وصلتني قبل قليل رسالة تقول “يكفي أن أصلك قرد، يكفي جدا أنك تؤمنين أن سلفك شمبانزي، أنت فعلا تشبهينه” لعل المرسل كان يود صفعي بما يظنه مصطلحا قدحيا، لعل هدفه الأسمى بالأساس كان أن يغضبني ويجعلني أقول له إصمت أيها الطيني المتسخ، اصمت فجدي كان يبول على مادتك الخام قبل أن تأتي أنت، لكن أبدا استبدت بي لحظتها رغبة سادية في الضحك، كنت أقهقه بشدة دون أعرف معنى لهذه الحالة الهيستيرية التي أصابتني، كل ما فكرت فيه حينها هو أنني سأسعد فعلا لو أنني قرد، على الأقل كنت لأكون الآن في جزيرة ما بأندونيسيا أو منتزه في قلب أفريقيا، أو حتى بإفران لا بأس، لكن على الأقل كنت سأكون حرة بالمعنى الخام للحرية، لم أكن سأتعب نفسي بالنقر على لوحة مفاتيح سخيفة كي أوصل فكرة، و لا كنت أيضا سأرهق نفسي في العمل، أو الدراسة، كنت سأكتفي بأكل الموز أو خطف الفول السوداني من يد سياح أجانب جاؤا ليروا قفزاتي وليسوا عابئين أبدا بانتمائي، و لعل الحظ كان ليسعفني فيربيني زوج عاقر يهب لي كل ثروته، أيضا لو أنني قرد لكنت سعيدة لأني على الأقل لن ألتقي قردا آخر يقض بكلامه مضجع فرويد، و يحرف كلامه غير عابئ بالجريمة التي يرتكبها في حق العلم، و يتحدث عن نظرية التطور كأنها وصفة ثريد أعدتها امرأة شمطاء لأبناء زوجها.
أنا لا أفهم أبدا كيف لشخص عاقل أن يجيبني عن سؤال عدد القارات اليوم قائلا أنت بشعة، أو كيف لإنسان عادي أن ينظر إلي ببلاهة وأسنان صفراء سائلا عن مدى حقيقة حملي لشهادة الباكالوريا في حين أن سؤالي كان عن موعد القطار القادم للجحيم. كأن لجمالي علاقة وطيدة بتكتونية الصفائح، كأن شكل أنفي و عيني و لون بشرتي سيساهمان بشكل أو بآخر في تحريك القطع الصخرية، أو كأن شهادتي الجامعية قد تتدخل فجأة لتوسوس في أذن سائق القطار أن يتأخر، أنا لا أفهم أبدا مدى التهافت الذي أصابنا جميعا، و كيف لجيل ينتظر منه بناء المستقبل أن يمارس مغالطة الرجل القش. فهل ترى شخصنة الموضوع و القدح الذي تكيله لطول شعري و نظافة أظافري، و عذريتي، و اسمي، و نسبي، هل ترى كل هذه الأشياء مجتمعة قد تغفر لك يوما تفاهتك؟ وأنك ضعفت و لم تستطع إجابة السؤال فرددت ببلادة راميا أحمالك على الله و الحظ؟
أخبرني أبي يوما أني سأصادف في محطة من المحطات نوعا من البشر يعرف لون اللباس الداخلي الذي لبسته على عجل في الصباح، ابتسم قليلا ثم قال المشكل يا ابنتي ليس في كونهم يبحثون جاهدين عن لونه، المشكل أنهم لا يرتدون واحد أصلا. حينها ابتسمت له ببلادة و أنا أردد ما أغرب الآباء، لم أصدقه، لم أصدق أبدا -أنا التي أقضي في الجامعة 4 ساعات يوميا و في العمل خمسا آخر و أعود آخر اليوم منهكة- أن الفراغ قد يصيب إنسانا ما لدرجة أن يسخر حياته للبحث عن آخر، بدل أن يبقي جسمه في نهر المحيط، أو فوق منضدة ماساج كي يرتاح. أما الآن فبودي لو أخبره أني صادفت هؤلاء، و أنهم فعلا يتجولون بدون “كراصين” غير آبهين بتهمة تشويه المنظر العام الذي من الممكن أن يلصقها بهم أي مواطن بسيط، بودي لو أقول له أن الله مسخهم فوضع أعضاءهم التناسلية فوق رؤوسهم لأنهم يفكرون بها، و أنهم لا يستطيعون سترها لأنها ستحجب عنهم الرؤية.
اليوم -كأي قرد عاقل- أجد نفسي مضطرة لأقف و أتساءل إلى أي حد قد يتمادى صراع الهوية والشخص بين أبناء البشر؟ و كيف تستطيع التفاهات أن تتحول بقدرة قادر إلى حرب طاحنة، جرائم قتل، و كوارث؟
في انتظار الجواب، أود أن أخبر الجميع أنني أفضل دائما أن أكون قردا، لأنه على رأي صديقتي الحيوانات اليوم أكثر إنسانية من الإنسان نفسه، بالمعنى الروحي للكلمة.