عائشة، محْبوبةُ النبيّ
صفحة 2 من اصل 3
صفحة 2 من اصل 3 • 1, 2, 3
أبو بكر لعائشة: كلّما نجحتِ في امتلاك قلب زوجك، كان ذلك في مصلحتنا
في الصباح، وببْنما كان الرسول قد خرج متوجّها إلى المسجد، فاجأ أبو بكْر بزيارته ابنته عائشة التي كانتْ منهمكة في أشغال البيْت. هنّأها على برودة أعصابها وحسن استقبالها لحفْصة، ثمّ شرح لها الوضعية قائلا: - إنّ حفصة ليستْ من مقامك ولا جديرة بك. لكنْ حاولا أنْ تكونا صديقتيْن، كما أنني أنا ووالدها عمر بن الخطاب صديقان. سوف تأتي نساء أخريات لا ندري من أيّة عشائر ولا من أيّة قبائل؟ لكن ينبغي أن نظلّ متّحدين ومتفقين. وكلّما نجحتِ في امتلاك قلب زوجك، كلما كان ذلك في مصلحتنا. هزّت عائشة رأسها موافقة. - مصالح العائلة... لقد اعتادتْ منذ نعومة أظفارها على أنْ تكون متضامنة معها من أجْل الحفاظ على هذه المصالح. أَلَمْ تكن هذه المصالح وراء فسْخ خطوبتها من الصغير جُبيْر، والزواج من الرسول الذي كان مستقبله مليئا بالوُعود والآمال بالنسبة للذين اتبعوه؟ لقد قادها أبوها بطريقة جيّدة ومحسوبة نحو الهدف، ما دامتْ هي الآن زوجة رجل قويّ سيحكم شبه الجزيرة العربية بفضل الله وجيْشه. رجل تحبّه عائشة حدّ الجنون، وسوف تلتقي به هناك في الجنة. لقد وعدها بذلك. هذا الاطمئنان هدّأ من روعها، وجعلها أكثر استعدادا لمواجهة الاختبارات القادمة. وحين جاءت حفصة، ترافقها سوْدة، ودقّتْ على باب بيت عائشة، في أوّل زيارة تقديمية لها، زيارة مجاملة بطبيعة الحال، استقبلتها بترحاب وبشاشة. وحفْصة بدورها كانت بشوشة وذات نظرة نبيهة. صحيح أنه لا تتمتّع بجمال حقيقيّ، غير أنها شابة لا تتجاوز ثماني عشرة سنة بالكاد. فضلا عن كونها رشيقة وأكثر حيوية من سودة السمينة. بعد تبادل التحية والعبارات الأولى، اكتشفتْ فيها عائشة ذكاء ونباهة زادَ من حدّتهما شخصيتها الوازنة وتجربتها الغنية في الحياة، بحكم السنّ والزواج السابق. وعلى إيقاع كأس حليب وبعض الحلويات الصغيرة المعدّة بالتمر واللوز، روتْ ابنة عمر بن الخطاب لعائشة كيْف قضت المدّة القصيرة من شهر العسل مع محمّد، محلّلة مزايا ونقائص زوجهما المشترك، ومُعلنة في الوقت ذاته بأنه من الألْيق لهما معا أنْ تتفاهما على كل شيء. قالتا وهما تسلمان على بعضهما البعض: - أجلْ، صديقتان في الدنيا والآخرة. بادرتْ سودة متسائلة: - وأنا، ما هو مصيري؟ هل ستتركاني وحيدة؟ ردّت الشابتان بصوت واحد وهما تضحكان: - أنتِ مربيتنا ووصيفتنا ومستشارتنا. تعانقتْ النسوة الثلاث، وهنّ يتواعدْن على مساعدة وحماية بعضهنّ البعض. لم تعد عائشة تشعر بالقلق والخوف كما كان الأمر من قبلُ، فهي الآن باتت تتوفّر على صديقة قريبة من سنّها، أي شخص تتحدث إليه وتقتسم معه الأفراح والمخاوف. وحين يخرج محمد للالتحاق بصحابته، من أجل تسوية مشاكل الجماعة الإسلامية، لنْ تبقى وحيدة. سيعمّ الحريمَ السلامُ. غير أن الأمر كان مختلفا في الخارج. خلال هذا المساء، بدا الرسول منفعلا وشديد التوتّر حين رجع عند عائشة التي استفادتْ من ليلة ثانية بفضْل تنازل سوْدة لها عن ليْلتها. كان يمسك برسالة حملها إليه مبعوث من طرف عمّه العباس. غْمغم الرسول وهو يدْرأ الغرفة جيئة وذهابا: - إن مكة ستهاجمنا عما قليل. ففي الطريق إليْنا ثلاثة آلاف رجل، من بينهم سبعمائة محارب مسلح، ومائتيْ فارس، وحواليْ أربعة آلاف ناقة، بما فيها تلك التي تحمل الأمتعة وهوادج النساء. فتحتْ عائشة عيْنيْها من شدة الدهشة وصرختْ مستغربة مما سمعتْ: - يحملون معهم نساؤهم؟ هلْ سيُحاربْن إلى جانبهم؟ - أجلْ، بطريقتهم في تحميس المقاتلين. لقد جاؤوا انتقاما من معركة بدر بسبب مقتل آبائهنّ وأزواجهنّ. لذلك جاء القرشيّون وحلفاؤهم من كلّ حدب للانتقام. وقد جهّزوا للهجوم على المدينة جيشا عظيما بقيادة أبي سفيان. - وما أنت فاعل يا رسول الله؟ - إنه قرار صعب، وأنا في حاجة إلى تفكير. وبعد أنْ تناول قكعة خبْز وكوب ماء، قضى جزءا من الليل في الصلاة والدعاء ثم خلد للنوم واضعا رأسه على بطْن عائشة، وهو يأمل في تلقي الوحي. في الصباح روى لها ما رأى في منامه: - إنِّي قَدْ رَأَيْتُ وَاَللَّهِ خَيْرًا، رَأَيْتُ بَقَرًا، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلْمًا، وَرَأَيْتُ أَنِّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ ، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ1. وبعد طول استشارة وتفكير قرّر الرسول الخروج إلى ضواحي المدينة من أجل محاربة القرشيين الذين استعانوا بمقاتلين من ثقيف وكنانة. كان القرار بدافع من شباب المدينة. فدخل محمد عند عائشة، ثمّ صلّى وارتدى لامته. وقد شعر الشباب بالندم، وأقبلوا على الرسول قائلين: - يارَسُولَ اللَّهِ : اسْتَكْرَهْنَاكَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ. فأجابهمْ: - مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إذَا لَبِسَ لَأَمْتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. لكنّهم انهزموا في أحد من حيث لا يدرون. 1 يروي ابن هشام في سيرته، ص 63 كما يلي:» قَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : رَأَيْتُ بَقَرًا لِي تُذْبَحُ ؟ قَالَ : فَأَمَّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ ، وَأَمَّا الثَّلْمُ الَّذِي رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ مَعَ رَأْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ ، وَأَلَّا يَخْرَجَ إلَيْهِمْ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، مِمَّنْ أَكْرَمَ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِ ، مِمَّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اُخْرُجْ بِنَا إلَى أَعْدَائِنَا ، لَا يَرَوْنَ أَنَّا جَبُنَّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تَخْرُجْ إلَيْهِمْ ، فَوَاَللَّهِ مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إلَى عَدُوٍّ لَنَا قَطُّ إلَّا أَصَابَ مِنَّا ، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إلَّا أَصَبْنَا مِنْهُ ، فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. (المترجم) 25-08-2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
انتقام محمّد وزواجه الرّابع من زينب بنت خُزَيْمة
بعد هزيمة أُحُد، التي أثارت الكثير من الشكوك، قال محمد لعائشة:
- لقد غادر القرشيّون أماكنهم عائدين إلى مكّة. وقد بعثوا لي برسولهم يقول
لي: « موعدنا السنة المقبلة في بدر». أجابتْه عائشة مرتعدة:
- الحرب مرّة أخرى؟ أََلَمْ تتعبْ من رؤية هذه الأعداد الكبيرة التي تموت
من الناس؟ انظر إلى نفسك، فأنتَ لا تكادُ تستطيع حتى الإمساكَ بسيْفكَ.
- لنْ تكون ثمّة هزيمة أخرى، أعدكِ يا عائشة. لقد هزمونا لأنّ بعض جنودي من
الرُّماة اعتقدوا أننا منتصرون لا محالة، وهرولوا مسرعين إلى جمْع
الغنائم، حيثُ غادروا نقطة استراتيجية. وقد استغلّ العدوّ ذلك وانقلب
عليْنا.
- مَنْ هم هؤلاء يا رسول الله؟ وهل ستعاقبهم؟
- كلاّ. سامحهم الله، وأنا أيْضا.
- في المدينة، هناك إشاعات تنتقدكَ، حيث إنّ اليهود والمنافقين يزرعون
الشكّ بين الناس، ويقولون إذا كان الله قدْ تخلّى عنك في أُحُد، فلأنّكَ
لستّ نبيّا.
هزّ محمد رأسه مبتسما ابتسامة ساخرة، ثمّ شدّ على يد عائشة، وقال متسائلا:
- وأنتِ، ماذا تعتقدين؟ هل تراودك شكوك بشأني كذلك؟
في هذه الأثناء، يدخُل عمر بن الخطاب مكفهرّا يستشيط غَضَبا وقال:
- عبد الله بن أبيّ يقول عنك الأكاذيب والشائعات. يقول إنّ همّك الوحيد هو
المُلْك فقط، وبأنه لمْ يسبقْ لأيّ نبيّ من قبلُ أنْ لقي ما لقيته أنتَ من
خزي وعار وهزيمة. هلاّ سمحتَ لي يا رسول الله بأنْ أضرب عنقه، هو ومن يحدو
حدوه، وهو كُثُر حسب علمي.
- لا تفعلْ شيئا، فإن الله قادر على نصرة دينه، وسوف يمنح نبيّه القوة والنصر.
وبنظرة حازمة وواثقة، أفْحَم محمد صهْره وأضاف قائلا:
- يا ابنَ الخطاب، لنْ ينتصر علينا القرشيّون بعد اليوم أبدا. سنتوجّه إلى مكة لتقبيل الحجر الأسود.
وافق عمر راضيا على هذا الرأي، ثم سلّم على محمّد وانْسحبَ مُسْرعا. أخذ
النبيّ عائشةَ بين أحْضانه ودفنَ وجْهه في صَدْرها. وبعد برهة قال لها:
- يجب أنْ أذهب للسلام على سوْدة، وزيارة بناتي. زينب المسكينة المتيّمة
عشقا في زوجها الكافر، وأمّ كلثوم التي تجْهل أنّ زوجها عثمان بن عفّان هرب
من الحرب بمجرّد ما حاصرنا العدوّ، وفاطمة التي سهرتْ على علاجي، وابنها
الحسن وريث دمي.
- ولا تجعل حفصة تطيل انتظارك.
- أنت ابنة أبي بكر أيتها المتشيْطنة. إلى الغد، أنا متعطّش إليْك.
تركته عائشة ينصرف بدون أن ينتابها أيّ شعور بالغيرة. لقد باتتْ تشكل مع
سوْدة وحفضة فريقا منسجما ومتضامنا. كما تعرف أنه سيؤدّي الواجب الزوجي مع
حفصة ويعود إليْها غدا.
ورغم أنّ الحرب وضعتْ أوزارها، إلاّ أن مناخها ما يزال يلقي بظله داخل
يثرب. وكلّ يوم، يجتمع الناس حول الرسول في المسجد من أجل الاستماع إلى
تعليقاته وتحليلاته، وغلى العبَر التي استخلصها من الهزيمة. وأمام اتهامات
اليهود والمنافقين، الذين زرعوا الشّكّ والريبة، كان يتعيّنُ عليْه أنْ
يطمئن قلوب المسلمين المتزعزعة. وقال بصوت ثابت: « وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ
تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.إِنْ
يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ
الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ
الْكَافِرِينَ. أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ.
وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ
رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ». ( آل عمران، الآيات 139-143). ولمّا
لمح صهره الأنيق عثمان بن عفان في الصف الأول أضاف:
« إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ
عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ» (آل عمران، الآية
155).
عادت الأمور إلى مجاريها، والحياة الطبيعية إلى سابق عهدها. وفجأة ستسودّ
الدنيا في وجْه عائشة. ففي وسطها الاجتماعي الذي تتحكّم فيه، سينزل الخبر
كالصاعقة عليها حين جاء والدها أبو بكْر وأخبرها بأنّ محمّدا سيتخذ له
الزّوجة الرابعة، مبرّرا لابنته ذلك بقوْله:
- إنّ الرسول يحتاج إلى حلْف سياسي. افتحي عينيْكِ وانصتي جيّدا لما
سيُقال. ينبغي أنْ نظلّ محافظين على هيْمنتنا وسيادتنا. وإذا عرفت كيْف
تتصرّفين، فسوف تبقيْن أنتِ المفضّلة. فبعْد خديجة، أنت التي تعرفينه
جيّدا.
بعد خروجها من هوْل الصدمة، قالتْ بحَنَق:
- ولماذا لم يقل لي شيئا؟
تمْتَمَ أبو بكر قائلا:
- لقد جرى كل شيء بسرعة? أُبرم الاتفاق مع بني أسد، وهو اتفاق في غاية
الأهمية رغب في أنْ يعزّزه بأحْسن الطرق. لذلك دفعته الظروف إلى أنْ يطلب
من خُزيْمة، سيّد القبيلة، يدَ ابنته زينب.
وقطّبتْ عائشة عابسة حين علمتْ بأنّ هذه المرأة، ذات الثلاثين سنة، هي
أرملة منذ سنة بكاملها، منذ أنْ توفّي زوجها عبيْدة بن الحارث بن المطلب
إثْر نزاع شخصي قبل غزوة بدر. ومنذ ذلك الحين لم تتزوّج إلى أنْ قبلتْ دون
تردّد الزواج من الرسول الذي تُطبَّقُ أوامره. وقد أمَر بعض الجواري بإعداد
غرفة للمختارة الأخيرة، ليستْ بعيدة عن غرفة عائشة. هذه الأخيرة التي لم
تنظر بعين الرضى إلى مجيء هذه الغريبة التي سوف تنعم بيْن أحْضان حبيبها.
27-08-2012
- لقد غادر القرشيّون أماكنهم عائدين إلى مكّة. وقد بعثوا لي برسولهم يقول
لي: « موعدنا السنة المقبلة في بدر». أجابتْه عائشة مرتعدة:
- الحرب مرّة أخرى؟ أََلَمْ تتعبْ من رؤية هذه الأعداد الكبيرة التي تموت
من الناس؟ انظر إلى نفسك، فأنتَ لا تكادُ تستطيع حتى الإمساكَ بسيْفكَ.
- لنْ تكون ثمّة هزيمة أخرى، أعدكِ يا عائشة. لقد هزمونا لأنّ بعض جنودي من
الرُّماة اعتقدوا أننا منتصرون لا محالة، وهرولوا مسرعين إلى جمْع
الغنائم، حيثُ غادروا نقطة استراتيجية. وقد استغلّ العدوّ ذلك وانقلب
عليْنا.
- مَنْ هم هؤلاء يا رسول الله؟ وهل ستعاقبهم؟
- كلاّ. سامحهم الله، وأنا أيْضا.
- في المدينة، هناك إشاعات تنتقدكَ، حيث إنّ اليهود والمنافقين يزرعون
الشكّ بين الناس، ويقولون إذا كان الله قدْ تخلّى عنك في أُحُد، فلأنّكَ
لستّ نبيّا.
هزّ محمد رأسه مبتسما ابتسامة ساخرة، ثمّ شدّ على يد عائشة، وقال متسائلا:
- وأنتِ، ماذا تعتقدين؟ هل تراودك شكوك بشأني كذلك؟
في هذه الأثناء، يدخُل عمر بن الخطاب مكفهرّا يستشيط غَضَبا وقال:
- عبد الله بن أبيّ يقول عنك الأكاذيب والشائعات. يقول إنّ همّك الوحيد هو
المُلْك فقط، وبأنه لمْ يسبقْ لأيّ نبيّ من قبلُ أنْ لقي ما لقيته أنتَ من
خزي وعار وهزيمة. هلاّ سمحتَ لي يا رسول الله بأنْ أضرب عنقه، هو ومن يحدو
حدوه، وهو كُثُر حسب علمي.
- لا تفعلْ شيئا، فإن الله قادر على نصرة دينه، وسوف يمنح نبيّه القوة والنصر.
وبنظرة حازمة وواثقة، أفْحَم محمد صهْره وأضاف قائلا:
- يا ابنَ الخطاب، لنْ ينتصر علينا القرشيّون بعد اليوم أبدا. سنتوجّه إلى مكة لتقبيل الحجر الأسود.
وافق عمر راضيا على هذا الرأي، ثم سلّم على محمّد وانْسحبَ مُسْرعا. أخذ
النبيّ عائشةَ بين أحْضانه ودفنَ وجْهه في صَدْرها. وبعد برهة قال لها:
- يجب أنْ أذهب للسلام على سوْدة، وزيارة بناتي. زينب المسكينة المتيّمة
عشقا في زوجها الكافر، وأمّ كلثوم التي تجْهل أنّ زوجها عثمان بن عفّان هرب
من الحرب بمجرّد ما حاصرنا العدوّ، وفاطمة التي سهرتْ على علاجي، وابنها
الحسن وريث دمي.
- ولا تجعل حفصة تطيل انتظارك.
- أنت ابنة أبي بكر أيتها المتشيْطنة. إلى الغد، أنا متعطّش إليْك.
تركته عائشة ينصرف بدون أن ينتابها أيّ شعور بالغيرة. لقد باتتْ تشكل مع
سوْدة وحفضة فريقا منسجما ومتضامنا. كما تعرف أنه سيؤدّي الواجب الزوجي مع
حفصة ويعود إليْها غدا.
ورغم أنّ الحرب وضعتْ أوزارها، إلاّ أن مناخها ما يزال يلقي بظله داخل
يثرب. وكلّ يوم، يجتمع الناس حول الرسول في المسجد من أجل الاستماع إلى
تعليقاته وتحليلاته، وغلى العبَر التي استخلصها من الهزيمة. وأمام اتهامات
اليهود والمنافقين، الذين زرعوا الشّكّ والريبة، كان يتعيّنُ عليْه أنْ
يطمئن قلوب المسلمين المتزعزعة. وقال بصوت ثابت: « وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ
تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.إِنْ
يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ
الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ
الْكَافِرِينَ. أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ.
وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ
رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ». ( آل عمران، الآيات 139-143). ولمّا
لمح صهره الأنيق عثمان بن عفان في الصف الأول أضاف:
« إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ
عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ» (آل عمران، الآية
155).
عادت الأمور إلى مجاريها، والحياة الطبيعية إلى سابق عهدها. وفجأة ستسودّ
الدنيا في وجْه عائشة. ففي وسطها الاجتماعي الذي تتحكّم فيه، سينزل الخبر
كالصاعقة عليها حين جاء والدها أبو بكْر وأخبرها بأنّ محمّدا سيتخذ له
الزّوجة الرابعة، مبرّرا لابنته ذلك بقوْله:
- إنّ الرسول يحتاج إلى حلْف سياسي. افتحي عينيْكِ وانصتي جيّدا لما
سيُقال. ينبغي أنْ نظلّ محافظين على هيْمنتنا وسيادتنا. وإذا عرفت كيْف
تتصرّفين، فسوف تبقيْن أنتِ المفضّلة. فبعْد خديجة، أنت التي تعرفينه
جيّدا.
بعد خروجها من هوْل الصدمة، قالتْ بحَنَق:
- ولماذا لم يقل لي شيئا؟
تمْتَمَ أبو بكر قائلا:
- لقد جرى كل شيء بسرعة? أُبرم الاتفاق مع بني أسد، وهو اتفاق في غاية
الأهمية رغب في أنْ يعزّزه بأحْسن الطرق. لذلك دفعته الظروف إلى أنْ يطلب
من خُزيْمة، سيّد القبيلة، يدَ ابنته زينب.
وقطّبتْ عائشة عابسة حين علمتْ بأنّ هذه المرأة، ذات الثلاثين سنة، هي
أرملة منذ سنة بكاملها، منذ أنْ توفّي زوجها عبيْدة بن الحارث بن المطلب
إثْر نزاع شخصي قبل غزوة بدر. ومنذ ذلك الحين لم تتزوّج إلى أنْ قبلتْ دون
تردّد الزواج من الرسول الذي تُطبَّقُ أوامره. وقد أمَر بعض الجواري بإعداد
غرفة للمختارة الأخيرة، ليستْ بعيدة عن غرفة عائشة. هذه الأخيرة التي لم
تنظر بعين الرضى إلى مجيء هذه الغريبة التي سوف تنعم بيْن أحْضان حبيبها.
27-08-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
بعد وفاة زيْنب، الرسول يوصي بإعداد الغرفة للزوجة الخامسة أمّ سَلَمة
لم تنظرْ عائشة بعين الرضى
إلى مجيء زوجة الرسول الرابعة، زيْنب بنت خُزيمة، التي سوف تنعم بيْن
أحْضان حبيبها. وقد انتشر في كلّ أرجاء المدينة خبر هذا الزواج من زينب،
التي يعدّد الناس مناقبها وطيبوبتها وكرمها الكبير، فضْلا عما تتمتع به من
جمال. وفي بيت سوْدة، الذي لمْ يتأثّر بالخبر، تجتمع الزّوجتان الصغيرتان
اللتان تطرحان أكْثر من تساؤل حول هذه المنافسة الجديدة المعروفة بين
الناس. تساءلتْ عائشة قائلة:
- هلْ تعتقدينَ بأنها أجمل منّا؟
ردّتْ عليها حفصة:
- إذا كانتْ كذلك، فإنّ الأمر لنْ يدوم طويلا. إنها أكبر منّا سنّا، وسوف تتراجع امتيازاتها مع مرور الوقت.
تدخّلتْ عائشة في النقاش لتقول:
- كونا متسامحتيْن. إنّ ما يهمّ في المقام الأوّل هي سعادة نبيّنا صلّى
الله عليه وسلّم. ستختلي به كلّ واحدة منكما مرّة كلّ ثلاثة أيام، ولنْ
تكونا تعيستيْن.
أضافتْ عائشة:
- ورغم ذلك لا بدّ من الحذر. فامرأة في الثلاثين من عمرها، لا بدّ أنها تملك من الحيل ما يؤهّلها للاستفادة منه والسيطرة عليه.
خرجتْ كلّ من حفْصة وعائشة، وهما تفكّران في طريقة تخلقان بها متاعب للمنافسة الجديدة.
في بيته الكبير، المكوّن من تسع غرف، مُصطفّة بجانب بعضها البعض، لا يملك
الرسول غرفة مستقلة خاصة به. فهو يعيش بين زوجاته، كلّ واحدة منهنّ تستقبله
حين يجيء دورها، وذلك بحسب التسلسل المحدّد. فخلال ليلة واليوم الموالي،
تتكلّف واحدة منهنّ به وبطعامه. وقد جرت العادة أنْ يقوم بزيارتهنّ عند
العصر، الواحدة تلو الأخرى، من أجل الاطمئنان عليهنّ، وتبادل بعض الآراء
والقُبَل. وفي هذه الفترة، تستعملُ المتواطئتان، عائشة وحفصة، كلّ حيلهما
وتبريراتهما من أجْل أنْ يبقى معهنّ الرسول أطول مدة ممكنة، من حيث لا يدري
في أغلب الحالات. وقد يحصل أحيانا أنْ لا يستطيع المقاومة، وبالتالي تمتدّ
فترة العصر عند حفصة، ثمّ بعدها عند عائشة. وحين يصل عند زينب، يستسلمُ
للنوم بين أحضانها. ولا تجد المسكينة من سبيل سوى لوْمه والشكوى له.
غير أن هذه الحيل الطفولية لمْ تدمْ طويلا، فسرعانَ ما أبرمتْ عائشة
الهُدنة مع زينب، وخصوصا بعدما لمسته فيها من طيبوبة وإنسانية، حيثُ كانتْ
تُعرف ب»أمّ المساكين»، سميت بها لكثرة إطعامها المساكين. ولم تعدْ عائشة
تغار من جمال زينب، الذي لم يكنْ خارقا على أيّة حال.
لكنْ حدثَ أمْر آخر هو الذي أقْلقَ عائشة، وهو أن فاطمة، ابنة الرسول،
وضعتْ مولودها الثاني. والرسول يطير من الفرح، فبعد الحسن، ها هو الحسيْن
الجميل. وبعد أنْ لم يُرْزق سوى بالبنات، ها قلْبه يذوب أمام طفليْن
حفيديْن. وبات معظم الأحيان في بيت ابنته يلعب مع حفيديْه، ويعتني
بتربيتهما راسما ألف مشروع مستقبلي لهما.
وفجأة، سوف تمرضُ زينب بنت خزيمة ويخطفها الموت بعد مرور ثلاثة أشهر على
زواجها من الرسول. وقد حزن عليها الرسول حزنا شديدا، ودفنها بمقبرة
«البقيع»، غير بعيد عن ابنته رقيّة، وصلى عليها. بعد حادث الوفاة، تلقّتْ
زوجات الرسول الثلاث عزاءَ أهل يثرب، غيْر أنهنّ، في العمق، سعدْن لاستعادة
حميميتهنّ السابقة. إلاّ أنّ سعادتهنّ لم تعمّر طويلا، فسرعان ما أعلن
الرسول قائلا»:
- يجب تنظيف غرفة المرحومة، وإعدادها لأمّ سَلَمة، لقد طلبتُ يدها.
أمّ سلمة? قنبلة داخل حريم الرسول. اسمها الحقيقيّ هنْد بنت أبي أمية، وهي
شابّة أرستوقراطية، من بني مخزوم، تبلغ من العمر تسعا وعشرين سنة. ولما
انقضتْ عدّتها، تزوجها الرسول بعد أربعة أشهر. وفضلا عن كبريائها واعتزازها
بنفسها، فقد كانتْ جميلة أنيقة ومتميزة. كانت، قبل إحدى عشرة سنة، زوجة
لأحد أبناء عمّ الرسول، هو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد، الذي كانتْ قد
هاجرتْ معه، بعد إسلامهما، إلى الحبشة. وبعد عودتهما، كانا من بيْن الأوائل
الذين هاجروا مع الرسول من مكّة إلى المدينة. وكان زوجها أبو سَلَمة من
صحابة الرسول الخُلَّص الذين قاتلوا إلى جانبه في معركة بدر، وبعدها في
معركة أحد حيث أصيب بسهم خلّف جروحا بالغة سرعان ما أدّتْ إلى وفاته،
مخلّفا وراءه زوجته الحبيبة وعددا من الأطفال.
جزن شديد اجتاح عائشة التي صرختْ في وجه حفصة قائلة:
- أعتقد هذه المرّة بأننا لسنا في مستوى الزوجة الجديدة. لاحظتها حين كانت
تساعدني في تهييء زفاف فاطمة، قبل سنتيْن، لا زلتُ أحتفظ بصورة امرأة في
خارقة الجمال.
ثمّ أجهشتْ بالبكاء وأضافتْ:
- هل انتبهتِ بأنها جزء من العائلة؟ والجميع كان يغار من ذلك الحبّ الذي
كان يجمعها بزوجها. فهل كانتْ صادقة في حبّها؟ وكيْف استطاعتْ أن تنساه
بهذه السرعة؟
اقتربتْ حفصة من أذنها وأسرّتْ لها:
- لقدْ تقدّم لطلب يدها رجال آخرون قبْل النبيّ، منهم والدك ووالدي، لكنّها رفضتْهما.
- وأسرعتْ لأخذ زوجنا نحن؟
هنا تدخّلتْ سودة، التي تعرف كلّ أسرار المدينة، موضّحة:
- لقد رفضتْه هو كذلك. فقد أخبرته بأنها لا تزال مخلصة لزوجها الفقيد، لكنه
أعاد الطلب. وقالتْ له إني مسنّة، فقال لها: وأنا أسنّ منك، وقالت إنّي
مُصْبية [أيْ كثيرة الأطفال]، فقال: هم عيال الله ورسوله. فقالتْ: إني
غَيور، قال: أنا أدعو الله عز وجلّ أن يُذهب عنك الغيرة1.
1 انظر التفاصيل التي اعتمدتْ عليها الكاتبة في: كتاب «أنساب الأشراف» للبلاذري، المجلد الأول، دار الكتب العلمية، ص. 365.
28-08-2012
إلى مجيء زوجة الرسول الرابعة، زيْنب بنت خُزيمة، التي سوف تنعم بيْن
أحْضان حبيبها. وقد انتشر في كلّ أرجاء المدينة خبر هذا الزواج من زينب،
التي يعدّد الناس مناقبها وطيبوبتها وكرمها الكبير، فضْلا عما تتمتع به من
جمال. وفي بيت سوْدة، الذي لمْ يتأثّر بالخبر، تجتمع الزّوجتان الصغيرتان
اللتان تطرحان أكْثر من تساؤل حول هذه المنافسة الجديدة المعروفة بين
الناس. تساءلتْ عائشة قائلة:
- هلْ تعتقدينَ بأنها أجمل منّا؟
ردّتْ عليها حفصة:
- إذا كانتْ كذلك، فإنّ الأمر لنْ يدوم طويلا. إنها أكبر منّا سنّا، وسوف تتراجع امتيازاتها مع مرور الوقت.
تدخّلتْ عائشة في النقاش لتقول:
- كونا متسامحتيْن. إنّ ما يهمّ في المقام الأوّل هي سعادة نبيّنا صلّى
الله عليه وسلّم. ستختلي به كلّ واحدة منكما مرّة كلّ ثلاثة أيام، ولنْ
تكونا تعيستيْن.
أضافتْ عائشة:
- ورغم ذلك لا بدّ من الحذر. فامرأة في الثلاثين من عمرها، لا بدّ أنها تملك من الحيل ما يؤهّلها للاستفادة منه والسيطرة عليه.
خرجتْ كلّ من حفْصة وعائشة، وهما تفكّران في طريقة تخلقان بها متاعب للمنافسة الجديدة.
في بيته الكبير، المكوّن من تسع غرف، مُصطفّة بجانب بعضها البعض، لا يملك
الرسول غرفة مستقلة خاصة به. فهو يعيش بين زوجاته، كلّ واحدة منهنّ تستقبله
حين يجيء دورها، وذلك بحسب التسلسل المحدّد. فخلال ليلة واليوم الموالي،
تتكلّف واحدة منهنّ به وبطعامه. وقد جرت العادة أنْ يقوم بزيارتهنّ عند
العصر، الواحدة تلو الأخرى، من أجل الاطمئنان عليهنّ، وتبادل بعض الآراء
والقُبَل. وفي هذه الفترة، تستعملُ المتواطئتان، عائشة وحفصة، كلّ حيلهما
وتبريراتهما من أجْل أنْ يبقى معهنّ الرسول أطول مدة ممكنة، من حيث لا يدري
في أغلب الحالات. وقد يحصل أحيانا أنْ لا يستطيع المقاومة، وبالتالي تمتدّ
فترة العصر عند حفصة، ثمّ بعدها عند عائشة. وحين يصل عند زينب، يستسلمُ
للنوم بين أحضانها. ولا تجد المسكينة من سبيل سوى لوْمه والشكوى له.
غير أن هذه الحيل الطفولية لمْ تدمْ طويلا، فسرعانَ ما أبرمتْ عائشة
الهُدنة مع زينب، وخصوصا بعدما لمسته فيها من طيبوبة وإنسانية، حيثُ كانتْ
تُعرف ب»أمّ المساكين»، سميت بها لكثرة إطعامها المساكين. ولم تعدْ عائشة
تغار من جمال زينب، الذي لم يكنْ خارقا على أيّة حال.
لكنْ حدثَ أمْر آخر هو الذي أقْلقَ عائشة، وهو أن فاطمة، ابنة الرسول،
وضعتْ مولودها الثاني. والرسول يطير من الفرح، فبعد الحسن، ها هو الحسيْن
الجميل. وبعد أنْ لم يُرْزق سوى بالبنات، ها قلْبه يذوب أمام طفليْن
حفيديْن. وبات معظم الأحيان في بيت ابنته يلعب مع حفيديْه، ويعتني
بتربيتهما راسما ألف مشروع مستقبلي لهما.
وفجأة، سوف تمرضُ زينب بنت خزيمة ويخطفها الموت بعد مرور ثلاثة أشهر على
زواجها من الرسول. وقد حزن عليها الرسول حزنا شديدا، ودفنها بمقبرة
«البقيع»، غير بعيد عن ابنته رقيّة، وصلى عليها. بعد حادث الوفاة، تلقّتْ
زوجات الرسول الثلاث عزاءَ أهل يثرب، غيْر أنهنّ، في العمق، سعدْن لاستعادة
حميميتهنّ السابقة. إلاّ أنّ سعادتهنّ لم تعمّر طويلا، فسرعان ما أعلن
الرسول قائلا»:
- يجب تنظيف غرفة المرحومة، وإعدادها لأمّ سَلَمة، لقد طلبتُ يدها.
أمّ سلمة? قنبلة داخل حريم الرسول. اسمها الحقيقيّ هنْد بنت أبي أمية، وهي
شابّة أرستوقراطية، من بني مخزوم، تبلغ من العمر تسعا وعشرين سنة. ولما
انقضتْ عدّتها، تزوجها الرسول بعد أربعة أشهر. وفضلا عن كبريائها واعتزازها
بنفسها، فقد كانتْ جميلة أنيقة ومتميزة. كانت، قبل إحدى عشرة سنة، زوجة
لأحد أبناء عمّ الرسول، هو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد، الذي كانتْ قد
هاجرتْ معه، بعد إسلامهما، إلى الحبشة. وبعد عودتهما، كانا من بيْن الأوائل
الذين هاجروا مع الرسول من مكّة إلى المدينة. وكان زوجها أبو سَلَمة من
صحابة الرسول الخُلَّص الذين قاتلوا إلى جانبه في معركة بدر، وبعدها في
معركة أحد حيث أصيب بسهم خلّف جروحا بالغة سرعان ما أدّتْ إلى وفاته،
مخلّفا وراءه زوجته الحبيبة وعددا من الأطفال.
جزن شديد اجتاح عائشة التي صرختْ في وجه حفصة قائلة:
- أعتقد هذه المرّة بأننا لسنا في مستوى الزوجة الجديدة. لاحظتها حين كانت
تساعدني في تهييء زفاف فاطمة، قبل سنتيْن، لا زلتُ أحتفظ بصورة امرأة في
خارقة الجمال.
ثمّ أجهشتْ بالبكاء وأضافتْ:
- هل انتبهتِ بأنها جزء من العائلة؟ والجميع كان يغار من ذلك الحبّ الذي
كان يجمعها بزوجها. فهل كانتْ صادقة في حبّها؟ وكيْف استطاعتْ أن تنساه
بهذه السرعة؟
اقتربتْ حفصة من أذنها وأسرّتْ لها:
- لقدْ تقدّم لطلب يدها رجال آخرون قبْل النبيّ، منهم والدك ووالدي، لكنّها رفضتْهما.
- وأسرعتْ لأخذ زوجنا نحن؟
هنا تدخّلتْ سودة، التي تعرف كلّ أسرار المدينة، موضّحة:
- لقد رفضتْه هو كذلك. فقد أخبرته بأنها لا تزال مخلصة لزوجها الفقيد، لكنه
أعاد الطلب. وقالتْ له إني مسنّة، فقال لها: وأنا أسنّ منك، وقالت إنّي
مُصْبية [أيْ كثيرة الأطفال]، فقال: هم عيال الله ورسوله. فقالتْ: إني
غَيور، قال: أنا أدعو الله عز وجلّ أن يُذهب عنك الغيرة1.
1 انظر التفاصيل التي اعتمدتْ عليها الكاتبة في: كتاب «أنساب الأشراف» للبلاذري، المجلد الأول، دار الكتب العلمية، ص. 365.
28-08-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
عائشة تموت غيرة من جمال أم ّ سَلَمَة
قالت حفصة:
- إذا كنت قد فهمت، فإن الله استجاب لطلب الأرملة، وأعطاها أفضل رجل في المدينة، نبيّه ورسوله. ونحن يجب علينا أنْ نذعن للأمر.
ردّت عليها عائشة بنبرة حزينة ملؤها المرارة:
- تكلّمي عن نفسك. أما بالنسبة لي، فإن قلبي ينْفطر من الحزن، ويصعب عليّ تجاوز الأمر بكل سهولة. فأنا لا أفكّر إلا في جمالها، وأرتعد من الغيرة.
اتكأت عليها حفصة، وهمستْ في أذنها وهي تقول:
- هذا الإحساس المرّ يشرد ذهنك. هل تعتقدين بأنها جميلة، غير أنها ليست بذلك الجمال الذي تتصورينه. ولا تنسيْ بأنها أكبر منا سنّا، وبأنها لها أطفال عديدون ولن تستمر في إبهار زوجنا.
قالت عائشة لمحمد:
- هل تحبها أكثر مني؟
- لا تكوني كثيرة الغيرة يا عائشة. فمن بين جميع نسائي، أنت التي أحب أكثر. معها هي الأمْر مختلف. أنا أريد أن أكتشف السحر الذي يختفي في ماء عيْنيْها.
- وسحري أنا، هل اكتشفته؟
- يا غزالتي، حفظك الله لي. كيف أستطيع أن أملّ منك؟ وكيف يسعني أن أتعب منك؟ أنت تتوفرين على موهبة التجديد. وثقي بي، كلما رأيتك، كلما فُرض عليّ أنْ أكتشفك. قولي لي، كيف ستكونين اليوم. قطّة أم لبؤة؟ ماذا هيّأت لي الليلة؟
- نور حياتي، خذني إلى الجنة.
بعد مرور أيام وليال في السعادة السريرية مع محمد لوحدهما، سوف تقوم عائشة بزيارة لأمّ سلمة، وستتأمل بريق جمالها وبهائها وأناقتها وأنوثتها. مثلما ستعجب بديكور غرفتها المرتبة بطريقة رائعة، فضلا عن إعجابها الكبير بطريقة مناقشتها والدفاع عن وجهة نظرها. ومن ثمّ فهمت السبب الكبير في تعلّق زوجها بالمنافسة الكبيرة. بلْ وزادها الأمر غيرة حين كان الرسول يقضي وقتا طويلا عند أمّ سلمة، وهو يطوف على نسائه. فقد حدث ذات يوم أنْ خرج من عند عائشة، بعد أن قبّل يدها وجبينها، وكان اليوم يوم أمّ سلمة، فانصرف عندها وقضى الليلة عندها، لكنه أطال المكوث والاحتباس عندها ، فغارت عائشة، وأثّرت على حفصة لكيْ تصرف زوجها عن ذلك. فقالت لحفصة.
- ما نرى رسول الله يمكث عندها إلا أنه يخلو معها.
وهما تعنيان طول الجماع وكثرته. فردّت عليها حفصة قائلة:
- أجلْ يا أختي، لقد لاحظتُ ذلك.
وأشتد ذلك عليهما حتى بعثت سودة تعرف سرّ الأمر وما يحبسه عندها ، فإذا هو إذا صار إليها أخرجتْ له كأسا من عسل فتحت له فمها فيلعق منه لعقات، وكان العسل يعجبه ، فقالتا : ما من شئ نكرهه إليه حتى لا يلبث في بيت أم سلمة ؟
فقالتا : ليس من شئ أكره إلى الرسول من أن يقال له : نجد منك رائحة كريهة، فإذا جاءك فدنا منك فقولي : إني أجد منك ريح شئ ، فإنه يقول : من عسل شربته عند أم سلمة، فقولي له كأن نحْل هذا العسل قد رعى شيئا كريه الرائحة أو نتنا، فإنه سوف يكفّ عن شربه، وبالتالي عن الذهاب إليها والمكوث عندها.
فلما دخل محمد على عائشة في اليوم الموالي، دنا منها فقالت:
- إني لأجد منك شيئا كريه الرائحة ! ماذا تناولتَ هذا الصباح؟ فقال :
- عسل من بيت أم سلمة شربته ككلّ يوم، فقالت :
- يا رسول الله إنه نتن .
ولما ذهب عند حفصة، قالت له نفس الملاحظة، وكذلك سودة. ومن ثمّ صدّق ما سمع وبالتالي أقلع عن شرب العسل. بل إنه لما ذهب ثانية عند أمّ سلمة، وأخرجت له جرّة العسل، قال لها:»لا حاجة لي فيه». وحرّمه على نفسه. بعد ذلك قالت سودة لعائشة:
- ما أرانا إلا قد أتيْنا أمرا عظيما. منعنا رسول الله من شيئ كان يحبّه ويشتهيه.
وأوصتهما عائشة بكتمان السّرّ.
في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، عن عائشة قالت : كان رسول الله ( ص ) يحب الحلواء ويحب العسل وكان إذا صلى العصر أجاز على نسائه فيدنو منهن ، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فسألت عن ذلك فقال لي : أهدت امرأة من قومها عكة ( أي وعاء ) عسل فسقت رسول الله ( ص ) منه شربة فقلت : أما والله لنحتالن له ، فذكرت ذلك لسودة بنت زمعة وقلت : إذا دخل عليك فانه سيدنو منك فقولي له : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ فانه سيقول : لا ، فقولي له : ما هذه الريح التي أجد منك ؟ وكان رسول الله ( ص ) يشتد عليه أن توجد منه الريح ، فانه سيقول : سقتني حفصة شربة عسل فقولي له : جرست نحله العرفط ؟
وسأقول ذلك وقوليه أنت يا صفية ، فلما دخل على سودة قلت : تقول سودة : والذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادره بالذي قلت لي : وانه لعلى الباب فرقا منك، فلما دنا رسول الله ( ص ) قلت : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال : لا ، قلت : فما هذه الريح ؟ قال : سقتني حفصة شربة عسل ، قلت: جرست نحله العرفط ؟ فلما دخل علي قلت له : مثل ذلك ، ودخل على صفية فقالت له : مثل ذلك ، فلما دخل على حفصة قالت له : يا رسول الله ألا أسقيك منه ، قال : لا حاجة لي به ، قالت : تقول سودة : سبحان الله لقد حرمناه ، قالت : قلت لها :اسكتي (المترجم) .
29-08-2012
- إذا كنت قد فهمت، فإن الله استجاب لطلب الأرملة، وأعطاها أفضل رجل في المدينة، نبيّه ورسوله. ونحن يجب علينا أنْ نذعن للأمر.
ردّت عليها عائشة بنبرة حزينة ملؤها المرارة:
- تكلّمي عن نفسك. أما بالنسبة لي، فإن قلبي ينْفطر من الحزن، ويصعب عليّ تجاوز الأمر بكل سهولة. فأنا لا أفكّر إلا في جمالها، وأرتعد من الغيرة.
اتكأت عليها حفصة، وهمستْ في أذنها وهي تقول:
- هذا الإحساس المرّ يشرد ذهنك. هل تعتقدين بأنها جميلة، غير أنها ليست بذلك الجمال الذي تتصورينه. ولا تنسيْ بأنها أكبر منا سنّا، وبأنها لها أطفال عديدون ولن تستمر في إبهار زوجنا.
قالت عائشة لمحمد:
- هل تحبها أكثر مني؟
- لا تكوني كثيرة الغيرة يا عائشة. فمن بين جميع نسائي، أنت التي أحب أكثر. معها هي الأمْر مختلف. أنا أريد أن أكتشف السحر الذي يختفي في ماء عيْنيْها.
- وسحري أنا، هل اكتشفته؟
- يا غزالتي، حفظك الله لي. كيف أستطيع أن أملّ منك؟ وكيف يسعني أن أتعب منك؟ أنت تتوفرين على موهبة التجديد. وثقي بي، كلما رأيتك، كلما فُرض عليّ أنْ أكتشفك. قولي لي، كيف ستكونين اليوم. قطّة أم لبؤة؟ ماذا هيّأت لي الليلة؟
- نور حياتي، خذني إلى الجنة.
بعد مرور أيام وليال في السعادة السريرية مع محمد لوحدهما، سوف تقوم عائشة بزيارة لأمّ سلمة، وستتأمل بريق جمالها وبهائها وأناقتها وأنوثتها. مثلما ستعجب بديكور غرفتها المرتبة بطريقة رائعة، فضلا عن إعجابها الكبير بطريقة مناقشتها والدفاع عن وجهة نظرها. ومن ثمّ فهمت السبب الكبير في تعلّق زوجها بالمنافسة الكبيرة. بلْ وزادها الأمر غيرة حين كان الرسول يقضي وقتا طويلا عند أمّ سلمة، وهو يطوف على نسائه. فقد حدث ذات يوم أنْ خرج من عند عائشة، بعد أن قبّل يدها وجبينها، وكان اليوم يوم أمّ سلمة، فانصرف عندها وقضى الليلة عندها، لكنه أطال المكوث والاحتباس عندها ، فغارت عائشة، وأثّرت على حفصة لكيْ تصرف زوجها عن ذلك. فقالت لحفصة.
- ما نرى رسول الله يمكث عندها إلا أنه يخلو معها.
وهما تعنيان طول الجماع وكثرته. فردّت عليها حفصة قائلة:
- أجلْ يا أختي، لقد لاحظتُ ذلك.
وأشتد ذلك عليهما حتى بعثت سودة تعرف سرّ الأمر وما يحبسه عندها ، فإذا هو إذا صار إليها أخرجتْ له كأسا من عسل فتحت له فمها فيلعق منه لعقات، وكان العسل يعجبه ، فقالتا : ما من شئ نكرهه إليه حتى لا يلبث في بيت أم سلمة ؟
فقالتا : ليس من شئ أكره إلى الرسول من أن يقال له : نجد منك رائحة كريهة، فإذا جاءك فدنا منك فقولي : إني أجد منك ريح شئ ، فإنه يقول : من عسل شربته عند أم سلمة، فقولي له كأن نحْل هذا العسل قد رعى شيئا كريه الرائحة أو نتنا، فإنه سوف يكفّ عن شربه، وبالتالي عن الذهاب إليها والمكوث عندها.
فلما دخل محمد على عائشة في اليوم الموالي، دنا منها فقالت:
- إني لأجد منك شيئا كريه الرائحة ! ماذا تناولتَ هذا الصباح؟ فقال :
- عسل من بيت أم سلمة شربته ككلّ يوم، فقالت :
- يا رسول الله إنه نتن .
ولما ذهب عند حفصة، قالت له نفس الملاحظة، وكذلك سودة. ومن ثمّ صدّق ما سمع وبالتالي أقلع عن شرب العسل. بل إنه لما ذهب ثانية عند أمّ سلمة، وأخرجت له جرّة العسل، قال لها:»لا حاجة لي فيه». وحرّمه على نفسه. بعد ذلك قالت سودة لعائشة:
- ما أرانا إلا قد أتيْنا أمرا عظيما. منعنا رسول الله من شيئ كان يحبّه ويشتهيه.
وأوصتهما عائشة بكتمان السّرّ.
في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، عن عائشة قالت : كان رسول الله ( ص ) يحب الحلواء ويحب العسل وكان إذا صلى العصر أجاز على نسائه فيدنو منهن ، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فسألت عن ذلك فقال لي : أهدت امرأة من قومها عكة ( أي وعاء ) عسل فسقت رسول الله ( ص ) منه شربة فقلت : أما والله لنحتالن له ، فذكرت ذلك لسودة بنت زمعة وقلت : إذا دخل عليك فانه سيدنو منك فقولي له : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ فانه سيقول : لا ، فقولي له : ما هذه الريح التي أجد منك ؟ وكان رسول الله ( ص ) يشتد عليه أن توجد منه الريح ، فانه سيقول : سقتني حفصة شربة عسل فقولي له : جرست نحله العرفط ؟
وسأقول ذلك وقوليه أنت يا صفية ، فلما دخل على سودة قلت : تقول سودة : والذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادره بالذي قلت لي : وانه لعلى الباب فرقا منك، فلما دنا رسول الله ( ص ) قلت : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال : لا ، قلت : فما هذه الريح ؟ قال : سقتني حفصة شربة عسل ، قلت: جرست نحله العرفط ؟ فلما دخل علي قلت له : مثل ذلك ، ودخل على صفية فقالت له : مثل ذلك ، فلما دخل على حفصة قالت له : يا رسول الله ألا أسقيك منه ، قال : لا حاجة لي به ، قالت : تقول سودة : سبحان الله لقد حرمناه ، قالت : قلت لها :اسكتي (المترجم) .
29-08-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
حقيقة «نساؤكمْ حرث لكم»
مرّت الأيام، بعد حادث العسل
الذي سيفضي إلى التحريم، هادئة إلى حدّ ما بالنسبة لعائشة. فبعد حفصة
وأمّ سلمة، جاء دور عائشة لاستقبال الرسول في غرفتها لليلتين متتاليتين
مفصولتين بالصلاة والتهجّد. كان معظم الحاضرين يتوجّهون بأسئلتهم للرسول
حول ما يتعلق بتدبير أمور حياتهم اليومية، دون أن يغفلوا الأمور الروحية،
ناهيك عن المسائل التي تتعلق بما هو عائلي ومهني.
بادر أحد الحاضرين بالقوْل:
- كلما كنا بعيدين عنك يا رسول الله، فإننا لا نفكّر إلا في نسائنا وأطفالنا وممتلكاتنا، وننسى ما دون ذلك.
ردّ الرسول قائلا:
- والذي نفس محمد بيده إذا بقيتمْ معي كما أنتم، أو كما تعرفونني عندما
تذكرون الله، فإن الملائكة ستأتي وتأخذ بيدكم سواء أكنْتم نائمين أو
سائرين. غير أن كل شيء يا إخوتي بأوانه، كل شيء بأوانه والله أدرى به
وأعلم.
وانبرى يشرح كيْف أنّ يوما من أربع وعشرين ساعة ستقسّم إلى ثلاثة أثلاث:
ثلث لله، وثلث للعمل، وثلث للعائلة والنوم والراحة. وأوصاهم بالخصوص
بصلاتيْ العصر والفجر، أيْ في الوقت الذي ينزل فيه الله إلى السماء الدنيا
من أجل تلبية طلبات مؤمنيه، ويقول:». فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ
لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ، جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، أَفَمَن
كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ، أَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلا
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».
إن الزكاة على سبيل المثال، هي من بيْن المسائل التي تتردّد عليّ أسئلتها
باستمرار. فأغلب المسلمين هم من الفقراء والفلاحين. وهم حتاجون، بحكم،
ذهنيتهم ومستواهم، إلى الصور والخيال من أجل استيعاب تفاصيل ودقائق تعاليم
الرسول.
وقال أحدهم:
- يا رسول الله، كيف يمكننا تأدية الزكاة ونحن على هذه الحال؟
- يمكنكم العمل بأيديكم.
- وإذا لم نستطع العمل يا رسول الله؟
- في هذه الحال، لا بدّ من تقديم العوْن إلى المحتاج.
- وإذا لم نجد أحدا نقدّم له يد المساعدة؟
- ندعو إلى الإحسان والمعاملة الطيبة.
- وإذا كنّا بعيدين عن الناس، فما عسانا نفعل؟
- في هذه الحال ينبغي عدم الإتيان بعمل قبيح.
آلاف الأسئلة التي تتعلّق بما هو مذهبي ومعاملاتيّ ، أو بنزاعات شخصية
كالإرث والطلاق، أو بطريقة التعامل مع الزوجة في بعض الأمور الحميمية. في
هذا الصدد، يقول الرسول:
- كونوا متسامحين مع النساء، لكوْنهنّ خُلقن من ضلع أعوج إذا حاولتَ تقويمه انكسر، وإذا تركته ازداد اعوجاجا.
أسئلة أخرى تتعلّق بطريقة ممارسة الجنس مع الزوجة: هلْ ينبغي إتيانها بحسب
الطريقة التقليدية أمْ بحسب الطريقة المكّيّة؟ وبطبيعة الحال، فإنّ الرسول
لمْ يتضايق من مثل هذه الأسئلة التي كان يجيب عنها بصدر رحب، وبسعة قلْب
قائلا:
- نساؤكم حرث لكم، فآتوا حرثكمْ أنّى شئتمْ1.
ومعنى ذلك أنّ السؤال كان يهمّ الارتياح إلى إتيان المرأة من دبرها أم لا.
لم يكن الرسول مانعا ولا محرّما، بقدر ما أفاض في أنّ حرث الرجل لا يمكن
التدخّل فيه، وهو ما يمكن أنْ يكون شأنا داخليا، فضلا عن أيّام الحيْض. كان
جواب الرسول هو أنّ المسألة طبيعيّة، ولا بدّ من مضاجعة الزوجة شريطة أن
تتطهّر المرأة وتأتزر، أيْ تحمي نفسها بإزار، ويبقى للرّجل النّهدان
والشّفتان.
كما أنّ بعض الأسئلة انصبّت على قضيّة الختان. وهو تقليد نبويّ قال عنه
بأنه» سنّة للرجال مكْرمة للنساء»، وللخافضة التي تقوم بختان البنات: «إذا
خفضت فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج». وعن الخمْر
والميْسر قال:»فيهما إثْم كبير ومنافع للناس». كما أجاب عن الربا وعن زواج
المسلمة من اليهوديّ. وانتهى الحديث بكيْفية الطهارة والوضوء قبل الركوع
والسجود لينتهي بالقوْل: «وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى
اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ
يُظْلَمُونَ» (سورة البقرة، الآية 281).
كانتْ عائشة تنصت لكل هذه الأسئلة وأجوبتها، وتدوّنها في قرطاس جلديّ تضعه
فيما بعد في دولاب ملابسها. وعندما يكون الرسول في رحلة مع صحابته وجنوده،
كانتْ عائشة تقضي وقتها في مراجعة الآيات والتعاليم التي تصدر عن محبوبها.
وهي حين تفعل هذا، تكون مطمئنّة بكوْنها ستنال إعجاب محمّد، لأنها هي
الوحيدة التي يرتاح إلى الحديث معها في الشؤون الدينية. وكان يكرّر لها، في
مناسبات عديدة، بأنْ تحفظ ما ينزل عليه جبريل، علاوة على التفسيرات التي
يقدّمها، وبأن الإسلام سوف يحتاج، بعد وفاته هو، إلى علماء وفقهاء من
طينتها.
هامش:
1. يتعلق الأمْر بنقاش كلاسيكيّ فقهيّ، أساسه لغويّ، وهو تأويل الأداة
الظّرفية «أنّى»، هل هي ظرف مكان أمْ ظرف زمان؟ وهو قول فيه مسائل :
- المسألة الأولى : في سبب نزولها : وفي ذلك روايات : قال جابر : « كانت
اليهود تقول : من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول ، فنزلت
الآية « .
- الثانية : قالت أمّ سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:
نساؤكم حرث لكم قال : يأتيها مقبلة ومدبرة إذا كانت في صمام واحد . أخرجه
مسلم وغيره .
- الثالثة : روى الترمذي أن عمر رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال له : هلكت . قال : وما أهلكك ؟ قال : حولت رحلي البارحة . فلم
يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزلت: نساؤكم حرث لكم : فقال :
أقبل وأدبر ، واتق الدبر . (المترجم)
30-08-2012
الذي سيفضي إلى التحريم، هادئة إلى حدّ ما بالنسبة لعائشة. فبعد حفصة
وأمّ سلمة، جاء دور عائشة لاستقبال الرسول في غرفتها لليلتين متتاليتين
مفصولتين بالصلاة والتهجّد. كان معظم الحاضرين يتوجّهون بأسئلتهم للرسول
حول ما يتعلق بتدبير أمور حياتهم اليومية، دون أن يغفلوا الأمور الروحية،
ناهيك عن المسائل التي تتعلق بما هو عائلي ومهني.
بادر أحد الحاضرين بالقوْل:
- كلما كنا بعيدين عنك يا رسول الله، فإننا لا نفكّر إلا في نسائنا وأطفالنا وممتلكاتنا، وننسى ما دون ذلك.
ردّ الرسول قائلا:
- والذي نفس محمد بيده إذا بقيتمْ معي كما أنتم، أو كما تعرفونني عندما
تذكرون الله، فإن الملائكة ستأتي وتأخذ بيدكم سواء أكنْتم نائمين أو
سائرين. غير أن كل شيء يا إخوتي بأوانه، كل شيء بأوانه والله أدرى به
وأعلم.
وانبرى يشرح كيْف أنّ يوما من أربع وعشرين ساعة ستقسّم إلى ثلاثة أثلاث:
ثلث لله، وثلث للعمل، وثلث للعائلة والنوم والراحة. وأوصاهم بالخصوص
بصلاتيْ العصر والفجر، أيْ في الوقت الذي ينزل فيه الله إلى السماء الدنيا
من أجل تلبية طلبات مؤمنيه، ويقول:». فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ
لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ، جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، أَفَمَن
كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ، أَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلا
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».
إن الزكاة على سبيل المثال، هي من بيْن المسائل التي تتردّد عليّ أسئلتها
باستمرار. فأغلب المسلمين هم من الفقراء والفلاحين. وهم حتاجون، بحكم،
ذهنيتهم ومستواهم، إلى الصور والخيال من أجل استيعاب تفاصيل ودقائق تعاليم
الرسول.
وقال أحدهم:
- يا رسول الله، كيف يمكننا تأدية الزكاة ونحن على هذه الحال؟
- يمكنكم العمل بأيديكم.
- وإذا لم نستطع العمل يا رسول الله؟
- في هذه الحال، لا بدّ من تقديم العوْن إلى المحتاج.
- وإذا لم نجد أحدا نقدّم له يد المساعدة؟
- ندعو إلى الإحسان والمعاملة الطيبة.
- وإذا كنّا بعيدين عن الناس، فما عسانا نفعل؟
- في هذه الحال ينبغي عدم الإتيان بعمل قبيح.
آلاف الأسئلة التي تتعلّق بما هو مذهبي ومعاملاتيّ ، أو بنزاعات شخصية
كالإرث والطلاق، أو بطريقة التعامل مع الزوجة في بعض الأمور الحميمية. في
هذا الصدد، يقول الرسول:
- كونوا متسامحين مع النساء، لكوْنهنّ خُلقن من ضلع أعوج إذا حاولتَ تقويمه انكسر، وإذا تركته ازداد اعوجاجا.
أسئلة أخرى تتعلّق بطريقة ممارسة الجنس مع الزوجة: هلْ ينبغي إتيانها بحسب
الطريقة التقليدية أمْ بحسب الطريقة المكّيّة؟ وبطبيعة الحال، فإنّ الرسول
لمْ يتضايق من مثل هذه الأسئلة التي كان يجيب عنها بصدر رحب، وبسعة قلْب
قائلا:
- نساؤكم حرث لكم، فآتوا حرثكمْ أنّى شئتمْ1.
ومعنى ذلك أنّ السؤال كان يهمّ الارتياح إلى إتيان المرأة من دبرها أم لا.
لم يكن الرسول مانعا ولا محرّما، بقدر ما أفاض في أنّ حرث الرجل لا يمكن
التدخّل فيه، وهو ما يمكن أنْ يكون شأنا داخليا، فضلا عن أيّام الحيْض. كان
جواب الرسول هو أنّ المسألة طبيعيّة، ولا بدّ من مضاجعة الزوجة شريطة أن
تتطهّر المرأة وتأتزر، أيْ تحمي نفسها بإزار، ويبقى للرّجل النّهدان
والشّفتان.
كما أنّ بعض الأسئلة انصبّت على قضيّة الختان. وهو تقليد نبويّ قال عنه
بأنه» سنّة للرجال مكْرمة للنساء»، وللخافضة التي تقوم بختان البنات: «إذا
خفضت فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج». وعن الخمْر
والميْسر قال:»فيهما إثْم كبير ومنافع للناس». كما أجاب عن الربا وعن زواج
المسلمة من اليهوديّ. وانتهى الحديث بكيْفية الطهارة والوضوء قبل الركوع
والسجود لينتهي بالقوْل: «وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى
اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ
يُظْلَمُونَ» (سورة البقرة، الآية 281).
كانتْ عائشة تنصت لكل هذه الأسئلة وأجوبتها، وتدوّنها في قرطاس جلديّ تضعه
فيما بعد في دولاب ملابسها. وعندما يكون الرسول في رحلة مع صحابته وجنوده،
كانتْ عائشة تقضي وقتها في مراجعة الآيات والتعاليم التي تصدر عن محبوبها.
وهي حين تفعل هذا، تكون مطمئنّة بكوْنها ستنال إعجاب محمّد، لأنها هي
الوحيدة التي يرتاح إلى الحديث معها في الشؤون الدينية. وكان يكرّر لها، في
مناسبات عديدة، بأنْ تحفظ ما ينزل عليه جبريل، علاوة على التفسيرات التي
يقدّمها، وبأن الإسلام سوف يحتاج، بعد وفاته هو، إلى علماء وفقهاء من
طينتها.
هامش:
1. يتعلق الأمْر بنقاش كلاسيكيّ فقهيّ، أساسه لغويّ، وهو تأويل الأداة
الظّرفية «أنّى»، هل هي ظرف مكان أمْ ظرف زمان؟ وهو قول فيه مسائل :
- المسألة الأولى : في سبب نزولها : وفي ذلك روايات : قال جابر : « كانت
اليهود تقول : من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول ، فنزلت
الآية « .
- الثانية : قالت أمّ سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:
نساؤكم حرث لكم قال : يأتيها مقبلة ومدبرة إذا كانت في صمام واحد . أخرجه
مسلم وغيره .
- الثالثة : روى الترمذي أن عمر رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال له : هلكت . قال : وما أهلكك ؟ قال : حولت رحلي البارحة . فلم
يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزلت: نساؤكم حرث لكم : فقال :
أقبل وأدبر ، واتق الدبر . (المترجم)
30-08-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
عائشة تدافع عن حقّ المرأة في مشاركة الرّجُل
كان الحديث، عبر أرجاء يثرب،
يدور هذه الأيام عن قرب موعد معركة «بدر الثانية»، ومدى استعداد المسلمين
لها. لقد سبق لأبي سفيان أنْ ردّد، وهو يغادر المدينة، بعد انتصاره في
معركة أحد، جملته الشهيرة :» يا محمد، موعدنا موسم بدر القابل إن شئت «.
إنه تحدّ كبير أمام محمد وأبي سفيان على حدّ سواء.
دخلتْ حفصة وسودة عند عائشة وقالتا لها بصوت مضطرب:
- هلْ سمعت الأخبار التي تتردد في المدينة؟ إن أبا سفيان بصدد تنفيذ وعده وتهديده. وهو يعدّ العدّة من أجل سحق ما تبقى من المسلمين.
ردّتْ عائشة قائلة:
- إنها مجرّد شائعات، ودخان بدون نار.
غيْر أنّ سودة قالت بحزْم، بعد أن استراحتْ:
- كلاّ، إن المسألة في غاية الجدية. وقال قدم أحد رجال المدينة من مكّة
وروى الاستعدادات الهائلة التي يقوم بها القرشيّون. أما الناس هنا في
المدينة، فإنهم يطلبون من المقاتلين عدم الخروج للقاء العدو خوفا من الموت.
قالت عائشة:
- هل نحن بهذه الهشاشة كلها حتى نخاف؟ من هو هذا الكذّاب الذي يشيع هذه الترّهات؟ ينبغي أن يُعاقب على ذلك1.
ثمّ طلبت حفصة من عائشة ان تفتح الموضوع مع الرسول حين يأتي عندها، بينما
ستتكفّل هي بالحديث مع والدها عمر بن الخطاب. وخلال الأيام الموالية، لمْ
يحرّك محمد ساكنا، هذا في الوقت الذي تتزايد فيه الإشاعات والمخاوف
والتحذيرات، إلى درجة انّ حميّة المقاتلين من المهاجرين والأنصار قد خبتْ
وتضاءلتْ. وبعد أن فاتحتْ عائشة محمدا في الموضوع، طمأنها بكونه لا يشكّ في
مشيئة الله وقوته، وبأنه ينتظر صدور التعليمات الإلهية.
في الصباح، سُمعتْ طرقات على الباب، فأطلّت عائشة لتجد والدها أبا بكر صحبة
عمر بن الخطاب. فقد بلغتهما الأخبار، ويريدان معرفة ما يمكن القيام به
لمواجهة القرشيين. بادر أبو بكر قائلا:
- إنّ أبا سفيان في موقف لا يُحسد عليه، فهو في الحقيقة لا يدري هل يمكنه
التفوّق في الحرب أمْ لا، في هذه السنة التي تعرف حالة جدب كبيرة. وقد قال
لسهيل بن عمر بأنه: لا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر، ونشرب فيه اللبن،
وقد بدا لي أن أرجع، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج، فيزيدهم ذلك جرأة،
فالحقْ بالمدينة فثبّطهم، ولك عندي عشرة من الإبل أضعها. وبعد لحظة صمْت،
أضاف أبو بكْر:
- وهو يدعو القرشيين متباهيا بقوّتهم، مقابل ضعفنا، وذلك من أجل تخويف
جنودنا وإضعافك يا رسول الله. وفي غياب المقاتلين، فإنك أنت الذي ستتعرّض
للإهانة، وكذلك الإسلام من خلالك.
أجاب محمّد بالقوْل:
- أنت على حق، وأنا قلق للغاية، لأن المؤمنين لم تعد عندهم قابلية للحرب،
وحسب ما يبدو فلا أحد يمكنه أن يتبعني. لكن إذا اقتضى الأمْر يمكنني الخروج
لوحدي.
- لا يمكنك التراجع عن التحدي الذي أخذته على عاتقك.
أزاحتْ عائشة الستار الذي يحجبها عن الناس قائلة:
- كلاّ، لا يجب أن تذهب لوحدك.
لمْ تلتزم عائشة ببقائها محجوبة داخل غرفتها، وخرجتْ لتتحدث إلى كل من أبي
بكر وعمر وزوجها مشددة على استعدادها للخروج من أجل الحرب والدفاع عن
الإسلام، مؤكدة على أن الله يحتاج كذلك إلى النساء حاجته إلى الرجال في مثل
هذه الظروف. لقد كانتْ لحظة ملائمة استغلتها عائشة من أجل إسماع صوت
المرأة في مجتمع ذكوري لا يجد لها مكانا سوى داخل البيت. وذلك ما أكده كل
من محمد زوجها، وأبو بكر والدها، حيث أقنعاها بحسن كلامها، وبأن أحسن
مشاركة لها وتشجيع هو البيت.
وبعد قرار التوجّه إلى بدر، خرج الرسول ومعه سبعون راكبا يقولون: حَسْبُنَا
اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل، حتى وصل إلى بدر الصغرى (بدر الموعد)،
فأقام بها ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان، فلم يلق أحدا لأن أبا سفيان رجع
بجيشه إلى مكة، وكان معه ألفا رجل، قسماه أهل مكة: (جيش السويق) وقالوا
لهم: إنما خرجتم لتشربوا السويق.
ووافي المسلمون سوق بدر، وكانوا قد حملوا معهم نفقات وتجارات، فباعوا
واشتروا أدما وزبيبا، فربحوا وأصابوا بالدرهم الدرهمين، وانصرفوا إلى
المدينة سالمين غانمين. وبعد العودة إلى المدينة، خاطب محمد أنصاره
بالقوْل: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا
أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ
عَظِيمٌ(172)الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا
لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ
لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو
فَضْلٍ عَظِيمٍ(174)إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ
أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ(175)) [من سورة آل عمران].
هامش:
1 يتعلق الأمر، كما تروي كتب السير والمغازي، بسهيل بن عمرو الذي جاء إلى
المدينة قائلا: « فأتى نعيم المدينة، فوجد المسلمين يتجهزون لميعاد أبي
سفيان، فقال لهم: ما هذا بالرأي، أتوكم في دياركم وقراركم، ولم يفلت منكم
إلا شريد، فتريدون أن تخرجوا إليهم، وقد جمعوا لكم الجموع عند الموسم، فو
اللّه لا يفلت منكم أحد، فكان لكلامه وقع شديد في نفوس قوم منهم».
(المترجم).
31-08-2012
يدور هذه الأيام عن قرب موعد معركة «بدر الثانية»، ومدى استعداد المسلمين
لها. لقد سبق لأبي سفيان أنْ ردّد، وهو يغادر المدينة، بعد انتصاره في
معركة أحد، جملته الشهيرة :» يا محمد، موعدنا موسم بدر القابل إن شئت «.
إنه تحدّ كبير أمام محمد وأبي سفيان على حدّ سواء.
دخلتْ حفصة وسودة عند عائشة وقالتا لها بصوت مضطرب:
- هلْ سمعت الأخبار التي تتردد في المدينة؟ إن أبا سفيان بصدد تنفيذ وعده وتهديده. وهو يعدّ العدّة من أجل سحق ما تبقى من المسلمين.
ردّتْ عائشة قائلة:
- إنها مجرّد شائعات، ودخان بدون نار.
غيْر أنّ سودة قالت بحزْم، بعد أن استراحتْ:
- كلاّ، إن المسألة في غاية الجدية. وقال قدم أحد رجال المدينة من مكّة
وروى الاستعدادات الهائلة التي يقوم بها القرشيّون. أما الناس هنا في
المدينة، فإنهم يطلبون من المقاتلين عدم الخروج للقاء العدو خوفا من الموت.
قالت عائشة:
- هل نحن بهذه الهشاشة كلها حتى نخاف؟ من هو هذا الكذّاب الذي يشيع هذه الترّهات؟ ينبغي أن يُعاقب على ذلك1.
ثمّ طلبت حفصة من عائشة ان تفتح الموضوع مع الرسول حين يأتي عندها، بينما
ستتكفّل هي بالحديث مع والدها عمر بن الخطاب. وخلال الأيام الموالية، لمْ
يحرّك محمد ساكنا، هذا في الوقت الذي تتزايد فيه الإشاعات والمخاوف
والتحذيرات، إلى درجة انّ حميّة المقاتلين من المهاجرين والأنصار قد خبتْ
وتضاءلتْ. وبعد أن فاتحتْ عائشة محمدا في الموضوع، طمأنها بكونه لا يشكّ في
مشيئة الله وقوته، وبأنه ينتظر صدور التعليمات الإلهية.
في الصباح، سُمعتْ طرقات على الباب، فأطلّت عائشة لتجد والدها أبا بكر صحبة
عمر بن الخطاب. فقد بلغتهما الأخبار، ويريدان معرفة ما يمكن القيام به
لمواجهة القرشيين. بادر أبو بكر قائلا:
- إنّ أبا سفيان في موقف لا يُحسد عليه، فهو في الحقيقة لا يدري هل يمكنه
التفوّق في الحرب أمْ لا، في هذه السنة التي تعرف حالة جدب كبيرة. وقد قال
لسهيل بن عمر بأنه: لا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر، ونشرب فيه اللبن،
وقد بدا لي أن أرجع، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج، فيزيدهم ذلك جرأة،
فالحقْ بالمدينة فثبّطهم، ولك عندي عشرة من الإبل أضعها. وبعد لحظة صمْت،
أضاف أبو بكْر:
- وهو يدعو القرشيين متباهيا بقوّتهم، مقابل ضعفنا، وذلك من أجل تخويف
جنودنا وإضعافك يا رسول الله. وفي غياب المقاتلين، فإنك أنت الذي ستتعرّض
للإهانة، وكذلك الإسلام من خلالك.
أجاب محمّد بالقوْل:
- أنت على حق، وأنا قلق للغاية، لأن المؤمنين لم تعد عندهم قابلية للحرب،
وحسب ما يبدو فلا أحد يمكنه أن يتبعني. لكن إذا اقتضى الأمْر يمكنني الخروج
لوحدي.
- لا يمكنك التراجع عن التحدي الذي أخذته على عاتقك.
أزاحتْ عائشة الستار الذي يحجبها عن الناس قائلة:
- كلاّ، لا يجب أن تذهب لوحدك.
لمْ تلتزم عائشة ببقائها محجوبة داخل غرفتها، وخرجتْ لتتحدث إلى كل من أبي
بكر وعمر وزوجها مشددة على استعدادها للخروج من أجل الحرب والدفاع عن
الإسلام، مؤكدة على أن الله يحتاج كذلك إلى النساء حاجته إلى الرجال في مثل
هذه الظروف. لقد كانتْ لحظة ملائمة استغلتها عائشة من أجل إسماع صوت
المرأة في مجتمع ذكوري لا يجد لها مكانا سوى داخل البيت. وذلك ما أكده كل
من محمد زوجها، وأبو بكر والدها، حيث أقنعاها بحسن كلامها، وبأن أحسن
مشاركة لها وتشجيع هو البيت.
وبعد قرار التوجّه إلى بدر، خرج الرسول ومعه سبعون راكبا يقولون: حَسْبُنَا
اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل، حتى وصل إلى بدر الصغرى (بدر الموعد)،
فأقام بها ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان، فلم يلق أحدا لأن أبا سفيان رجع
بجيشه إلى مكة، وكان معه ألفا رجل، قسماه أهل مكة: (جيش السويق) وقالوا
لهم: إنما خرجتم لتشربوا السويق.
ووافي المسلمون سوق بدر، وكانوا قد حملوا معهم نفقات وتجارات، فباعوا
واشتروا أدما وزبيبا، فربحوا وأصابوا بالدرهم الدرهمين، وانصرفوا إلى
المدينة سالمين غانمين. وبعد العودة إلى المدينة، خاطب محمد أنصاره
بالقوْل: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا
أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ
عَظِيمٌ(172)الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا
لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ
لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو
فَضْلٍ عَظِيمٍ(174)إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ
أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ(175)) [من سورة آل عمران].
هامش:
1 يتعلق الأمر، كما تروي كتب السير والمغازي، بسهيل بن عمرو الذي جاء إلى
المدينة قائلا: « فأتى نعيم المدينة، فوجد المسلمين يتجهزون لميعاد أبي
سفيان، فقال لهم: ما هذا بالرأي، أتوكم في دياركم وقراركم، ولم يفلت منكم
إلا شريد، فتريدون أن تخرجوا إليهم، وقد جمعوا لكم الجموع عند الموسم، فو
اللّه لا يفلت منكم أحد، فكان لكلامه وقع شديد في نفوس قوم منهم».
(المترجم).
31-08-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
غضب عائشة من زواج الرسول من زوجة ابنه بالتبنّي (1)
كان الحضور المفاجئ لزيد بن حارثة، والرسول يتناول وجبة عشائه رفقة زوجته، قد حمل لعائشة خبرا توضيحيا أكثر إقلاقا مما كانت تتخيّله وهي تلاحظ الحركات المضطربة لزوجها. ذلك أنّ زيدا بن حارثة، العبْد الذي كان قد اشترتْه خديجة من قبل، وأهدته إلى الرّسول الذي قامَ بعتْقِه وتبنّاه بصفته ابنا له من صلبه، إلى درجة أنه كان يُسمّى «زيْد بن محمّد»، دخل ليقول للرسول بصوْت متبدّل: - يا رسولَ الله بلغني أنك جئت منزلي، فهلاّ كنتَ دخلتَ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله ،لعلّ زينب أعجبتكَ فأفارقُها. فردّ عليه الرسول قائلا: - أمسكْ عليك زوجك. ثم انصرف زيد حائرا لا يدري ما ينبغي له فعله، بينما ظلّت عائشة تراقب زوجها في صمت، مذعورة مما سمعتْ ومما تتخيّله من تطورات قادمة. وتحت النظرة الفاحصة للزوجة الشابة، انتهى المطاف بالرسول، المضطرب والمشوَّش الذّهن كثيرا، إلى رواية المأساة التي باتت تقضّ مضجعه منذ تلك الزيارة القاتلة. كان يرغب في رؤية زيد لقضاء بعض مآربه، فإذا به يرى زوجته التي جاءتْ لكي تفتح له الباب، دون أن تكلّف نفسها عناء وضع ثوب يغطي ما عليها من لباس داخليّ. فلما رأته على الباب قالت له: - إنْ زيدا خارج البيت، فهلاّ دخلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمي. كانت زينب بنت جحش تقف عند مدخل الباب، تشعّ جمالا وأنوثة وحيوية وشبابا1. وعند رؤيتها، اضطرب الرسول، وهمْهمَ قائلا: - سبحان الله العظيم، سبحان الله مقلّب القلوب?. ومنذ هذا اليوم، أصبح قلب الرسول مأسورا، وباله مشوّشا، وذهنه مشتّتا عن القضايا الهامة التي كانتْ تشغل فكره. فَأَنْ يرغب الإنسان في زوجة ابنه بالتبنّي، كانتْ مسالة مشينة، بل وإثما كبيرا. لكن هلْ يمكن اعتبار الابن بالتبني ابنا حقيقيا من صلبه؟ وحتى إن كان هذا السؤال قد وجد له جوابا، فإنه كان في مواجهة الشريعة الإسلامية الفتية التي تمنع الرجل من اتخاذ أكثر من أربع زوجات: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ» (سورة النساء، الآية 3). كان الحرج الذي يوجد فيه الرسول كبيرا، ولمْ يسعْ عائشة الغاضبة إلاّ أنْ تهزّ رأسها قائلة بصوْت حزين: - عسى الله أنْ، ينيركَ ويهديكَ، ويجدَ لك مخْرجا. غير أنّ الحياة تتصرّف أحيانا بدلا من الأفراد. ذلك أن زيْدا، الذي فهم ما فهم من كلام زوجته وكلام الرسول لها وجوابه، تفاهم مباشرة بعد ذلك هو وزوجته زينب على الطلاق، وذلك على الرغم من إلحاح الرسول عليه بقوله: - إن أبغض الحلال عند الله الطلاق، أمسك عليك زوجك2. باتتْ زينب حرّة طليقة، فضلا عن الجمال الخارق الذي تتمتع به، والجسد الباذخ الذي كان يشتهيه الجميع. وفي مقدّمتهم محمّد، الذي كان في حرج من خرْقه لتعاليم القرآن بشأن التعدد. أما عائشة فقد كانت في قمّة غضبها وقلقها من المستقبل المجهول، إلا أنّ الحرب جاءتْ في وقتها لكيْ تصرف زوجها مؤقّتا على الأقلّ، إلى الانشغال بالأمور الجدية للمدينة والإسلام الفتيّ. لقد كان من المفروض عليه الإعداد لمعركة الخندق التي كانت ترى فيها عائشة مناسبة لصرف الرسول نظره عن قنبلة زينب. وباتتْ تقضي ليلها في الدعاء بأنْ يُذهب الله هذا الغمّ الجديد عنها. هوامش: 1 - يقول القرطبي في كتابه «الجامع لأحكام القرآن: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش، وهي في عِصْمة زيد، وكان حريصاً على أن يطلّقها زيد فيتزوّجها هو؛ ثم إن زيداً لما أخبره بأنه يريد فراقها، ويشكو منها غِلظةَ قولٍ وعصيان أمرٍ، وأذًى باللسان وتعظُّماً بالشرف، قال له: »اتق الله ـ أي فيما تقول عنهاـ وأمسك عليك زوجك« وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إيّاها. وهذا الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف. وقال مقاتل: زوّج النبيّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من زيد فمكثت عنده حيناً ، ثم إنه عليه السلام أتى زيداً يوماً يطلبه، فأبصر زينب قائمة، كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتمّ نساء قريش، فهوِيَها وقال: »سبحان الله مقلّبِ القلوب« فسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد، ففطِن زيد فقال: يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها، فإن فيها كبراً، تعظُم عليّ وتؤذيني بلسانها، فقال عليه السلام: »أمسك عليك زوجك واتقِ الله«. وقيل: إن الله بعث ريحاً فرفعت الستر وزينب مُتَفَضِّلة في منزلها، فرأى زينب فوقعت في نفسه، ووقع في نفس زينب أنها وقعت في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما جاء يطلب زيداً، فجاء زيد فأخبرته بذلك، فوقع في نفس زيد أن يطلقها. وقال ابن عباس: {وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ} الحبَّ لها. {وَتَخْشَى النَّاسَ} أي تستحييهم. وقيل: تخاف وتكره لائمة المسلمين لو قلتَ طلِّقها، ويقولون أمر رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها حين طلقها» 2 - وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا». (الأحزاب 37-38). 01-09-2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
غضب عائشة من زواج الرسول من زوجة ابنه بالتبنّي (2)
كان لوصول رسالة من العبّاس
عمّ الرسول، الذي كانتْ له عيونه بمكّة،، وقع كبير على المدينة. فقد كانَ
الرسول يرتاح عند عائشة، حين قدِم رسول من عند عمّه يحمل رسالة مفادها أنّ
القرشييّن يتجهون نحو المدينة للهجوم عليْها. حوالي أربعة آلاف مقاتل،
ستسلك الطريق الساحلية، في حين سيأخذ جيش ثان أهمّ عدد طريق نجد، مدعومة
بحواليْ ست مائة فارس. أجابه محمد قائلا، وهو يحدّق فيه:
- إذا كنتُ قد فهمت، فإنّ المدينة ستتعرّض لحصار في القريب العاجل. وقد آن الأوان للاستعداد.
وقد أعطى محمّد أوامره لمواجهة القرشييّن، ووعدهم بنصر الله لهم وتحقيق
الفوز. وكان ممن استشارهم، سلمان الفارسي الذي نصحه بحفْر خندق حول المدينة
يكون بمثابة كمين لهم. وبالفعل، فقد استجاب محمد لهذه الإشارة، وخرج مع
الناس يعمل معهم في بنائه تحت الشمس المُحرقة وعلى إيقاع الأناشيد
المحفّزة. وجعل المسلمون يتناوبون على حراسته.
وقد تمّ جمع المحاصيل الزراعية، وإخفاء النساء والأطفال داخل الأسوار
تحسّبا لكل طارئ. وقد فوجئ أبو سفيان من هذه الحيلة التي لم يعتدْها العرب
من قبل، واستغرب لاتساع الحفرة وعمقها. وفي الجانب الآخر، كان الرسول يقيم
خيْمته في مكان آمن، وهو يتتبع المشهد ساخرا من عجز العدو. لقد أقام
المخيّم غير بعيد عن الخندق، وراء أكَمة، رفقة جيشه المكوّن من ثلاثة آلاف
مقاتل. وتحت خباء خيْمته الحمراء، لم تكنْ عائشة تخشى من الالتحاق به حين
يصل دورها. وقبل التأكّد من النّصر النهائي، جاء جبريل يقول: «إذْ
جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ
الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَ، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا
شَدِيدًا، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم
مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا» (سورة
الأحزاب، الآيات 10، 11، 12).
في سنّ الخامسة والستّين من عمره، لمْ يشعر محمّد من قبلُ بمثل ما يشعر به
من نشوة الانتصار والتفوّق. ورفقةَ عائشة، المفتخرة بما حققه زوجها، يعود
إلى المدينة متبوعا بثلاثة آلاف رجل، وهو يشكر الله على ما حققه.
غير أنّ الذي كان قد خافتْ منه عائشة وقع. ذلك أنه بمجرّد عوْدة الرسول إلى المدينة، قالتْ سودة لعائشة:
- ينبغي اتخاذ الحيطة من زينب، إنها تحوم حول الرسول وتقول له بأنها طالق الآن من زيْد ابنه بسببه هو.
أجابتها عائشة قائلة:
- معك حقّ. فهو لنْ يصمد أمام جمالها، ولا بدّ أنْ يسعى إلى اكتشافها. لكن عليه أنْ يطبّق أمر الله وشرعه.
كانتْ عائشة تقول هذا الكلام وهي تستحْضر ما ينصّ عليه القرآن، في آياته،
الحديثة التي تلفّظ بها الرّسول، والتي تهمّ تعدّد الزّوجات وعدم تجاوز
أرْبع نساء في الأقْصى. كانتْ عائشة تعرف نقط ضَعْف زوْجها السريرية لكيْ
تصرفه عمّا يفكّر فيه. لكنْ ما لبث، وهي بين أحضانه، أنْ سمعتْه يصيح
متبسّما1:
- الله أكْبر، مَنْ يَذْهَبُ إِلَى زَيْنَبَ يُبَشِّرُهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَنِيهَا مِنَ السَّمَاءِ ؟
فَأَخَذَت عائشة رعشة خوْف وتسمّرتْ في مكانها. حدجته بنظرة مريبة، غيْر أنه اقترب منها قائلا:
- وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ
عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي
نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن
تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ
لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ
إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا».
فردّتْ عائشة بامتعاض وهي تكفْكفُ دموعها:
- إنّي أرى ربّكَ يسارعُ في هواك2.
ثمّ نادتْ على جاريتها، وبعثتْ معها برسالة إلى زينب بنت جحش التي باتتْ
تكرهها. لقد امتزج داخلها الغضب بالكراهية والغيرة والأسى. أصبح العالم
يتهاوى أمامها. لم تعدْ إذن هي الوحيدة التي اختارها الله لكيْ تتزوّج
برسوله. ولماذا أعطاه الله زينبَ، التي يُقال بأنّ جمالها يفوق كلّ تصوّر؟.
وفضْلا عن ذلك، فهي من أقارب الرسول، هي حفيدة عمّه المطّلب، من بني هاشم،
وهو الذي زوّجها لزيد، ابنه بالتبنّي، والتي كانتْ قد قبلتْه مرغمة وعلى
مضض.
أَلَمْ تقْصد زينب نسيان عدم ستْر جسدها إغراء سيّد المدينة؟ إنها امرأة طموحة من شأنها زوْبعة حريم الرسول.
وبصورة حزينة، عمدتْ عائشة إلى تعْداد محاسنها وإيجابياتها. لكن الذي هدّأت
به نفسها هو أنها هي الوحيدة التي تزوّجا بكْرا والأصغر سنّا. وهي على وجه
الخصوص التي يتلقى الرسول بين أحضانها الوحي، ويسلّم عليْها جبريل. فهل
ستبقى هي الزوجة المفضّلة في سنّ الخامسة عشرة؟
قال لها الرسول، وهو يلاحظ ما يلاحظه من حزْن وغضب:
- لا تبْك يا غزالتي، يجب عليْك أنْ تحبّي ما يسعدني. أنت لم تخرجي من
قلبي. أنا أحتاج إليْك، وتعجبني الطريقة التي تحبّينني بها. وأنت التي
علّمتها اسرار مُتعتي. أنت الوحيدة ياعائشة، وأنت الحقيقيّة.
هامش:
-1 الرواية الرسمية التي توردها كتب التفسير والسير هي التالية:» فَبَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ يَتَحَدَّثُ مَعَ عَائِشَةَ إِلَى أَنْ أَخَذَتْ
رَسُولَ اللَّهِ غَشْيَةٌ ، فَسُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَتَبَسَّمُ ، وَهُوَ
يَقُولُ : « مَنْ يَذْهَبُ إِلَى زَيْنَبَ يُبَشِّرُهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ
زَوَّجَنِيهَا مِنَ السَّمَاءِ ؟ « , وَتَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ سورة الأحزاب
آية 37 الْقِصَّةَ كُلَّهَا ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ
وَمَا بَعُدَ لِمَا يَبْلُغُنَا مِنْ جَمَالِهَا ، وَأُخْرَى هِيَ أَعْظَمُ
الأُمُورِ وَأَشْرَفُهَا مَا صُنِعَ لَهَا ، زَوَّجَهَا اللَّهُ مِنَ
السَّمَاءِ ، وَقُلْتُ : هِيَ تَفْخَرُ عَلَيْنَا بِهَذَا ، قَالَتْ
عَائِشَةُ : فَخَرَجَتْ سَلْمَى خَادِمَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْتَدُّ فَتُحَدِّثُهَا بِذَلِكَ ، فَأَعْطَتْهَا
أَوْضَاحًا عَلَيْهَا». (المترجم)
-2 الزمخشري، الكشاف، مكتبة مصر، المجلد الثالث، ص. 576.
03-09-2012
عمّ الرسول، الذي كانتْ له عيونه بمكّة،، وقع كبير على المدينة. فقد كانَ
الرسول يرتاح عند عائشة، حين قدِم رسول من عند عمّه يحمل رسالة مفادها أنّ
القرشييّن يتجهون نحو المدينة للهجوم عليْها. حوالي أربعة آلاف مقاتل،
ستسلك الطريق الساحلية، في حين سيأخذ جيش ثان أهمّ عدد طريق نجد، مدعومة
بحواليْ ست مائة فارس. أجابه محمد قائلا، وهو يحدّق فيه:
- إذا كنتُ قد فهمت، فإنّ المدينة ستتعرّض لحصار في القريب العاجل. وقد آن الأوان للاستعداد.
وقد أعطى محمّد أوامره لمواجهة القرشييّن، ووعدهم بنصر الله لهم وتحقيق
الفوز. وكان ممن استشارهم، سلمان الفارسي الذي نصحه بحفْر خندق حول المدينة
يكون بمثابة كمين لهم. وبالفعل، فقد استجاب محمد لهذه الإشارة، وخرج مع
الناس يعمل معهم في بنائه تحت الشمس المُحرقة وعلى إيقاع الأناشيد
المحفّزة. وجعل المسلمون يتناوبون على حراسته.
وقد تمّ جمع المحاصيل الزراعية، وإخفاء النساء والأطفال داخل الأسوار
تحسّبا لكل طارئ. وقد فوجئ أبو سفيان من هذه الحيلة التي لم يعتدْها العرب
من قبل، واستغرب لاتساع الحفرة وعمقها. وفي الجانب الآخر، كان الرسول يقيم
خيْمته في مكان آمن، وهو يتتبع المشهد ساخرا من عجز العدو. لقد أقام
المخيّم غير بعيد عن الخندق، وراء أكَمة، رفقة جيشه المكوّن من ثلاثة آلاف
مقاتل. وتحت خباء خيْمته الحمراء، لم تكنْ عائشة تخشى من الالتحاق به حين
يصل دورها. وقبل التأكّد من النّصر النهائي، جاء جبريل يقول: «إذْ
جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ
الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَ، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا
شَدِيدًا، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم
مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا» (سورة
الأحزاب، الآيات 10، 11، 12).
في سنّ الخامسة والستّين من عمره، لمْ يشعر محمّد من قبلُ بمثل ما يشعر به
من نشوة الانتصار والتفوّق. ورفقةَ عائشة، المفتخرة بما حققه زوجها، يعود
إلى المدينة متبوعا بثلاثة آلاف رجل، وهو يشكر الله على ما حققه.
غير أنّ الذي كان قد خافتْ منه عائشة وقع. ذلك أنه بمجرّد عوْدة الرسول إلى المدينة، قالتْ سودة لعائشة:
- ينبغي اتخاذ الحيطة من زينب، إنها تحوم حول الرسول وتقول له بأنها طالق الآن من زيْد ابنه بسببه هو.
أجابتها عائشة قائلة:
- معك حقّ. فهو لنْ يصمد أمام جمالها، ولا بدّ أنْ يسعى إلى اكتشافها. لكن عليه أنْ يطبّق أمر الله وشرعه.
كانتْ عائشة تقول هذا الكلام وهي تستحْضر ما ينصّ عليه القرآن، في آياته،
الحديثة التي تلفّظ بها الرّسول، والتي تهمّ تعدّد الزّوجات وعدم تجاوز
أرْبع نساء في الأقْصى. كانتْ عائشة تعرف نقط ضَعْف زوْجها السريرية لكيْ
تصرفه عمّا يفكّر فيه. لكنْ ما لبث، وهي بين أحضانه، أنْ سمعتْه يصيح
متبسّما1:
- الله أكْبر، مَنْ يَذْهَبُ إِلَى زَيْنَبَ يُبَشِّرُهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَنِيهَا مِنَ السَّمَاءِ ؟
فَأَخَذَت عائشة رعشة خوْف وتسمّرتْ في مكانها. حدجته بنظرة مريبة، غيْر أنه اقترب منها قائلا:
- وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ
عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي
نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن
تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ
لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ
إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا».
فردّتْ عائشة بامتعاض وهي تكفْكفُ دموعها:
- إنّي أرى ربّكَ يسارعُ في هواك2.
ثمّ نادتْ على جاريتها، وبعثتْ معها برسالة إلى زينب بنت جحش التي باتتْ
تكرهها. لقد امتزج داخلها الغضب بالكراهية والغيرة والأسى. أصبح العالم
يتهاوى أمامها. لم تعدْ إذن هي الوحيدة التي اختارها الله لكيْ تتزوّج
برسوله. ولماذا أعطاه الله زينبَ، التي يُقال بأنّ جمالها يفوق كلّ تصوّر؟.
وفضْلا عن ذلك، فهي من أقارب الرسول، هي حفيدة عمّه المطّلب، من بني هاشم،
وهو الذي زوّجها لزيد، ابنه بالتبنّي، والتي كانتْ قد قبلتْه مرغمة وعلى
مضض.
أَلَمْ تقْصد زينب نسيان عدم ستْر جسدها إغراء سيّد المدينة؟ إنها امرأة طموحة من شأنها زوْبعة حريم الرسول.
وبصورة حزينة، عمدتْ عائشة إلى تعْداد محاسنها وإيجابياتها. لكن الذي هدّأت
به نفسها هو أنها هي الوحيدة التي تزوّجا بكْرا والأصغر سنّا. وهي على وجه
الخصوص التي يتلقى الرسول بين أحضانها الوحي، ويسلّم عليْها جبريل. فهل
ستبقى هي الزوجة المفضّلة في سنّ الخامسة عشرة؟
قال لها الرسول، وهو يلاحظ ما يلاحظه من حزْن وغضب:
- لا تبْك يا غزالتي، يجب عليْك أنْ تحبّي ما يسعدني. أنت لم تخرجي من
قلبي. أنا أحتاج إليْك، وتعجبني الطريقة التي تحبّينني بها. وأنت التي
علّمتها اسرار مُتعتي. أنت الوحيدة ياعائشة، وأنت الحقيقيّة.
هامش:
-1 الرواية الرسمية التي توردها كتب التفسير والسير هي التالية:» فَبَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ يَتَحَدَّثُ مَعَ عَائِشَةَ إِلَى أَنْ أَخَذَتْ
رَسُولَ اللَّهِ غَشْيَةٌ ، فَسُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَتَبَسَّمُ ، وَهُوَ
يَقُولُ : « مَنْ يَذْهَبُ إِلَى زَيْنَبَ يُبَشِّرُهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ
زَوَّجَنِيهَا مِنَ السَّمَاءِ ؟ « , وَتَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ سورة الأحزاب
آية 37 الْقِصَّةَ كُلَّهَا ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ
وَمَا بَعُدَ لِمَا يَبْلُغُنَا مِنْ جَمَالِهَا ، وَأُخْرَى هِيَ أَعْظَمُ
الأُمُورِ وَأَشْرَفُهَا مَا صُنِعَ لَهَا ، زَوَّجَهَا اللَّهُ مِنَ
السَّمَاءِ ، وَقُلْتُ : هِيَ تَفْخَرُ عَلَيْنَا بِهَذَا ، قَالَتْ
عَائِشَةُ : فَخَرَجَتْ سَلْمَى خَادِمَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْتَدُّ فَتُحَدِّثُهَا بِذَلِكَ ، فَأَعْطَتْهَا
أَوْضَاحًا عَلَيْهَا». (المترجم)
-2 الزمخشري، الكشاف، مكتبة مصر، المجلد الثالث، ص. 576.
03-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
غضب عائشة من زواج الرسول من زوجة ابنه بالتبنّي (3)
هل
يتعيّن عليها أنْ تشكر محمّدا على هذه الكلمات التي سينْساها عندما يكون
بيْن أحضان زينب؟. وماذا سيقول لزوْجاته الأُخريات من أجل إقناعهنّ بقبول
وصول زوجة أخرى منافسة ستملأ لياليه، وتقلّص من لياليهنّ ضمْن القسْمة
المتفق عليها؟.
جرتْ الاستعدادات من أجْل تهييء غرفة قريبة من غرفة أمّ سلمة، وتمّ الإعداد
لعرس الزواج أمام انتقادات الكفّار واليهود والمنافقين1. كانوا يعيبون
عليْه أنه يحلّ لنفسه ما يحرّمه على الآخرين، وذلك بحسب التعاليم
القرْآنية.
فخلافا للقانون المعمول به، تزوّج الرسول بزوْجة ابنه. فكيْف يمكن التمييز بين الحلال والحرام؟
ومرّة أخرى سوف يأتي جبريل لإنقاذ رسول الله ببعض الآيات المرتبطة
بالمناسبة: «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن
رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمًا» (الأحزاب، الآية 40)... «مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن
قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّلائِي
تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ
أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ
الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ
أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ
فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا
أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُورًا رَّحِيمًا». (الأحزاب، الآيتان 4 و5).
لقد تحوّل الأمْرُ إلى الحديث عن»زيْد بن حارثة» وليْس عن « زيد بن محمّد»
كما كان الأمْر من قبلُ. سوف يبقى من بيْن المقرّبين من الرسول، من صحابته،
الذين يقدّرهم ويُعجبُ به، بفضل ما يتميّز به من معرفة وعلْم. لأنه هو
الذي عرّفه بالكتابات اليهودية لمّا أراد أنْ يفهم دينهم، ويدقّق صراعه
الإيديولوجي في مواجهة أطروحاتهم. كما أنه صحابيّ مخلص من الرعيل الأوّل،
ومقاتل مقدام يمكن أنْ يعوّل عليه إلى آخر أيامه.
في هذا الزواج، الذي أراده الرسول أنْ يكون فخْما، أوْلَمَ على زينب بذبح
شاة، ودعا أفرادا من صحابته، وعددا كبيرا من الذين تبعوه في الساعات
الصعْبة منذ معركة بدْر2. لقد كان انتصاره الكبير على الأحزاب، وهي المعركة
التي سيدوّنها التاريخ تحت اسم :»معركة الخندق»، بمثابة تتفيه لأبي سفيان
وللسلطة المكّيّة التي لمْ يكن يُشَقّ لها غُبار. من هنا اكتسبَ محمد مزيدا
من الحظوة والسيادة.
التحقَ المدعوون جماعات وفرادى إلى بيت الزوجة الجديدة لحضور الحفْل. وقد
استغرب الناس لوفْرة الطعام، بحيْث كان القوم عندما ينتهون من الأكل،
يتركون، لكثرتهمْ، مكانهمْ للآخرين. غيْر أنّ البعض أطال المكوث، ولمْ
ينصرف إلا مع لزوغ خيوط الفجْر الأولى، وصوْت بلال الداعي إلى الصلاة، مما
أثار حفيظة محمد المتلهّف، والذي انفردَ في النهاية بزوْجته الجميلة زينب
التي كانتْ تنتظر من وراء الحجاب3.
طيلة الليْل، ظلت عائشة تتابع حركات المدعويين وقهقهاتهم وصخبهم، مبتهجة
بما حدثَ من تأخّر. كان ذلك بالنسبة لها تشفّيّا أوّليا على زينب، مما أثار
فيها ابتسامة الغيرة. فطيلة أربعة أيّام وثلاث ليال، سيكون أمامهما ما
يكفي من الوقت للحبّ والعناق والجنْس. الأمْر الذي زاد من حدّة غضب عائشة
واضطراب قلْبها. إنّ زينب أجملُ من أمّ سلمة، لقد شاهدتها وهي تصل إلى
البيت قُبَيْل الوليمة.
لقد فهمتْ حيْرة الرسول زوجها وعدم تمالك نفسه أمام هذه الفتنة التي يريد
تملّكها وسبْر أغوارها، لجمالها وعطرها وحلْيها. هلْ ستأْسره لتصْبح هي
محظيته المفضّلة؟. غضبُ عائشة وقلقُها يدفعانها إلى التفكير في حيلة أو فخّ
تنصبه لزينب المنافسة. ثمّ إن حفصة وسودة لنْ ترفضا المشاركة فيما تخطّط
له. أليستْ لهما الأولويّة في هذا الحريم، أمام أمّ سلمة وزينب، اللتيْن
ستعتمدان على تفوّقهما في السنّ والنّسَب؟
إن المخزوميّة، وزينب بنت جحش، «بنت الحمار»، يتجاوز عمرهما الثلاثين سنة.
وبالتالي، فإنّ هذه الأخيرة ستفقد من شبابها وجمالها الشيء الكثير في
القريب العاجل.
وكمْ كانتْ حسرة عائشة كبيرة حين علمتْ أنّ الوحي نزل على محمد في الليلة
السابقة. هلْ نزل عليه وهما يتبادلان القبل والعناق كما هو الشأن معها هي؟
هلْ كان بين فخذيْها حين سمع كلام الملاك؟ وهلْ فقدتْ هي هذا الامتياز؟
انتابتها حسْرة زائدة إلى أنْ علمتْ بأن الوحيَ جاءه وهو في المسجد يَعظُ
الناس بعد الصلاة. فبعْد صلاة الفجر نزل جبريل ينقذه ويشرّع لطريقة تعامل
المسلمين معه ومع نسائه قائلا:
- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ
وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا
وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ
فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ
أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا
رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا
إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا» (سورة الأحزاب، الآية 53).
هوامش:
1 - عن عمر مولى غفرة : (( قالت اليهود لما رأت الرسول (صلى الله عليه
وسلم) يتزوج النساء : انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من الطعام ، ولا والله
ماله همة إلا النساء )) ، وحسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك .. وقالوا ?
لعنهم الله ? (( لو كان نبيا ما رغب في النساء .. وكان أشدهم في ذلك حيى بن
أخطب ، فكذبهم الله تعالى وأخبرهم بفضله وسعته على نبيه ، ونزل قوله
سبحانه : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله يعنى رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة وآتيناهم ملكا عظيما
يعني سبحانه ما آتى داود وسليمان عليهما السلام ، فقد تزوج كلاهما أكثر
مما تزوج نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وكان لكل منهما من الجواري ما
لم يمتلك مثله رسولنا عليه السلام «، ابن كثير، البداية والنهاية.
(المترجم).
2 - حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا حدثنا حماد عن ثابت قال ذكر تزويج زينب
بنت جحش عند أنس بن مالك فقال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم
على أحد من نسائه ما أولم عليها أولم بشاة»، سنن أبي داود، كتاب الأطعمة.
(المترجم).
3 - تروي كتب السيرة والتاريخ أنه « لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم
زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، قال فأخذ كأنه يتهيأ
للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام من القوم زاد عاصم
وابن عبد الأعلى في حديثهما قال فعد ثلاثة وإن النبي صلى الله عليه وسلم
جاء ليدخل فإذا القوم جلوس ثم أنهم قاموا فانطلقوا قال فجئت فأخبرت النبي
صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا قال فجاء حتي دخل فذهبت أدخل فألقى
الحجاب بيني وبينه قال وأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت
النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه إلى قوله إن ذلكم كان عند
الله عظيما ، أنساب الأشراف، البلاذري. (المترجم).
04-09-2012
يتعيّن عليها أنْ تشكر محمّدا على هذه الكلمات التي سينْساها عندما يكون
بيْن أحضان زينب؟. وماذا سيقول لزوْجاته الأُخريات من أجل إقناعهنّ بقبول
وصول زوجة أخرى منافسة ستملأ لياليه، وتقلّص من لياليهنّ ضمْن القسْمة
المتفق عليها؟.
جرتْ الاستعدادات من أجْل تهييء غرفة قريبة من غرفة أمّ سلمة، وتمّ الإعداد
لعرس الزواج أمام انتقادات الكفّار واليهود والمنافقين1. كانوا يعيبون
عليْه أنه يحلّ لنفسه ما يحرّمه على الآخرين، وذلك بحسب التعاليم
القرْآنية.
فخلافا للقانون المعمول به، تزوّج الرسول بزوْجة ابنه. فكيْف يمكن التمييز بين الحلال والحرام؟
ومرّة أخرى سوف يأتي جبريل لإنقاذ رسول الله ببعض الآيات المرتبطة
بالمناسبة: «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن
رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمًا» (الأحزاب، الآية 40)... «مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن
قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّلائِي
تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ
أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ
الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ
أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ
فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا
أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُورًا رَّحِيمًا». (الأحزاب، الآيتان 4 و5).
لقد تحوّل الأمْرُ إلى الحديث عن»زيْد بن حارثة» وليْس عن « زيد بن محمّد»
كما كان الأمْر من قبلُ. سوف يبقى من بيْن المقرّبين من الرسول، من صحابته،
الذين يقدّرهم ويُعجبُ به، بفضل ما يتميّز به من معرفة وعلْم. لأنه هو
الذي عرّفه بالكتابات اليهودية لمّا أراد أنْ يفهم دينهم، ويدقّق صراعه
الإيديولوجي في مواجهة أطروحاتهم. كما أنه صحابيّ مخلص من الرعيل الأوّل،
ومقاتل مقدام يمكن أنْ يعوّل عليه إلى آخر أيامه.
في هذا الزواج، الذي أراده الرسول أنْ يكون فخْما، أوْلَمَ على زينب بذبح
شاة، ودعا أفرادا من صحابته، وعددا كبيرا من الذين تبعوه في الساعات
الصعْبة منذ معركة بدْر2. لقد كان انتصاره الكبير على الأحزاب، وهي المعركة
التي سيدوّنها التاريخ تحت اسم :»معركة الخندق»، بمثابة تتفيه لأبي سفيان
وللسلطة المكّيّة التي لمْ يكن يُشَقّ لها غُبار. من هنا اكتسبَ محمد مزيدا
من الحظوة والسيادة.
التحقَ المدعوون جماعات وفرادى إلى بيت الزوجة الجديدة لحضور الحفْل. وقد
استغرب الناس لوفْرة الطعام، بحيْث كان القوم عندما ينتهون من الأكل،
يتركون، لكثرتهمْ، مكانهمْ للآخرين. غيْر أنّ البعض أطال المكوث، ولمْ
ينصرف إلا مع لزوغ خيوط الفجْر الأولى، وصوْت بلال الداعي إلى الصلاة، مما
أثار حفيظة محمد المتلهّف، والذي انفردَ في النهاية بزوْجته الجميلة زينب
التي كانتْ تنتظر من وراء الحجاب3.
طيلة الليْل، ظلت عائشة تتابع حركات المدعويين وقهقهاتهم وصخبهم، مبتهجة
بما حدثَ من تأخّر. كان ذلك بالنسبة لها تشفّيّا أوّليا على زينب، مما أثار
فيها ابتسامة الغيرة. فطيلة أربعة أيّام وثلاث ليال، سيكون أمامهما ما
يكفي من الوقت للحبّ والعناق والجنْس. الأمْر الذي زاد من حدّة غضب عائشة
واضطراب قلْبها. إنّ زينب أجملُ من أمّ سلمة، لقد شاهدتها وهي تصل إلى
البيت قُبَيْل الوليمة.
لقد فهمتْ حيْرة الرسول زوجها وعدم تمالك نفسه أمام هذه الفتنة التي يريد
تملّكها وسبْر أغوارها، لجمالها وعطرها وحلْيها. هلْ ستأْسره لتصْبح هي
محظيته المفضّلة؟. غضبُ عائشة وقلقُها يدفعانها إلى التفكير في حيلة أو فخّ
تنصبه لزينب المنافسة. ثمّ إن حفصة وسودة لنْ ترفضا المشاركة فيما تخطّط
له. أليستْ لهما الأولويّة في هذا الحريم، أمام أمّ سلمة وزينب، اللتيْن
ستعتمدان على تفوّقهما في السنّ والنّسَب؟
إن المخزوميّة، وزينب بنت جحش، «بنت الحمار»، يتجاوز عمرهما الثلاثين سنة.
وبالتالي، فإنّ هذه الأخيرة ستفقد من شبابها وجمالها الشيء الكثير في
القريب العاجل.
وكمْ كانتْ حسرة عائشة كبيرة حين علمتْ أنّ الوحي نزل على محمد في الليلة
السابقة. هلْ نزل عليه وهما يتبادلان القبل والعناق كما هو الشأن معها هي؟
هلْ كان بين فخذيْها حين سمع كلام الملاك؟ وهلْ فقدتْ هي هذا الامتياز؟
انتابتها حسْرة زائدة إلى أنْ علمتْ بأن الوحيَ جاءه وهو في المسجد يَعظُ
الناس بعد الصلاة. فبعْد صلاة الفجر نزل جبريل ينقذه ويشرّع لطريقة تعامل
المسلمين معه ومع نسائه قائلا:
- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ
وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا
وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ
فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ
أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا
رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا
إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا» (سورة الأحزاب، الآية 53).
هوامش:
1 - عن عمر مولى غفرة : (( قالت اليهود لما رأت الرسول (صلى الله عليه
وسلم) يتزوج النساء : انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من الطعام ، ولا والله
ماله همة إلا النساء )) ، وحسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك .. وقالوا ?
لعنهم الله ? (( لو كان نبيا ما رغب في النساء .. وكان أشدهم في ذلك حيى بن
أخطب ، فكذبهم الله تعالى وأخبرهم بفضله وسعته على نبيه ، ونزل قوله
سبحانه : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله يعنى رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة وآتيناهم ملكا عظيما
يعني سبحانه ما آتى داود وسليمان عليهما السلام ، فقد تزوج كلاهما أكثر
مما تزوج نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وكان لكل منهما من الجواري ما
لم يمتلك مثله رسولنا عليه السلام «، ابن كثير، البداية والنهاية.
(المترجم).
2 - حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا حدثنا حماد عن ثابت قال ذكر تزويج زينب
بنت جحش عند أنس بن مالك فقال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم
على أحد من نسائه ما أولم عليها أولم بشاة»، سنن أبي داود، كتاب الأطعمة.
(المترجم).
3 - تروي كتب السيرة والتاريخ أنه « لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم
زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، قال فأخذ كأنه يتهيأ
للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام من القوم زاد عاصم
وابن عبد الأعلى في حديثهما قال فعد ثلاثة وإن النبي صلى الله عليه وسلم
جاء ليدخل فإذا القوم جلوس ثم أنهم قاموا فانطلقوا قال فجئت فأخبرت النبي
صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا قال فجاء حتي دخل فذهبت أدخل فألقى
الحجاب بيني وبينه قال وأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت
النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه إلى قوله إن ذلكم كان عند
الله عظيما ، أنساب الأشراف، البلاذري. (المترجم).
04-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الرسول يضربُ الحجاب على زوجاته تمييزا لهنّ
لمْ تكنْ هذه الأوامرُ والتعليماتُ لتقلق عائشةَ، بلْ بالعكْس، فكلّما كان الرسول برفقتها، كان الصّخب والدخول والخروج. فقد كان الصحابة والمسلمون، وكلّ من هبّ ودبّ، يدخلون ويخرجون على هواهُم، فقط من أجْل تبادُل بعض الكلمات مع الرسول، أوْ طلب توضيح بخصوص مسألة دينيّة معيّنة. وقد حدث مرارا أنْ اندسّ هؤلاء بيْن الرسول وعائشة، ومدّوا أيْديهم إلى طعام الغذاء أو العشاء، دون مراعاة لها هي كزوْجة بحيْثُ يدْفعونها بمناكبهم دونَ حرج. ورغْم انزعاج الرسول من هذا التطفّل، فإنه لم يكن يجرؤ على طردهمْ. وقد كانتْ هذه المناسبة مواتية لكيْ تحصل زوجاته على صفة «أمهات المؤمنين»، وعلى الحقّ في الاحترام: «يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى، وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ، وَآتِينَ الزَّكَاةَ، وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (سورة الأحزاب، الآيتان 32 33). لمْ تعد لهنّ الحرية في الخروج من بيوتهنّ، كما كان الأمر من قبلُ. وللقيام بذلك، يتعيّن عليهنّ أنْ يكنّ مصاحَبات، ويغطّين صدورهنّ ووجوههنّ بغلالة حتى لا يُعاملن بفظاظة أو تودّد. وعندما يرخي الليل سدوله، وتكون إحدى نساء الحريم مضطرّة إلى الخروج لقضاء حاجتها، فإنّ الشباب الوقح الباحث عن جارية أو امرأة للمتعة، يميّزها عنْ غيرها1. وقد خضعتْ باقي زوجات الرسول الأخريات لهذه التعاليم التي تفرض على الناس احترامهنّ وتقديرهنّ. لكنْ بقيت لهنّ حرية استقبال أفراد عائلتهنّ: الآباء والإخوة والأعمام وأبناء الأعمام مصحوبين بنسائهم وأطفالهم، والاستمتاع بالقرب منهم بعيدا عن الزوار الغرباء. وبعد مناقشة الجوانب السلبية والإيجابية لهذا الإجراء، اتّفقْن على أنه في صالحهنّ، لأنّ الله ميّزهنّ عن باقي النساء2. الحجابُ ليس سجْنا، كما سيقول البعض. وكان محمّد سعيدا بملاحظة وجود اتفاق بين زوجاته اللواتي تفاهمْن للمرّة الأولى على الأقلّ. جلس الرسول بينهنّ في الوسط، يضحك مع هذه، ويمزَح مع تلك، ويمدح جمالهنّ ولطفهنّ. ووعدهنّ باحترامه الصارم والدقيق لنظام تخصيص ليلة لكلّ واحدة منهنّ. وأضاف مدقّقا: - سوف تتلقى كل واحدة كلّ شهر نفس القدْر من المال والمؤونة، وسوف ترافقني منكنّ في رحلاتي بحسب ما تفرزه القرعة. بعد سماع كلام الرسول، عبّرت الزوجات عن فرحهنّ بهذا الاقتراح الأخير. فالسفر خارج المدينة، والانفراد بالزّوْج المحبوب، بعيدا عن المنافسات اللواتي تحبسهنّ القرعة، شيء لا يخطُر على بال. بعد ذلك، التحقتْ كلّ واحدة بغرفتها وهي تحْلم بأفق آخر مع الرسول، وتتضرّع إلى السماء أن تكون الرحلة القادمة معه من نصيبها. وبينما أغلق الرسول على نفسه مع أمّ سلمة، كانتْ عائشة مستلقية على سريرها وهي تتخيّل سواحل البحر المتلألئة، المزيّنة بأصداف دقيقة تدوس عليْها بقدميْها وهي ممسكة بيد زوجها المحبوب. ذات صباح من شهر يونيو 627 ميلادية، صرختْ عائشة من شدة الفرَح لكوْن القرعة كانت من نصيبها وخرج سهْمها لكيْ ترافق الرسول خلال خرْجته القادمة التي سيحدّد وجْهتها. نظرت إليْها الأخريات بنوع من الغيرة وهي تجمع حاجياتها من الملابس والزينة، بما فيها عقْد كان أهداه لها زوجها، وهو العقْد الذي سيحدث زوبعة وتحوّلا في حياتها. كانت عيون محمّد التي تأتي بالأخبار من خارج المدينة عن القبائل العربية، حتى لا يفاجئهم أحد بحرب أو خيانة، قد أبلغته أن زعيم بني المصطلق -وهم من اليهود- يجهّز قومه للهجوم على المدينة. ولمّا تأكد من هذه الأنباء، جهّز جيشه، واتجه نحو الجنوب الغربي، غير بعيد عن الساحل وعن مكّة، وغزا بني المصطلق على حين غرّة، واتخذهم أسارى وسبايا. فيما ظلّتْ عائشة داخل خبائها تتابع ما يجري في الخارج، وتتأمل الخطوط الصافية للهضاب القرْمزيّة تحت زرقة السّماء، وهي تداعبُ حبّات عقْدها حول جيدها. الحمدُ لله، ما يزال في مكانه. ذلك أنها قبل يوميْن، كان العقد قد انْقَطَعَ لها وسقط بيْن الرمال، فصرختْ وتوقّفتْ القافلة للبحث عنه، فَأَقَامَ النَّاسُ مَعَها يبحثون وَلَيْس معهم مَاء للوضوء، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: - أَلا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ ؟! بقينا نبحث عن العقْد وَلَيْس معنا مَاء. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ ووبّخ ابنته على ذلك. واشتكى الجميع ما فعلته عائشة إلى الرسول، وبعد هذا الإحراج الذي سبّبته له عائشة، جاء جبريل لإنقاذ الوضعية بآية قرآنية تقول: - «...فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا» (سورة النساء، الآية 43). وسرعان ما انحنى الرسول، على الأرض، وتناول حفْنة رمل وشرع في التيمّم، وتبعه الجميع في ذلك وهم يصرُخون: - مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ ? وحين أقاموا ناقتها، عثروا على العقد تحتها. شعُرت عائشة في قرارة نفسها بنوْع من العزاء والانفراج. وشكرت الله مرّتيْن، مرّة لكونها وجدت عقْدها، ومرة ثانية لكوْنها كانتْ سببا في حلّ مشكل التوضّؤ بالماء النادر في بيئة صحراوية. هوامش: 1 عن عائشة : أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح وكان عمر يقول للنبي : أحجب نسائك. فلم يكن الرسول يفعل ، فخرجت سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر : ألا قد عرفناك يا سودة ، حرصا منه على أن ينزل الحجاب فأنزل الله الحجاب.( رواه البخاري ومسلم ). (المترجم). 2 الحجاب - بمعناه الأصلي كما بينا - لم يفرض على غير نساء النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية ، وأن عامة الصحابيات لم يحتجبن ولو من قبيل الاقتداء حيث فقهن خصوصية الحجاب بنساء النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا مجال للاقتداء بهن رضي الله عنهن في أمر خُصصن به. | ||
5/9/2012 |
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
حديث الإفك: عائشة زَنَتْ، عائشة بريئة
غيْر أنّ نزاعا نشبَ ما بيْن رجل من المهاجرين وآخر من الخزرج. فبينما كان المسلمون يسقون الماء من بئر، تزاحم على الماء غلام لعمر بن الخطاب مع رجل من الأنصار، وتضاربا، وكاد الخلاف يتحوّل إلى معركة فقد اختلف المهاجرون والأنصار، فهدأهم الرسول صلى الله عليه وسلم فأطاعوه، وانتهى الخلاف، ولكن المنافق عبد الله بن أُبي اتخذ هذه الواقعة فرصة لتقوية الخلاف بين المهاجرين والأنصار، فقال: أو قد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سَمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل2. وفي الصباح الباكر، قرّر الرسول العودة إلى يثرب، حيث امتطى هو فرسه، بينما دخلتْ عائشة إلى هوْدجها. وفي طريق العودة، توقّفتْ قافلة الجيش بعض الوقت للاستراحة، وما إنْ انطلقتْ القافلة حتى صرختْ3: - عقْدي? لمْ يعد العقد في عنقها. ولذلك جُنّتْ وصرخت بأعلى صوتها، لكنها سرعان ما تذكّرتْ بالمكان الذي يمكن أن يسقط فيه عندما كانت تقضي حاجتها. ثم انسلّت لكيْ تأتي به. لكنها في عملية البحث لمْ تنتبه إلى الوقت الذي مرّ بسرعة، وظلت تنبش في الأرض هنا وهناك إلى أنْ لامست أصابعها حبّات العقد اليماني. وحين قفلتْ عائدة إلى هودجها، كان الرجال قد رحلوا. لقد حملوه على بعيرها، وهم يظنون أنها بداخله، ولكنه كان خاليًا، فجلست وحدها تنتظر دون أن تحفل بالمشاكل والعواقب التي سوف تتولّد عن هذا التأخّر، وهي المشاكل التي ستؤثّر على حياتها فيما بعد. جلستْ بكل هدوء في مكان القافلة، وهي تمنّي النفس بأنهم لابدّ أنْ يفتقدوها في نهاية الأمْر، ويأتوا للبحث عنها. ظلت تنتظر إلى أنْ غالبها النعاس واستسلمتْ للنوْم. كمْ مرّ من الوقت؟ لمْ تنتبه إلى أنْ استفاقتْ على صوْت وجْه ذكوريّ يقول: - إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله، ماذا جرى لك؟ أسْدلتْ عليها خمارها، واستوت قائمة، ثمّ تعرّفتْ على وجه صفوان بن المعطل، وهو شابّ من قبيلة بني سليْم كان مسافرا مع القافلة، لذلك سألته عائشة عن سبب تأخره، أجاب: - تأخرت لأن رسول الله أمرني بالعودة لاسترجاع بعض الأغراض? انظري إلى كيسي إنه مملوء. لقدْ شاهدتُ غلالة بيضاء عند سفح الجبل، ولما اقتربْتُ تعرفتُ على شعرك الذهبي الذي يُعجبُ به الجميع حين تتركيه مكشوفا. هذا الإطراء أعجبها وأقلقها في الوقت ذاته. ثم خفضت عيْنيْها وشكرته مضطربة وممسكة بخمارها. وحين فهم الشاب حرجها، أناخ ناقته وأمرها بالركوب، بعد أن ترك مسافة بينهما تجنّبا للاحتكاك بها، وانطلق في اتجاه المدينة وهو يردد بعض الأغاني على إيقاع رحْله. تفاعلتْ عائشة مع صوته وغنائه، وأغمضت عينيها وهي تنصت في فضاء الصحراء إلى الكلمات العاطفية التي تنطوي عليها أغانيه. كانت تفكر في محبوبها الذي سار مع القافلة. بعد بضع ساعات، انتبها إلى قدوم أحد الفرسان على متن راحلته في الأفق ليقف أمامهما. وسرعان ما تعرّفتْ على وجْه عليّ بن أبي طالب الذي فوجئ بوجود عائشة مع صفوان. سألهما ماذا حصل ثم انصرف عائدا لكيْ يخبر الرسول. وكان لإخباره وقع الكارثة، خصوصا أنّ السياق المتوتر منذ النزاع بين المهاجرين والأنصار زاد من تهافت الألسن على حكاية عائشة مع صفوان بن المعطل. أما الرسول فقد كان ألمه كبيرا. أليْست محبوبته؟ لم ينزل الوحي بهذا الشأن شهرًا كاملا، وظل خلاله محمد حزينًا، وأبو بكر لا يدري ما يصنع، أما عائشة فقد عادت مريضة، ولزمت الفراش، ولم تعلم بما يقوله الناس، فلما علمت ظلت تبكي ليل نهار، وعندما اشتد بها المرض استأذنت من الرسول وذهبت إلى بيت أبيها، فجاءها محمد يطلب منها أن تستغفر الله إن كانت فعلت ذنبًا، وإن كانت بريئة فسوف يبرئها الله، فسكتت عائشة عن البكاء، وقالت: - لو قلتُ لكم إني مذنبة صدقتموني، وإن قلت لكم بريئة لم تصدقوا، والله يعلم أني بريئة، ولا أقول سوى ما قال أبو يوسف: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون» [سورة يوسف: 18]. هوامش: 1 «الإفْكُ الكذب وقد أفك يأفك بالكسر ورجل أفَّاكٌ أي كذاب و الأَفْكُ بالفتح مصدر أَفَكَهُ أي قلبه وصرفه عن الشيء وبابه ضرب ومنه قوله تعالى أجئتنا لتأفكنا عما وجدنا عليه آباءنا و أْتَفَكِت البلدة بأهلها انقلبت و المُؤْتَفِكاتُ المدن التي قلبها الله تعالى على قوم لوط والمؤتفكات أيضا الرياح التي تختلف مهابها و المَأْفُوك المأفون وهو الضعيف العقل والرأي وقوله تعالى يؤفك عنه من أفك قال مجاهد يؤفن عنه من أفن»، مختار الصحاح. (المترجم). 3 تروي كتب السير والتفسير أنه بعد غزوة بني المصطلق، وفي طريق العودة، استراح الجيش بعض الوقت، وبعد فترة استعدوا للرحيل، وبدأ الرجال يرحلون، وذهب بعض المسلمين إلى هودج عائشة زوج الرسول، وهو خباء يوضع على البعير فحملوه على بعيرها، وهم يظنون أنها بداخله، ولكنه كان خاليًا، فقد ذهبت عائشة تبحث عن عقد فقدته، فلما رجعت وجدت المكان خاليا وقد رحل القوم، فجلست وحدها تنتظر، وكان في مؤخرة الجيش الصحابي صفوان بن المعطل، وكان يتأخر ليجمع ما يقع من الجنود، فلما مر بالمكان وجد السيدة عائشة جالسة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون .. ثم أناخ الجمل، وأدار ظهره حتى ركبت السيدة عائشة، وانطلق يقود الجمل حتى لحق بالمسلمين. ووجد المنافقون فرصتهم الكبيرة في التشنيع على أم المؤمنين والنيل من رسول الله، فأشاعوا أن صفوان بن المعطل اعتدى على السيدة عائشة واتهموهما بالفاحشة، وهكذا روَّج المنافق عبد الله بن أُبي وآخرون معه هذا الكلام البذيء، حتى صدقه بعض الناس، وأراد الله أن يختبر المؤمنين، وأن يعلمهم درسًا عمليًّا في عدم تصديق الشائعات. (المترجم). | ||
6/9/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الله يبرّئ عائشة، والرسول يتزوّج ريْحانة اليهودية
ورغْم ما قاله علي بن أبي طالب وحسان بن ثابت، حيث قال عليّ لمحمد: - لمْ يُضيّق اللهُ عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصْدُقك. فإن جبريل يتدخّل مرة أخرى لإنقاذ محمد وعائشة، ونزل الوحي بإقرار براءتها من الإفك: «إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم . لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا وقالوا هذا إفك مبين . لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون . ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم . إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم . ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم . يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدًا إنْ كنتمْ مؤمنين . ويبيّن الله لكم الآيات والله عليم حكيم . إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون. ولولا فضل الله عليكم ورحمته وإن الله رؤوف رحيم» (سورة النور: 11-20). وعادت الفرحة إلى الرسول، بعدما أقنع نفسه ببراءة زوجته، وعاقب الذين اتهموا عائشة بالفاحشة، وكانوا يروّجون هذا الكلام غير المرغوب فيه في تلك الظروف، فأقام عليهم حدّ القذْف ثمانين جلدة، وكان منهم مسطح بن أثاثة ابن خالة أبي بكر، وكان أبو بكر ينفق عليه لفقره وحاجته، فأقسم ألا يعطيه درهمًا واحدًا بعد ما قاله في حق ابنته، غير أنه تراجع لسبب مجهول واستمر عطاء أبي بكر، وإحسانه إلى مسطح، فكفَّر أبو بكر عن يمينه، وأعطى ابن خالته ما كان يعطيه. انتهتْ الأمور كما ارتضاها محمد. ووحده عبد الله بن أبيّ أطلق العنان للسانه وكان يقول بكلّ صفاقة: - إنها معذورة? فصفْوان أجمل وأصغر من محمد. في هذه الأثناء، لمْ يصدر عن الرسول أيّ تصرف سلبي تُجاه عائشة. وبينما كانت في بيت والديْها، ظل هو يطوف على زوجاته الأخريات، دون أنْ ينسى ريْحانة، الجميلة اليهودية، التي لم تقاوم دعوة الرسول للزواج بها. كانت ريحانة بنت شمعون بن زيد يهودية من بني قريظة متزوجة من قبْل من أحد رجال قومها يسمى (الحَكَم)، وكان يحبها ويكرمها، وقد كانت ريحانة ذات جمال وحسب، وما إن فرغ المسلمون من غزوة الخندق وانتصروا على الأحزاب حتى دارت الدائرة على بني قريظة وقُتل زوجها، ووقعت ريحانة في السّبي. وكان محمّد قد عهد إلى أمّ المنذر سلمى بنت قيس الأنصارية برعايتها، وكان قد اصطفاها لنفسه، لما علم من نسبها وشرفها، كما أنّ الرسول علم ما قالته ريحانة حين جاءها نبأ قتل زوجها، فقد أقسمت ألا تتزوج بعده أبداً مهما طال العمر، فأراد أن يهوّن عليها ويضمها إلى نسائه. تقول ريحانة: «فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجلسني بين يديه وخيرني، فاخترت الله ورسوله، فأعتقني وتزوّج بي». وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بريحانة وأصدقها اثنتي عشر أوقية1. وحين عادتْ عائشة إلى بيتها، لمْ يثرْ معها محمد قضيّة تأخّرها مع صفوان بن المعطل2. وحين جاء دورها، أقبل عندها الرسول مداعبا، بشوشا وكأنّ شيئا لمْ يقعْ. وعادت عائشة إلى طريقتها في استمالته وإمتاعه بكل ما يرغب فيه. وبينما هي معه حتى سمعتْ طرقا على الباب، نهضتْ لتعرف من الطارق في هذه الساعة من الليل، وهي تغمغم بكلام مهموس، ثمّ فتحت الباب على ضوْء المصباح اليدويّ، وإذا بها تكتشف وجود امرأة فاتنة، رائعة الجمال تطلب لقاء الرسول. وسرعان ما انقبض قلبها لكوْنها استشعرت الخطر المحدق، وكرهت حضور هذه القنبلة إلى حدّ بيتها، ولكونها تعرف أنّ زوجها سوف يرى فيها ما رأته هي: جمال ورقّة لنْ يستسلنَ أمامهما أيّ رجل. هوامش: 1 هذا ما رواه ابن سعد في الطبقات، وفي رواية أخرى أن الرسول قال لها: «إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي فعلت». فقالت: يا رسول الله، أكون في ملكك أخف عليّ وعليك. ودخل الرسول بريحانة في بيت أم المنذر. وكان الرسول يمكث عندها كثيراً، ولا يرد لها طلباً، ولا تسأله شيئاً إلا أجابها إليه, وهو منشرح الصدر. وقيل لها: لو كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة لأعتقهم.. قالت: لم يخل بي حتى فرق السبى. غيرة وطلاق كانت ريحانة رضي الله عنها تغار كثيراً على رسول الله ، وكان ذلك يغضب الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان، ويبدو أنّ غيرتها قد زادت عن الحد، وأنها بالغت في غيرتها إلى درجة لم يتحملها الرسول صلى الله عليه وسلم، فما كان منه إلا أن طلقها. لقد أدركت بعد فوات الأوان أنها أخطأت خطأ فادحاً في حق الرسول وفي حق نفسها.. لقد أغضبت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهي التي أحبته حبا ملك عليها جوانب نفسها وإذا بها تلقى نفسها وحيدة كئيبة بعد أن كانت في بيت أكرم الخلق وأعظم الرسل. علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحزنها وبكائها المتواصل، وندمها على ما كان منها، فرق لها قلبه الكبير، وأخذته بها الرأفة والرحمة.. فردها الرسول صلى الله عليه وسلم إليه مرة أخرى.. وهكذا كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فصولاً متتابعة من الرحمة والرأفة.. كيف لا والله سبحانه وتعالى يقول فيه: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم» (التوبة/128). (المترجم) 2 عن أبي سعيد قال:» جاءت امرأة إلى النبي صلعم فقالت يا رسول الله إن زوجي صفوان يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس قال وصفوان عنده فسأله فقال صفوان.. .. أما قولها يفطرني إذا صمت فإنها تصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر(عن النساء) فقال صلعم لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها ?». انظر « تهذيب تاريخ دمشق الكبير للإمام الحافظ أبن عساكر باب صفوان أبن المعطل السلمي». | ||
7/9/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الرسول يتزوّج جويْرية بنت الحارث
انقبض قلب عائشة لكوْنها استشعرت الخطر المحدق، وكرهت حضور هذه القنبلة إلى حدّ بيتها، ولكونها تعرف أنّ زوجها سوف يرى فيها ما رأته هي: جمال ورقّة لنْ يستسلمَ أمامهما أيّ رجل. قالت تصفها: «كانتْ حلوة ملاّحة، فو الله ما رأيتها على باب حجرتي إلا كرهتها، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيتُ». قال الرسول: - مَنْ هي؟ دعوها تدخل. اقتربت المرأة قائلة: - أنا جويرية بنت الحارث، سيّد بني المصطلق. أنا في ورطة يا رسول الله، وقد جئتُ طلبا للمساعدة. فقد أصابني من الأمر ما قد علمت، فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على نفسه تسع أوراق فأعنّي على فكاكي». انزوتْ عائشة في إحدى زوايا البيت لتخْفيَ دموعها. ذلك أنّ الذي توقّعته حصل. فإحساسها لمْ يخنْها. زوجة سادسة إذن سوف تنضاف إلى الحريم النبوي وتزيد من حجمه. ابنة الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، سليلة النبلاء، ولا يتجاوز عمرها العشرين سنة. أجابها الرسول جويرية قائلا: - « فهل لك في خير من ذلك؟». قالتْ: - « وما هو يا رسول الله ؟» . قال: « أقضي عنك كتابتك وأتزوجك»1. فلم تمانع وأعجبها الاقتراح المفاجئ. سمعتْ عائشة ما دار بينهما من كلام، كما سمعت زوجها يرافق الأسيرة إلى الباب بكلمات عاطفية مؤثّرة. لم تتحرّك عائشة من مكانها، فقد كانت الصدمة قويّة وكبيرة. عندما عاد الرسول إلى عائشة، ضمّها إليه بشدة قائلا: - يا نور عيْنيّ، افهميني، يتعلق الأمر، في هذا الزواج بتحالف سياسي أبحث عنه. فحين سيأتي والدها من أجل إعطائنا ما لديْه من نوق وجمال، لفدية ابنته، سيكون سعيدا حين يعلمُ بزواجي من ابنته. ثمّ إن قبيلته كلها سوف تدخل في الإسلام، فضلا عن أنّ القبائل والعشائر الحليفة لها سوف يبايعونني بدلا من السعي إلى محاربتي. فلا تخشيْ شيئا، ولا تبك، فكل ما بيننا لنْ يتغيّر. كل شيء إذن جرى كما أراده النبيّ. فبعد مرور أسبوع واحد، تمّ تجهيز غرفة أخرى جديدة، وتزوّج جُويرية الجميلة. وبالتالي تمّ إطلاق سراح أسرى بني المصطلق الذين اعتنقوا الإسلام هم وقبيلتهم2. غير أن الأصوات المنتقدة ارتفعتْ من هنا وهناك من طرف المنافقين واليهود الذين رأوا في كثرة زيجات محمد مخالفة صريحة للريعة الإسلامية التي تنصّ على عدم تجاوز أربع نساء. فقد قالت اليهود:» ما نرى لهذا الرجل مهمّة إلاّ النساء والنكاح، ولو كان نبيّا، كما زعم، لشغلَه أمْر النبوّة عن النساء».3 [روى ابن سعد في «الطبقات» أنه لما وقعت جويرية بنت الحارث في السبي، جاء أبوها إلى النبي فقال: إن ابنتي لا يُسبى مثلها ؛ فأنا أكرم من ذاك ، فخلّ سبيلها، فقال : ( أرأيت إن خيّرناها ، أليس قد أحسنّا ؟) ، قال : بلى ، وأدّيت ما عليك . فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيّرك فلا تفضحينا، فقالت : فإني قد اخترت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وغيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها ، فَعَنْ ابن عباس قال : ( كان اسم جويرية بنت الحارث برة ، فحوّل النبي صلى الله عليه وسلم اسمها ، فسماها جويرية ) رواه الإمام أحمد في مسنده] . وفي هذا السياق المتوتر، الذي خلفه زواجه من جويرية، عاد الحديث، عبر أرجاء المدينة، عن مغامرة زوجته عائشة مع الشاب الجميل صفوان بن المعطل. وانطلقت الألسن ساخرة من الزوج الذي خانته زوجته، مكتفيا باتخاذ زوجة أخرى وعدم تطليق الخائنة، التي تلطخت سمعتها وشرفها. وقد مرضت مرض شديد جدا، ولزمت الفراش، محاطة بجاريتها «بريرة» ووالدتها أمّ رومان. واستمر مرضها أكثر من عشرين يوم وما تعلم عن هذا الحديث الذي ينتشر بين الناس عنها. لمْ يتغير في البيت شيء إلا الرسول، فمع انتشار الخبر، ومن تضايقه منه، وقد كان من عادته أن يلاطف عائشة. تقول :»كان من عادته يلاطفني، خاصة إن كنت مريضة، إلا أنه في هذه المرة ما كان يلاطفني، وكانت عندي أمي ولا يزيد عن قوله ( كيف تلكم؟ ) يعني كيف حالها ؟. فلما شعرت معاملته تغيرت استأذنته قائلة: - يا رسول الله أريد أنْ أُطَبَّبَ في بيت أمي . فانتقلت عائشة من بيت النبي إلى بيت والدها أبي بكر الصديق. أنتشر الخبر وبدأ الناس يتكلمون وانقطع الوحي. هوامش: 1 كاتب يكاتب مكاتبة فهو مكاتب ) اسم فاعل ) ومكاتب ( اسم مفعول(، ولغة ; هي المراسلة ، وهي أيضا الاستنساخ . واصطلاحا ; عقد المكاتبة هو معاملة بين العبد وسيده ، على أن يؤدي مبلغا معينا من المال ويصبح حرا بعد ذلك ، وهي قسمان : مشروطة ولا يتحرر العبد إلا بدفع الكل، ومطلقة ويتحرر من العبد بقدر ما يدفع كل مرة ، وسميت الأولى مطلقة لعدم اشتراط الحرية بدفع كل المال وسميت الثانية مشروطة لاشتراط ذلك .(المترجم). 2 قالت عائشة: «فبلغ المسلمين ذلك قالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأرسلوا ما كان في أيديهم من سبايا بني المصطلق، قالت: فلقد عتق بتزويجه مائة أهل بيت من بني المصطلق، قالت: فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها.» 3 انظر كتاب «أسباب النزول» للواحدي، ص. 280. | ||
08-09-2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
محمّد مدافعا عن عائشة: إنها من أهلي
عندما لزمت عائشة الفراش،
استمر مرضها أكثر من عشرين يوم وما تعلم عن هذا الحديث الذي ينتشر بين
الناس عنها. لمْ يتغير في البيت شيء إلا الرسول، فمع انتشار الخبر، ومن
تضايقه منه، وقد كان من عادته أن يلاطف عائشة. تقول :»كان من عادته
يلاطفني، خاصة إن كنت مريضة، إلا أنه في هذه المرة ما كان يلاطفني، وكانت
عندي أمي ولا يزيد عن قوله ( كيف تلكم؟ ) يعني كيف حالها ؟. فلما شعرت
معاملته تغيرت استأذنته قائلة:
- يا رسول الله أريد أنْ أُطَبَّبَ في بيت أمي .
فانتقلت عائشة من بيت النبي إلى بيت والدها أبي بكر الصديق. انتشر الخبر وبدأ الناس يتكلمون وانقطع الوحي. قالت عائشة:
- فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم.
وكان محمد قد دعا عليّا بن أبي طالب، وأسامة بن زيد حين تأخّر الوحي
يستشيرهما في فراق عائشة. فأما أسامة بن زيد، فأشار بالذي يعلم من براءتها،
وبالذي يعلم لها في نفسه من الودّ، فقال:
- يا رسول الله أهلك وما نعلم إلا خيراً!.
وأما علي بن أبي طالب فقال له:
- يا رسول الله، لمْ يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية
تصدقك. فدعا محمد الجارية بريرة، فقال لها: يا بريرة هل رأيت من شيء
يُريبك؟ قالت: لا والذي بعثك بالحق، إنْ رأيت عليها أمراً أغمصه عليها أكثر
من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله.
وكأنه تنفّس الصعداء من هذا الكلام المطمئن، يومئذٍ من عبد الله بن أبيّ، فخرج إلى المسجد، وارتقى المنبر قائلا:
- يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوا الله
ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً،
وما كان يدخل على أهلي إلا معي؟
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من
الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. ورغم
الجدال الذي أثير، فقد ظلّ محمّد قائما على المنبر يهدّئ الناس حتى سكتوا
وسكت.
ثمّ ذهب الرسول إلى بيْت عائشة فرحا ثم جلس، وكان مختلفا عما قبلُ، منذ قيل ما قيل قبلها، فتشهّد حين جلس، ثم قال:
- أما بعدُ ياعائشة، فإنه قدْ بلغني عنك كذا وكذا، فإنْ كنت بريئة فسيبرئك
الله، وإن كنت ألممت بذنبٍ فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف
بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه، قالت :
فلما أنهى الرسول كلامه، تقلص دمع عائشة، حتى ما أحسّ منه قطرة، فقالتْ
لأبيها: أجب رسول الله، فيما قال، والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت
لأمّي: أجيبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قالت: ما أدري ما أقول لرسول
الله. وأضافتْ:
- إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم
به فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك، ولئنْ
اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، والله ما أجد لكم
مثلاً إلا قوْل أبي يوسف قال: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون».
ثم تحوّلتْ، فاضطجعتْ على فراشها، وقالت: «وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة وأن
الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزّل في شأني وحياً
يُتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يُتلى، ولكن
كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في النوم رؤيا يبرئني
الله بها. قالت فوا الله ما رام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا خرج
أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء حتى أنه
ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي ينزل
عليه. قالت فلما سُري عن رسول الله سُري عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة
تكلم بها: يا عائشة أما الله فقد برأك. فقالت لها أمها1:
- قُومي إليه، فقالت عائشة:
- والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، وأنزل الله ((إنّ الذين جاؤوا
بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه...). فلما أنزل الله هذا في براءتي. في هذه
الأثناء، قال أبو بكر الصديق، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه
وفقره، وقال:
- والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل
الله: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا
أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ («22، سورة النـور». قال أبو بكر: «بلى
والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه،
وقال والله لا أنْزعها منه أبداً، قالت عائشة: وكان رسول الله يسأل زينب
ابنة جحش عن أمري، فقال: يا زينب: ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت : يا رسول
الله,أحمي سمعي وبصري, ما علمت إلا خيراً، قالت: وهي التي كانت تُساميني من
أزواج رسول الله، فعصمها الله بالورع, وطفقت أختها «حمنة» تحارب لها فهلكت
فيمن هلك من أصحاب الإفك) .
هامش:
1 انظر ، كتاب «فتح الباري» للعسقلاني.
11-09-2012
استمر مرضها أكثر من عشرين يوم وما تعلم عن هذا الحديث الذي ينتشر بين
الناس عنها. لمْ يتغير في البيت شيء إلا الرسول، فمع انتشار الخبر، ومن
تضايقه منه، وقد كان من عادته أن يلاطف عائشة. تقول :»كان من عادته
يلاطفني، خاصة إن كنت مريضة، إلا أنه في هذه المرة ما كان يلاطفني، وكانت
عندي أمي ولا يزيد عن قوله ( كيف تلكم؟ ) يعني كيف حالها ؟. فلما شعرت
معاملته تغيرت استأذنته قائلة:
- يا رسول الله أريد أنْ أُطَبَّبَ في بيت أمي .
فانتقلت عائشة من بيت النبي إلى بيت والدها أبي بكر الصديق. انتشر الخبر وبدأ الناس يتكلمون وانقطع الوحي. قالت عائشة:
- فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم.
وكان محمد قد دعا عليّا بن أبي طالب، وأسامة بن زيد حين تأخّر الوحي
يستشيرهما في فراق عائشة. فأما أسامة بن زيد، فأشار بالذي يعلم من براءتها،
وبالذي يعلم لها في نفسه من الودّ، فقال:
- يا رسول الله أهلك وما نعلم إلا خيراً!.
وأما علي بن أبي طالب فقال له:
- يا رسول الله، لمْ يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية
تصدقك. فدعا محمد الجارية بريرة، فقال لها: يا بريرة هل رأيت من شيء
يُريبك؟ قالت: لا والذي بعثك بالحق، إنْ رأيت عليها أمراً أغمصه عليها أكثر
من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله.
وكأنه تنفّس الصعداء من هذا الكلام المطمئن، يومئذٍ من عبد الله بن أبيّ، فخرج إلى المسجد، وارتقى المنبر قائلا:
- يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوا الله
ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً،
وما كان يدخل على أهلي إلا معي؟
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من
الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. ورغم
الجدال الذي أثير، فقد ظلّ محمّد قائما على المنبر يهدّئ الناس حتى سكتوا
وسكت.
ثمّ ذهب الرسول إلى بيْت عائشة فرحا ثم جلس، وكان مختلفا عما قبلُ، منذ قيل ما قيل قبلها، فتشهّد حين جلس، ثم قال:
- أما بعدُ ياعائشة، فإنه قدْ بلغني عنك كذا وكذا، فإنْ كنت بريئة فسيبرئك
الله، وإن كنت ألممت بذنبٍ فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف
بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه، قالت :
فلما أنهى الرسول كلامه، تقلص دمع عائشة، حتى ما أحسّ منه قطرة، فقالتْ
لأبيها: أجب رسول الله، فيما قال، والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت
لأمّي: أجيبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قالت: ما أدري ما أقول لرسول
الله. وأضافتْ:
- إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم
به فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك، ولئنْ
اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، والله ما أجد لكم
مثلاً إلا قوْل أبي يوسف قال: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون».
ثم تحوّلتْ، فاضطجعتْ على فراشها، وقالت: «وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة وأن
الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزّل في شأني وحياً
يُتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يُتلى، ولكن
كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في النوم رؤيا يبرئني
الله بها. قالت فوا الله ما رام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا خرج
أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء حتى أنه
ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي ينزل
عليه. قالت فلما سُري عن رسول الله سُري عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة
تكلم بها: يا عائشة أما الله فقد برأك. فقالت لها أمها1:
- قُومي إليه، فقالت عائشة:
- والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، وأنزل الله ((إنّ الذين جاؤوا
بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه...). فلما أنزل الله هذا في براءتي. في هذه
الأثناء، قال أبو بكر الصديق، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه
وفقره، وقال:
- والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل
الله: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا
أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ («22، سورة النـور». قال أبو بكر: «بلى
والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه،
وقال والله لا أنْزعها منه أبداً، قالت عائشة: وكان رسول الله يسأل زينب
ابنة جحش عن أمري، فقال: يا زينب: ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت : يا رسول
الله,أحمي سمعي وبصري, ما علمت إلا خيراً، قالت: وهي التي كانت تُساميني من
أزواج رسول الله، فعصمها الله بالورع, وطفقت أختها «حمنة» تحارب لها فهلكت
فيمن هلك من أصحاب الإفك) .
هامش:
1 انظر ، كتاب «فتح الباري» للعسقلاني.
11-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
بعد عاصفة الإفْك، الرسول يتزوّج في صمْت
داخل
الحريم النبويّ، كما هو الشأْن داخل قلب محمد، استرجعتْ عائشة مكانتها
باعتبارها الزوجة المحبوبة والمفضّلة. انحنت لها منافساتها الأخريات من
خلال تعبيرهنّ عن إحساساتهن وتألّمهن لما وقع لها جرّاء حادثة الإفك. قالتْ
حفصة:
- لقد كنّا حزينات للغاية من أجلك.
أما زينب بنت جحش فقد أضافتْ مخاطبة عائشة:
- لم تخرج من أفواهنا أيّة كلمة سيئة في حقّك.
قالت هذا الكلام وهي تعتذر لما بدر من أختها حمنة بنت جحش من اتهامات لا
أخلاقية في حقّ عائشة. بينما أقبلت سودة بنت زمعة ببدنها السمين وضمّت
عائشة إلى صدرها الكبير معبّرة لها عن حبّها وحزنها في آن عبْر إصدار آهات
وزفير داخليّ، في حين عمدت جويرية إلى تقبيلها، هذا في الوقت الذي قدّمتْ
لها حلويات وفواكه داخل غرفتها المنظّمة بعناية ذات جمالية فائقة. أمام هذه
الأحاسيس الجيّاشة، لم يكن أمام عائشة إلا أن تعبّر لهنّ عن شكرها الخالص
لما بدر منهنّ.
وقد جعلتها هذه المحنة تنضج بشكل كبير. لقد أخرجتْ من الناس ما كانوا
يخفونه تجاهها إما سلبا أو إيجابا. كما عرفت أنه بات من الواجب عليْها
اتخاذ الحيطة والحذر. لمْ يخنْها الله، بينما ظلّت هناك أسئلة تقضّ مضْجعها
من قبيل: لماذا لمْ يبادر الرسول منذ البدء إلى الدفاع عنها؟ هل انتابته
شكوك تحت ضغط محيطه؟ أنبياء قبْله هووا من تلقاء أنفسهم، آخرهمْ عيسى الذي
وافته المنيّة معتقدا أنه بقي وحيدا بعد أنْ هرب عليه الجميع. إنّ الإنسان
هشّ وضعيف في حقيقة الأمْر، بمن فيهمْ ذلك الذي نعتقد أنه معصوم ومحميّ
بالسلطة الإلهية.
في خضمّ هذه المحْنة التي كادتْ تفقدها صوابها، صارتْ عائشة امرأة حقيقية فعْلا في روحها وعقْلها. لقدْ وعتْ...
في غياب الرسول، كانت عائشة تملأ وقتها بالصلاة، والسعي إلى إرضاء الله
الذي لم يتخلّ عنها. لكن ذات صباح، لم تكن تلوي على شيء، حتى هوتْ عليها
السماء من فوق، عندما رأتْ سودة، وهي محاطة بالجواري والخدم، تعطي الأوامر
بإعداد الغرفة الأخيرة المتوفّرة من أجل قدوم زوجة أخرى. سألتها عائشة:
- من أجل من كلّ هذه الإعدادات؟
- إنها من أجل أمّ حبيبة ابنة أبي سفيان، لقد تزوّجها الرسول، وسوف تأتي عمّا قريب.
ردّت عليها عائشة صارخة ومندهشة:
- أكاد أُجنّ، لست أفهم، اشرحي لي أكثر.
- صغيرتي المسكينة، ألمْ يقلْ لك شيئا؟
وروتْ لها كيف أنه عندما كان راجعا من الحديبية، وكله انتشاء باتفاق الصلح
الذي أبرمه مكّنه من سلطات بوّأته مكانة الرجل السياسي ورجل الدولة، بعث
محمد بعدد من رسله إلى عدد من الملوك. ولكل واحد منهم كان يقدّم نفسه بصفته
رسولا لله ومبعوثا إلى الناس كافّة، مبشرا بالجنة ونعيمها، ونذيرا بجهنّم
وعذابها. وكان المبعوثون قد ذهبوا إلى كل من سوريا واليمن والحبشة والبحرين
والرّوم. ردّتْ عليها عائشة بنوع من الإحساس بالتعالي:
- أنا على علم بذلك، بلْ إنني قرأت بعضا من هذه الرسائل.
- غير أنك لا تعرفين أنه بالنسبة لملك الحبشة كان قد أضاف طلبه بالرغبة في
الزواج من ابنة أبي سفيان1. كانت أمّ حبيبة زوجةً لعُبيد اللَّه بن جحش بن
رباب الأسدي «أسد خزيمة»، وكان قد تنصّر في الجاهلية، وتركَ عبادةَ
الأصنام، ثم أسلمَ وزوجُهُ أم حبيبة، وخرجَ مُهاجراً بها من مكة إلى الحبشة
في الهجرة الثانية، وفى الحبشة ارتَدّ عبيد اللَّه بن جحش عن الإسلام،
واعتنقَ النصرانية، ومات مُرْتداً متنصّراً2. إنها الوحيدة يا صغيرتي التي
تزَوَّجَها وهي نائية الدار في الحبشة، بعيدة عنه وعن الأهل، فقد بَعثَ
رسولُ الله عَمرو بن أمية الضّمْري إلى النجاشي، ملك الحبشة، يخطب عليه أم
حبيبة، فتولّى أمرَ تزويجها، وجهازها، وأصدقها عنه أربعمائة دينار، وجهّزها
بأشياء.
امتقع لوْن عائشة واصفرّ وقالتْ:
- هل تدركين يا سوْدة؟ سنصبح سبع زوجات، ولنْ تراه الواحدة منا إلا مرّة
واحدة في الأسبوع. وكل يوم بعد صلاة العصر، سوف يمرّ علينا كلنا للسلام
علينا.
- لا تقلقي يا عزيزتي الصغيرة، سوف أعطيك ليْلتي، وبالتالي تكونين الوحيدة
التي تنعم بليْلتيْن اثنتيْن. وأنت التي سيبقى عندك مدّة أطول. فلا تخشيْ
شيئا.
سألتها عائشة:
- هل تعرفين أمّ حبيبة هذه؟
- كنتُ قد التقيتها في مكة، وأعرف أنها هاجرت إلى الحبشة هربا من بطش والدها أبي سفيان.
هوامش:
1 جاء في طبقات ابن سعد أنه «لما بلغ أبا سفيان بن حرب خبر زواج النبي صلى
الله عليه وسلم من ابنته وقد كان مشركا قال : [ ذلك الفحل لا يُقرع أنفه ] .
2 يروي ابن سعد في الطبقات[8/97 ] قصة ارتداده بقوله : قالت السيدة أم
حبيبة - رضي الله عنها ? : [رأيت في النوم كأن عبيد اللَّه بن جحش زوجى
بأسْوَأ صورة وأشوَهِها، ففزعْتُ، فقلت : تغيرَتْ واللَّه حاله!، فإذا هو
يقول حيث أصبح : يا أم حبيبة، إني نظرتُ في الدينِ فلم أرَ ديناً خَيراً من
النصرانية، وكنتُ قد دِنتُ بها، ثم دَخَلتُ في دين محمد ، وقد رَجَعتُ.
فأخبرتُهُ بالرؤيا، فلم يَحْفِـل، أي : (لم يَهتم) بها، وأكَبّ على الخمر،
قالت : فَأريتُ قائلا يقول : يا أم المؤمنين، ففزِعْتُ فأولتها أن رسول
الله ? صلى الله عليه وسلم -يتزوجني]. (المترجم).
12-09-2012
الحريم النبويّ، كما هو الشأْن داخل قلب محمد، استرجعتْ عائشة مكانتها
باعتبارها الزوجة المحبوبة والمفضّلة. انحنت لها منافساتها الأخريات من
خلال تعبيرهنّ عن إحساساتهن وتألّمهن لما وقع لها جرّاء حادثة الإفك. قالتْ
حفصة:
- لقد كنّا حزينات للغاية من أجلك.
أما زينب بنت جحش فقد أضافتْ مخاطبة عائشة:
- لم تخرج من أفواهنا أيّة كلمة سيئة في حقّك.
قالت هذا الكلام وهي تعتذر لما بدر من أختها حمنة بنت جحش من اتهامات لا
أخلاقية في حقّ عائشة. بينما أقبلت سودة بنت زمعة ببدنها السمين وضمّت
عائشة إلى صدرها الكبير معبّرة لها عن حبّها وحزنها في آن عبْر إصدار آهات
وزفير داخليّ، في حين عمدت جويرية إلى تقبيلها، هذا في الوقت الذي قدّمتْ
لها حلويات وفواكه داخل غرفتها المنظّمة بعناية ذات جمالية فائقة. أمام هذه
الأحاسيس الجيّاشة، لم يكن أمام عائشة إلا أن تعبّر لهنّ عن شكرها الخالص
لما بدر منهنّ.
وقد جعلتها هذه المحنة تنضج بشكل كبير. لقد أخرجتْ من الناس ما كانوا
يخفونه تجاهها إما سلبا أو إيجابا. كما عرفت أنه بات من الواجب عليْها
اتخاذ الحيطة والحذر. لمْ يخنْها الله، بينما ظلّت هناك أسئلة تقضّ مضْجعها
من قبيل: لماذا لمْ يبادر الرسول منذ البدء إلى الدفاع عنها؟ هل انتابته
شكوك تحت ضغط محيطه؟ أنبياء قبْله هووا من تلقاء أنفسهم، آخرهمْ عيسى الذي
وافته المنيّة معتقدا أنه بقي وحيدا بعد أنْ هرب عليه الجميع. إنّ الإنسان
هشّ وضعيف في حقيقة الأمْر، بمن فيهمْ ذلك الذي نعتقد أنه معصوم ومحميّ
بالسلطة الإلهية.
في خضمّ هذه المحْنة التي كادتْ تفقدها صوابها، صارتْ عائشة امرأة حقيقية فعْلا في روحها وعقْلها. لقدْ وعتْ...
في غياب الرسول، كانت عائشة تملأ وقتها بالصلاة، والسعي إلى إرضاء الله
الذي لم يتخلّ عنها. لكن ذات صباح، لم تكن تلوي على شيء، حتى هوتْ عليها
السماء من فوق، عندما رأتْ سودة، وهي محاطة بالجواري والخدم، تعطي الأوامر
بإعداد الغرفة الأخيرة المتوفّرة من أجل قدوم زوجة أخرى. سألتها عائشة:
- من أجل من كلّ هذه الإعدادات؟
- إنها من أجل أمّ حبيبة ابنة أبي سفيان، لقد تزوّجها الرسول، وسوف تأتي عمّا قريب.
ردّت عليها عائشة صارخة ومندهشة:
- أكاد أُجنّ، لست أفهم، اشرحي لي أكثر.
- صغيرتي المسكينة، ألمْ يقلْ لك شيئا؟
وروتْ لها كيف أنه عندما كان راجعا من الحديبية، وكله انتشاء باتفاق الصلح
الذي أبرمه مكّنه من سلطات بوّأته مكانة الرجل السياسي ورجل الدولة، بعث
محمد بعدد من رسله إلى عدد من الملوك. ولكل واحد منهم كان يقدّم نفسه بصفته
رسولا لله ومبعوثا إلى الناس كافّة، مبشرا بالجنة ونعيمها، ونذيرا بجهنّم
وعذابها. وكان المبعوثون قد ذهبوا إلى كل من سوريا واليمن والحبشة والبحرين
والرّوم. ردّتْ عليها عائشة بنوع من الإحساس بالتعالي:
- أنا على علم بذلك، بلْ إنني قرأت بعضا من هذه الرسائل.
- غير أنك لا تعرفين أنه بالنسبة لملك الحبشة كان قد أضاف طلبه بالرغبة في
الزواج من ابنة أبي سفيان1. كانت أمّ حبيبة زوجةً لعُبيد اللَّه بن جحش بن
رباب الأسدي «أسد خزيمة»، وكان قد تنصّر في الجاهلية، وتركَ عبادةَ
الأصنام، ثم أسلمَ وزوجُهُ أم حبيبة، وخرجَ مُهاجراً بها من مكة إلى الحبشة
في الهجرة الثانية، وفى الحبشة ارتَدّ عبيد اللَّه بن جحش عن الإسلام،
واعتنقَ النصرانية، ومات مُرْتداً متنصّراً2. إنها الوحيدة يا صغيرتي التي
تزَوَّجَها وهي نائية الدار في الحبشة، بعيدة عنه وعن الأهل، فقد بَعثَ
رسولُ الله عَمرو بن أمية الضّمْري إلى النجاشي، ملك الحبشة، يخطب عليه أم
حبيبة، فتولّى أمرَ تزويجها، وجهازها، وأصدقها عنه أربعمائة دينار، وجهّزها
بأشياء.
امتقع لوْن عائشة واصفرّ وقالتْ:
- هل تدركين يا سوْدة؟ سنصبح سبع زوجات، ولنْ تراه الواحدة منا إلا مرّة
واحدة في الأسبوع. وكل يوم بعد صلاة العصر، سوف يمرّ علينا كلنا للسلام
علينا.
- لا تقلقي يا عزيزتي الصغيرة، سوف أعطيك ليْلتي، وبالتالي تكونين الوحيدة
التي تنعم بليْلتيْن اثنتيْن. وأنت التي سيبقى عندك مدّة أطول. فلا تخشيْ
شيئا.
سألتها عائشة:
- هل تعرفين أمّ حبيبة هذه؟
- كنتُ قد التقيتها في مكة، وأعرف أنها هاجرت إلى الحبشة هربا من بطش والدها أبي سفيان.
هوامش:
1 جاء في طبقات ابن سعد أنه «لما بلغ أبا سفيان بن حرب خبر زواج النبي صلى
الله عليه وسلم من ابنته وقد كان مشركا قال : [ ذلك الفحل لا يُقرع أنفه ] .
2 يروي ابن سعد في الطبقات[8/97 ] قصة ارتداده بقوله : قالت السيدة أم
حبيبة - رضي الله عنها ? : [رأيت في النوم كأن عبيد اللَّه بن جحش زوجى
بأسْوَأ صورة وأشوَهِها، ففزعْتُ، فقلت : تغيرَتْ واللَّه حاله!، فإذا هو
يقول حيث أصبح : يا أم حبيبة، إني نظرتُ في الدينِ فلم أرَ ديناً خَيراً من
النصرانية، وكنتُ قد دِنتُ بها، ثم دَخَلتُ في دين محمد ، وقد رَجَعتُ.
فأخبرتُهُ بالرؤيا، فلم يَحْفِـل، أي : (لم يَهتم) بها، وأكَبّ على الخمر،
قالت : فَأريتُ قائلا يقول : يا أم المؤمنين، ففزِعْتُ فأولتها أن رسول
الله ? صلى الله عليه وسلم -يتزوجني]. (المترجم).
12-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صفيّة اليهودية مباشرة بعد أمّ حبيبة
بعد أنْ علمتْ عائشة بخبر زواج الرسول من أمّ حبيبة قالتْ لسودة:
- هل تعرفين أمّ حبيبة هذه؟
- كنتُ قد التقيتها في مكة، وأعرف أنها هاجرت إلى الحبشة هربا من بطش والدها أبي سفيان. وفي رأيي أن الرسول سيتزوّجها من أجل أن يُرضخ ويُطيع أبا سفيان. وهي طريقة لكيْ يؤكد ويحافظ على معاهدة الصلح وعدم اللجوء إلى العنف بين المدينة وقريش. غيْر أن عائشة قالتْ مع ذلك:
- إنّ الهوّة تُحفر وتزداد داخل الحريم النبويّ. وسوف تريْن يا سودة بأنّ حفصة وأنا وأنت سنظلّ بمثابة الأسيرات المتضامنات. أمامنا حلف الخيام الكبيرة، وسوف يناضلْن ويتنافسن من أجل الحصول على مكانة الزوجة المفضّلة. فإلى أيّ من الحلفيْن ستنتمي أمّ حبيبة؟
أجابتها سودة بنت زمعة قائلة:
- إنها امرأة من بني أمية، وذات ثقافة عالية، وبالتالي فإنها لنْ تتخندق في أيّ حلف، ولنْ تتصرف بمنطق الدسائس والحيل.
غير أن عائشة قالتْ بحزم:
- لن أثق بهذا الكلام.
ثم خرجتْ منصرفة إلى بيتها شاردة الذّهن وهي تتخيّل ألف مكيدة ومكيدة.
كانتْ قد مرّت سبعة أسابيع على انقضاء شهر محرّم، ويعود أحد الفرسان لإعلان انتصار المسلمين على يهود خيْبر. وكانتْ زوجات الرسول في الحريم عندما سمعْن الخبر السعيد الذي ينتشر عبر أزقّة المدينة. فبعد أن نقض اليهود العهد مع المسلمين في معركة الخندق، وعاقبهم محمّد في غزوة بني قريظة، وتم طردهم خارج المدينة اتجة أغلبهم إلى خيبر.
وأصبحت خيبر المكان الرئيسي لإقامة الأحلاف العسكرية مع أعدائه. فقد عقدوا حلفاً مع غطفان لتكوين جبهة موحدة ضد المسلمين.
وبعد أن فَرغ محمد من صلح الحديبية، أراد أن يوقف اليهود، فاستنفر المسلمينَ لغزو خيبر في محرم من السنة السابعة، وجهّز جيشاً كبيرا، بينهم مائتا فارس، بقيادته، وقطعوا ثلاثة أيام ووصلوها ليلا.
وقد أمر النبى بقطع النخيل المحيط بحصن النطاة، لأن كثرته تحول دون تحركات القوات العسكرية، فخرج اليهود للقائهم واستماتوا في الدفاع عن حصونهم.
وبعد أن استطاع المسلمين إسقاط أول حصن وكان يسمى حصن «ناعم»، بدأت الحصون تنهار واحداً تلو الآخر، حتّى لم يتبقّ منها سوى حصنيْ الوطيح والسَّلالم، فحاصرهما المسلمون أربعة عشر يوماً فلم يروا غير الاستسلام.
لم يكن بين رسول الله وبين يهود خيبرٍ عهد، بخلاف بني قنيقاع والنضير وقريضة، فقد كان بينه وبينهم عهد، ومعنى ذلك أنّ النبيّ توجَّه إليهم ليدعوهم إلى الإسلام، أو قبول الجزية، أو الحرب، فلمَّا لم يسلموا ولم يقبلوا الجزية حاربهم وانتصر عليْهم. وكان من نصيب الرسول في الغنائم صفيّة بنت حيّي1. قالت سودة لعائشة التي لمْ تكد تصدق الخبر:
- يُقال إن صفية وقعتْ في سهمه فلمْ يتردد في الزواج منه2، كما وقعتْ في سهمه أخت لها فوهبها لدحيّة بن خليفة الكلبي. وكان محمد حين صارت صفية وأختها إليه أرسل معهما بلالا. فمرّ بهما على قتلى من قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكّت وجهها وحثت التراب على رأسها، فلما رآها النبي قال: أغربوا عني هذه الشيطانة! ثم قال لبلال أنزعت من الرحمة يا بلال حيث تمر بإمرأتين على قتلى رجالهما!
- ولما وصل الرسُول إلى المدينة، أنزل صفية بيتا من بيوت الأنصار، فجاءتْ بعض نساء الأنصار ينظرن إليها، وانتقبت عائشة غلالة عنها، وجاءت فنظرت، فعرفها الرسول زوجها، فلما خرجت، تبعها فقال لها متسائلا:
- كيف رأيتها يا عائشة ؟
- فأجابته قائلة:
- رأيتها يهودية بنت يهوديين ، فقال :
- لا تقولي هَذَا يا عائشة ، فإنها قد حسن إسلامها ، وقالت زينب لجويرية:
- ما أرى هَذِه الجارية إلا ستغلبنا عَلَى رَسُول، فقالت جويرية :
- كلا ، إنها من نساء قلما يحظين عَند الأزواج. وحدث أنْ جرى بينها وبين عائشة ذات يوم كلام متوتر وصراخ، فعيرتها باليهودية، وفخرت عليها ، فشكت ذلك إلى الرَسُول، فقال :
- «ألا قلت: أبي هارون ، وعمي موسى ، وزوجي مُحَمَّد ، فهل فيكن مثلي ؟ ».
هوامش:
1 - نقرأ في حديث مرفوع للبخاري ما يلي: «حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد ، عَن عيسى بن عبد الرحمن الْأَنْصَارِيّ ، عَن عبد الله بن أبي بكر ، قَالَ : « كَانَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفي من المغنم ، حضر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو غاب ، قبل الخمس : عبد ، أو أمة ، أو سيف، أو درع ، فأخذ يوم بدر : ذا الفقار ، ويوم بني قينقاع : درعا ، وَفِي غزاة ذات الرقاع : جارية ، وَفِي المريسيع : عبدا أسود ، يقال لَهُ : رباح ، ويوم بني قريظة : ريحانة بنت شمعون بن زيد ، ويوم خيبر : صفية بنت حيي بن أخطب ». (المترجم)
2 - يذكر رواة السيرة النبوية أن صفية كانت جميلة وأنها كانت قريبة من عائشة وإلى فاطمة الزهراء بنت الرسول، وحين كانت إحدى زوجات الرسول تفاخر بأصلها وبالقرابة من الرسول، كان يقول لها :»قولى كيف تكونين أكرم منى وزوجى محمد، وأبى هارون، وعمي موسى»!. وظلت صفية على صلة باليهود دون حرج حرصا منها على صلة الرحم، وعاشت بعد الرسول معززة مكرمة كسائر أمهات المؤمنين.. وعندما حوصر الخليفة عثمان بن عفان حاولت إبعاد الثائرين عليه الذين منعوا عنه الطعام والشراب تمهيدا لقتله، كانت تنقل إلى دار عثمان الماء والطعام عن طريق جسر بين دارها وداره. (المترجم).
13-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
حرْب النساء داخل الحريم النبويّ
بعد وصول الزوجة الجديدة إلى الحريم النبوي، الذي تضخّم أكثر، صفية أوّلا ثم أم حبيبة، بدأت الدسائس والحيل حتى من طرف الجديدات.وانقسمت نِسَاءَ الرَسُولِ إلى حِزْبَيْنِ، حِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ وَالْحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَائه.
فعن أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ «أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟!»، فَقُلْتُ: نَعَمْ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ : «إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لِي». قُلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ: بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ. قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ. فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ ، وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ» .
وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ الرَسُولِ لعَائِشَةَ. فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى الرَسُولِ أَخَّرَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ إِلَى الرَسُولِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ.
وقد قالت يوما أُمِّ سَلَمَةَ لعئشة: كَلِّمِي رَسُولَ اللهِ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا فَقُلْنَ لَهَا: فَكَلِّمِيهِ قَالَتْ :فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضًا فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ فَدَارَ إِلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ لَهَا: لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلاَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَقَالَتْ: أَتُوبُ إِلَى اللهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ. (انظر فتح الباري للعسقلاني)
كان من تدبير عائشة1 وحفصة ما دبّراه لأسماء بنت النعمان الكندية، لم جاء أبوها النعمان، وهومن سلالة ملوك كنده يعرض زواجها على الرسول قائلا: ألا أزوجك أجمل أيم في العرب؟!
وقبل الرسول الزواج من ابنة النعمان ،فزوجها له أبوها وبعث محمد مع النعمان من يأتي بأسماء من نجد ، فلما جيء بها إلى المدينة أنزلت في بني ساعدة حتى تهيأ لزفافها على الرسول.
جاءت أسماء ورآها بعض نساء المدينة ،فرحن يذعن مارأين من حسنها وجمالها. وقالت عائشة لحفصة: قد وضع يده في الغرائب يوشكن أن يصرفن وجهه عنا.
ولم تستطع عائشة إلا أن تصطحب حفصة وبعض نساء النبي فيذهبن ليرين هذه الوافده الغريبة الجميلة ، التي أوشكت أن تصرف وجه زوجهن عنهن. ولما رأت عائشة ومعها نساء النبي (أسماء الكندية) رأين ما ملأ قلوبهن وجدا وحسدا .
فأقبلن عليها يزينّها ويجمّلنها ويقدمن لها نصيحتهن قائلات لها:إذا أردت أن تكوني ذات حظوة عند النبي ، فإذا دخل عليك فقولي :إني أعوذ بالله منك ، فإن ذلك يسرّه ويعجبه.
وعملت أسماء بنصيحة نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما دخل إليها محمد وأقبل عليها،ابتدرته قائلة (أعوذ بالله منك!!) فوقف الرسول حيث هوو، ثم استدار عنها وهو يقول (عذت بمعاذ....عذت بمعاذ...) ثم خرج إلى رسوله الذي أتى فقال له (متعها وردها إلى أهلها).
وعادت أسماء إلى أهلها تقص عليهم نصيحة النساء، نساء النبي التي خدعوها بها...
وأرسل النعمان إلى محمد صلى الله عليه وسلم من يعرّفه بما كان من خديعة ابنته ،وبما قال نساؤه لها، فقال محمد صلى الله عليه وسلم (إنهن صواحب يوسف، وكيدهن عظيم).
وهكذا تخلصت عائشة بمصاحبة حفصة من منافسة كانت تعتقد أنها ستكون عليها وعلى سائر نساء النبي ذات خطر كبير.
وهكذا كان النبي يضرب صفحا عن غيرة عائشة الضارية ، ويقول فيما كانت تأتي بسببها من أفعال مثيرة للدهشة،كان يعلق على ذلك قائلا(ويحها!!لو استطاعت مافعلت).
هوامش:
1 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ رَأَى الأَخْبِيَةَ فَقَالَ مَا هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم آلْبِرُّ تُرَوْنَ بِهِنَّ فَتَرَكَ الاِعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ.
قال ابن حجر في فتح الباري : قوله «فترك الاعتكاف» وكأنه خشي أن يكون الحامل لهن على ذلك المباهاة والتنافس الناشىء عن الغيرة حرصًا على القرب منه خاصة فيخرج الاعتكاف عن موضوعه. (المترجم).
14-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الرسول ينبّه نساءهُ ويهجرهنّ
لقد
ظلت صفية، داخل الحريم النبوي، هي مصدر الشقاق، وذلك منذ أن بُدئ في إعداد
غرفتها. وظلت عائشة تشكّل حلفا معارضا إلى جانب كل من حفصة وسودة بنت زمعة
في مواجهة الزوجات الأخريات وحتى فاطمة بنت محمد. من جهة، زوجته المفضّلة،
ومن جهة أخرى ابنته، خصوصا أن أمّ حبيبة نجحت في نسج علاقات صداقة جيّدة
معهنّ. كان السلاح الذي تستعمله كلّ من عائشة وحفصة هو تذكيرهما بأنهما
ابنتيْ كل من أبي بكر وعمر بن الخطاب. لقد كانت «عائشة» بين أزواج النبى
أشدهن غيرة عليه، ونضالا فى سبيل الاستئثار بحبه. وكان عذرها أنها أول من
تفتح لها قلبه بعد «خديجة»، وأنها وحدها التى تزوجها بكراً، وأنها «عائشة
بنت أبى بكر».
وجاءت وافدات أخريات شغلن «عائشة» حيناً عن أم سلمة وزينب، وإن عرفت أن
هاتين أحب أزواج الرسول إليه، بعدها . وإحدى هؤلاء الوافدات الجدد من كندة،
وأخرى من مصر. أما الأولى فكانت «أسماء بنت النعمان» التى أحست «عائشة»
خطر جمالها منذ وقعت عليها عيناها، وقدرت أنها إذا لم تحل يينها وبين زوجها
المصطفى، فسوف تكلفها من أمرها عسراً. ومن ثم قررت أن تفرغ منها قبل أن
يتم الزواج! وبدأت تعمل على الفور مستعينة بصواحبها!
دعت إليها حفصة، وأخرى ممن يحرصن على إرضائها، فقالت لهما:
- «قد وضع يده فى الغرائب يوشكن أن يصرفن وجهه عنا».
واتفقن على خطة موحدة: أقبلن على العروس مهنئات، يجلونها للزفاف ويوصينها
بما تفعل وما تقول استجلاباً لرضى الزوج العظيم ومحبته، فكان مما نصحن به
أن تستعيذ بالله إذا ما دخل عليها! وفعلت المسكينة !
لم تكد ترى الرسول مقبلا عليها، حتى استعاذت بالله، وفى حسابها أنها تستجلب محبته ورضاه!
فصرف الرسول وجهه عنها وقال:
- لقد عُذتِ بمعاذ»...
وغادرها من لحظته، وأمر أن تلحق بأهلها1.
فبعثت إليه، أو بعث أبوها، من يشفع لها عند محمد لردها ويحدثه عما كان من نسائه معها، فلم يملك محمد إلا أن يبتسم ويقول:
- «إنهن صواحبات يوسف، وإن كيدهن عظيم!».
وبقى عند كلمته، فلم يمسك تلك التى عاذت بمعاذ.
وتخلصت عائشة من منافسة خطيرة!
وأمام هذا العبث النسوى المسرف، لمْ يجد الرسول بدّا من الانفعال، ولا كان
يستطيع أن يرخى لعائشة وحفصة والباقيات أكثر مما فعل، فاعتزلهن جميعاً فى
صرامة لم يألفنها، وأعلن فى حزم أنه منقطع عنهن، منصرف عن مؤامراتهنّ
الصغيرة إلى شواغله الكبار..
وسرت شائعة بين المسلمين أن النبى مطلق نساءه، وانكمشت المتظاهرات فى البيت
النبوى حزينات نادمات، فقد جاوز الأمر ما قدرن، وأوشكن على الوقوع فى
الهوة التى حفرنها لبعضهنّ البعض، وما لهن من عاصم يقيهن سوء المصير.
على أن عائشة، قائدة الثورة وزعيمة المتظاهرات، لم تفزع لغضب زوجها، بقدر
ما فزعت لما مسه من غضب وسوء بسببها. وكان قلبها يتمزق، كلما تمثلت الحبيب
يعود من ميدان القتال مثقل الكاهل بأشق المسؤوليات، فيأوى إلى خزانة له ذات
مشربة2، يرقى إليها على جذع خشن من جذوع النخل، ويجلس غلامه «رباح» على
عتبتها ما أقام محمد بها، وما من يد رقيقة تمسح عن جبينه قطرات العرق،
وتنفض عنه غبار المعركة، ولا من صوت رقيق يهدهد مضجعه حتى ينام !
ومضى شهر بأكمله والرسول فى شغل عنهن، وعائشة فى شغل به، ونساؤه مروعات
بالهجر، والمسلمون يرقبون نبيهم فى عزلته، دون أن يجرؤوا على مفاتحته فى
موضوع أزواجه.
ولكن الرسول لم يطلق نساءه. وحتى الله، لم يتخل عنهن، بل اكتفى بإنذارهن إن
لم يتُبن فعسى ربه إن طلقهن، أن يبدله أزواجا خيراً منهن! «يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ
أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ
تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا
فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ
وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ
هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، إِن تَتُوبَا إِلَى
اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ
اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ، عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ
أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ
قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا.
(سورة التحريم، الآيات 1-5).
وطارت البشرى إلى نسائه أن الرسول عائد إلى بيته، فوقفن بأبوابهن فى لهفة
يلتمسن نظرة إلى وجهه إذ يعود من معتزله، على حين بقيت عائشة داخل غرفتها
تستعد للقاء الحبيب العائد، إذ كانت تعرف عن يقين أن إليها أول المطاف!.
وأمسكت قلبها أن يذوب حين سمعت خطواته تقترب من بابها، ولاذت بكل ما استطاعت من تماسك لتتلقاه قائلة فى عتاب رقيق:
- «بأبى أنت وأمى يا نبى الله! قلتُ كلمة لم ألق لها بالا، فغضبتَ عليّ».
واستطردت تقول فى دعابة حلوة:
- «أقسمتَ أن تهجرنا شهراً، ولما يمض منه غير تسع وعشرين!».
فأشرق وجهه بابتسامة عذبة، وقد سره أن يعرف أنها كانت تحصى ليالى الفراق عدًَا..
وأجابها بأن شهرهما ذاك، تسع وعشرون ليلة!.
هوامش:
1 في الحقيقة اختلفت الروايات فى اسم التى استعاذت بالله عندما دخل عليها
الرسول، فقيل هى أسماء بنت النعمان، وقيل هى ابنة عم لها من كندة، (السيرة
4/297) وفى الطبرى أنها ملكة بنت داود الليثية: 3/123- أو فاطمة بنت الضحاك
الكلابية: 3/139. (المترجم).
2 انظر وصف المشربة التى اعتزل فيها نساءه، بكتاب (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى) للسمهودى: 2/ 463
15-09-2012
ظلت صفية، داخل الحريم النبوي، هي مصدر الشقاق، وذلك منذ أن بُدئ في إعداد
غرفتها. وظلت عائشة تشكّل حلفا معارضا إلى جانب كل من حفصة وسودة بنت زمعة
في مواجهة الزوجات الأخريات وحتى فاطمة بنت محمد. من جهة، زوجته المفضّلة،
ومن جهة أخرى ابنته، خصوصا أن أمّ حبيبة نجحت في نسج علاقات صداقة جيّدة
معهنّ. كان السلاح الذي تستعمله كلّ من عائشة وحفصة هو تذكيرهما بأنهما
ابنتيْ كل من أبي بكر وعمر بن الخطاب. لقد كانت «عائشة» بين أزواج النبى
أشدهن غيرة عليه، ونضالا فى سبيل الاستئثار بحبه. وكان عذرها أنها أول من
تفتح لها قلبه بعد «خديجة»، وأنها وحدها التى تزوجها بكراً، وأنها «عائشة
بنت أبى بكر».
وجاءت وافدات أخريات شغلن «عائشة» حيناً عن أم سلمة وزينب، وإن عرفت أن
هاتين أحب أزواج الرسول إليه، بعدها . وإحدى هؤلاء الوافدات الجدد من كندة،
وأخرى من مصر. أما الأولى فكانت «أسماء بنت النعمان» التى أحست «عائشة»
خطر جمالها منذ وقعت عليها عيناها، وقدرت أنها إذا لم تحل يينها وبين زوجها
المصطفى، فسوف تكلفها من أمرها عسراً. ومن ثم قررت أن تفرغ منها قبل أن
يتم الزواج! وبدأت تعمل على الفور مستعينة بصواحبها!
دعت إليها حفصة، وأخرى ممن يحرصن على إرضائها، فقالت لهما:
- «قد وضع يده فى الغرائب يوشكن أن يصرفن وجهه عنا».
واتفقن على خطة موحدة: أقبلن على العروس مهنئات، يجلونها للزفاف ويوصينها
بما تفعل وما تقول استجلاباً لرضى الزوج العظيم ومحبته، فكان مما نصحن به
أن تستعيذ بالله إذا ما دخل عليها! وفعلت المسكينة !
لم تكد ترى الرسول مقبلا عليها، حتى استعاذت بالله، وفى حسابها أنها تستجلب محبته ورضاه!
فصرف الرسول وجهه عنها وقال:
- لقد عُذتِ بمعاذ»...
وغادرها من لحظته، وأمر أن تلحق بأهلها1.
فبعثت إليه، أو بعث أبوها، من يشفع لها عند محمد لردها ويحدثه عما كان من نسائه معها، فلم يملك محمد إلا أن يبتسم ويقول:
- «إنهن صواحبات يوسف، وإن كيدهن عظيم!».
وبقى عند كلمته، فلم يمسك تلك التى عاذت بمعاذ.
وتخلصت عائشة من منافسة خطيرة!
وأمام هذا العبث النسوى المسرف، لمْ يجد الرسول بدّا من الانفعال، ولا كان
يستطيع أن يرخى لعائشة وحفصة والباقيات أكثر مما فعل، فاعتزلهن جميعاً فى
صرامة لم يألفنها، وأعلن فى حزم أنه منقطع عنهن، منصرف عن مؤامراتهنّ
الصغيرة إلى شواغله الكبار..
وسرت شائعة بين المسلمين أن النبى مطلق نساءه، وانكمشت المتظاهرات فى البيت
النبوى حزينات نادمات، فقد جاوز الأمر ما قدرن، وأوشكن على الوقوع فى
الهوة التى حفرنها لبعضهنّ البعض، وما لهن من عاصم يقيهن سوء المصير.
على أن عائشة، قائدة الثورة وزعيمة المتظاهرات، لم تفزع لغضب زوجها، بقدر
ما فزعت لما مسه من غضب وسوء بسببها. وكان قلبها يتمزق، كلما تمثلت الحبيب
يعود من ميدان القتال مثقل الكاهل بأشق المسؤوليات، فيأوى إلى خزانة له ذات
مشربة2، يرقى إليها على جذع خشن من جذوع النخل، ويجلس غلامه «رباح» على
عتبتها ما أقام محمد بها، وما من يد رقيقة تمسح عن جبينه قطرات العرق،
وتنفض عنه غبار المعركة، ولا من صوت رقيق يهدهد مضجعه حتى ينام !
ومضى شهر بأكمله والرسول فى شغل عنهن، وعائشة فى شغل به، ونساؤه مروعات
بالهجر، والمسلمون يرقبون نبيهم فى عزلته، دون أن يجرؤوا على مفاتحته فى
موضوع أزواجه.
ولكن الرسول لم يطلق نساءه. وحتى الله، لم يتخل عنهن، بل اكتفى بإنذارهن إن
لم يتُبن فعسى ربه إن طلقهن، أن يبدله أزواجا خيراً منهن! «يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ
أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ
تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا
فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ
وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ
هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، إِن تَتُوبَا إِلَى
اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ
اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ، عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ
أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ
قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا.
(سورة التحريم، الآيات 1-5).
وطارت البشرى إلى نسائه أن الرسول عائد إلى بيته، فوقفن بأبوابهن فى لهفة
يلتمسن نظرة إلى وجهه إذ يعود من معتزله، على حين بقيت عائشة داخل غرفتها
تستعد للقاء الحبيب العائد، إذ كانت تعرف عن يقين أن إليها أول المطاف!.
وأمسكت قلبها أن يذوب حين سمعت خطواته تقترب من بابها، ولاذت بكل ما استطاعت من تماسك لتتلقاه قائلة فى عتاب رقيق:
- «بأبى أنت وأمى يا نبى الله! قلتُ كلمة لم ألق لها بالا، فغضبتَ عليّ».
واستطردت تقول فى دعابة حلوة:
- «أقسمتَ أن تهجرنا شهراً، ولما يمض منه غير تسع وعشرين!».
فأشرق وجهه بابتسامة عذبة، وقد سره أن يعرف أنها كانت تحصى ليالى الفراق عدًَا..
وأجابها بأن شهرهما ذاك، تسع وعشرون ليلة!.
هوامش:
1 في الحقيقة اختلفت الروايات فى اسم التى استعاذت بالله عندما دخل عليها
الرسول، فقيل هى أسماء بنت النعمان، وقيل هى ابنة عم لها من كندة، (السيرة
4/297) وفى الطبرى أنها ملكة بنت داود الليثية: 3/123- أو فاطمة بنت الضحاك
الكلابية: 3/139. (المترجم).
2 انظر وصف المشربة التى اعتزل فيها نساءه، بكتاب (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى) للسمهودى: 2/ 463
15-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
المقوْقس يهدي الرسول مارية القبْطية
في هذا الخضمّ المتوتّر داخل
البيت النبوي، سوف تبلغ الأزمة أوْجها حين دخلتْ المدينة، ذات ظهيرة من
شتاء السنة السابعة للهجرة، قافلة قادمة من مصر، موجَّهة من طرف المقوقس
القبطي صاحب الإسكندرية1. وصلت القافلة ومعها رسالة إلى محمّد يجيبه فيها
قائلا
- :»لولا المَلك، يعني ملك الروم، لأسْلمتُ».
وأهدى إلى الرسول أشياء كثيرة: مارية وأختها سيرين، وغلاماً خصياً أسود
اسمه مأبور، وبغلة شهباء، وأهدي إليه حماراً أشهب يقال له يعفور، وفرساً
وهو اللزاز، وأهدى إليه عسلاً من عسل نبها (وهي قرية من قرى مصر).
وقبِل الرسول الهدايا، وسرعان ما أثاره الجمال الخارق لمارية، فاختاره له
ووهب أختها الى شاعره حسان بن ثابت. ثمّ وضعها في بيت حارثة الذي غادرته
صفيّة، متّخذا إياها جارية له في انتظار أنْ تعتنق الإسلام. وطار النبأ الى
بيوتات الرسول أنه قد اختار مارية المصرية لنفسه، وكانت شابة حلوة جذابة،
وقد مكثت في هذا البيت عاما واحدا، طلبت بعدها من الرسول أنْ ينقلها إلى
مكان آخر، فما كان منه إلاّ أن استجاب لها ونقلها إلى مكان صغير به نخيل
كان من ممتلكاته الخاصة التي كانت حصته من غنائم غزوة بني نضير وتعرف اليوم
بمشربة أمّ إبراهيم.
بين عشيّة وضُحاها، إذنْ، لم تعد صفيّة اليهودية هي المرغوب فيها، بقدْر ما
باتتْ المسيحية مارية هي المطلوبة، والتي كثّف من زياراته لها في الليل
كما في النهار. الأمر الذي زاد من حدّة التوتّر داخل الحريم النبوي،
وبالخصوص من طرف عائشة. وبينما كانتْ حفصة ذات يوم تقوم بزيارة لإحدى
صديقاتها، عادتْ إلى البيت على حين غرّة، خلافا للوقت المعروف، فإذا بها
تدخل وتجد مارية القبطية معه على سريرها. فقالت مستغربة ومتوتّرة:
- يا رسول الله، أفي بيتي وعلى فراشي؟ يا نبي الله لقد جئت إليّ شيئاً ما جئت إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري.
غير أن الرسول أجابها قائلا:
- كنّا نتجوّل بالقرب من هنا، فدخلنا إلى البيت للاستراحة والاستمتاع، فأيْن يوجد المشكل؟ ألستُ في بيتي؟
غبر أن الغضب زادتْ حدّته عند حفصة، فحلف لها بالله ألا يصيبها في بيتها
وفي يومها وعلى فراشهت. فقال النبي هي على حرام فأمسكي عني.2. ألا ترضين أن
أحرمها فلا أقربها.
فقالت:
- بلى?.
فحرمها محمد، وقال لها »لا تذكري ذلك لأحد«، غير أن حفصة ذكرتْ هذه
الحادثة لعائشة صديقتها، فأظهره الله عليه، لكن السماء أجابتْ بالقوْل:
«يَأَيّهَا النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ مَآ أَحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي
مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللّهُ
لَكُمْ تَحِلّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ * وَإِذَ أَسَرّ النّبِيّ إِلَىَ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً
فَلَمّا نَبّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرّفَ بَعْضَهُ
وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمّا نَبّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ
هَـَذَا قَالَ نَبّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِن تَتُوبَآ إِلَى
اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ
اللّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَىَ رَبّهُ إِن طَلّقَكُنّ
أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مّنكُنّ مُسْلِمَاتٍ مّؤْمِنَاتٍ
قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيّبَاتٍ وَأَبْكَاراً»
(سورة التحريم).
1 - يورد الطبري في «تاريخه» أن الرسول استثمر الرسول هدنة صلح الحديبية،
فأخذ يبعث رسائل إلى ملوك الأرض وأمرائها يدعوهم للإسلام، فكلفّ بذلك
كُتّاباَ من الصحابة يملي عليهم ما يكتبون، واتخذ خاتماً نقش عليه عبارة ((
محمد رسول الله )) ليختم به في أسفل الرسائل. أرسل عليه الصلاة والسلام
رسائل إلى قيصر الروم ، وإلى حاكم دمشق الحارث بن أبي شمر الغساني، وإلى
المقوقس حاكم مصر، وإلى ملك بصرى وإلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى كسرى ملك
الفرس ، وإلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، وإلى جيفر وعبد ابني الجُلندى
ملكي عمان، وإلى هَوذة بن علي ملك اليمامة.
واختلفت ردود الأفعال التي واجه بها هؤلاء الملوك والأمراء سفراء النبي صلى
الله عليه وسلم الذين حملوا الرسائل؛ فدخل الإسلام وآمن بالرسول كل من
النجاشي، وملكي عُمان، والمنذر بن ساوى، ومع هذا الأخير آمن جميع العرب
الذين كانوا تحت إمرته. وتلطف بعض هؤلاء، فردّ قيصر الروم بأدب، واستقبل
المقوقس رسول النبي صلى الله عليه وسلم بحفاوة، وقرأ كتابه باهتمام، وحمّله
إلى النبي رسالة وهدايا، وأرسل معه بغلة وثياباً وجاريتين إحداهما مارية
القبطية التي تسرى بها النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له ابنه إبراهيم
الذي مات صغيراً.
2 - جاء في تفسير القرآن للطبري أنه «حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ،
قال : قال ابن زيد في قوله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) قال
: إنه وجدت امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى
الله عليه وسلم مع جاريته في بيتها ، فقالت : يا رسول الله أنى كان هذا
الأمر ، وكنت أهونهن عليك؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسكتي
، لا تذكري هذا لأحد ، هي علي حرام إن قربتها بعد هذا أبدا» فقالت : يا
رسول الله ، وكيف تحرم عليك ما أحل الله لك حين تقول : هي علي حرام أبدا؟
فقال : والله لا آتيها أبدا ، فقال الله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل
الله لك ) . . . الآية ، قد غفرت هذا لك ، وقولك : والله ( قد فرض الله لكم
تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم )». [ ص: 477 ]
17-09-2012
البيت النبوي، سوف تبلغ الأزمة أوْجها حين دخلتْ المدينة، ذات ظهيرة من
شتاء السنة السابعة للهجرة، قافلة قادمة من مصر، موجَّهة من طرف المقوقس
القبطي صاحب الإسكندرية1. وصلت القافلة ومعها رسالة إلى محمّد يجيبه فيها
قائلا
- :»لولا المَلك، يعني ملك الروم، لأسْلمتُ».
وأهدى إلى الرسول أشياء كثيرة: مارية وأختها سيرين، وغلاماً خصياً أسود
اسمه مأبور، وبغلة شهباء، وأهدي إليه حماراً أشهب يقال له يعفور، وفرساً
وهو اللزاز، وأهدى إليه عسلاً من عسل نبها (وهي قرية من قرى مصر).
وقبِل الرسول الهدايا، وسرعان ما أثاره الجمال الخارق لمارية، فاختاره له
ووهب أختها الى شاعره حسان بن ثابت. ثمّ وضعها في بيت حارثة الذي غادرته
صفيّة، متّخذا إياها جارية له في انتظار أنْ تعتنق الإسلام. وطار النبأ الى
بيوتات الرسول أنه قد اختار مارية المصرية لنفسه، وكانت شابة حلوة جذابة،
وقد مكثت في هذا البيت عاما واحدا، طلبت بعدها من الرسول أنْ ينقلها إلى
مكان آخر، فما كان منه إلاّ أن استجاب لها ونقلها إلى مكان صغير به نخيل
كان من ممتلكاته الخاصة التي كانت حصته من غنائم غزوة بني نضير وتعرف اليوم
بمشربة أمّ إبراهيم.
بين عشيّة وضُحاها، إذنْ، لم تعد صفيّة اليهودية هي المرغوب فيها، بقدْر ما
باتتْ المسيحية مارية هي المطلوبة، والتي كثّف من زياراته لها في الليل
كما في النهار. الأمر الذي زاد من حدّة التوتّر داخل الحريم النبوي،
وبالخصوص من طرف عائشة. وبينما كانتْ حفصة ذات يوم تقوم بزيارة لإحدى
صديقاتها، عادتْ إلى البيت على حين غرّة، خلافا للوقت المعروف، فإذا بها
تدخل وتجد مارية القبطية معه على سريرها. فقالت مستغربة ومتوتّرة:
- يا رسول الله، أفي بيتي وعلى فراشي؟ يا نبي الله لقد جئت إليّ شيئاً ما جئت إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري.
غير أن الرسول أجابها قائلا:
- كنّا نتجوّل بالقرب من هنا، فدخلنا إلى البيت للاستراحة والاستمتاع، فأيْن يوجد المشكل؟ ألستُ في بيتي؟
غبر أن الغضب زادتْ حدّته عند حفصة، فحلف لها بالله ألا يصيبها في بيتها
وفي يومها وعلى فراشهت. فقال النبي هي على حرام فأمسكي عني.2. ألا ترضين أن
أحرمها فلا أقربها.
فقالت:
- بلى?.
فحرمها محمد، وقال لها »لا تذكري ذلك لأحد«، غير أن حفصة ذكرتْ هذه
الحادثة لعائشة صديقتها، فأظهره الله عليه، لكن السماء أجابتْ بالقوْل:
«يَأَيّهَا النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ مَآ أَحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي
مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللّهُ
لَكُمْ تَحِلّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ * وَإِذَ أَسَرّ النّبِيّ إِلَىَ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً
فَلَمّا نَبّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرّفَ بَعْضَهُ
وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمّا نَبّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ
هَـَذَا قَالَ نَبّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِن تَتُوبَآ إِلَى
اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ
اللّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَىَ رَبّهُ إِن طَلّقَكُنّ
أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مّنكُنّ مُسْلِمَاتٍ مّؤْمِنَاتٍ
قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيّبَاتٍ وَأَبْكَاراً»
(سورة التحريم).
1 - يورد الطبري في «تاريخه» أن الرسول استثمر الرسول هدنة صلح الحديبية،
فأخذ يبعث رسائل إلى ملوك الأرض وأمرائها يدعوهم للإسلام، فكلفّ بذلك
كُتّاباَ من الصحابة يملي عليهم ما يكتبون، واتخذ خاتماً نقش عليه عبارة ((
محمد رسول الله )) ليختم به في أسفل الرسائل. أرسل عليه الصلاة والسلام
رسائل إلى قيصر الروم ، وإلى حاكم دمشق الحارث بن أبي شمر الغساني، وإلى
المقوقس حاكم مصر، وإلى ملك بصرى وإلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى كسرى ملك
الفرس ، وإلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، وإلى جيفر وعبد ابني الجُلندى
ملكي عمان، وإلى هَوذة بن علي ملك اليمامة.
واختلفت ردود الأفعال التي واجه بها هؤلاء الملوك والأمراء سفراء النبي صلى
الله عليه وسلم الذين حملوا الرسائل؛ فدخل الإسلام وآمن بالرسول كل من
النجاشي، وملكي عُمان، والمنذر بن ساوى، ومع هذا الأخير آمن جميع العرب
الذين كانوا تحت إمرته. وتلطف بعض هؤلاء، فردّ قيصر الروم بأدب، واستقبل
المقوقس رسول النبي صلى الله عليه وسلم بحفاوة، وقرأ كتابه باهتمام، وحمّله
إلى النبي رسالة وهدايا، وأرسل معه بغلة وثياباً وجاريتين إحداهما مارية
القبطية التي تسرى بها النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له ابنه إبراهيم
الذي مات صغيراً.
2 - جاء في تفسير القرآن للطبري أنه «حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ،
قال : قال ابن زيد في قوله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) قال
: إنه وجدت امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى
الله عليه وسلم مع جاريته في بيتها ، فقالت : يا رسول الله أنى كان هذا
الأمر ، وكنت أهونهن عليك؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسكتي
، لا تذكري هذا لأحد ، هي علي حرام إن قربتها بعد هذا أبدا» فقالت : يا
رسول الله ، وكيف تحرم عليك ما أحل الله لك حين تقول : هي علي حرام أبدا؟
فقال : والله لا آتيها أبدا ، فقال الله : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل
الله لك ) . . . الآية ، قد غفرت هذا لك ، وقولك : والله ( قد فرض الله لكم
تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم )». [ ص: 477 ]
17-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صراع زوجات الرسول حوْل الهدايا
حين قال محمد لزوجته عائشة:
- غزالتي، أعرف متى تغضبين ومتى تفرحين.
- بأبي أنت وأمي كيف تعرف ذلك؟
- إِذَا غَضِبْتِ قُلْتِ : لا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ، وَإِذَا رَضِيتِ قُلْتِ : لا ، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ. فَقَالَتْ:
- إِنَّمَا أَهْجُرُ اسْمَكَ .
ضحكت وضحك وانخرطا معا في عناق عاطفيّ. لقد عاد الزوجان إلى الالتحام من
جديد، وبالتالي نجحت عائشة فيما كانت ترغب فيه. ذلك أن محمدا لمْ يعد يتردد
أو يخفي الجهْر بكوْن عائشة هي المفضلة من بين زوجاته، حين يسأله بعض
صحابته قائلين:
- يا رسول الله، من تحبّ أكثر في هذه الدنيا؟ [عن أنس أن النبي سئل من أحب
الناس إليك؟ قال: عائشة. فقيل: لا نعني أهلك. قال: أبو بكر. وعلم المسلمون
بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة].
لقد جرت العادة أن يذكر اسم ابنته فاطمة، وعليّا زوجها، وابنيْهما الحسن
والحسين، غير أن اسم عائشة هو الذي بات يتردد على لسانه في معظم الأحيان.
وذلك حتى لا ينسى أحد بأنها هي المفضلة دون غيرها، ومهما حصل من أزمات
عابرة. هي التي لا يمكنه تجاوزها ولا الاستغناء عنها. وهي التي يتردد على
بيتها كثيرا بالقياس إلى الأخريات.
وقد جرّت هذه الحظوة على عائشة، خلال الأيام الموالية، سلسلة من ردّات
الفعل السلبية الناتجة عن الغيرة والحسد من طرف باقي زوجات الرسول اللواتي
لم يستغْن هذا التفضيل. زاد التمرد النسائي داخل الحريم النبوي، تمرد صامت
لكنه قويّ.
خلال الشهور الموالية، لم يغادر الرسول مدينة يثرب، تاركا رجاله يقومون
وحدهم بشنّ غارات وغزوات على القبائل المتمردة التي كانت ترفض الدخول في
الدين الجديد. واستطاع بذلك ضمّ العديد منها في تخوم الصحراء، فارضا بذلك
شريعة الله ورسوله. وفي هذه الفترة، كان عدد اللاجئين يتزايد كل يوم،
يتهافتون على ملاقاة الرسول من أجل التعبير له عن ولائهم وبيعتهم واعتناقهم
الإسلام الذي انتشرت سلطته إلى تخوم الصحراء وخارجها. لقد أطبق الرسول
سلطته على مجموع تراب المنطقة الوسطى من شبه الجزيرة العربية. كما تزايدت
أعداد المسلمين الذين يرغبون في الاستماع إلى خطبه وحضور صلواته بالمسجد
الرسمي داخل المدينة. هذا المسجد الذي زيّنه بمنبر خشبيّ من أجل رؤية وجوه
المصلين بصورة أفضل.
وقد نجح محمد، بفضل هذه الغزوات والبعثات، في أن يحوّل واحة يثرب إلى منطقة
مزدهرة. وبات أصحابه من المهاجرين والأنصار يعيشون في بحبوحة من العيْش
غير مسبوقة، الأمر الذي جعلهم ينسون فاقة الفقر التي كانوا يعيشون فيها في
بداية الهجرة. وإذا البعض منهم قد فضّل العيش حياة الزهد والتفرّغ للعبادة
والتهجّد، فإن آخرين آثروا الاستمتاع بما جرّت عليهم مغانم الغزوات. وقد
وجد البعض منهم أنّ أحسن وسيلة للتعبير عن اعترافهم وامتنانهم للرسول وما
جعلهم يعيشون فيه من رغد، هي تقديم الهدايا له.
فكان أحدهم إذا أراد أن يهدي هدية إلى الرسول، يؤخّرها حتى إذا كان عند
عائشة بعث صاحب الهدية بها إليه في بيت عائشة. وكان هذا السلوك سببا في أنْ
دبّت الغيرة في الحزب الموالي لأمّ سلمة الذي كان يتألف من سائر نساء
النبي ما باستثناء حفصة وصفية وسودة، فإنهن من حزب عائشة. لذلك جئْن عند أم
سلمة وقُلْن لها:
- إن الناس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريد عائشة
فكلمي رسول الله أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان، أو حيث ما دار
صلى الله عليه وسلم.
فجاءتْ أم سلمة عند الرسول وأبلغته ما قالتْ بعض نسائه، فأعرض عنها ولم يقل لها شيئاً. فسألنها فقالت:
- ما قال لي شيئاً. فقلن لها: كلميه حتى يكلمك. فجاءته فكلمته، فدار إليها ثم كلمته حتى دار إليها أيضاً. ثم قال:
- يا أمّ سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها.
فقالت:
- أتوب إلى الله من ذلك يا رسول الله.
- ثم إنهن دعون فاطمة بنت الرسول إلى أبيها فاستأذنت عليه وهو مضطجع معها فأذن لها. فقالت:
- يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة [أي أبو بكر]، وعائشة ساكتة. فقال لها الرسول:
- يا ابنتي، ألست تحبين ما أحبّ؟ قالت: بلى. قال: فأحبي هذه. فقامت فاطمة
لما سمعت ذلك من رسول الله فخرجت إلى أزواج النبي فأخبرتهم بالذي قالت
وبالذي قال. فقلن ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله فقولي
له: إنّ نساءك ينشدنك العدل وابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله لا أكلمه
فيها أبداً. فعمد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلن زينب بنت جحش إلى
الرسول وهي التي كانت تسامي عائشة من أزواج النبي في المنزلة عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاستأذنت على رسول الله فأذن لها الرسول فقالت: يا
رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة ووقعت في
عائشة واستطالت وعائشة ترقب طرف هل أذن لها [انظر التفاصيل في «تاريخ»
الطبري، (المترجم)].
19-09-2012
- غزالتي، أعرف متى تغضبين ومتى تفرحين.
- بأبي أنت وأمي كيف تعرف ذلك؟
- إِذَا غَضِبْتِ قُلْتِ : لا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ، وَإِذَا رَضِيتِ قُلْتِ : لا ، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ. فَقَالَتْ:
- إِنَّمَا أَهْجُرُ اسْمَكَ .
ضحكت وضحك وانخرطا معا في عناق عاطفيّ. لقد عاد الزوجان إلى الالتحام من
جديد، وبالتالي نجحت عائشة فيما كانت ترغب فيه. ذلك أن محمدا لمْ يعد يتردد
أو يخفي الجهْر بكوْن عائشة هي المفضلة من بين زوجاته، حين يسأله بعض
صحابته قائلين:
- يا رسول الله، من تحبّ أكثر في هذه الدنيا؟ [عن أنس أن النبي سئل من أحب
الناس إليك؟ قال: عائشة. فقيل: لا نعني أهلك. قال: أبو بكر. وعلم المسلمون
بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة].
لقد جرت العادة أن يذكر اسم ابنته فاطمة، وعليّا زوجها، وابنيْهما الحسن
والحسين، غير أن اسم عائشة هو الذي بات يتردد على لسانه في معظم الأحيان.
وذلك حتى لا ينسى أحد بأنها هي المفضلة دون غيرها، ومهما حصل من أزمات
عابرة. هي التي لا يمكنه تجاوزها ولا الاستغناء عنها. وهي التي يتردد على
بيتها كثيرا بالقياس إلى الأخريات.
وقد جرّت هذه الحظوة على عائشة، خلال الأيام الموالية، سلسلة من ردّات
الفعل السلبية الناتجة عن الغيرة والحسد من طرف باقي زوجات الرسول اللواتي
لم يستغْن هذا التفضيل. زاد التمرد النسائي داخل الحريم النبوي، تمرد صامت
لكنه قويّ.
خلال الشهور الموالية، لم يغادر الرسول مدينة يثرب، تاركا رجاله يقومون
وحدهم بشنّ غارات وغزوات على القبائل المتمردة التي كانت ترفض الدخول في
الدين الجديد. واستطاع بذلك ضمّ العديد منها في تخوم الصحراء، فارضا بذلك
شريعة الله ورسوله. وفي هذه الفترة، كان عدد اللاجئين يتزايد كل يوم،
يتهافتون على ملاقاة الرسول من أجل التعبير له عن ولائهم وبيعتهم واعتناقهم
الإسلام الذي انتشرت سلطته إلى تخوم الصحراء وخارجها. لقد أطبق الرسول
سلطته على مجموع تراب المنطقة الوسطى من شبه الجزيرة العربية. كما تزايدت
أعداد المسلمين الذين يرغبون في الاستماع إلى خطبه وحضور صلواته بالمسجد
الرسمي داخل المدينة. هذا المسجد الذي زيّنه بمنبر خشبيّ من أجل رؤية وجوه
المصلين بصورة أفضل.
وقد نجح محمد، بفضل هذه الغزوات والبعثات، في أن يحوّل واحة يثرب إلى منطقة
مزدهرة. وبات أصحابه من المهاجرين والأنصار يعيشون في بحبوحة من العيْش
غير مسبوقة، الأمر الذي جعلهم ينسون فاقة الفقر التي كانوا يعيشون فيها في
بداية الهجرة. وإذا البعض منهم قد فضّل العيش حياة الزهد والتفرّغ للعبادة
والتهجّد، فإن آخرين آثروا الاستمتاع بما جرّت عليهم مغانم الغزوات. وقد
وجد البعض منهم أنّ أحسن وسيلة للتعبير عن اعترافهم وامتنانهم للرسول وما
جعلهم يعيشون فيه من رغد، هي تقديم الهدايا له.
فكان أحدهم إذا أراد أن يهدي هدية إلى الرسول، يؤخّرها حتى إذا كان عند
عائشة بعث صاحب الهدية بها إليه في بيت عائشة. وكان هذا السلوك سببا في أنْ
دبّت الغيرة في الحزب الموالي لأمّ سلمة الذي كان يتألف من سائر نساء
النبي ما باستثناء حفصة وصفية وسودة، فإنهن من حزب عائشة. لذلك جئْن عند أم
سلمة وقُلْن لها:
- إن الناس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريد عائشة
فكلمي رسول الله أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان، أو حيث ما دار
صلى الله عليه وسلم.
فجاءتْ أم سلمة عند الرسول وأبلغته ما قالتْ بعض نسائه، فأعرض عنها ولم يقل لها شيئاً. فسألنها فقالت:
- ما قال لي شيئاً. فقلن لها: كلميه حتى يكلمك. فجاءته فكلمته، فدار إليها ثم كلمته حتى دار إليها أيضاً. ثم قال:
- يا أمّ سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها.
فقالت:
- أتوب إلى الله من ذلك يا رسول الله.
- ثم إنهن دعون فاطمة بنت الرسول إلى أبيها فاستأذنت عليه وهو مضطجع معها فأذن لها. فقالت:
- يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة [أي أبو بكر]، وعائشة ساكتة. فقال لها الرسول:
- يا ابنتي، ألست تحبين ما أحبّ؟ قالت: بلى. قال: فأحبي هذه. فقامت فاطمة
لما سمعت ذلك من رسول الله فخرجت إلى أزواج النبي فأخبرتهم بالذي قالت
وبالذي قال. فقلن ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله فقولي
له: إنّ نساءك ينشدنك العدل وابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله لا أكلمه
فيها أبداً. فعمد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلن زينب بنت جحش إلى
الرسول وهي التي كانت تسامي عائشة من أزواج النبي في المنزلة عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاستأذنت على رسول الله فأذن لها الرسول فقالت: يا
رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة ووقعت في
عائشة واستطالت وعائشة ترقب طرف هل أذن لها [انظر التفاصيل في «تاريخ»
الطبري، (المترجم)].
19-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
نساء النبيّ يطالبْن الرسول بتحسين وضعيتهنّ المادية
بعد الاهتمام الزائد الذي باتَ يوليه محمّد لعائشة بنت أبي بكر، زوجته المفضّلة، على حساب باقي زوْجاته، تشابكت العلاقات بين نساء الحريم، بدْءا من الغيرة القاتلة، إلى التواطؤ والتقوّل، إلى التفكير في أشكال أخرى من المواجهة. ومن هذه الأشكال تساؤل زوْجاته عن السبب الذي جعلَ عائشة تنعم لوحْدها بكلّ صنوف النّعم وبحْبوحة العيْش. لماذا هي بالضبْط؟. وبالتالي فقد أعلنتْ كلّ واحدة من زوجات الرسول عن حقّها ونصيبها من هذه النّعم، وحقّها في الرّفع من قيمة الأُعطيات المالية والمنزلية. قالتْ جويرية:
- أريد نصيبي من الجواهر والملابس وأنواع الحرير الجميلة القادمة من البحرين والإسكندرية.
وأضافتْ امّ سلمة قائلة:
- لقد مضى زمن الفقر وولّى، ذلك الزمن الذي كنّا نكتفي فيه بتناول التمر وارتداء كسْوة واحدة.
ومن جهتها علّقتْ أمّ حبيبة بقولها:
- لقد اغتنى الآن رسول الله، ولا بدّ له أن يعطينا نصيبنا1.
وكما هو الشأن بالنسبة لجميع النساء المدينيّات اللواتي اعتدْن على الاحتجاج على أزواجهمْ، فإن زوْجات الرسول، المنافسات لعائشة، طالبْن، من جهتهنّ، بعيْش أفضل وألْيقَ، وبعناية مالية ومادية أنسب2.
وحصل ذات يوم أنْ كان الرسول متوسّطا نساءه، في بيته، أنْ شرعْن في محاصرته بالأسئلة المادية. وقد فوجئ بهذه الحرية في السلوك والكلام غيْر المعتادة في نساء مكّة. ووجد نفسه عاجزا عن الإجابة على أسئلتهنّ وطلباتهنّ. وقد حاول، بعد لحظات صمْت، الاستجابة لما طلبْن. بعد ذلك أرسل إلى كل امرأة من نسائه شيئاَ من الأموال والهدايا، وأرسل إلى زينب بنت جحش بنصيبها. فلم ترْض به. فزادها، فلم ترْض به مرّة أخرى، وزادها. فقالت عائشة:
- لقد أقمأتْ وجهك حين تردّ عليك الهديةَ.
فقال الرسول مجيبا وغاضبا:
- « لأنتنّ أهون على الله من أن تقمئني؛ والله لا أدخل عليكن شهرا « . وهكذا حين بلغ الأمر إلى هذا الحدّ، قرّر محمد مقاطعة زوجاته لمدة شهر? 3.
لم تكن عائشة مجرّد زوجة للنبيّ، وإنما كانت بالإضافة إلى ذلك امرأة مهيمنة متدللة متعالية استحوذت على الرسول وتحدث بلسانه وأطلقت لسانها في نسائه . كما يتبين لنا أن الرسول راض عن هذا الوضع وسعيد به . وبدا وكأنه لا يجرؤ على التصدي لها ومقاومتها بسبب عشقه البالغ لها .
فقد كان الرسول في بيت عائشة ذات يوم، وكان لديه بعض الضيوف دعاهم إلى تناول الطعام فسمعت زينب بنت جحش بذلك فأرسلت مع خادمتها صحفة فيها ثريد عليه ضلع شاة وهو الطعام الذي تعرف أنّ الرسول كان يفضله على سائر الأطعمة الأخرى .
وما كادت عائشة ترى الصحفة في يد الخادمة حتى ضربتها بيدها فوقعت الصحفة على الأرض وتناثر منها ما كان بها من طعام وانفلقت الصحفة، ودخلت عائشة تبكي في غرفتها.أما الرسول فاكتفى بالابتسامة، وقال لمدعويه:
غارت أمّكم...غارت أمّكم...
هوامش:
1 - جاء في «صحيح البخاري» ما يلي: «وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ أَبِي زُمَيْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : « اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ، فَسَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ : طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ، قَالَ : وَذَلِكَ قَبْلَ الْحِجَابِ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ ، فَقُلْتُ : يَا ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ ، أَبَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ، فَقَالَتْ : مَالِي وَلَكَ يَابْنَ الْخَطَّابِ ، عَلَيْكَ بِغَيْرِي ، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ ، فَقُلْتُ : يَا حَفْصَةَ ، أَبَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لا يُحِبُّكِ ، فَلَوْلا أَنَا ، لَطَلَّقَكِ ، قَالَ : فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ ، فَقُلْتُ : أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ ، قَالَتْ : فِي مَشْرُبَةٍ ، قَالَ : وَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلامِهُ ، قَاعِدًا عَلَى أُسْكُفَّةِ الْمَشْرُبَةِ وَقَدْ دَلَّى رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ ، وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْحَدِرُ ، فَقُلْتُ : يَا رَبَاحُ ، اسْتَأْذِنْ لِي ، فَنَظَرَ إِلَى الْغُرْفَةِ ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ، فَرَفَعْتُ صَوْتِي ، وَقُلْتُ : يَا رَبَاحُ ، اسْتَأْذِنْ لِي ، فَإِنِّي أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى أَنِّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِهَا ، لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِيَدِهِ أَنِ ارْقَ ، فَرَقِيتُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَطَلَّقْتَهُنَّ ؟ ، فَقَالَ : لا « ، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ كَلامًا» . (المترجم)
2 - ينقل لنا مسلم بعض ما يتعلق عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : « دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله (ص) فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال : فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي (ص) جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا ، قال : فقال : لأقولن شيئا أضحك النبي (ص) فقال : يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها ، فضحك رسول الله (ص) ، وقال : هن حولي كما ترى يسألنني النفقة ، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها ، كلاهما يقول : تسألن رسول الله (ص) ما ليس عنده ، فقلن : والله لا نسأل رسول الله (ص) شيئا أبدا ليس عنده ، ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ، ثم نزلت عليه هذه الآية ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ ) حتى بلغ ( لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) … « (المترجم) .
3 - انظر التفاصيل في كتاب «أنساب الأشراف» للبلاذري، الجزء الأول، ص. 362. والغريب أن معظم هذه الأخبار ترد على لسان عائشة? (المترجم).
20-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الرسول في عزْلته عن زوْجاته غَضَبا
بعد
سماع الرسول كلام عائشة المعاتب له جرّاء زيادته البالغة في الاهتمام
بزينب بنت جحش وما قالته له، خرج من عندها غاضبا واقسمَ لاّ يرى زوجاته
طيلة شهر كامل. وهكذا اعتزلهنّ في مكان خاصّ به يُسمىّ «مشربة»، مع قليل من
الطعام والماء، لا ينزل إلاّ للصلاة فقط، ولا يدخل على زوجاته، حتى قال
الناس: طلّق النبي نساءه. وقد قلق صحابته من هذا الاعتزال وكثر التساؤل عن
أسبابه، ولمْ يجرؤ أحد على تكليمه أو مفاتحته في الموضوع. قال:
- ما أنا بداخل عليهن شهرًا.
فلما انتشر الخبر في المدينة، أشاع الناس بأنّ محمّدا قد طلّق زوجاته. ولمْ
يغامر أحد بزيارته في عزلته، ومعرفة سبب غضبته إلاّ أبو عمر بن الخطاب.
ذلك أنه استأذن غلام الرسول في الدخول عليه، غيْر أنه لمْ يُؤذَنْ له.
ثم انصرف وتوجّه نحو بيت عائشة قائلا لها:
- يا بنت أبي بكر، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله؟
فأجابته عائشة قائلة:
- مالي ومالك يا بن الخطاب، اهتمّ بشأنك ودعني.
ثمّ خرج ودخلت على ابنته حفصة، فقال لها :
- يا حفصة أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله، والله لقد علمت أن رسول الله
لا يحبك ، ولولا أنا لطلقك رسول الله. فبكت حفصة أشد البكاء. ثمّ توعّدها
وانصرف عائدا مرّة أخرى إلى المشربة. ثمّ ذهب ودخل على أمّ سلمة وكلمها في
الموضوع أيضاً، فقالت:
- عجباً لك يا ابن الخطاب، قد دخلتَ فى كلّ شئ حتى تبتغي أنْ تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه.
فخرج من عندها دون كلام، وعاد إلى معْزل محمد، فإذا برباح غلام الرسول
قاعدا على مصطبة المشربة يدلي رجليه على قطعة من خشب وهو جذع يرقى عليه
وينحدر، فناداه ثانية:
- يا رباح، استأذنْ لي عندك على رسول الله. فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إليه فلم يقل شيئا. ثم رفع صوته فقال:
- يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله فإني أظن أنه ظن أني جئت من أجل
حفصة والله لئن أمرني رسول الله بضرب عنقها لأضربنّ عنقها ورفع صوته فأومأ
إليه أن يدخل. فدخل عليه وهو مضطجع على حصير، فجلس فأدنى عليه إزاره وليس
عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه فنظر ببصره في خزانة رسول فإذا أنا
بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا في ناحية الغرفة. وإذا فابتدرت عيناه
وقال:
- ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ فردّ عليه قائلا بحزْن:
- يا نبيّ الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك
لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم وصفوته وهذه خزانتك. فقال:
- يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قال: - بلى. فقال له:
- يا رسول الله، ما يشقّ عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهنّ فإن الله
معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك وقلما تكلمت
وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول. ونزلت هذه
الآية آية التخيير عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن وإن تظاهرا
عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير1،
على سائر نساء النبي. فقال:
- يا رسول الله هلْ طلقتهن؟ قال:
- لا. وتابع ابن الخطاب قائلا:
- يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى يقولون طلق رسول الله نساءه، أفأنزلُ فأخبرهم أنك لم تطلقهنّ؟ قال:
- نعم إن شئت.
فلم يزل يحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى فضحك، ثم نزل محمد ونزل عمر بعده، فقال له:
- يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين؟ قال إن الشهر يكون تسعا وعشرين، فقام على باب المسجد فنادى بأعلى صوته:
- لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. ونزلت هذه الآية «وإذا
جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي
الأمر منهم».
وما كان من أمْر محمّد إلا أنْ دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشةُ:
- يا رسول الله، إنّك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا، وإنما أصبحت من
تسع وعشرين ليلة، أُعدّها عدًا! فقال: الشهرُ تسعُ وعشرون ليلةً، فكان ذلك
الشهرُ تسعًا وعشرين ليلة ً2.
1 - تقصد الكاتبة هنا الآيات الأولى من سورة التحريم :» يَأَيّهَا
النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ مَآ أَحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ
أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ
تَحِلّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
* وَإِذَ أَسَرّ النّبِيّ إِلَىَ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمّا
نَبّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ
عَن بَعْضٍ فَلَمّا نَبّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـَذَا قَالَ
نَبّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِن تَتُوبَآ إِلَى اللّهِ فَقَدْ
صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ هُوَ
مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ
ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَىَ رَبّهُ إِن طَلّقَكُنّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً
خَيْراً مّنكُنّ مُسْلِمَاتٍ مّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ
سَائِحَاتٍ ثَيّبَاتٍ وَأَبْكَاراً» (المترجم).
2 - انظر التفاصيل عند كل من البلاذري في «أنساب الأشراف»، وابن سعد في «الطبقات الكبرى». (المترجم).
21-09-2012
سماع الرسول كلام عائشة المعاتب له جرّاء زيادته البالغة في الاهتمام
بزينب بنت جحش وما قالته له، خرج من عندها غاضبا واقسمَ لاّ يرى زوجاته
طيلة شهر كامل. وهكذا اعتزلهنّ في مكان خاصّ به يُسمىّ «مشربة»، مع قليل من
الطعام والماء، لا ينزل إلاّ للصلاة فقط، ولا يدخل على زوجاته، حتى قال
الناس: طلّق النبي نساءه. وقد قلق صحابته من هذا الاعتزال وكثر التساؤل عن
أسبابه، ولمْ يجرؤ أحد على تكليمه أو مفاتحته في الموضوع. قال:
- ما أنا بداخل عليهن شهرًا.
فلما انتشر الخبر في المدينة، أشاع الناس بأنّ محمّدا قد طلّق زوجاته. ولمْ
يغامر أحد بزيارته في عزلته، ومعرفة سبب غضبته إلاّ أبو عمر بن الخطاب.
ذلك أنه استأذن غلام الرسول في الدخول عليه، غيْر أنه لمْ يُؤذَنْ له.
ثم انصرف وتوجّه نحو بيت عائشة قائلا لها:
- يا بنت أبي بكر، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله؟
فأجابته عائشة قائلة:
- مالي ومالك يا بن الخطاب، اهتمّ بشأنك ودعني.
ثمّ خرج ودخلت على ابنته حفصة، فقال لها :
- يا حفصة أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله، والله لقد علمت أن رسول الله
لا يحبك ، ولولا أنا لطلقك رسول الله. فبكت حفصة أشد البكاء. ثمّ توعّدها
وانصرف عائدا مرّة أخرى إلى المشربة. ثمّ ذهب ودخل على أمّ سلمة وكلمها في
الموضوع أيضاً، فقالت:
- عجباً لك يا ابن الخطاب، قد دخلتَ فى كلّ شئ حتى تبتغي أنْ تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه.
فخرج من عندها دون كلام، وعاد إلى معْزل محمد، فإذا برباح غلام الرسول
قاعدا على مصطبة المشربة يدلي رجليه على قطعة من خشب وهو جذع يرقى عليه
وينحدر، فناداه ثانية:
- يا رباح، استأذنْ لي عندك على رسول الله. فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إليه فلم يقل شيئا. ثم رفع صوته فقال:
- يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله فإني أظن أنه ظن أني جئت من أجل
حفصة والله لئن أمرني رسول الله بضرب عنقها لأضربنّ عنقها ورفع صوته فأومأ
إليه أن يدخل. فدخل عليه وهو مضطجع على حصير، فجلس فأدنى عليه إزاره وليس
عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه فنظر ببصره في خزانة رسول فإذا أنا
بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا في ناحية الغرفة. وإذا فابتدرت عيناه
وقال:
- ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ فردّ عليه قائلا بحزْن:
- يا نبيّ الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك
لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم وصفوته وهذه خزانتك. فقال:
- يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قال: - بلى. فقال له:
- يا رسول الله، ما يشقّ عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهنّ فإن الله
معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك وقلما تكلمت
وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول. ونزلت هذه
الآية آية التخيير عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن وإن تظاهرا
عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير1،
على سائر نساء النبي. فقال:
- يا رسول الله هلْ طلقتهن؟ قال:
- لا. وتابع ابن الخطاب قائلا:
- يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى يقولون طلق رسول الله نساءه، أفأنزلُ فأخبرهم أنك لم تطلقهنّ؟ قال:
- نعم إن شئت.
فلم يزل يحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى فضحك، ثم نزل محمد ونزل عمر بعده، فقال له:
- يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين؟ قال إن الشهر يكون تسعا وعشرين، فقام على باب المسجد فنادى بأعلى صوته:
- لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. ونزلت هذه الآية «وإذا
جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي
الأمر منهم».
وما كان من أمْر محمّد إلا أنْ دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشةُ:
- يا رسول الله، إنّك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا، وإنما أصبحت من
تسع وعشرين ليلة، أُعدّها عدًا! فقال: الشهرُ تسعُ وعشرون ليلةً، فكان ذلك
الشهرُ تسعًا وعشرين ليلة ً2.
1 - تقصد الكاتبة هنا الآيات الأولى من سورة التحريم :» يَأَيّهَا
النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ مَآ أَحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ
أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ
تَحِلّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
* وَإِذَ أَسَرّ النّبِيّ إِلَىَ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمّا
نَبّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ
عَن بَعْضٍ فَلَمّا نَبّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـَذَا قَالَ
نَبّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِن تَتُوبَآ إِلَى اللّهِ فَقَدْ
صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ هُوَ
مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ
ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَىَ رَبّهُ إِن طَلّقَكُنّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً
خَيْراً مّنكُنّ مُسْلِمَاتٍ مّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ
سَائِحَاتٍ ثَيّبَاتٍ وَأَبْكَاراً» (المترجم).
2 - انظر التفاصيل عند كل من البلاذري في «أنساب الأشراف»، وابن سعد في «الطبقات الكبرى». (المترجم).
21-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الرسول يعود إلى حياته الزوجية بعد العزْلة
لما خرج الرسول من عزلته،
التي لمْ تستوْف الشهر كما وعد، توجّه مباشرة إلى بيت عائشة، وشرح لها كيف
تلقّى الوحْي من السماء يخيّر كل واحدة من نسائع ما بين أمرين اثنيْن.
وأضاف مدقّقا:
- لقد بدأتُ باستشارتك أنت الأولى، ولا داعي لكيْ تجيبي الآن. بإمكانك
التفكير في الأمْر وطلب المشورة من أبيك إذا شئت. لقد قبل أن يساعدني.
ردّتْ عائشة على التّوّ قائلة:
- كلاّ، لا حقّ لأحد أنْ يساعدك فيما يتعلق بي. لكنْ أخبرني بما جاء به جبريل يا رسول الله.
وقرأ عليْها الآيات المتعلقة بهذا الموضوع: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل
لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا. وَإِن
كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ
اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا. يَا نِسَاء
النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا
الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا» (سورة
الأحزاب، الآيات: 28، 30). قالتْ عائشة:
- في الحقيقة، أنا أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
شكرها محمّد بنوع من الارتياح وضمّها إليه، ثمّ قال:
- كنتُ أنتظر منك هذا الكلام يا غزالتي. والآن يتعيّن عليّ أنْ أسأل الأخريات.
- عندي طلب يا رسول الله، لا تخبرْهنّ بجوابي.
لقد لاح لها بعض الأمل في الأفق: في حالة ما إذا اختارتْ بعض المنافسات
الانصراف محمّلة ببعض الأموال، فإن حياة عائشة داخل الحريم ستكون أفْضل
وأجْمل. سوف ترى حبيبها أكثر من مرّة. وعدها أن يخفي عنهنّ ما اعترفت به في
جولته عليهنّ، وهو متعطّش لكيْ يعرف ما ينتظره من ردّات فعلهنّ. مفاجأة
سارة؟ غيْر أن الذي حصل هو أن باقي نسائه، حين واجههنّ بالخيار الإلهي، قلن
ما قالته عائشة واخترن بدورهنّ الله ورسوله والدار الآخرة. وبالتالي لم
يطلّق أية واحدة منهنّ، وعاد السّلم إلى الحريم النبوي وإلى المدينة ككلّ.
وبفضل الرعاية الإلهية فرض محمد سلطته على بيته، ولم يفقد شيئا من كرامته
ولا سلطته. فقد رضيت نساؤه بالاستسلام والخضوع لمشيئته.
أصْبحن منذ الآن مثالا ونموذجا يُحتدى به في أرض الإسلا. وحتى الإسلام تمّ
إنقاده، وجاء جبريل بصوْت القانون الإلهي: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا
أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ
لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلِيًّا كَبِيرًا» (سورة النساء، الآية 34)1.
رغم ما تعرّض له محمد من تمرّد من طرف نسائه، إلا أنه كان لا يوصي باستعمال
العنف ضدّهنّ، هذا في الوقت الذي كان عدد كبير من الناس ومن صحابته
يبالغون في تعنيف زوجاتهم. كان يقول: «?لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم
يجامعها في آخر اليوم»2.
عاد السلم غلى البيت، وعاد الرسول إلى جولاته الليلية على زوجاته، وصار
يعلّمهن تعاليم الدين الجديد في وقت محدد من اليوم يستمعن إليه كما لو كنّ
في المسجد. خطبته الدينية موجّهة إلى زوجاته فقط، وخصوصا ما يتعلق بالآيات
القرآنية التي تتصل بالمرأة وسلوكها مع زوجها وحقوقها كما يراها الإسلام،
ووضعيتها داخل البيت وفي المجتمع، فضْلا عن الأمور المرتبطة بالإرث والطلاق
والحلال والحرام، وما ينبغي تجنّبه أو احترامه.
في كل هذا كانت عائشة تسجّل وتدوّن كل ما يقوله حبيبها بعناية. وهي التعاليم التي ستحفظها وتحدّث بها الناس فيما بعد.
وكان يقول لعائشة:
- أليْست الغاية من الدنيا هي الحبّ دون نسيان العبادة. إن الله أعطانا الحبّ هبة، وما نستشعره من متعة تسري فينا سريان العبادة.
وتردّ عائشة قائلة:
- أجلْ، سبحان الله العلي العظيم?
1 قال مقاتل بن سليمان في «تفسير القرآن: «: نزلت هذه الآية في سعد بن
الربيع ، وكان من النقباء ، وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وهما من
الأنصار ، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي - صلى
الله عليه وسلم - فقال : أفرشته كريمتي فلطمها ! فقال النبي - صلى الله
عليه وسلم - : لتقتص من زوجها . وانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال النبي -
صلى الله عليه وسلم - : ارجعوا ، هذا جبريل - عليه السلام - أتاني . وأنزل
الله تعالى هذه الآية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أردنا
أمرا وأراد الله أمرا ، والذي أراد الله خير « ، ورفع القصاص». (المترجم).
2 روى البخاري فى صحيحه فى كتاب النكاح باب :ما يكره من ضربالنساء، عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :»?لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم
يجامعها في آخر اليوم «.
22-09-2012
التي لمْ تستوْف الشهر كما وعد، توجّه مباشرة إلى بيت عائشة، وشرح لها كيف
تلقّى الوحْي من السماء يخيّر كل واحدة من نسائع ما بين أمرين اثنيْن.
وأضاف مدقّقا:
- لقد بدأتُ باستشارتك أنت الأولى، ولا داعي لكيْ تجيبي الآن. بإمكانك
التفكير في الأمْر وطلب المشورة من أبيك إذا شئت. لقد قبل أن يساعدني.
ردّتْ عائشة على التّوّ قائلة:
- كلاّ، لا حقّ لأحد أنْ يساعدك فيما يتعلق بي. لكنْ أخبرني بما جاء به جبريل يا رسول الله.
وقرأ عليْها الآيات المتعلقة بهذا الموضوع: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل
لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا. وَإِن
كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ
اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا. يَا نِسَاء
النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا
الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا» (سورة
الأحزاب، الآيات: 28، 30). قالتْ عائشة:
- في الحقيقة، أنا أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
شكرها محمّد بنوع من الارتياح وضمّها إليه، ثمّ قال:
- كنتُ أنتظر منك هذا الكلام يا غزالتي. والآن يتعيّن عليّ أنْ أسأل الأخريات.
- عندي طلب يا رسول الله، لا تخبرْهنّ بجوابي.
لقد لاح لها بعض الأمل في الأفق: في حالة ما إذا اختارتْ بعض المنافسات
الانصراف محمّلة ببعض الأموال، فإن حياة عائشة داخل الحريم ستكون أفْضل
وأجْمل. سوف ترى حبيبها أكثر من مرّة. وعدها أن يخفي عنهنّ ما اعترفت به في
جولته عليهنّ، وهو متعطّش لكيْ يعرف ما ينتظره من ردّات فعلهنّ. مفاجأة
سارة؟ غيْر أن الذي حصل هو أن باقي نسائه، حين واجههنّ بالخيار الإلهي، قلن
ما قالته عائشة واخترن بدورهنّ الله ورسوله والدار الآخرة. وبالتالي لم
يطلّق أية واحدة منهنّ، وعاد السّلم إلى الحريم النبوي وإلى المدينة ككلّ.
وبفضل الرعاية الإلهية فرض محمد سلطته على بيته، ولم يفقد شيئا من كرامته
ولا سلطته. فقد رضيت نساؤه بالاستسلام والخضوع لمشيئته.
أصْبحن منذ الآن مثالا ونموذجا يُحتدى به في أرض الإسلا. وحتى الإسلام تمّ
إنقاده، وجاء جبريل بصوْت القانون الإلهي: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا
أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ
لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلِيًّا كَبِيرًا» (سورة النساء، الآية 34)1.
رغم ما تعرّض له محمد من تمرّد من طرف نسائه، إلا أنه كان لا يوصي باستعمال
العنف ضدّهنّ، هذا في الوقت الذي كان عدد كبير من الناس ومن صحابته
يبالغون في تعنيف زوجاتهم. كان يقول: «?لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم
يجامعها في آخر اليوم»2.
عاد السلم غلى البيت، وعاد الرسول إلى جولاته الليلية على زوجاته، وصار
يعلّمهن تعاليم الدين الجديد في وقت محدد من اليوم يستمعن إليه كما لو كنّ
في المسجد. خطبته الدينية موجّهة إلى زوجاته فقط، وخصوصا ما يتعلق بالآيات
القرآنية التي تتصل بالمرأة وسلوكها مع زوجها وحقوقها كما يراها الإسلام،
ووضعيتها داخل البيت وفي المجتمع، فضْلا عن الأمور المرتبطة بالإرث والطلاق
والحلال والحرام، وما ينبغي تجنّبه أو احترامه.
في كل هذا كانت عائشة تسجّل وتدوّن كل ما يقوله حبيبها بعناية. وهي التعاليم التي ستحفظها وتحدّث بها الناس فيما بعد.
وكان يقول لعائشة:
- أليْست الغاية من الدنيا هي الحبّ دون نسيان العبادة. إن الله أعطانا الحبّ هبة، وما نستشعره من متعة تسري فينا سريان العبادة.
وتردّ عائشة قائلة:
- أجلْ، سبحان الله العلي العظيم?
1 قال مقاتل بن سليمان في «تفسير القرآن: «: نزلت هذه الآية في سعد بن
الربيع ، وكان من النقباء ، وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وهما من
الأنصار ، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي - صلى
الله عليه وسلم - فقال : أفرشته كريمتي فلطمها ! فقال النبي - صلى الله
عليه وسلم - : لتقتص من زوجها . وانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال النبي -
صلى الله عليه وسلم - : ارجعوا ، هذا جبريل - عليه السلام - أتاني . وأنزل
الله تعالى هذه الآية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « أردنا
أمرا وأراد الله أمرا ، والذي أراد الله خير « ، ورفع القصاص». (المترجم).
2 روى البخاري فى صحيحه فى كتاب النكاح باب :ما يكره من ضربالنساء، عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :»?لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم
يجامعها في آخر اليوم «.
22-09-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الرسول يخرج لغزْو مكّة دون أيّ من نسائه
تتجه شبه الجزيرة العربية نحو السنة السابعة للهجرة، ولمْ يتم نسيان بنود لتفاقية صلد الحُديبية، التي التزم بموجبها القرشيون السماح لمسلمي يثرب القيام بشعاء الحجّ «السنة الموالية». مرّت اثنا عشر شهرا إذن على هذا الاتفاق، وما زال كلّ واحد من ينتظر أوامر الرسول. فإضافة إلى أولئك الذين بايعوه «تحت الشجرة»، ينضاف المقتنعون والمسلمون الجُدد المستعجلون للانطلاق والمشاركة في هذه الحملة الكبْرى على مكة، والتي منْ شأنها أن تسجذل انتصار الله على أمكنة الكعبة المقدّسة التي بناها إبراهيم. وفي شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة، أعلن الرْسول أنه يريد المسير إلى مكة لأداء العمرة، وأذّن في أصحابه بالرحيل إليها لأدائها. ألْفا رجل تجمّعوا لتلبية النداء الأوّل. أعدوا ملابسهم وسلاحهم وذروعهم تحسّبا للحرب واستعدادا لها، دون أنْ ينسوا الجمال التي سينحرونها بمكة. وبما أنه تمّ الاتفاق على تتبع النساءُ الرجالَ، فغن عائشة وباقي «أمهات المؤمنين» السبْع شرعْن في التحضير للانطلاق مع الرسول. كانت كل واحدة منهنّ تترقّب من ستكون المحظوظة التي تصاحبه. وبطبيعة الحال، فإنه لمْ تكنْ هناك قرعة، فقد قرّر الرسول عدم اصطحاب أيّة واحدة منهنّ، وبالتالي سيترك لهنّ الوقت الكافي للتفكير في لزوم الخضوع له، والامتثال لأوامره، وضرْب المثل لباقي الأمة الإسلامية. تقدّم للسلام عليهنّ، الواحدة تلو الأخرى، ولمّا وصل إلى عائشة توقف معها مدة أطول للاعتراف لها بشعوره وتأثره لرؤية الكعبة من جديد، وكذا قلقه من احتمال عدم التزام القرشيين. قالت له عائشة: - معك الله، رافقتْك السلامة. ثم اقتربت منه لتهمس في أذنه: - أوعدني بأن أرافقك خلال رحلتك القادمة! - ستكونين بالقرب مني، بما أنك في قلبي. إلى اللقاء يا غزالتي. سوف تنتظر عائشةُ فاطمةَ بنت الرسول، التي سترافقه، لكيْ تحكيَ لها رواية المغامرة الجديدة في اتجاه مكة، وتحقيق الله الانتصار الذي وعد به. وسار الرسول بألف وأربع مئة من المهاجرين والأنصار، وكان معهم سلاح السفر. وفوق هضبة الحديبية، توقف الحجاج للتخلص من أسلحتهم وعمائمهم، ولبسوا ملابس الإحرام ليؤكدوا لقريش أنهم يريدون العمرة ولا يقصدون الحرب، وما حملوا من سيوف إنما كان للحماية مما قد يعترضهم في الطريق. مربّعان كبيران من القطن الأبيض، واحد حول الحزام، والثاني حول الكتفيْن. وعندما وصلوا إلى (ذى الحليفة) أحرموا بالعمرة. امتطى الرسول ناقته وتقدم القافلة محاطا بصحابته الخُلّص. فلما اقتربوا من مكة بلغهم أن قريشاً جمعت الجموع لمقاتلتهم وصدّهم عن البيت الحرام، خصوصا وأنه على أسوارها يتواجد رجال متحصّنون يراقبون الوافدين الجدد أمر الرسولُ عثمان بن عفان بالذهاب إلى قريش وقال له: - أخبرهم أنّا لم نأت لقتال، وإنما جئنا لأداء مناسك العمرة، وادعهم إلى الإسلام. وأَمَرَه أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، وأن الله عز وجل مُظهر دينه بمكة. فانطلق عثمان، فأتى قريشاً، فقالوا: إلى أين ؟ فقال: بعثني رسول الله أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ويخبركم: أنه لم يأت لقتال، وإنما جئنا عماراً. قالوا: قد سمعنا ما تقول، فانفذ إلى حاجتك. وهكذا تقدمت القافلة برجالها ونسائها نحو مكة، والقرشيون يتتبّعون مشهد الصف الأبيض الطويل الذي يتقدّم بمهابة نحو الكعبة، وهو يردّد: لبّيك اللهمّ لبّيك. هوامش بنود صلح الحديبية كما وردت في كتب السنة والسيرة هي :1ــ وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض .2 ــ أن من آمن وأتى النبي صلى الله عليه وسلم دون إذن وليه رده ، ومن أتى قريشاً ممن كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه .3 ــ أن بينهم عيبة مكفوة .4 ــ أنه لا إسلال ( لا سرقة ) ولا إغلال ( لا خيانة ) .5 ــ أن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .6 ــ أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة عامه ذاك فلا يدخلها .7 ــ أن تخرج قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم في العام القابل عن الحرم فيعتمر ويدخل مكة بأصحابه .8 ــ أن لا يكون معه في دخوله مكة غير سلاح الراكب وتكون السيوف في القرب .9 ــ أن لا يخرج من مكة بأحد من أهلها إن أراد أن يتبعه . 10 ــ أن لا يمنع أحدا من أصحابه إن أراد البقاء بمكة والإقامة فيها .وقد تعجب بعض الصحابة من تلك الشروط حتى قال عمر: فلم نعطي الدنية في ديننا. فقال صلى الله عليه وسلم: من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا». (المترجم) 24-09-2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الرسول يعود من مكّة منتصرا ومتزوّجا بميمونة
دخل
محمّد، وباقي المسلمين الذين رافقوه، مكة وهم يظهرون قوتهم للقرشيين. وقد
هال سكان مكة أن يروا المسلمين بكل هذه القوة وهم يهللون ويكبرون عند
دخولهم الكعبة المقدّسة. حتى أن كثيرا منهم غادرها حتى لا يروا المسلمين
يعودون إلي أم القرى رغما عن أنوفهم ويطوفون بالبيت العتيق. وبعد أن أتم
الرسول مناسك العمرة، ظل إلي جوار الكعبة حتى صلاة الظهر. وهناك أمر
«بلالْ» أن يقوم بالآذان من فوق الكعبة. وقد اغتاظ القرشيّون لما رأوا من
قوة المسلمين وبأسهم .
فهؤلاء الذي خرجوا مهاجرين منذ سنوات، هاهُمْ يعودون إليها اليوم بعد أن
حققوا العديد من الانتصارات على مشركي مكة، وعلى اليهود، وأصبحوا أصحاب قوة
ونفوذ.. فقد وفّى الله بوعده، وهاهم اليوم يعودون إلي البلد الذي طردهم لا
يخافون أحدا. ولا يهابون أحدا، وكان للمسلمين الحق في الإقامة في مكة
ثلاثة أيام على حسب اتفاق صلح الحديبية.
قالتْ فاطمة وهي تروي لعائشة ما حصل:
- لقد توقّف والدي رسول الله في موقعيْ الصفا والمروة، ثم حلق رأْسه ونحَر
ناقة، كما فعل في السنة الماضية بالحديبية. بهذه الطريقة وضع شعائر العمرة.
سألتها عائشة قائلة:
- هل دخل إلى الحرَم؟
- لقد كانت الأبواب موصدة. وعندما طالب بمفاتيحها، أجابه القرشيون بأنّ ذلك
لا يدخل ضمْن بنود الاتفاقية. فالحجّ التقليدي لا يدخل فيه الحجاج إلى
داخل الحرم.
ثمّ أجابتْها عائشة:
- سوف يقوم الدين الإسلامي بذلك، أليْس الحرم من بناء إبراهيم؟
- لكن اطمئنّي يا عائشة، لقد انتصرنا، هذا هو المهمّ. انتصرنا حين صعد
بلالا إلى الكعبة ونادى للصلاة، الأمْر الذي جعل الكثيرين يُفاجأون
ويُرهبون ويدخلون في الإسلام.
غيْر أنّ خاتمة الرحْلة لم تكن سارّة بالنسبة لعائشة. وقد كانتْ تستشعر ذلك
من قبلُ. ذلك أن الخبر كان قد انتشر بسرعة فائقة داخل مدينة يثرب قبل رجوع
القافلة التي يتقدّمها الرسول. فالرسول عاد منتصرا من هذه الرحلة إلى
مكّة، لكنه عاد بزوجة ثامنة إلى حريمه، هي برّة بنت الحارث التي سيغيّر
الرسول اسمها ليصبح «ميمونة». كانت ميمونة قد سمعت بقرب قدوم النبي الى مكة
المكرمة. فتمنت أن تهب نفسها له. فراحت إلى شقيقتها أمّ الفضل، زوجة
العباس بن عبد المطلب، والتي كانت مستودع أسرارها وأخبرتها بهذه الفكرة
التي تساورها، وما كان من أم الفضل إلا أنْ نقلت الامر إلى زوجها العباس،
الذي أطْلع النبيّ على الأمر، وأخبره بما يساور خلد السيدة «بُرة»
(الميمونة) التي كانت إمراة مسلمة ومؤمنة، وأكد له أن أبا رهم بن عبد العزى
زوج بُرة قد مات، وأن زوجته السابقة بُرة تنوي أنْ تقدم نفسها له، وسأله
إن كان يقبل اقتراحها ويوافق على الزواج منها. فأجاب النبي بالإيجاب، وبعث
لها ابن عمه جعفر بن أبي طالب ليخطبها له. وما أن قصد جعفر دار ميمونة، حتى
صادفها في الطريق وهي راكبة على ناقة، فأخبرها بأنه مبعوث النبي ليطلب
يدها له. فقالت:
- «الناقة ومن عليها ملكا لله ورسوله». هذه الخطوة تجاه الرسول جعلت اهل
مكة، يكثرون من الثرثرة إزاء ميمونة و يوجهون اللوم لها قائلين: إنها لم
تصبر حتى يتم النبي خطبتها، فوهبت نفسها له!!!... حتى أنزل جبريل في حقها1:
«يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك التي آتيت أجورهنّ وما ملكت يمينك
مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالتك التي
هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيّ إنْ أراد النبي أنْ يستنكحها
خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت
أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفوراً رحيماً» (سورة الأحزاب:50
الآية).
كان هذا الزواج السياسيّ الجديد قد سمح لمحمّد بتمتين أواصر العلاقات
المتوتّرة مع قبيلة المطّلب، ومع بني هاشم، ولعلّ من أبرز ثمارها هرولة
خالد بن الوليد، أحد الفرسان الأشاوس، للانحاء بين يدي الرسول لتقديم
الولاء له، وإعلان إسلامه واستعداده لخدمة محمد.
وجدتْ فاطمة متعة كبيرة في مواصلة حدثها عن الزّوجة الجديدة أمام عائشة التي قالتْ بنوْع من التّوتّر:
- إلى متى سيتمرّ في الزواج؟
أجابتْها فاطمة:
- لقدْ شجّعه جبريل بالآية التي جاء بها.
غيْر أن عائشة قالتْ مستغربة:
- إنه يبلغ من العمر ستّين سنة? ومعظم نسائه في ريعان شبابهنّ، ناهيك عن
الجواري وأمهات الولد مثل ريحانة ومارية. هل يستطيع إشباعنا كلّنا؟
هزّتْ فاطمة كتفيْها بسخْرية، لتواصلَ عائشة بنوع من الحسرة:
- نحن الآن سبعة.
1 تتباين الأخبار والروايات القديمة بشأن الطريقة التي تزوّج بها الرسول ميمونة: هلْ قام بذلك وهو مُحرم أم بعد الإحرام؟ (المترجم).
25-03-2012
محمّد، وباقي المسلمين الذين رافقوه، مكة وهم يظهرون قوتهم للقرشيين. وقد
هال سكان مكة أن يروا المسلمين بكل هذه القوة وهم يهللون ويكبرون عند
دخولهم الكعبة المقدّسة. حتى أن كثيرا منهم غادرها حتى لا يروا المسلمين
يعودون إلي أم القرى رغما عن أنوفهم ويطوفون بالبيت العتيق. وبعد أن أتم
الرسول مناسك العمرة، ظل إلي جوار الكعبة حتى صلاة الظهر. وهناك أمر
«بلالْ» أن يقوم بالآذان من فوق الكعبة. وقد اغتاظ القرشيّون لما رأوا من
قوة المسلمين وبأسهم .
فهؤلاء الذي خرجوا مهاجرين منذ سنوات، هاهُمْ يعودون إليها اليوم بعد أن
حققوا العديد من الانتصارات على مشركي مكة، وعلى اليهود، وأصبحوا أصحاب قوة
ونفوذ.. فقد وفّى الله بوعده، وهاهم اليوم يعودون إلي البلد الذي طردهم لا
يخافون أحدا. ولا يهابون أحدا، وكان للمسلمين الحق في الإقامة في مكة
ثلاثة أيام على حسب اتفاق صلح الحديبية.
قالتْ فاطمة وهي تروي لعائشة ما حصل:
- لقد توقّف والدي رسول الله في موقعيْ الصفا والمروة، ثم حلق رأْسه ونحَر
ناقة، كما فعل في السنة الماضية بالحديبية. بهذه الطريقة وضع شعائر العمرة.
سألتها عائشة قائلة:
- هل دخل إلى الحرَم؟
- لقد كانت الأبواب موصدة. وعندما طالب بمفاتيحها، أجابه القرشيون بأنّ ذلك
لا يدخل ضمْن بنود الاتفاقية. فالحجّ التقليدي لا يدخل فيه الحجاج إلى
داخل الحرم.
ثمّ أجابتْها عائشة:
- سوف يقوم الدين الإسلامي بذلك، أليْس الحرم من بناء إبراهيم؟
- لكن اطمئنّي يا عائشة، لقد انتصرنا، هذا هو المهمّ. انتصرنا حين صعد
بلالا إلى الكعبة ونادى للصلاة، الأمْر الذي جعل الكثيرين يُفاجأون
ويُرهبون ويدخلون في الإسلام.
غيْر أنّ خاتمة الرحْلة لم تكن سارّة بالنسبة لعائشة. وقد كانتْ تستشعر ذلك
من قبلُ. ذلك أن الخبر كان قد انتشر بسرعة فائقة داخل مدينة يثرب قبل رجوع
القافلة التي يتقدّمها الرسول. فالرسول عاد منتصرا من هذه الرحلة إلى
مكّة، لكنه عاد بزوجة ثامنة إلى حريمه، هي برّة بنت الحارث التي سيغيّر
الرسول اسمها ليصبح «ميمونة». كانت ميمونة قد سمعت بقرب قدوم النبي الى مكة
المكرمة. فتمنت أن تهب نفسها له. فراحت إلى شقيقتها أمّ الفضل، زوجة
العباس بن عبد المطلب، والتي كانت مستودع أسرارها وأخبرتها بهذه الفكرة
التي تساورها، وما كان من أم الفضل إلا أنْ نقلت الامر إلى زوجها العباس،
الذي أطْلع النبيّ على الأمر، وأخبره بما يساور خلد السيدة «بُرة»
(الميمونة) التي كانت إمراة مسلمة ومؤمنة، وأكد له أن أبا رهم بن عبد العزى
زوج بُرة قد مات، وأن زوجته السابقة بُرة تنوي أنْ تقدم نفسها له، وسأله
إن كان يقبل اقتراحها ويوافق على الزواج منها. فأجاب النبي بالإيجاب، وبعث
لها ابن عمه جعفر بن أبي طالب ليخطبها له. وما أن قصد جعفر دار ميمونة، حتى
صادفها في الطريق وهي راكبة على ناقة، فأخبرها بأنه مبعوث النبي ليطلب
يدها له. فقالت:
- «الناقة ومن عليها ملكا لله ورسوله». هذه الخطوة تجاه الرسول جعلت اهل
مكة، يكثرون من الثرثرة إزاء ميمونة و يوجهون اللوم لها قائلين: إنها لم
تصبر حتى يتم النبي خطبتها، فوهبت نفسها له!!!... حتى أنزل جبريل في حقها1:
«يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك التي آتيت أجورهنّ وما ملكت يمينك
مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالتك التي
هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيّ إنْ أراد النبي أنْ يستنكحها
خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت
أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفوراً رحيماً» (سورة الأحزاب:50
الآية).
كان هذا الزواج السياسيّ الجديد قد سمح لمحمّد بتمتين أواصر العلاقات
المتوتّرة مع قبيلة المطّلب، ومع بني هاشم، ولعلّ من أبرز ثمارها هرولة
خالد بن الوليد، أحد الفرسان الأشاوس، للانحاء بين يدي الرسول لتقديم
الولاء له، وإعلان إسلامه واستعداده لخدمة محمد.
وجدتْ فاطمة متعة كبيرة في مواصلة حدثها عن الزّوجة الجديدة أمام عائشة التي قالتْ بنوْع من التّوتّر:
- إلى متى سيتمرّ في الزواج؟
أجابتْها فاطمة:
- لقدْ شجّعه جبريل بالآية التي جاء بها.
غيْر أن عائشة قالتْ مستغربة:
- إنه يبلغ من العمر ستّين سنة? ومعظم نسائه في ريعان شبابهنّ، ناهيك عن
الجواري وأمهات الولد مثل ريحانة ومارية. هل يستطيع إشباعنا كلّنا؟
هزّتْ فاطمة كتفيْها بسخْرية، لتواصلَ عائشة بنوع من الحسرة:
- نحن الآن سبعة.
1 تتباين الأخبار والروايات القديمة بشأن الطريقة التي تزوّج بها الرسول ميمونة: هلْ قام بذلك وهو مُحرم أم بعد الإحرام؟ (المترجم).
25-03-2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صفحة 2 من اصل 3 • 1, 2, 3
مواضيع مماثلة
» عائشة بنت أبي بكر الصديق
» عيد ميلاد عائشة
» عائشة رضوان
» عائشة بنت أحمد بن علي في ذمة الله
» عائشة الخطابي تحكي...
» عيد ميلاد عائشة
» عائشة رضوان
» عائشة بنت أحمد بن علي في ذمة الله
» عائشة الخطابي تحكي...
صفحة 2 من اصل 3
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى