نوح عليه السلام
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
نوح عليه السلام
نوح "عليه السلام" عاش عمره صائماً [1] |
بقلم: د. عبدالباسط أمين الباحث بمجمع البحوث الإسلامية |
نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ - وهو إدريس - بن يرد بن مهلاييل بن قنين بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام. جاء مولده بعد وفاة آدم بمائه سنة وست وعشرين سنة علي حسب ما رواه ابن كثير عن ابن جرير وغيره. وعلي حسب رأي أهل الكتاب يكون بين مولد نوح وموت آدم عليهما السلام مائة وست وأربعون سنة. وكان بين نوح وآدم عليهما السلام عشرة قرون فقد روي الحافظ أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن أبي أمامة: إن رجلاً قال "يا رسول الله.. ابني كان آدم؟ قال: نعم مكلم قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون". روري الإمام البخاري في صحيح عن ابن عباس قال "وكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم علي الإسلام" ويعقب ابن كثير علي الآراء السابقة قائلاً: "فإن كان المراد بالقرن مائة سنة - كما هو المتبادر عند كثير من الناس - فبينهما ألف سنة لا محالة لكن لا ينبغي أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به ابن عباس بالإسلام؟ إذ قد يكون بينهما قرون أخري متأخرة لم يكونوا علي الإسلام. لكن حديث أبي أمامة يدل علي الحصر في عشرة قرون وزادنا ابن عباس! انهم كانوا علي الإسلام. وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ وغيرهم من أهل الكتاب: أن قابيل وبنيه عبدوا النار ويستطرد ابن كثير فيقول: "وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس كما في قوله تعالي: "وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح" "الإسراء: 17" وقوله: "ثم أنشأنا من بعدهم قرناً آخرين" "المؤمنون:31" وقال تعالي: "وقروناً بين ذلك كثراً" "الفرقان:38" وقال: "وكم أهلكنا قبلهم من قرن" "مريم:74" وكقوله عليه السلام:" خير القرون قرني" الحديث فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهور الطويلة فعلي هذا يكون بين آدم ونوح ألوف من السنين..". فنوح عليه السلام قد بعثه الله تعالي لما عبدت الأصنام. وشرع الناس في الضلالة والكفر. وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً. فبعث الله تعالي نوحاً رحمة للعباد. فكان أول رسول يبعث علي أهل الأرض حيث إن آدم عليه السلام وولديه شيث وإدريس عليهما السلام كانوا أنبياء. واختلف في مقدار سن نوح يوم بعث. فقيل كان ابن خمسين سنة وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة. وقد نقل ذلك ابن كثير عن ابن عباس وابن جرير. وكان قوم نوح عليه السلام علي حسب ما ذكره ابن كثير عن ابن جبير وغيره يقال لهم بنواراسب. وقد ذكر الله تعالي قصة نوح مع قومه في غير موضع من كتابه العزيز. كما جري ذكره أيضا في مواضع متفرقة من القرآن الكريم مدحه الله تعالي فيها وذم من خالفه. وقد قال الله تعالي في وصف نبيه نوح عليه السلام: "إنه كان عبداً شكوراً" "الاسراء:3" قيل: إنه كان يشكر الله علي طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله. والشكور هو الذي يعمل بجميع الطاعات القلبية والقولية والعملية. وعن صوم نوح عليه السلام روي ابن ماجة عن عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "صام نوح الدهر الا يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحي". وعن حج نوح عليه السلام روي الحافظ أبو يعلي عن عكرمة عن ابن عباس قال: حج رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما أتي وادي عسفان قال: يا أبا بكر.. أي واد هذا.. أي واد هذا؟ قال: هذا واد عسفان. قال: لقد مر بهذا نوح وهود وإبراهيم علي بكران - وهو الفتي من الإبل - لهم حمر خطهم الليف. أزرهم العباء وأرديتهم النمار يحجون البيت العتيق". |
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: نوح عليه السلام
نوح "عليه السلام" عاش عمره صائماً [2] |
بقلم: د. عبدالباسط أمين الباحث بمجمع البحوث الإسلامية |
ومن وصايا نوح لولده كما روي الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو قال: كنا عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيحان مزرورة بالديباج فقال: ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس - أو قال: يريد أن يضع كل فارس ابن فارس - ورفع كل راع ابن راع. قال: فأخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال: ألا أري عليك لباس من لا يعقل؟! ثم قال: إن نبي الله نوحاً عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك وصية. آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين: أمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله. وبسبحان الله وبحمده فإن بها صلات كل شيء وبها يرزق الخلق. وأنهاك عن الشرك والكبر قال: قلت أو قيل يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر؟ أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: لا قال: هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها؟ قال: لا قال: هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها؟ قال: لا؟ قال: هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: لا قلت أو قيل - يا رسول الله.. فما الكبر؟ قال: سفه الحق وغمط الناس. وقد كان لنوح عليه السلام أربعة أولاد هم: حام وسام ويافث ويام أو كنعان وهم قد ولدوا جميعاً من امرأته "عابر" التي قيل إنها ماتت قبل الطوفان. وقيل إنها غرقت مع من غرق. وكانت ممن سبق عليها القول لكفرها ويزعم أهل الكتاب علي حد قول ابن كثير ان نوحاً عليه السلام لما ركب في السفينة كان عمره ستمائة سنة وروي عن ابن عباس مثله وزاد: وعاش بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة. ويري ابن كثير أن في هذا القول نظر حيث يقول: "ثم إن لم يكن الجمع بينه وبين دلالة القرآن فهو خطأ محض. فإن القرآن يقتضي أن نوحاً مكث في قومه بعد البعثة وقبل الطوفان ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ثم الله أعلم كم عاش بعد ذلك فإن كان المحفوظ عن ابن عباس أنه بعث وله أربعمائة وثمانون سنة وأنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين فيكون قد عاش علي هذا ألف سنة وسبعمائة وثمانين سنة. وأما قبره عليه السلام فقد روي ابن كثير عن ابن جرير والأزرقي عن عبدالرحمن بن سابط أو غيره من التابعين مرسلاً أن قبر نوح عليه السلام بالمسجد الحرام.. وهذا أقوي وأثبت من الذي يذكره كثير من المتأخرين من أنه ببلدة بالبقاع تعرف اليوم "بكرك نوح". |
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: نوح عليه السلام
نـــــوح عليه السلام
قال تعالى:
( فأوحينا اليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فاذا جاء أمرنا وفار التنّور فاسلك فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك الا من سبق عليه القول منهم, ولا تخاطبني في الذين ظلموا, انهم مغرقون )
. المؤمنون 27.
1. الى من أرسل نوح
كل نبي أرسل لأمة, فموسى لبني اسرائيل, ومحمد لقريش وللعالمين, وصالح لقوم ثمود, وهود الى قوم عاد, وهكذا. وأما نوح فلمن أرسل من القوم؟ أرسل الى أولاد قابيل بن آدم ومن تابعهم من ولد شيت بن آدم (العرائس للثعلبي) وقد تحدث المفسرون عن ذلك فقالوا: كان لآدم نسلان من أولاده أو قبيلتان احداهما تسكن السهل والوادي الأخضر والآخرى تسكن الجبل. وكان للرجال في القبيلة التي تسكن الجبل جمال وروعة أما نساؤهم فكنّ ذوات دمامة وقبح. فالرجال أجمل من النساء كثيرا, أما القبيلة التي تسكن السهل والوادي فكانت نساؤها رائعة الجمال لا يستطيع الرجل أن يمعن النظر فيهن لشدة جمالهن, أما الرجال فكانوا على عكس ذلك فقد كانوا من القبح والدمامة بمكان فلا تطيق أن تعيش معهم من الدمامة والقبح.
واستغل ابليس هذه المفارقة العجيبة وأراد أن يخلطهما ببعض حتى تشيع الفاحشة بينهم, فنزل على رجل من أهل السهل, وجاءه على هيئة غلام ليعمل في بستانه وزرعه, فاستأجره وجعله خادما له, فجاء لبليس بمزمار يحدث صوتا مثل مزامير الرعاة للغنم, وبدأ يحدث به صوتا عاليا ليسمع قبيلة الجبل صوتا غريبا فجاؤوا على هذا الصوت, وأقاموا حفلا جعلوه عيدا كل عام يأتون اليه وبدأت نساء السهل تخرجن متبرّجات وهن على قدر من الجمال_ فرآهن الرجال, وهرع رجل من الجبل الى أصحابه يحكي لهم عن الخبر فتحولوا اليهم ونزلوا معهم وظهرت الفاحشة الكبرى وحقق ابليس ما كان يريده, فلقد أقسم في السماء ليغوينهم أجمعين الا الصالحين منهم والمؤمنين بالله عز وجل.
وكثر بنو قابيل وظهرت المعصية, وأكثروا الفساد_ وأصبح ابليس وأبنائه بينهم يفعلون بهم ما يريدون ويدعوهم الى المعصية فيستجيبون.
وقد كانت الفترة ما بين وفاة آدم ونوح عليهما السلام حافلة بالايمان والفساد وممن آمنوا وكانوا صالحين: ودّا ويغوث, ويعوق, وسواع, ونسر كانوا قوما صالحين وكان لهم أتباع يقتدون بهم.( تفسير ابن كثير سورة نوح).
وتذكر أن آدم عليه السلام له أربعون ولدا عشرون غلاما وعشرون جارية فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل, وود, كان ود يقال له: شيث ويقال له هبة الله, وقد جعله اخوته رئيسا وسيدا عليهم, وولد له سواع ويغوث ويعوق ونسر.
كان "ود" رجلا صالحا كما ذكرنا, وكان محببا في قومه, فلما مات عكفوا على الجلوس حول قبره في أرض بابل وحزنوا عليه حزنا شديدا وأصبحوا يزورون قبره بصفة دائمة, ورأى ابليس حالهم هذا وجزعهم عليه فأراد أن يستثمر هذا الضعف فيهم فتشبّه بصورة انسان ثم قال لهم: اني أرى جزعكم على هذا الرجل, فهل لكم أن أصوّر لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟.
فقالوا: نعم.
فصنع ابليس صنما مثل "ود" فوضعوه في ناديهم فجعلوا يقدّسون الصنم ويذكرونه صباح مساء.
فلما رأى ابليس ذلك منهم واطمأن الى غيّهم قال لهم في خطوة جعلته يتمكن من عقيدتهم ويفسدهم_قال: هل أجعل لكم في منزل كل منكم تمثالا مثله ليكون له في بيته فتذكرونه, وتعبدونه؟
قالوا: نعم.
فصنع لكل أهل بيت تمثالا مثله, فأقبلوا على هذه التماثيل الأصنام التي حملت اسم الرجل "ود" ولما جاء أبناؤهم أدركوا ما يفعله الآباء, جعلوا يقلّدونهم فيما يصنعون بهذ التماثيل من عبادة وتأليه, وتواليت بعد ذلك أجيالهم وأحفادهم في عبادة الأصنام, ونسوا "ود" الرجل الصالح وجعلوه صنما يعبد من دون الله وبذلك استطاع ابليس أن يحول اسم الرجل الصالح الى رمز للوثنيّة والكفر, فكان "ود" أول ما عبد غير الله, وكان أول صنم يعبد من غير الله اسمه "ود". (قصص الأنبياء لابن كثير).
قال تعالى:
( فأوحينا اليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فاذا جاء أمرنا وفار التنّور فاسلك فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك الا من سبق عليه القول منهم, ولا تخاطبني في الذين ظلموا, انهم مغرقون )
. المؤمنون 27.
1. الى من أرسل نوح
كل نبي أرسل لأمة, فموسى لبني اسرائيل, ومحمد لقريش وللعالمين, وصالح لقوم ثمود, وهود الى قوم عاد, وهكذا. وأما نوح فلمن أرسل من القوم؟ أرسل الى أولاد قابيل بن آدم ومن تابعهم من ولد شيت بن آدم (العرائس للثعلبي) وقد تحدث المفسرون عن ذلك فقالوا: كان لآدم نسلان من أولاده أو قبيلتان احداهما تسكن السهل والوادي الأخضر والآخرى تسكن الجبل. وكان للرجال في القبيلة التي تسكن الجبل جمال وروعة أما نساؤهم فكنّ ذوات دمامة وقبح. فالرجال أجمل من النساء كثيرا, أما القبيلة التي تسكن السهل والوادي فكانت نساؤها رائعة الجمال لا يستطيع الرجل أن يمعن النظر فيهن لشدة جمالهن, أما الرجال فكانوا على عكس ذلك فقد كانوا من القبح والدمامة بمكان فلا تطيق أن تعيش معهم من الدمامة والقبح.
واستغل ابليس هذه المفارقة العجيبة وأراد أن يخلطهما ببعض حتى تشيع الفاحشة بينهم, فنزل على رجل من أهل السهل, وجاءه على هيئة غلام ليعمل في بستانه وزرعه, فاستأجره وجعله خادما له, فجاء لبليس بمزمار يحدث صوتا مثل مزامير الرعاة للغنم, وبدأ يحدث به صوتا عاليا ليسمع قبيلة الجبل صوتا غريبا فجاؤوا على هذا الصوت, وأقاموا حفلا جعلوه عيدا كل عام يأتون اليه وبدأت نساء السهل تخرجن متبرّجات وهن على قدر من الجمال_ فرآهن الرجال, وهرع رجل من الجبل الى أصحابه يحكي لهم عن الخبر فتحولوا اليهم ونزلوا معهم وظهرت الفاحشة الكبرى وحقق ابليس ما كان يريده, فلقد أقسم في السماء ليغوينهم أجمعين الا الصالحين منهم والمؤمنين بالله عز وجل.
وكثر بنو قابيل وظهرت المعصية, وأكثروا الفساد_ وأصبح ابليس وأبنائه بينهم يفعلون بهم ما يريدون ويدعوهم الى المعصية فيستجيبون.
وقد كانت الفترة ما بين وفاة آدم ونوح عليهما السلام حافلة بالايمان والفساد وممن آمنوا وكانوا صالحين: ودّا ويغوث, ويعوق, وسواع, ونسر كانوا قوما صالحين وكان لهم أتباع يقتدون بهم.( تفسير ابن كثير سورة نوح).
وتذكر أن آدم عليه السلام له أربعون ولدا عشرون غلاما وعشرون جارية فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل, وود, كان ود يقال له: شيث ويقال له هبة الله, وقد جعله اخوته رئيسا وسيدا عليهم, وولد له سواع ويغوث ويعوق ونسر.
كان "ود" رجلا صالحا كما ذكرنا, وكان محببا في قومه, فلما مات عكفوا على الجلوس حول قبره في أرض بابل وحزنوا عليه حزنا شديدا وأصبحوا يزورون قبره بصفة دائمة, ورأى ابليس حالهم هذا وجزعهم عليه فأراد أن يستثمر هذا الضعف فيهم فتشبّه بصورة انسان ثم قال لهم: اني أرى جزعكم على هذا الرجل, فهل لكم أن أصوّر لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟.
فقالوا: نعم.
فصنع ابليس صنما مثل "ود" فوضعوه في ناديهم فجعلوا يقدّسون الصنم ويذكرونه صباح مساء.
فلما رأى ابليس ذلك منهم واطمأن الى غيّهم قال لهم في خطوة جعلته يتمكن من عقيدتهم ويفسدهم_قال: هل أجعل لكم في منزل كل منكم تمثالا مثله ليكون له في بيته فتذكرونه, وتعبدونه؟
قالوا: نعم.
فصنع لكل أهل بيت تمثالا مثله, فأقبلوا على هذه التماثيل الأصنام التي حملت اسم الرجل "ود" ولما جاء أبناؤهم أدركوا ما يفعله الآباء, جعلوا يقلّدونهم فيما يصنعون بهذ التماثيل من عبادة وتأليه, وتواليت بعد ذلك أجيالهم وأحفادهم في عبادة الأصنام, ونسوا "ود" الرجل الصالح وجعلوه صنما يعبد من دون الله وبذلك استطاع ابليس أن يحول اسم الرجل الصالح الى رمز للوثنيّة والكفر, فكان "ود" أول ما عبد غير الله, وكان أول صنم يعبد من غير الله اسمه "ود". (قصص الأنبياء لابن كثير).
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: نوح عليه السلام
وقد أضل بهذ الأصنام كثيرا من الأمم فقد استمرّت في عبادتها هذه الأمم قرونا عديدة حتى الى زمان جاهلية العرب قبل الاسلام وقد قال المفسرون (ابن عباس في تفسير ابن كثير): صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ذلك. فمثلا "ود" كان صنما لبني كلاب بن الجندل, وأما سواع فكانت لهزيل, وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف _عند سبأ_ وأما "يعوق" فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي كلاع وكلها قبائل عربية قديمة _ وهي أسماء قديمة لرجال صالحين عاشوا في زمن قبل نوح عليه السلام ما بين آدم ونوح.
وقد كان بين نوح وآدم عليهم السلام عشرة قرون, كلهم على شريعة من الحق, فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين, وقد جاء القرآ، بقوله تعالى:{ وما كان الناس الا أمّة واحدة فاختلفوا} البقرة 213, كانوا على الهدر جميعا فاختلفوا, وزيّن لهم الشيطان عبادة الأصنام, فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين, فكان أول نبي بعث نوح عليه السلام. تاريخ الطبري.
2. مئات السنين:
ان الله تبارك وتعالى لما أجمع القوم على العمل بما يعصيه سبحانه عز وجل ويكرهه من خلقه من ركوب الفواحش وشرب الخمور والاشتغال بالملاهي عن طاعته عز وجل. لما رأى منهم كل ذلك أرسل نوحا اليهم وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة, وقيل أربعمائة وثمانين سنة, ثم عاش بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين, وقيل انه دعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة. وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة, ثم مكث بعد ذلك ثلاثمئة وخمسين سنة. تاريخ الطبري.
لبث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة الا خمسين عاما كما قال الله عز وجل يدعوهم الى الله سرا وجهرا, فيمضي قرن (مئة سنة) بعد قرن, فلا يستجيبون له حتى مضى على ذلك ثلاثة قرون وهو يدعوهم جهارا نهارا _ وهم من دعوته على حالهم, لا يسمعون له ولا يستجيبون. كان كلما دعاهم هجموا عليه وخنقوه حتى يغشى عليه, ويسقط على الأرض مغشيا عليه, فاذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فانهم لايعلمون, وكان هذا العمل يتكرر دوما سنوات وسنوات وقيل أن نوحا كان يضرب من قومه حتى الوهن والضعف والمرض ويلف في ثياب كأنه مات, ويظن أنه قد مات, ثم يخرج فيدعوهم مرّة أخرى. (العرائس للثعلبي ص 47).
كان يخرج مرّة أخرى ومرات يدعوهم, حتى كان الآباء يقولون للأبناء: قد كان نوح مع آبائنا وأجدادنا, وأجداد أجدادنا _ انه رجل مجنون لم يقبلوا منه دعوة دعاها ونحن لن نقبل دعوة يدعوها.
وذات يوم جاء رجل ومعه ابنا يتوكأ على عصا مما أصابه من الشيخوخة, فقال العجوز لابنه وهو يشير الى نوح:
أنظر يا بني الى هذا الشيخ ايّاك أن يغرّك.
فقال الابن لأبيه: يا أبت أعطني العصا التي تتوكأ عليها.
فأعطاه أبوه الشيخ العجوز العصا التي كان يتوكأ عليها وجلس على الأرض, فمشى الابن الى نوح عليه السلام, فضربه عدّة ضربات ولكن نوح عليه السلام لم ييأس وظلّ يدعو قومه عشرات ومئات السنين ولكن دون جدوى.( قصص الأنبياء لابن كثير ص 65).
دعا نوح قومه الى افراد العبادة لله وحده لا شريك له, وألا يعبدوا معه صنما ولا تمثالا ولا طاغوتا وأن يعترفوا بوحدانيّته, وأنه لا اله غيره ولا رب سواه. وقال لهم نوح:
{اعبدوا الله ما لكم من اله غيره, اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}.
وقال:{ أن لا تعبدوا الا الله, اني أخاف عليكم عذاب يوم أليم}.
وقال لهم نوح:{ ياقوم اني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون}.
ترى بماذا أجابوا نوح بعد أن دعهم الى الله عز وجل بكل أنواع الدعوة في الليل والنهار, والسر والعلانية, بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى, فلم ينجح كل هذا, واستمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأصنام, ونصبوا لنوح العداوة في كل وقت وأوان, وتنقصوه وسخروا منه.
وقالوا له:{ انا لنراك في ضلال مبين}.
وقال لهم نوح:{ ياقوم ليس بي ضلالة ولكنّي رسول من ربّ العالمين} أي انني لست كما تزعمون من أني ضال, بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين, أي الذي يقول للشيء كن فيكون.
ثم قال نوح:{ أبلّغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}.
هكذا أجابهم نوح في بلاغ وذكاء وكلام مقنع لا جدال فيه.
فقالوا له:{ ما نراك الا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنّكم كاذبين}.
تعجب القوم أن يكون نوح بشرا رسولا, وتنقصوا ممن اتبعه وقالوا: انهم أراذلنا أي: الضعفاء منا, والأقل مكانة ومستوى منا, فنحن أفضل منهم مالا وحسبا ونسبا ولأنهم كذلك يا نوح: ضعفاء فقراء أراذل فقد استجابوا بمجرد ما دعوتهم اليه من غير نظر ولا رويّة ولا تمحيص.
ونسي هؤلاء الكفار أن الحق ظاهر لا يحتاج الى رويّة ولا فكر ولا نظر.
وظلوا يعترضون ويجادلون نوحا ومن آمن معه, فقالوا:
{ وما نرى لكم علينا من فضل} أي: لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالايمان ولا ميّزة علينا.
واتهموه وقومه بالكذب وقالوا:{ بل نظنّكم كاذبين}.
عند هذا الحد تحدث نوح عليه السلام بأنه صادق ولن يلزمهم أو يكرههم على شيء وأنه لا يريد منهم أجرا على دعوته اياهم, وان طلبت أجرا فاني سأطلبه من الله الذي ثوابه وأجره أفضل مما عندكم وخير مما تعطونني, ولن أطرد هؤلاء ولن أبعدهم عني فقد آمنوا بربهم مهما عرضتم من اغراءات.
قال لهم نوح:{ أرأيتم ان كنت على بيّنة من ربي وءاتاني رحمة من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} هود 29.
وقال نوح:{ وما أنا بطارد الذين ءامنوا, انهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون}. هود 29.
وقد تطاول الجدال والزمان بينهم وبين نوح عليه السلام, وكان كلما انقرض جيل منهم وصّ من بعده بعدم الايمان بدعوة نوح ومحاربته ومخالفته, وكان الوالد اذا بلغ ولده وعقل جلس اليه ووصاه فيما بينه وبينه, ألا يؤمن بنوح أبدا ما عاش وما بقي.
وقالوا:{ يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا}. هود 32.
ثم طلبوا معجزات ظنوا أن نوح لن يقدر عليها بأمر الله فقالوا:{ فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين{ هود 32.
وجاء ردّه الأخير:{ ولا ينفعكم نصحي ان أردت أن أنصح لكم ان كان الله يريد أن يغويكم, هو ربّكم واليه ترجعون} هود 34.
وجاء التأكيد من الله عز وجل أنه لا فائدةمن هؤلاء فلن يؤمن منهم أحد الا من آمن. وقال الله عز وجلّ لنوح:
{ وأوحى الى نوح أنه لن يؤمن من قومك الا من قد ءامن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} هود36.
وبدأ نوح عليه السلام ينتظر أوامر أخرى من ربّه.
وقد كان بين نوح وآدم عليهم السلام عشرة قرون, كلهم على شريعة من الحق, فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين, وقد جاء القرآ، بقوله تعالى:{ وما كان الناس الا أمّة واحدة فاختلفوا} البقرة 213, كانوا على الهدر جميعا فاختلفوا, وزيّن لهم الشيطان عبادة الأصنام, فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين, فكان أول نبي بعث نوح عليه السلام. تاريخ الطبري.
2. مئات السنين:
ان الله تبارك وتعالى لما أجمع القوم على العمل بما يعصيه سبحانه عز وجل ويكرهه من خلقه من ركوب الفواحش وشرب الخمور والاشتغال بالملاهي عن طاعته عز وجل. لما رأى منهم كل ذلك أرسل نوحا اليهم وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة, وقيل أربعمائة وثمانين سنة, ثم عاش بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين, وقيل انه دعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة. وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة, ثم مكث بعد ذلك ثلاثمئة وخمسين سنة. تاريخ الطبري.
لبث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة الا خمسين عاما كما قال الله عز وجل يدعوهم الى الله سرا وجهرا, فيمضي قرن (مئة سنة) بعد قرن, فلا يستجيبون له حتى مضى على ذلك ثلاثة قرون وهو يدعوهم جهارا نهارا _ وهم من دعوته على حالهم, لا يسمعون له ولا يستجيبون. كان كلما دعاهم هجموا عليه وخنقوه حتى يغشى عليه, ويسقط على الأرض مغشيا عليه, فاذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فانهم لايعلمون, وكان هذا العمل يتكرر دوما سنوات وسنوات وقيل أن نوحا كان يضرب من قومه حتى الوهن والضعف والمرض ويلف في ثياب كأنه مات, ويظن أنه قد مات, ثم يخرج فيدعوهم مرّة أخرى. (العرائس للثعلبي ص 47).
كان يخرج مرّة أخرى ومرات يدعوهم, حتى كان الآباء يقولون للأبناء: قد كان نوح مع آبائنا وأجدادنا, وأجداد أجدادنا _ انه رجل مجنون لم يقبلوا منه دعوة دعاها ونحن لن نقبل دعوة يدعوها.
وذات يوم جاء رجل ومعه ابنا يتوكأ على عصا مما أصابه من الشيخوخة, فقال العجوز لابنه وهو يشير الى نوح:
أنظر يا بني الى هذا الشيخ ايّاك أن يغرّك.
فقال الابن لأبيه: يا أبت أعطني العصا التي تتوكأ عليها.
فأعطاه أبوه الشيخ العجوز العصا التي كان يتوكأ عليها وجلس على الأرض, فمشى الابن الى نوح عليه السلام, فضربه عدّة ضربات ولكن نوح عليه السلام لم ييأس وظلّ يدعو قومه عشرات ومئات السنين ولكن دون جدوى.( قصص الأنبياء لابن كثير ص 65).
دعا نوح قومه الى افراد العبادة لله وحده لا شريك له, وألا يعبدوا معه صنما ولا تمثالا ولا طاغوتا وأن يعترفوا بوحدانيّته, وأنه لا اله غيره ولا رب سواه. وقال لهم نوح:
{اعبدوا الله ما لكم من اله غيره, اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}.
وقال:{ أن لا تعبدوا الا الله, اني أخاف عليكم عذاب يوم أليم}.
وقال لهم نوح:{ ياقوم اني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون}.
ترى بماذا أجابوا نوح بعد أن دعهم الى الله عز وجل بكل أنواع الدعوة في الليل والنهار, والسر والعلانية, بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى, فلم ينجح كل هذا, واستمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأصنام, ونصبوا لنوح العداوة في كل وقت وأوان, وتنقصوه وسخروا منه.
وقالوا له:{ انا لنراك في ضلال مبين}.
وقال لهم نوح:{ ياقوم ليس بي ضلالة ولكنّي رسول من ربّ العالمين} أي انني لست كما تزعمون من أني ضال, بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين, أي الذي يقول للشيء كن فيكون.
ثم قال نوح:{ أبلّغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}.
هكذا أجابهم نوح في بلاغ وذكاء وكلام مقنع لا جدال فيه.
فقالوا له:{ ما نراك الا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنّكم كاذبين}.
تعجب القوم أن يكون نوح بشرا رسولا, وتنقصوا ممن اتبعه وقالوا: انهم أراذلنا أي: الضعفاء منا, والأقل مكانة ومستوى منا, فنحن أفضل منهم مالا وحسبا ونسبا ولأنهم كذلك يا نوح: ضعفاء فقراء أراذل فقد استجابوا بمجرد ما دعوتهم اليه من غير نظر ولا رويّة ولا تمحيص.
ونسي هؤلاء الكفار أن الحق ظاهر لا يحتاج الى رويّة ولا فكر ولا نظر.
وظلوا يعترضون ويجادلون نوحا ومن آمن معه, فقالوا:
{ وما نرى لكم علينا من فضل} أي: لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالايمان ولا ميّزة علينا.
واتهموه وقومه بالكذب وقالوا:{ بل نظنّكم كاذبين}.
عند هذا الحد تحدث نوح عليه السلام بأنه صادق ولن يلزمهم أو يكرههم على شيء وأنه لا يريد منهم أجرا على دعوته اياهم, وان طلبت أجرا فاني سأطلبه من الله الذي ثوابه وأجره أفضل مما عندكم وخير مما تعطونني, ولن أطرد هؤلاء ولن أبعدهم عني فقد آمنوا بربهم مهما عرضتم من اغراءات.
قال لهم نوح:{ أرأيتم ان كنت على بيّنة من ربي وءاتاني رحمة من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} هود 29.
وقال نوح:{ وما أنا بطارد الذين ءامنوا, انهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون}. هود 29.
وقد تطاول الجدال والزمان بينهم وبين نوح عليه السلام, وكان كلما انقرض جيل منهم وصّ من بعده بعدم الايمان بدعوة نوح ومحاربته ومخالفته, وكان الوالد اذا بلغ ولده وعقل جلس اليه ووصاه فيما بينه وبينه, ألا يؤمن بنوح أبدا ما عاش وما بقي.
وقالوا:{ يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا}. هود 32.
ثم طلبوا معجزات ظنوا أن نوح لن يقدر عليها بأمر الله فقالوا:{ فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين{ هود 32.
وجاء ردّه الأخير:{ ولا ينفعكم نصحي ان أردت أن أنصح لكم ان كان الله يريد أن يغويكم, هو ربّكم واليه ترجعون} هود 34.
وجاء التأكيد من الله عز وجل أنه لا فائدةمن هؤلاء فلن يؤمن منهم أحد الا من آمن. وقال الله عز وجلّ لنوح:
{ وأوحى الى نوح أنه لن يؤمن من قومك الا من قد ءامن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} هود36.
وبدأ نوح عليه السلام ينتظر أوامر أخرى من ربّه.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: نوح عليه السلام
3. بدء المعجزة الكبرى:
بدأت المعجزة الكبرى لنوح عليه السلام بحوار جميل بينه وبين ربّه وكان بمثابة تقرير كامل عما كلفه الله به من عمل جاء في هذا الحوار الكريم:
{ قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا* فلم يزدهم دعائي الا فرارا * واني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في ءاذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا * ثمّ اني دعوتهم جهارا * ثم اني أعلنت لهم وأسررت لهم اسرارا * فقلت استغفروا ربّكم انه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا} نوح 5-11.
وظلّ نوح عليه السلام يذكر لقومه ما دعاهم اليه, ويصوّر لهم عظمة الله في خلقه, ويبيّن لهم نعم الله عليهم _ ولم يكن لهذا اجابة أو سبيل_ فقد ضلوا ضلالا شديدا, وزاد فسادهم وخبثهم مع كثرة جدالهم واحساسهم بأنهم الأكثر فهما وعلما من نوح وهنا قدّم نوح عليه السلام نتائج عمله طوال مئات السنين وصبره على أجيال وأجيال منهم, فدعا ربه أن يهلكهم حتى لا يفسدوا في الأرض ويضلوا غيرهم ضلالا بعيدا وقال:
{ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا * انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا} نوح 26-27.
وجاء الأمر الكريم الذي حمل في طيّاته معجزات عظيمة.
قال الله تعالى لنوح عليه السلام:
{ واصنع الفلك بأعيننا ووحينا} هود 37.
ولربما قال نوح: يا رب وما الفلك؟
فقال له: بيت من خشب يجري على وجه الماء حتى أغرق أهل المعصية وأريح أرضي منهم.
ربما سأل نوح عن الماء, وهو يعلم أن الله على كل شيء قدير.
وقيل ان نوحا سأل عن الخشب, فأمره ربّه بغرس شجر الساج كثير الخشب عظيم الأصول والفروع, فأمره الله تعالى بذلك وظلّ يغرس ويغرس وانتظر أربعين عاما حتى أصبح الشجر غابات هائلة. وفي هذه السنوات توقف نوح عن دعوة قومه الى عبادة الله فلم يدعهم فأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد, فلما كبر الشجر أمره ربه أن يقطع الشجر فقطعه وجففه ثم قال: يا رب كيف أتخذ هذا البيت أي كيف أصنع هذه السفينة؟ فقال له: اجعله مائلا على ثلاث صور رأسه كرأس الديك وجوفه كجوف الطير وذنبه كذنب الديك مائلا واجعلها متطابقة واجعل أبوابها في جنبيها واجعلها ثلاث طبقات واجعل طولها ثمانين ذراعا وارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعا. أورد هذا الثعلبي في العرائس وقال أن هذا قول أهل الكتاب .ص 47-48.
هذا المجنون يتخذ بيتا يسير به على الماء_ يقصدون السفينة_ ثم يضحكون.
وقد جاءت صورة هذا المشهد في القرآن الكريم في قوله تعالى: { ويصنع الفلك وكلما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه} هود 39. أي يستهزئون به وقد استبعدوا أن يحدث ما توعّدهم به.
فيجيب عليهم نوح قائلا: { قال ان تسخروا منّا فانّا نسخر منكم كما تسخرون}. هود 39.
ثم أضاف موضحا ما توعّدهم بأنه وقومه سوف يسخر منهم ويتعجب منهم من استمرارهم على كفرهم وعنادهم الذي سوف يقتضي وقوع العذاب بهم وحلوله عليهم لاحقا (قصص الأنبياء لابن كثير ص 180), مؤكدا وقوع ذلك بقوله:{ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم} هود 39.
وأوحى الله الى نوح عليه السلام أن عجّل صنعة الفلك, وانته من صناعة السفينة, فقد اشتد غضبا على من عصاه _ عند ذلك استأجر نوح أجراء وعمّال يعملون معه في صنع السفينة وأولاده سام وحام ويافث ينحتون معه السفينة فجعلها ستمائة وستين ذراعا للطول وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا وطولها في السماء ثلاثة وثلاثين ذراعا وطلاها بالقار داخلها وخارجها بعد أن فجر الله له عين القار بجوار السفينة تغلي غليانا وشدّها بالمسامير الحديد وطلاها كلها بالقار, وجاء في قوله عن المسامير الحديد:{ وحملناه على ذات ألواح ودسر}.
وقد كان عيسى بن مريم يحيي الموتى بأمر الله, فقال له الحواريون: لو بعثت لنا رجلا من قبره يكون قد رأى سفينة نوح فيحدثنا عنها! فانطلق عيسى عليه السلام والحواريون خلفه حتى وصل الى كثيب من تراب, فأخذ حفنة من التراب وقال: أتدرون ما هذا التراب؟
قالوا: الله ورسوله أعلم!!
قال عليه السلام: هذا قبر حام بن نوح, فضرب التراب بعصاه وقال: قم باذن الله, فاذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه, وقد شاب شعره وأصبح شيخا عجوزا, فقال له عيسى عليه السلام: أهكذا مت وهلكت؟
فقال حام بن نوح: لا, ولكني مت وأنا شاب؛ ولكني ظننت أنه الساعة (يوم القيامة) فشبت من الخوف.
فقال عيسى عليه السلام: حدّثنا عن سفينة نوح.
قال: كان طولها ألف ذراه ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات: فطبقة فيها الدواب والوحوش, وطبقة فيها الانس, وطبقة فيها الطير.
فلما كثر ارواث الدواب أوحى الله الى نوح أن اغمز ذنب الفيل, فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة, فأقبلا على روث الحيوانات. رواية الطبري في تاريخه عن ابن عباس ج 1 ص 181 طبعة احياء التراث.
بدأت المعجزة الكبرى لنوح عليه السلام بحوار جميل بينه وبين ربّه وكان بمثابة تقرير كامل عما كلفه الله به من عمل جاء في هذا الحوار الكريم:
{ قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا* فلم يزدهم دعائي الا فرارا * واني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في ءاذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا * ثمّ اني دعوتهم جهارا * ثم اني أعلنت لهم وأسررت لهم اسرارا * فقلت استغفروا ربّكم انه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا} نوح 5-11.
وظلّ نوح عليه السلام يذكر لقومه ما دعاهم اليه, ويصوّر لهم عظمة الله في خلقه, ويبيّن لهم نعم الله عليهم _ ولم يكن لهذا اجابة أو سبيل_ فقد ضلوا ضلالا شديدا, وزاد فسادهم وخبثهم مع كثرة جدالهم واحساسهم بأنهم الأكثر فهما وعلما من نوح وهنا قدّم نوح عليه السلام نتائج عمله طوال مئات السنين وصبره على أجيال وأجيال منهم, فدعا ربه أن يهلكهم حتى لا يفسدوا في الأرض ويضلوا غيرهم ضلالا بعيدا وقال:
{ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا * انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا} نوح 26-27.
وجاء الأمر الكريم الذي حمل في طيّاته معجزات عظيمة.
قال الله تعالى لنوح عليه السلام:
{ واصنع الفلك بأعيننا ووحينا} هود 37.
ولربما قال نوح: يا رب وما الفلك؟
فقال له: بيت من خشب يجري على وجه الماء حتى أغرق أهل المعصية وأريح أرضي منهم.
ربما سأل نوح عن الماء, وهو يعلم أن الله على كل شيء قدير.
وقيل ان نوحا سأل عن الخشب, فأمره ربّه بغرس شجر الساج كثير الخشب عظيم الأصول والفروع, فأمره الله تعالى بذلك وظلّ يغرس ويغرس وانتظر أربعين عاما حتى أصبح الشجر غابات هائلة. وفي هذه السنوات توقف نوح عن دعوة قومه الى عبادة الله فلم يدعهم فأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد, فلما كبر الشجر أمره ربه أن يقطع الشجر فقطعه وجففه ثم قال: يا رب كيف أتخذ هذا البيت أي كيف أصنع هذه السفينة؟ فقال له: اجعله مائلا على ثلاث صور رأسه كرأس الديك وجوفه كجوف الطير وذنبه كذنب الديك مائلا واجعلها متطابقة واجعل أبوابها في جنبيها واجعلها ثلاث طبقات واجعل طولها ثمانين ذراعا وارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعا. أورد هذا الثعلبي في العرائس وقال أن هذا قول أهل الكتاب .ص 47-48.
هذا المجنون يتخذ بيتا يسير به على الماء_ يقصدون السفينة_ ثم يضحكون.
وقد جاءت صورة هذا المشهد في القرآن الكريم في قوله تعالى: { ويصنع الفلك وكلما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه} هود 39. أي يستهزئون به وقد استبعدوا أن يحدث ما توعّدهم به.
فيجيب عليهم نوح قائلا: { قال ان تسخروا منّا فانّا نسخر منكم كما تسخرون}. هود 39.
ثم أضاف موضحا ما توعّدهم بأنه وقومه سوف يسخر منهم ويتعجب منهم من استمرارهم على كفرهم وعنادهم الذي سوف يقتضي وقوع العذاب بهم وحلوله عليهم لاحقا (قصص الأنبياء لابن كثير ص 180), مؤكدا وقوع ذلك بقوله:{ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم} هود 39.
وأوحى الله الى نوح عليه السلام أن عجّل صنعة الفلك, وانته من صناعة السفينة, فقد اشتد غضبا على من عصاه _ عند ذلك استأجر نوح أجراء وعمّال يعملون معه في صنع السفينة وأولاده سام وحام ويافث ينحتون معه السفينة فجعلها ستمائة وستين ذراعا للطول وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا وطولها في السماء ثلاثة وثلاثين ذراعا وطلاها بالقار داخلها وخارجها بعد أن فجر الله له عين القار بجوار السفينة تغلي غليانا وشدّها بالمسامير الحديد وطلاها كلها بالقار, وجاء في قوله عن المسامير الحديد:{ وحملناه على ذات ألواح ودسر}.
وقد كان عيسى بن مريم يحيي الموتى بأمر الله, فقال له الحواريون: لو بعثت لنا رجلا من قبره يكون قد رأى سفينة نوح فيحدثنا عنها! فانطلق عيسى عليه السلام والحواريون خلفه حتى وصل الى كثيب من تراب, فأخذ حفنة من التراب وقال: أتدرون ما هذا التراب؟
قالوا: الله ورسوله أعلم!!
قال عليه السلام: هذا قبر حام بن نوح, فضرب التراب بعصاه وقال: قم باذن الله, فاذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه, وقد شاب شعره وأصبح شيخا عجوزا, فقال له عيسى عليه السلام: أهكذا مت وهلكت؟
فقال حام بن نوح: لا, ولكني مت وأنا شاب؛ ولكني ظننت أنه الساعة (يوم القيامة) فشبت من الخوف.
فقال عيسى عليه السلام: حدّثنا عن سفينة نوح.
قال: كان طولها ألف ذراه ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات: فطبقة فيها الدواب والوحوش, وطبقة فيها الانس, وطبقة فيها الطير.
فلما كثر ارواث الدواب أوحى الله الى نوح أن اغمز ذنب الفيل, فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة, فأقبلا على روث الحيوانات. رواية الطبري في تاريخه عن ابن عباس ج 1 ص 181 طبعة احياء التراث.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: نوح عليه السلام
4. فار التنور
نعود الى نوح عليه السلام.
انتهى نوح من السفينة فبناها, وأعدها كما يجب, وما بقي الا ايجاد البحر الذي ستبحر عليه وتتطهر الأرض بمائه من دنس الكفار.
حدّد الله مكان وزمان البداية بأمر عظيم وكريم, فجعل خروج الماء من التنور وفورانه هو بداية المعجزة الكبرى التي هزت الدنيا بأسرها, وقد كانت كلمة السر أو علامة السر هي فوران التنور, وقد قالوا عن فوران التنور عدة أقوال أولها: أنه طلوع الفجر وبزوغ الصباح.
وأشهر ما قيل في التنور أنه مكان صناعة الخبز, وكان فرنا أو تنورا من حجارة, وكان لآدم ثم انتقل الى نوح فقيل له: اذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك. فنبع الماء من التنور فعلمت به امرأته فأخبرته وقالت له: لقد فار الماء من التنور.
وقيل ان التنور فار في الكوفة, وقيل بالشام في موضع اسمه عين الورق, وقيل انه بالهند. تاريخ الطبري ج1 ص 182 والعرائس للثعلبي ص 48.
فلما رأى نوح فوران التنور علم أنها البداية, بداية هلاك قومه.
كان فوران الماء علما واخبارا لنوح عليه السلام ببداية معجزته كنبي ودليلا على هلاك قومه_ كان الأمر الرباني من جزئين:
الجزء الأول: اشارة البدء المتفق عليها والموصى بها لنوح عليه السلام وهي فوران التنور.
أما الجزء الثاني قكان كما ذكرت الآية الكريمة:{ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك الا من سبق عليه القول ومن ءامن, وما ءامن معه الا قليل} هود 40.
وقد قال المفسرون: ان الله أرسل المطر أربعين يوما وليلة فأقبلت الوحوش والطير والدواب الى نوح حين أصابها المطر, وسخرت له, فحمل كل منها كما أمره الله عز وجل:{ من كل زوجين اثنين} وبدأ في اذخال الحيوانات والطيور وكان آخر ما حمل الحمار فلما دخل الحمار بصدره تعلق ابليس بذنبه أو ذيله فلم تستقل رجلاه فجعل نوح يقول ادخل فينهض فلا يستطيع _ حتى قيل ان نوح قال: ويحك ادخل وان كان الشيطان معك _ كلمة زلّ بها لسان نوح فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه. فقال له نوح: ما أدخلك يا عدو الله _ فقال الشيطان: ألم تقل أدخل ولو كان الشيطان معك؟ّ!
قال نوح: أخرج يا عدو الله..
فقال: ما أخرج _ وزعم المؤرخون أنه أي الشيطان كان في الفلك. عرائس المجالس ص 49.
وقيل ان الحيّة والعقرب أتيا نوح فقالا: احملنا فقال: انكما سبب الضرر والبلايا فلا أحملكما.
قالا: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك, فمن قرأ حين يخاف مضرتهما ( الحية والعقرب) من قرأ:{ سلام على نوح من العالمين * انا كذلك نجزي المحسنين * انه من عبادنا المؤمنين} لم يضراه أو يصيبه أذى أبدا.
وقيل ان نوح عليه السلام قال: يا رب كيف أصنع بالأسد والبقر, وكيف أصنع بالعناق والذئاب, وكيف أصنع بالحمام والقط؟
قال الله تعالى لنوح: من ألقى بينهم العداوة يا نوح؟
قال نوح عليه السلام: أنت يا رب العالمين.
فقال عز وجلّ لنوح: فأنا الذي أؤلف بينهم حتى لا يتضاروا ولا يضرّ بعضهم بعضا.
فحمل نوح عليه السلام السباع والدواب في الطبقة الأولى.
فألقى الله على الأسد الحمى وشغله بنفسه عن الدواب والبقر.
وجعل الوحوش في الطابق الثاني من السفينة, وركب هو ومن معه من أولاد آدم في الطبقة العليا.
وهبط جبريل هليه السلام الى الأرض.. وحمل الى نوح عليه السلام في السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين, بقرة وثورا, فيلا وفيلة, عصفورا وعصفورة, نمرا ونمرة, قطا وقطة.. الى آخر المخلوقات.
كان نوح عليه السلام قد صنع أقفاصها للوحوش وهو يصنع السفينة.. وساق جبريل عليه السلام أمامه من كل زوجين اثنين, لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض.
وهذ دليل على أن الطوفان أغرق الأرض كلها, فلولا ذلك ما كان معنى لحمل كل هذه الأنواع من المخلوقات حيوان وطير_ أليف وغير أليف صعدت كل هذه الحيوانات والوحوش والطيور كما ذكرنا, وصعد الذين آمنوا مع نوح, قيل انهم كانوا ثمانين انسانا. ابن عباس , العرائس ص49.
كان عدد المؤمنين قليلا.
فقد جاء تأكيد ذلك في الآية الكريمة: { وأهلك الا من سبق عليه القول ومن ءامن, وما ءامن معه الا قليل}. هود40.
انتهى كل هذا وأصبحت السفينة جاهزة على الأرض. وانتظر نوح ومن معه أمر الله سبحانه عز وجلّ, وقد جعل الله فوران التنّور آية بينه وبين نوح وعهد الله اليه فقال: اذا رأيت التنور قد فار فاركب أنت ومن معك على الفلك واحمل فيها من كل زوجين اثنين كما قال الله تعالى:{ حتى اذا جاء أمرنا وفار التنور}.
جاء أمر الله هنا أي: جاء عذابه وهو الطوفان الهادر.
لم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد الى السفينة وهي أم أولاده كلهم وهم: حام وسام ويافث ويام, ويسميه أهل الكتاب كنعان, وهو الذي قد غرق في الظوفان, فقد ماتت قبل الطوفان وقيل انها غرقت مع من غرق, وكانت ممن سبق عليها القول لكفرها. وقد نزلت فيها الآية الكريمة في سورة التحريم في قوله تعالى: { ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأة لوط, كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين}.
وبدأ الطوفن الهادر.. وما أدراك ما الطوفان الهادر..
جاء وصف الطوفان في القرآن _ حينما جاء أمر الله_ وفار التور في الفرن الكائن في بيت نوح عليه اليلام.
قال القرآن الكريم عن الطوفان الذي سبقه دعاء نوح, قال نوح: { فدعا ربه أني مغلوب فانتصر}.
ماذا حدث بعد هذا الدعاء؟ بدأ الطوفان الهادر بأمر من الله, اذ يقول الله عز وجل: { ففتحناأبواب السماء بماء منهمر}, { وفجرنا الأرض عيونا}.
أرسل الله من السماء مطرا لم تعهده الأرض قبله ولا تمطره بعده, وكانن كأفواه القرب, وأمر الله الأرض فنبعت م جميع أرجائها.. آبارا وعيونا تضخ بالماء.
ارتفع الماء الى أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعا وهو الذي قاله أهل الكتاب وقيل ثمانين ذراعا. وعمّ جميع الأرض طولها والعرض سهلها وحزنها, وجبالها وقفارها ورمالها, ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ولا صغير ولا كبير, وكان أهل ذلك الزمان قد ملؤوا السهل والجبل, فلم تكن بقعة على الأرض الا ولها ملك وصاحب وحائز. قصص الأنبياء لابن كثير ص 73.
ارتفعت المياه من فتحات الأرض, لم تبق هناك فتحة في الأرض الا وخرج منها الماء انهمرت من السماء أمطارا غزيرة بكميّات لم تر مثلها الأرض, ومضت ساعات وساعات وانفجرت حركة غير عادية, ارتفعت قيعان المحيطات ارتفاعات مفاجئة, واندفع موج البحار يكتسح الجزء اليابس من الأرض.
وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه.
لم تعد كرة أرضية, با أصبحت كرة مائية, لأن الطوفان أغرقها جميعا بالماء ولم يبق فيها أرض يابسة أبدا.
وقد ذكر أن الطوفان حدث في شهر أغسطس, في الثالث عشر منه. تاريخ الطبري ج 1 ص 189 ط المعارف.
وقد طغى الماء وارتفع الموج ارتفاعا هائلا, وقال عز وجلّ:{ انا لمّا طغا الماء حملناكم في الجارية* لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية} الحاقة 11-12.
كان كنعان بن نوح عليه السلام كافرا, ولم يكن نوح يعرف هذا عنه حتى جاءت لحظة الطوفان, وكان يتصوّر أنه مؤمن عنيد, اختار النجاة باللجوء الى الجبل, وكان ارتفاع الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يعرف نوح أنه مؤمن وقد جاء هذا الحوار في القرآن الكريم:
{ وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء, قال لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رحم, وحال بينهما الكوج فكان من المغرقين}.
وعندما حال الموج بين موح عليه السلام وبين ابنه, ولم يكن نوح قد تأكذ من ايمان ابنه, ولم يعلم أنه من الكافرين. لجأ نوح عليه السلام الى ربه ترى ماذا قال نوح عليه السلام لربه
في شأن ابنه. ذلك ما ترويه الآية المباركة فتقول:
ونادى نوح ربه فقال: { ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي وانّ وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} هود45.
أراد نوح أن يقول لربه, أن ابنه من أهله, وقد وعده الله بنجاة كل أهله المؤمنين. فجاء الرد من الله عز وجلّ لنوح عليه السلام, ليكشف حقيقة هذا الابن الغريق.
قال تعالى:{ قال يانوح انه ليس من أهلك, انه عمل غير صالح, فلا تسئلن ما ليس لك به علم, اني أعظك أن تكون من الجاهلين} هود 46.
غرق الابن, وغرق أهل الكفر والطغيان, وبدأت رحلة العودة, الوعدة للأرض الطاهرة التي خلت تماما من الكفر والكفار.
جاء الأمر من الله:{ وقيل يا أرض ابلعي ماءك} فتوقف الماء الذ كان يتدفق من العيون.
{ وياسماء أقلعي} فتوقف الماء المنهمر من السماء.
{ وغيض الماء} بمعنى أنه نقص, وانصرف عائدا الى باطن الأرض.
ورست سفينة نوح عليه السلام على الأرض, وهلك الظالمون, وقال رب العزة لنوح:{ اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك, وأمم سنمتعهم ثم يمسّهم منا عذاب أليم}.
ورست السفينة, وهبط نوح عليه السلام, وأطلق سراح الطيور والوحوش فتفرّقت في الأرض جميعا, وعلم نوح عليه السلام أن الأرض قد جفت ويبست من الماء عندما بعث غرابا يأتيه بالخبر, فوجد "جيفة" فظلّ يأكل منها واشتغل عنه بالأكل ولم يرجع اليه فدعا عليه بالخوف ولذلك الغراب لا يألف البيوت. العرائس ص 51.
ثم بعث الحمامة فطارت وجاءت عائدة بغصن زيتون بمنقارها وطين برجليها فعلم أن البلاد قد جفت وطوقها بالخضرة التي نجدها في عنق الحمام أحيانا ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت, ويربيها الناس فلا تخاف وتطير مسافات وتعود الى أصحابها.
هذه هي معجزة نوح , لم تكن معجزة التنور الذي فار منه الماء وحده وانما حياة نوح ألف سنة الاخمسين معجزة.
وبناء السفينة وما احتاجه من زراعة الشجر وانتظار خشبه عشرات السنين معجزة.
وركوب السفينة مع الحيوانات على اختلاف أنواعها معجزة.
والطوفان الهادر معجزة, والهبوط معجزة.
انها معجزات النبي نوح عليه السلام وليست قصة حياته.
نعود الى نوح عليه السلام.
انتهى نوح من السفينة فبناها, وأعدها كما يجب, وما بقي الا ايجاد البحر الذي ستبحر عليه وتتطهر الأرض بمائه من دنس الكفار.
حدّد الله مكان وزمان البداية بأمر عظيم وكريم, فجعل خروج الماء من التنور وفورانه هو بداية المعجزة الكبرى التي هزت الدنيا بأسرها, وقد كانت كلمة السر أو علامة السر هي فوران التنور, وقد قالوا عن فوران التنور عدة أقوال أولها: أنه طلوع الفجر وبزوغ الصباح.
وأشهر ما قيل في التنور أنه مكان صناعة الخبز, وكان فرنا أو تنورا من حجارة, وكان لآدم ثم انتقل الى نوح فقيل له: اذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك. فنبع الماء من التنور فعلمت به امرأته فأخبرته وقالت له: لقد فار الماء من التنور.
وقيل ان التنور فار في الكوفة, وقيل بالشام في موضع اسمه عين الورق, وقيل انه بالهند. تاريخ الطبري ج1 ص 182 والعرائس للثعلبي ص 48.
فلما رأى نوح فوران التنور علم أنها البداية, بداية هلاك قومه.
كان فوران الماء علما واخبارا لنوح عليه السلام ببداية معجزته كنبي ودليلا على هلاك قومه_ كان الأمر الرباني من جزئين:
الجزء الأول: اشارة البدء المتفق عليها والموصى بها لنوح عليه السلام وهي فوران التنور.
أما الجزء الثاني قكان كما ذكرت الآية الكريمة:{ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك الا من سبق عليه القول ومن ءامن, وما ءامن معه الا قليل} هود 40.
وقد قال المفسرون: ان الله أرسل المطر أربعين يوما وليلة فأقبلت الوحوش والطير والدواب الى نوح حين أصابها المطر, وسخرت له, فحمل كل منها كما أمره الله عز وجل:{ من كل زوجين اثنين} وبدأ في اذخال الحيوانات والطيور وكان آخر ما حمل الحمار فلما دخل الحمار بصدره تعلق ابليس بذنبه أو ذيله فلم تستقل رجلاه فجعل نوح يقول ادخل فينهض فلا يستطيع _ حتى قيل ان نوح قال: ويحك ادخل وان كان الشيطان معك _ كلمة زلّ بها لسان نوح فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه. فقال له نوح: ما أدخلك يا عدو الله _ فقال الشيطان: ألم تقل أدخل ولو كان الشيطان معك؟ّ!
قال نوح: أخرج يا عدو الله..
فقال: ما أخرج _ وزعم المؤرخون أنه أي الشيطان كان في الفلك. عرائس المجالس ص 49.
وقيل ان الحيّة والعقرب أتيا نوح فقالا: احملنا فقال: انكما سبب الضرر والبلايا فلا أحملكما.
قالا: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك, فمن قرأ حين يخاف مضرتهما ( الحية والعقرب) من قرأ:{ سلام على نوح من العالمين * انا كذلك نجزي المحسنين * انه من عبادنا المؤمنين} لم يضراه أو يصيبه أذى أبدا.
وقيل ان نوح عليه السلام قال: يا رب كيف أصنع بالأسد والبقر, وكيف أصنع بالعناق والذئاب, وكيف أصنع بالحمام والقط؟
قال الله تعالى لنوح: من ألقى بينهم العداوة يا نوح؟
قال نوح عليه السلام: أنت يا رب العالمين.
فقال عز وجلّ لنوح: فأنا الذي أؤلف بينهم حتى لا يتضاروا ولا يضرّ بعضهم بعضا.
فحمل نوح عليه السلام السباع والدواب في الطبقة الأولى.
فألقى الله على الأسد الحمى وشغله بنفسه عن الدواب والبقر.
وجعل الوحوش في الطابق الثاني من السفينة, وركب هو ومن معه من أولاد آدم في الطبقة العليا.
وهبط جبريل هليه السلام الى الأرض.. وحمل الى نوح عليه السلام في السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين, بقرة وثورا, فيلا وفيلة, عصفورا وعصفورة, نمرا ونمرة, قطا وقطة.. الى آخر المخلوقات.
كان نوح عليه السلام قد صنع أقفاصها للوحوش وهو يصنع السفينة.. وساق جبريل عليه السلام أمامه من كل زوجين اثنين, لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض.
وهذ دليل على أن الطوفان أغرق الأرض كلها, فلولا ذلك ما كان معنى لحمل كل هذه الأنواع من المخلوقات حيوان وطير_ أليف وغير أليف صعدت كل هذه الحيوانات والوحوش والطيور كما ذكرنا, وصعد الذين آمنوا مع نوح, قيل انهم كانوا ثمانين انسانا. ابن عباس , العرائس ص49.
كان عدد المؤمنين قليلا.
فقد جاء تأكيد ذلك في الآية الكريمة: { وأهلك الا من سبق عليه القول ومن ءامن, وما ءامن معه الا قليل}. هود40.
انتهى كل هذا وأصبحت السفينة جاهزة على الأرض. وانتظر نوح ومن معه أمر الله سبحانه عز وجلّ, وقد جعل الله فوران التنّور آية بينه وبين نوح وعهد الله اليه فقال: اذا رأيت التنور قد فار فاركب أنت ومن معك على الفلك واحمل فيها من كل زوجين اثنين كما قال الله تعالى:{ حتى اذا جاء أمرنا وفار التنور}.
جاء أمر الله هنا أي: جاء عذابه وهو الطوفان الهادر.
لم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد الى السفينة وهي أم أولاده كلهم وهم: حام وسام ويافث ويام, ويسميه أهل الكتاب كنعان, وهو الذي قد غرق في الظوفان, فقد ماتت قبل الطوفان وقيل انها غرقت مع من غرق, وكانت ممن سبق عليها القول لكفرها. وقد نزلت فيها الآية الكريمة في سورة التحريم في قوله تعالى: { ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأة لوط, كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين}.
وبدأ الطوفن الهادر.. وما أدراك ما الطوفان الهادر..
جاء وصف الطوفان في القرآن _ حينما جاء أمر الله_ وفار التور في الفرن الكائن في بيت نوح عليه اليلام.
قال القرآن الكريم عن الطوفان الذي سبقه دعاء نوح, قال نوح: { فدعا ربه أني مغلوب فانتصر}.
ماذا حدث بعد هذا الدعاء؟ بدأ الطوفان الهادر بأمر من الله, اذ يقول الله عز وجل: { ففتحناأبواب السماء بماء منهمر}, { وفجرنا الأرض عيونا}.
أرسل الله من السماء مطرا لم تعهده الأرض قبله ولا تمطره بعده, وكانن كأفواه القرب, وأمر الله الأرض فنبعت م جميع أرجائها.. آبارا وعيونا تضخ بالماء.
ارتفع الماء الى أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعا وهو الذي قاله أهل الكتاب وقيل ثمانين ذراعا. وعمّ جميع الأرض طولها والعرض سهلها وحزنها, وجبالها وقفارها ورمالها, ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ولا صغير ولا كبير, وكان أهل ذلك الزمان قد ملؤوا السهل والجبل, فلم تكن بقعة على الأرض الا ولها ملك وصاحب وحائز. قصص الأنبياء لابن كثير ص 73.
ارتفعت المياه من فتحات الأرض, لم تبق هناك فتحة في الأرض الا وخرج منها الماء انهمرت من السماء أمطارا غزيرة بكميّات لم تر مثلها الأرض, ومضت ساعات وساعات وانفجرت حركة غير عادية, ارتفعت قيعان المحيطات ارتفاعات مفاجئة, واندفع موج البحار يكتسح الجزء اليابس من الأرض.
وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه.
لم تعد كرة أرضية, با أصبحت كرة مائية, لأن الطوفان أغرقها جميعا بالماء ولم يبق فيها أرض يابسة أبدا.
وقد ذكر أن الطوفان حدث في شهر أغسطس, في الثالث عشر منه. تاريخ الطبري ج 1 ص 189 ط المعارف.
وقد طغى الماء وارتفع الموج ارتفاعا هائلا, وقال عز وجلّ:{ انا لمّا طغا الماء حملناكم في الجارية* لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية} الحاقة 11-12.
كان كنعان بن نوح عليه السلام كافرا, ولم يكن نوح يعرف هذا عنه حتى جاءت لحظة الطوفان, وكان يتصوّر أنه مؤمن عنيد, اختار النجاة باللجوء الى الجبل, وكان ارتفاع الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يعرف نوح أنه مؤمن وقد جاء هذا الحوار في القرآن الكريم:
{ وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء, قال لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رحم, وحال بينهما الكوج فكان من المغرقين}.
وعندما حال الموج بين موح عليه السلام وبين ابنه, ولم يكن نوح قد تأكذ من ايمان ابنه, ولم يعلم أنه من الكافرين. لجأ نوح عليه السلام الى ربه ترى ماذا قال نوح عليه السلام لربه
في شأن ابنه. ذلك ما ترويه الآية المباركة فتقول:
ونادى نوح ربه فقال: { ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي وانّ وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} هود45.
أراد نوح أن يقول لربه, أن ابنه من أهله, وقد وعده الله بنجاة كل أهله المؤمنين. فجاء الرد من الله عز وجلّ لنوح عليه السلام, ليكشف حقيقة هذا الابن الغريق.
قال تعالى:{ قال يانوح انه ليس من أهلك, انه عمل غير صالح, فلا تسئلن ما ليس لك به علم, اني أعظك أن تكون من الجاهلين} هود 46.
غرق الابن, وغرق أهل الكفر والطغيان, وبدأت رحلة العودة, الوعدة للأرض الطاهرة التي خلت تماما من الكفر والكفار.
جاء الأمر من الله:{ وقيل يا أرض ابلعي ماءك} فتوقف الماء الذ كان يتدفق من العيون.
{ وياسماء أقلعي} فتوقف الماء المنهمر من السماء.
{ وغيض الماء} بمعنى أنه نقص, وانصرف عائدا الى باطن الأرض.
ورست سفينة نوح عليه السلام على الأرض, وهلك الظالمون, وقال رب العزة لنوح:{ اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك, وأمم سنمتعهم ثم يمسّهم منا عذاب أليم}.
ورست السفينة, وهبط نوح عليه السلام, وأطلق سراح الطيور والوحوش فتفرّقت في الأرض جميعا, وعلم نوح عليه السلام أن الأرض قد جفت ويبست من الماء عندما بعث غرابا يأتيه بالخبر, فوجد "جيفة" فظلّ يأكل منها واشتغل عنه بالأكل ولم يرجع اليه فدعا عليه بالخوف ولذلك الغراب لا يألف البيوت. العرائس ص 51.
ثم بعث الحمامة فطارت وجاءت عائدة بغصن زيتون بمنقارها وطين برجليها فعلم أن البلاد قد جفت وطوقها بالخضرة التي نجدها في عنق الحمام أحيانا ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت, ويربيها الناس فلا تخاف وتطير مسافات وتعود الى أصحابها.
هذه هي معجزة نوح , لم تكن معجزة التنور الذي فار منه الماء وحده وانما حياة نوح ألف سنة الاخمسين معجزة.
وبناء السفينة وما احتاجه من زراعة الشجر وانتظار خشبه عشرات السنين معجزة.
وركوب السفينة مع الحيوانات على اختلاف أنواعها معجزة.
والطوفان الهادر معجزة, والهبوط معجزة.
انها معجزات النبي نوح عليه السلام وليست قصة حياته.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: نوح عليه السلام
سفينة نوح " عليه السلام " |
بقلم: د.عبدالباسط أمين |
لم يئس نوح عليه السلام من قومه دعا عليهم فاستجاب الله عز وجل دعوته قال تعالي: "ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون" الصافات: .75 وقال تعالي: "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" القمر: .10 فعند ذلك أمره الله تعالي أن يصنع الفلك. وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها قال تعالي: "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" هو: .37 وعندما بدأ نوح عليه السلام في صنع السفينة سخروا منه لاستبعادهم وقوع العذاب الذي وعدهم به نوح عليه السلام قال تعالي: "ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه. قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون. فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم" هو: 38 .39 وقد قال بعض علماء السلف: لما استجاب الله له. أمره أن يغرس شجراً ليعمل منه السفينة فغرسه وانتظره مائة سنة. ثم نجره في مائة أخري وقيل في أربعين سنة. وقال محمد بن إسحاق عن الثوري: وكان من خشب الساج وقيل من الصنوبر وهو نص التوراة عند ابن كثير. وقال الثوري: وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً. وأن يطلي ظاهرها وباطنها بالقار. وأن يجعل لها صدراً مائلاً يشق الماء. وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعاً. وهذا الذي في التوراة علي حسب رأي ابن كثير. وقال الحسن البصري: كان طولها ستمائة في عرض ثلاثمائة. وروي عن ابن عباس أنه قال: كان طولها ألفا ومائتي ذراع في عرض ستمائة ذراع. وقيل كان طولها ألفي ذراع. وعرضها مائة ذراع. وأجمعوا كلهم علي أن ارتفاعها كان ثلاثين ذراعاً. وكانت علي ثلاث طبقات كل واحدة منها عشرة أذرع. فالطبقة السفلي للدواب والوحوش. والوسطي للناس. والعليا للطيور. وكان بابها في عرضها. ولها غطاء من فوق مطبق عليها"!" بعد أن أتم نوح عليه السلام صنع السفينة. أخبره الله تعالي أنه إذا جاء أمره وحل بأسه أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات. وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها. وأن يحمل معه أهله. أي أهل بيته إلا من سبق عليه القول منهم أي إلا من كان كافراً فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد. قال تعالي: "فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم. ولا تخاطبني في الذين ظلموا. إنهم مغرقون" المؤمنون: 27 وقال تعالي: "حتي إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن. وما آمن معه إلا قليل" هود: 40 والمراد بالتنور عند الجمهور هو وجه الأرض. وعن ابن عباس: التنور عين في الهند . وعن الشعبي بالكوفة. وعن قتادة: بالجزيرة. وقال علي بن أبي طالب: المراد بالتنور فلق الصبح وتنوير الفجر. أي إشراقه وضياؤه. وهذا القول يستغربه ابن كثير ويستبعده. وروي عن بن عباس: أن أول ما دخل من الطيور الدرة وهو نوع من الببغاوات وآخر ما دخل من الحيوانات الحمار. ودخل إبليس متعلقاً بذنب الحمار. وروي ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين. قال أصحابه: وكيف نطمئن؟ أو كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد؟ فسلط الله عليه الحمي. فكانت أول حمي نزلت في الأرض. ثم شكوا الفأرة. فقالوا: الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا. فأوحي الله إلي الأسد فعطس. فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها" وهذا الحديث مرسل عند ابن كثير وغيره وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة. فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفساً معهم نساؤهم. وعن كعب الأحبار: كانوا اثنين وسبعين نفساً. وقيل كانوا عشرة. وقيل إنما كانوا نوحاً وبنيه الثلاثة وكنائنه الأربع بامرأة "يام" الذي انخزل وانعزل وسل عن طريق النجاة فما عدل إذ عدل. وهذا الرأي يستبعده ابن كثير لأن فيه مخالفة لظاهر الاية التي نصت علي أنه قد ركب معه من غير أهله طائفة من المؤمنين كما قال تعالي علي لسان نوح: "ونجني ومن معي من المؤمنين" الشعراء: ..118 وقيل كانوا سبعة. وأما امرأة نوح وهي أم أولاده كلهم وهم حام وسام ويافث ويام ويسميه أهل الكتاب "كنعان" وهو الذي قد غرق. وعابر امرأة نوح قيل إنها ماتت قبل الطوفان. وقيل إنها غرقت مع من غرق لأنها كانت ممن سبق عليه القول لكفرها وقد أمر الله نوحاً إذا استوي علي الفلك هو ومن معه أن يبدأ بهذا الدعاء: "فإذا استويت أنت ومن معك علي الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين" المؤمنون: 28 .29 وقد امتثل نوح عليه السلام لهذا الأمر الإلهي فقال لأتباعه: "اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم" هود: ..41 وسارت السفينة في موج كالجبال قال تعالي: "وهي تجري بهم في موج كالجبال" هود: .42 |
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: نوح عليه السلام
|
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: نوح عليه السلام
وجاء الطوفان "2" |
بقلم: د.عبدالباسط أمين |
يقول الله تعالي: "فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون. ثم أغرقنا بعد الباقين" "الشعراء: 119 120". فإذا كان الله عزوجل لم ينج إلا المؤمنين من قوم نوح عليه السلام وأهلك جميع الكافرين فكيف يزعم بعض المفسرين أن عوج بن عنق ويقال ان عناق كان موجودا من قبل نوح إلي زمن موسي ويقولون كان كافرا متمردا جبارا عنيدا ويقولون كان لغير رشده بل ولدته أمه بنت آدم من زنا وأنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشويه في عين الشمس وأنه كان يقول لنوح وهو في السفينة ما هذه القصة التي لك يستهزيء به. ويذكرون انه كان طوله ثلاثة الآف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلثا الي غير ذلك من الهذيانات التي لولا انها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وايام الناس لما تعرضا لحكايتها لسقاطتها وركاكتها ثم انها مخالفة للعقول والمنقول. اما المعقول فكيف يسوغ فيه ان يهلك الله ولد نوح لكفره وابوه نبي الامة. وزعيم اهل الايمان ويرفض شفاعته له ولايهلك عوج بن عنق وهو اظلم واطغي علي ماذكروا؟ واما المنقول فقد قال تعالي : "ثم أغرقنا الآخرين" "الشعراء : 66" وقال تعالي : "رب لاتذر علي الأرض من الكافرين ديارا" "نوح 26" ثم ان هذا الطول الذي ذكروه مخالف لما في الصحيحين عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال: إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا. ثم لم يزل الخلق ينقص حتي الآن". وهذا يقتضي انه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه. وبعد ان قضي الله عز وجل علي الكافرين واغرقهم. وتوقف الطوفان ونضب الماء عن وجه الأرض وامكن السعي فيها والاستقرار عليها. امر الله عز وجل نوحا عليه السلام ان يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها علي ظهر جبل "الجودي" وهو جبل بأرض الجزيرة العربية مشهور. قال تعالي : "قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلي أمم ممن معك. وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم" "هود 48" فإن الله عز وجل قد اهبط نوحا عليه السلام سالما مباركا عليه وعلي أولاده ولم يجعل لاحد مما كان معه من المؤمنين نسلا ولاعقبا سوي نوح عليه السلام فقال تعالي : "وجعلنا ذريته هم الباقين" الصافات : 77 فكل من علي وجه الارض اليوم من سائر اجناس بني آدم ينسبون الي أولاد نوح الثلاثة وهم: سام وحام ويافث. روي الامام أحمد في مسنده عن سمرة ان النبي صلي الله عليه وسلم قال "سام ابوالعرب وحام ابوالحبش ويافث ابوالروم". وروي أبوبكر البزار في مسنده عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "ولد لنوح : سام وحام ويافث فولد لسام العرب وفارس والروم والخير فيهم.. وولد ليافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولاخيرهم فيهم.. وولد لحام: القبط والبربر والسودان وروي علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلا معهم اهلوهم وانهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوما وان الله وجه السفينة الي مكة فدارت بالبيت اربعين يوما ثم وجهها الي الجودي فاستقرت عليه فبعث نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بخبر الارض فذهب فوقع علي الجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين فعرف نوح ان الماء قد نضب فهبط الي اسفل الجودي فابتني قرية وسماها ثمانين فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت السنتهم علي ثمانين لغة احداها العربية وكان بعضهم لايفقه كلام بعض فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم. وقال قتادة وغيره : ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب فساروا مائة وخمسين يوما واستقرت بهم علي الجودي شهرا وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم. وانهم صاموا ذلك اليوم. وفيما ذكر أهل الكتاب ان الله كلم نوحا قائلا له: اخرج من الفلك انت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك. واجمع الدواب التي معك ولينموا وليكثروا في الأرض. فخرجوا وابتني نوح مذبحا لله عز وجل واخذ من جميع الدواب الحلال والطير الحلال فذبحها قربانا الي الله عز وجل وعهد اليه ان لايعيد الطوفان علي أهل الأرض. وجعل تذكارا لميثاقه اليه القوس الذي في الغمام وهو قوس قزح الذي روي عن ابن عباس انه أمان من الغرف قال بعضهم فيه اشارة الي انه قوس بلا وتر اي ان هذا الغمام لايوجد طوفان كأول مرة ومما يستفاد من قصة نوح عليه السلام ان نوحا هو اول رسول ارسله الله عز وجل للبشرية بعد انبياء الله أدم وشيث وادريس عليهم السلام وان دعوة جميع الانبياء والرسل واحدة وهي الدعوة الي التوحيد الخالص لله عز وجل وان الغلو والمغالاة في الصالحين ومدخل من مداخل الشيطان وانه لانجاة في الدنيا والاخرة الا بالايمان والعمل الصالح والحرص علي الاذكار عند الركوب والنزول وفي جميع التقلبات والحركات. |
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
القُدرة الباهرة
قال الله تعالى: (كذّبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر.
فدعا ربه أني مغلوب فانتصر. ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض
عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر. وحملناه على ذات ألواح ودسر. تجري
بأعيننا جزاء لمن كان كفر. ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي
ونذر؟! وقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) (القمر:الآيات 9 ـ 17).
هذه
الآيات الكريمات في معرض ذكر قصص الرسل مع أقوامهم المكذبين بالدعوة
الإسلامية، المعنفين لهؤلاء الرسل الكرام، مما استوجب إنذارهم أولا، ثم
عقابهم ثانيا، بعد أن لم يستجيبوا ولم يرعووا. فحق عليهم القول في أمم قد
خلت من قبلهم، ودمروا تدميرا.
في هذا السياق القصصي القرآني الشيق
الرهيب يأتي ذكر قصة سيدنا نوح في لمحات تصويرية مؤثرة توجز مسار تلك
القصة إيجازا معجزا، وتركز على العاقبة والموعظة. وعلى دعاء سيدنا نوح
الخاشع المفوض أمره إلى الله سبحانه، الفائض بمعاني التعلق بالجناب الإلهي
الأقدس، الدافق بدلالات الالتجاء القلبي إلى رحمة الله وقوته (وهو القاهر
فوق عباده) ( سورة الأنعام: الآية63، و(لا غالب إلا الله).
وعندما يعبر
العبد الضعيف ـ وهو الرسول الكريم ـ عن حاله بهذه الكلمات الشفافة
الصّادقة الموقنة بنصر الله: «أنّي مغلوب فانتصر»، يأتي النّصر الإلهي من
كل جهة، وينبجس الفتح المبين من كل ناحية. وكأن السماء والأرض وما فيهما،
تهب لإنقاذ نوح عليه السلام والذين آمنوا معه - وهم قليل - وترفع مقامهم
فوق أمواج الطوفان، وتنزل بالكافرين إلى أسفل سافلين، إلى درك المياه
المتلاطمة في مشهدٍ رهيب.
قال الله سُبحانه: «كتب الله لأغلبنّ أنا
ورسلي. إن الله قوي عزيز» ( سورة المجادلة الآية 20 )، وقال: «إنا لننصر
رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. يوم لاينفع
الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار» ( سورة غافر: الآيتان 51 ـ
52 ).
إنّ القوّة، في الحقيقة، للّه وحده. يمدّ بها من يشاء من عباده
«ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً» ( سورة الفتح الآية
4 )، «وما يعلم جنود ربك إلا هو» ( سورة المدثر: الآية 31) .
هذا ما تؤكده هذه الاستجابة الإلهية الفورية لدعاء سيّدنا نوح عليه السلام.
لقد
سخّر الله تعالى الطبيعة بسمائها وأرضها، وسحابها وعيونها، ورياحها
وأمطارها، لإغراق المكذبين في طوفانٍ مروع سيظل من مثلات التاريخ الإنساني
البارزة.
«ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمرٍ قد قُدر».
وهذا التعبير البلاغي المؤثّر صورة فنّية لاتمّحي من ذاكرة القارئ أبداً.
فهذه
أبواب السماء تفتح فجأة وينهمر منها الماءُ مدراراً. وكذلك الأرض كأنها
صارت كلها عيوناً مفجَّرة «فالتقى الماءُ» أي من السماء والأرض «على أمر
قد قُدر»، وهو العذاب والعقاب الذي لارادّ له، والذي قدّره الله تعالى على
هؤلاء المكذّبين جزاء وفاق.
ذلك مصيرهم، وبئس المصير.
وأما نوح
والذين آمنوا معه، فحملهم الله جلّت قدرتُه على سفينة صنعها نوح عليه
السلام بنفسه، تحت رعاية ربّه وبتوجيه منه. كما أمر بذلك: (واصنع الفلك
بأعيننا) وكما صُنع الفلك بعناية الرحمان جرى بين أمواج الطوفان بعناية
ربانية (تجري بأعيننا).
وكان كلما مرّ على نوح قومُه ـ وهو منهمك في
صناعة السفينة ـ سخروا منه (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما
تسخرون.فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن يحل عليه عذاب مقيم) (سورة
هود 38 ـ 39) وقد حل بقوم نوح ما أنذرهم به. وحينئذ تبيّن لهم أنهم كانوا
ـ في الحقيقة ـ يسخرون من أنفسهم لامن نوح. فقد أغرقهم الطوفان، بينما
حملت السفينة نوحا والمؤمنين (وحملناه على ذات ألواح ودسُر). أي مع أنّ
هذه السفينة مصنوعة من ألواح عادية، ومشدودة أطرافها وأجزاؤها بمسامير،
مالا تستطيع معه الجري في أعاصير الطوفان وبين أمواجه المتلاطمة، فإن قدرة
الله الباهرة تجلّت بمعجزة، وصارت السفينة ـ التي تبدو في ذلك المشهد
المروع أشبه بريشة على سطح الماء ـ (تجري بأعيننا جزاء لمن كان كُفر). فهي
لاتجري بقدرتها، أو بإمكانياتها الذاتية، وإنما تجري بعناية الله عز وجل.
الذي كتب النجاة لهؤلاء المؤمنين، الذين من نسلهم ستتوالد أجيال تستمر بها
مسيرة البشرية، ويستمر الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر.
ولما
كان قصص القرآن الكريم من أجل العبرة واستخلاص الدروس والمواعظ التي ينزجر
بها العقلاء عن ارتكاب المحرمات، ويقبلون بفضل تأملها على طاعة ربّهم، قال
سبحانه (ولقد تركناها) أي قصّة هذه السفينة المعجزة وما جرى لنوح وقومه
(آية فهل من مدكر) أي علامة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، على أنّ الله
عز وجل هو الحق المبين، وأن رسله صادقون وأنهم منصورون في الدنيا، فائزون
في الآخرة هم ومن تبعهم من المومنين، وأنّ الليل مهما طال، لابد أن ينبلج
صبح النصر، وينفلق فجر الفتح: (إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد ).(سورة ق: الآية 37)
وهذا القرآن العظيم ميَسّر بقصصه
وأمثاله، بألفاظه ومعانيه، بأحكامه وحكمه ـ للفهم والتفهيم، ومالحفظ
والتحفيظ، والتدبّر والتأمّل، والاتباع والعمل إلى يوم الدّين، وما على
الإنسان إلا أن يُقبل عليه بقلب مفتوح، وعقلٍ واعٍ يقظ. (ولقد يسرنا
القرآن للذكر فهل من مدكر).
ويختتم سياق هذه القصّة القرآنية، بما
اختتمت بها أسيقة القصص الأخرى في هذه السورة الكريمة، بالتحضيض على
الاتعاظ بمواعظ القرآن، والاعتبار بقصصه التي هي أحسن القصص على الإطلاق،
وذلك نعم الاتعاظ والاعتبار.
فدعا ربه أني مغلوب فانتصر. ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض
عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر. وحملناه على ذات ألواح ودسر. تجري
بأعيننا جزاء لمن كان كفر. ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي
ونذر؟! وقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) (القمر:الآيات 9 ـ 17).
هذه
الآيات الكريمات في معرض ذكر قصص الرسل مع أقوامهم المكذبين بالدعوة
الإسلامية، المعنفين لهؤلاء الرسل الكرام، مما استوجب إنذارهم أولا، ثم
عقابهم ثانيا، بعد أن لم يستجيبوا ولم يرعووا. فحق عليهم القول في أمم قد
خلت من قبلهم، ودمروا تدميرا.
في هذا السياق القصصي القرآني الشيق
الرهيب يأتي ذكر قصة سيدنا نوح في لمحات تصويرية مؤثرة توجز مسار تلك
القصة إيجازا معجزا، وتركز على العاقبة والموعظة. وعلى دعاء سيدنا نوح
الخاشع المفوض أمره إلى الله سبحانه، الفائض بمعاني التعلق بالجناب الإلهي
الأقدس، الدافق بدلالات الالتجاء القلبي إلى رحمة الله وقوته (وهو القاهر
فوق عباده) ( سورة الأنعام: الآية63، و(لا غالب إلا الله).
وعندما يعبر
العبد الضعيف ـ وهو الرسول الكريم ـ عن حاله بهذه الكلمات الشفافة
الصّادقة الموقنة بنصر الله: «أنّي مغلوب فانتصر»، يأتي النّصر الإلهي من
كل جهة، وينبجس الفتح المبين من كل ناحية. وكأن السماء والأرض وما فيهما،
تهب لإنقاذ نوح عليه السلام والذين آمنوا معه - وهم قليل - وترفع مقامهم
فوق أمواج الطوفان، وتنزل بالكافرين إلى أسفل سافلين، إلى درك المياه
المتلاطمة في مشهدٍ رهيب.
قال الله سُبحانه: «كتب الله لأغلبنّ أنا
ورسلي. إن الله قوي عزيز» ( سورة المجادلة الآية 20 )، وقال: «إنا لننصر
رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. يوم لاينفع
الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار» ( سورة غافر: الآيتان 51 ـ
52 ).
إنّ القوّة، في الحقيقة، للّه وحده. يمدّ بها من يشاء من عباده
«ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً» ( سورة الفتح الآية
4 )، «وما يعلم جنود ربك إلا هو» ( سورة المدثر: الآية 31) .
هذا ما تؤكده هذه الاستجابة الإلهية الفورية لدعاء سيّدنا نوح عليه السلام.
لقد
سخّر الله تعالى الطبيعة بسمائها وأرضها، وسحابها وعيونها، ورياحها
وأمطارها، لإغراق المكذبين في طوفانٍ مروع سيظل من مثلات التاريخ الإنساني
البارزة.
«ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمرٍ قد قُدر».
وهذا التعبير البلاغي المؤثّر صورة فنّية لاتمّحي من ذاكرة القارئ أبداً.
فهذه
أبواب السماء تفتح فجأة وينهمر منها الماءُ مدراراً. وكذلك الأرض كأنها
صارت كلها عيوناً مفجَّرة «فالتقى الماءُ» أي من السماء والأرض «على أمر
قد قُدر»، وهو العذاب والعقاب الذي لارادّ له، والذي قدّره الله تعالى على
هؤلاء المكذّبين جزاء وفاق.
ذلك مصيرهم، وبئس المصير.
وأما نوح
والذين آمنوا معه، فحملهم الله جلّت قدرتُه على سفينة صنعها نوح عليه
السلام بنفسه، تحت رعاية ربّه وبتوجيه منه. كما أمر بذلك: (واصنع الفلك
بأعيننا) وكما صُنع الفلك بعناية الرحمان جرى بين أمواج الطوفان بعناية
ربانية (تجري بأعيننا).
وكان كلما مرّ على نوح قومُه ـ وهو منهمك في
صناعة السفينة ـ سخروا منه (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما
تسخرون.فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن يحل عليه عذاب مقيم) (سورة
هود 38 ـ 39) وقد حل بقوم نوح ما أنذرهم به. وحينئذ تبيّن لهم أنهم كانوا
ـ في الحقيقة ـ يسخرون من أنفسهم لامن نوح. فقد أغرقهم الطوفان، بينما
حملت السفينة نوحا والمؤمنين (وحملناه على ذات ألواح ودسُر). أي مع أنّ
هذه السفينة مصنوعة من ألواح عادية، ومشدودة أطرافها وأجزاؤها بمسامير،
مالا تستطيع معه الجري في أعاصير الطوفان وبين أمواجه المتلاطمة، فإن قدرة
الله الباهرة تجلّت بمعجزة، وصارت السفينة ـ التي تبدو في ذلك المشهد
المروع أشبه بريشة على سطح الماء ـ (تجري بأعيننا جزاء لمن كان كُفر). فهي
لاتجري بقدرتها، أو بإمكانياتها الذاتية، وإنما تجري بعناية الله عز وجل.
الذي كتب النجاة لهؤلاء المؤمنين، الذين من نسلهم ستتوالد أجيال تستمر بها
مسيرة البشرية، ويستمر الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر.
ولما
كان قصص القرآن الكريم من أجل العبرة واستخلاص الدروس والمواعظ التي ينزجر
بها العقلاء عن ارتكاب المحرمات، ويقبلون بفضل تأملها على طاعة ربّهم، قال
سبحانه (ولقد تركناها) أي قصّة هذه السفينة المعجزة وما جرى لنوح وقومه
(آية فهل من مدكر) أي علامة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، على أنّ الله
عز وجل هو الحق المبين، وأن رسله صادقون وأنهم منصورون في الدنيا، فائزون
في الآخرة هم ومن تبعهم من المومنين، وأنّ الليل مهما طال، لابد أن ينبلج
صبح النصر، وينفلق فجر الفتح: (إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد ).(سورة ق: الآية 37)
وهذا القرآن العظيم ميَسّر بقصصه
وأمثاله، بألفاظه ومعانيه، بأحكامه وحكمه ـ للفهم والتفهيم، ومالحفظ
والتحفيظ، والتدبّر والتأمّل، والاتباع والعمل إلى يوم الدّين، وما على
الإنسان إلا أن يُقبل عليه بقلب مفتوح، وعقلٍ واعٍ يقظ. (ولقد يسرنا
القرآن للذكر فهل من مدكر).
ويختتم سياق هذه القصّة القرآنية، بما
اختتمت بها أسيقة القصص الأخرى في هذه السورة الكريمة، بالتحضيض على
الاتعاظ بمواعظ القرآن، والاعتبار بقصصه التي هي أحسن القصص على الإطلاق،
وذلك نعم الاتعاظ والاعتبار.
الصديق بوعلام
18/2/2010
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» عـُــــــــــــزًيــــــــــــر عليه السلام
» قصص الانبياء :محياوي عبد الغني
» موسى عليه السلام
» شعيب عليه السلام
» يوسـُف عليه السلام
» قصص الانبياء :محياوي عبد الغني
» موسى عليه السلام
» شعيب عليه السلام
» يوسـُف عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى