شعيب عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
شعيب عليه السلام
الإنذار الأخير لقوم شعيب
ذكر ابن إسحاق ان شعيباً هو ابن ميكيل بن يشجن.. ويقال له بالسريانية "يترون". وقيل هو شعيب بن يشخر بن لاوي بن يعقوب. وقيل هو شعيب بن نويب بن عيفا بن مدين بن إبراهيم. وقيل هو شعيب بن صيفور بن عيفا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم.
وقيل في نسبه غير ذلك. فقد اختلف في نسبه كثيرا.
وقال ابن عساكر: ويقال جدته. ويقال أمه. بنت لوط. وكان ممن آمن بإبراهيم وهاجر معه ودخل معه دمشق وعن وهب بن منبه أنه قال: شعيب وملغم همن آمن بإبراهيم يوم أحرق بالنار. وهاجرا معه إلي الشام. فزوجهما بنتي لوط عليه السلام. ذكره ابن قتيبة.
وكل ذلك عند ابن كثير فيه نظر.
وذكر أبوعمر بن عبدالبر في "الاستيعاب بهامش الاصابة في معرفة الصحابة" في ترجمة سلمة بن سعد العنزي أنه قدم علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فأسلم وانتسب إلي عنزة. فقال: نعم الحي عنزة. مبغي عليهم منصورون رهط شعيب وأختان موسي".
وهذا عند ابن كثير لو صح لدل علي أن شعيباً صهر موسي. وأنه من قبيلة من العرب العارية يقال لهم عنزة.
وفي صحيح ابن حيان في ذكر ا لانبياء والرسل من حديث أبي ذر قال: أربعة من العرب: "هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر".
وكان بعض السلف يسمي شعيبا عليه السلام "خطيب الأنبياء" لفصاحته وعلو عبارته وبلاغته في دعوة قومه إلي الايمان برسالته. وروي ابن اسحاق بن بشر عن جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا ذكر شعيباً قال: ذاك خطيب الأنبياء هذا عن نبي الله شعيب. أم قومه فهم أهل مدين. وكانوا عرباً يسكنون مدينتهم أو قريتهم "مدين" التي هي قريبة من أرض معان من أطراف الشام. مما يلي ناحية الحجاز قريبا من بحيرة قوم لوط. وكانوا بعدهم بمدة قريبة ومدين قبيلة عرفت بهم. وهم من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
وكان أهل مدين كفاراً يقطعون السبيل ويخيفون المارة. ويعبدون "الأيكة" وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها.
وكانوا من اسوأ ا لناس معاملة. يبخسون الميكال والميزان. ويطففون فيهما. يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.
فلأجل هذه المساويء كلها بعث الله عز وجل اليهم رجلا منهم وهو بني الله شعيب عليه السلام. فدعاهم إلي عبادة الله وحده لا شريك له. ونهاهم عن تعاطي هذه الأفاعيل القبيحة من بخس الناس أشيائهم وإخافتهم لهم في سبلهم وطرقاتهم. فآمن به بعضهم وكفر أكثرهم. حتي أحل الله بهم البأس الشديد. وقد عرض الله عز وجل قصتهم مع نبي الله شعيب في كثير من سور القرآن الكريم في الأعراف وهود والشعراء. فمما ورد في سورة الأعراف قال تعالي: "وإلي مدين أخاهم شعيباً. قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. قد جاءتكم بينة من ربكم. فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها. ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً. واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم. وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين. وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتي يحكم الله بيننا. وهو خير الحاكمين". "الأعراف 85 - 87".
فقد دعاهم شعيب إلي توحيد الله تعالي وعدم الشرك به. وأمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم. وقطع الطريق. وذكرهم بنعمة الله عز وجل عليهم في تكثيرهم بعد القلة. وحذرهم نقمة الله بهم ان خالفوا ما أرشدهم إليه ودلهم عليه.
ثم قال لهم آمرا بعدما كان عن ضده زاجراً: "ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط. ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين. وما أنا عليكم بحفيظ" "هود: 85 - 86".
وفي معني قوله تعالي: "بقيت الله خير لكم" قال ابن عباس والحسن البصري: أي رزق الله خير لكم من أخذ أموال الناس. وقال ابن جرير: ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان. خير لكم من أخذ أموال الناس بالتطفيف.
ولكن قوم شعيب لم يعجبهم ما يدعوهم إليه شعيب فقالوا له كما أخبرنا بالقرآن: "قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا أو ان نفعل في أموالنا ما نشاء. إنك لأنت الحليم الرشيد" "هود: 87" وهم قد قالوا ذلك علي سبيل الاستهزاء والتهكم من دعوة شعيب عليه السلام وكان رد شعيب عليهم ان قال لهم متلطفا في العبارة والحديث معهم: "قال يا قوم أرأيتم إن كنت علي بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسنا. وما أريد أن أخالفكم إلي ما أنهاكم عنه. إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت. وما توفيقي إلا بالله. عليه توكلت وإليه أنيب" "هود: 88".
ولما لم يجد معهم هذا التلطف والترغيب. استخدم معهم شعيب عليه السلام أسلوب الترهيب وان مزجه في بعض الاحيان بالترغيب فقال لهم: "ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح. وما قوم لوط منكم ببعيد. واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه. إن ربي رحيم ودود" "هود 89 - 90".
وبعد كل هذا كان رد قومه عليه "قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً. ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز" "هود 91". وهذا من كفرهم البليغ وعنادهم الشديد والشنيع. وقد كان رد شعيب عليهم في ذلك: "قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهرياً. إن ربي بما تعملون محيط. ويا قوم اعملوا علي مكانتكم إني عامل. سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب. وارتقبوا إني معكم رقيب" "هود 92 - 93".
وكان هذا بمثابة الانذار الأخير من شعيب لقومه ولكنهم رغم ذلك استمروا علي كفرهم وعنادهم بل أخذوا يصدون عن سبيل الله من آمن من قومهم فقالوا: "وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيباً إنك إذا لخاسرون" "الأعراف: 90".
فما كان من شعيب إلا ان دعا عليهم وطلب تنفيذ حكم الله عز وجل فيهم فقال: "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين" "الأعراف: 89".
فاستجاب الله عز وجل لدعاء نبيه: "فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين" "الاعراف: 91" أي انه رجفت بهم أرضهم وزلزلت زلزالا شديداً أزهقت به أرواحهم . وأصبحت جثثهم جاثية ملقاة علي الأرض لا أرواح فيها ولا حركات بها.
وقد جمع الله عز وجل عليهم أنواعا وأصنافا من العذاب والعقوبات في الدنيا. فقد سلط الله عليهم الرجفة الشديدة والصيحة العظيمة والظلة التي كلها نار.
قال تعالي: "فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه عذاب يوم عظيم" "الشعراء: 189".
وقال تعالي: "وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين. كأن لم يغنوا فيها. ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود" "هود: 94 - 95".
ولما يأس شعيب من قومه تركهم ليحل بهم عذاب الله عز وجل بعد ان أدي ما عليه البلاغ التام والنصح الكامل قال تعالي: "فتولي عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم. فكيف آسي علي قوم كافرين" "الأعراف 93".
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس: ان شعيباً عليه السلام كان بعد يوسف عليه السلام وعن وهب بن منبه: أن شعيباً عليه السلام مات بمكة ومن معه من المؤمنين. وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بن يسهم.
ونستطيع الخروج من قصة شعيب عليه السلام مع قومه بأن قطع الطريق واخافة المارة وبما يسمي في عصرنا هذا بالبلطجة أمر محرم في جميع الأديان وليس في الإسلام فقط. وقد وضع الإسلام لأمثال هؤلاء حدا رادعاً يسمي بحد الحرابة.
كما نخرج ايضا بأن بخس الميزان والميكال والتطفيف فيهما من الكبائر ومن سوء المعاملة بين الناس وقد حرم ذلك الإسلام فقال تعالي: "ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا علي الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم" "المطففين 1-4" فسوء المعاملة بين الناس في البيع والشراء مذموم في الإسلام. فقد قال صلي الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما. وان كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".
ونحن الآن أحوج ما يكون إلي حسن المعاملة بين الناس في البيع والشراء وفي الميكال والميزان وإلي تجديد دعوة نبي الله شعيب في تحري الرزق الحلال.
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» عـُــــــــــــزًيــــــــــــر عليه السلام
» قصص الانبياء :محياوي عبد الغني
» نوح عليه السلام
» موسى عليه السلام
» يوسـُف عليه السلام
» قصص الانبياء :محياوي عبد الغني
» نوح عليه السلام
» موسى عليه السلام
» يوسـُف عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى