وهي تستحضر الأيام الجميلة هناك في قلب الصحراء التي تصدح بألف صوت
حين تظهر النجوم في السماء واحدة تلو الأخرى.
في طراوة الأصيل، تعلن هذه النجوم مَقْدم القمر، تلألؤ النار والأنشودات
الساحرة التي تهدهد الحُلم. كانتْ عائشة، وهي تحشر أنفها في الشّبّاك
الخشبي الدقيق الذي يواربُ رؤيةَ ما يجري، تتذكّر أنشودات البدو بوجوههم
المخدّدة، تلك الأنشودات التي تترقرق مثل تأوّهات العشْق الموضوعة على
أجنحة النسائم، والمحمولة عبْر هواء الليل. نحو أيّة أميرة نائية؟ أيّ هوى
عابر كبّل روحهم؟ لا وجود لأية حواجز من حولهم. ذلك أن الفضاء اللانهائي
على مرمى العيْن، لا يحدّ بصرهم ولا خطاهم ولا خيالهم.
وبالنسبة لطفلة لا يتعدى عمرها ستّ سنوات، والتي كانتْ إلى حدود هذا الصباح
ذاته، تلهو وتلعب لا مبالية عبْر أزقة الحيّ، كانت الصدمة قوية. لم تكن
تفكر في الغد، فكيف تفكّر في المستقبل الذي حدده لها والدها من أجل مصلحته،
دون أنْ يشكّل له ذلك أيّ انزعاج يُذْكَرْ. وبعد بضع سنوات، حين ستكبر،
سوف تذهب لتعيش بجانب زوج، تماما مثلما تعيش أمها إلى جانب والدها،
وستخلّف أطفالا ترعاهم بعناية مثلما ترعى دماها. وعلى حين غرّة، ما كان
واضحا من قبل، بات الآن قاتما. ذلك أن الهامش الضيّق من الحرية الذي كانت
تتمتذع به، زال وذهب. وأضحى السجن ضيقا من حولها مثلما ضاق زمن الطفولة. لم
يسل الدّم من بين فخذيْها بعدُ، ومع ذلك فقد قيل لها بأنها كبرتْ، وبأنها
صارتْ امرأة تقريبا ما دامت مخطوبة. لقد حجزها رجل لنفسه كسلعة سوف يتوصّل
بها فور نضجها. وهذا الرجل ليس غريبا عليها، بما أنه هو صديق أبيها. رجل
بالغ ينتمي إلى عالم آخر.
هذا الزائر اليومي مألوف لديْها، لكنه يثيرها لكونه مختلفا عن الآخرين.
صحيح أنه جميل الخلقة، بوجهه المرسوم بدقة، والمحاط بلحية سوداء تبرز بياض
بشرته وحدّة نظرته الثاقبة، كما يرتدي ملابسه بعناية، واضعا عمامة جميلة
على رأسه ذي الشعر الأسود، كان مظهره محبوبا، لكن في حضوره يبعث على نوع من
الوقار المهيب. ترمقه عائشة بعيْن فضولية لأنه مختلف تماما عن سائر
الزّوار الذين يفدون على بيتهم، ربّما لأنه كان رسولا، رسول الله الذي
يتلقّى تعاليم يتعيّن عليه نشرها وتطبيقها.
رجل يجلّه الناس ويتزلفون إليه، كما ينصتون إليه بدون مناقشة، بينما
الغالبية العظمى في المدينة تشتمه وتهينه، مدافعة بشراسة كبيرة عن أصنامها
المقدسة التي يرفض هو السجود لها. بل إنه تجاوز ذلك إلى إهانتها واحتقارها
والتجذيف فيها.
وبينما هي شاردة في هذه التداعيات، إذْ سمعتْ صرير الباب، فالتفتتْ لتجد
نفسها متسمّرة أمام محمد الذي تقدم نحوها مبتسما، ثمّ وضع يده على كتفها
قائلا:
- صباح الخير يا عائشة، صباح الخير غزالتي. لا تخافي، عندي حكاية أرغب في
روايتها لك. ثم جلس على الأرض وأشار إلى عائشة بالجلوس أمامه. بينما
انكمشتْ الجارية «بريرة» في إحدى زوايا الغرفة، وهي مشغولة بترتيب دمى
عائشة، لكنها تراقب وتسمع كلّ شيء. ما الذي يمكن أن تخشاه من هذا الرجل
المليء طيبوبة ذي الصوت الحنون، والذي يشع النور من وجهه؟ ظلت عائشة جامدة
في مكانها مثل تمثال. بادرها قائلا:
- هل ترغبين في معرفة السبب الذي جعلني أطلبك للزواج من والدك؟ داخل رأسك
الجميل تقولين مع نفسك بأنه لا يمكن لفتاة شابة أن تتزوّج برجل كهل مثلي.
همهمت قائلة وقد احمرّ وجهها:
- لا تبدو عليك الكهولة، هذه هي الحقيقة.
ابتسم ضاحكا ثمّ أردف:
- سوف أشرح لك كيف خطرتْ ببالي هذه الفكرة. إنها قصة خارجة عن المألوف.
فخلال ليلتيْن متتاليتيْن، شاهدت رؤيا، هي أكثر من حلم. رسالة جاءتني من
السماء. جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ ، فَقال:
هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ
فَأَقُولُ : إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ.
لهذا طلبتك من أبيك، لقدْ أمرني الله بذلك.
أنصتت إليه عائشة باندهاش مثير، وهي مُهَدْهَدة ومأخوذة بسحْر العجائبيّ.
عيناها مسمّرتان على نقطة غير محددة خلف محمد، بعيدا وراء جدران الغرفة.
نظرتها شاردة في عالم آخر تملك هي وحدها مفتاحه. يقلق عليها محمد، غير أنه
لا يجرؤُ على لمسها مخافة أن يرعبها. ينحني قليلا ثم يواصل بصوت رَخيم:
هل تفهمين الآن؟ ينبغي أن تصدّقيني يا غزالتي الصغيرة. هكذا جرت الأمور.


4/8/2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty عائشة ترضخ للأمر الواقع وتقبل خطوبة الرسول

مُساهمة من طرف izarine الإثنين 6 أغسطس 2012 - 14:18


أنصتت
إليه عائشة باندهاش مثير، وهي مُهَدْهَدة ومأخوذة بسحْر العجائبيّ. عيناها
مسمّرتان على نقطة غير محددة خلف محمد، بعيدا وراء جدران الغرفة. نظرتها
شاردة في عالم آخر تملك هي وحدها مفتاحه. يقلق عليها محمد، غير أنه لا
يجرؤُ على لمسها مخافة أن يرعبها. ينحني قليلا ثم يواصل بصوت رَخيم:
- هل تفهمين الآن؟ ينبغي أن تصدّقيني يا غزالتي الصغيرة. هكذا جرت الأمور.
اهتزّتْ عائشة في مكانها، وحرّكتْ عيناها، مخترقة إيّاه بوهجها الحادّ، وقالتْ بصوت صارم:
- أفهم، لقد خلقني الله ليزوّجني إلى رسوله. إنّ زواجنا مكتوب في اللوح المحفوظ.
ردّ محمّد وهو يمْسك بيدها النّحيفة التي ربّت عليها بحنوّ لا شكّ فيه:
- إنها إرادة الله، ولا يمكن ردّها.
- أعرف ذلك، وينبغي الخضوع لإرادته، كما ينبغي أن أخضع لأبي.
ابتسامة خفيفة تضيء وجهها، وبحركة حذرة، قدّمتْ سبّابتها ولامست يد الرسول الطويلة، مداعبة إياها مداعبة خفيفة مضيفة:
- هناك أفكار غريبة أحيانا تصدر عن الله? لماذا أنا بالضبط؟ لستُ سوى طفلة، ويجب عليك أن تنتظرني، فهل لديك الوقت الكافي؟
ليس من السهل أنء تكون الفتلت خطيبة لمحمد. لذلك كانتْ عائشة تشعر أنها
مكبّلة ومقيّدة بشبكة تمنعها، في بعض الأحيان، من التنفّس. فلم تعد تخرج من
البيت بحريتها كما كان الأمر من قبلً، كما أنّ أمّها وخادمات البيت أحكمْن
مراقبتهنّ عليها. يعد بإمكانها الهروب خلسة مع إخْوة هند صديقتها. في غالب
الأحيان، وفي الصباح الباكر، قبل أنْ تشرب حساءها اليومي من الشعير، كان
الصبيّان الصغيران يقتربان من بوابة البيت، ويصدران صفيرهما المعتاد لكيْ
تخرج عائشة ويصطحبانها إلى مدخل المدينة من أجل مشاهدة القوافل التجارية
وهي تأخذ طريق الصحراء. أحد الأخوْين يريد أنْ يصبح قائد قافلة يروي
الحكايات التي ينقلها ابن الريح. سوف يظلّ «حكيم» موشوما في ذاكرتها مثل
حنين من الزمن الجميل، زمن الطفولة واللامبالاة، زمن الانفعالات الأولى.
ألّيْس هو من كانتْ سترغبُ في اتباعه بإعطائه قلبها، لو كانتْ حرّة في
اختيارها؟ غير أنّ والدها فرض «جبيْر»، الذي لا تعرف حتى وجهه. لم يكن هذا
الشخص سوى اسم مدوّن على طرس جلديّ. غير أنّ هذا الاسم زال بجرّة قلم من
طرف الرّسول الذي أخذ مكانه بأمْر إلهيّ.
وبينما كانتْ عائشة مُحاطة بصديقاتها اللواتي جئْن لزيارتها في غرفتها، كما
شاءت الأمّ، بين اللعب والضحك، عبّرتْ لهنّ عن حيْرتها إزاء خطوبة الرسول
لها. وقد ردّتْ صديقتها هند على هذه الحيْرة قائلة:
- لماذا أنت منشغلة بهذا الأمر. إنه شيخ مُسنّ، وسوف يأخذه الموت عما قريب، ثمّ تصبحين حرّة، ويأتي «حكيم» ليأخذك.
أجابت عائشة بحدّة:
- إن رسول الله لا يمكن أن يموت. ذلك أن الله في حاجة إليه من أجل نشر
الإسلام وتثبيته. وما يحزنني هو أنني لستُ قادرة على تقديم العوْن له.
غير أنه هندا بادرتْ بالقول:
- لا تفكّري في الأمر ثانية، لأن ذلك لا يهمّك الآن. نحن هنا لكي نلعب
ونلهو. وحين سنكبر ونتزوّج، فإننا سوف نندم على كل لحظة نضيعها. اخرجي لنا
لعبك وجياد سليمان، وحدّدي لنا أيّة أميرة ستستدعينا عندها اليوم؟
فتحتْ عائشة صندوقا خشبيا انفلتتْ منه كمية كبيرة من اللعب والدّمى وقطع من
القماش مختلفة الألوان. عمدتْ كلّ واحدة منهنّ إلى التنكّر في لباس معيّن.
بدأ الحفل بتصوّر قصر متخيل يبحث داخله الأمير الوسيم عن محبوبة قلبه بما
يليق بها. في هذه الأثناء، يفاجئهنّ قدوم محمد الذي وجدهنّ متسلّيات لاهيات
بحيث جلس في إحدى زوايا الغرفة مشيرا إليهنّ بعدم تدخّله. بعد ذلك طلب
منهنّ أنْ يسندن دورا معينا إليه ليشاركهنّ اللعب:
- جواد أو جمل. أنا رهن إشارتكنّ أيتها الصغيرات?
لقد كان بالنسبة لهنّ يبتكر ألعابا أخرى وهو يروي رحْلاته حين كان يقود
القوافل التجارية إلى الأصْقاع البعيدة، في الجانب الآخر من الصحراء الملئ
بالسباع وأبناء آوى وقطّاع الطرق. التوقّف في الواحات حيث العيون الجميلة
الداكنة تختفي خلف سَعَف النّخل الذي يداعب الأرض، والماء الذي تسكبه يد
حليبيّة من إحدى الجرّات، وأنشودة حمامة، والصوت البلّوري المنبعث من
نافورة ماء، وتنهيدة حسناء حورية المتدثّرة في حجابها. إنها رؤى رحالة متعب
ومنهك يستعدّ لمواصلة طريقه مقتنعا بأنه لم يكن في حالة حلم.
الصبايا الصغيرات ينصتن إلى كلامه بإعجاب. فما يقوله ويفعله الرسول لا مثيل
له. إن كلامه مليء بالعجائب، وحكايات مغامراته في غاية الغرابة بحيث أن
معظم الناس لا يمكن أن يفهموه، وقد يصفونه بالمجنون. ويوم بعد يوم، بدأ
الخجل يزول. ذلك أن عائشة التي كانتْ تنظر إليه بعين الريبة والحذر، بل
وبنوع من الخوف، باتتْ تألفه. اصبحت تعتاد على كلامه وعلى تعابير وجهه الذي
ينتقل من الغضب إلى الحزن، ومن الإرهاق إلى الحيوية، بحسب الحدث وتوقيته.
وحين تنصرف صدياقاتها، يبقى محمد برفقتها لكيْ يلقّنها الطريقة الصحيحة
للصلاة. وكيف تسجد وتركع بعد الوضوء الذي يطهّر البدن.





6/8/2012

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty عائشة، سنوات التعلّم لتستحقّ لقب زوجة الرسول

مُساهمة من طرف izarine الثلاثاء 7 أغسطس 2012 - 12:45


قال محمد لعائشة:
- بإمكانك أنْ تكلمي الله وقتما تشائين، في أيّ وقت من اليوم. غير أنّ
الوقت الأفضل لذلك هو الفجْر، حين يتمزّق الليل وتبدأ السماء في الشّحوب.
في تلك اللحظة بالذات، ينزل الله إلى السماء السابعة، وينحني نحو الأرض
لينصت إلى دعوات عباده التي يستجيب لها في تلك اللحظة من لحظات التكرّم.
وفي غالب الأحيان يشعر بالحزن والخيبة لكوْن العالم ينام وينساه.
- هل جبريل هو من روى لك هذا؟ وهل سيأتي ويكلمني حين سأصبح زوجتك؟
- قد يفعل إذا كلّفه الله بتبليغ رسالة إليْك.
- وما الذي ينبغي لي فعله لكيْ أنْ أنال إعجاب الله؟
- تمثّلي كلامه واستوعبيه. اقرئي الآيات التي دوّنها أبوك كما أوحيَ لي بها. فهو أوّل من أودعْتها لديْه.
فكّرتْ عائشة مليّا قبل أنْ تواصل قائلة باعتزاز:
- ويمكنني أيضا كتابتها. فأنا أعرف الحروف الهجائية للغتنا، كما أعرف الإمساك بالقلم.
أجاب محمّد:
- أما أنا، فلا أعرف القراءة. تعلّمي أنت بجدّ ومثابرة. إنّ أوّل كلمة
قالها لي جبريل حين برز لي عند مدخل غار حراء هي كلمة «اقراْ». فبواسطة
الكتابة ندخل إلى المعرفة، وبالنصوص يعلّم الله الإنسانَ ما لمْ يعلمْ.
صاحتْ عائئة:
- سوف أقرأ ذات يوم كلّ ما دوّنه أبي، وسأحكي لك ما تنطوي عليه.
نظرته المتأثّرة تداعبُ وجهها الدقيق المرفوع في اتجاهه، وجها في غاية
الإشراق والثقة في النفس إلى درجة اندهاشه به. أضاف وهو يتحكّم في المدّ
العارم من المشاعر والانفعالات التي تخترق فؤاده:
- ذات يوم ربّما سأملي عليْك كلام جبريل إذا عاد للاتصال بي، إذا لمْ يتَخَلَّ عنّي.
كانتْ هذه الكلمات كفيلة بفضْح الشّكّ الذي يؤرّقه بخصوص انتظار الوحْي
الذي انقطع عنه. نهض من مكانه، وأدار وجهه لكيْ يخفي تغيّر لونه واضطرابه.
حيّاها مسلّما بصوْت مختنق، ثمّ فتح الباب فجأة وانصرف. بقيتْ عائشة واجمة
في مكانها شاردة. وخلال الأيّام الموالية، استغربتْ لغيابه.
قال لها والدها:
- لقد رحل. لأنّ الوقت كان قد حانَ?
تتّمة كلامه لم تكن مفاجئة لها. فقد تابع والدها قائلا:
- أما بالنسبة لك أنت يا بنيّتي، فإنه يجب أنْ تشرعي في العمل. لأنّ ذاكرة
مثل ذاكرتك لا ينبغي أن تبقى بدون تغذية. سوف تذهبينَ كلّ صباح عند ابن
عمّي أسامة، الأكثر علما منّي. سيعلّمك فنّ الخطّ، وكيفية التعبير اللغوي،
وبلاغة الكتابة، ونظْم الشّعْر، ناهيك عن فنّ الخطابة. إنّ موسيقى الكلمات
يا ابنتي أمْر عظيم. ذلك أنّ الحديث بأسلوب راق هو جزء لا يتجزّأ من
التربية. وأنت لنْ تكوني بجانب الرسول امرأة بلهاء، بقدر ما سيكون لك دور
تلعبينه.
ارتسمتْ ابتسامة عريضة على محيّا عائشة. لقد كان جبريل قد قال لمحمد
«اقراْ». ألا يكون خطيبها هو مَنْ أملى على والدها اتخاذ هذا القرار قبْل
سفره؟ أعْجبتها الفكرة ولمْ تُبال بما إذا كانتْ مطابقة للواقع أمْْ لا؟
هكذا، وكلّ يوم، رفقة أختها البكْر أسماء، التي كانت ترغب في استكمال
وتعميق معارفها، وبمراقبة من طرف الجارية «بريرة»، كانت عائشة تتابع دروسها
التي كانت شغوفة بتلقّيها.
وبين الدروس واللعب، لمْ يكن ثمّة سبيل لأيّ ملل لدى عائشة. وما فَضُلَ من
ساعات، كانتْ تقضيها عائشة في المطبخ صحبة الخادمات اللواتي يعلّنها كيف
تطحن الشعير في الطاحونة الحجرية لكيْ تعجنَ الخبْز وقطع الحلوى بالعسل
والسّكر مثلما تعلّمتْ غزل الصوف وحياكة الثياب.
مرّت الشهور وإذا بمحمد يعاود الظهور من جديد. وبعد عودته من رحلته، استأنف
زياراته اليومية في الساعة المعتادة. باتتْ تترصده وهي تتوارى خلف حاجز
الأشجار المحادية للمسجد الصغير الذي ينفرد داخله بأبي بكر لساعات طويلة.
فما هو هذا الأمر الهام الذي يتحدثان فيه؟ انتبهت إلى الوجه المتبدّل
للرسول، وإلى انفعال أبيها. يثيرها الفضول كثيرا. لذلك ألصقت أذنها
بالحائط، بالقرب من إحدى الفجزات في الحائط بين لبناته، وعلمت أنّ الحديث
يدور حول فشل رحلة محمد إلى الطائف. لقد لفظه سكانها مثلما لفظه سكان مكة.
ومرّة أخرى يصاب بخيبة أمل في كونه غير مرغوب فيه ولا مُعترف به، ولا حتى
مقبول. وحتى أبو بكر كان يعبّر عن حزنه معه. وقد كادتْ عائشة أن تجهشَ
بالبكاء لولا خشيتها من أنْ ينكشفَ أمرها، وبالتالي تُعاقبَ بقسوة.
بعد بضعة أيام، جاء محمد إلى بيتهم، وشوهد وهو يدرأ الباحة في حالة انفعال
شديد. كان يسير بسرعة فائقة بحيث أنّ معطفه كان يتطاير. مدّ يده إلى صديقه
صارخا:
= هل تعلم يا أخي أنّ أمرا غريبا حصل لي الليلة الماضية.
أسرعتْ عائشة خارجة من مخبئها، وحبستْ أنفاسها إلى أنْ استمعتْ إلى الحكاية
العجيبة كاملة والمتعلّقة بقضية الإسراء. فبعد أدائه شعائر صلاة العشاء،
بالقرب من الكعبة، التي استمرّتْ إلى وقت متأخّر من الليل، غالب النوم
محمّدا إلى أنْ أحسّ بقدم جبريل تضربه في بطنه لكيْ يستيْقظ.


7/8/2012

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty عائشة تتمنّى أنْ يصبح الرسول ملكا

مُساهمة من طرف izarine الأربعاء 8 أغسطس 2012 - 11:22


بعد
أدائه شعائر صلاة العشاء، بالقرب من الكعبة، التي استمرّتْ إلى وقت متأخّر
من الليل، غالب النوم محمّدا إلى أنْ أحسّ بقدم جبريل تضربه في بطنه لكيْ
يستيْقظ.
وحين أيقظه، قدّم له دابّة بلقاء، أصغر من الحصان وأكبر من الحمار، وأمره
بأنْ يمتطيَ صهوتها. كان اسْم الدابة «البُراق»، ولها جناحان. امتطاها
محمّد وسرْعان ما طارتْ به إلى بيْت المقدّس حيث يوجد الهيْكل. هناك وجد
كلاّ من إبراهيم وموسى وعيسى ومريم في انتظاره أمامَ عدد من الأنبياء. وأدى
الجميع شعائر الصلاة على صخْرة المقدّس. منْ هناك، وعلى متْن الدّابة
السماوية، عرج محمّد إلى السّماء، حيث التقى الشخْصيات الكبرى التي تذكرها
الكتب السّماوية: إدريس، إلياس، نوح، يوسف، هارون وغيرهم. وهناك رأى جنّات
عدن العجيبة، التي يتلألأ نورها، ويشعّ وَهَجُها، ويفوح عَبَق روائحها.
بل إنه تمكّن حتى من الحديث إلى الإله الذي فرض على المسلمين خمس صلوات في
اليوم، بدَلا من الصّلاتيْن المقرّرتيْن اللتيْن لم تكونا كافيتيْن.
بقيتْ عائشة مشدوهة فاتحة فاها من الدهشة والتعجّب مما سمعته. وشأنها شأن
والدها الذي أجْهش بالبكاء، من فرْط الانفعال، بين يديْ الرسول، فإنّ عائشة
لمْ تشكَّ لحظة في صدْق ما يرْويه خطيبها. ولا حاجة إلى إقناعها، مثلما
يحتاج إلى ذلك مع هؤلاء أهل مكة الذين يسْخرون منه.
أضاف قائلا:
- لنذهبْ إلى الكعبة يا أخي، ما رأيك؟ ينبغي أنْ يعرفوا جميعهم ما جرى لي. لا بدّ أنْ يصدقوني?
من مخبئها، لمحتْهما عائشة وهما يجتازان باحَة البيت بخطى حثيثة. ذهبا
بحماس كبير، غير أنهما ما لبثا أنْ عادا بخُفّيْ حنيْن. مرّة أخرى باءتْ
مهمّته بالفشل. ومرّة أخرى سيسخر أهل مكّة من محمد. فقد اتّهموه بالكذب،
وشتموه وبصقوا في وجهه، هذا في الوقت الذي دافع عنه أبو بكر بكل قوّة، وقال
لهم:
- « أيّ بئس هذا؟ إني لأصدّقه فيما هو أبعد، أصدقه في خبر السماء يأتيه في غدوه أو رَواحه، إنْ كان قال فقدْ صدق».
منذ ذلك اليوم، وكلما جاء محمّد لرؤية عائشة بعد لقاءات مطوّلة مع والدها
أبي بكر، كانت تستقبله بابتسامة مشرقة ونظرة رضى من عينيْها الواسعتيْن.
وبرقّة متناهية، كانت يشاركها لعبها، ويروي لها حكايات أخرى، ويحرص على أن
لا يُصيبها أذى. قال لها: وهو يذكّرها بالرّؤيا الغريبة التي جاءه فيها
الملاك بصورتها وهي بعْد في قماط:
- ستكونين زوْجتي في الدنيا وفي الآخرة. هذه مشيئة الله.
- أجلْ، أعرف أنْ زواجنا كان أمْرا مُقدّرا، ما شاء الله?
مضتْ سنتان على زيارة الخاطبة خوْلة؛ وقد باتتْ عائشة، التي بلغتْ سنتها
الثامنة، ولم تتوقّف عن ملاحظة وتحليل كل ما يجْري من حولها، أكثر نضْجا،
وباتتْ تنظر إلى العالم بتعقّل أكبر. أمّا مستقبلها فلم يعُدْ يخيفها كما
كان الأمْر في السّابق. إنّ الحياة مع رَجل مثل محمّد، الذي لا يشبهه أحد،
لا يمكن أن تكون حياة عادية. بلْ وحتى هي لا يمكن أنْ تكون، وقد أصبحتْ
زوْجة للرسول، إنسانة عادية. لقدْ صارتْ حياتها تبدو لها مثل حياة مليئة
بالأمور الغريبة والسّاحرة. ولا زالتْ أحلام الطفولة حاضرة في ذهنها طازجة،
كما تحضر تنبّؤات والدتها في ذاكرتها.
وحين يعود محمد إلى انشغالاته اليومية، تعود عائشة إلى لُعبها ودُماها التي تخاطبها بكلّ اعتزاز هامسة:
- «عندما سيصبح محمّد ملكا، سوف أكون أنا بدوري ملكة، ملكة الجزيرة العربية?».
إنّ عائشة لا تجهل ما يتردّد من كلام في أرجاء المدينة، غيْر أنها تثق في القَدَر الذي ربطها برسول الله.
كان شهر شوال، باعتباره أوّل شهر من الشهور المقدّسة، قد بدأ. وكما جرت
العادة كلّ سنة، فإن هذه الفترة من سنة 622 ميلادية استقبلتْ مكّة عددا من
الحجّاج الذين يفدون من جميع الأصقاع: من شبه الجزيرة ومن اليمن ومن مصر.
يأتون للطواف سبع مرّات حول الحجر الأسود، المحاط بالجدران، من طرف السلف
النبيّ إبراهيم الذي طبعتْ قدمه الأرض إلى الأبد1.
وبُغية استغلال هذه المناسبة الجماهيرية التعبّدية، كان محمد يذهب كلّ يوم
إلى حرم الكعبة لمواصلة دعوته. يأتي مرتديا معطفا أخضر فوق كسوة بيضاء،
وعلى رأسه عمامة سوداء، ثمّ يشرع في توجيه أصبعه إلى الأصنام المتواجدة وهو
يشتم الكفّار وعبدة الأوثان.
يقول بعضهم ساخرا:
- إنه يصعد إلى السماء ويكلّم الله. ثم إنه يعتبر نفسه نبيّا، غير أنه ليْس قادرا على الإتيان بمعجزات.
ويضيف آخرون:
- نبيّ برجْليْن صغيريْن؟ رَجُل بئيس، مهجور، ومُحتقر. أيُّ إله هذا الذي يزعم أنه رسول له؟
تتقاطر الشتائم وعبارات السخرية، لكنّ محمدا لا يبالي بها ولا تهزّه. بكلّ
إصرار، وبحُكم الحماس الذي يستمدّه من إيمانه العميق، راحَ يُسْمع كلام
الله للجميع. وقد نجح إصراره في زعزعة الحشود الحاضرة التي باتتْ تسارع إلى
الالتفاف من حوْله. وإذا كان البعْض تمادى في عناده ومقاومته، فإنّ معظمهم
راحوا ينصتوتن إليه باهتمام. لم تكن فكرة الإله الواحد الوحيد فكرة جديدة،
ذلك أن العشائر اليهودية والمسيحية في الأراضي العربية كانت تعبده، كلّ
واحدة بطريقتها، ووفقا للتعليمات التي تركها أنبياؤهم.

1 يورد ابن كثير في «تفسير القرآن الكريم» ، الجزأ الأول، ص. 171 ما يلي:
«لما وطئ إبراهيم في الصخرة كانت رطبة على قدميه، حافياً غير ناعل، حتى
أنهما ساختا في الصخرة يوم كان يرتفع عليها حين ارتفاع البناء، وقد أدرك
المسلمون ذلك فيه أيضاً كما قال ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثهم قال: «رأيت
المقام فيه أصابعه - عليه السلام -، وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس
بأيديهم»، وقال ابن جرير: «وجاء عن قتادة في قوله: {وَاتَّخِذُواْ مِن
مَّقَامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا
بمسحه، وقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا من
رأى أثر عقبه وأصابعه فيه، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى».
(المترجم)




8/8/2012

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty عائشة تبكي لهجرة النبيّ

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 12:30



لم
تكن فكرة الإله الواحد الوحيد فكرة جديدة، ذلك أنّ العشائر اليهودية
والمسيحية في الأراضي العربية كانت تعبده، كلّ واحدة بطريقتها، ووفقا
للتعليمات التي تركها أنبياؤهم. وإذا كان موسى قدْ أوْصى بالاحترام التّامّ
للوصايا العشر (القوانين العشرة)1، فإن عيسى، الذي كانَ يزعُم أنه ابن
الله، كان قد دعا إلى المحبّة الإنسانية: «أحبّوا بعضَكُمْ بعضا كما
أحببتُكم». وبسبب هذه المحبّة مات مصلوبا، ضحية تحمّله أخطاء البشرية. أما
محمد، الذي يؤكّد أنه تلقى تعاليم من الإله، بواسطة المَلَك جبريل، فإنه لا
يتوقّف عن الحطّ من شأن الآلهة، مقابل دعوته إلى الخضوع إلى الله وتوحيده
مخافة جهنّم، لأنه يسمع ويرى كل شيء.
وقد كان لأسلوب الوعد والوعيد أثره البالغ في استمالة عدد من الحجيج في مكة
الذين سرعان ما تبعوا محمدا في دعوته، رغم المحاولات المتكررة من طرف
القرشيّين بغية إبعادهم عنه. خلال موسم الحجّ هذا، كبرتْ الأفواج المتوافدة
على محمد وتزايدت من كلّ جانب إلى أنْ صارت بحرا متلاطما يتجاوز حدود
المدينة، ويطفو على الصحراء ممتدّا إلى العوالم الأخرى في الأفق. سار
الإسلام وفق المشيئة الإلهية التي أمرت الرسول منذ البدء. ألمْ يقلْ له
جبريل: «قُمْ فَأَنذِرْ»؟ فضْلا عن عبارة أخرى ظلّتْ تتردّد من خلفه، وهي
«يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ
رَبِّكَ إِلاّ هُوَ.»2
في هذا المناخ، اقترب من محمد حواليْ خمسة نفر من أهل يثرب قائلين:
-السلام عليك يا رسول الله? هل تذكرنا، نحن حجاج يثرب؟ في السنة الماضية
وعدناك بأن نحدّث عنك أهلنا وعشيرتنا، ونعود إليْك بأعداد من معتنقي
الإسلام.
ابتسم الرسول، ثم وزّع العناق الحارّ على الجميع، وقال لهم:
- كيف أنساكمْ يا إخوتي؟ لقد كنتُ أعرف بأنّ الله سيبعثكمْ إليَّ من جديد.
بعد فشل المحاولة الأولى للهجرة إلى مدينة الطائف، التي طُرد منها شرّ
طردة، ها هي هذه العودة غير المنتظرة لأهل يثرب، من الأوْس والخزرج، أثلجتْ
صدره، وخصوصا أنها تزامنتْ مع اللحظة التي رأى فيها في المنام تلك الرؤيا
الخارقة عن إسلام منتصر فاتح3.
فهلْ ستكون يثرب هي الملاذ والملجأ القادم؟ ثم إنه ليس هو الوحيد المهدّد
من طرف القرشيّين وحلفائهم من بني مخزوم وبني أميّة. ومع كل ما سبّبه له
هؤلاء من أذى وضرر، فإنّ أعداد معتنقي الإسلام قد تزايدتْ داخل المدينة.
وهؤلاء أيضا عُرضة للخطر. فهلْ سيفتح لهم الله طريقا أخرى؟ وبالفعْل، فإنّ
رجال يثرب كانوا عند وعدهم، وجاءوا بأعداد من المسلمين الجدد الذين ردّدوا
«لا إله إلا الله، محمد رسول الله».
بعد ذلك، وفي الصحراء المشرقة بأشعّة الغروب، أدّى اثنا عشر منهم قَسَم
«العقبة»، وتمت البيعة، وكانت هذه المرة على الحرب والسلم، ومدّوا إليه
أيديهم مصافحين، ومُقْسمين باللّه الواحد الذي آمنوا به أنَّهم سيحمون
محمّدا وينصرونه، وأنَّهم سيرفعون السّلاح مدافعين عنه بوجه أيّ قوّة في
الأرض، وضدّ الكفّار إلى درجة إمكان فقدان ممتلكاتهم وأموالهم وحياتهم.
بعد ذلك سألوه:
- إذا وفّيْنا بالتزامنا تُجاهك يا رسول الله، فماذا سيكون نصيبنا؟
- الجنّة?
عاد محمّد إلى بيته وكلّه أمل، وذلك رغم ما اعترض سبيله من مضايقات وشتائم.
في الصباح، وكعادته، توجّه إلى بيت أبي بكر صديقه لكيْ يخبره بما جدّ من
أمور. وحين اجتاز باحة بيْت صديقه، المليئة بحركة الخدم، لمْ ينتبه إلى
النداءات الهامسة لعائشة. ولما انتبه أبو بكر إلى توثّره واضطرابه، بادره
إلى التعبير عمّا يجيش في صدره. أمسك محمد بيده، ثم أخذه إلى المسجد الصغير
ليختلي به. اختبأتْ عائشة كعادتها خلف الأشجار، وقلبها يدقّ بسرعة، فنظرة
محمد غير العادية أخافتها كثيرا، وبالتالي خشيتْ أنْ يكون ثمّة أمر جَلَل.
غير أنها أنصتتْ إلى حكاية أهْل يثرب، وإلى الرؤيا التي رأى فيها بأنّ
الوجْهة القادمة للهجرة هي يثرب، مدينة رسول الله.
لمحتْ عائشة احمرارا في عينيْه المتقدتيْن كالجمْر. ثمّ وضع أبو بكر يديْه على كتفيْ محمّد وهو يقول:
- لتُسرعْ إذن يا أخي، إنّ القرشيين يخططون لقتلكَ. فقد كلفوا اثنيْ عشر رجلا، كل واحد يمثّل قبيلة من أجل الترصّد لك وطعنك بالسكين.
ابتسم محمد وهو يداعبُ لحيته السوْداء كشعره، وأجاب:
- لنْ أتحرّك من هنا يا أخي، إلا إذا تلقّيْتُ الأمر الإلهيّ. لكن من
الأجدى أنْ يشْرع المسلمون في الهجرة جماعات جماعات، تفاديا لإثارة انتباه
المشركين وشكوكهم. هناك في الواحة، سيُسْتَقبلون بحفاوة ويهيّئون لمجيئي.
بدأت عائشة ترتعد في مخبئها وكأنها استشعرت الخطر الذي يتهدّد المدينة والمسلمين والرسول. هل ينبغي أنْ يهربوا كأنهم مجرمون؟
تمرّ الأسابيع، ولا شيء تحرّك. كل واحد واصل مهامه، رفيعة كانت أو وضيعة.
في مكتب أبي بكر، تجلس كلّ من أسماء وعائشة ممسكتيْن بالقلم، وهما تكتبان
ما يمليه عليهما والدهما، الذي يراقب مدى تطوّر تحصيلهما ومعرفتهما. لاحظ
بكلّ ارتياح أنّ الصغرى تحرز تقدّما كبيرا بالقياس إلى الكبرى على مستوى
الكتابة. هنّأها والدها وهو يربّتُ على شعرها، وقال معلّقا:
- قراءة خطّك متعة للعيْن يا عائشة.


1 الوصايا العشر هي القوانين العشرة، حسب الكتاب العبري، التي أنزلها الله
على النبي موسى. تعتبر الوصايا العشر الأساسية إحدى أهم الوصايا التي نزلت
على بني إسرائيل ويصل عددها إلى 600 وصية موجودة في العهد القديم. تعتبر
الوصايا أسسا أخلاقية في اليهودية والمسيحية، ومضمونهن أيضا موجود في الدين
الإسلامي. (المترجم).
محتويات
2 سورة المدثّر، الآية 36.
3 عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ
أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ
وَهَلِي [أي ظني] إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ
الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ . . . الحديث . رواه البخاري ومسلم. (المترجم).




9/8/2012

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty الرسول يقترضُ مَهْر عائشة من أبي بكْر

مُساهمة من طرف izarine الجمعة 10 أغسطس 2012 - 19:07

تمرّ الأسابيع، ولا شيء
تحرّك. كل واحد واصل مهامه، وفيعة كانت أو وضيعة. في مكتب أبي بكر، تجلس
كلّ من أسماء وعائشة ممسكتيْن بالقلم، وهما تكتبان ما يمليه عليهما
والدهما، الذي يراقب مدى تطوّر تحصيلهما ومعرفتهما. لاحظ بكلّ ارتياح أنّ
الصغرى تحرز تقدّما كبيرا بالقياس إلى الكبرى على مستوى الكتابة. هنّأها
والدها وهو يربّتُ على شعرها، وقال معلّقا:
- قراءة خطّك متعة للعيْن يا عائشة.
وفجأة جاء محمّد بنظرة مذعورة، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
- فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي ، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاّ أَمْرٌ جلل.
فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ وقال:
- لديّ أخبار هامّة أودّ أنْ أبلّغك إياها، ولا ينبغي أنْ يسمعنا أحد، أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ.
نهضتْ كل من أسماء وعائشة استعدادا للخروج من الغرفة، غير أنّ أبا بكر
أبْقاهما منبّها إلى كوْنهما جديرتيْن بالثقة وقادرتيْن على كتمان السّرّ:
“إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بأبي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ”.
وأمام توتّر محمد، لزم الجميع الصّمْتَ مترقبين معرفة السبب. طفق محمد
يدرأ الغرفة جيئة وذهابا، ثم تسمّر في مكانه قائلا بصوْت خفيض:
- لقد أَمرني الله بالهجرة!
- وهل أنا معك؟
- أجلْ أنتَ معي.
- الله أكبر.
أمام أعيُن ابنتيْه، ارتمى أبو بكر في أحضان صديقه محمد وأجهش بالبكاء. لم
يسبق لعائشة أنْ رأتْ والدها في مثل هذه الحال، ولم تفهم أنّ هذه دموع
علامة على الفرح لا الحزن. وبدورها أجهشتْ بالبكاء، فقد أخافتْها كلمة
“هجرة”. كيف سيكون مصيرهم ومستقبلهم هناك؟ انتبه محمد إلى ضيْقها، ثمّ
التفتَ نحوها وأخذ يدها إلى شفتيْه برقّة متناهية وقال:
- لا تحزني، إن الله يبعثنا إلى مكان آمن رحيم، سنكون سعداء فيه. سأهاجرُ
في مرحلة أولى أنا ووالدك، ثم تتبعيننا أنت فيما بعد. ثقي يا غزالي أنه لنْ
يمسسك أحد بسوء.
- سوف أصلّي من أجلكما، رعاكما الله.
ثمّ عمدتْ كلّ من أسماء وعائشة إلى تجْهيزهما أَحَثَّ الْجِهَازِ ،
وَصَنَعا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي
بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ ،
فَبِذَلِك سُمِّيَت ذَات النِّطَاقَينِ. ثُمَّ لَحِقَ محمد وَأَبُو بَكْرٍ
بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ
عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ
ثَقِفٌ لَقِنٌ [أي : حاذق سريع الفهم] فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا
بِسَحَرٍ [أي يخرج من عندهما آخر الليل] فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ
بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلا وَعَاهُ
حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ .
خرجتْ عائشة وهي حزينة وآسفة على ترْك بيتهم في مكة، البيت الذي رأتْ فين
النور، وعاشتْ فيه ذكريات جميلة.
وبعد هجرتهم إلى يثرب، التي باتتْ هي مدينة الرسول، استقرّ كل من محمد
ومَنْ هاجر معه، إلى جانب أبي بكر وعائلته، ضمنهم عائشة التي أصابها مرض في
الطريق.
ذات يوم، وأمام عدم قدرته على الانتظار لمدة أطْول، تحاملَ أبو بكر، وتجاسر
وانحلّتْ عقدة لسانه ليُفاتح الرّسول في موضوع يؤرّقه منذ وصولهم إلى
يثرب، وهو موضوع زواج الرسول من عائشة. وقال:
- يا رسول الله، إنّ ما يقضّ مضجعي أكثر هو أنه يبدو لي أنك نسيتَ وعد
زواجك بعائشة. وقد كثُر القيل والقال في أرجاء المدينة حيث يُقال إنّ
محمّدا لم يعد راغبا في ابنة أبي بكر، فلماذا تهينني بهذا الشكل؟
تماسكتْ عائشة نفسها داخل مخبئها، حابسة حرقة المفاجأة وقلْبها على وشك
التوقّف. يتعلّق الأمر إذن بإشاعة مشينة لا علم لها بها. فكيْف يا تُرى
سيكون ردّ محمد؟ إذا أكّد ما يروج، فإنّ الأجدَرَ لها أنْ تموت. سوف تكون
الإهانة أمرا غير قابل للتّحمّل. حبستْ أنفاسها، غيْر أنّ الذي ستسمعه من
كلام سيزيد من مفاجأتها:
- كلاّ، هذه الفكرة لم تخطر ببالي يا أخي، سأقول لك الحقيقة. لمْ يتبّقّ
معي مال، وبالتالي لا يمكنني أداء مبلغ خمسمائة درهم مقابل صَداق عائشة.
ردّ أبو بكر مُطمئنا:
- إذا كان هذا فقط هو السبب، فأنا على استعداد لكيْ أقرضكَ هذا المبلغ،
ولننْته من الحيث في هذا الموضوع. إن ابنتي بلغتْ البلوغ منذ شهور، ثم إن
آثار المرض قد زالتْ، ولم تكن أكثر جمالا من اليوم.
- بالله عليْك يا أبا بكْر، فأنا لستُ أعمى. بادرْ إلى الاستعدادات وسوف تجعلني أسعد الناس.
إثر سماعها هذه الكلمات، التي بدّدتْ جميع المخاوف، اجتاحت موجة من السعادة
قلبَ الشابة عائشة. سعادة لمْ يكن بإمكانها التعبير عنها دون الكشف عن
حضورها. أغمضتْ عينيها وهي تردّد الكلمات الأخيرة التي تلفّظ بها محمّد.
إنه لمْ ينسها إذن، ولنْ تُهان بين أهل يثرب. فالزواج هذه المرّة لن يتأخّر
ولنْ يُؤجّل.
في الحديقة، وتحت شجر النخيل، كانتْ عائشة تلعب بأرجوحتها. رجلاها في اتجاه
السماء، ورأسها مقلوب إلى الخلف، وهي تدفعُ بخصرها إلى الأعلى وتحسّ
بمداعبة شعرها على كتفيْها. لقد طال وأصبح برّاقا أكثر وأقوى. إنّ خصلات
الشعر هذه، التي تتبع أبسط حركاتها على الأرجوحة، هي مصدر اعتزازها
وتفرّدها. فلا تملك أيّ واحدة من صديقاتها مثل هذا الشعر البرّاق اللامع.
لون فريد يميّزها.


10-08-2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty ليلة القبْض على عائشة

مُساهمة من طرف izarine السبت 11 أغسطس 2012 - 11:52


تصرخ عائشة في وجْه صديقتيْها اللتيْن تدفعان أرجوحتها:
- واصلا الدفْع إلى الأمام بقوّة.
طيلة هذا المساء، جريْن ولعبْن ورقصْن، وانتعشْن بحركة الهواء العليل الذي
يهبّ هذا المساء ككلّ المساءات، ليهدّئ من اندفاعات النهار. والآن حان وقْت
الغزل والعواطف. كلّ واحدة منهنّ تحلمُ بالحبّ وهي تفكّر في الخطيب الذي
ينتظرها. يتخيّلن القبلات والعناق والمداعبات والكلمات العاطفية الجميلة
المصاحبة لها من قَبيل:» نور عينيّ، شمس قلبي، عسل حياتي الخ».
في هذا النسيم المعطّر بزهر شجر الليمون، تتعاقب القصائد والأغاني، وفي هذا
المناخ تستحضر عائشة أغاني الطفولة تحت الخيام البدوية. ومثلما تقول
الحكاياتُ، فإنّ أميرها سوف يأتي ذات يوم لكيْ يأخذها معه. لكنْ كيف سيكون
الحبّ إلى جانب نبيّ لم يعدْ يملك ما يكفي من الوقت للتفرّغ لها؟
في هذه الأثناء، خرجتْ والدتها أمّ رومان، تتبعها جاريتها بريرة. اقتربتْ
منها مبتسمة ابتسامة عريضة تفضح ما يجيش بدواخلها، ثمّ قالتْ وهي تمدّ يدها
إليْها:
- تعاليْ يا بنيّتي، يجب أنْ تدخلي لكيْ نغيّر ملابسك1.
لمْ تطلب عائشة أيّ تفسير لهذا الأمْر. كانتْ تعلم ما يجري من حولها. فلقدْ
سمعتْ في اليوم السابق بعض الكلام الهامس عن طريق الصدفة، والذي فهمتْ منه
أنّ الرسول قد اتّخذ له بيتا ثانيا، وهو الآن بصدد التأكّد من أنّ كل
الحاجيات واللوازم الضرورية وتفاصيل أخرى على ما يُرام. لقد فهمتْ بأنّ
اللحظة قد اقتربتْ. لذلك خرجتْ وانغمستْ هذا اليوم في اللعب مع
صُوَيْحباتها، مخافة أنْ يمنعوا عنها ذلك بعدما تصبح زوجة رسول الله، أهمّ
رجل من بيْن جماعة المؤمنين المستقرّين في هذه الواحة.
ودون أنْ تنبس ببنت شفة، تبعتْ والدتها إلى غرفتها، واستسلمتْ لأيدي
الجواري اللواتي يتّبعن أوامر ونصائح «بريرة». في البداية، نضحْنها بالماء
المُعطّر، قبل أنْ يلبسنها فستانا من حرير، مخطّطا جلبوه من البحريْن. ثمّ
وضعْن في وسطها حزاما عمل على إبراز قَسَمات جسمها، كما سرّحْن شعرها
بعناية وزيّنّه بشرائط وورود، وأبرزْن عينيْها الواسعتيْن السوداويْن
بالكُحْل.
ظلّتْ عائشة جامدة من الرهبة في مكانها وهنّ يستكملن زينتها. بعد انتهاء
الجواري من عملهنّ، تبعتْ خطوات والدتها وهي تمسكُ بيد أختها أسماء. وأمام
الغرفة الرئيسية، التي اجتمع داخلها والدها أبو بكر والنبيّ وبعض
المدعوّين، أفسحوا لها الطريق لكيْ تدخل. قالتْ لها أمّ رومان:
- ادخلي يا بنيّتي، أتمنى لك كلّ خير، أسعدك الله يا بنيّتي?
ثم أضافتْ أسماء وهي تكفكفُ دموعها:
- كلّ السعادة لك يا أختاه.
وبعد تأكّد «بريرة» من زينتها، عبّرتْ بنفس الكلمات، لكنها أجهشتْ ببكاء
أكبر إلى درجة الاختناق. تسمّرتْ عائشة في مكانها، ما يكفي من الوقت لكيْ
تبدّد قلقها بعض الشيء. لماذا هذا النحيب والبكاء الذي يواكبُ التعبير عن
المتمنيات بالسعادة؟ فهل الزواج موت؟
خلْف العتبة التي يتعيّن عليها اجتيازها، لنْ تبقى بعد طفلة. مخالب الرهبة
تتمكّن من أحشائها من جديد. تتنفّس عائشة بقوّة لكيْ تكتسب شجاعة أكبر.
تتقدم باحتشام نحو استكمال مصيرها المستقبلي. أَلَمْ يخلقْها الله لكيْ
تكون زوجة للرسول؟
كان محمد جالسا على أريكة مفروشة بجلد الماعز، ومؤثثة بعدة وسائد، وهو ينصت
بأذن لا مبالية إلى الكلام الهامس الذي يصدر عن الأصدقاء المحيطين به.
حوالي اثنا عشر رجلا وامرأة، من المهاجرين والأنصار، الذين لهم شرف
الانتماء إلى دائرة المقرّبين الضيّقة. بالكاد كان يسمع، لأنّ ذهنه كان في
مكان آخر. كانتْ عيناه تراقبان باب الغرفة الذي توجد خلفه، لبضع لحظات،
حلمه الذي جعله الله ممكنا. كان انفعالا شديدا، مزيجا من القلق والتلهّف
والحيْرة، فضلا عن الرغبة الجامحة والتي لا يكاد يخفيها إزاءها.
هذه الليلة ستكون زوجته الصغيرة بين أحضانه. ورغم أنه يبلغ من العمْر
اثنيْن وخمسين سنة، فإنه ينتظرها بانفعال لا يوصف، تماما مثل شابّ في
الخامسة عشر من عمره قبل ليلة زفافه. أما هي، عائشة، فقد كانتْ في أبهى
زينتها، وأوْج بهائها. وهو يعرف أنه جميل ووسيم بقامته وجسمه المفتول
المعتدل. كلّ النساء يقلن له هذا، منذ زوجته خديجة، وهند ابنة عمه، التي لم
يتزوّجها لأنه كان فقيرا ويتيما. وحتى زوجته سودة بنت زمعة حين تقتسم معه
الفراش. غير أنّ هؤلاء النساء كنّ ينتمين إلى رجال آخرين، أزواج آخرين.
أجسادهنّ المستعملة والمُستهلكة عرفتْ في السابق الممارسات العاطفية،
وأيديهنّ عرفتْ كيف تجلبُ له المتعة. أمّا مع عائشة، فإنّ الأمر يختلف. فهل
سيجرؤ على لمس جسدها الغضّ دون أن يخاف من إرعابها أو تحطيمها؟
وأخيرا سيُفتح باب الغرفة وتظهر عائشة في أبهى حللها وزينتها وجمالها
الوضّاء. تقدّمتْ نحوه بخطى وئيدة مثل جمرة متراقصة تسحره وتلهبه في
الأعماق. في الطريق إليه ارتبكتْ، غير أنها ما لبثتْ أن تمالكتْ نفسها حين
وصلت إلى القرب منه. أخذ محمّد بيدها ووضعها فوق ركبتيْه قائلا لها:
- ها هي أسرتك ليرعاهم ويرعاك الله.

1يروي البخاري وكتب السيرة هذا الحدث كما يلي:» حدثني فروة بن أبي المغراء
حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني
النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني
الحارث بن خزرج فوعكت فتمرق شعري فوفى جميمة فأتتني أمي أم رومان وإني لفي
أرجوحة ومعي صواحب لي، فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى
أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئا من ماء
فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن
على الخير والبركة وعلى خير طائر فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني، فلم يرعني
إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع
سنين». (المترجم)



11/8/2012

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty ليلة عائشة الأولى في بيت النبيّ

مُساهمة من طرف izarine الإثنين 13 أغسطس 2012 - 11:36

لم تجرؤْ عائشة على النظر
إلى محمّد وجها لوجه، ولا حتّى على التحرّك. بقيتْ جامدة في مكانها لا تلوي
على شيء. كانتْ تجهل مظاهر الحركة والمشي في مثل هذه الأجواء. إنّ حضور
هذه الشخصيات الكبرى التي تأكلها بعيونها الفاحصة، أمْر يخجلها كثيرا. لمْ
تدْر ما ستفعل ولا ما ستقول، بل لقد ماتتْ من خشْية أنْ ترتكب خطأ، أو أنْ
تكون مثيرة للسخرية، أو أنْ تتسبّب في أيّ حرج لأَبَويها.
قدّمت والدتها أمّ رومانْ قدحا كبيرا مملوءا بحليب الناقة، الذي لا يزال
يحتفظ بدفء ثدْييْ الناقة، وقدّمته إلى النبيّ المبتسم. شرب منه جرعة واحدة
ثمّ قدّمه بدوره إلى عائشة التي رفضتْه، لكوْن معدتها مضطربة من شدّة
الخوف. أصرّ عليْها محمد، فوضعتْ شفتيْها داخل القدحَ الذي شربتْ منه نزْرا
قليلا قبل أن تمرّره إلى أختها أسماء التي مرّرته هي أيضا من يد لأخرى.
وكان كلّما شرب أحد المدعوّينَ مرّره إلى جاره، بعد أنْ يعبّر للزوْجيْن عن
آيات الامتنان والدعاء بالتهاني والسعادة:
- مبروك عليْك، متمنياتي بالسعادة?
قُضيَ الأمر إذن، وكان ما كان مقدّرا، وتزوّج محمد بعائشة، وانتهتْ مراسيم
حفل الزواج: لا موسيقى ولا وليمة. انفضّ الجمْع ، وأخذ محمد بيد زوجته
الشابة. في غَبَش المساء، قادها إلى بيْتها الذي أعدّه لها على مبعدة خطوات
قليلة من بيتهم. التفتتْ عائشة بقلب منقبض لكيْ تلقي نظرة أخيرة على البيت
الأبوي الذي تحتفظ فيه بذكرياتها وبدُماها اللامبالية.
في باحة المسجد، اكتشفت بيتها الجديد: جدران من الآجُر الطينيّ، تحت سقف من
القشّ. ينفتح الباب على فضاء مخصّص للزّوّار، يحجبه فراش من الصوف ممتدّ
على طول الغرفة، ويحجب بالأساس الجزء الحميميّ من البيت. وهو عبارة عن غرفة
كبيرة يقتصر أثاثها على الحدّ الأدنى منه: سجّادة تغطي الأرضية المتربة،
صندوق كبير لحفظ الملابس، وسائد للجلوس. في زاوية من الغرفة، يوجد السرير
المكوّن من أغطية مخيطة في شكل أكياس. وفي الزاوية المقابلة أواني الحياة
اليومية: جفنة ماء وإبريقها، ثلاث جرّات طينية: واحدة للماء، والثانية
للزيْت، والثالثة لتخزين الحبوب. بادرها محمّد قائلا:
- كلّ هذا لك يا عائشة، تصرّفي فيه كما يحلو لك.
حرّكتْ رأسها معلنة عن موافقتها بدون أنْ تنبس ببنْت شفة. وبدأتْ تتثاءب
وهي تفرك عينيْها لكيْ تغالب الحاجة إلى النوْم. لم تحتفل بعدُ بسنتها
العاشرة. لذلك فإن ما عاشته من أحاسيس وانفعالات خلال النهار أنْهكها وأتعب
جسدها الطريّ. حلّتْ حزام فستانها الذي سقط عند قدمْها. وبحركة رشيقة
قامتْ بتخطّيه وارتمتْ بقميص نومها فوق السرير بدون غطاء، واستسلمتْ للنوم
على الفور متناسية زوجها محمّدا.
ظلّ محمد، الذي تأثّر كثيرا بهذه البراءة الطفولية، يتابعها لمدة طويلة قبل
أنْ يلتحق بها على السرير، مكتفيا بمداعبتها برقّة متناهية، ومستمتعا
بجمال هذه العذراء الخادرة ذات الاستدارات المتناسقة. قلبه ينفعل عاطفيا،
ويمتلئ حنانا. لم يجرؤ على التحرّك وهو بجانبها، خشية أن يوقف هذه النظرات
التي تستمتع بها عيناه. سوف يأخذ وقته الكافي، كما خمّنَ، من أجل امتلاك
غزالته الصغيرة دون أنْ يفزعها. سيصبر حتى يتعوّد على لعبها الطفولي.
وحين استيقظتْ من نومها في الصباح، ووجدتْ رسول الله ممدّدا بجانبها، لمْ
تفهم عائشة أنّ الوضعية ليستْ لائقة ولا عادية بما أنها زوجته. نظر إليها
متبسّما، وطبع قبلة خفيفة على كتفها. ارتعشتْ وتراجعتْ إلى الوراء. تذكّرت
ما كانوا يقولون لها عن ليلة الزفاف. لكنها لمْ تشعر بأيّ أَلَم، ولمْ
تحتفظْ بأيّة ذكرى عنه. لم يحدث أيّ شيء مادامتْ قد نامتْ. غير أنّ الوقت
كان ساعتها قد حان، ولا محالة أنها سوف تتألّم. قال لها محمّد:
- عسلَ روحي، لنْ أسبّبَ لك أيّ ألم. تعاليْ عندي، أنت الآن زوجتي التي
اختارها لي الله. وأنت كذلك فتاة جميلة ينبغي أنْ أحافظَ عليْها. لمْ
تَخَفْ عائشة من صديق والدها، الذي تعرفه منذ سنوات، والذي أصبح الآن
زوجها. ثمّ إنه ليس عنيفا مثل أحد صحابته، هو عمر بن الخطّاب الذي يتكلّم
بصوْت مرتفع، ويمتشق سيفه لأبسط مخالفة وأتفه الأسباب. ما يقلقها هو كونها
لا تعرف شيئا، فكيْف سيكون الألمُ؟ إن أنامل محمد الرقيقة تبدّد المخاوف.
لذلك استسلمتْ للأمر، وتركتْ نفسها لأيدي محمّد. وشيئا فشيئا اعتادتْ على
جسد زوجها وعلى مداعباته. وفي الوقت ذاته، أعطى لنفسه الوقت الكافي من أجل
تعويدها على مُتَع الجسد وفنونه.
لقد أوحى له الله بالقاعدة التالية التي ينبغي اتّباعها: ثلاثة أيام وثلاث
ليالٍ كافية للزوجة التّيّب سودة، بينما الزوجة البكْر تحتاج إلى وقت أطول
وصبْر أكبر. ولهذا فإنّ سبعة أيّام وسبعَ ليالٍ ستكون ضرورية لكيْ تتعلّم
عائشة أسرار العلاقة العاطفية والزوجية، فضْلا عن باقي الأمور العملية التي
تفيدها في الحياة. كان يفكّر في أنْ لا تكون أمّ ولده الآن، بقدر ما تكون
محبوبته إلى الأبد. بعد الأسبوع الأول من زواجهما، وانقضاء ما يشبه شهر
العسل، سوف يعود محمد إلى اهتماماته وانشغالاته الأخرى كرجُل دين ودولة.
الزّواج جميل، لا ألَم ولا معاناة، هذا ما اكتشفته عائشة. لكنْ عندما علمتْ
بخروجه إلى الحياة العامة، انتفضتْ وغضبتْ. غير أنه طمأنها قائلا:
- لا تخافي، لنْ أكون بعيدا عنْك. سأكون على مبْعدة خطوات منك فقط، في الجانب الآخر من الباحة، داخل المسجد.


13-08-2012

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty الرسول يغضبُ من اهتمام عائشة بجمال البيْت

مُساهمة من طرف izarine الثلاثاء 14 أغسطس 2012 - 14:10

طمأنها الرسول قائلا:
- لا تخافي، لنْ أكون بعيدا عنْك. سأكون على مبْعدة خطوات منك فقط، في
الجانب الآخر من الباحة، داخل المسجد. يمكنك رؤيتي من الباب. كلّ صباح،
سأعقد مجلسا مع صحابتي. بعد ذلك سوف أستقبل أولئك الذين يأتون لمقابلتي.
حين تنتهي من ترتيب هذا البيْت، أنصحك بأنْ تجلسي عند مدخل الباب لتنصتي
إليَّ أنت بدورك. اهكذا لنْ تشعري بأيّ ملل.
لكنها ردّتْ قائلة:
- بدونك سأكون حزينة. أعدْني بأنْ تعود إلى البيت بعُجالة.
قال لها وهو يقبّلها:
- لا تبْك يا عيْنيَّ الجميلتيْن، أحبّك كثيرا.
وما كاد الرسول يخرج من البيت حتى اندسّ إليْه شبح وهو ينادي:
- عائشة؟ أيْن أنت يا حمامتي؟
إنها جاريتها «بريرة» التي لمْ تصبر على عدم رؤية سيّدتها الصغيرة. ما
كادتْ تنصرم الأيام السبعة على زواج عائشة، حتى خرجتْ خلسة، وانتظرتْ
الفرصة المواتية لكيْ تختليَ بصغيرتها. فهي ترغب في أن ترى وتعرف كلّ شيء،
وتطمئنّ على أن ابنة سيدها أبي بكر لا ينقصها شيء. حين دخلتْ سمعت صوتَ
بكاءٍ أتياً من زواية الغرفة. تسللتْ خلسة لتجد عائشة جالسة القرفصاء على
سريرها. لم تتمالكْ «بريرة» نفسها وأطلقتْ صرخة مدوّيّة وقالتْ:
- صغيرتي، هل تعاملَ معك الرسول تعامُلا غير لائق؟ هل أساء إليْك؟ صارحي
جاريتك العجوز بكل شيء، وستريْن كيف سأنطلق إليه وأوبّخُهُ بكلّ ما يستحقّ.
- كلاّ يا «بريرة»، إنّ العكس هو الذي حصل. محمد زوج وديع، وأنا سعيدة معه
وبين أحضانه? غيْر أنه خرج لقضاء أشغاله، وبقيتُ أنا حزينة بدونه.
انتصبت الجارية واقفة، وتنفّست الصعداء. ذلك أنها اطمأنّتْ إلى أنّ أمور
الزواج قد تمّتْ بنجاح وعلى أحسن ما يُرام. ثمّ سعلتْ سعلة خفيفة منشرحة
البال، وأضافتْ بحدّة حتى لا تضيع شيئا من سلطتها، وقالتْ:
- امْسحي دموعك، وارتدي ملابسك، وسرّحي شعرك، ولننتقلْ إلى الخطوة التالية.
سوف أعلّمك كيف تكونين زوْجة جيّدة ليس فقط في المتع السريرية. هيّا أرني
مرافق بيتك الجديد. ينبغي أنْ يكون بالنسبة لزوجك ملاذا للأمن والسلام،
يأتي إليه من أجل الراحة وتجْديد القوّة.
وقد كانت النظرة الأولى على البيت، في ضوء القنديل، كافية لتطلق صرخة أخرى
من المفاجأة هذه المرّة. شتّان ما بين هذا البيت وبين بحبوحة العيش في بيت
أبي بكر والدها، المزيّن بزرابي صوفية، والمؤثّث بأواني ثمينة. وإذا كان
محمد غنيّا بكلام الله، فهو يعيش حياة زهد تصل إلى حدّ الفاقة.
قالت «بريرة»:
- ربّاه، يا له من بؤْس كبير، هذا أمر لا يُعقل? سرير يكشط الجسم مثل حقل
من الشوك، جرّات فارغة. ولا أرى سوى القليل من الماء، وحفنة من الحبوب،
وبعضا من التمر. بالله ماذا أكلتما طيلة أسبوع بكامله؟
أجابتها عائشة:
- جارية لسوْدة كانتْ تحمل إلينا طبقا من الطعام وتضعه أمام الباب، وكان الطبق كافيا لنا.
- هذا الحال لا يمكن أن تستمرّ، وسوف تمرضين، دعيني أتصرّف.
خرجتْ مسرعة، ثم عادت محمّلة بسلال تحتوي على أغطية للسرير من القطن
الأبيض، ووسادات ناعمة للرأس، وقطع من الثوب المزركش بشخصيات مصرية، وأوان
ومؤَن. ترافق «بريرة» جاريتان تحملان صندوقا كبيرا صُفّفت بداخله جهاز
العروس: فساتين وأقمصة وأحزمة ومواد زينة، فضْلا عن عطْر المسك الذي يثير
الشهوة. وبسرعة فائقة، تمّ ترتيب البيت الذي أصبح مظهره لائقا ومغريا لمن
يدخل إليْه. وعبْر الباب المفتوح، تدخل أشعة الشمس القوية، بينما يعمل
الستار المزركش، الذي عوّض الغطاء التقليدي العتيق، على تصفية هذه الأشعة،
مما يضفي على الغرفة منظرا مثيرا. صفقتْ عائشة بيديْها وهي تفكّر في
المفاجأة التي تنتظر زوجها محمّدا عند عودته.
تنتظره وهي تتخيّل ملامسات ومداعبات الرضى عنها. وعند عودة الرسول إلى
البيت، بقيت مشدوها أمام هذه التغييرات التي طرأتْ عليه. التهبتْ عيناه
وارتعدتْ شفتاه وصاح:
- ما هذا الذي جرى هنا؟
وبحركة واحدة، ارتمى على الستائر المصرية المزركشة، واقتلعها من مكانها قائلا:
- لنْ تأتي الملائكة إذا رأتْ هذه الوجوه?.
ثمّ إنه رأى الأغطية الجديدة على سريره، وبدورها أخذها ورماها إلى الخارح مرتعدا:
- أنا لا أعيش في بحبوحة ونعيم، بقدر ما أكتفي بما يملكه الفقراء والمعوزين
من المؤمنين. وأنت زوجتي يا عائشة، وينبغي لك أنْ تخضعي للزهد وشظف العيْش
الذي أتبعه في حياتي.
في هذه اللحظة، وأمام ما رأتْ وما سمعتْ، أجهشت عائشة بالبكاء. ثمّ إنه هدأ وأخذها بين ذراعيْه من أجل مواساتها وتهدئتها. ثم قال:
- لا تبْك يا غزالتي، أنا لا أوبّخك، أريد فقط أنْ أبيّن لك بأنّ رسول الله
يتعيّن عليه أنْ يضرب المثال للناس، ويكون قدوة لهم. وأنا على يقين بأنك
سوف تفهمينني، وبأنك ستتبعين تعاليم الله وتخضعين لإرادته. فهو الذي يجب
أنْ تنالي إعجابه، وبهذه الطريقة يمكنك إسعادي.
وفي مساء اليوم نفسه، واحتراما للعدالة الزوجية، توجّه إلى بيت سودة ليقضي
عندها ليلة زوجية، تاركا عائشة وحدها في بيتها تفكّر في كلامه.


14-08-2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty سوْدة زوجة الرسول تعلم عائشة فنون البيت

مُساهمة من طرف izarine الأربعاء 15 أغسطس 2012 - 16:04

بقيتْ عائشة تفكر في كلام
زوجها، ووجدت تبريرا لما قاله. وخارج العلاقات العاطفية الزوجية، التي
تُعتبر شيئا جديدا بالنسبة لها، لمْ يعمل الزواج على إدخال ايّ شيئ جديد في
حياة عائشة. فبعد أنْ خضعت لوالدها ابي بكر، ينبغي لها أنْ تخضع لبعْلها.
لقد غيّرت السّيّد فقط. غير أن الزوج أسهل، ما دامت تملك مفتاح ملذاته
ومتعه المفضّلة. فخلال هذه المدة القصيرة، تمكّنتْ عائشة من الوقوف عند بعض
نقط ضعفه، ولاحظت أنها عندما تبكي يجعله بكاؤها أقلّ قسوة، وبالتالي تحصل
على مبتغاها من العواطف والأحاسيس الداخلية.
ولمّا عاد محمد في اليوم الموالي، بعد قضاء يومه في إلقاء المواعظ، والحديث
إلى صحابته، والتجوّل في المدينة، نسيَ ما أثير في اليوم السابق من تشنّج،
وطلب منها بصوت فكه ووجه بشوش:
- يا عائشة، هل هناك ما يُؤكل؟
أجابته الزوجة الشّابة بصوت مماثل:
- يا رسول الله، لا يوجد شيء في بيتك?
قليل من الماء وبعض التمر كافيان لأكلهما، مع قدح من الحليب.
- إنها مشيئة الله يا عائشة. إن وفرة الطعام ستكون هناك في الجنة يوم
القيامة. وحدثها عن جنة النعيم وأنواع الصحون المذهّبة والقصور وأنواع
المأكولات التي تقدّمها ملائكة الرحمان. ظلّت عائشة تنصت إليه باندهاش،
والتصقتْ به لكيْ تنسى بين ذراعيْه آلام الجوع.
ويوما بعد يوم، بدأت الحياة تأخذ مجراها الطبيعي، وأصبحت عائشة أكثر
اعتيادا على نمط العيْش. وبأدتْ عائشة في التجرّؤ على الخروج من عشّ الحبّ،
خطوات إلى البيت المجاور. وكان محمّد قد قال لها:
- يجب أن تزوري سوْدة، فهي متعطشة إلى معرفتك، وسوف تساعدك بتزويدك بنصائحها.
أجابته عائشة:
- أجلْ، سوف أزورها من باب الأدب والمجاملة، لا يمكن أنْ نتجاهل بعضنا البعض، ما دمنا نقتسم الزّوْجَ نفسَه.
هذا الصبح، استقبلتها سوْدة بدون حقْد ولا بُغض، ونادت عليها بلقب «أختي
الصغيرة». هذه الزوجة المنافسة ليْستْ هي تلك الصبيّة التي تتحدّث عنها
الألْسنُ. إنها امرأة طويلة القامة، هيفاء، ذات استدارات جسدية واعدة، لون
حليبيّ، وطراوة وردية، شعر أحمر يحرق الرؤية، وهاتان العينان السوداوان
كالليْل، واللتان تبرقان عند الابتسامة. الزوجة الأربعينية البدينة باتتْ
تفهم الآن سرّ اضطراب محمّد حين جاء ليقضي معها ليلتها بعد أسبوع مفتون بين
أحضان هذه المفترسة؟؟؟؟ التي هي في سنّ حفيدتها. لكنّ القدَر شاء أن
تشتركا في نفس الرّجُل. لذلك ينبغي توضيح الأمور، ليلة لكلّ واحدة منها،
وهكذا تأخذ الحياة إيقاعها.
فالتْ لها وهي تقبّلها:
- لنكنْ صديقتيْن، فأنا لا أكنّ لك أيّ حقد لكوْنك استأثرت بمحمد، فهو
يحبّك بجنون؛ وبالتالي فإنّ أيّ حرب بيننا لا جدوى منها. فبما أنني زوجة
رسول الله، فذلك يكفيني1?
ردّتْ عائشة قائلة:
- أنت امرأة طيّبة يا سوْدة. أنا أجهل الكثير من الأمور، وأنت ذات تجربة،
وأظنّ أنه بإمكاننا أنْ نصبح صديقتيْن. وسوف آتي لزيارتك كلما سمحت لي
بذلك.
- مرحبا بك وقتما تشائين يا حسنائي، فبنات الرسول منفّرات، ولا يردّدْن على أفواههنّ سوى اسم والدتهنّ خديجة، وأنت ستسعدينني كثيرا.
كان لهذه الكلمات تأثير قويّ على عائشة التي اقترحت على سودة تقديم العوْن
إليها، إلا أن الأشغال المنزلية ليستْ من اختصاصها. وعوض التعليق على
اقتراحها، راحتْ سودة تحدّثها عن الزوج المشترك الذي ترعى سعادته وتحافظ
عليها. ثم انتقلت إلى تلقينها فنون البيت، وكيفية إعداد الطعام الذي يشتهيه
الرسول.
هكذا عمّ السلام والطمأنينة داخل البيت، بينما تفرّغ محمد لدعوته وشؤونه.
فطيلة ساعات، يبقى في الطرف الآخر حيث يوجد المسجد، وهو يلقي مواعظ وخطبا
دينية. ومنذ الصباح، يشرع الناس في الالتحاق بالمسجد بُغية الاستماع إلى
السّيّد الذي يشرح التعليمات التي يتوصّل بها من عند الله.
أمّا عائشة، فإنها لمْ تتمالك نفسها والرغبة في الجلوس على عتبة البيت. فما
يقوله زوجها أكثر أهميّة من الأعمال المنزلية المتعبة. وخلال هذه الجلسة،
لم تفلت منها أيّة كلمة فاه بها زوجها. بل إنها حفظت ما تلاه من آيات ستعمل
فيما بعد على استنساخها في قرطاس جلديّ: «يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ
مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً، كَلا بَل لا يَخَافُونَ
الآخِرَةَ، كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ، فَمَن شَاء ذَكَرَهُ، وَمَا
يَذْكُرُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ
الْمَغْفِرَةِ». (سورة المدثر، الآية 55).
«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ،
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ
الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ». (سورة العلق، الآيات من 2 إلى 5).
تستحضر غرفتها في بيت مكة حيث كلّمها محمد عن الله بعد أن انتهتْ من لعبها. الآية الأولى كانت أوّل ما أنزل جبريل عليه عند الغار.

1 تستحضر الكاتبة هنا صدى ما أثير حول إهمال أو تطليق الرسول لسودة. وعن
سبب هذا، هناك أقاويل كثيرة، لكن أصحها وأقربها للتصديق قولان هُما هما :-

عن عروة بن الزُبير قال: قالت عائشة: ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنَّت،
وَفَرِقتْ أن يُفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يارسول الله، يومي
لعائشة، فقبل ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام منها، قالت، نقول في ذلك أنزل
الله تعالى وفي أشباهها، - أراه قال - : ( وإن إمرأة خافت من بعلها
نُشوزاً). رواه أبو داوود ، وصححّه الألباني في «صحيح أبي داوود».
وعن عكرمة عن ابن عباس قال : خشيت سودة أن يُطلقها النبي صلى الله عليه
وسلم، فقالت :» لا تُطلقني وأمسكني، واجعل يومي لعائشة، ففعل فنزل قوله
تعالى : (فلا جُناح عليهمَا أن يُصلحا بينهُما صُلحًا والصُّلحُ خَيْر).
رواه الترمذي - وصححه الألباني في « صحيح الترمذي «. (المترجم)


15-08-2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty الرسول لا يختلف في النساء عن باقي الرجال

مُساهمة من طرف izarine الخميس 16 أغسطس 2012 - 16:10

حين أمر الرسول عائشة بحفظ
الآيات القرآنية، كان في الحقيقة يشجّعها على إتقان الكتابة والقراءة
اللتيْن كان يتأسّف لكونه يجهلهما. تنصت إليه عائشة بإعجاب وتركيز، ولم
تستطع مقاومة هذا الصّوت الشّجيّ الذي يستقطب كل يوم مزيدا من الناس
والمسلمين. صوت محبوبها الذي جعلها امرأة حقيقية. إنّ أبسطَ رنّة من صوته
تجعلها تشعر باهتزاز وارتعاش ملؤهما السعادة. كلماته التي ينطق بها تذهب
مباشرة لتضرب أعماق قلبها. ثمّ إنها ليست الوحيدة التي تخضع لسحْر الخطاب
وجاذبيته. الذين يتحلّقون حوله، وينصتون إليه، يخفضون أبصارهم ولا يجرؤون
على رفعها، كما لوْ كان على رؤوسهم الطير.
سوف تبقى طيلة هذا اليوم تتهدهد بالصوت الإلهي. غير أنه لا يمكن لها أن
تبقى هكذا طيلة اليوم، واقفة بالقرب من الباب دون أنْ تفعل شيئا داخل
البيت.
وكزوجة ترغبُ في أن تكون عند حسْن ظنّ بعْلها، أسرعتْ إلى القيام بترتيب
بيتها، وشرعتْ في استقبال الزوار الاعتياديين: زيارة عائلتها، عائلة
الرسول، الجيران، وصديقاتها الصغيرات المتطلّعات إلى رؤيتها في حياتها
الجديدة. همسات واستفسارات وضحكات خفيّة، واستحضار الذكريات الماضية.
مع صديقاتها، عادتْ عائشة إلى سابق عهدها، وبدأْن في اللعب بالدّمى مثلما
كنّ يفعلنَ من قبلُ، لكن هذه المرّة فوق سرير الزوْجيْن. لمْ يجرّك محمد
ساكنا وتركهنّ يفعلم ما شئْنَ، مكتفيا بتتبّعهنّ بعين لاهية. وحين انتبهت
الصغيرات غلى حضوره، هربْن منه خوفا من توبيخه وغضبه. لكنه نادى عليهنّ
طالبا منهنّ العودة إلى القرب من زوجته، وشجّعهنّ على مواصلة اللعب. وكما
هو الشأن في الأيام الأولى، هناك في بيت أبي بكر بمكة، انخرط الرسول مع
الصغيرات في الرقص ولعب، بل لعب معهّن دوْر الحصان الذي ستركب فوقه
الفارسات على إيقاع أغاني النصر المصحوبة بضرب الدفوف.
وصادف أنّ أبا بكر كان مارّا بالقرب من بيت الرسول، فإذا به يسمع صوت الآلات الموسيقية، وسرعان ما دخل وصرخ في وجْه ابنته بشدّة:
- ماذا تفعل هذه الآلات الشيطانية هنا في بيت رسول الله؟
دعهنّ يلعبن. فإذا كانت للديانات الأخرى احتفالاتها وأعيادها، فإن عيدنا
نحن هو اليوم. ومن حقّ الصغيرات الاحتفال به كما يحلو لهنّ. وشرح للفتيات
ماذا يعني «عيد الأضحى»، حيث أن الله أمر نبيه إبراهيم في منامه أنْ يذبح
ولد إسماعيل، فامتثل إبراهيم للأمر، فلما وصل خليل الرحمن وولده إلى الجبل،
قال سيدنا إبراهيم عليه السلام لولده: إنى أرى فـي المنام أنى أذبحك،
فانظر ماذا ترى؟!! فقال إسماعيل: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله
من الصابرين، ولمّا همّ بذبحه، أرسل اللهُ جبريلَ بالفداء.
لقد أحيا الرسول الطقس القديم مثلما سيفعل مع أعياد أخرى ستؤثّث السنة
بكاملها. تماما مثلما فعل عند وصوله إلى المدينة، حينَ استبدل الروزنامة
الميلادية، موضّحا أن شهر يونيو من سنة 622، هو بداية العام الأوّل للهجرة،
بداية حياة جديدة بالنسبة لجميع المؤمنين الذين اعتنقوا الديانة الجديدة.
غير أنّ بعض السحب القاتمة جاءتْ لتلقي بظلّها المعتم على أيّام الانْسجَام
الأولى. إن للحياة الزوجية امتحاناتها. لقد اكتشفت عائشة شعورا جديدا
بالنسبة لها: هو الخوْف من كوْنها لمْ تعد محبوبة، وأنها لم يعد مرغوبا
فيها. غيْر أن الخطر لمْ يأت من سودة، بقدر ما أتى من محمد نفسه، لأنه يذكر
ويستحضر ذكرى زوجته الأولى خديجة كل يوم: طريقة كلامها، ضحكتها، لباسها،
اهتمامها بالبيت، طريقة استقباله وملاطفته وتقبيله وطمأنته وتهدئته حين
تنتابه الشكوك والحيْرة.
في البداية، كانت تلعب دور الزوجة المطيعة غير مبالية بالأمر، بل إنها
كانتْ تنصت إليه باحترام ولطْف كبيريْن. غير أن تنامي المدائح واستفحالها
بدأ يضايقها. وما عساها تستنتج من هذه النوستالجيا سوى أنّ الزوجة العجوز
لازالتْ تحتفظُ، من ظلمة قبرها، بمكانة رفيعة ووازنة في قلب زوجها المحبوب؟
ورغْم المجهودات التي بذلتْها عائشة، فإنّها لمْ تتلقّ أيّ تشجيع من طرف
الرسول الذي ظلّ مشدودا إلى ماضيه. ولهذا استنتجت المسكينة أنّ الحنان
العاطفي ولّى وانتهى، وتُرجم بالتجاهل. لذلك انتاب عائشة سُعار خفيّ شتّت
أفكارها، وبلبل صفاء ذهنها. هلْ تكون قد غارتْ من امرأة ميّتة؟ ارتعدتْ
مفاصلها، وتوجّهتْ مسرعة إلى بيْت سوْدة بنت زَمعة التي بادرتْ إلى تهدئتها
مفسّرة لها الأمْر كما يلي:
- لا يمكن للمرء أنْ يمحو خمسة وعشرين سنة من الوئام التام. كُوني متريّثة
ولا تتسرّعي. فالرسول لا يختلف عن باقي الرجال. إنه يجعلنا في موضع التحدي
أمامنا، هل نستطيع تجاوز خديجة التي يقدّمها لنا كما لوْ كانتء قدّيسة. هي
هكذا في عيْنيْه.
قالت عائشة مجيبة:
- خديجة الكاملة? لقد دخلت حياتي منذ ما يربو على ثلاث سنوات، ولا يخشى أن يكون مبالغا في الأمر.
هدأت سودة من روعها وهي تقول لها بأنها ليست سوى طفلة صغيرة لا تعرف
الرجال. وبالتالي، فلكيْ تدافع المرأة عن نفسها، يجب أنْ تلجأ إلى الصبْر
والحيل الدقيقة.


16-08-2012


izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty تعاسةُ بنات الرسول وغيرتهنّ من عائشة

مُساهمة من طرف izarine الخميس 16 أغسطس 2012 - 16:12


هدّأت
سودة من روْع عائشة، وهي تقول لها بأنها ليستْ سوى طفلة صغيرة لا تعرف
الرجال. وبالتالي، فلكيْ تدافع المرأة عن نفسها، يجب أنْ تلجأ إلى الصبْر
والحيل الدقيقة.
لقد كان، مع ذلك، من الصعوبة بمكان دائما على محمّد نسيان خديجة. في بيت
النبيّ، عند سوْدة، كانت بنتا الرسول الصُّغْريان، أم كلثوم وفاطمة، لا
تتوقّفان عن استحضار ذكرى والدتهما. وبطبيعة الحال، لمْ تكنْ تعوزهما
الأسباب: فمنذ وفاة والدتهما، التي تأسفان عليْها بمرارة، تراكمتْ عليْهما
المشاكل والآلام. ذلك أنه بعد مغادرتهما مكّة وبيتهما الأصلي، كانتا قد
تركتا خلفهما، علاوة عن أمكنة نوستالجية، أختهما البكْر زينب، التي بقيتْ
عند المشركين، مفضّلة الخضوع للواعج قلْبها التي أرغمتْ عليْها المكوث إلى
جانب زوجها المحبوب. حبّ جنونيّ مزّقها مثلما مزّق عائلتها. كان زوجها هو
الشّابّ الوسيم أبو العاص بن الربيع، ابن أخت السيدة خديجة، وهو تاجر غنيّ
من أشراف قريش. وكانَ قد لافض اتباعها، وبالتالي رفض اعتناق الإسلام، في
الوقت الذي أسلمتْ فيه هي منذ الأيام الاولى للدعوة الإسلامية.1
على الرغم من ضغوط قبيلته، فإنه أبى أنْ يطلّق زوجته التي كان يحبّها
كثيرا، بلْ أكثر من كلّ شيء آخر. وقد أبقاها إلى جانبه، هذا في الوقت الذي
هاجرتْ فيه أخواتها الأخريات إلى المدينة للالتحاق بالعدوّ المُعلن
للمكّيّين، والدها محمد.
أمّ كلثوم وفاطمة تشتكيان وتنتحبان وهما تفكّران في المسكينة زينب التي
هامتْ مثل روح مكلومة داخل قصرها الكبير في المدينة-العدوّ حيثُ البذخ
وبحبوحة العيْش لا يعوّضان أبدا غياب عائلتها المقرّبة منها جدّا.
صرختْ فاطمة قائلة:
- أَلَمْ يكن يتعيّن عليها الإنصات إلى صوت الدّم؟
ردّتْ الكبرى متحسّرة:
- كان بإمكانها الهروب مع رقيّة.
هذه البنت الثانية للرسول كانتْ قد تزوجت ثانية، في المرّة الأولى، قبل
الوحْي. في اليوم نفسه، هي وأختها الصغرى أمّ كلثوم من ابنيْ عمّهما عبد
المطّلب من قبيلة بني هاشم، حيث تزوّجتْ رقية بعتبة بن أبي لهب، بينما
تزوجت أختها كلثوم، في نفس الوقت، من أخي عتبة واسمه عتيبة، وكلاهما من
أبناء أبي لهب. لكن على إثْز النزاع العقائدي بين النبيّ والدهما، وبين أبي
لهب وزوجته، حمّالة الحطب، طلبتْ هذه الأخيرة من ابنيْها تطليق رقية وأم
كلثوم. وكان من حسن حظّ رقية أنْ تزوجت ثانية من صحابيّ لوالدها هو عثمان
بن عفان مباشرة، وهاجرتْ معه إلى الحبشة، وعادا منها بمولود في الوقت الذي
كان فيه الرسول يدعو أتباعه إلى الهجرة إلى المدينة والإعداد لاستقباله
بها.2 ومباشرة بعد ذلك، نجح عثمان في الفرار عبر الصحراء من متابعة
القرشيين، والالتحاق بالمدينة، وشهد هو وزوجته رقية انتصار الهجرة النبوية.
داخل بيت سودة لا مجال للضحك. فأسماء خديجة ورقية وزينب تتردد مثل أغنية
حزينة وبئيسة. وحين تتخطى عائشة عتبة الباب، تكفهرّ وجوه الأختييْن،
وتعمدان بفم مزموم إلى تعرية عائشة بنظراتهما الحاقدة. ذلك أنّ زواج
والدهما من هذه المراهقة اللاهية كدّر صفوهما. والواقع أنّ جمال الصغيرة
عائشة المثير، ومشيتها الراقصة، والتذاذها بالحب الذي تعيشه مع والدهما زاد
من تأجيج هذه النظرة المقززة لدى بنتيْ الرسول. ومنذ اليوم الأوّل، كانت
عائشة قد لاحظت هذا الاستقبال البارد لها من طرفهما. وقد شرحت لها سودة على
انفراد سبب هذا السلوك قائلة:
- إنك تملكين ما لا تملكانه، ما تفقدانه وترغبان فيه في أعماقهما.
بالنسبة لأمّ كلثوم، المطلّقة ذات العشرين عاما، وفاطمة التي تصغر أختها
بخمس سنوات، والتي لمْ يطلب يدها أيّ رجل، كان الأمر فوق طاقتهما. لماذا
كلّ هذا الحظ المبتسم لعائشة؟ هي التي عاشتْ حياة هادئة جميلة بين أفراد
عائلتها، ولم تعرف المعاناة ولا الطلاق ولا موْت الأمّ. وفي سنها العاشرة
تريد أنْ تلعب دور زوجة الأب؟ إنّ سودة يمكن قبولها، لكنْ هذه الوقحة
أبدا?. ألا يمكن أن تكون ابنة الشيطان؟ والمبرّر هو أن لها ذهنا وقّادا
وذكاء حادّا ولسانا طليقا. صبيّة فضولية بألف حيلة وحيلة، نجحت في أسر قلب
والدهما المحبوب باستغلال مفاتنها. وسوف تعملان كل ما من شأنه إبعادها عنه
ولو بالتجسس والوشاية.
غدا: كيْف خطّط الرسول لمصاهرة
عليّ وعثمان وعمر

1 تورد كتب السيرة والتاريخ أنّه بينما كان أبو العاص مسافرًا، وعاد وجد
زوجته قد أسلمت. فدخل عليها من سفره، فقالت له: عندي لك خبر عظيم. فقام
وتركها. فاندهشت زينب وتبعته وهي تقول: لقد بُعث أبي نبيًّا وأنا أسلمت .
فقال: هلا أخبرتني أولاً؟ فقالت له: ما كنت لأُكذِّب أبي. وما كان أبي
كذابًا. إنّه الصادق الأمين. ولست وحدي. لقد أسلمت أمي وأسلم إخوتي، وأسلم
ابن عمي (علي بن أبي طالب)، وأسلم ابن عمتك (عثمان بن عفان). وأسلم صديقك
(أبو بكر الصديق). فقال: أما أنا لا أحب أن يقول النَّاس خذل قومه.وكفر
بآبائه إرضاءً لزوجته. وما أباك بمتهم. ثم قال لها: فهلا عذرت وقدّرت؟
فقالت: ومن يعذر إنْ لم أعذر أنا؟ ولكن أنا زوجتك أعينك على الحق حتى تقدر
عليه.ووفت بكلمتها له 20 سنة وظلت بمكة إلى أنْ حدثت غزوة بدر، وقرّر أبو
العاص أن يخرج للحرب في صفوف جيش قريش. زوجها يحارب أباها. وكانت زينب تخاف
هذه اللحظة. فتبكي وتقول: اللهم إنّي أخشى من يوم تشرق شمسه فيُيَتَّم
ولدي أو أفقد أبي. ويخرج أبو العاص بن الربيع ويشارك في غزوة بدر، وتنتهي
المعركة فيُؤْسَر أبو العاص بن الربيع، وتذهب أخباره لمكة، فتسأل زينب:
وماذا فعل أبي؟ فقيل لها: انتصر المسلمون. فتسجد شكرًا لله. ثم سألت: وماذا
فعل زوجي؟ فقالوا: أسره حَمُوه. فقالت: أرسل في فداء زوجي. ولم يكن لديها
شيئًا ثمينًا تفتدي به زوجها، فخلعت عقد أمها الذي كانت تُزيِّن به صدرها،
وأرسلت العقد مع شقيق أبي العاص بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم. وكان النبي جالسًا يتلقى الفدية ويطلق الأسرى، وحين رأى عقد السيدة
خديجة سأل: هذا فداء من؟ قالوا: هذا فداء أبو العاص بن الربيع. فبكى النبي
وقال: هذا عقد خديجة. ثم نهض وقال: أيها الناس إنّ هذا الرجل ما ذممناه
صهرًا فهلا فككت أسره ؟ وهلا قبلتم أنْ تردوا إليها عقدها ؟ فقالوا: نعم يا
رسول الله . فأعطاه النبي العقد، ثم قال له: قل لزينب لا تفرطي في عقد
خديجة. ثم قال له: يا أبا العاص هل لك أن أساررك؟ ثم تنحى به جانبًا وقال
له: يا أبا العاص إنّ الله أمرني أنْ أُفرِّقَ بين مسلمة وكافر، فهلا رددت
إلى ابنتي؟ فقال : نعم وخرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة ، فقال
لها حين رآها: إنّي راحل. فقالت: إلى أين؟ قال: لست أنا الذي سيرتحل، بل
أنت سترحلين إلى أبيك . فقالت: لم؟ قال: للتفريق بيني وبينك. فارجعي إلى
أبيك. فقالت: فهل لك أن ترافقني وتُسْلِم؟ فقال: لا فأخذت ولدها وابنتها
وذهبت إلى المدينة. (المترجم).
2 جاء في السيرة : «حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحِيمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، عَنْ
عَقِيلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَال : « تَزَوَّجَ عُثْمَانُ رُقَيَّةَ
وَأُمَّ كُلْثُومٍ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الأُخْرَى تَزَوَّجَ رُقَيَّةَ
قَبْلَ أُمِّ كُلْثُومٍ وَلَدَتْ رُقَيَّةُ مِنْ عُثْمَانَ فَمَاتَ
وَلَدُهَا ثُمَّ مَرِضَتْ فَمَاتَتْ فَأَنْكَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ فَوَلَدَتْ
لِعُثْمَانَ فَلَمْ يَعِشْ مِنْهَا وَلا مِنْ أُخْتِهَا وَلَدٌ «
(المترجم).


17-08-2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty كيْف خطّط الرسول لمصاهرة عليّ وعثمان وعمر

مُساهمة من طرف izarine السبت 18 أغسطس 2012 - 12:44


لقد
أدّى انتصار المسلمين في معركة بدر، واقتسام الغنائم، إلى تغيير حياة
المهاجرين. ففي الواحة المورقة لمدينة يثرب، بات بإمكان كل واحد منهم
السماح لنفسه في العيْش في بحبوحة ورغد، والتفكير في ضمان مُستقبل أضْمن.
وقد كانَ الزواج بالخصوص مسألة منتشرة. لقد خلّفتْ المعركة أرامل كثر،
والفتيات الجميلات كثيرات. والعديد من العائلات يحتفلن بالزواج، وليْس
محمّد آخر واحد يرغب في تزويج سلالته. وبينما كانتْ عائشة تقدّم له أطباق
الطعام التي حملتْها الجواري، طلب منها الجلوس بجانبه، ثمّ أسرّ لها قائلا:
- بالنسبة لأمّ كلثوم، فإنني أفكّر لها في أمْر. إن دورها سيأتي فيما بعد.
لنبْدأْ بفاطمة، سوف تتزوّج عليّا بن أبي طالب، الذي يفكّر فيها منذ مدّة.
فعليّ ابن عمه، الذي آواه منذ زمن خديجة من أجل التخفيف عنْ عمّه أبي طالب
الذي كان يعيش وضعية صعبة، صار اليوم شابّا وسيما في العشرين من عمره. كما
أنه من الأوائل الذين أسلموا، وإسلامه قويّ متين. علاوة على أن الرسول
مُعجب بذكائه وبسالته وإقدامه.
سألته عائشة قائلة:
- وهلْ تعرف أنتَ رأيها؟
- أعرف ابنتي جيّدا، هي تحبّه في صمْت، وتتشوّق إلى سماع طلب يدها.
- ولماذا لمْ يفعل ذلك؟
- سوف يأتي، سأشجّعه.
لقد تردّد عليٌّ كثيرا. وبما أنه لم يرثْ شيئا من والده أبي طالب، الذي
توفّيَ رافضا اعتناق الإسلام، فقد كان معوزا، ولم تسمح له غنائم معركة بدر
سوى بدرْع باعه من أجْل اداء صداق فاطمة. وهو بدوره يحبّها منذ أكثر من عشر
سنوات. لقد عاش في كنف بيت الرسول، مثل أخ لها. رأها أمامه تكبُر وتتفتّح
وتضحك وتبكي. كان يعجبه مزاجها وأسلوبها. صحيح أنها ليستْ جميلة إلى حدّ
كبير، لكنها بنت النبيّ. وقدْ تقدّم للزواج منها رجال أغْنى منه، لكنْ بدون
جدوى. وذات صباح من شهر أبريل، تمالك عليّ نفسه وتجرّأ على الذهاب لمقابلة
عائشة. بعدها استقبله محمد قائلا:
- ما خطبُ ابن أبي طالب؟?.
?لم ينطق عليّ من فرط خجله، وظلّ يغضّ بصره، وبعد بُرْهة تمتم قائلا:
- أطلبُ فاطمة.
تهلّل وجه النبيّ، وقام فاتحا ذراعيْه وعانقه مبتسما وموافقا. أما عائشة،
فقد فركتْ يديْها مردّدة مع نفسها بأنّ ابنة زوجها محمد سوف تصبحُ أقلّ
عدوانية حين تعيش بدورها علاقة حبّ مع رجل. تمّ الاتفاق على تاريخ الزّفاف
الذي أُعدّ له بطريقة أفخم من زواج عائشة. غير أنّ هذه الأخيرة كانتْ
مرتاحة جدّا بالقدْر نفسه الذي كان فيه الرسول مرتاحا للاطمئنان على ابنته
التي كانَ قدْ وعد زوْجته خديجة، وهي على فراش الموْت، بإيجاد زوْج لائق
لابنتهما الصّغرى. وقدْ لعبتْ كلّ من عائشة وسودة دورا كبيرا في هذا
الزّواج، رغْم شكْوى فاطمة من فقر عليّ.
غيْر أنّ الظروف السيّئة كانتْ في انتظار عائشة خلال فترة الفرَح هذه. ذلك
أن القدَر شاء أنْ يموت زوج حفصة، خنيس بن حذافة، ليجد عمر بن الخطاب نفسه،
في بداية شهر ماي، أمام بنت أرملة. ومن ثمّ بدأ يطوف بحْثا عن زوج ثان
لها. وقد عرضها في البداية على عثمان بن عفان، معدّدا أمامه مزايا حفصة
وجمالها وحداثة سنّها الذي لا يتعدّى الثماني عشرة سنة، فضْلا عن تعلّمها
وإتقانها للقراءة والكتابة. فقال عثمان معتذرا:
- ما لي في النساء حاجة، وأنا لا زلتُ أفكّر كثيرا في زوجتي رقيّة.
بعد ذلك ذهب خائبا ليعرضها على أبي بكر الصديق، صديقه الوفيّ، لكنه اعتذر
بلباقة. وقد غضب على عثمان أكثر لكوْنه كان يعتبره المرشّح المناسب للزواج
من حفصة. وأمام حيرته، فكّر في التوجّه لزيارة الرسول الذي شكا له رفض
عثمان لابنته. في هذه الأثناء فكّر الرسول مليّا، وقال لعمر مبتسما:
- ألا أدلّك على ختن هو خير من عثمان، وأدلّ عثمان على ختن [أيْ زوْج البنت] هو خير له منك.
حبس عمر أنفاسه. وإذا كان قد فهم جيّدا، فإنّ النبيّ يريد الزواج من حفصة،
وتزويج ابنته أمّ كلثوم لعثمان بن عفان. ثمّ من شدة فرحه قال مجيبا الرسول:
- هو كذلك يا رسول الله.
من خارج الخيْمة، استمعتْ عائشة لما دار بين محمد وعمر، وفهمتْ مضمون
اقتراح الرسول: إنه يرغب في الحفاظ على صهْره عثمان، بتزويجه من أمّ كلثوم،
أخت زوجته رقيّة المتوفّاة1. فهذا الصحابي ضروريّ وهامّ بالنسبة له،
وينبغي أنْ يظلّ داخل العائلة. أمّا فيما يتعلّق بعمر بن الخطاب، الذي كشف
عن موهبة كبيرة كرجل حرْب مخطّط واستراتيجيّ، وقدرة فائقة على إدارة
المعارك، فإنه بات من الضروريّ أنْ يلتحق بالدائرة النبوية الحميمية
الضيّقة، ويصبح صهْرا للرسول، شأنه في ذلك شأن أبي بكر.
غيْر أن النقطة الأهمّ في هذه الصفقة، بالنسبة لعائشة، فهي هذا الزواج الذي
رغب فيه زوجا. لقد ضربها هذا الخبر في الصميم، وجعلها تتساءل: لماذا لمْ
يكتف بامرأة واحدة كما كان الأمر مع خديجة؟
مع ذلك، كان ثمّة سؤال واحد يشغل بالها: كيْف تجعله، في ظلّ هذا الواقع الجديد مرتبطا بها هي، ومفضّلا إياها على الأُخريات؟

1 يروي البلاذري في كتابه (أنساب الأشراف)، المجلد الأول، ص. 341 أنّه
:»فلما توفيت رقية ، زوّجها [أيْ أمّ كلثوم] رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عثمان أيضا ، فلم تزل عنده حَتَّى توفيت فِي سنة تسع
، وبكى عثمان ، فقال لَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ما يبكيك ؟ ، فقال : انقطاع صهري منك يا رسول الله ، فقال رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « كلا ، إنه لا يقطع الصهر الموت ، وإنما
يقطعه الطلاق ، ولو كانت عندنا ثالثة لزوجناك «. (المترجم).


18-08-2012


izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty الرسول يعترفُ لعائشة بأنها هي سيّدة لياليه

مُساهمة من طرف izarine الأربعاء 22 أغسطس 2012 - 17:18



لقد دَفَعَ زواجُ الرسول من حفْصة عائشةَ إلى أنْ تتساءل: لماذا لمْ يكتف بامرأة واحدة كما كان الأمر مع خديجة؟
ومع ذلك، كان ثمّة سؤال واحد يشغل بالها: كيْف تجعله، في ظلّ هذا الواقع الجديد مرتبطا بها هي، ومفضّلا إياها على الأُخريات؟
يتحتّم عليها أنْ تقبل بالأمر الواقع، واقع دخول زوجة منافسة ستعيش معا
جنبا إلى جنب، ومن المحْتمل أنْ تأسر قلب محبوبها. في خضمّ حيرتها وقلقلها
وتساؤلاتها، بادرتها سوْدة قائلة:
- لماذا تعذّبين نفسك، إنّك أنت الأكثر شبابا، وأنت الوحيدة التي دخلتْ عذراء إلى سريره، فلنْ ينساك أبدا.
- سوْف أطرح عليه السؤال لكيْ يرتاح قلبي.
بعد هذا الحوار، وخلال اليوم نفسه، حين أطلعها على القرارات التي اتخذها
فيما يتعلّق بالشهور القادمة. ظلّتْ تنصتُ إليه وهي تتمالكُ نفسها. وفي
ثنايا الحديث، عبّرتْ له عن سرورها لزواج ابنته أمّ كلثوم، واستجْمعتْ
قواها لتبارك له زواجه الجديد، متمنّية له السعادة مع حفْصة.
أنصَتَ إليها الرسول بمزاج مرح. ذلك أنه أدركَ النبْرة المتكلّفة
والمُفتعلة، من وراء كلامها الجافّ، كما عَرَفَ القلق الذي ينطوي عليه كلام
زوجته الشابّة. أخذها بيْن أحضانه، وطمأنها بمداعباته الرقيقة. سألته
عائشة بصوت هامس:
- كيْف هو حبّك لي؟
- مثل عُقدة الحبْل.
- كيْفَ هي هذه العقدة؟
- مفتولة للغاية ومُحْكمة بحيث لا يقْدر أحد على فكّها.

تغلقُ عائشة عيْنيْها، متلذّذة بحلاوة هذا الاعتراف الذي انضافَ إليْه
تدقيق آخر له أهميته، وهو أنّه يجب على محمد احترام مدّة حداد حفصة على
زوجها.
طيلة أربعة أشهر، إذن، سيكون محمّد لها وحدها، وستبقى هي وحدها سيّدة لياليه. تمْتمتْ قائلة مع نفسها وهي تتطلّع إلى مستقبل بعيد:
- أربعة أشهر طويلة بما فيه الكفاية للاستمتاع بالسعادة. في جوّ السلام
الذي بات يسود المدينة، وبتشجيع من توزيع غنائم الحرب، صار كلّ واحد ينظّم
نفسه من أجْل تحسين ظروف العيْش داخل بيته. كانتْ هذه الأيام مناسبة لها
لتستمتع بالانفراد برجل لا يقاسمه فيها، ولا يقطع علاقاتهما، سوى الزيارات
المتكرّرة لجبريل، الذي يقرئها السلام، عن طريق محمد، الذي يشاركها في
حواراتهما:
قال لها:
- ها هو جبريل أمامي، إنه يسلم عليك ويبارك لك.
- اشكرْه باسمي، بارك الله فيه.
هذا الحضور السّماوي بات أمْرا مألوفا عندها، تتعرّف عليه من خلال انطباعات
مبهمة، وتتساءل لماذا يبقى الملاك مختفيا ومتواريا عنها. ربما يظهر لها
ذات يوم ويكلّمها، حتى تتلقى دروسا من الرسول الذي خلقها الله لنا. زوجة
مختارة من طرف الله، ومحددة له سلفا. تمّت تربيتها له منذ نعومة أظافرها
على اتباع تعاليم الإسلام. لقد علمها محمد فهم هذه التعاليم وطريقة
تطبيقها، خضوعا لمشيئة الله، في كل وقت من أوقات النهار، بلْ وحتى في الليل
حين تصبح شريكة حامية في فراش الحبّ.
وقد كان يكرّرَ لها مرارا: إن الله لا يمنع عن الاستمتاع بالأمور الجميلة. لماذا نحرّم ما أحلّ الله؟
تستعيد عائشة اطمئنانها، ولم تعدْ تخشى قُدوم حفْصة، ولا اعتبارها خطرا
عليْها، ما دامتْ قد عرفتْ خصوصيتها وتميّزها. إنها زوجة يرضى عنها الله،
علاوة على كوْنها لها شَرَف عدم إخافة الملاك الذي قبلها أنْ تكون جزءا
وشريكا في حواراته مع النبيّ، والذي سيجعل منها، مع مرور الوقْت، شاهدة على
الوحْي.
بعض الأيام تكون ظالمة. فمن أجْل فرض سلطته، كان الرسول مضطرّا إلى إعطاء
أوامره من أجْل قتْل شاعريْن كانا ينْظمان قصائد في هجاء المهاجرين والرسول
نفسه. أحد الشاعريْن كان شيخا مسنّا هو أبو عفك، الذي هبّ إليه سالم فى
ليلة صائفة، حيث كان أبو عفك نائما فيها بفناء داره، فوضع سالم بن عميْر
السيفَ على كبده حتى خَشَّ فى الفراش. والثانية هي الشاعرة عصماء بنت
مروان، التي دخل عليْها بيتها عمير بن عوف فى جوف الليل، وكان عمير ضعيف
البصر، فجسّها بيده، فوجد الصبيّ ترضعه، فنحّاه عنها ثم وضعَ سيفه في صدرها
حتى أنْفَذَه من ظهرها.1
وبعد قتْلها، سأل عميْر الرسول:
- هل سأعاقَب على ما فعلت؟
فأجابه:
- لا تنتطح فيها عنزان.
هذا الفعل لمْ يعجب عائشة التي اسشنعته واستبْشعته، غيْر أن الرسول برّر لها ذلك بحجم الهجاء وخطورته.

1 يروي هذه الواقعة جلّ كتاب السيرة النبوية والأخباريين، ومن بينها ما
يرويه ابن كثير في الجزء الثاني من كتابه «البداية والنهاية» حيث يكتب:
«بعث عمير بن عدي الخطمي لقتل العصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد، كانت
تهجو الإسلام وأهله، ولما قتل أبو عفك المذكور أظهرت النفاق وقالت في ذلك:
بأَسَت بني مالك والنَّبيّتَ * وَعوف وباست بني الخزرجِ
أَطعتمْ أَتاوي من غيركمْ * فلا منْ مُرادَ ولا مذحجِ
ترجونَهَ بعد قتل الرؤوسِ * كما يرتجى وَرقَ المنضجِ
ألا آنفُ يبتغي غِرةً * فيقطع من أملِ المرتجِي
فأجابها حسان بن ثابت فقال:
بَنو وائلٍ وبنو واقفِ * وخطمةَ دونَ بني الخزرجِ
متى ما دعتْ سفهاً ويحها * بُعولتَها والمنايا تجِي
فهزَّت فتى ماجداً عرقُه * كريمُ المداخلِ والمخرجِ
فضرَّجها من نجيعِ الدما * وبعيد الهدوِّ فلم يحرجِ
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين بلغه ذلك (ألا آخذ لي من ابنة
مروان) فسمع ذلك عمير بن عدي، فلما أمسى من تلك الليلة سرى عليها فقتلها،
ثم أصبح فقال: يا رسول الله قتلتها فقال: (نصرت الله ورسوله يا عمير) قال
يا رسول الله: هل علي من شأنها. قال: لا تنتطح فيها عنزان، فرجع عمير إلى
قومه وهم يختلفون في قتلها، وكان له خمسة بنون فقال: أنا قتلتها فكيدوني
جميعاً ثم لا تنظرون، فذلك أول يوم عز الإسلام في بني خطمة، فأسلم منهم بشر
كثير لما رأوا من عز الإسلام.» (المترجم).


22-08-2012

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

عائشة، محْبوبةُ النبيّ  Empty زينب ابنة الرسول تفدي أسْر زوجها

مُساهمة من طرف izarine السبت 25 أغسطس 2012 - 13:16

بعد هذا الحادث المرعب، سوف
يأتي يوم آخر مشؤوم. وهو اليوم الذي شعر فيه محمّد، بدوره، بضربة موجعة
داخل لحمه ودمه. فأمام عائشة المُصابة بذهول اللحظة، أجْهش محمد بالبُكاء
ويداه ترتعشان، بعد أنْ قَدم أحد الفرسان قادما من مكّة من أجل افتداء
الأسْرى. فقد فتح بيْن يديه صندوقا صغيرا وهو يقول:
- ابنتُكَ زينب بعثتْ إليْك بهذه الفدية من أجل إطلاق سراح زوجها أبي العاص، وهو في الوقت نفسه شقيق لي.
كان الصندوق يحتوي على قطع صغيرة من الذهب والفضّة، تتلألأُ فوقها قلادة
يَمَنيّة من الياقوت والمرجان. وهي قلادة كان محمد قد أهداها، زمن اليُسْر
وبحبوحة العيْش، إلى زوجته خديجة التي عمدتْ بدورها إلى تزيين ابنتها
البكْر زينب صبيحة زواجها1.
إنها إذن عودة من الماضي مؤلمة جاتْ لكيْ تمزّق قلبه. تتأمل عائشة هذه
الوضعية الحزينة مكتوفة اليديْن لا تستطيع فعْل أيّ شيء من شأنه التخفيف
عليه. وبعد بُرهة قال متنهّدا بصوْت مختنق:
- لا بدّ أن زينب قد تألّمتْ كثيرا قبْل أنْ تزيلَ ذكرى والدتها من عنقها.
وأمام نبيّهم الذي يبكي، بقي الصحابة والمقرّبون مشدوهين حائرين لا يلوون
على شيء. بادرَ أحدهم، وهو المكلّف بالصّهْر السجين، إلى القوْل:
- يا رسول الله، نعطيكَ هذه القلادة وهذه الفدية عن طيب خاطر. إنْ شئتَ
ارْجعها إلى زينب، أوْ تصرّفْ فيها كما يحلو لك. نحن المسلمين كلّنا نحترم
فيكَ أنكَ سيّدنا، وبالتالي سنطلق سراح أبي العاص.
استردّ محمد أنفاسه شاكرا لهم حسن تصرّفهم. ثمّ ذهب عند صهْره وأطلق سراحه
بعد أنْ اشترط عليه أن يبعث إليه بابنته زينب قائلا بنبْرة حادّة:
- حسب الشريعة الإسلامية، لا يمكن لابنتي أن تبقى زوجتك، هي مسلمة وأنت مشرك. فحين تبلغ مكّة، ابعثْ بها إليّ.
ثمّ أعاد إليه القلادة والمال وأرسل معه رجلان من بين رجاله، من بينهما
مولاه زيد بن حارثة، من أجل اصطحاب زينب معهما من مكة إلى المدينة. وأمامَ
هوْل المفاجأة مما شاهدته عائشة من حدّة وقسوة من زوجها محمّد، صرختْ في
وجهه قائلة:
- سوف تكسّر قلبيْهما?
ردّ عليها وهو يحدجها بنظرة حادة:
- فليعتنق الإسلام إذن ?وأردّ إليه زوجته. فقد اختارتْ ابنتي الإسلام أسْوة بوالدتها، ولا تستحقّ عذاب جهنّم.
ثم انعطف نحو صهْره، المتوتّر للغاية، مضيفا:
- اسمعْ إلى ما أوحي إليّ به: « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي
أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا
يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ « (سورة الأنفال، الآية 70).
ووفاء بالتزامه، أعاد ابن العاص زوجته إلى المدينة، وانتهى به الأمر إلى
اعتناق الإسلام للالتحاق بزينب، مفضّلا حبّه على المال والجاه الذي خلّفه
وراءه.
خلال هذه الفترة، كانت الحرارة قوية في الواحة. عبد الله بن أبيّ يتظاهر
باعتناق الدين الجديد، وانبرى للتواطؤ مع أسياد بني قينقاع. هذه القبيلة
اليهودية، المشهورة بصناعة الحديد، ليستْ هي الأقوى بكل تأكيد، غير أن
بإمكانها جمْع 700 مقاتل جاهزين للحرب. إلاّ أنّ الرسول أدرك الخطر،
فاليهود نقضوا الاتفاق الموقّع قبل سنتيْن والتي تنص على إقامة نوع من
الدعم والمساعدة عن طريق السلم. وقد ذكّرته عائشة بكلمات جبريل التي تنبهه
إلى خطورة الوضع.
إلاّ أنّ الأشهر المقدّسة، الأشهر الحُرُم، حملتْ نوعا من الراحة. ذلك أنّ
شهر رمضان يهدّئ النفوس عن طريق الصوم. لا مكان للحرب ولا للنزاع، فالوقت
لا يُخصّص سوى للصلاة والصوم والطهارة. في هذا الوقت عمّ خبر مولود جديد
مختلف أرجاء المدينة، ذلك أن فاطمة بنت الرسول قد وضعتْ ولدا ذكرا. لقد
أصبح النبيّ جدّا، وهبّ الجميع لتهنئته: مبروك، مبروك!. تناول يد عائشة
وهرول نحو ابنته لرؤية الصبيّ. أخذه بين ذراعيه باكيا من فرْط السعادة،
وهمس له في أذنيْه:
- أهلا ومرحبا بالحسَن الصغير، حماك الله ورعاك.
انزعجتْ عائشة وبدت الكآبة على محياها، وبكتْ بدورها وهي تتخيّل أنها يوما
ما ستمنحه بدورها السعادةَ نفسها عندما تضع له من رحمها وليّا للعهد. أمّا
الآن، فهي ما تزال صغيرة على هذا الأمر. غير أنّ هذه الولادة قد أزعجتْها
حين لاحظتْ كيف يسرع زوْجها نحو المولود الجديد، وكيف يطبْطب بحنوّ على
ابنته فاطمة. إحساس غريب اجتاحها. مزيج من الحزن والرغبة والخوْف من
التهميش. مع هذا الصبيّ، سوف يبقى محمّد أطول مدّة ممكنة إلى جانب ابنته.
ماذا سيتبقّى لها حين تكون هناك امرأة أخرى في البيت؟
لقد تأكّد وصول حفصة. ذلك أنّ الرسول قرر الزواجَ خلال الأيام الأولى من
الشهر الموالي. انتهتْ أشغال البيت، وتمّ إعداد غرفة حفصة بما يليق بها
كزوْجة جديدة للرسول. في حين أعدّ والدها عمر بن الخطاب بهذه المناسة وليمة
العرس، بينما انبرتْ سودة بنت زمعة مهدّئة لها:
- لا تخافي، سوْف تحتفظ به أربعة أيام، وبعد ذلك سوف يكون لك مدة ليلتيْن متتاليتين، بينما لنْ تستفيد هي سوى بليْلة واحدة فقط.
ردّتْ عائشة قائلة:
- أربعة أيام وأربع ليال وأنا أتخيّل مداعباتهما وعناقهما؟ سوف أُجنّ لا محالة.
- لا بدّ من القبول بالأمر، يا أختي الصغيرة. تلك هي العادة، ولنْ يغيّرها رجالنا.

1 جاء في كتب السيرة أنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بمكة
ولا يحرم ، مغلوبا على أمره ، وكان الإسلام قد فرق بين زينب بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين أسلمت وبين أبي العاص بن الربيع ، إلا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر أن يفرق بينهما ، فأقامت معه على إسلامها
وهو على شركه ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما صارت قريش
إلى بدر ، صار فيهم أبو العاص بن الربيع، فأصيب في الأسارى يوم بدر ، فكان
بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى
بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عائشة قالت لما بعث أهل
مكة في فداء أسرائهم ، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في
فداء أبي العاص بن الربيع بمال ، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها
بها على أبي العاص حين بنى عليها ، قالت : فلما رآها رسول الله صلى الله
عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها ، وتردوا
عليها مالها ، فافعلوا فقالوا : نعم يا رسول الله . فأطلقوه ، وردوا عليها
الذي لها» (المترجم) .


23-08-2012
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 3 1, 2, 3  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى