موسى عليه السلام
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
موسى عليه السلام
موسى عليه السلام
القتيل ولحم البقر
قال تعالى:
( واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة, قالوا أتتخذنا هزوا, قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين* قالوا ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي, قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر ولاعوان بين ذلك, فافعلوا ما تؤمرون ) البقرة 67,68.
1.آزر وراحيل
أعدّت راحيل الفراش لزوجها آزر بن حيلوت ليستريح من عناء التعب وراحت تسأله عن مغيبة بالأمس, وقد انتظرته طويلا في كوخهما فقال آزر: لقد أحسست ثقلا ووجعا, فقضيت الليلة عند أحد أصدقائي لعلي أصيب شيئا من الراحة, ولكني أصبحت أشد تعبا.
فقالت راحيل: عما قليل ستشعر بالراحة تماما وما عليك الا أن تستريح وتحكي لنا ما صادفك في رحلة السوق هذه المرّة.
فقال آزر: لا شيء يا زوجتي سوى التعب والشعور بمقدمات المرض, ولم أبع شيئا أو أشتر غير عجلة صغيرة عجفاء هزيلة قد يبلغ عمرها ثلاثة أشهر أو أربعة.. اشتريتها لولدي الياب.
راحيل: وأين هي؟.. وما قصتها؟
آزر: هي بقرة صغيرة ات لون أصفر جميل يعمّ بدنها كلها, وقد وقع قلبي أن أشتريها.. وما ان اشتريتها حتى أقبلت تأكل ما قدّمت لها من الكلأ اليابس.. وهي الآن ترعى في الغيضة القريبة منا.. ثم سكت قليلا وقال: وأنت كيف أخبارك؟ وكيف حال ولدنا الياب؟ أين هو؟
راحيل: يلعب مع صبيان القرية وهو بخير.., وقد مرّ بنا نبي الله موسى عليه السلام وهو عائد من جبل المناجاة وقد دعا لولدنا الياب فقبّله.. ومسح على رأسه ودعا له بخير _ ولكنه لم ينتظر كعادته_.
آزر اذا كان لم ينتظر كعادته فلا بدّ أن بني اسرائيل أحدثوا حدثا في غيبته, فأخبره الله به, فرجع على هذه الحالة التي ذكرتها من الحزن والغضب.
راحيل: سمعت أنه ترك بني اسرائيل يعبدون عجلا من ذهب صنعه لهم ساحر منهم اسمه السامري.. فكلمت نبي الله موسى حين جاء في ذلك فلم يجبني بجواب.
آزر: هذا هو السبب, فما أشد ما يلقى نبي الله موسى من بني اسرائيل.
قالت راحيل لزوجها آزر: ألا تقوم معي لتريني العجلة التي اشتريتها لولدنا الياب.
قام الرجل يتوكأ على عصاه وسار هو وزوجته حتى بلغا مكان العجلة, فنظرت اليها راحيل, فاذا لونها الأصفر الجميل يتألق كأنه ينبعث منه شعاع الشمس, فسرّت بمنظرها سرورا عظيما, وأحسّت كأنما تطالعها بفأل حسن, وأخذت تمر بيدها على جسمها وتمسح لها رأسها وفمها.. والتفتت الى آزر وقالت:
انظر يا آزر فانني أراها مقبلة على عشب الغيضة ولن تمضي عليها بضعة أيام ختى تمتلئ لحما.
وبعد قليل استدار الزوجان عائدين الى الكوخ..
قال آزر: انها حقا بقرة جميلة, وان قلبي يحدثني أن ستكون خير المال أتركه لولدي الياب..
فاستاءت راحيل من اشارة آزر الى الموت وقالت: ولكنها تحتاج الى جهد ورعاية حتى تثمر ويجني ثمرها. فهي ضعيفة عجفاء كما ترى.
فقال آزر: اعلمي أنني لا أورث ابني الياب سوى تقوى الله عز وجل, وهو سبحانه يتولى الصالحين وسيتولاني في ولدي الياب, وسيبارك له في مالي أو في كنزي الذي تتهكمين به.. فاذا أنا فارقتكم فالتفتي لولدك, وعلميه قواعد الايمان وما ورثناه عن آبائنا: ابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف وما تلقيناه عن نبي الله موسى ولا تهتمي بأمر العجلة.. لا تحرثي عليها أرضا, ولا تسقي بها زرعا, ولا تركبي لها ظهرا, ولا تحلبي لها لبنا.. ذريها واتركيها مسلّمة في الغيضة ولا تفكري فيها فانها ستكون بعين الله. ومتى كبر الياب فاذكري له شأنها.
عاد الزوجان بعد هذه الرحلة الى الكوخ, فدخل آزر الى فراشه وقد أحسّ بالتعب يعاوده من جديد, وتحدث مع زوجته في أمور كثيرة تحدث معها عن خوفه من الموت وكرر لها الوصية بولده الياب والكنز الثمين وهو العجلة الصفراء العجفاء التي سيتركها له.
وقال لها: لقد كان حقا علينا أن نتحدث عن الحياة لا عن الموت والفرح لا الحزن, نعم هذا الصبح سوف أحدثك عن الحياة والفرح وأقول لك انني أحب أن يتزوج ولدي الياب رفقة بنت شمعون فان أباها من صلحاء شيوخ بني اسرائيل..
وكان شمعون بن نفتالي هذا رجلا غنيا يملك الكثير من الغنم والبقر ويملك الذهب والفضة, وصاحب وصديق نبي الله موسى عليه السلام الذي لا يكاد يفارقه, وهو شيخ من العبّاد, وكثيرا ما كان يقول لآزر: لقد سميّت ابنتي الوحيدة رفقة تيمّنا باسم رفقة زوجة أبينا اسحاق نبي الله, وأتمنى على الله أن يكتب لها الزواج من شاب صالح.. ثم يقول: حبذا لو كان هذا الشاب هو غلامك الصغير الياب فانه يكبرها بعامين.
سعدت راحيل بهذا الكلام, وقالت: حبذا لو كان ذلك ان رفقة طفلة جميلة وستكون أجمل اذا ما كبرت..
وسعدت راحيل أيضا بحديث زوجها المتفائل عن الزواج والفرح ولكن المرض اشتد على الرجل, ولم يمهله وقتا طويلا فتوفي بعد عدة أيام.
القتيل ولحم البقر
قال تعالى:
( واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة, قالوا أتتخذنا هزوا, قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين* قالوا ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي, قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر ولاعوان بين ذلك, فافعلوا ما تؤمرون ) البقرة 67,68.
1.آزر وراحيل
أعدّت راحيل الفراش لزوجها آزر بن حيلوت ليستريح من عناء التعب وراحت تسأله عن مغيبة بالأمس, وقد انتظرته طويلا في كوخهما فقال آزر: لقد أحسست ثقلا ووجعا, فقضيت الليلة عند أحد أصدقائي لعلي أصيب شيئا من الراحة, ولكني أصبحت أشد تعبا.
فقالت راحيل: عما قليل ستشعر بالراحة تماما وما عليك الا أن تستريح وتحكي لنا ما صادفك في رحلة السوق هذه المرّة.
فقال آزر: لا شيء يا زوجتي سوى التعب والشعور بمقدمات المرض, ولم أبع شيئا أو أشتر غير عجلة صغيرة عجفاء هزيلة قد يبلغ عمرها ثلاثة أشهر أو أربعة.. اشتريتها لولدي الياب.
راحيل: وأين هي؟.. وما قصتها؟
آزر: هي بقرة صغيرة ات لون أصفر جميل يعمّ بدنها كلها, وقد وقع قلبي أن أشتريها.. وما ان اشتريتها حتى أقبلت تأكل ما قدّمت لها من الكلأ اليابس.. وهي الآن ترعى في الغيضة القريبة منا.. ثم سكت قليلا وقال: وأنت كيف أخبارك؟ وكيف حال ولدنا الياب؟ أين هو؟
راحيل: يلعب مع صبيان القرية وهو بخير.., وقد مرّ بنا نبي الله موسى عليه السلام وهو عائد من جبل المناجاة وقد دعا لولدنا الياب فقبّله.. ومسح على رأسه ودعا له بخير _ ولكنه لم ينتظر كعادته_.
آزر اذا كان لم ينتظر كعادته فلا بدّ أن بني اسرائيل أحدثوا حدثا في غيبته, فأخبره الله به, فرجع على هذه الحالة التي ذكرتها من الحزن والغضب.
راحيل: سمعت أنه ترك بني اسرائيل يعبدون عجلا من ذهب صنعه لهم ساحر منهم اسمه السامري.. فكلمت نبي الله موسى حين جاء في ذلك فلم يجبني بجواب.
آزر: هذا هو السبب, فما أشد ما يلقى نبي الله موسى من بني اسرائيل.
قالت راحيل لزوجها آزر: ألا تقوم معي لتريني العجلة التي اشتريتها لولدنا الياب.
قام الرجل يتوكأ على عصاه وسار هو وزوجته حتى بلغا مكان العجلة, فنظرت اليها راحيل, فاذا لونها الأصفر الجميل يتألق كأنه ينبعث منه شعاع الشمس, فسرّت بمنظرها سرورا عظيما, وأحسّت كأنما تطالعها بفأل حسن, وأخذت تمر بيدها على جسمها وتمسح لها رأسها وفمها.. والتفتت الى آزر وقالت:
انظر يا آزر فانني أراها مقبلة على عشب الغيضة ولن تمضي عليها بضعة أيام ختى تمتلئ لحما.
وبعد قليل استدار الزوجان عائدين الى الكوخ..
قال آزر: انها حقا بقرة جميلة, وان قلبي يحدثني أن ستكون خير المال أتركه لولدي الياب..
فاستاءت راحيل من اشارة آزر الى الموت وقالت: ولكنها تحتاج الى جهد ورعاية حتى تثمر ويجني ثمرها. فهي ضعيفة عجفاء كما ترى.
فقال آزر: اعلمي أنني لا أورث ابني الياب سوى تقوى الله عز وجل, وهو سبحانه يتولى الصالحين وسيتولاني في ولدي الياب, وسيبارك له في مالي أو في كنزي الذي تتهكمين به.. فاذا أنا فارقتكم فالتفتي لولدك, وعلميه قواعد الايمان وما ورثناه عن آبائنا: ابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف وما تلقيناه عن نبي الله موسى ولا تهتمي بأمر العجلة.. لا تحرثي عليها أرضا, ولا تسقي بها زرعا, ولا تركبي لها ظهرا, ولا تحلبي لها لبنا.. ذريها واتركيها مسلّمة في الغيضة ولا تفكري فيها فانها ستكون بعين الله. ومتى كبر الياب فاذكري له شأنها.
عاد الزوجان بعد هذه الرحلة الى الكوخ, فدخل آزر الى فراشه وقد أحسّ بالتعب يعاوده من جديد, وتحدث مع زوجته في أمور كثيرة تحدث معها عن خوفه من الموت وكرر لها الوصية بولده الياب والكنز الثمين وهو العجلة الصفراء العجفاء التي سيتركها له.
وقال لها: لقد كان حقا علينا أن نتحدث عن الحياة لا عن الموت والفرح لا الحزن, نعم هذا الصبح سوف أحدثك عن الحياة والفرح وأقول لك انني أحب أن يتزوج ولدي الياب رفقة بنت شمعون فان أباها من صلحاء شيوخ بني اسرائيل..
وكان شمعون بن نفتالي هذا رجلا غنيا يملك الكثير من الغنم والبقر ويملك الذهب والفضة, وصاحب وصديق نبي الله موسى عليه السلام الذي لا يكاد يفارقه, وهو شيخ من العبّاد, وكثيرا ما كان يقول لآزر: لقد سميّت ابنتي الوحيدة رفقة تيمّنا باسم رفقة زوجة أبينا اسحاق نبي الله, وأتمنى على الله أن يكتب لها الزواج من شاب صالح.. ثم يقول: حبذا لو كان هذا الشاب هو غلامك الصغير الياب فانه يكبرها بعامين.
سعدت راحيل بهذا الكلام, وقالت: حبذا لو كان ذلك ان رفقة طفلة جميلة وستكون أجمل اذا ما كبرت..
وسعدت راحيل أيضا بحديث زوجها المتفائل عن الزواج والفرح ولكن المرض اشتد على الرجل, ولم يمهله وقتا طويلا فتوفي بعد عدة أيام.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
2.زواج لم يتم
جاء رجل يقال له منسى بن اليشع الى صديقه شمعون بن نفتالي الرجل الغني الصالح, وقال له: ان ناداب ابن أخيك صوغر قد أوفدني اليك لأرجوك أن تزوجه ابنتك رفقة, وأرى أن تجيب رجاءه رعاية لقرابته ورحمه.
فقال شمعون على الفور وقد أشاح بوجهه: تكلم فيغير هذا يا منسى, ولا تخاطبني في هذا الماجن الذي قطع علاقته بربه.
وليكن في علمك يا منسى أن ناداب لا يريد الزواج برفقة؛ انما يريد أن يرثني.. ويريد أن تؤول تركتي اليه مع رفقة.. ولست أول من جاء ليخطب له ابنتي ومحال أن يكون ذلك.
فقال منسى: لك الحق يا شمعون, واني أٌقرّك وأوافقك على كل كلمة قلتها, وما حملني على أن أكون رسوله اليك الا ما رأيته في عينيه من الشر, فاني أخشى أن يقتلك ويؤذي ابنتك من بعدك.
فقال شمعون: هذا ما أشعر به يا منسى, وذلك ما أتوقعه من هذا الشرير, ومع ذلك فلن أزوّجها له, وليفعل ما يشاء.
صمت منسى لحظة ثم قال: ولكن عليك أن تدبر أمر ابنتك من الآن, وتختار لها بنفسك الشاب الذي تراه كفءا لصلاحها وعقلها.
قال شمعون: اخترت لها الياب ابن صديقي آزر رحمه الله. ولكني لا أعرف أين يقيم, وأنا دائم البحث عنه, فاذا عثرت به زوجته اياها, انه الآن في الثامنةعشر من عمره, وقد ورث كل ما نعرف لأبيه من خلال وصفات, لقد ورث الشرف والصدق, وصدق الايمان بالله.
3.قتيل بني اسرائيل
استيقظ بنو اسرائيل في صبيحة يوم من أيام الله وقد وجدوا جثة شمعون بن نفتالي ملوّثة بالدماء وملقاة قرب محلة بعيدة عن المكان الذي فيه منزلته وعشيرته.
وقد دوى خبر مقتله دويا هائلا في بني اسرائيل وأثار ضجة كبيرة فيما بينهم لما كان له من حسن الخلق وجودة الرأي ووفرة الغنى وكثرة البر والصدقة.
وصار هياج بين الناس, وحزن الفقراء واليتامى والضعفاء, وقامت عشيرته بل بلدته كلها تطالب بدمه وتلقي وزر الجريمة على سكان المكان الذي وجدت فيه جثة شمعون بن نفتالي, وكان أشد الجميع مطالبة بدم شمعون هو "ناداب بن صوغر" ابن أخ شمعون, مظهرا الحزن والجزع لما أصاب عمه العزيز!
وكان أهل المحلة التي وجدت جثة القتيل قربها من أشد الناس حزنا عليه ولكن عشيرة "شمعون" القتيل وعلى رأسهم "ناداب بن صوغر" ظلوا مصرّين على أنه قتل بيد من فئة من أهل هذه المحلة واشتدوا في المطالبة بدم قتيلهم.
وعلا الضجيج, وكثر اللغط, واشتد الجدل بين الفريقين, وأوشكوا أن يقتتلوا, فاجتمع شيوخ بني اسرائيل ومن حولهم الغوغاء والعامة الى نبي الله موسى عليه السلام ليفصل بين الفريقين في قضيّة دم القتيل.
واجتمع الناس في مجلس يشبه مجلس القضاء أو المحاكمة وكان الاجتماع في ساحة واسعة امتلأت عن آخرها شيبا وشبابا, ورجالا ونساءا, وجاء أهل القتيل " شمعون" وجاء أهل البلدة المتهمة, وتكلم ناداب بن صوغر في جزع وحزن مثبتا التهمة على القرية الظالمة وأدلى بما لديه من حجج, وأنكرت القرية تهمة القتل وأوّلت ذلك بما تكن للقتيل من حب ومعزة واحترام.
وانتظر الناس كلمة نبي الله موسى عليه السلام, فهي الفاصلة بينهم, فأنصت الجميع وأرهفت الآذان وتطاولت اليه الأعناق, واذا به يقول: ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.
وسمع القريبون من موسى الكلام فدهشوا لها وعجبوا, وظهرت الحيرة على وجوههم وفي نظراتهم, أما البعيدون عن المجلس فلم يسمعوا غير أنهم رأوا الدهشة والحيرة على وجوه غيرهم فتصايحوا يريدون معرفة حكم نبي الله موسى.. وارتفعت الأصوات.
جاء رجل يقال له منسى بن اليشع الى صديقه شمعون بن نفتالي الرجل الغني الصالح, وقال له: ان ناداب ابن أخيك صوغر قد أوفدني اليك لأرجوك أن تزوجه ابنتك رفقة, وأرى أن تجيب رجاءه رعاية لقرابته ورحمه.
فقال شمعون على الفور وقد أشاح بوجهه: تكلم فيغير هذا يا منسى, ولا تخاطبني في هذا الماجن الذي قطع علاقته بربه.
وليكن في علمك يا منسى أن ناداب لا يريد الزواج برفقة؛ انما يريد أن يرثني.. ويريد أن تؤول تركتي اليه مع رفقة.. ولست أول من جاء ليخطب له ابنتي ومحال أن يكون ذلك.
فقال منسى: لك الحق يا شمعون, واني أٌقرّك وأوافقك على كل كلمة قلتها, وما حملني على أن أكون رسوله اليك الا ما رأيته في عينيه من الشر, فاني أخشى أن يقتلك ويؤذي ابنتك من بعدك.
فقال شمعون: هذا ما أشعر به يا منسى, وذلك ما أتوقعه من هذا الشرير, ومع ذلك فلن أزوّجها له, وليفعل ما يشاء.
صمت منسى لحظة ثم قال: ولكن عليك أن تدبر أمر ابنتك من الآن, وتختار لها بنفسك الشاب الذي تراه كفءا لصلاحها وعقلها.
قال شمعون: اخترت لها الياب ابن صديقي آزر رحمه الله. ولكني لا أعرف أين يقيم, وأنا دائم البحث عنه, فاذا عثرت به زوجته اياها, انه الآن في الثامنةعشر من عمره, وقد ورث كل ما نعرف لأبيه من خلال وصفات, لقد ورث الشرف والصدق, وصدق الايمان بالله.
3.قتيل بني اسرائيل
استيقظ بنو اسرائيل في صبيحة يوم من أيام الله وقد وجدوا جثة شمعون بن نفتالي ملوّثة بالدماء وملقاة قرب محلة بعيدة عن المكان الذي فيه منزلته وعشيرته.
وقد دوى خبر مقتله دويا هائلا في بني اسرائيل وأثار ضجة كبيرة فيما بينهم لما كان له من حسن الخلق وجودة الرأي ووفرة الغنى وكثرة البر والصدقة.
وصار هياج بين الناس, وحزن الفقراء واليتامى والضعفاء, وقامت عشيرته بل بلدته كلها تطالب بدمه وتلقي وزر الجريمة على سكان المكان الذي وجدت فيه جثة شمعون بن نفتالي, وكان أشد الجميع مطالبة بدم شمعون هو "ناداب بن صوغر" ابن أخ شمعون, مظهرا الحزن والجزع لما أصاب عمه العزيز!
وكان أهل المحلة التي وجدت جثة القتيل قربها من أشد الناس حزنا عليه ولكن عشيرة "شمعون" القتيل وعلى رأسهم "ناداب بن صوغر" ظلوا مصرّين على أنه قتل بيد من فئة من أهل هذه المحلة واشتدوا في المطالبة بدم قتيلهم.
وعلا الضجيج, وكثر اللغط, واشتد الجدل بين الفريقين, وأوشكوا أن يقتتلوا, فاجتمع شيوخ بني اسرائيل ومن حولهم الغوغاء والعامة الى نبي الله موسى عليه السلام ليفصل بين الفريقين في قضيّة دم القتيل.
واجتمع الناس في مجلس يشبه مجلس القضاء أو المحاكمة وكان الاجتماع في ساحة واسعة امتلأت عن آخرها شيبا وشبابا, ورجالا ونساءا, وجاء أهل القتيل " شمعون" وجاء أهل البلدة المتهمة, وتكلم ناداب بن صوغر في جزع وحزن مثبتا التهمة على القرية الظالمة وأدلى بما لديه من حجج, وأنكرت القرية تهمة القتل وأوّلت ذلك بما تكن للقتيل من حب ومعزة واحترام.
وانتظر الناس كلمة نبي الله موسى عليه السلام, فهي الفاصلة بينهم, فأنصت الجميع وأرهفت الآذان وتطاولت اليه الأعناق, واذا به يقول: ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.
وسمع القريبون من موسى الكلام فدهشوا لها وعجبوا, وظهرت الحيرة على وجوههم وفي نظراتهم, أما البعيدون عن المجلس فلم يسمعوا غير أنهم رأوا الدهشة والحيرة على وجوه غيرهم فتصايحوا يريدون معرفة حكم نبي الله موسى.. وارتفعت الأصوات.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
فوقف أحد الناس على مكان مرتفع وصاح بأعلى صوته وقال:
ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.
وعندما سمع الناس قوله هاجوا وأحدثوا شغبا, وساد الهرج والمرج, واختلطت أصوات ساخرة بأصوات مستنكرة هذا الطلب وهذا الأمر. فهذا يقول: ما دخل معرفة القاتل بذبح البقرة؟
وآخر يقول: ان نبي الله يمزح.
وثالث ينادي بأعلى صوته قائلا: وها هذا وقت المزاح؟
وقال ناداب بن صوغر: ان موسى يهزأ بنا. انه يتخذنا هزوا.
وسادت الفوضى فانسحب موسى من المجلس, وانفضّ الناس وهم يتندّرون بالبقرة التي يريد نبي الله ذبحها.
أما المؤمنون الأتقياء فقد طلبوا من الناس أن يكفوا عن السخرية والشغب وقالوا لهم: ان نبي الله موسى لم يقل شيئا من عنده, بل هو كلام الله الذي كلمه به, فهو يقول لكم:{ ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فكيف يكون هذا مزاحا؟
عليكم أن تتلقوا أمر الله بالطاعة والتسليم لا بالسخرية والشغب والتندر والمعصية.
وفي اليوم التالي جاء موسى عليه السلام الى مجلس القضاء وجلس بين المؤمنين الأتقياء, وتقدّمت اليه عشيرة القتيل وقالوا له: يا نبي الله أتتخذنا هزوا؟!!!
قال موسى: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
وهنا وقف شيخ كبير صالح وقال: يا بني اسرائيل لقد رضيت عشيرة القتيل, وعرفت أن نبي الله لا يتخذها هزوا وخصوصا أن القتيل كان من صالحي خلصائه وأصحابه.
وبعد نقاش وحوار حول من يدفع ثمن البقرة قال أحد الشيوخ العقلاء: أرى أن يشترك في ثمن البقرة كل رجال بني اسراشيل, فالقتيل قتيلنا جميعا, وسلام الشعب لا يهم طائفة دون طائفة بل يهم الجميع.
سكت الناس ورضوا بهذا الحكم, ونظر الجميع الى نبي الله موسى.
فقال موسى: اذن فاجمعوا المال واشتروا البقرة واذبحوها طاعة لأمر ربكم.
وتلكأ القوم وقالوا: أي بقرة نذبح؟ ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي.
وسطت موسى وأصغى لنداء الله في قلبه ثم قال لهم: { انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون}. البقرة 68.
وسألوا وجادلوا عن لونها, وقالوا: لا بد أن نعرف لونها.
فتوجه موسى الى الله يسألأه فسمع الاجابة في صدره بأنها:{ بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين}..
ولكن القوم جادلوا وأكثروا الجدال وقالوا لموسى:{ ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لنهتدون}. البقرة 70.
وظل بنو اسرائيل في شكهم فمنهم من يؤيّد ومنهم من يستنكر حتى أنهم قضوا عدّة أيّام يتجادلون, ثم ذهب صلحاء القوم وعقلاؤهم الى موسى يقولون له: انك مطالب بالفصل في قضيّة دم القتيل شمعون فلا يشغلك عناد قومك عن هذه القضيّة فاسأل ربك عما يريدون.
فسأل موسى ربه, ثم اجتمع القوم ليسمعوا الاجابة:
{قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها, قالوا الآن جئت بالحق, فذبحوها وما كادوا يفعلون}. البقرة 71.
أي أن هذه البقرة معفاة من الخدمة فهي غير مذللة لحرث الأرض أو سقيها, وليس في جسمها بقعة أو علامة من لون يخالف لون جسمها الأصفر الصافي الفاقع.
اقتنع القوم وقالوا:{ الآن جئت بالحق}.
وأخذوا يبحثون عن بقرة: لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك صفراء فاقع لونها, تسر الناظرين لا ذلول, تثير الأرض, ولا تسقي الحرث, لا شية فيها, فلم يعثروا عليها عند أحد من أهل القرى التي حولهم.
كانوا اذا وجدوا بقرة صفراء ردّوها لأن فيها شيئا من لون يخالف لونها الأصفر, فاذا وجدوها صفراء خالصة ردوها لأنها بكر أو فارض وليست عوانا بين ذلك, وهكذا دقق بنو اسرائيل في البحث عن البقرة التي تتكامل فيها الأوصاف المطلوبة, وقسموا أنفسهم مجموعات وفرق للبحث عن البقرة المطلوبة في أنحاء شبه جزيرة سيناء الواسعة, وانتشروا في الشمال والجنوب.
4.بقرة الياب الصفراء
بلغ الياب الثامنة عشرة من عمره وأصبح فتى يافعا وجاءت أمه لتقول له: يا بنيّ لقد كبرت وبلغت سن الثامنة عشرة وصار لزاما على أن أدلك على الكنز الذي تركه لك أبوك.
دهش الياب وقال لأمه: كنز؟! ان أبي كان فقيرا فكيف يترك لي كنزا؟
قالت الأم راحيل: لقد ترك لك عجلة صغيرة منذ تسع سنوات وأوصى أن اتركها في أرض الله لا أذللها بحرث أو سقي ولا أتعدها بحراسة فهي في حراسة الله. وقال: اذا كبر الياب فادفعيها اليه.
فقال الياب لأمه: وفي أي مكان تركها؟
قالت راحيل: لا أدري ولكنه قال: انها في الغيضة الواسعة المجاورة لنا, فاذهب اليها وابحث عنها وسوف لا يطول بحثك لأن الله سيقبل بها عليك.
فقال الياب: ولكن ما لونها أو علامتها التي أعرفها بها؟
قالت راحيل: انها صفراء فاقع لونها تسر الناظرين كأن شعاع الشمس ينبعث من جلدها, ليس فيها لون آخر غير هذا اللون الأصفر حتى ولا لون قرنيها وأظلافها.
خرج الياب للبحث عنها, وما هي الا ساعة واحدة حتى عاد بالبقرة الصفراء الجميلة وقد كبرت بعد أن كانت صغيرة وامتلأ جسمها باللحم بعد أن كانت هزيلة.
قال الياب: يا لها من كنز مبارك يا أمي..
قالت راحيل: ان ثمنها لا يزيد على ثلاثة دنانير, ولكن المال الحلال الصالح لا يقدّر بعدد, بل يقدّر بما فيه من بركة, وبرّ وتقوى الله والنيّة الصالحة. من أجل هذا سمّاها أبوك الكنز.
ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.
وعندما سمع الناس قوله هاجوا وأحدثوا شغبا, وساد الهرج والمرج, واختلطت أصوات ساخرة بأصوات مستنكرة هذا الطلب وهذا الأمر. فهذا يقول: ما دخل معرفة القاتل بذبح البقرة؟
وآخر يقول: ان نبي الله يمزح.
وثالث ينادي بأعلى صوته قائلا: وها هذا وقت المزاح؟
وقال ناداب بن صوغر: ان موسى يهزأ بنا. انه يتخذنا هزوا.
وسادت الفوضى فانسحب موسى من المجلس, وانفضّ الناس وهم يتندّرون بالبقرة التي يريد نبي الله ذبحها.
أما المؤمنون الأتقياء فقد طلبوا من الناس أن يكفوا عن السخرية والشغب وقالوا لهم: ان نبي الله موسى لم يقل شيئا من عنده, بل هو كلام الله الذي كلمه به, فهو يقول لكم:{ ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فكيف يكون هذا مزاحا؟
عليكم أن تتلقوا أمر الله بالطاعة والتسليم لا بالسخرية والشغب والتندر والمعصية.
وفي اليوم التالي جاء موسى عليه السلام الى مجلس القضاء وجلس بين المؤمنين الأتقياء, وتقدّمت اليه عشيرة القتيل وقالوا له: يا نبي الله أتتخذنا هزوا؟!!!
قال موسى: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
وهنا وقف شيخ كبير صالح وقال: يا بني اسرائيل لقد رضيت عشيرة القتيل, وعرفت أن نبي الله لا يتخذها هزوا وخصوصا أن القتيل كان من صالحي خلصائه وأصحابه.
وبعد نقاش وحوار حول من يدفع ثمن البقرة قال أحد الشيوخ العقلاء: أرى أن يشترك في ثمن البقرة كل رجال بني اسراشيل, فالقتيل قتيلنا جميعا, وسلام الشعب لا يهم طائفة دون طائفة بل يهم الجميع.
سكت الناس ورضوا بهذا الحكم, ونظر الجميع الى نبي الله موسى.
فقال موسى: اذن فاجمعوا المال واشتروا البقرة واذبحوها طاعة لأمر ربكم.
وتلكأ القوم وقالوا: أي بقرة نذبح؟ ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي.
وسطت موسى وأصغى لنداء الله في قلبه ثم قال لهم: { انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون}. البقرة 68.
وسألوا وجادلوا عن لونها, وقالوا: لا بد أن نعرف لونها.
فتوجه موسى الى الله يسألأه فسمع الاجابة في صدره بأنها:{ بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين}..
ولكن القوم جادلوا وأكثروا الجدال وقالوا لموسى:{ ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لنهتدون}. البقرة 70.
وظل بنو اسرائيل في شكهم فمنهم من يؤيّد ومنهم من يستنكر حتى أنهم قضوا عدّة أيّام يتجادلون, ثم ذهب صلحاء القوم وعقلاؤهم الى موسى يقولون له: انك مطالب بالفصل في قضيّة دم القتيل شمعون فلا يشغلك عناد قومك عن هذه القضيّة فاسأل ربك عما يريدون.
فسأل موسى ربه, ثم اجتمع القوم ليسمعوا الاجابة:
{قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها, قالوا الآن جئت بالحق, فذبحوها وما كادوا يفعلون}. البقرة 71.
أي أن هذه البقرة معفاة من الخدمة فهي غير مذللة لحرث الأرض أو سقيها, وليس في جسمها بقعة أو علامة من لون يخالف لون جسمها الأصفر الصافي الفاقع.
اقتنع القوم وقالوا:{ الآن جئت بالحق}.
وأخذوا يبحثون عن بقرة: لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك صفراء فاقع لونها, تسر الناظرين لا ذلول, تثير الأرض, ولا تسقي الحرث, لا شية فيها, فلم يعثروا عليها عند أحد من أهل القرى التي حولهم.
كانوا اذا وجدوا بقرة صفراء ردّوها لأن فيها شيئا من لون يخالف لونها الأصفر, فاذا وجدوها صفراء خالصة ردوها لأنها بكر أو فارض وليست عوانا بين ذلك, وهكذا دقق بنو اسرائيل في البحث عن البقرة التي تتكامل فيها الأوصاف المطلوبة, وقسموا أنفسهم مجموعات وفرق للبحث عن البقرة المطلوبة في أنحاء شبه جزيرة سيناء الواسعة, وانتشروا في الشمال والجنوب.
4.بقرة الياب الصفراء
بلغ الياب الثامنة عشرة من عمره وأصبح فتى يافعا وجاءت أمه لتقول له: يا بنيّ لقد كبرت وبلغت سن الثامنة عشرة وصار لزاما على أن أدلك على الكنز الذي تركه لك أبوك.
دهش الياب وقال لأمه: كنز؟! ان أبي كان فقيرا فكيف يترك لي كنزا؟
قالت الأم راحيل: لقد ترك لك عجلة صغيرة منذ تسع سنوات وأوصى أن اتركها في أرض الله لا أذللها بحرث أو سقي ولا أتعدها بحراسة فهي في حراسة الله. وقال: اذا كبر الياب فادفعيها اليه.
فقال الياب لأمه: وفي أي مكان تركها؟
قالت راحيل: لا أدري ولكنه قال: انها في الغيضة الواسعة المجاورة لنا, فاذهب اليها وابحث عنها وسوف لا يطول بحثك لأن الله سيقبل بها عليك.
فقال الياب: ولكن ما لونها أو علامتها التي أعرفها بها؟
قالت راحيل: انها صفراء فاقع لونها تسر الناظرين كأن شعاع الشمس ينبعث من جلدها, ليس فيها لون آخر غير هذا اللون الأصفر حتى ولا لون قرنيها وأظلافها.
خرج الياب للبحث عنها, وما هي الا ساعة واحدة حتى عاد بالبقرة الصفراء الجميلة وقد كبرت بعد أن كانت صغيرة وامتلأ جسمها باللحم بعد أن كانت هزيلة.
قال الياب: يا لها من كنز مبارك يا أمي..
قالت راحيل: ان ثمنها لا يزيد على ثلاثة دنانير, ولكن المال الحلال الصالح لا يقدّر بعدد, بل يقدّر بما فيه من بركة, وبرّ وتقوى الله والنيّة الصالحة. من أجل هذا سمّاها أبوك الكنز.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
فقال الياب: والمال الحلال الصالح يا أمي ينميه الله ببركة التقوى فيعد بالمئات والألوف. وما يدرينا لعل هذه البقرة ذات الدنانير الثلاثة تباع بالألوف التي لا تخطر لنا ببال!
5.البقرة المعجزة
ومضت أيّام, وبينما كان الياب جالسا مرّ به أعرابي يقول له: ان جماعة من بني اسرائيل يبحثون في لهفة شديدة عن بقرة تشبه بقرتك وقد دللتهم عليك واني لأرى أنك لو رفعت ثمنها عليهم لأعطوك ما تريد ولو طلبت ملء جلدها ذهبا لأعطوك.
جاء القوم من بني اسرائيل وقالوا لالياب: لقد جئنا من عند نبي الله موسى فبعنا هذه البقرة ولا تزد في سعرها.
قال الياب: ان كانت البقرة لنبي الله موسى فله من غير ثمن.
فقال قوم: ان شعب اسرائيل فقراء وقد أنهكتهم الصحراء فاقبل منا ما بأيدينا وليبارك الله لك فيه.
قال الياب: ان شعب اسرائيل ليس فقيرا, لقد صنع عجلا من الذهب ليعبده من دون الله فليس من الكثير عليه أن يدفع لي ما أريد.
استأذن أمه للذهاب مع القوم ليلقى نبي الله موسى وليتقاضى ثمن البقرة, وقال انه لن يطيل الغياب.
6.معجزة الحق والعدل
اجتمع بنو اسرائيل لما سمعوا أنهم وجدوا البقرة, وجاؤوا يهرولون ويقولون: لقد وجدنا البقرة.. لقد وجدنا البقرة.
فلما سمع ناداب هذا الكلام وجاءته هذه الأخبار انعقد لسانه عن الكلام واصفرّ وجهه, ووجد نفسه يقوم من مكانه مع أصحابه الى حيث يهرول الناس, فلما بلغوا ساحة القضاء وجدوه مكتظة عن آخرها بالناس ورأوا البقرة قائمة أمام نبي الله موسى, وأنه عليه السلام يقبّل الياب صاحب البقرة لما عرف أنه ابن الرجل الصالح آزر ويربّت على كتفيه ويقول له: لقد صرت رجلا والحمد لله, لقد مررت بك وأنت غلام صغير فمسحت على رأسك ودعوت لك بالخير.
وكان بالقرب منه منسى بن اليشع الرجل الذي جاء يخطب رفقة بنت شمعون القتيل لناداب ابن أخيه, وتذكر في رغبة شمعون في زواج الياب بن آزر منها, فدنا منه ورحّب به, وانحنى الى أذن موسى وأسرّ اليه كلاما لم يسمعه أحد, ثم ترك الجميع وهرول الى بيت رفقة ليخبرها أن فتاها الياب هو صاحب البقرة وقد حضر معها, أما نبي الله موسى فقد أمر بذبح البقرة, فذبحوها, فلما انتهوا قال: اقطعوا عضوا منها, فقطعوه.
فقال عليه السلام: فليحمل هذا العضو الياب فانه غريب وان كان اسرائيليا.
فحمل الياب العضو.
وقال موسى: هيا بنا الى قبر شمعون .
فذهبت الجموع تتدافع الى القبر في زحام شديد, وكثرة هائلة وهم لا يدرون ماذا يريد نبي الله بهذا كله.
قال موسى: افتحوا القبر واخرجوا جثة القتيل, ونادى: يا الياب! اضرب القتيل بالعضو الذي بيدك.
وكانت الدهشة والعجب حين رأى الناس القتيل يعود الى الحياة, ويقف بين الناس بشرا سويّا.
فقال موسى: يا شمعون نسألك بحق الذي ردّ اليك الحياة أن تذكر لنا سم الذي قتلك.
فقال شمعون: الذي قتلني هو ناداب بن صوغر.
وفي وسط ذهول الناس لهذه المعجزة, عاد شمعون الى الموت وأقبلت الجموع ثائرة على ناداب تريد أن تفتك به, ولكن موسى قال: القصاص حكم الله.. فلنقم عليه حد القتل جزاء ما فعل.
وشهد الناس مشهدا عجيبا: شهدوا الياب يزف الى رفقة في بيت أبيها. وشهدوا ناداب يندب حظه وهو يساق الى الموت.
تلك هي معجزة القتيل الذي ردّه الله الى الحياة ليشهد على قاتله.
ويقول الله عز وجل عن هذه المعجزة:{ فقلنا اضربوه ببعضها, كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلّكم تعقلون} البقرة 73.
سبحان الله خالق المعجزات والآيات..
5.البقرة المعجزة
ومضت أيّام, وبينما كان الياب جالسا مرّ به أعرابي يقول له: ان جماعة من بني اسرائيل يبحثون في لهفة شديدة عن بقرة تشبه بقرتك وقد دللتهم عليك واني لأرى أنك لو رفعت ثمنها عليهم لأعطوك ما تريد ولو طلبت ملء جلدها ذهبا لأعطوك.
جاء القوم من بني اسرائيل وقالوا لالياب: لقد جئنا من عند نبي الله موسى فبعنا هذه البقرة ولا تزد في سعرها.
قال الياب: ان كانت البقرة لنبي الله موسى فله من غير ثمن.
فقال قوم: ان شعب اسرائيل فقراء وقد أنهكتهم الصحراء فاقبل منا ما بأيدينا وليبارك الله لك فيه.
قال الياب: ان شعب اسرائيل ليس فقيرا, لقد صنع عجلا من الذهب ليعبده من دون الله فليس من الكثير عليه أن يدفع لي ما أريد.
استأذن أمه للذهاب مع القوم ليلقى نبي الله موسى وليتقاضى ثمن البقرة, وقال انه لن يطيل الغياب.
6.معجزة الحق والعدل
اجتمع بنو اسرائيل لما سمعوا أنهم وجدوا البقرة, وجاؤوا يهرولون ويقولون: لقد وجدنا البقرة.. لقد وجدنا البقرة.
فلما سمع ناداب هذا الكلام وجاءته هذه الأخبار انعقد لسانه عن الكلام واصفرّ وجهه, ووجد نفسه يقوم من مكانه مع أصحابه الى حيث يهرول الناس, فلما بلغوا ساحة القضاء وجدوه مكتظة عن آخرها بالناس ورأوا البقرة قائمة أمام نبي الله موسى, وأنه عليه السلام يقبّل الياب صاحب البقرة لما عرف أنه ابن الرجل الصالح آزر ويربّت على كتفيه ويقول له: لقد صرت رجلا والحمد لله, لقد مررت بك وأنت غلام صغير فمسحت على رأسك ودعوت لك بالخير.
وكان بالقرب منه منسى بن اليشع الرجل الذي جاء يخطب رفقة بنت شمعون القتيل لناداب ابن أخيه, وتذكر في رغبة شمعون في زواج الياب بن آزر منها, فدنا منه ورحّب به, وانحنى الى أذن موسى وأسرّ اليه كلاما لم يسمعه أحد, ثم ترك الجميع وهرول الى بيت رفقة ليخبرها أن فتاها الياب هو صاحب البقرة وقد حضر معها, أما نبي الله موسى فقد أمر بذبح البقرة, فذبحوها, فلما انتهوا قال: اقطعوا عضوا منها, فقطعوه.
فقال عليه السلام: فليحمل هذا العضو الياب فانه غريب وان كان اسرائيليا.
فحمل الياب العضو.
وقال موسى: هيا بنا الى قبر شمعون .
فذهبت الجموع تتدافع الى القبر في زحام شديد, وكثرة هائلة وهم لا يدرون ماذا يريد نبي الله بهذا كله.
قال موسى: افتحوا القبر واخرجوا جثة القتيل, ونادى: يا الياب! اضرب القتيل بالعضو الذي بيدك.
وكانت الدهشة والعجب حين رأى الناس القتيل يعود الى الحياة, ويقف بين الناس بشرا سويّا.
فقال موسى: يا شمعون نسألك بحق الذي ردّ اليك الحياة أن تذكر لنا سم الذي قتلك.
فقال شمعون: الذي قتلني هو ناداب بن صوغر.
وفي وسط ذهول الناس لهذه المعجزة, عاد شمعون الى الموت وأقبلت الجموع ثائرة على ناداب تريد أن تفتك به, ولكن موسى قال: القصاص حكم الله.. فلنقم عليه حد القتل جزاء ما فعل.
وشهد الناس مشهدا عجيبا: شهدوا الياب يزف الى رفقة في بيت أبيها. وشهدوا ناداب يندب حظه وهو يساق الى الموت.
تلك هي معجزة القتيل الذي ردّه الله الى الحياة ليشهد على قاتله.
ويقول الله عز وجل عن هذه المعجزة:{ فقلنا اضربوه ببعضها, كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلّكم تعقلون} البقرة 73.
سبحان الله خالق المعجزات والآيات..
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
موسى والخضر والبحر
قال تعالى:
( فلما بلغ مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا* فلما جاوزاه قال لقتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا* قال أرأيت اذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره, واتخذ سبيله في البحر عجبا* قال ذلك ما كنا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا* فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) الكهف 61-65.
اختص الله عز وجل موسى بنعم كثيرة, وكذلك اختص قومه بهذه النعم التي أنعم بها عليه, ولذلك فقد ظل موسى عليه السلام يشكر الله على نعمه.
وكان موسى يصلي لله شكرا على ما أعطاه من نعم, يتعبّده حمدا على ما وهب له, ويبتهل اليه أن يديم عليه رضاه وكرمه. وذات يوم سأل ربّه: يا رب؛ أأنا الآن الوحيد على وجه الأرض الذي حبوتني بالعلم, وخصصتني بالمعرفة؟!
فأجابه ربه: يا موسى انك لا تعلم الا ما شئنا نحن أن تعلمه, ولا تعرف الا ما أردنا لك أن تعرفه.
قال موسى متسائلا: يا رب, أيوجد من هو أعلم مني؟!
فأجابه ربه: لي عبد صالح يعلم ما لا تعلم. ويعرف ما لا تعرف.
قال موسى: يا رب, أين أجد عبدك الصالح هذا؟ لقد اشتاقت نفسي الى معرفته.
قال عز وجل: يقيم الآن عند مجمع البحرين.
قال موسى: يا رب؛ أريد أن أذهب لأراه, فأرشدني اليه, ووفقني للقائه.
قال عز وجل: اذهب وسأجعل لك من عندي آية تدلك وعلامة بيّنة ترشدك.
1.البحث عن العبد الصالح
تهيأ موسى عليه السلام للذهاب لمقابلة العبد الصالح, الذي أرشده الله عز جل اليه, فنادى يوشع بن نون فتاه المخلص وقال له: يا يوشع, اني عزمت على القيام برحلة, لا أدري: أتطول هي أم تقصر؟!! فهل لك في أن تصحبني في تلك الرحلة التي لا يعلم الا الله مداها؟!
وكان يوشع بن نون هو الفتى الذي أحبّ موسى عليه السلام, وآمن به وأخلص له, ووهبه قلبه, وصحبه في غدوّه ورواحه, ينهل من حكمة موسى عليه السلام, ويغترف من علمه, ويأخذ من معرفته.
قال يوشع: اني لك يا سيدي الصاحب الوفي والرفيق المطيع الأمين.
قال موسى عليه السلام: اذن, فلنتهيأ لرحلتنا من فورنا, ولنسر على بركة الله, فهو مرشدنا وهادينا الى سواء السبيل. وتهيأ موسى وفتاه للسفر وتزوّدا بزاد مما يتزود به عادة المسافرون, الذين يقطعون الصحارى, ويجتازون الفيافي والقفار, مثل الخبز الجف, والتمر اليابس, واللحم المقدد.
ولما جهزا جهازهما؛ سأل يوشع بن نون موسى: يا سيدي أي المطايا تركب؟ وأي القوافل تصحب؟ وأي الطرق تسلك؟!
قال موسى: يا بني, ستكون مطيتنا أرجلنا, وسيكون البحر صاحبنا, وسيكون شاطئه مسلكنا.
سأل يوشع متعجبا: وال أين نقصد؟!
قال موسى: نقصد مجمع البحرين, لأقابل رجلا من عباد الله الصالحين, أرشدني الله اليه.
قال الفتى: وهل تعرف مجمع البحرين؟!
أجاب موسى: سيعرّفني الله مجمع البحرين ويهديني اليه.
قال تعالى:
( فلما بلغ مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا* فلما جاوزاه قال لقتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا* قال أرأيت اذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره, واتخذ سبيله في البحر عجبا* قال ذلك ما كنا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا* فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) الكهف 61-65.
اختص الله عز وجل موسى بنعم كثيرة, وكذلك اختص قومه بهذه النعم التي أنعم بها عليه, ولذلك فقد ظل موسى عليه السلام يشكر الله على نعمه.
وكان موسى يصلي لله شكرا على ما أعطاه من نعم, يتعبّده حمدا على ما وهب له, ويبتهل اليه أن يديم عليه رضاه وكرمه. وذات يوم سأل ربّه: يا رب؛ أأنا الآن الوحيد على وجه الأرض الذي حبوتني بالعلم, وخصصتني بالمعرفة؟!
فأجابه ربه: يا موسى انك لا تعلم الا ما شئنا نحن أن تعلمه, ولا تعرف الا ما أردنا لك أن تعرفه.
قال موسى متسائلا: يا رب, أيوجد من هو أعلم مني؟!
فأجابه ربه: لي عبد صالح يعلم ما لا تعلم. ويعرف ما لا تعرف.
قال موسى: يا رب, أين أجد عبدك الصالح هذا؟ لقد اشتاقت نفسي الى معرفته.
قال عز وجل: يقيم الآن عند مجمع البحرين.
قال موسى: يا رب؛ أريد أن أذهب لأراه, فأرشدني اليه, ووفقني للقائه.
قال عز وجل: اذهب وسأجعل لك من عندي آية تدلك وعلامة بيّنة ترشدك.
1.البحث عن العبد الصالح
تهيأ موسى عليه السلام للذهاب لمقابلة العبد الصالح, الذي أرشده الله عز جل اليه, فنادى يوشع بن نون فتاه المخلص وقال له: يا يوشع, اني عزمت على القيام برحلة, لا أدري: أتطول هي أم تقصر؟!! فهل لك في أن تصحبني في تلك الرحلة التي لا يعلم الا الله مداها؟!
وكان يوشع بن نون هو الفتى الذي أحبّ موسى عليه السلام, وآمن به وأخلص له, ووهبه قلبه, وصحبه في غدوّه ورواحه, ينهل من حكمة موسى عليه السلام, ويغترف من علمه, ويأخذ من معرفته.
قال يوشع: اني لك يا سيدي الصاحب الوفي والرفيق المطيع الأمين.
قال موسى عليه السلام: اذن, فلنتهيأ لرحلتنا من فورنا, ولنسر على بركة الله, فهو مرشدنا وهادينا الى سواء السبيل. وتهيأ موسى وفتاه للسفر وتزوّدا بزاد مما يتزود به عادة المسافرون, الذين يقطعون الصحارى, ويجتازون الفيافي والقفار, مثل الخبز الجف, والتمر اليابس, واللحم المقدد.
ولما جهزا جهازهما؛ سأل يوشع بن نون موسى: يا سيدي أي المطايا تركب؟ وأي القوافل تصحب؟ وأي الطرق تسلك؟!
قال موسى: يا بني, ستكون مطيتنا أرجلنا, وسيكون البحر صاحبنا, وسيكون شاطئه مسلكنا.
سأل يوشع متعجبا: وال أين نقصد؟!
قال موسى: نقصد مجمع البحرين, لأقابل رجلا من عباد الله الصالحين, أرشدني الله اليه.
قال الفتى: وهل تعرف مجمع البحرين؟!
أجاب موسى: سيعرّفني الله مجمع البحرين ويهديني اليه.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
2.رحلة البحث
مضى موسى عليه السلام ومعه فتاه يوشع على شاطئ البحر, أياما وليالي, لا يكلان ولا يملان ولا يتأففان من طول سير, أو وعورة طريق؛ ولا يتوقفان الا لتناول غذاء, أو لأخذ قسط من النوم. ومرّ عليهما وهما على هذه الحالة وقت من الزمن, وموسى لا يزال كأول عهده بالرحلة: نشيطا, متشوقا الى مقابلة عبدالله الصالح, ولم تفتر همته, ولم يدركه سأم, ولم يتطرّق الى نفسه ملل.
وسألأ يوشع موسى يوما: يا ترى!! ألأ يزال أمامنا مرحلة طويلة حتى نصل الى مجمع البحرين؟
قال موسى: لا أدري !! ولكنني لا أ[رح حتى أبلغ مجمع البحرين, أو أمضي حقبا.
واستمر موسى عليه السلام وفتاه يوشع يغذان السير في البر, وهما على روح الثبات والنشاط حتى نفد طعامهما, فاصطاد يوشع حوتا من البحر حمله معه, ليتزودا من لحمه, ووصلا الى صخرة عظيمة فجلسا يستجمان بجوارها, ويستظلان بظلها, ويصيبان قسطا من الراحة والنوم. فلما نالا قسطا من النوم قاما يسيران ويسعيان, فما كاد ينصرم نهارهما هذا, ويمسي عليهما المساء حتى شعر موسى بتعب وفتور لم يعهده من منذ بدأ رحلته, وأحس أن قدميه لا تستطيعان حمله أكثر مما حملتاه, أحس كذلك أن أعضاءه قد وهنت وضعفت, فجلس على الأرض, وقال لفتاه:{ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} عسى أن يمدّنا الله ببعض القوة التي تعيننا بلوغ غايتنا.
حينئذ ضرب الفتى يوشع جبينه بيده, وصرخ صرخة مكتومة وقال لموسى:{أرأيت اذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره}.
قال موسى عليه السلام مستفسرا: وما بال الحوت؟!
أجاب يوشع قائلا: لقد تسرّب الحوت, واتخذ سبيله في البحر عجبا.
لقد هرب الحوت من السلة, ومضى في طريق محدد الاتجاه الى البحر. تعجب موسى عليه السلام من كلام فتاه يوشع, وسأله وقد دبّت في نفسه فرحة أمل, وابتسامة تفاؤل فقال: أفصح يا يوشع, ماذا حدث للحوت وما الذي حدث منه؟!!
قال يوشع: حدث وأنت نائم, ان أفقت أنا من نومي على صوت السلة التي بها الحوت, وكانت بجانبي, ففتحت عيني, فوجدته ينزلق متدحرجا بين الصخور, فأسرعت خلفه لأعيده الى مكانه؛ ولكني رأيت عجبا, ورأيت ما أدهشني.
قال موسى فرحا مستبشرا: ماذا رأيت؟ عجّل بالقول!!
قال الفتى في أسف وحسرة: رأيت الحوت قد غمره الماء, وخيّل اليّ أنه يتحرّك, ويتقلّب, كأن الحياة قد ردّت اليه, يضطرب في سرب بين الصخور, خرج منه الى البحر, دون أن أدركه, أو أستطيع اللحاق به.
فلم يدهش موسى, ولم يتعجب, فقد لمس في آيات الله له كل مقدرة, ورأى في بيّناته له كل عجب. ولكنه سرّ وفرح, فقد أدرك أن بعث الحوت الميّت, وردّه حيا, هو آية الله التي وعده بها ليرشده الى مجمع البحرين, وعرف أن الطريق الذي تسرب فيه الحوت هو الطريق الذي يؤدي الى عبد الله الصالح الذي ينشد لقاءه, فنهض نشيطا فرحا, وهو يقول لفتاه:{ ذلك ما كنا نبغ} فهيا بنا نعود الى الصخرة.
هذه الحالة في حد ذاتها بداية معجزات موسى عليه السلام التي وهبها الله له في هذه القصة الجميلة.
وسنرى المعجزات العجاب حين يلتقي بالعبد الصالح.
فما أشرق الصباح حتى ارتدّ موسى عليه السلام وصاحبه فتاه يوشع يقصّان ويبحثان عن آثارهما وطريقهما الذي جاءا منه, حتى لا يضلا عن الصخرة التي نزلا بجانبها من قبل, وما زالا سائرين يتحسسان طريقهما الأول, حتى وصلا اليها؛ فقال موسى عليه السلام لفتاه يوشع:
يا يوشع أرني المكان الذي تسرّب منه الحوت ونفذ الى البحر.
فأشار يوشع لموسى الى سرب بين الصخور, وقال له:
هذا هو الطريق الذي سلكه الحوت.
فنظر موسى عليه السلام الى حيث أشار يوشع, فوجده سربا بين الصخور يفضي الى البحر من ناحيته الأخرى, فنفذ منه ومن ورائه فتاه, فخرجا الى البحر من الناحية الأخرى للصخرة, ونظر موسى حوله, فرأى ما وعده الله حقا!! رأى ما حجبته الصخرة عن رؤيته بعظم رمها! رأى ماء البحر العذب يلتقي بماء البحر المالح.
ورأى بجانب الصخرة بساطا أخضر نضيرا من عشب أخضر, وقد جلس عليه شيخ جميل وضيء مهيب الطلعة, أبيض اللحية, وقد تربّع في جلسته.
عندئذ عرف موسى عليه السلام أنه أمام العبد الصالح الذي وعده ربه بلقائه, وهو الرجل الذي علمه الله سبحانه وتعالى أشياء من علم الغيب الذي استأثر به.
وكانت هذه الثانية خطوة على طريق المعجزات في هذه القصة المباركة, ترى بعد هذا اللقاء ماذا فعل موسى عليه السلام مع العبد الصالح؟ لنرى ذلك.
وتقدّم موسى من العبد الصالح وقال له:
السلام عليك يا حبيب الله.
فنظر الشيخ اليه, وقد أشرق وجهه, وردّ عليه السلام قائلا: وعليك السلام يا نبيّ الله.
ثم دعاه الى الجلوس بجانبه, فجلس موسى عليه السلام وهو يسأله دهشا مستعجبا: أوتعرفني؟!
قال الشيخ: نعم, أولست موسى نبي اسرائيل؟
قال موسى وقد ازداد عجبه: من أعلمك عني؟! ومن عرّفك بي؟!
أجاب الشيخ أعلمني عنك الذي أعلمك عني, وعرّفني بك الذي عرّفك بمكاني.
فامتلأ قلب موسى هيبة من الشيخ, وايمانا به, وعلم أنه حقا في حضرة رجل صالح قد اصطفاه ربه, واتخذه وليّا وآتاه رحمة من عنده وعلما من لدنه. فقال يسأله في تلطف وتودد:
{ هل أتبعك على أن تعلمنﹺ مما علّمت رشداْ}.
فابتسم الشيخ لموسى عليه السلام وقال له:
{انك لن تستطيع معي صبرا}.
قال موسى: سأصبر على كل ما تعلمني اياه, وترشدني اليه.
فهز الشيخ رأسه باسما, وقال:{ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا}.
يا موسى ان علمي الذي أعلمه غير علمك الذي تعلمه, لن تستطيع أن تصبر على ما يصدر من علمي, ولا تقدر أن تطيق ما تراه مني.
قال موسى:{ ستجدني ان شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقد صح عزمي على أن أكون تابعك لتعلمني مما علمك الله وترشدني الى ما أرشدك اليه.
حينئذ حط عصفور على حجر في الماء, فنقر نقرة في الماء ثم طار, فقال الشيخ:
أرأيت يا موسى ما أخذ العصفور في منقاره من الماء؟!
والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله الا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر. ثم قال:
{فان اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} وأفسر لك ما خفي عليك تفسيره.
قال موسى على الفور: لك عليّ ذلك.
وبدأت قصّة المعجزة, بل المعجزات في هذه القصة في ثلاثة مشاهد عجيبة, سيفسر أسبابها العبد الصالح في النهاية فتكون معجزة حضها موسى عليه السلام وتعلّم منها أنها معجزات علم الغيب.
مضى موسى عليه السلام ومعه فتاه يوشع على شاطئ البحر, أياما وليالي, لا يكلان ولا يملان ولا يتأففان من طول سير, أو وعورة طريق؛ ولا يتوقفان الا لتناول غذاء, أو لأخذ قسط من النوم. ومرّ عليهما وهما على هذه الحالة وقت من الزمن, وموسى لا يزال كأول عهده بالرحلة: نشيطا, متشوقا الى مقابلة عبدالله الصالح, ولم تفتر همته, ولم يدركه سأم, ولم يتطرّق الى نفسه ملل.
وسألأ يوشع موسى يوما: يا ترى!! ألأ يزال أمامنا مرحلة طويلة حتى نصل الى مجمع البحرين؟
قال موسى: لا أدري !! ولكنني لا أ[رح حتى أبلغ مجمع البحرين, أو أمضي حقبا.
واستمر موسى عليه السلام وفتاه يوشع يغذان السير في البر, وهما على روح الثبات والنشاط حتى نفد طعامهما, فاصطاد يوشع حوتا من البحر حمله معه, ليتزودا من لحمه, ووصلا الى صخرة عظيمة فجلسا يستجمان بجوارها, ويستظلان بظلها, ويصيبان قسطا من الراحة والنوم. فلما نالا قسطا من النوم قاما يسيران ويسعيان, فما كاد ينصرم نهارهما هذا, ويمسي عليهما المساء حتى شعر موسى بتعب وفتور لم يعهده من منذ بدأ رحلته, وأحس أن قدميه لا تستطيعان حمله أكثر مما حملتاه, أحس كذلك أن أعضاءه قد وهنت وضعفت, فجلس على الأرض, وقال لفتاه:{ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} عسى أن يمدّنا الله ببعض القوة التي تعيننا بلوغ غايتنا.
حينئذ ضرب الفتى يوشع جبينه بيده, وصرخ صرخة مكتومة وقال لموسى:{أرأيت اذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره}.
قال موسى عليه السلام مستفسرا: وما بال الحوت؟!
أجاب يوشع قائلا: لقد تسرّب الحوت, واتخذ سبيله في البحر عجبا.
لقد هرب الحوت من السلة, ومضى في طريق محدد الاتجاه الى البحر. تعجب موسى عليه السلام من كلام فتاه يوشع, وسأله وقد دبّت في نفسه فرحة أمل, وابتسامة تفاؤل فقال: أفصح يا يوشع, ماذا حدث للحوت وما الذي حدث منه؟!!
قال يوشع: حدث وأنت نائم, ان أفقت أنا من نومي على صوت السلة التي بها الحوت, وكانت بجانبي, ففتحت عيني, فوجدته ينزلق متدحرجا بين الصخور, فأسرعت خلفه لأعيده الى مكانه؛ ولكني رأيت عجبا, ورأيت ما أدهشني.
قال موسى فرحا مستبشرا: ماذا رأيت؟ عجّل بالقول!!
قال الفتى في أسف وحسرة: رأيت الحوت قد غمره الماء, وخيّل اليّ أنه يتحرّك, ويتقلّب, كأن الحياة قد ردّت اليه, يضطرب في سرب بين الصخور, خرج منه الى البحر, دون أن أدركه, أو أستطيع اللحاق به.
فلم يدهش موسى, ولم يتعجب, فقد لمس في آيات الله له كل مقدرة, ورأى في بيّناته له كل عجب. ولكنه سرّ وفرح, فقد أدرك أن بعث الحوت الميّت, وردّه حيا, هو آية الله التي وعده بها ليرشده الى مجمع البحرين, وعرف أن الطريق الذي تسرب فيه الحوت هو الطريق الذي يؤدي الى عبد الله الصالح الذي ينشد لقاءه, فنهض نشيطا فرحا, وهو يقول لفتاه:{ ذلك ما كنا نبغ} فهيا بنا نعود الى الصخرة.
هذه الحالة في حد ذاتها بداية معجزات موسى عليه السلام التي وهبها الله له في هذه القصة الجميلة.
وسنرى المعجزات العجاب حين يلتقي بالعبد الصالح.
فما أشرق الصباح حتى ارتدّ موسى عليه السلام وصاحبه فتاه يوشع يقصّان ويبحثان عن آثارهما وطريقهما الذي جاءا منه, حتى لا يضلا عن الصخرة التي نزلا بجانبها من قبل, وما زالا سائرين يتحسسان طريقهما الأول, حتى وصلا اليها؛ فقال موسى عليه السلام لفتاه يوشع:
يا يوشع أرني المكان الذي تسرّب منه الحوت ونفذ الى البحر.
فأشار يوشع لموسى الى سرب بين الصخور, وقال له:
هذا هو الطريق الذي سلكه الحوت.
فنظر موسى عليه السلام الى حيث أشار يوشع, فوجده سربا بين الصخور يفضي الى البحر من ناحيته الأخرى, فنفذ منه ومن ورائه فتاه, فخرجا الى البحر من الناحية الأخرى للصخرة, ونظر موسى حوله, فرأى ما وعده الله حقا!! رأى ما حجبته الصخرة عن رؤيته بعظم رمها! رأى ماء البحر العذب يلتقي بماء البحر المالح.
ورأى بجانب الصخرة بساطا أخضر نضيرا من عشب أخضر, وقد جلس عليه شيخ جميل وضيء مهيب الطلعة, أبيض اللحية, وقد تربّع في جلسته.
عندئذ عرف موسى عليه السلام أنه أمام العبد الصالح الذي وعده ربه بلقائه, وهو الرجل الذي علمه الله سبحانه وتعالى أشياء من علم الغيب الذي استأثر به.
وكانت هذه الثانية خطوة على طريق المعجزات في هذه القصة المباركة, ترى بعد هذا اللقاء ماذا فعل موسى عليه السلام مع العبد الصالح؟ لنرى ذلك.
وتقدّم موسى من العبد الصالح وقال له:
السلام عليك يا حبيب الله.
فنظر الشيخ اليه, وقد أشرق وجهه, وردّ عليه السلام قائلا: وعليك السلام يا نبيّ الله.
ثم دعاه الى الجلوس بجانبه, فجلس موسى عليه السلام وهو يسأله دهشا مستعجبا: أوتعرفني؟!
قال الشيخ: نعم, أولست موسى نبي اسرائيل؟
قال موسى وقد ازداد عجبه: من أعلمك عني؟! ومن عرّفك بي؟!
أجاب الشيخ أعلمني عنك الذي أعلمك عني, وعرّفني بك الذي عرّفك بمكاني.
فامتلأ قلب موسى هيبة من الشيخ, وايمانا به, وعلم أنه حقا في حضرة رجل صالح قد اصطفاه ربه, واتخذه وليّا وآتاه رحمة من عنده وعلما من لدنه. فقال يسأله في تلطف وتودد:
{ هل أتبعك على أن تعلمنﹺ مما علّمت رشداْ}.
فابتسم الشيخ لموسى عليه السلام وقال له:
{انك لن تستطيع معي صبرا}.
قال موسى: سأصبر على كل ما تعلمني اياه, وترشدني اليه.
فهز الشيخ رأسه باسما, وقال:{ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا}.
يا موسى ان علمي الذي أعلمه غير علمك الذي تعلمه, لن تستطيع أن تصبر على ما يصدر من علمي, ولا تقدر أن تطيق ما تراه مني.
قال موسى:{ ستجدني ان شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقد صح عزمي على أن أكون تابعك لتعلمني مما علمك الله وترشدني الى ما أرشدك اليه.
حينئذ حط عصفور على حجر في الماء, فنقر نقرة في الماء ثم طار, فقال الشيخ:
أرأيت يا موسى ما أخذ العصفور في منقاره من الماء؟!
والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله الا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر. ثم قال:
{فان اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} وأفسر لك ما خفي عليك تفسيره.
قال موسى على الفور: لك عليّ ذلك.
وبدأت قصّة المعجزة, بل المعجزات في هذه القصة في ثلاثة مشاهد عجيبة, سيفسر أسبابها العبد الصالح في النهاية فتكون معجزة حضها موسى عليه السلام وتعلّم منها أنها معجزات علم الغيب.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
3.القصة الأولى
اصطحب العبد الصالح النبي موسى عليه السلام الى شاطىء البحر وكان يتبعهما يوشع, وعند الشاطىء لاحت لهما سفينة سائرة في عرض البحر, فأشار لها الشيخ بيده فاقتربت من الساحل وأطلّ رجالها منها يستفسرون الشيخ وموسى عما يريدان, فعرفوا الشيخ لأنهم يرونه دائما جالسا يتعبّد على ساحل البحر؛ وقال لهم الشيخ:
-نريد منكم أن تحملونا معكم الى حيث تقصدون وليس معنا ما ننقدكم اياه أو نقدمه لكم أجرا على ذلك.
فقال رجال السفينة: مرحبا بالرجل الصالح...
وركب الشيخ وموسى ويوشع السفينة, ورحّب بهم أهلها أجمل ترحيب وأكرمه, وتسابقوا الى خدمتهم.
ومضت السفينة في طريقها سائرة بهم حتى قاربت أن ترسو على ميناء احدى المدن؛ حينئذ رأى كوسى من الشيخ أمرا عجيبا! رآه قد أخذ فأسا من السفينة, واقترب من جدارها, وما زال يعالج بها لوحا من ألواحها حتى كسره, وخرقها.
فلم يملك موسى نفسه, وغضب لفعل الشيخ بالسفينة, لأنه رأى في ذلك اساءة لأصحاب السفينة, وتعريضا لهم جميعا لخطر الغرق؛ فقال له والغضب بدا على وجهه:
ماذا فعلت؟
قوم حملونا بغير أجر وأكرمونا غاية الاكرام, عمدت الى سفينتهم فخرقتها, لتغرقها وتغرق أهلها؟!{ لقد جئت شيئا امرا}.
قال الشيخ:{ ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا}.
تذكّر موسى على الفور وعده للشيخ ألا يسأله عما يرى منه, وعجب لما فعله الشيخ, وعما يربط هذا الفعل القبيح بالعلم الذي يعلمه, ولكنه لم يسمعه الا أنه قال للشيخ أسفا:
{ لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}.
وما لبثت السفينة أن رست بجانب المدينة التي تقصدها, فنزل منها الشيخ وموسى, وأخذا يسيران في المدينة. وقد بدا أن الشيخ يستعدّ لموقف آخر أكثر عجبا من الموقف الأول وموسى عليه السلام لا يعلم شيئا عمّا يجري ويخشى المناقشة حتى لا يتهم بعدم الصبر أو ينقض شرط الرجل الصالح, الذي قال له:{ فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فصمت موسى عليه السلام.
4.القصة الثانية
مضى موسى والعبد الصالح يتجوّل في المدينة مع موسى عليه السلام ويدخل هنا وهناك, ويتردد بين شوارعها وطرقاتها ومسالكها.
ولكن موسى عليه السلام عجب أشد العجب وجزع أشد الجزع, عندما أتى العبد الصالح أمرا عجبا وفعلا نكرا.. ترى ماذا فعل الشيخ العبد الصالح؟
لقد اقترب من غلام كان يلعب في الطريق, فجذبه بيده, ثم أمسك بعنقه بكلتا يديه, وما زال يضغط عليه حتى قتله.
أصبح الأمر لا يحتمل بالنسبة لموسى عليه السلام فهو يرى جريمة قتل مروّعة أمامه, فنظر الى ما فعل العبد الصالح متعجبا ثم ذاهلا, ثم خرج من عجبه, وأفاق من ذهوله, ساخطا مستنكرا غضبا, وصرخ في الشيخ قائلا:
يا رجل ما فعل هذا الغلام حتى تقتله؟! {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا} فقال الشيخ في هدوء:{ ألم أقل انك لن تستطيع معي صبرا}.
هدأ موسى عليه السلام, وسكّن من غضبه, وتحيّر في أمر هذا الرجل الصالح الذي اتبعه لهدف واحد وهو أن يستزيد من علمه, فلم يجد عنده حتى الآن شيئا من ذلك, بل انه يأتي أفعالا منكرة لا يرضاها علم, ولا تقرّها شريعة, ولكنه لم يسعه الا أن قال للشيخ:{ ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا} يحق لك به ترك مرافقتي, والانصراف عن صحبتي.
5.القصة الثالثة
خرج الرجل الصالح وموسى من تلك المدينة, وضربا في الأرض حتى وصلا الى مدينة أخرى, وكانا قد جاعا وتعبا, فسألا أهل المدينة ضيافة وطعاما, فلم يجبهما أحد الى ذلك, وكان كل من سألاه ضيافة يقول لهما: اننا لا نضيف الغرباء الا بأجر. وكل من يسألأاه طعاما يقول لهما: اننا لا نعطي طعاما بغير ثمن.
ولما نال من موسى التعب مبلغه, جلس هو وفتاه يستريحان في ظل جدار منزل.
ودعا موسى الشيخ الى الجلوس معهما ليستريح من عناء السير, ولكنّ موسى رأى شيا عجيبا يثير الدهشة.
ترى ما هذا الشيء؟
لقد رأى الشيخ يتقدم من الجدار الذي بالقرب منهما_ وكان جدارا قديما يوشك أن ينقض, فيفكك أحجاره المتخلخلة, ثم يجمع من الطريق ترابا, ويعجنه بالماء, ويصنه منه طينا يعيد به تثبيت الأحجار في أماكنها, حتى أعاد اقامة الجدار متينا ثابتا من غير أن يطلب منه ذلك أحد.
فدار بخلد موسى أن الشيخ يفعل ذلك لينال عليه أجرا يمكنه أن يشتري به طعاما من أهل المدينة التي لا تضيف غريبا الا بأمر, ولا تطعم جائعا الا بثمن.
وما ان انتهى الشيخ من عمله, حتى طلب من موسى أن يتبعه ثم انصرف عائدا ولم يطلب من أحدا شيء أبدا!!
فقال له موسى بدهشة: ولم اذن أقمت الجدار؟!
لقد كان جدارا مهدما فأصلحته, ومائلا فأقمته, فلم لا تطلب من أصحابه أجر ما فعلت؟! {لو شئت لتّخذت عليه أجرا}.
عند ذلك نظر الشيخ الى موسى, وقال له: { هذا فراق بيني وبينك}.
انتبه موسى, وأدرك أنه تجاوز الشرط المبرم بينه وبين الشيخ ألا يسأله عن شيء حتى يذكره هو له, وأدرك موسى أنه قد حق عليه فعلا فراق الشيخ, لأنه لم يستطع أن يضبط نفسه من السؤال, ولا أن يكف لسانه عن الكلام, وكان ذلك نزولا على حكم الشرط الذي اشترطه للشيخ على نفسه.
فقال موسى للشيخ أسفا: حقا لقد عذرت معي, فما استطعت أن أكبح نفسي عن السؤال, ولا أن أردّ لساني عن الكلام, ولا أن أصبر على ما رأيته يصدر منك من الفعال.
فقال الشيخ ملاطفا:
لا تأسف ولا تحزن, سأنبئك يتأويل ما لم تستطع عليه صبرا.
فقال موسى فرحا متشوّقا: هات حديثك فاني متشوّق اليه.
فقال الشيخ: هيا بنا نتخيّر مكانا نجلس فيه, لأفسّر لك ما خفي عنك, وأشرح ما غمض عليك.
وعندما يكشف العبد الصالح سر المواقف الثلاثة: خرق السفينة, وقتل الغلام, وبناء الجدار في قرية بخيلة لا تطعم ولا تسقي, سنرى المعجزات التي كشف لموسى عنها, وليعلم أن ما عنده من علم فهو قليل.
اصطحب العبد الصالح النبي موسى عليه السلام الى شاطىء البحر وكان يتبعهما يوشع, وعند الشاطىء لاحت لهما سفينة سائرة في عرض البحر, فأشار لها الشيخ بيده فاقتربت من الساحل وأطلّ رجالها منها يستفسرون الشيخ وموسى عما يريدان, فعرفوا الشيخ لأنهم يرونه دائما جالسا يتعبّد على ساحل البحر؛ وقال لهم الشيخ:
-نريد منكم أن تحملونا معكم الى حيث تقصدون وليس معنا ما ننقدكم اياه أو نقدمه لكم أجرا على ذلك.
فقال رجال السفينة: مرحبا بالرجل الصالح...
وركب الشيخ وموسى ويوشع السفينة, ورحّب بهم أهلها أجمل ترحيب وأكرمه, وتسابقوا الى خدمتهم.
ومضت السفينة في طريقها سائرة بهم حتى قاربت أن ترسو على ميناء احدى المدن؛ حينئذ رأى كوسى من الشيخ أمرا عجيبا! رآه قد أخذ فأسا من السفينة, واقترب من جدارها, وما زال يعالج بها لوحا من ألواحها حتى كسره, وخرقها.
فلم يملك موسى نفسه, وغضب لفعل الشيخ بالسفينة, لأنه رأى في ذلك اساءة لأصحاب السفينة, وتعريضا لهم جميعا لخطر الغرق؛ فقال له والغضب بدا على وجهه:
ماذا فعلت؟
قوم حملونا بغير أجر وأكرمونا غاية الاكرام, عمدت الى سفينتهم فخرقتها, لتغرقها وتغرق أهلها؟!{ لقد جئت شيئا امرا}.
قال الشيخ:{ ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا}.
تذكّر موسى على الفور وعده للشيخ ألا يسأله عما يرى منه, وعجب لما فعله الشيخ, وعما يربط هذا الفعل القبيح بالعلم الذي يعلمه, ولكنه لم يسمعه الا أنه قال للشيخ أسفا:
{ لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}.
وما لبثت السفينة أن رست بجانب المدينة التي تقصدها, فنزل منها الشيخ وموسى, وأخذا يسيران في المدينة. وقد بدا أن الشيخ يستعدّ لموقف آخر أكثر عجبا من الموقف الأول وموسى عليه السلام لا يعلم شيئا عمّا يجري ويخشى المناقشة حتى لا يتهم بعدم الصبر أو ينقض شرط الرجل الصالح, الذي قال له:{ فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فصمت موسى عليه السلام.
4.القصة الثانية
مضى موسى والعبد الصالح يتجوّل في المدينة مع موسى عليه السلام ويدخل هنا وهناك, ويتردد بين شوارعها وطرقاتها ومسالكها.
ولكن موسى عليه السلام عجب أشد العجب وجزع أشد الجزع, عندما أتى العبد الصالح أمرا عجبا وفعلا نكرا.. ترى ماذا فعل الشيخ العبد الصالح؟
لقد اقترب من غلام كان يلعب في الطريق, فجذبه بيده, ثم أمسك بعنقه بكلتا يديه, وما زال يضغط عليه حتى قتله.
أصبح الأمر لا يحتمل بالنسبة لموسى عليه السلام فهو يرى جريمة قتل مروّعة أمامه, فنظر الى ما فعل العبد الصالح متعجبا ثم ذاهلا, ثم خرج من عجبه, وأفاق من ذهوله, ساخطا مستنكرا غضبا, وصرخ في الشيخ قائلا:
يا رجل ما فعل هذا الغلام حتى تقتله؟! {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا} فقال الشيخ في هدوء:{ ألم أقل انك لن تستطيع معي صبرا}.
هدأ موسى عليه السلام, وسكّن من غضبه, وتحيّر في أمر هذا الرجل الصالح الذي اتبعه لهدف واحد وهو أن يستزيد من علمه, فلم يجد عنده حتى الآن شيئا من ذلك, بل انه يأتي أفعالا منكرة لا يرضاها علم, ولا تقرّها شريعة, ولكنه لم يسعه الا أن قال للشيخ:{ ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا} يحق لك به ترك مرافقتي, والانصراف عن صحبتي.
5.القصة الثالثة
خرج الرجل الصالح وموسى من تلك المدينة, وضربا في الأرض حتى وصلا الى مدينة أخرى, وكانا قد جاعا وتعبا, فسألا أهل المدينة ضيافة وطعاما, فلم يجبهما أحد الى ذلك, وكان كل من سألاه ضيافة يقول لهما: اننا لا نضيف الغرباء الا بأجر. وكل من يسألأاه طعاما يقول لهما: اننا لا نعطي طعاما بغير ثمن.
ولما نال من موسى التعب مبلغه, جلس هو وفتاه يستريحان في ظل جدار منزل.
ودعا موسى الشيخ الى الجلوس معهما ليستريح من عناء السير, ولكنّ موسى رأى شيا عجيبا يثير الدهشة.
ترى ما هذا الشيء؟
لقد رأى الشيخ يتقدم من الجدار الذي بالقرب منهما_ وكان جدارا قديما يوشك أن ينقض, فيفكك أحجاره المتخلخلة, ثم يجمع من الطريق ترابا, ويعجنه بالماء, ويصنه منه طينا يعيد به تثبيت الأحجار في أماكنها, حتى أعاد اقامة الجدار متينا ثابتا من غير أن يطلب منه ذلك أحد.
فدار بخلد موسى أن الشيخ يفعل ذلك لينال عليه أجرا يمكنه أن يشتري به طعاما من أهل المدينة التي لا تضيف غريبا الا بأمر, ولا تطعم جائعا الا بثمن.
وما ان انتهى الشيخ من عمله, حتى طلب من موسى أن يتبعه ثم انصرف عائدا ولم يطلب من أحدا شيء أبدا!!
فقال له موسى بدهشة: ولم اذن أقمت الجدار؟!
لقد كان جدارا مهدما فأصلحته, ومائلا فأقمته, فلم لا تطلب من أصحابه أجر ما فعلت؟! {لو شئت لتّخذت عليه أجرا}.
عند ذلك نظر الشيخ الى موسى, وقال له: { هذا فراق بيني وبينك}.
انتبه موسى, وأدرك أنه تجاوز الشرط المبرم بينه وبين الشيخ ألا يسأله عن شيء حتى يذكره هو له, وأدرك موسى أنه قد حق عليه فعلا فراق الشيخ, لأنه لم يستطع أن يضبط نفسه من السؤال, ولا أن يكف لسانه عن الكلام, وكان ذلك نزولا على حكم الشرط الذي اشترطه للشيخ على نفسه.
فقال موسى للشيخ أسفا: حقا لقد عذرت معي, فما استطعت أن أكبح نفسي عن السؤال, ولا أن أردّ لساني عن الكلام, ولا أن أصبر على ما رأيته يصدر منك من الفعال.
فقال الشيخ ملاطفا:
لا تأسف ولا تحزن, سأنبئك يتأويل ما لم تستطع عليه صبرا.
فقال موسى فرحا متشوّقا: هات حديثك فاني متشوّق اليه.
فقال الشيخ: هيا بنا نتخيّر مكانا نجلس فيه, لأفسّر لك ما خفي عنك, وأشرح ما غمض عليك.
وعندما يكشف العبد الصالح سر المواقف الثلاثة: خرق السفينة, وقتل الغلام, وبناء الجدار في قرية بخيلة لا تطعم ولا تسقي, سنرى المعجزات التي كشف لموسى عنها, وليعلم أن ما عنده من علم فهو قليل.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
6.معجزات علم الغيب
بادر موسى على الفور العبد الصالح بالسؤال فقال له:
ما أمر السفينة؟
فأجاب العبد الصالح:
_أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر, وهم شركاء فيها, وهم شركاء كذلك فيما تحمل من تجارة قليلة ضئيلة, يبادلونها بتجارة ثانية, ويتقاضون بها سلعا أخرى فيما يمرون به من البلاد, ويرسون عليه من المدن.
قال موسى: ولم اذن خرقتها وحال أصحابها على ما تصف من الفقر والضعف, وقد أكرمونا وأحسنوا الينا, وأجهدوا أنفسهم في ضيافتنا؟!
قال الشيخ: أردت أن أعيبها, فان المدينة التيرست عليها بها ملك ظالم جبار يرسل أتباعه يفحصون السفن التي ترسو بمدينته, ويختبرونها, فالسفن التي على حالة جيّدة يأخذها من أصحابها غصبا, ويسلبها قوة واقتدارا, أما السفن المعطوبة التي بها عيب, أو التي أصابها تلف فانه لا يأخذها.
فاتضحت الحقيقة, وظهرت المعجزة أمام عيني موسى عليه السلام, معجزة علم رآه يفوق حتى خياله.
وقال للشيخ ضاحكا: لذا خرقت أنت السفينة فعبتها حتى لا يأخذها من أصحابها المساكين هذا الملك الظالم؟
قال العبد الصالح: نعم فعلت ذلك, لكي يتركها الملك الظالم, فيستطيع أصحابها بعد ذلك أ، يصلحوها ويرتزقوا منها.
فتخيّل موسى عليه السلام أصحاب السفينة, وهم غاضبون ساخطون حين يكشفون عن العطب الذي أصابها, ولكنهم لو علموا ما كان مخبأ لهم, كما عرفه موسى من العبد الصالح لفرحوا وحمدوا ربهم على ذلك فربّ مصيبة فيها الفرج.
ثم قال موسى للشيخ: وما سبب قتلك الغلام؟!
أجاب الشيخ: أما الغلام فكان أبواه مؤمنين, وكان هو كافرا طاغيا ضالا, {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} يؤذيهما اذا عصياه ببذاءته وفساده, ويؤذيهما اذا اتبعاه بكفره وضلاله.
قال موسى: لقد أراح الله منه أبويه, وجنبهما شرّ السقوط في معصيته ولكنهما لا يشعران بنعمة موت هذا الابن الضال, ولا يحسان الا بشدّة وقع وفاته, وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
قال الشيخ معقبا على هذا الكلام: نعم, فسيبدلهما ربهما خيرا منه زكاة, وأصلح منه دينا وأحسن منه خلقا, وأقرب رحما.
قال موسى: ان الله على كل شيء قدير, يشمل برحمته من يشاء.
أجاب الشيخ: أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة, وكان تحته كنز لهما, خبأه لهما أبوهما قبل أن يموت, وكان أبوهما صالحا مؤمنا تقيا, فأراد ربّك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك.
قال موسى متسائلا: فأقمت الجدار خوفا من ضياع الكنز؟
أجاب الشيخ: نعم ليبقى الكنز مصونا من أيدي العابثين, حتى يشب الغلامان فيستطيعا أن ينتفعا به في حياتهما ومعاشهما.
عند ذلك ظهرت المعجزات وحقائق العلم الخفي الذي يعلمه العبد الصالح لموسى, وأدرك أن ما خفي عليه كان علما ظاهرا لهذا الرجل (العبد الصالح) وأن ما استتر عنه كان معرفة واضحة أمام الشيخ, فاختصّ موسى حين أراد أن يعلمه ربه بهذه المعجزات العظيمة.
بادر موسى على الفور العبد الصالح بالسؤال فقال له:
ما أمر السفينة؟
فأجاب العبد الصالح:
_أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر, وهم شركاء فيها, وهم شركاء كذلك فيما تحمل من تجارة قليلة ضئيلة, يبادلونها بتجارة ثانية, ويتقاضون بها سلعا أخرى فيما يمرون به من البلاد, ويرسون عليه من المدن.
قال موسى: ولم اذن خرقتها وحال أصحابها على ما تصف من الفقر والضعف, وقد أكرمونا وأحسنوا الينا, وأجهدوا أنفسهم في ضيافتنا؟!
قال الشيخ: أردت أن أعيبها, فان المدينة التيرست عليها بها ملك ظالم جبار يرسل أتباعه يفحصون السفن التي ترسو بمدينته, ويختبرونها, فالسفن التي على حالة جيّدة يأخذها من أصحابها غصبا, ويسلبها قوة واقتدارا, أما السفن المعطوبة التي بها عيب, أو التي أصابها تلف فانه لا يأخذها.
فاتضحت الحقيقة, وظهرت المعجزة أمام عيني موسى عليه السلام, معجزة علم رآه يفوق حتى خياله.
وقال للشيخ ضاحكا: لذا خرقت أنت السفينة فعبتها حتى لا يأخذها من أصحابها المساكين هذا الملك الظالم؟
قال العبد الصالح: نعم فعلت ذلك, لكي يتركها الملك الظالم, فيستطيع أصحابها بعد ذلك أ، يصلحوها ويرتزقوا منها.
فتخيّل موسى عليه السلام أصحاب السفينة, وهم غاضبون ساخطون حين يكشفون عن العطب الذي أصابها, ولكنهم لو علموا ما كان مخبأ لهم, كما عرفه موسى من العبد الصالح لفرحوا وحمدوا ربهم على ذلك فربّ مصيبة فيها الفرج.
ثم قال موسى للشيخ: وما سبب قتلك الغلام؟!
أجاب الشيخ: أما الغلام فكان أبواه مؤمنين, وكان هو كافرا طاغيا ضالا, {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} يؤذيهما اذا عصياه ببذاءته وفساده, ويؤذيهما اذا اتبعاه بكفره وضلاله.
قال موسى: لقد أراح الله منه أبويه, وجنبهما شرّ السقوط في معصيته ولكنهما لا يشعران بنعمة موت هذا الابن الضال, ولا يحسان الا بشدّة وقع وفاته, وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
قال الشيخ معقبا على هذا الكلام: نعم, فسيبدلهما ربهما خيرا منه زكاة, وأصلح منه دينا وأحسن منه خلقا, وأقرب رحما.
قال موسى: ان الله على كل شيء قدير, يشمل برحمته من يشاء.
أجاب الشيخ: أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة, وكان تحته كنز لهما, خبأه لهما أبوهما قبل أن يموت, وكان أبوهما صالحا مؤمنا تقيا, فأراد ربّك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك.
قال موسى متسائلا: فأقمت الجدار خوفا من ضياع الكنز؟
أجاب الشيخ: نعم ليبقى الكنز مصونا من أيدي العابثين, حتى يشب الغلامان فيستطيعا أن ينتفعا به في حياتهما ومعاشهما.
عند ذلك ظهرت المعجزات وحقائق العلم الخفي الذي يعلمه العبد الصالح لموسى, وأدرك أن ما خفي عليه كان علما ظاهرا لهذا الرجل (العبد الصالح) وأن ما استتر عنه كان معرفة واضحة أمام الشيخ, فاختصّ موسى حين أراد أن يعلمه ربه بهذه المعجزات العظيمة.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
معجزات البحر وعيون الماء
البحر ينشق نصفين !
قال تعالى:{ فأحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر, فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم* وأزلفنا ثم الآخرين* وأنجينا موسى ومن معه أجمعين* ثم أغرقنا الآخرين* ان في ذلك لآية, وما كان أكثرهم مؤمنين}. الشعراء 63-67.
تعدّد ت معجزات موسى عليه السلام مع البحر والنهر وعيون الماء وقد وهب الله موسى هذه المعجزات كي يمكّن المؤمنين من دعوته وينصر موسى عليه السلام على أعدائه, ولكي تكون هذه المعجزات عبرا ايمانية ودروسا تستجيب أمامها العقول المتحجرة, ولو نظرنا لموسى عليه السلام, نجد أ، حياته بدأت بصندوق حمله في نهر النيل الى أن وصل الى قصر فرعون, فحملته آسية امرأة فرعون وتربّى موسى عليه السلام في قصر فرعون على ضفاف النيل.
ومعجزة موسى مع البحر بدأ بغباء فرعون وقومه, فأرسل الله عليهم آيات العذاب كالجراد والضفادع, ثم وقعت آخر آيات العذاب الدنيوي, وهي آية الدم.
لقد تحوّلت مياه النيل الى دم لا يستطيع أن يسيغه أحد وكانت آية جديدة على قوم فرعون اذ أن الآيات السابقة كانت من النوع المعروف في البيئة الزراعية, التي تقوم حياتها على النهر, سواء أفاض النهر أم أمسك عن فيضانه.
أما آخر الآيات التي عذب بها قوم فرعون فهي الدم, وهذا لون جديد لم تألفه البيئة المصرية, لقد تحولت مياه النيل الى دم, وتمّ هذا التحوّل الى المصريين من أتباع فرعون, فكان موسى وقومه يشربون مياها عاديّة, وكان أي مصري يملأ كأسه ليشرب, يكتشف أن كأسه مملوء بالدم.
كانت هذه الآية من آيات العذاب بمثابة صدمة اهتز لها المصريون وقصر فرعون, انها آية رهيبة وكارثة ضخمة.
ولم يجدوا أمامهم ملاذا يتوسّلون اليه ليتخلصوا من عذاب هذه الآية الرهيبة سوى موسى عليه السلام فذهبوا يتوسلون اليه ويرجونه أن يدعو ربه, وقالوا انهم مقابل ذلك سوف سطلقون سراح بي اسرائيل هذه المرّة بعد أن رفضوا خروجهم ومنعوهم قبل ذلك مرّات ومرّات.
استجاب موسى عليه السلام لتوسلاتهم التي طالما كرروها في مواقف عدة ولم يوفوا بعهودهم أبدا, ودعا موسى ربه فانكشف عنهم العذاب, وعاد الماء صافيا, فشربوا منه وارتووا, ولما حان تنفيذ وعدهم والوفاء بعهدهم الذي عاهدوه موسى عليه السلام رفضوا, ورفض فرعون أ، يسمح لموسى باصطحاب قومه من بني اسرائيل والرحيل بهم وزاد الأمر تعقيدا, أن فرعون تشدد أكثر في كفره, واشتد في الهجوم على موسى, وأعلن بين قومه أنه اله, وقال: اليس لي ملك مصر, وهذه الأنهار التي تجري من تحتي؟ وأعلن فرعون أن موسى ساحر كذاب, وأنه رجل فقير لا يملكمالا ولا يملك أسورة واحدة من الذهب.
وقد قصّ القرآ، كل هذا المشهد المثير فقال عز وجل:
{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا الى فرعون وملئه فقال اني رسول رب العالمين* فلما جاءهم بآياتنا اذا هم منها يضحكون* وما نريهم من آية الا هي أكبر من أختها, وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون* وقالوا يا أيّه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك اننا لمهتدون* فلما كشفنا عنهم العذاب اذا هم ينكثون* ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون* أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين* فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين* فاستخف قومه فأطاعوه, انهم كانوا قوما فاسقين*}. الزخرف 46-54.
هكذا بدا فرعون متجبرا مغرورا, وبدا واضحا لموسى عليه السلام أن هذا الفرعون وقومه لن يؤمنوا مهما أعطوا من عهود, وأن فرعون لن يكف عن تعذيب بني اسرائيل, والاستخفاف بهم. شعر موسى عليه السلام أنه لا فائدة من هؤلاء, ومن كبيرهم الفرعون. لقد أغلقوا عقولهم في وجه الايمان, وأغمضوا عيونهم لكي لا ترى جمال الخالق وعبرة خلقه الماثلة أمامهم.
وجاء الدعاء من موسى عليه السلام, جاء هذه المرّة غاضبا ساحقا لا رجعة عنه, وقف مع أخيه هارون وقد شاركه هذا الاحساس بأنه لا فائدة من هؤلاء, رفع موسى يده الى السماء ورفع هارونيده الى السماء ودعا كل منهما ربه فقال: وقال موسى:{ يارب ان هؤلاء قوم لا يؤمنون * فاصفح عنهم وقل سلام, فسوف يعلمون}الزخرف 88-89.
وقد استجاب الله عز وجل لهذ الدعاء, وخاطب موسى وهارون فقال لهما:
قال:{ لقد أجيبت دعوتكما فاستقيما لي ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} يونس 89.
ترى ما هي الخطوة القادمة؟ ماذا عليه أن يفعل موسى؟
لقد أمر أن يخرج من مصر, وأذن له بالخروج من مصر واصطحاب قومه معه.
والغريب أن بعض قوم موسى كانوا لم يؤمنوا به بعد وقد ذكرهم الله في آياته فقال عز وجل:
{ فما آمن لموسى الا ذريّة من قومه على خوف من فرعون وملاءيهم أن يفتنهم, وان فرعون لعال في الأرض وانه لمن المسرفين} يونس 83.
لقد انتهى أمر فرعون, وانصرفت مشيئة الله عز وجل أن يوضع حد لجرائم هذا الكافر اللعين, بعد أن استنفدت معه كافة الطرق وخرج من رحمة ربه, صدر الأمر لموسى بالخروج من مصر, واستأذن بنو اسرائيل فرعون في الخروج الى عيد لهم, فأذن لهم وهو كاره, وتجهزوا للخروج وتأهبوا وحملوا معهم حليهم واستعاروا من حلي المصريين شيئا كثيرا.
ومع دخول الليل خرج بنو اسرائيل يتقدمهم موسى عليه السلام وسار بهم نحو البحر الأحمر قاصدا بلاد الشام.
وما هي الا لحظات حتى التقطت وسائل التجسس الخاصة بفرعون واستخباراته, التقطت أخبار خروج موسى مصطحبا قومه الى بلاد الشام وأنه خرج ليلا.
ثار فرعون ثورة عارمة, وأمر أن يحشد جيش عظيم, من كل المملكة, وقال في سياق أوامره الثائرة الغاضبة أن موسى غاظه, فقال:{وانهم لنا لغائظون} الشعراء 55, لقد غاظني موسى, ولا بد من قتاله والقضاء عليه وعلى بني اسرائيل.. وأعلن ذلك صراحةأمام الناس.
وفي وقت قصير جمع فرعون جيشا ضخما, جاء لمطاردة موسى والقضاء عليه, وخرج جيش فرعون مسرعا, كان المشهد مخيفا مهيبا لكثرة عدد الجند وكثافة السلاح الذي يحملونه في ذلك الوقت, بينما حمل بنو اسرائيل جزءا من متاعهم وخرجوا خائفين.
بدأت المطاردة العنيفة, فجيش فرعون يجري بأقصى سرعة, ويطوي الطريق طيّا, في حين أن موسى وبني اسرائيل لم يكونوا بهذه السرعة, لكثرة ما حملوا على ظهورهم وأكتافهم من متاع أحبوا أن يحتفظوا بها لأنفسهم, واقترب جيش فرعون من موسى وقومه, وكلما نظر القوم خلفهم هالهمهذا الجيش الضخم.
ومن بعيد.. ثار غبار يدل على أن جيش الفرعون يقترب, واقترب فعلا وظهرت أعلام الجيش, وامتلأ قوم موسى بالرعب.. لقد كان الموقف حرجا وخطيرا جدا, لقد وجدوا البحر أمامهم والعدو الظالم خلفهم يلاحقهم كي يقضي عليهم وليست أمامهم فرصة واحدة للدفاع عن أنفسهم, انهم مجموعة من النساء والأطفال والرجال غير المسلحين.
لو لحق بهم فرعون فسيذبحهم جميعا, ولن يبقى منهم أحدا.
بدأت الناس تبكي خوفا, ونادت أصوات تقول:
سيدركنا يا موسى.. سيدركنا فرعون.
فقال لهم موسى عليه السلام بهدوء واطمئنان شديد:
كلا.. ان معي ربي سيهدين.
البحر ينشق نصفين !
قال تعالى:{ فأحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر, فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم* وأزلفنا ثم الآخرين* وأنجينا موسى ومن معه أجمعين* ثم أغرقنا الآخرين* ان في ذلك لآية, وما كان أكثرهم مؤمنين}. الشعراء 63-67.
تعدّد ت معجزات موسى عليه السلام مع البحر والنهر وعيون الماء وقد وهب الله موسى هذه المعجزات كي يمكّن المؤمنين من دعوته وينصر موسى عليه السلام على أعدائه, ولكي تكون هذه المعجزات عبرا ايمانية ودروسا تستجيب أمامها العقول المتحجرة, ولو نظرنا لموسى عليه السلام, نجد أ، حياته بدأت بصندوق حمله في نهر النيل الى أن وصل الى قصر فرعون, فحملته آسية امرأة فرعون وتربّى موسى عليه السلام في قصر فرعون على ضفاف النيل.
ومعجزة موسى مع البحر بدأ بغباء فرعون وقومه, فأرسل الله عليهم آيات العذاب كالجراد والضفادع, ثم وقعت آخر آيات العذاب الدنيوي, وهي آية الدم.
لقد تحوّلت مياه النيل الى دم لا يستطيع أن يسيغه أحد وكانت آية جديدة على قوم فرعون اذ أن الآيات السابقة كانت من النوع المعروف في البيئة الزراعية, التي تقوم حياتها على النهر, سواء أفاض النهر أم أمسك عن فيضانه.
أما آخر الآيات التي عذب بها قوم فرعون فهي الدم, وهذا لون جديد لم تألفه البيئة المصرية, لقد تحولت مياه النيل الى دم, وتمّ هذا التحوّل الى المصريين من أتباع فرعون, فكان موسى وقومه يشربون مياها عاديّة, وكان أي مصري يملأ كأسه ليشرب, يكتشف أن كأسه مملوء بالدم.
كانت هذه الآية من آيات العذاب بمثابة صدمة اهتز لها المصريون وقصر فرعون, انها آية رهيبة وكارثة ضخمة.
ولم يجدوا أمامهم ملاذا يتوسّلون اليه ليتخلصوا من عذاب هذه الآية الرهيبة سوى موسى عليه السلام فذهبوا يتوسلون اليه ويرجونه أن يدعو ربه, وقالوا انهم مقابل ذلك سوف سطلقون سراح بي اسرائيل هذه المرّة بعد أن رفضوا خروجهم ومنعوهم قبل ذلك مرّات ومرّات.
استجاب موسى عليه السلام لتوسلاتهم التي طالما كرروها في مواقف عدة ولم يوفوا بعهودهم أبدا, ودعا موسى ربه فانكشف عنهم العذاب, وعاد الماء صافيا, فشربوا منه وارتووا, ولما حان تنفيذ وعدهم والوفاء بعهدهم الذي عاهدوه موسى عليه السلام رفضوا, ورفض فرعون أ، يسمح لموسى باصطحاب قومه من بني اسرائيل والرحيل بهم وزاد الأمر تعقيدا, أن فرعون تشدد أكثر في كفره, واشتد في الهجوم على موسى, وأعلن بين قومه أنه اله, وقال: اليس لي ملك مصر, وهذه الأنهار التي تجري من تحتي؟ وأعلن فرعون أن موسى ساحر كذاب, وأنه رجل فقير لا يملكمالا ولا يملك أسورة واحدة من الذهب.
وقد قصّ القرآ، كل هذا المشهد المثير فقال عز وجل:
{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا الى فرعون وملئه فقال اني رسول رب العالمين* فلما جاءهم بآياتنا اذا هم منها يضحكون* وما نريهم من آية الا هي أكبر من أختها, وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون* وقالوا يا أيّه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك اننا لمهتدون* فلما كشفنا عنهم العذاب اذا هم ينكثون* ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون* أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين* فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين* فاستخف قومه فأطاعوه, انهم كانوا قوما فاسقين*}. الزخرف 46-54.
هكذا بدا فرعون متجبرا مغرورا, وبدا واضحا لموسى عليه السلام أن هذا الفرعون وقومه لن يؤمنوا مهما أعطوا من عهود, وأن فرعون لن يكف عن تعذيب بني اسرائيل, والاستخفاف بهم. شعر موسى عليه السلام أنه لا فائدة من هؤلاء, ومن كبيرهم الفرعون. لقد أغلقوا عقولهم في وجه الايمان, وأغمضوا عيونهم لكي لا ترى جمال الخالق وعبرة خلقه الماثلة أمامهم.
وجاء الدعاء من موسى عليه السلام, جاء هذه المرّة غاضبا ساحقا لا رجعة عنه, وقف مع أخيه هارون وقد شاركه هذا الاحساس بأنه لا فائدة من هؤلاء, رفع موسى يده الى السماء ورفع هارونيده الى السماء ودعا كل منهما ربه فقال: وقال موسى:{ يارب ان هؤلاء قوم لا يؤمنون * فاصفح عنهم وقل سلام, فسوف يعلمون}الزخرف 88-89.
وقد استجاب الله عز وجل لهذ الدعاء, وخاطب موسى وهارون فقال لهما:
قال:{ لقد أجيبت دعوتكما فاستقيما لي ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} يونس 89.
ترى ما هي الخطوة القادمة؟ ماذا عليه أن يفعل موسى؟
لقد أمر أن يخرج من مصر, وأذن له بالخروج من مصر واصطحاب قومه معه.
والغريب أن بعض قوم موسى كانوا لم يؤمنوا به بعد وقد ذكرهم الله في آياته فقال عز وجل:
{ فما آمن لموسى الا ذريّة من قومه على خوف من فرعون وملاءيهم أن يفتنهم, وان فرعون لعال في الأرض وانه لمن المسرفين} يونس 83.
لقد انتهى أمر فرعون, وانصرفت مشيئة الله عز وجل أن يوضع حد لجرائم هذا الكافر اللعين, بعد أن استنفدت معه كافة الطرق وخرج من رحمة ربه, صدر الأمر لموسى بالخروج من مصر, واستأذن بنو اسرائيل فرعون في الخروج الى عيد لهم, فأذن لهم وهو كاره, وتجهزوا للخروج وتأهبوا وحملوا معهم حليهم واستعاروا من حلي المصريين شيئا كثيرا.
ومع دخول الليل خرج بنو اسرائيل يتقدمهم موسى عليه السلام وسار بهم نحو البحر الأحمر قاصدا بلاد الشام.
وما هي الا لحظات حتى التقطت وسائل التجسس الخاصة بفرعون واستخباراته, التقطت أخبار خروج موسى مصطحبا قومه الى بلاد الشام وأنه خرج ليلا.
ثار فرعون ثورة عارمة, وأمر أن يحشد جيش عظيم, من كل المملكة, وقال في سياق أوامره الثائرة الغاضبة أن موسى غاظه, فقال:{وانهم لنا لغائظون} الشعراء 55, لقد غاظني موسى, ولا بد من قتاله والقضاء عليه وعلى بني اسرائيل.. وأعلن ذلك صراحةأمام الناس.
وفي وقت قصير جمع فرعون جيشا ضخما, جاء لمطاردة موسى والقضاء عليه, وخرج جيش فرعون مسرعا, كان المشهد مخيفا مهيبا لكثرة عدد الجند وكثافة السلاح الذي يحملونه في ذلك الوقت, بينما حمل بنو اسرائيل جزءا من متاعهم وخرجوا خائفين.
بدأت المطاردة العنيفة, فجيش فرعون يجري بأقصى سرعة, ويطوي الطريق طيّا, في حين أن موسى وبني اسرائيل لم يكونوا بهذه السرعة, لكثرة ما حملوا على ظهورهم وأكتافهم من متاع أحبوا أن يحتفظوا بها لأنفسهم, واقترب جيش فرعون من موسى وقومه, وكلما نظر القوم خلفهم هالهمهذا الجيش الضخم.
ومن بعيد.. ثار غبار يدل على أن جيش الفرعون يقترب, واقترب فعلا وظهرت أعلام الجيش, وامتلأ قوم موسى بالرعب.. لقد كان الموقف حرجا وخطيرا جدا, لقد وجدوا البحر أمامهم والعدو الظالم خلفهم يلاحقهم كي يقضي عليهم وليست أمامهم فرصة واحدة للدفاع عن أنفسهم, انهم مجموعة من النساء والأطفال والرجال غير المسلحين.
لو لحق بهم فرعون فسيذبحهم جميعا, ولن يبقى منهم أحدا.
بدأت الناس تبكي خوفا, ونادت أصوات تقول:
سيدركنا يا موسى.. سيدركنا فرعون.
فقال لهم موسى عليه السلام بهدوء واطمئنان شديد:
كلا.. ان معي ربي سيهدين.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
لجأ موسى عليه السلام في هذه الللحظات الى ربه, اذ لا ملجأ الا اليه سبحانه عز وجل, فتلقى أمرا صريحا ووحيا كاملا بأن يضرب بعصاه البحر.
جاء ذلك في القرآن الكريم فقال عز وجل:
{فأتبعوهم مشرقين* فلما تراآ الجمعان قال أصحاب موسى انا لمدركون* قال كلا ان معي ربي سيهدين * فأوحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم}
نفذ موسى عليه السلام أمر به, ضرب البحر بعصاه فانفلق البحر نصفين, وكانت معجزة هائلة من المعجزات التي منّ الله بها على موسى عليه السلام.
انشق طريق صلب يابس في وسط البحر وأصبح الموج كالجبل الراسخ عن اليمين وعن اليسار, وتقدّم موسى وقومه في وسط هذه المعجزة المدهشة, التي كان يجب أن تتعظ بها جيوش الباطل التي تلاحقهم وتطاردهم.
تقدّم موسى وسار بهم عبر البحر, كانت المعجزة هائلة بكل المقاييس. طريق يابس, وسط أمواج من البحر تموج عن يمين وتموج عن شمال ولا تغرق هذا الطريق الذي انشق في وسطها, والغريب أن جيش فرعون سوف يتابع المسير خلفهم دون النظر أو الدهشة أو التمعن والاعتبار, كل هذا لم يرد على عقول مغلقة, أغلقها الكفر, فخسرت نور الايمان.
لقد كانت الأمواج تعلو وتهبط وتتصارع فيما بينها ولكنها ما ان تصل الى الطريق المشقوق
وسط البحر حتى تبدو وكأن يدا خفيّة تمنعها من أن تغرق هذا الطريق أو حتى تبلله.
وصل فرعون البى البحر, وشاهد هذه المعجزة, شاهد البحر وقد انشق نصفين, ووجد فيه طريقا يابسا. أحسّ في البداية بالخوف, ولكنه زاد في عناده ونسي كل تأمّل وعبرة, وأمر عربته أن تنطلق في هذا الطريق العجيب, فتقدمت عربته مسرعة تقطع الطريق, ولحقه جيشه القوي الجرّار في الطريق, واشتدّت المطاردة هنا وهناك, وأصبح الفريقان على مرمى البصر من بعضهما, ولكن موسى وقومه كانوا قد عبروا البحر, قبل فرعون, وعند خروج آخر فرد من بني اسرائيل من طريق البحر ووقوفه على الضفة الأخرى, التفت موسى عليه السلام الى البحر وأراد أن يضربه بعصاه ليعود كما كان, ولكن الله عز وجل أوحى الى موسى أن يترك البحر على حاله كما هو.
كان موسى يريد أن يفصل البحر بينه وبين فرعون لينجو بقومه من بطش فرعون, مخافة أن يلحق بهم ويبطش بهم ويعذبهم, ولو أنه ضرب البحر ربما لتغيّرت أحوال لاندري ما هي ولكنّ الله عز وجل قال له: {واترك البحر رهوا انهم جند مغرقون} الدخان 24.
هكذا شاءت ارادة الله, لقد أراد الله اغراق الفرعون, ولهذا أمرموسى أن يترك البحر على حاله.
ووصل فرعون بجيشه الى منتصف البحر, وتجاوز منتصفه وكاد يصل الى الضفة الأخرى.. وأصدر الله عز وجل أمرا الى جبريل فحرّك الموج, فانطبقت الأمواج على فرعون وجيشه.
وغرق الفرعون وجيشه, غرق مع كفره وعناده "لقد غرق الكفر ونجا الايمان", وعندما غرق فرعون رأى مقعده في النار وهو يغرق, لذلك أدرك وقد انكشف عنه الحجاب, أدرك أن موسى عليه السلام كان صادقا أمينا, ولم يكن ساحرا أو كاذبا كما ادّعى عليه أمام جموع الكفار من قومه, أدرك أنه عبد ذليل, ولن يكون في يوم من الأيام ربّا كما زعم أمام الناس.
دخل فرعون في سكرات الموت, وأدرك أيضا أنه كان مخطئا عندما حارب موسى عليه السلام وطارده وعاداه وقرّر أن يؤمن في هذه اللحظة, جاءت هذه اللحظة في القرآن الكريم في الآية الكريمة التي تقول:
{ حتى اذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين} يونس 90.
هل قبلت توبة فرعون؟ لا لم تفبل توبته, لأنها جاءت بعد أن أدركه العذاب والموت, وقد قال له جبريل عليه السلام:{ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} يونس 91.
انتهى الوقت المحدد للتوبة, توبة فرعون, وانتهى الأمر ولا نجاة من الغرق والموت, سينجو جسدك وحده, ستموت وتقذف الأمواج جثتك الى الشاطئ, لتكون آية وعبرة لمن بعدك.
قال عز وجل:{ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية, وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون}. يونس 92.
هذه معجزة البحر مع موسى عليه السلام, انها واحدة من المعجزات العظيمة التي أفاء الله بها على عبده موسى عليه السلام. وما أكثر المعجزات..
جاء ذلك في القرآن الكريم فقال عز وجل:
{فأتبعوهم مشرقين* فلما تراآ الجمعان قال أصحاب موسى انا لمدركون* قال كلا ان معي ربي سيهدين * فأوحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم}
نفذ موسى عليه السلام أمر به, ضرب البحر بعصاه فانفلق البحر نصفين, وكانت معجزة هائلة من المعجزات التي منّ الله بها على موسى عليه السلام.
انشق طريق صلب يابس في وسط البحر وأصبح الموج كالجبل الراسخ عن اليمين وعن اليسار, وتقدّم موسى وقومه في وسط هذه المعجزة المدهشة, التي كان يجب أن تتعظ بها جيوش الباطل التي تلاحقهم وتطاردهم.
تقدّم موسى وسار بهم عبر البحر, كانت المعجزة هائلة بكل المقاييس. طريق يابس, وسط أمواج من البحر تموج عن يمين وتموج عن شمال ولا تغرق هذا الطريق الذي انشق في وسطها, والغريب أن جيش فرعون سوف يتابع المسير خلفهم دون النظر أو الدهشة أو التمعن والاعتبار, كل هذا لم يرد على عقول مغلقة, أغلقها الكفر, فخسرت نور الايمان.
لقد كانت الأمواج تعلو وتهبط وتتصارع فيما بينها ولكنها ما ان تصل الى الطريق المشقوق
وسط البحر حتى تبدو وكأن يدا خفيّة تمنعها من أن تغرق هذا الطريق أو حتى تبلله.
وصل فرعون البى البحر, وشاهد هذه المعجزة, شاهد البحر وقد انشق نصفين, ووجد فيه طريقا يابسا. أحسّ في البداية بالخوف, ولكنه زاد في عناده ونسي كل تأمّل وعبرة, وأمر عربته أن تنطلق في هذا الطريق العجيب, فتقدمت عربته مسرعة تقطع الطريق, ولحقه جيشه القوي الجرّار في الطريق, واشتدّت المطاردة هنا وهناك, وأصبح الفريقان على مرمى البصر من بعضهما, ولكن موسى وقومه كانوا قد عبروا البحر, قبل فرعون, وعند خروج آخر فرد من بني اسرائيل من طريق البحر ووقوفه على الضفة الأخرى, التفت موسى عليه السلام الى البحر وأراد أن يضربه بعصاه ليعود كما كان, ولكن الله عز وجل أوحى الى موسى أن يترك البحر على حاله كما هو.
كان موسى يريد أن يفصل البحر بينه وبين فرعون لينجو بقومه من بطش فرعون, مخافة أن يلحق بهم ويبطش بهم ويعذبهم, ولو أنه ضرب البحر ربما لتغيّرت أحوال لاندري ما هي ولكنّ الله عز وجل قال له: {واترك البحر رهوا انهم جند مغرقون} الدخان 24.
هكذا شاءت ارادة الله, لقد أراد الله اغراق الفرعون, ولهذا أمرموسى أن يترك البحر على حاله.
ووصل فرعون بجيشه الى منتصف البحر, وتجاوز منتصفه وكاد يصل الى الضفة الأخرى.. وأصدر الله عز وجل أمرا الى جبريل فحرّك الموج, فانطبقت الأمواج على فرعون وجيشه.
وغرق الفرعون وجيشه, غرق مع كفره وعناده "لقد غرق الكفر ونجا الايمان", وعندما غرق فرعون رأى مقعده في النار وهو يغرق, لذلك أدرك وقد انكشف عنه الحجاب, أدرك أن موسى عليه السلام كان صادقا أمينا, ولم يكن ساحرا أو كاذبا كما ادّعى عليه أمام جموع الكفار من قومه, أدرك أنه عبد ذليل, ولن يكون في يوم من الأيام ربّا كما زعم أمام الناس.
دخل فرعون في سكرات الموت, وأدرك أيضا أنه كان مخطئا عندما حارب موسى عليه السلام وطارده وعاداه وقرّر أن يؤمن في هذه اللحظة, جاءت هذه اللحظة في القرآن الكريم في الآية الكريمة التي تقول:
{ حتى اذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين} يونس 90.
هل قبلت توبة فرعون؟ لا لم تفبل توبته, لأنها جاءت بعد أن أدركه العذاب والموت, وقد قال له جبريل عليه السلام:{ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} يونس 91.
انتهى الوقت المحدد للتوبة, توبة فرعون, وانتهى الأمر ولا نجاة من الغرق والموت, سينجو جسدك وحده, ستموت وتقذف الأمواج جثتك الى الشاطئ, لتكون آية وعبرة لمن بعدك.
قال عز وجل:{ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية, وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون}. يونس 92.
هذه معجزة البحر مع موسى عليه السلام, انها واحدة من المعجزات العظيمة التي أفاء الله بها على عبده موسى عليه السلام. وما أكثر المعجزات..
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
العصا والحيّة
قال تعالى
{ وما تلك بيمينك يا موسى * قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى* قال ألقها يا موسى* فألقاها فاذا هي حيّة تسعى* قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى}. طه 17-21.
1. بداية المعجزات
ازدحمت قصة موسى عليه السلام بالمعجزات, ولعل سبب كل هذا ما كان عليه اليهود من تعنّت وكبرياء, وقد بدأت المعجزات في قصة موسى عليه السلام مع بدء حياته وفي طفولته, فها هو فرعون قد اتخذ قرارا بقتل كل طفل ينجب من بني اسرائيل, ولكن ارادة الله انصرفت لنجاة موسى بل وأن ينمو ويترعرع في قصر فرعون ذاته.
كان ذلك عندما خافت أم موسى على ولدها من الذبح اذا علم فرعون بوجوده, فألهمها الله أن تضع صندوقا وتلقيه في النهر أو في البحر, وظل الصندوق يحمل موسى وتتلاطمه الأمواج حتى وصل الى شاطئ تحت القصر لتراهآسيا زوجة فرعون وتطلب من زوجها أن يبقيه لهم يستمتعون بتربيته ليملأ عليهم دنياهم.
واستمرّت المعجزة لتكمل مسيرة موسى عليه السلام, فها هي أم موسى خائفة والهة على ابنها فأراد الله أن يطمئن قلبها, فألهمها القوة والصبر حتى يجمعها بابنها الذي أصبح عائما في النهر, تراقبه أخته خوفا عليه, وقد كادت أ، تصرخ أو تفقد تماسكها لولا مشيئة الله أن تكون قوية شجاعة في ذلك الموقف.
فرحت آسيا بوصول هذا الطفل الجميل الى قصرها وموافقة زوجها فرعون على الابقاء عليه والعدول عن فكرة قتله شأنه شأن أطفال بني اسرائيل, وبقيت أم موسى حزينة باكية, فلم تكد ترمي موسى في نهر النيل حتى أحست أنها ترمي قلبها خلفه, وظلت تتابع الصندوق الذي يحمل وليدها حتى غاب عن عينها واختفت أخباره أخباره. طلع الصباح على أم موسى فاذا قلبها فارغ يذوب حزنا عليه, وكادت تفقد صوابها وتبدي ولهها على وليدها الفقيد, لولا أن الله عز وجل ربط على قلبها وملأ بالسلام نفسها, فهدأت واستكانت واطمأنت, وتركت أمر ابنها الى الله عز وجل, وأمرت ابنتها أن تذهب بهدوء الى جوار قصر فرعون وتحاول أن تعرف أخبار أخيها موسى عليه السلام, وحذرتها من أن يشعر أحد بأنها تتجسس عليهم.
ورفض موسى كل المرضعات, وأوقف قبوله للرضاعة على ثدي أمه!! أليست هذه معجزة كبرى بدأ بها موسى حياته؟!
وقد تحدث القرآ، الكريم على طفولة موسى عليه السلام فقال عز وجل:
{ وأصبح فؤاد أم موسى فارغا, ان كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين* وقالت لأخته قصّيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون* وحرّمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون}. القصص 10-12.
وكان وعد الله حقا, وأصبحت أم موسى عليه السلام مرضعة لابنها دون أن يشعر فرعون أو أحد من قصره, وكانت تتردد كل يوم علىالقصر فتسعد نفسها ويهدأ فؤادها, وتقرّ عينها برؤية ابنها بعد ارضاعه والتمتع بلذة الأمومة, وقد وصف القرآن هذه المعجزة فقال عز وجل:
{ فرددناه الى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكنّ أكثرهم لا يعلمون}. القصص 13.
كان موسى عليه السلام موضع حب الجميع, فكان لا يراه أحد الا أحبّه وهذا من الله عز وجل اذ قال جلّ شأنه:
{ وألقيت عليك محبة من عندي ولتصنع على عيني}. طه 39.
كبر موسى وترعرع, وأصبح فتيا شابا وتعلم علوما كثيرة, وعلم أنه ليس ابنا لفرعون, وكان يرى اضطهاد فرعون ورجاله وأتباعه لبني اسرائيل, ودخل المدينة على حين غفلة ذات يوم, فوجد رجلا من أتباع فرعون يقتتل مع رجل من بني اسرائيل, واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل ووكز الرجل الظالم بيده فوقع قتيلا, فقد كان موسى قويا لدرجة أن اذا ضرب خصمه ضربة واحدة فانه يقتله. ولم يقصد موسى قتل ذلك الرجل, وكان موته مفاجأة مزعجة له لدرجة أنه قال:{ هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين} ودعا موسى ربه..قال:{ رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي}.
وغفر الله تعالى له, انه هو الغفور الرحيم.
وبعد أيام قليلة جاء قريبه هذا الذي قتل من أجله أحد أقارب فرعون, جاء يستنجد به في معركة أخرى مع رجل آخر, فأدرك موسى أنه من هواة المشاجرات والمعارك, فصرخ به موسى قائلا:{ انك لغويّ مبين} واندفع نحوه فخاف الرجل منه واعتقد أنه سيبطش به كما بطش بعدوّه بالأمس فقال مسترحما موسى:{ يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ان تريد الا أن تكون جبّارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين}.
بهذه الكلمات كشف الرجل المصري سرا كان يبحث عنه جنود فرعون, فلم يكن قد عرف بعد قاتل الرجل, وأصبح موسى خائفا يترقب خطرا قد يلحق به وهو في المدينة, وأرسل الله عز وجل لموسى رجلا مصريا عاقلا ينصحه ويحذره, وقد أطلعنا القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى:{ فلمّا أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال ياموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس, ان تريد الا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } القصص 19.
خرج موسى من المدينة ودعا ربّه:{ ربّ نجّني من القوم الظالمين}.
سافر موسى الى مدين وجلس عند بئرها الرئيسي الضخم, وجاء الرجال الأقوياء يسقون أغنامهم. كان موسى متعبا من السفر, جائعا لم يأكل شيئا منذ فترة, أحسّ أنه فقير غريب, هارب من بطش فرعون وقومه بسبب ما أصابه في المدينة, دعا ربه وهو جالس تحت الشجرة بالقرب من البئر قائلا:{ ربّ اني لما أنزلت اليّ من خير فقير}. القصص 24.
في هذا الوقت لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم, ووجد امرأتين تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم القوم, فشعر موسى عليه السلام أن الفتاتين بحاجة الى المساعدة, تقدّم منهما وسأل ان كان يستطيع أن يساعدهما بشيء.. فقالت الفتاة الكبرى:
نحن ننتظر حتى ينتهي الرعاة من سقي غنهم لنسقي.
فقال موسى: ولماذ لا تسقيان معهم؟
فقالت الصغرى: لا نستطيع أن نزاحم الرجال كما ترى!!
نظر اليهما موسى في دهشة لأنهما ترعيان الغنم.. وهذه مهنة يجب أن يعمل بها الرجال, لأنها شاقة متعبة, وسأل موسى عليه السلام مرة أخرى: لماذا ترعيان الغنم؟
فأجابت الصغرى أيضا قائلة: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج معنا كل يوم.
عندئذ تقدم موسى عليه السلام في شهامة الرجال وقال:
سأسقي لكما.
مشى موسى وخلفه الفتاتان وأمامه الغنم, حتى وصل الى بئر مدين وهناك عند البئر اكتشف أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر صخرة ضخمة لا يستطيع أن بحرّكها الا عشرة رجال, وعلى الفور احنتض موسى الصخرة ورفعها من فم البئر, وسط دهشة الفتاتين اللتين شاهدتا عروق رقبته ويديه قد انتفخت بشدّة عند رفعه للصخرة الضخمة, لقد كان موسى رجلا قويا, منحه الله قوة هي بمقاييس عصره معجزة, وسقى عليه السلام الغنم وأعاد الصخرة مكانها وتركهما تمضيان الى حال سبيلهما ثم عاد الى الشجرة التي كان يجلس تحتها من قبل, ورفع يده بالدعاء المشهور عنه فقال مرّة أخرى:{ ربّ اني لما أنزلت اليّ من خير فقير}.
عادت الفتاتن الى دارهما وحكتا لأبيهما شعيب قصة الشاب الكريم الذي سقى لهما وجعلهما تعودان الى الدار مسرعتين مبكرتين على غير عادتهما. وشرحتا له كيف سقى, وكيف مان متعبا, يبدو عليه أنه قادم من سفر بعيد, وجائع ومجهد.
أرسل له الأب احداهما ليعطيه أجر ما سقى لهما, وجاءته على استحياء فجعلها تمشي خلفه وتنبهه هي الى الطريق.
وهناك أكرمه الرجل وقدّم له الطعام وعرض عليه احدى ابنتيه ليتزوجها على أن يعمل في رعي الغنم عنده ثماني سنوات, فان أتمّ عشر سنوات, فله الحرية ان شاء.
وافق موسى على هذا العرض السخي الذي كان بمشيئة الله خيرا لموسى.
ومضت السنون واستكمل الله لنبيه موسى عليه السلام التأهل لكي يكون نبيا يتحمّل الأمانة وعظمها ومشاقها.
وانتهت الفترة المحددة وبدأت مرحلة المعجزة الكبرى في حياة موسى, سنرى بداية المعجزة هناك تحت جبل الطور, وسنرى العلاقة بين العصا والحية.
قال تعالى
{ وما تلك بيمينك يا موسى * قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى* قال ألقها يا موسى* فألقاها فاذا هي حيّة تسعى* قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى}. طه 17-21.
1. بداية المعجزات
ازدحمت قصة موسى عليه السلام بالمعجزات, ولعل سبب كل هذا ما كان عليه اليهود من تعنّت وكبرياء, وقد بدأت المعجزات في قصة موسى عليه السلام مع بدء حياته وفي طفولته, فها هو فرعون قد اتخذ قرارا بقتل كل طفل ينجب من بني اسرائيل, ولكن ارادة الله انصرفت لنجاة موسى بل وأن ينمو ويترعرع في قصر فرعون ذاته.
كان ذلك عندما خافت أم موسى على ولدها من الذبح اذا علم فرعون بوجوده, فألهمها الله أن تضع صندوقا وتلقيه في النهر أو في البحر, وظل الصندوق يحمل موسى وتتلاطمه الأمواج حتى وصل الى شاطئ تحت القصر لتراهآسيا زوجة فرعون وتطلب من زوجها أن يبقيه لهم يستمتعون بتربيته ليملأ عليهم دنياهم.
واستمرّت المعجزة لتكمل مسيرة موسى عليه السلام, فها هي أم موسى خائفة والهة على ابنها فأراد الله أن يطمئن قلبها, فألهمها القوة والصبر حتى يجمعها بابنها الذي أصبح عائما في النهر, تراقبه أخته خوفا عليه, وقد كادت أ، تصرخ أو تفقد تماسكها لولا مشيئة الله أن تكون قوية شجاعة في ذلك الموقف.
فرحت آسيا بوصول هذا الطفل الجميل الى قصرها وموافقة زوجها فرعون على الابقاء عليه والعدول عن فكرة قتله شأنه شأن أطفال بني اسرائيل, وبقيت أم موسى حزينة باكية, فلم تكد ترمي موسى في نهر النيل حتى أحست أنها ترمي قلبها خلفه, وظلت تتابع الصندوق الذي يحمل وليدها حتى غاب عن عينها واختفت أخباره أخباره. طلع الصباح على أم موسى فاذا قلبها فارغ يذوب حزنا عليه, وكادت تفقد صوابها وتبدي ولهها على وليدها الفقيد, لولا أن الله عز وجل ربط على قلبها وملأ بالسلام نفسها, فهدأت واستكانت واطمأنت, وتركت أمر ابنها الى الله عز وجل, وأمرت ابنتها أن تذهب بهدوء الى جوار قصر فرعون وتحاول أن تعرف أخبار أخيها موسى عليه السلام, وحذرتها من أن يشعر أحد بأنها تتجسس عليهم.
ورفض موسى كل المرضعات, وأوقف قبوله للرضاعة على ثدي أمه!! أليست هذه معجزة كبرى بدأ بها موسى حياته؟!
وقد تحدث القرآ، الكريم على طفولة موسى عليه السلام فقال عز وجل:
{ وأصبح فؤاد أم موسى فارغا, ان كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين* وقالت لأخته قصّيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون* وحرّمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون}. القصص 10-12.
وكان وعد الله حقا, وأصبحت أم موسى عليه السلام مرضعة لابنها دون أن يشعر فرعون أو أحد من قصره, وكانت تتردد كل يوم علىالقصر فتسعد نفسها ويهدأ فؤادها, وتقرّ عينها برؤية ابنها بعد ارضاعه والتمتع بلذة الأمومة, وقد وصف القرآن هذه المعجزة فقال عز وجل:
{ فرددناه الى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكنّ أكثرهم لا يعلمون}. القصص 13.
كان موسى عليه السلام موضع حب الجميع, فكان لا يراه أحد الا أحبّه وهذا من الله عز وجل اذ قال جلّ شأنه:
{ وألقيت عليك محبة من عندي ولتصنع على عيني}. طه 39.
كبر موسى وترعرع, وأصبح فتيا شابا وتعلم علوما كثيرة, وعلم أنه ليس ابنا لفرعون, وكان يرى اضطهاد فرعون ورجاله وأتباعه لبني اسرائيل, ودخل المدينة على حين غفلة ذات يوم, فوجد رجلا من أتباع فرعون يقتتل مع رجل من بني اسرائيل, واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل ووكز الرجل الظالم بيده فوقع قتيلا, فقد كان موسى قويا لدرجة أن اذا ضرب خصمه ضربة واحدة فانه يقتله. ولم يقصد موسى قتل ذلك الرجل, وكان موته مفاجأة مزعجة له لدرجة أنه قال:{ هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين} ودعا موسى ربه..قال:{ رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي}.
وغفر الله تعالى له, انه هو الغفور الرحيم.
وبعد أيام قليلة جاء قريبه هذا الذي قتل من أجله أحد أقارب فرعون, جاء يستنجد به في معركة أخرى مع رجل آخر, فأدرك موسى أنه من هواة المشاجرات والمعارك, فصرخ به موسى قائلا:{ انك لغويّ مبين} واندفع نحوه فخاف الرجل منه واعتقد أنه سيبطش به كما بطش بعدوّه بالأمس فقال مسترحما موسى:{ يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ان تريد الا أن تكون جبّارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين}.
بهذه الكلمات كشف الرجل المصري سرا كان يبحث عنه جنود فرعون, فلم يكن قد عرف بعد قاتل الرجل, وأصبح موسى خائفا يترقب خطرا قد يلحق به وهو في المدينة, وأرسل الله عز وجل لموسى رجلا مصريا عاقلا ينصحه ويحذره, وقد أطلعنا القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى:{ فلمّا أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال ياموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس, ان تريد الا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } القصص 19.
خرج موسى من المدينة ودعا ربّه:{ ربّ نجّني من القوم الظالمين}.
سافر موسى الى مدين وجلس عند بئرها الرئيسي الضخم, وجاء الرجال الأقوياء يسقون أغنامهم. كان موسى متعبا من السفر, جائعا لم يأكل شيئا منذ فترة, أحسّ أنه فقير غريب, هارب من بطش فرعون وقومه بسبب ما أصابه في المدينة, دعا ربه وهو جالس تحت الشجرة بالقرب من البئر قائلا:{ ربّ اني لما أنزلت اليّ من خير فقير}. القصص 24.
في هذا الوقت لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم, ووجد امرأتين تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم القوم, فشعر موسى عليه السلام أن الفتاتين بحاجة الى المساعدة, تقدّم منهما وسأل ان كان يستطيع أن يساعدهما بشيء.. فقالت الفتاة الكبرى:
نحن ننتظر حتى ينتهي الرعاة من سقي غنهم لنسقي.
فقال موسى: ولماذ لا تسقيان معهم؟
فقالت الصغرى: لا نستطيع أن نزاحم الرجال كما ترى!!
نظر اليهما موسى في دهشة لأنهما ترعيان الغنم.. وهذه مهنة يجب أن يعمل بها الرجال, لأنها شاقة متعبة, وسأل موسى عليه السلام مرة أخرى: لماذا ترعيان الغنم؟
فأجابت الصغرى أيضا قائلة: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج معنا كل يوم.
عندئذ تقدم موسى عليه السلام في شهامة الرجال وقال:
سأسقي لكما.
مشى موسى وخلفه الفتاتان وأمامه الغنم, حتى وصل الى بئر مدين وهناك عند البئر اكتشف أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر صخرة ضخمة لا يستطيع أن بحرّكها الا عشرة رجال, وعلى الفور احنتض موسى الصخرة ورفعها من فم البئر, وسط دهشة الفتاتين اللتين شاهدتا عروق رقبته ويديه قد انتفخت بشدّة عند رفعه للصخرة الضخمة, لقد كان موسى رجلا قويا, منحه الله قوة هي بمقاييس عصره معجزة, وسقى عليه السلام الغنم وأعاد الصخرة مكانها وتركهما تمضيان الى حال سبيلهما ثم عاد الى الشجرة التي كان يجلس تحتها من قبل, ورفع يده بالدعاء المشهور عنه فقال مرّة أخرى:{ ربّ اني لما أنزلت اليّ من خير فقير}.
عادت الفتاتن الى دارهما وحكتا لأبيهما شعيب قصة الشاب الكريم الذي سقى لهما وجعلهما تعودان الى الدار مسرعتين مبكرتين على غير عادتهما. وشرحتا له كيف سقى, وكيف مان متعبا, يبدو عليه أنه قادم من سفر بعيد, وجائع ومجهد.
أرسل له الأب احداهما ليعطيه أجر ما سقى لهما, وجاءته على استحياء فجعلها تمشي خلفه وتنبهه هي الى الطريق.
وهناك أكرمه الرجل وقدّم له الطعام وعرض عليه احدى ابنتيه ليتزوجها على أن يعمل في رعي الغنم عنده ثماني سنوات, فان أتمّ عشر سنوات, فله الحرية ان شاء.
وافق موسى على هذا العرض السخي الذي كان بمشيئة الله خيرا لموسى.
ومضت السنون واستكمل الله لنبيه موسى عليه السلام التأهل لكي يكون نبيا يتحمّل الأمانة وعظمها ومشاقها.
وانتهت الفترة المحددة وبدأت مرحلة المعجزة الكبرى في حياة موسى, سنرى بداية المعجزة هناك تحت جبل الطور, وسنرى العلاقة بين العصا والحية.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
<HR style="COLOR: #d1d1e1" SIZE=1>
العصا
كانت العصا معجزة من المعجزات التي انصرفت مشيئة الله تعالى أ، تكون كما كانت, وأن تفعل ما فعلت ولكن أهميتها في نظر موسى عليه السلام كانت محصورة في شيئين هما على حد قوله:{ أتوكأ عليها}, { وأهش بها على غنمي}.
ولكن لأن موسى نبي ولكلام الأنبياء جوامعا قد ينطقون بها, فتنصرف الأحداث بمشيئة الله لتفسيرها, قد قال بعد الأهميتين الاثنتين اللتين ذكرهما:{ ولي فيها مآرب أخرى}.
وعصا موسى لها عدة أسماء ذكرها العلماء, فقيل أن اسمها "ماسا" وقيل اسمها "نفعة", واسمها "غياث", وقال آخرون: اسمها "عليق" وكان طولها عشرة أذرع على طول موسى عليه السلام. العرائس للثعلبي 156.
وقد ورد عن عصا موسى عليه السلام قصص وحكايات قصيرة, ذكرها المؤرخون وأصحاب كتب السير, ومنها أنه: كان لعصا موسى شعبتان ومحجن في أسفل الشعبتين وسنان حديديان في أسفلها, وأن موسى عليه السلام اذا دخل مغارة أو سار في ليل شديد الظلام, كانت تظيء شعبتاها كالشمعتين من نار تنيران له مد البصر, وأنه كان اذا أعوزه الماء دلاها في البئر فتمتد على قدر ماء البئر ويصير في رأسها شبه الدلو فيستسقي بها.. الى آخر هذه الصفات التي لا نريد الخوض فيها كثيرا لأننا لا نعرف مدى صحتها.
ومنها أ، العصا كانت تضرب بها الأرض فتخرج طعاما يكفي ليوم موسى عليه السلام, وكان يضرب بها على الجبل الوعر الصعب المرتقى وعلى الحجر والشوك فتفرج له الطريق, وكان اذا أراد عبور نهر من الأنهار بلا سفينة ضرب بها عليه فانفلق وبدا له فيه طريق تنفرج..
قضى موسى عليه السلام الأجل الذي حدده له شعيب, تزوّج خلاله ابنته "صفورا", وقرر الخروج من مدين فسار بأهله, منفصلا عن أرض مدين ببلاد الشام, وكان ذلك في فصل الشتاء حيث البرد والظلام الشديد, وكانت معه امرأته وأغنامه التي أعطاها له شعيب أجر ما فعل.
وسار موسى عليه السلام في برّ الشام مبتعدا عن المدن وأماكن العمران مخافة الملوك الذي كانوا بالشام, وكان أكبر همّه عليه السلام يومئذ اخراج أخيه هارون من مصر ان استطاع الى ذلك سبيلا, فسار موسى في البريّة غير عارف بطرقها, فألجأه السير الى جانب الطور الأيمن الغربي في عشيّة شاتية شديدة البرد, وأظلم عليه الليل وأخذت السماء ترعد وتبرق وتمطر, وقد كانت زوجته حاملا في شهرها التاسع, ففاجأها الطلق والولادة. فأصابته حيرة شديدة خوفا على زوجته من البرد والظلام وهي في هذه الحالة, فبينما هو كذلك اذ آنس من جانب الطور نورا فحسبه نارا, فقال لأهله:{ امكثوا اني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى} يقصد أنه يتمنى أ، يجد من يدله على الطريق التي أضلها, فلما أتى النار واقترب منها رأى نورا عظيما ممتدا من السماء الى شجرة عظيمة هناك, كان موسى قد دخل واديا يقال له طوى, لاحظ الصمت والسكون, والدفء والهدوء, واقترب موسى من النار, وما كاد يقترب منها حتى سمع صوتا يناديه:{ أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} النمل 8.
توقف موسى عن السير فجأة, وأصابته رعشة, شعر أن الصوت يأتي من كل مكان ولا يجيء من مكان محدد.
نودي موسى من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة, ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي: { اني أنا ربك}. طه 12.
وازداد خوف موسى وارتعاشه, فسمع الصوت يقول: { فاخلع نعليك انك بالوادي المقدّس طوى} طه 12.
فلما سمع ذلك علم أنه ربه, خفق قلبه وكل لسانه وضعفت بنيته وصار حيا كأنه ميّت الا أن روح الحياة تدب فيه من غير حراك, وكان السبب في أمر الله له بأن تمس راحة قدميه الأرض الطيّبة قتناله بركتها لأنها مقدسة, وقال بعض العلماء أن السبب هو أن الحفوة , أي أن يمشي الانسان حافيا, في مكان مقدس أو طاهر تعدّ من أمارات التواضع والاحترام وتهذيب النفس.
ثم تلقى موسى عليه السلام الوحي الاهي الذي بلغه بأنه نبي مختار من الله عز وجل فقال:
{ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * انني أنا الله لا اله الا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري* انّ الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى * فلا يصدّنّك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردّى}. طه 13-16.
وجاء درو العصا التي انصرفت مشيئة الله أن تكون معجزة من معجزات موسى عليه السلام, فقد سأل الرحمن الرحيم عبده موسى عليه السلام عن العصا فقال:{ وما تلك بيمينك يا موسى}. طه 17.
أجاب موسى اجابة البشر الذين لهم حدود في المعرفة, فقال في حدود المعرفة, فقال في حدود علمه: { هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى} طه 18.
الى هذا الحد توقف موسى عليه السلام عن الحديث فهذه حدوده كبشر, والمآرب الأخرى يعرفها موسى عليه السلام, فهو اذا ألقاها فيرى أنها انقلبت حية كأعظم ما يكون من الثعابين السوداء الضخمة تدب على الأرض, جاء في وصفها في كتاب العرائس ص 156: انها سوداء مدلهمة تدب على أربع قوائم فتصير شعبتاها فما مفتوحا وفيه اثنا عشر نابا وضرسا لها صريف وصرير يخرج منها كلهب النار, وعيناها تلمعان كما يلمع البرق.. وكانت تكون في عظم الثعبان وفي خفة الجان ولين الحية, وذلك موافق لنص القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى في موضع:{ فاذا هي ثعبان مبين}.
وفي موضع آخر:{ كأنها جانّ}.
وفي موضع ثالث:{ فاذا حيّة تسعى}.
نعود الى مشهد الحوار بين موسى عليه السلام ورب العزة عز وجل فبعد أن عرف موسى ما بيمينه وقال:{ هي عصاي} جاءه الأمر الالهي فجأة يقول:{ ألقها يا موسى}. طه 19.
رمى موسى عليه السلام العصا من يده, وقد ازدادت دهشته, وفوجيء عليه السلام بما يرى أمامه, فالعصا قد تحوّلت الى ثعبان عظيم هائل الجسم, وراح الثعبان يتحرّك بسرعة مخيفة, ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه, وأحسّ أن بدنه يهتز بشدة ويرتعش بعنف, وانتابه شعور بزلزال من الخوف, فما كان منه الا أن استدار الى الخلف فزعا وانطلق يجري خطوات قليلة حتى ناداه ربه.. كي يثبّته ويطمئنه قائلا:{ يا موسى لا تخف اني لا يخاف لديّ المرسلون} النمل 10.
{ أقبل ولا تخف انك من الآمنين}. القصص 31.
توقف موسى لحظات وايتدار وعاد مكانه خائفا من الحية التي تتحرك أمامه. كيف يقف موسى عليه السلام أمام ثعبان ضخم بدأ يتحرّك أمامه ويرفع رأسه ويفتح فمه؟ وعاد صوت رب العزة يناديه قائلا:
{خذها ولا تخف}. القصص 32.
كيف يأخذها وهي تتحرّك؟! لم يسبق لموسى أن أمسك ثعبانا ضخما كهذا بين يديه, فهذا طريق الموت والهلاك بعينه, من يجرؤ على ذلك؟ ولكن جاء التأكيد من الله سبحانه وتعالى والوعد بالاطمئنان وعدم الخوف, قال عز وجلّ:{ خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى}.
تردد موسى برهة, وخاف وتلعثم لحظة, وبدأ يقترب بحذر شديد, مدّ موسى يده التي كانت ترتعش, وكان على موسى جبة صوف فلفّ كمّه على يده وهو للثعبان هائب, فنودي أن أخرج يدك, فحسر كمّه عن يده ووضع تحت يده رأسها فلما أدخل يده ولمس الثعبان فاذا هي عصاه في يده ويده بين شعبتيها حيث كان يضعها.
ثم جاء الأمر الالهي مرة أخرى لموسى عليه السلام فقال له:{ اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم اليك جناحك من الرهب}.القصص 32.
وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فاذا هي تتلألأ كالقمر, يعجز البصر عن النظر الى بريقها الجميل, وقد زاد ذلك انفعال موسى عليه السلام, فوضع يده على قلبه كما أمره ربه:{ واضمم اليك جناحك من الرهب}.
وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه وشعر بالطمأنينة, وسكنت أطرافه عن الارتجاف والارتعاش, واستعاد توازنه وأصدر الله عز وجل أمرا بعد أن أراه هاتين المعجزتين بأن يذهب الى فرعون فيدعوه الى الله برفق ولين, فأبدى موسى عليه السلام خوفه وفزعه من فرعون وقال لربه أنه قتل نفسا منهم ويخاف أن يقتلوه. لم يدر موسى عليه السلام أن عصاه هي التي رأى منها المعجزات ستهز بقدرة الله أركان فرعون وملكه كله.
ولذلك ولعدم دراية موسى عليه السلام بما في الغيب طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون عليه السلام.
طمأن الله نبيّه موسى عليه السلام وقال انه سيكون معهما يسمع ويرى, وأن فرعون رغم جبروته وسطوته لن يمسّهما بسوء, وعرّف موسى أنه هو الغالب. وقد روت الآيات الكريمة كل ما ذكرناه في هذا الموقف عن العصا.
قال تعالى:{ هل أتاك حديث موسى * اذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا اني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى* فلما أتاها نودي أن ياموسى* اني أنا ربّك فاخلع نعليك انك بالوادي المقدّس طوى* وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى* انني أنا الله لا اله الا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري* ان الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى* فلا يصدّنّك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردّى* وما تلك بيمينك يا موسى * قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى* قال ألقها يا موسى* فألقاها فاذا هي حيّة تسعى* قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى* واضمم يدك الى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى} طه 9-22.
مضى موسى عليه السلام الى مصر, ثم دخل على الطاغية فرعون, فحدّثه عن الله عز وجل وعن فضله ورحمته ورزقه, وحدّثه عن وجوب توحيده وعبادته, حاول أن يدعوه بطريق ليّنة, خاطب فيها وجدانه, ولكن فرعون تكبّر ويجبّر, وذكّر موسى بأن ربّاه وانتشله من النيل طفلا, وذكّره بمقتل القبطي, ثم سأله عن رب العالمين فقال: انه ربي وربك, وجادل فرعون جدالا كثيرا, والعصا في يد موسى عليه السلام, وبعد أن أنهى موسى كلامه والرد على فرعون, نظر اليه فرعون وقال في تهديد وعيد:{ لئن اتخذت الها غيري لأجعلنّك من المسجونين} الشعراء 29.
عندئذ أدرك موسى أن الحجج لن تفلح والأمور العقلية لن تحرّك في هذا الفرعون المغرور المتكبّر ساكنا, فتحسس موسى عليه السلام العصا التي في يده, وأدرك أ، وقت اظهار المعجزة قد جاء وآن أوانه فقال لفرعون:
{ أولو جئتك بشيء مبين} الشعراء 30.
وكان في نبرة موسى عليه السلام تحدّ لفرعون, فقبل فرعون التحدي على الفور وقال: { فأت به ان كنت من الصادقين} الشعراء 31.
عندئذ أمسك موسى بعصاه وألقاها في صالة القصر وسط ذهول فرعون والوزراء الجالسين حوله, الذين ظنوا أن العصا سقطت منه بسبب ارتباكه من طلب فرعون الدليل على صدقه. وفجأة تحوّلت العصا الى ثعبان مبين, ثعبان هائل يتحرّك بسرعة عظيمة, اتجه الثعبان على الفور الى فرعون, شحب وجه فرعون من الخوف وثبت مكانه في البداية, وخرج الناس مذعورين منفضين عن مجلسه, وذعر فرعون ثم وثب عن مكانه, وصاح مستنجدا بموسى عليه السلام.
وقف الجميع على جوانب بوابات القصر ينظرون بذعر ويشهدون ما يفعله موسى, فهز موسى يده الى الثعبان فعاد في يده عصا كما كان.
عاد موسى يكشف أمام الواقفين معجزته الثانية, أدخل يده في جيبه وأخرجها فاذا هي بيضاء كالقمر, فذهل الواقفون فرعون ووزراؤه.
وهكذا استمرّت العصا معجزة من معجزات موسى, ولها مشاهد كثيرة لم تنته بعد.
كانت العصا معجزة من المعجزات التي انصرفت مشيئة الله تعالى أ، تكون كما كانت, وأن تفعل ما فعلت ولكن أهميتها في نظر موسى عليه السلام كانت محصورة في شيئين هما على حد قوله:{ أتوكأ عليها}, { وأهش بها على غنمي}.
ولكن لأن موسى نبي ولكلام الأنبياء جوامعا قد ينطقون بها, فتنصرف الأحداث بمشيئة الله لتفسيرها, قد قال بعد الأهميتين الاثنتين اللتين ذكرهما:{ ولي فيها مآرب أخرى}.
وعصا موسى لها عدة أسماء ذكرها العلماء, فقيل أن اسمها "ماسا" وقيل اسمها "نفعة", واسمها "غياث", وقال آخرون: اسمها "عليق" وكان طولها عشرة أذرع على طول موسى عليه السلام. العرائس للثعلبي 156.
وقد ورد عن عصا موسى عليه السلام قصص وحكايات قصيرة, ذكرها المؤرخون وأصحاب كتب السير, ومنها أنه: كان لعصا موسى شعبتان ومحجن في أسفل الشعبتين وسنان حديديان في أسفلها, وأن موسى عليه السلام اذا دخل مغارة أو سار في ليل شديد الظلام, كانت تظيء شعبتاها كالشمعتين من نار تنيران له مد البصر, وأنه كان اذا أعوزه الماء دلاها في البئر فتمتد على قدر ماء البئر ويصير في رأسها شبه الدلو فيستسقي بها.. الى آخر هذه الصفات التي لا نريد الخوض فيها كثيرا لأننا لا نعرف مدى صحتها.
ومنها أ، العصا كانت تضرب بها الأرض فتخرج طعاما يكفي ليوم موسى عليه السلام, وكان يضرب بها على الجبل الوعر الصعب المرتقى وعلى الحجر والشوك فتفرج له الطريق, وكان اذا أراد عبور نهر من الأنهار بلا سفينة ضرب بها عليه فانفلق وبدا له فيه طريق تنفرج..
قضى موسى عليه السلام الأجل الذي حدده له شعيب, تزوّج خلاله ابنته "صفورا", وقرر الخروج من مدين فسار بأهله, منفصلا عن أرض مدين ببلاد الشام, وكان ذلك في فصل الشتاء حيث البرد والظلام الشديد, وكانت معه امرأته وأغنامه التي أعطاها له شعيب أجر ما فعل.
وسار موسى عليه السلام في برّ الشام مبتعدا عن المدن وأماكن العمران مخافة الملوك الذي كانوا بالشام, وكان أكبر همّه عليه السلام يومئذ اخراج أخيه هارون من مصر ان استطاع الى ذلك سبيلا, فسار موسى في البريّة غير عارف بطرقها, فألجأه السير الى جانب الطور الأيمن الغربي في عشيّة شاتية شديدة البرد, وأظلم عليه الليل وأخذت السماء ترعد وتبرق وتمطر, وقد كانت زوجته حاملا في شهرها التاسع, ففاجأها الطلق والولادة. فأصابته حيرة شديدة خوفا على زوجته من البرد والظلام وهي في هذه الحالة, فبينما هو كذلك اذ آنس من جانب الطور نورا فحسبه نارا, فقال لأهله:{ امكثوا اني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى} يقصد أنه يتمنى أ، يجد من يدله على الطريق التي أضلها, فلما أتى النار واقترب منها رأى نورا عظيما ممتدا من السماء الى شجرة عظيمة هناك, كان موسى قد دخل واديا يقال له طوى, لاحظ الصمت والسكون, والدفء والهدوء, واقترب موسى من النار, وما كاد يقترب منها حتى سمع صوتا يناديه:{ أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} النمل 8.
توقف موسى عن السير فجأة, وأصابته رعشة, شعر أن الصوت يأتي من كل مكان ولا يجيء من مكان محدد.
نودي موسى من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة, ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي: { اني أنا ربك}. طه 12.
وازداد خوف موسى وارتعاشه, فسمع الصوت يقول: { فاخلع نعليك انك بالوادي المقدّس طوى} طه 12.
فلما سمع ذلك علم أنه ربه, خفق قلبه وكل لسانه وضعفت بنيته وصار حيا كأنه ميّت الا أن روح الحياة تدب فيه من غير حراك, وكان السبب في أمر الله له بأن تمس راحة قدميه الأرض الطيّبة قتناله بركتها لأنها مقدسة, وقال بعض العلماء أن السبب هو أن الحفوة , أي أن يمشي الانسان حافيا, في مكان مقدس أو طاهر تعدّ من أمارات التواضع والاحترام وتهذيب النفس.
ثم تلقى موسى عليه السلام الوحي الاهي الذي بلغه بأنه نبي مختار من الله عز وجل فقال:
{ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * انني أنا الله لا اله الا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري* انّ الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى * فلا يصدّنّك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردّى}. طه 13-16.
وجاء درو العصا التي انصرفت مشيئة الله أن تكون معجزة من معجزات موسى عليه السلام, فقد سأل الرحمن الرحيم عبده موسى عليه السلام عن العصا فقال:{ وما تلك بيمينك يا موسى}. طه 17.
أجاب موسى اجابة البشر الذين لهم حدود في المعرفة, فقال في حدود المعرفة, فقال في حدود علمه: { هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى} طه 18.
الى هذا الحد توقف موسى عليه السلام عن الحديث فهذه حدوده كبشر, والمآرب الأخرى يعرفها موسى عليه السلام, فهو اذا ألقاها فيرى أنها انقلبت حية كأعظم ما يكون من الثعابين السوداء الضخمة تدب على الأرض, جاء في وصفها في كتاب العرائس ص 156: انها سوداء مدلهمة تدب على أربع قوائم فتصير شعبتاها فما مفتوحا وفيه اثنا عشر نابا وضرسا لها صريف وصرير يخرج منها كلهب النار, وعيناها تلمعان كما يلمع البرق.. وكانت تكون في عظم الثعبان وفي خفة الجان ولين الحية, وذلك موافق لنص القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى في موضع:{ فاذا هي ثعبان مبين}.
وفي موضع آخر:{ كأنها جانّ}.
وفي موضع ثالث:{ فاذا حيّة تسعى}.
نعود الى مشهد الحوار بين موسى عليه السلام ورب العزة عز وجل فبعد أن عرف موسى ما بيمينه وقال:{ هي عصاي} جاءه الأمر الالهي فجأة يقول:{ ألقها يا موسى}. طه 19.
رمى موسى عليه السلام العصا من يده, وقد ازدادت دهشته, وفوجيء عليه السلام بما يرى أمامه, فالعصا قد تحوّلت الى ثعبان عظيم هائل الجسم, وراح الثعبان يتحرّك بسرعة مخيفة, ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه, وأحسّ أن بدنه يهتز بشدة ويرتعش بعنف, وانتابه شعور بزلزال من الخوف, فما كان منه الا أن استدار الى الخلف فزعا وانطلق يجري خطوات قليلة حتى ناداه ربه.. كي يثبّته ويطمئنه قائلا:{ يا موسى لا تخف اني لا يخاف لديّ المرسلون} النمل 10.
{ أقبل ولا تخف انك من الآمنين}. القصص 31.
توقف موسى لحظات وايتدار وعاد مكانه خائفا من الحية التي تتحرك أمامه. كيف يقف موسى عليه السلام أمام ثعبان ضخم بدأ يتحرّك أمامه ويرفع رأسه ويفتح فمه؟ وعاد صوت رب العزة يناديه قائلا:
{خذها ولا تخف}. القصص 32.
كيف يأخذها وهي تتحرّك؟! لم يسبق لموسى أن أمسك ثعبانا ضخما كهذا بين يديه, فهذا طريق الموت والهلاك بعينه, من يجرؤ على ذلك؟ ولكن جاء التأكيد من الله سبحانه وتعالى والوعد بالاطمئنان وعدم الخوف, قال عز وجلّ:{ خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى}.
تردد موسى برهة, وخاف وتلعثم لحظة, وبدأ يقترب بحذر شديد, مدّ موسى يده التي كانت ترتعش, وكان على موسى جبة صوف فلفّ كمّه على يده وهو للثعبان هائب, فنودي أن أخرج يدك, فحسر كمّه عن يده ووضع تحت يده رأسها فلما أدخل يده ولمس الثعبان فاذا هي عصاه في يده ويده بين شعبتيها حيث كان يضعها.
ثم جاء الأمر الالهي مرة أخرى لموسى عليه السلام فقال له:{ اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم اليك جناحك من الرهب}.القصص 32.
وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فاذا هي تتلألأ كالقمر, يعجز البصر عن النظر الى بريقها الجميل, وقد زاد ذلك انفعال موسى عليه السلام, فوضع يده على قلبه كما أمره ربه:{ واضمم اليك جناحك من الرهب}.
وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه وشعر بالطمأنينة, وسكنت أطرافه عن الارتجاف والارتعاش, واستعاد توازنه وأصدر الله عز وجل أمرا بعد أن أراه هاتين المعجزتين بأن يذهب الى فرعون فيدعوه الى الله برفق ولين, فأبدى موسى عليه السلام خوفه وفزعه من فرعون وقال لربه أنه قتل نفسا منهم ويخاف أن يقتلوه. لم يدر موسى عليه السلام أن عصاه هي التي رأى منها المعجزات ستهز بقدرة الله أركان فرعون وملكه كله.
ولذلك ولعدم دراية موسى عليه السلام بما في الغيب طلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون عليه السلام.
طمأن الله نبيّه موسى عليه السلام وقال انه سيكون معهما يسمع ويرى, وأن فرعون رغم جبروته وسطوته لن يمسّهما بسوء, وعرّف موسى أنه هو الغالب. وقد روت الآيات الكريمة كل ما ذكرناه في هذا الموقف عن العصا.
قال تعالى:{ هل أتاك حديث موسى * اذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا اني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى* فلما أتاها نودي أن ياموسى* اني أنا ربّك فاخلع نعليك انك بالوادي المقدّس طوى* وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى* انني أنا الله لا اله الا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري* ان الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى* فلا يصدّنّك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردّى* وما تلك بيمينك يا موسى * قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى* قال ألقها يا موسى* فألقاها فاذا هي حيّة تسعى* قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى* واضمم يدك الى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى} طه 9-22.
مضى موسى عليه السلام الى مصر, ثم دخل على الطاغية فرعون, فحدّثه عن الله عز وجل وعن فضله ورحمته ورزقه, وحدّثه عن وجوب توحيده وعبادته, حاول أن يدعوه بطريق ليّنة, خاطب فيها وجدانه, ولكن فرعون تكبّر ويجبّر, وذكّر موسى بأن ربّاه وانتشله من النيل طفلا, وذكّره بمقتل القبطي, ثم سأله عن رب العالمين فقال: انه ربي وربك, وجادل فرعون جدالا كثيرا, والعصا في يد موسى عليه السلام, وبعد أن أنهى موسى كلامه والرد على فرعون, نظر اليه فرعون وقال في تهديد وعيد:{ لئن اتخذت الها غيري لأجعلنّك من المسجونين} الشعراء 29.
عندئذ أدرك موسى أن الحجج لن تفلح والأمور العقلية لن تحرّك في هذا الفرعون المغرور المتكبّر ساكنا, فتحسس موسى عليه السلام العصا التي في يده, وأدرك أ، وقت اظهار المعجزة قد جاء وآن أوانه فقال لفرعون:
{ أولو جئتك بشيء مبين} الشعراء 30.
وكان في نبرة موسى عليه السلام تحدّ لفرعون, فقبل فرعون التحدي على الفور وقال: { فأت به ان كنت من الصادقين} الشعراء 31.
عندئذ أمسك موسى بعصاه وألقاها في صالة القصر وسط ذهول فرعون والوزراء الجالسين حوله, الذين ظنوا أن العصا سقطت منه بسبب ارتباكه من طلب فرعون الدليل على صدقه. وفجأة تحوّلت العصا الى ثعبان مبين, ثعبان هائل يتحرّك بسرعة عظيمة, اتجه الثعبان على الفور الى فرعون, شحب وجه فرعون من الخوف وثبت مكانه في البداية, وخرج الناس مذعورين منفضين عن مجلسه, وذعر فرعون ثم وثب عن مكانه, وصاح مستنجدا بموسى عليه السلام.
وقف الجميع على جوانب بوابات القصر ينظرون بذعر ويشهدون ما يفعله موسى, فهز موسى يده الى الثعبان فعاد في يده عصا كما كان.
عاد موسى يكشف أمام الواقفين معجزته الثانية, أدخل يده في جيبه وأخرجها فاذا هي بيضاء كالقمر, فذهل الواقفون فرعون ووزراؤه.
وهكذا استمرّت العصا معجزة من معجزات موسى, ولها مشاهد كثيرة لم تنته بعد.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
رد: موسى عليه السلام
في يوم السحرة
ظن فرعون بعد كل ما حدث معه وشهده بنفسه أن أمر موسى وهارون عليهما السلام ضرب من ضروب السحر, وقال لحاشيته: ان موسى ساحر يعرف علم السحر والسحرة, يريد أن يخرجكم به من أرضكم, فماذا تأمرون؟
وقال العلماء قول ابن عباس وأورده الثعلبي في العرائس:
قال فرعون أيضا لما رأى من سلطان الله تعالى في يد موسى وعصاه: انن أرى أننا لن نغلب موسى وننتصر عليه الا بمن هو مثله, فأخذنا غلمانا من بين اسرائيل يقال لهم "الغرقاء" يعلمونهم السحركما يعلمون الصغار في الكتّاب, فعلموهم سحرا كثيرا, ثم ان فرعون واعد موسى موعدا, وقال له: أنت ساحر يا موسى.. ولقد قررت أن أكشف أمرك أمام الناس جميعا, وبعد أيام قليلة يحضر السحرة.
فقال موسى عليه السلام: ومتى ألتقي بالسحرة؟
قال فرعون: موعدكم يوم الزينة, انه يوم من أيام الربيع يحتفل به الناس جميعا. وسوف يأتي الناس في ضحى هذا اليوم, هذا هو موعدك يا موسى.
فقال موسى عليه السلام: سأخرج مبكرا من بيتي في هذا اليوم.
وبعد هذا اللقاء خرج موسى عليه السلام من قصر فرعون, وركب عدد من الرجال مركباتهم وأسرعوا يتفرقون في مصر كلها: ان على جميع السحرة الماهرين التوجه الى قصر فرعون لأمر هام. واستدعى فرعون نبي الله موسى وحاول تهديده واخافته ولكن موسى ظل على حاله.
وجاء يوم الزينة, واجتمع السحرة الى فرعون فوعدهم بأجر كبير لو غلبوا موسى عليه السلام.
وخرج الناس جماعات جماعات, أطفالا ونسلاء, شبابا وشيوخا, جاؤوا ليشهدوا مباراة هي الأولى من نوعها: مباراة بين سحرة فكلهم يظنون أن موسى عليه السلام ساحرا!!
بدأ الناس بأخذ أماكنهم في الاحتفال منذ الصباح الباكر, ولم يكن أحد في مصر لم يعرف قصة التحدي واللقاء بين هؤلاء السحرة, ولم يكن أحد يعرف بمعجزة موسى التي ستخرس كل الألسنة, وستجعل من فرعون وسحرته مثالا للكذب والتجني.
كانت العصا في يد موسى عليه السلام, وتقدّم السحرة خمسة, عشرة, عشرون ساحرا, وموسى يقف وحيدا في ساحة المباراة أو قل ساحة الحرب والصراع بين الحق والباطل, بين الصدق والكذب, بين التواضع وبين الكبر والافتراء, انها معركة بين الكفر والايمان كفر فرعون وسحرته وايمان موسى عليه السلام ومعجزته.
جلس فرعون تحت مظلة واقية من الشمس, ومن حوله جنوده وحاشيته وقادته وهو يرتدي أفخم الثياب الرصّعة بالجواهر, أما موسى عليه السلام فوقف صامتا يذكر الله في نفسه ولا ينظر لشيء حوله.
وتقدّم السحرة الى موسى عليه السلام وسط الجمع الهائل الذين استجمعوا كل حواسهم لرؤية وسماع ما سيحدث.
قال السحرة لموسى:{ امّا أن تلقي وامّا أن نكون أوّل من ألقى}.
قال موسى عليه السلام: بل ألقوا.
فقال السحرة: نحن الغالبون بعزة فرعون.
فقال موسى: ويلكم, لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب أليم.
في هذه اللحظة, التفت موسى فاذا جبريل على يمينه يقول له: يا موسى ترفق بأولياء الله, قال موسى لنفسه: هؤلاء سحرة جاؤوا ينصرون دين فرعون, عاد جبريل يقول: ترفّق بأولياء الله, هم من الساعة الى صلاة العصر عندك.., وبعد صلاة العصر في الجنة.
وهؤلاء السحرة اختلف في عددهم فقال كعب: انهم كانوا اثني عشر ألفا. وقال عالم آخر: بضعة وثلاثين. وقال عكرمة: سبعين ألفا. وقد أجمعت الأقاويل على أن فرعون جمع السحرة وهم سبعون ألفا فاختار منهم سبعة آلاف ليس فيهم الا من هو ساحر ماهر, ثم اختار سبعمائة ثم اختار سبعين من كبارهم وعلمائهم, وكان رشيسهم يسمّى شمعون, وقيل يوحنّا وقيل ان أعلم السحرة كانا بأقصى الصعيد وكانا أخوين.
نعود الى ساحة المباراة: لما قال لهم موسى عليه السلام:{ ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى} فتناجى السحرة فيما بينهم, فقال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر, فذلك قول الله تعالى:{ فتنازعوا أمرهم بينهم وأسرّوا النّجوى} فقال السحرة:{ فلنأتينّك بسحر مثله}.
رمى السحرة بعصيّهم وحبالهم, فاذا المكان يمتلىء بالثعابين والحيّات التي تجري هنا وهناك فجأة لقد سحروا أعين الناس, واسترهبوهم وأخافوهم وجاؤوا بسحر عظيم, وهلّل المصريون مكان الاحتفال, وابتسم فرعون ابتسامة عريضة وظنّ أنه قضى على موسى عليه السلام.
نظر موسى الى حبالهم وعصيّهم فشعر بالخوف, وكذلك هارون الواقف الى جواره, ولكنه سرعان ما سمع صوتا يقول له:{ لا تخف انك أنت الأعلى* وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى}.
اطمأن نبي الله موسى حين سمع رب العالمين يطمئنه, ولم يعد يرتكب أو ترتعش يداه, ثم رفع عصاه وألقاها فجأة.
ولم تكد عصا موسى عليه السلام تلامس الأرض حتى وقعت المعجزة, فقد تحوّلت الى ثعبان جبار سريع الحركة, وتقدّم هذا الثعبان فجأة نحو حبال السحرة وعصيّهم التي كانت تتحرّك وبدأ بأكلها واحدا بعد آخر.
راحت عصا موسى عليه السلام تأكل حبال السحرة وةعصيّهم بسرعة مخيفة.
وفي دقائق معدودات خلت ساحة المباراة تماما من كل حبال السحرة وعصيّهم, لقد اختفت في بطن عصا موسى, ومشى الثعبان الضخم في أدب نحو موسى, ومدّ موسى يده فتحوّل الثعبان الى عصا.
أدرك السحرة أن هذا ليس سحرا, لعلمهم بالسحر وعلومه.
وكانت المفاجأة الكبرى: لقد سجد السحرة جميعا على الأرض وقالوا:{ آمنّا برب العالمين ربّ موسى وهارون}.
انها المعجزة التي تولّد معها الايمان بالله عز وجل.. ولكن لم ينتهي دور العصا بعد.
عند البحر
استمر الصراع بين الحق والباطل, وبين موسى عليه السلام وفرعون الكافر, وقرر فرعون ومن معه من الناس قتل موسى وأتباعه, وعلم موسى بذلك فصحب أتباعه ليلا وسار بهم نحو البحر قاصدا بلاد الشام, وعلك فرعون بذلك فحشد جيشا ضخما, وتحرّك جيش فرعون في أبّهته وغظمته وسلاحه وخرج وراء موسى.
ومضى الجيش مسرعا يثير غبارا شديدا وموسى ينظر خلفه فيرى غبار الجيش يطارده, فامتلأ قوم موسى رعبا, وكان الموقف حرجا وخطيرا, فالبحر أمامهم والعدو وراءهم ولا مكان للهرب, ولا توجد لديهم القدرة على القتال والحرب, وقالت النسوة وبعض الرجال: سيدركنا فرعون بجيشه.. سيهلكنا جميعا, ولكن موسى عليه السلام قال:كلا.. ان معي ربي سيهدين.
تحسّس موسى عصاه مطمئنا.. طوّحها في الهواء وضرب بها البحر فانفلق الى جزئين, كل منهما كالطود العظيم, وتقدّم موسى في الطريق الجديد وسط البحر وتبعه فرعون.
وانتهى موسى من عبور البحر, فنظر وراءه وأراد أن يضرب بعصاه ولكن الله أوحى اليه بأن يترك البحر على حاله وينتظر حتى يدخل كل جنود الكفر في الطريق وسط البحر:{ واترك البحر رهوا, انهم جند مغرقون}. الدخان 24.
ولما أذن الله تعالى, ضرب موسى عليه السلام البحر بعصاه ثانية, فعاد البحر كسالف عهده, وانهالت الأمواج على فرعون وجنوده, ولما أدرك الغرق فرعون قال:{ آمنت أنه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين}. يونس 90.
ولكن الله لم يقبل توبته لأنها جاءت متأخرة, فقد عاث في الأرض فسادا وكبرا, فكان من المغرقين.
ظن فرعون بعد كل ما حدث معه وشهده بنفسه أن أمر موسى وهارون عليهما السلام ضرب من ضروب السحر, وقال لحاشيته: ان موسى ساحر يعرف علم السحر والسحرة, يريد أن يخرجكم به من أرضكم, فماذا تأمرون؟
وقال العلماء قول ابن عباس وأورده الثعلبي في العرائس:
قال فرعون أيضا لما رأى من سلطان الله تعالى في يد موسى وعصاه: انن أرى أننا لن نغلب موسى وننتصر عليه الا بمن هو مثله, فأخذنا غلمانا من بين اسرائيل يقال لهم "الغرقاء" يعلمونهم السحركما يعلمون الصغار في الكتّاب, فعلموهم سحرا كثيرا, ثم ان فرعون واعد موسى موعدا, وقال له: أنت ساحر يا موسى.. ولقد قررت أن أكشف أمرك أمام الناس جميعا, وبعد أيام قليلة يحضر السحرة.
فقال موسى عليه السلام: ومتى ألتقي بالسحرة؟
قال فرعون: موعدكم يوم الزينة, انه يوم من أيام الربيع يحتفل به الناس جميعا. وسوف يأتي الناس في ضحى هذا اليوم, هذا هو موعدك يا موسى.
فقال موسى عليه السلام: سأخرج مبكرا من بيتي في هذا اليوم.
وبعد هذا اللقاء خرج موسى عليه السلام من قصر فرعون, وركب عدد من الرجال مركباتهم وأسرعوا يتفرقون في مصر كلها: ان على جميع السحرة الماهرين التوجه الى قصر فرعون لأمر هام. واستدعى فرعون نبي الله موسى وحاول تهديده واخافته ولكن موسى ظل على حاله.
وجاء يوم الزينة, واجتمع السحرة الى فرعون فوعدهم بأجر كبير لو غلبوا موسى عليه السلام.
وخرج الناس جماعات جماعات, أطفالا ونسلاء, شبابا وشيوخا, جاؤوا ليشهدوا مباراة هي الأولى من نوعها: مباراة بين سحرة فكلهم يظنون أن موسى عليه السلام ساحرا!!
بدأ الناس بأخذ أماكنهم في الاحتفال منذ الصباح الباكر, ولم يكن أحد في مصر لم يعرف قصة التحدي واللقاء بين هؤلاء السحرة, ولم يكن أحد يعرف بمعجزة موسى التي ستخرس كل الألسنة, وستجعل من فرعون وسحرته مثالا للكذب والتجني.
كانت العصا في يد موسى عليه السلام, وتقدّم السحرة خمسة, عشرة, عشرون ساحرا, وموسى يقف وحيدا في ساحة المباراة أو قل ساحة الحرب والصراع بين الحق والباطل, بين الصدق والكذب, بين التواضع وبين الكبر والافتراء, انها معركة بين الكفر والايمان كفر فرعون وسحرته وايمان موسى عليه السلام ومعجزته.
جلس فرعون تحت مظلة واقية من الشمس, ومن حوله جنوده وحاشيته وقادته وهو يرتدي أفخم الثياب الرصّعة بالجواهر, أما موسى عليه السلام فوقف صامتا يذكر الله في نفسه ولا ينظر لشيء حوله.
وتقدّم السحرة الى موسى عليه السلام وسط الجمع الهائل الذين استجمعوا كل حواسهم لرؤية وسماع ما سيحدث.
قال السحرة لموسى:{ امّا أن تلقي وامّا أن نكون أوّل من ألقى}.
قال موسى عليه السلام: بل ألقوا.
فقال السحرة: نحن الغالبون بعزة فرعون.
فقال موسى: ويلكم, لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب أليم.
في هذه اللحظة, التفت موسى فاذا جبريل على يمينه يقول له: يا موسى ترفق بأولياء الله, قال موسى لنفسه: هؤلاء سحرة جاؤوا ينصرون دين فرعون, عاد جبريل يقول: ترفّق بأولياء الله, هم من الساعة الى صلاة العصر عندك.., وبعد صلاة العصر في الجنة.
وهؤلاء السحرة اختلف في عددهم فقال كعب: انهم كانوا اثني عشر ألفا. وقال عالم آخر: بضعة وثلاثين. وقال عكرمة: سبعين ألفا. وقد أجمعت الأقاويل على أن فرعون جمع السحرة وهم سبعون ألفا فاختار منهم سبعة آلاف ليس فيهم الا من هو ساحر ماهر, ثم اختار سبعمائة ثم اختار سبعين من كبارهم وعلمائهم, وكان رشيسهم يسمّى شمعون, وقيل يوحنّا وقيل ان أعلم السحرة كانا بأقصى الصعيد وكانا أخوين.
نعود الى ساحة المباراة: لما قال لهم موسى عليه السلام:{ ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى} فتناجى السحرة فيما بينهم, فقال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر, فذلك قول الله تعالى:{ فتنازعوا أمرهم بينهم وأسرّوا النّجوى} فقال السحرة:{ فلنأتينّك بسحر مثله}.
رمى السحرة بعصيّهم وحبالهم, فاذا المكان يمتلىء بالثعابين والحيّات التي تجري هنا وهناك فجأة لقد سحروا أعين الناس, واسترهبوهم وأخافوهم وجاؤوا بسحر عظيم, وهلّل المصريون مكان الاحتفال, وابتسم فرعون ابتسامة عريضة وظنّ أنه قضى على موسى عليه السلام.
نظر موسى الى حبالهم وعصيّهم فشعر بالخوف, وكذلك هارون الواقف الى جواره, ولكنه سرعان ما سمع صوتا يقول له:{ لا تخف انك أنت الأعلى* وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى}.
اطمأن نبي الله موسى حين سمع رب العالمين يطمئنه, ولم يعد يرتكب أو ترتعش يداه, ثم رفع عصاه وألقاها فجأة.
ولم تكد عصا موسى عليه السلام تلامس الأرض حتى وقعت المعجزة, فقد تحوّلت الى ثعبان جبار سريع الحركة, وتقدّم هذا الثعبان فجأة نحو حبال السحرة وعصيّهم التي كانت تتحرّك وبدأ بأكلها واحدا بعد آخر.
راحت عصا موسى عليه السلام تأكل حبال السحرة وةعصيّهم بسرعة مخيفة.
وفي دقائق معدودات خلت ساحة المباراة تماما من كل حبال السحرة وعصيّهم, لقد اختفت في بطن عصا موسى, ومشى الثعبان الضخم في أدب نحو موسى, ومدّ موسى يده فتحوّل الثعبان الى عصا.
أدرك السحرة أن هذا ليس سحرا, لعلمهم بالسحر وعلومه.
وكانت المفاجأة الكبرى: لقد سجد السحرة جميعا على الأرض وقالوا:{ آمنّا برب العالمين ربّ موسى وهارون}.
انها المعجزة التي تولّد معها الايمان بالله عز وجل.. ولكن لم ينتهي دور العصا بعد.
عند البحر
استمر الصراع بين الحق والباطل, وبين موسى عليه السلام وفرعون الكافر, وقرر فرعون ومن معه من الناس قتل موسى وأتباعه, وعلم موسى بذلك فصحب أتباعه ليلا وسار بهم نحو البحر قاصدا بلاد الشام, وعلك فرعون بذلك فحشد جيشا ضخما, وتحرّك جيش فرعون في أبّهته وغظمته وسلاحه وخرج وراء موسى.
ومضى الجيش مسرعا يثير غبارا شديدا وموسى ينظر خلفه فيرى غبار الجيش يطارده, فامتلأ قوم موسى رعبا, وكان الموقف حرجا وخطيرا, فالبحر أمامهم والعدو وراءهم ولا مكان للهرب, ولا توجد لديهم القدرة على القتال والحرب, وقالت النسوة وبعض الرجال: سيدركنا فرعون بجيشه.. سيهلكنا جميعا, ولكن موسى عليه السلام قال:كلا.. ان معي ربي سيهدين.
تحسّس موسى عصاه مطمئنا.. طوّحها في الهواء وضرب بها البحر فانفلق الى جزئين, كل منهما كالطود العظيم, وتقدّم موسى في الطريق الجديد وسط البحر وتبعه فرعون.
وانتهى موسى من عبور البحر, فنظر وراءه وأراد أن يضرب بعصاه ولكن الله أوحى اليه بأن يترك البحر على حاله وينتظر حتى يدخل كل جنود الكفر في الطريق وسط البحر:{ واترك البحر رهوا, انهم جند مغرقون}. الدخان 24.
ولما أذن الله تعالى, ضرب موسى عليه السلام البحر بعصاه ثانية, فعاد البحر كسالف عهده, وانهالت الأمواج على فرعون وجنوده, ولما أدرك الغرق فرعون قال:{ آمنت أنه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين}. يونس 90.
ولكن الله لم يقبل توبته لأنها جاءت متأخرة, فقد عاث في الأرض فسادا وكبرا, فكان من المغرقين.
ندى- عدد الرسائل : 596
العمر : 34
Localisation : اسفي
Emploi : مستخدمة في القطاع الخاص
تاريخ التسجيل : 16/10/2007
خوف موسي عليه السلام.. وأثر الرضاعة علي سلوك الإنسان
خوف موسي عليه السلام.. وأثر الرضاعة علي سلوك الإنسان |
دراسة بقلم: م.وليد متولي باحث بالجمعية الشرعية |
هذا البحث الذي بين أيدينا الآن كان دافعه محاولة للإجابة عن تساؤل طرحه أحد القراء متعجبا من ارتباط لفظ "الخوف" بالنبي موسي عليه السلام في أكثر من آية. وأكثر من موقف خلافا لما ذكر مع النبيين عليهم السلام في القرآن الكريم. مع كونه عليه السلام من أولي العزم من الرسل. وأنه كليم الله تعالي. وذلك مع مانعتقد في مقام النبيين الكرام فقد عصمهم الله تعالي من كل ما هو شائن نفسيا. وخلقيا وجسمانيا. وقد أجج هذا التساؤل الفضول بداخلي للتعرف علي السر في هذا الخوف. خاصة بعد استعراض قصته عليه السلام مع قومه ومع فرعون وملئه في القرآن الكريم. كما أن هناك أكثر من موقف دفع إلي تزايد هذا الفضول. مثل رد السحرة بعد إيمانهم علي فرعون عندما توعدهم بالعذاب والقتل. قال تعالي: "قال آمنتم له قبل أن آذن لكم أنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقي "71" قالوا لن نؤثرك علي ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا "72"" طه. وفي سورة الشعراء عقبوا بقولهم: قال تعالي: "قالوا لا ضير إنا إلي ربنا منقلبون "50"" الشعراء وقولهم في سورة الاعراف: قال تعالي: "وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين "126" الأعراف فلم يصدر منهم خوف علي حياتهم أو تردد في ذلك رغم أنهم لم يؤمنوا إلا من زمن يسير. كذلك موقف مؤمن آل فرعون. يقول تعالي: "وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم "28"" غافر. إلي آخر ما قال: قال تعالي: "فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد "44"" غافر. من أجل ذلك جاء هذا البحث. وهو مبني في المقام الأول علي أن ذلك الخوف ليس شيئا شائنا في نبي الله موسي عليه السلام. وإنما هو من قبيل الابتلاءات فلله ابتلاءات يبتلي بها رسله الكرام وعباده فقد قال صلي الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء. ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم "رواه أحمد والطبراني". وأيضا: "إنا معشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء رواه الطبراني ونشير هنا إلي أن هناك فرقا بين الخوف والجبن فالجبن شيء شائن في الإنسان فهو نقيض الشجاعة. ويعبر عن التخاذل والضعف الذي يؤدي إلي امتهان النفس فرجل جبان: أي هيوب للأعمال والاقدام عليها وهذا خلاف ما كان من نبي الله موسي عليه السلام في مواجهة فرعون وملئه ومكثه سنوات بعد هذه المواجهة بمصر يدعو إلي الله فيها ومثال علي ذلك قوله تعالي: "ولقد آتينا موسي تسع آيات بينات فسئل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسي مسحورا "101" قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا "102"" الإسراء و"مثبورا" أي: هالكا أرأينا هذه القوة والشجاعة لديه عليه السلام في هذا الرد؟ أما الخوف فهو الفزع لتوقع حدوث مكروه عن أمارة أي علامة مظنونة أو معلومة ومرورا بمشتقات مادة الخوف نجد أن لفظ "خائف" وصف يعبر عن الخوف ومن اتصف به علي سبيل التجدد والحدوث لهذا الخوف. أما "الخيفة" فهي اسم يعبر عن الحالة التي يكون عليها الإنسان من الخوف. كما في قوله تعالي عن نبيه إبراهيم عليه السلام عندما قدم لضيفه طعاما: قال تعالي: "فلما رأي أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلي قوم لوط "70"" هود. فمعني "أوجس": أي أضمر شيئا من الخوف في نفسه. أما "التخوف" فهو الخوف الذي يظهر علي الإنسان علي غير إرادة منه. ويراه غيره عليه. وهذا أيضا ما لم يحدث لنبي الله موسي عليه السلام. وهذا ما يجب ألا يغيب عن أذهاننا في هذه المواقف التي عبر فيها عن الخوف مع سيدنا موسي عليه السلام فلم يظهر في تصرفاته سواء مع فرعون وملئه أو مع قومه من بني إسرائيل شيء من ذلك ولكنه ظهر عند مخاطبة الله تعالي له أثناء أمره إياه بإلقاء العصا أول مرة. وعند أمره بالذهاب إلي فرعون وملئه. واضماره شيئا من الخوف أثناء إلقاء السحرة عصيهم وحبالهم وتحولها في عينيه إلي حيات وثعابين وظهر ذلك أيضا أثناء خروجه مع بني إسرائيل من مصر وذهابهم إلي ساحل البحر. فقد يكون اظهار الله تعالي لنا هذا الأمر في قرآنه كي نتدبره. وهذا ما حاولته في هذه الدراسة والتي كشفت عن قوة العلاقة بين الأم وجنينها ومن بعد برضيعها ومدي تأثيرها عليه. وقد كشف عن هذه العلاقة آيات الخطاب الأول وإلقاء العصا. وآيات ارضاعه عليه السلام. والخوف عليه وتحريم المراضع عليه. والآيات التي تذكر تذبيح فرعون وجنوده لأبناء بني إسرائيل قبل ولادة نبي الله موسي لرؤيا رآها في المنام وسنتحدث عن بعض هذه الآيات لنتعرف علي ذلك. يقول تعالي: "يا موسي إنه أنا الله العزيز الحكيم "9" وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولي مدبرا ولم يعقب يا موسي لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون "10"" النمل. بداية قبل أن نتعرض لكلمة "الخوف". نستحضر الصفات التي وصف الله بها نفسه في خطابه لنبيه موسي عليه السلام قبل أن يأمره بإلقاء العصا فقد قال سبحانه: "إنني أنا الله لا إله إلا أنا "14"" طه. قال تعالي: "إني أنا الله رب العالمين "30"" القصص. قال تعالي: "يا موسي إنه أنا الله العزيز الحكيم "9"" النمل والحكيم أي الحكيم في أمره وفعله. وهذه الصفات جاءت مصحوبة بالتوكيد. لإذهاب أي شيء قد يجول بنفس نبي الله موسي عليه السلام يتنافي مع هذه الصفات العظيمة في أي أمر يحدث له. والآن نتناول خلاصة تفاسير عدة في هذا الموقف من خلال آيتي سورة النمل "9 . و10" السابقتين: "قوله "لم يعقب": أي لم يلتفت ولم يرجع علي عقبه. إنما رعب لظنه أن ذلك الأمر أريد به. وقوله "لا تخف": أي لم يلتفت ولم يرجع علي عقب. إنما رعب. لظنه أن ذلك الأمر أريد به.. وقوله "لا تخف": أي من غيري. فينبغي أن لا تخاف من أي مخلوق كان حية أو غيرها. ثقة بي. واعتمادا عليّ. لأنك في حضرة رب العالمين. الذي بيده الملك والملكوت. فمن كان في حضرتي فهو آمن. ولا يخطر بباله خوف من شيء. وقوله "إني لا يخاف لدي المرسلون" تعليل للنهي عن الخوف في قوله "لا تخف". وهو علي ما قيل يؤيد أن الخوف كان للظن المذكور سابقا. وأن المراد من "لا تخف" النهي مطلقا. أي النهي عن منشأ الخوف. وهو ظنه أن ذلك لأمر أريد به فإن الذي ينبغي أن يخاف منه أمثالك المرسلون إنما هو سوء العاقبة. وأن الشأن لا يكون للمرسلين عندي سوء عاقبة ليخافوا منه فلماذا الخوف؟. والمراد بقوله "لدي": أي عند لقائي. في حضرة القرب مني. وذلك حين الوحي والمعني أنه لا ينبغي للمرسلين أن يخافوا ولا يخطر ببالهم الخوف. وإن وجد ما يخاف منه لفرط استغراقهم في تلقي الأوامر. أي لا يخافوا حال خطابي إياهم". |
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
موسي عليه السلام في القرآن والسنة بقلم : د. عبدالباسط أمين
نبي الله موسي عليه السلام هو موسي بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
ويلاحظ ان هناك تشابها في الاسم بين موسي ومريم عليهما السلام فهما
يشتركان في اسم الاب "عمران" ولكن هذا مجرد تشابه فقط في الاسم حيث لايوجد
اي صلة او قرابة بينهما. وذلك يجري كثيرا في الحياة فتتشابه الاسماء دون
وقوع قرابة بينها.
وقد ذكر الله تعالي قصة موسي في مواضع كثيرة متفرقة من القرآن وقصة
موسي في القرآن هي من اكثر القصص ذيوعا وانتشارا حيث قد كثرت مواقفه مع
فرعون وبني اسرائيل وتتعدد القصة بتعدد المواقف والاحداث.
وقبل ان نتعرض لقصة موسي عليه السلام يجدر بنا أولا أن نقف مع بعض
فضائل موسي ومناقبه وشمائله وصفاته كما ورد ذكرها في القرآن والسنة.
ففي القرآن قال تعالي : "واذكر في الكتاب موسي. انه كن مخلصا وكان
رسولا نبيا. وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من
رحمتنا أخاه هارون نبيا" "مريم : 51 53".
وقال تعالي : "قال ياموسي اني اصطفينك علي الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين" "الاعراف : 144".
وقال تعالي : "ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك. وكلم الله موسي تكليما" "النساء : 164"
وقال تعالي : "ياأيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين اذوا موسي فبرأه الله مما قالوا. وكان عند الله وجيها" "الاحزاب : 69"
ومما ورد في السنة عن موسي عليه السلام ماجاء في الصحيحين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قال:
"لاتفضلوني علي موسي. فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من
يفيق. فأجد موسي باطشا بقائمة العرش. فلا أدري أصعق فأفاق قبلي؟ أم جوزي
بصعقة الطور"؟!
وهذا من باب تواضعه صلي الله عليه وسلم؟ فهو خاتم الانبياء وسيد ولد
آدم في الدنيا والاخرة وروي الإمام البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم: "إن موسي كان رجلا حييا ستيرا لايري من جلده شئ
استحياء منه. فآذاه من آذاه من بني اسرائيل. فقالوا: مايستتر هذا التستر
الا من عيب بجلده. إما برص. وإما أدرة أي انتفاخ الخصية واما آفة. وإن
الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا لموسي فخلا يوما وحده. فوضع ثيابه
علي الحجر ثم اغتسل. فلما فرغ أقبل علي ثيابه ليأخذها. وإن الحجر عدا
بثوبه. فأخذ موسي عصاه وطلب الحجر فجعل يقول؟
ثوبي حجر. ثوبي حجر حتي انتهي إلي ملأ من بني اسرائيل فرأوه عريانا
احسن ماخلق الله. وبرأه الله مما يقولون. وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه.
وطفق بالحجر ضربا بعصاه. فوالله ان بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو
أربعا أو خمسا".
وقد قال بعض السلف: كان من وجاهة موسي عليه السلم عند الله تعالي انه
شفع في أخيه عند الله. وطلب منه ان يكون معه وزيرا. فأجابه الله إلي سؤاله
وأعطاه طلبه وجعله نبيا.
وقد ثبت في الصحيحين في حديث الاسراء : إن رسول الله صلي الله عليه
وسلم مر بموسي وهو قائم يصلي في قبره وفي الصحيحين عن أنس بن مالك عن
النبي صلي الله عليه وسلم انه مر ليلة أسري به بموسي في السماء السادس.
فقال له جبريل: هذا موسي. فسلم عليه. قال: "فسلمت عليه فقال: مرحبا بالنبي
الصالح والأخ الصالح. فلما تجاوزت بكي. قيل له مايبكيك؟ قال: أبكي لأن
غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي".
واتفقت الروايات كلها علي أن الله تعالي لما فرض علي الرسول صلي الله
عليه وسلم وأمته خمسين صلاة في اليوم الليلة في ليلة الاسراء والمعراج مر
صلي الله عليه وسلم بموسي بالسماء السادسة فسأله ماذا اعطاك ربك فأجابه
بأنه فرض عليه وعلي أمته خمسين صلاة في اليوم الليلة فقال له موسي: إرجع
الي ربك فسله التخفيف لامتك. فإني قد عالجت بني اسرائيل قبلك أشد
المعالجة. وان امتك اضعف اسماعا وأبصارا وأفئدة. فلم يزل يتردد بين موسي
وبين الله عز وجل. ويخفف عنه في كل مرة. حتي صارت الي خمس صلوات في اليوم
والليلة. وقال الله تعالي: هي خمس وهي خمسون. أي المضاعفة خمس في العدد
ولكنها خمسون في الأجر.
فجزي الله عنا محمدا خيرا. وجزي الله عنا موسي خيرا لتخفيفهما عن هذه
الأمة وعن أمة موسي روي البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خرج
علينا رسول الله صلي الله عليه وسلم يوما فقال: "عرضت علي الامم ورأيت
سوادا كثيرا سد الافق. فقيل هذا موسي في قومه".
وعن حجة أخرج الامام مسلم والامام أحمد من حديث داود بن أبي هند عن
ابي العالية عن ابن عباس ان رسول الله صلي الله عليه وسلم مر بوادي الازرق
فقال: اي واد هذا؟ قالوا: وادي الأزرق.
قال : وكأني انظر الي موسي وهو هابط من الثنية. وله جوار الي الله عز
وجل بالتلبية حتي اتي علي ثنية هرشاء فقال: أي ثنية هذه؟ قالوا: هذه ثنية
هرشاء. قال : كأني انظر الي يونس بن متي علي ناقة حمراء عليه جبة صوف.
خطام ناقته خلية".
وعن صفة موسي أخرج الامام أحمد عن أبي العالية عن ابن عباس قال: قال
نبي الله صلي الله عليه وسلم: رأيت ليلة اسري بي موسي عمران رجلا طوالا
جعدا. وكأنه من رجال شنوءة. ورأيت عيسي بن مريم مربوع الخلق الي الحمرة
والبياض. سيط الرأس.
وروي الامام أحمد ايضا عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم: "رأيت عيسي بن مريم وموسي وابراهيم فأما عيسي فأحمر جعد عريض الصدر.
وأما موسي فآدم حسيم سبط" قالوا: فإبراهيم؟ قال : انظروا الي صاحبكم".
وقد اثني الله عز وجل في كتابه علي موسي كثيرا. وكثيرا مايقرن الله
ذكره مع محمد صلي الله عليه وسلم وكتابه. فعلي سبيل المثال لا الحصر قال
تعالي: "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين
اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لايعلمون" "البقرة : 101".
وقال تعالي : ثم آيتنا موسي الكتاب تماما علي الذي احسن وتفصيلا لكل
شئ وهدي ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون. وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه
واتقوا لعلكم ترحمون" "الانعام 154 155" فقد اثني الله عز وجل علي
الكتابين وعلي الرسولين عليهما السلام وبالجملة فشريف موسي عليه السلام
كانت شريعة عظيمة وامته كانت أمة كثيرة. ووجد فيها أنبياء وعلماء. ولكنهم
غيروا وبدلوا وحرفوا شريعة موسي. فجعل الله عز وجل منهم القردة والخنازير
وجرت عليهم خطوب يطول ذكرها.
ويلاحظ ان هناك تشابها في الاسم بين موسي ومريم عليهما السلام فهما
يشتركان في اسم الاب "عمران" ولكن هذا مجرد تشابه فقط في الاسم حيث لايوجد
اي صلة او قرابة بينهما. وذلك يجري كثيرا في الحياة فتتشابه الاسماء دون
وقوع قرابة بينها.
وقد ذكر الله تعالي قصة موسي في مواضع كثيرة متفرقة من القرآن وقصة
موسي في القرآن هي من اكثر القصص ذيوعا وانتشارا حيث قد كثرت مواقفه مع
فرعون وبني اسرائيل وتتعدد القصة بتعدد المواقف والاحداث.
وقبل ان نتعرض لقصة موسي عليه السلام يجدر بنا أولا أن نقف مع بعض
فضائل موسي ومناقبه وشمائله وصفاته كما ورد ذكرها في القرآن والسنة.
ففي القرآن قال تعالي : "واذكر في الكتاب موسي. انه كن مخلصا وكان
رسولا نبيا. وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من
رحمتنا أخاه هارون نبيا" "مريم : 51 53".
وقال تعالي : "قال ياموسي اني اصطفينك علي الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين" "الاعراف : 144".
وقال تعالي : "ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك. وكلم الله موسي تكليما" "النساء : 164"
وقال تعالي : "ياأيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين اذوا موسي فبرأه الله مما قالوا. وكان عند الله وجيها" "الاحزاب : 69"
ومما ورد في السنة عن موسي عليه السلام ماجاء في الصحيحين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قال:
"لاتفضلوني علي موسي. فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من
يفيق. فأجد موسي باطشا بقائمة العرش. فلا أدري أصعق فأفاق قبلي؟ أم جوزي
بصعقة الطور"؟!
وهذا من باب تواضعه صلي الله عليه وسلم؟ فهو خاتم الانبياء وسيد ولد
آدم في الدنيا والاخرة وروي الإمام البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم: "إن موسي كان رجلا حييا ستيرا لايري من جلده شئ
استحياء منه. فآذاه من آذاه من بني اسرائيل. فقالوا: مايستتر هذا التستر
الا من عيب بجلده. إما برص. وإما أدرة أي انتفاخ الخصية واما آفة. وإن
الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا لموسي فخلا يوما وحده. فوضع ثيابه
علي الحجر ثم اغتسل. فلما فرغ أقبل علي ثيابه ليأخذها. وإن الحجر عدا
بثوبه. فأخذ موسي عصاه وطلب الحجر فجعل يقول؟
ثوبي حجر. ثوبي حجر حتي انتهي إلي ملأ من بني اسرائيل فرأوه عريانا
احسن ماخلق الله. وبرأه الله مما يقولون. وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه.
وطفق بالحجر ضربا بعصاه. فوالله ان بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو
أربعا أو خمسا".
وقد قال بعض السلف: كان من وجاهة موسي عليه السلم عند الله تعالي انه
شفع في أخيه عند الله. وطلب منه ان يكون معه وزيرا. فأجابه الله إلي سؤاله
وأعطاه طلبه وجعله نبيا.
وقد ثبت في الصحيحين في حديث الاسراء : إن رسول الله صلي الله عليه
وسلم مر بموسي وهو قائم يصلي في قبره وفي الصحيحين عن أنس بن مالك عن
النبي صلي الله عليه وسلم انه مر ليلة أسري به بموسي في السماء السادس.
فقال له جبريل: هذا موسي. فسلم عليه. قال: "فسلمت عليه فقال: مرحبا بالنبي
الصالح والأخ الصالح. فلما تجاوزت بكي. قيل له مايبكيك؟ قال: أبكي لأن
غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي".
واتفقت الروايات كلها علي أن الله تعالي لما فرض علي الرسول صلي الله
عليه وسلم وأمته خمسين صلاة في اليوم الليلة في ليلة الاسراء والمعراج مر
صلي الله عليه وسلم بموسي بالسماء السادسة فسأله ماذا اعطاك ربك فأجابه
بأنه فرض عليه وعلي أمته خمسين صلاة في اليوم الليلة فقال له موسي: إرجع
الي ربك فسله التخفيف لامتك. فإني قد عالجت بني اسرائيل قبلك أشد
المعالجة. وان امتك اضعف اسماعا وأبصارا وأفئدة. فلم يزل يتردد بين موسي
وبين الله عز وجل. ويخفف عنه في كل مرة. حتي صارت الي خمس صلوات في اليوم
والليلة. وقال الله تعالي: هي خمس وهي خمسون. أي المضاعفة خمس في العدد
ولكنها خمسون في الأجر.
فجزي الله عنا محمدا خيرا. وجزي الله عنا موسي خيرا لتخفيفهما عن هذه
الأمة وعن أمة موسي روي البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خرج
علينا رسول الله صلي الله عليه وسلم يوما فقال: "عرضت علي الامم ورأيت
سوادا كثيرا سد الافق. فقيل هذا موسي في قومه".
وعن حجة أخرج الامام مسلم والامام أحمد من حديث داود بن أبي هند عن
ابي العالية عن ابن عباس ان رسول الله صلي الله عليه وسلم مر بوادي الازرق
فقال: اي واد هذا؟ قالوا: وادي الأزرق.
قال : وكأني انظر الي موسي وهو هابط من الثنية. وله جوار الي الله عز
وجل بالتلبية حتي اتي علي ثنية هرشاء فقال: أي ثنية هذه؟ قالوا: هذه ثنية
هرشاء. قال : كأني انظر الي يونس بن متي علي ناقة حمراء عليه جبة صوف.
خطام ناقته خلية".
وعن صفة موسي أخرج الامام أحمد عن أبي العالية عن ابن عباس قال: قال
نبي الله صلي الله عليه وسلم: رأيت ليلة اسري بي موسي عمران رجلا طوالا
جعدا. وكأنه من رجال شنوءة. ورأيت عيسي بن مريم مربوع الخلق الي الحمرة
والبياض. سيط الرأس.
وروي الامام أحمد ايضا عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم: "رأيت عيسي بن مريم وموسي وابراهيم فأما عيسي فأحمر جعد عريض الصدر.
وأما موسي فآدم حسيم سبط" قالوا: فإبراهيم؟ قال : انظروا الي صاحبكم".
وقد اثني الله عز وجل في كتابه علي موسي كثيرا. وكثيرا مايقرن الله
ذكره مع محمد صلي الله عليه وسلم وكتابه. فعلي سبيل المثال لا الحصر قال
تعالي: "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين
اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لايعلمون" "البقرة : 101".
وقال تعالي : ثم آيتنا موسي الكتاب تماما علي الذي احسن وتفصيلا لكل
شئ وهدي ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون. وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه
واتقوا لعلكم ترحمون" "الانعام 154 155" فقد اثني الله عز وجل علي
الكتابين وعلي الرسولين عليهما السلام وبالجملة فشريف موسي عليه السلام
كانت شريعة عظيمة وامته كانت أمة كثيرة. ووجد فيها أنبياء وعلماء. ولكنهم
غيروا وبدلوا وحرفوا شريعة موسي. فجعل الله عز وجل منهم القردة والخنازير
وجرت عليهم خطوب يطول ذكرها.
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
موسي في بيت فرعون
بعد ان نجا موسي من الذبح والتقطه آل فرعون واستوهبته زوجة فرعون من فرعون
فوهبها إياه. اصبح قصر فرعون الذي يذبح اطفال بني اسرائيل خوفاً منهم علي
ملكه هو المستقر للطفل موسي بل حدث اكثر من ذلك وهو أمر تبني آسيا زوج
فرعون لموسي. فعلي اثر ذلك اصبح موسي له معاملة خاصة في قصر فرعون بعد ان
كان عدواً لدوداً لفرعون وجنوده. فسبحان مغير الاحوال. فقلوب العباد بين
اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. وهو القائل سبحانه وتعالي
"واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه إليه تحشرون" "الأنفال: 24".
ولقد تفضل الله عز وجل علي موسي بأن القي عليه محبة منه تعالي. فكان
لا يري احد موسي الا واحبه. وكانت عين الله تعالي تحرس موسي وترعاه. ولذلك
كان فرعون يداعب موسي ذات مرة وهو صغير. فجذبه موسي من لحيته. فغضب فرعون
وكاد ان يقتل موسي. فأخذته منه امرأته وضمته إلي صدرها وقالت له إنه طفل
صغير لا يعقل ولا يعرف الثمرة من الجمرة فلم يقتنع فرعون فجاء لموسي بجمرة
وثمرة. فجعل الله يد موسي تمتد إلي الجمرة حتي يصرف فرعون عن مراده. فأخذ
موسي الجمرة ووضعها علي لسانه فأصابته بلثغة فيه تسببت في عقدة بلسانه ومن
اجل هذه العقدة طلب موسي من الله عز وجل ان يبعث معه اخاه هارون إلي فرعون
لانه افصح منه لساناً.
وقد اشار الله عز وجل إلي هذه المحبة والرعاية في قوله تعالي: "وألقيت عليك محبة مني ولتصنع علي عيني" "طه: 40"
فالله عز وجل لم يترك موسي لفرعون يربيه كيف يشاء. وانما عين الله
كانت تحرسه وترعاه وتحفظه من ان يقع فيما يغضب الله تعالي. فعلي الرغم من
ان فرعون قد ادعي الالوهية وعبده الناس إلا ان موسي لم يتخذ من فرعون رباً
أوإلهاً علي الرغم من انه في بيته وهو الذي يربيه ويقوم عليه.
وإذا نظرنا إلي حال ام موسي بعد فراقها لموسي. فهي ام كأي ام ينفطر
قلبها علي فراق فلذة كبدها. فقد فرغ قلبها من كل شيء إلا حب موسي
والانشغال عليه. حتي انها من شدة القلق والانشغال عليه كادت تكشف امرها
وتسأل عن ولدها جهرة لولا ان الله ربط علي قلبها وثبتها. ومن شدة القلق
علي موسي امرت ام موسي اخت موسي الكبري ان تتبع أثره وخبره ثم تطمئنها
وهذا ما قصه علينا القرآن في قوله تعالي: "واصبح فؤاد ام موسي فارغاً. إن
كادت لتبدي به لولا ان ربطنا علي قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لأخته
قصيه. فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون" "القصص: 10 11".
وكان الله عز وجل قد وعد ام موسي برد موسي اليها والله عز وجل لا
يخلف وعده ابداً. ولكي يتم ذلك بصورة طبيعية. حرم الله عز وجل علي موسي
المراضع. فلما آراد آل فرعون ان يغذوا موسي ويرضعوه فلم يقبل ثدياً ولا
اخذ طعاماً. فحاروا في امره. فأرسلوه مع القوابل والنساء إلي السوق لعلهم
يجدون من يوافق رضاعته. وكانت اخت موسي تراقب الموقف عن بعد كما امرتها
امها. فبينما هم وقوف به والناس عكوف عليه. قالت لهم اخت موسي وهي تظهر
لهم عدم معرفته: هل أدلكم علي من يرضعه ويكفله لكم طمعاً في عطاء فرعون.
فانطلقوا معها إلي المنزل حيث توجد ام موسي. حيث اخذت موسي واضعته
فالتقم ثديها. ففرحوا فرحاً شديداً. وذهب البشير إلي آسيا زوج فرعون
يعلمها بذلك. فاستدعت أم موسي إلي منزلها وعرضت عليها ان تكون عندها
كمرضعة لموسي. فرفضت ام موسي بحجة أن لها بعلاً وأولاداً ترعاهم. ولكنها
طلبت منها ان ترسله معها فأرسلته معها ورتبت لها رواتب. فرجعت به أم موسي
تحوزه إلي رحلها وقد جمع الله شمله بشملها.
وحقق وعده لها برده اليها وهذا ما صوره القرآن في قوله تعالي: وحرمنا
عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم علي أهل بيت يكفلونه لكم وهم له
ناصحون فرددناه إلي أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن
أكثرهم لا يعلمون "القصص : 12:13" وظل موسي مع امه حتي تم فطامه. ولما
اشتد عوده عاد إلي قصر فرعون ولكنه لم ينس امه فكان يتردد عليها دائماً
وكان باراً بها علي احسن ما يكون البر بالوالدين. ولما بلغ الاربعين من
عمره انعم الله عليه بأن اتاه حكماً وعلماً وهما النبوة والرسالة. وذلك هو
الوعد الثاني والبشارة الثانية تتحقق لأم موسي. فقد وعدها الله عز وجل من
قبل برده اليها وقد حدث. ووعدها ايضاً بأن يجعله من المرسلين وها هو هذا
الوعد يتحقق ايضاً قال تعالي: "ولما بلغ اشده واستوي اتيناه حكماً وعلماً
وكذلك نجزي المحسنين "القصص: 14" ثم تمضي الايام وتتوالي الاحداث مع موسي.
ففي ذات يوم دخل موسي مدينة "منف" وكان ممنوعاً من دخولها. لأن قوم موسي
كانوا مضطهدين. وهناك بعض المدن يمنعون من دخولها. لأن بها اكثرية من
اعدائهم. وكان موسي واحداً منهم. فأراد موسي ان يدخل "منف" وقت القيلولة
او وقت الغفلة كما يسمونه. فلما دخلها وجد رجلين يتشاجران احدهما من شيعته
اي من بني اسرائيل والاخر من القبط.
فاستغاثه الاسرائيلي علي القبطي. فوكزه موسي اي ضربه بجميع يده. فمات القبطي.
وهذا ما صوره القرآن في قوله تعالي: "ودخل المدينة علي حين غفلة من
أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه. فوكزه موسي
فقضي عليه" "القصص 15".
وقد ندم موسي علي هذا الفعل وعلم إنه من عمل الشيطان. فاستغفر ربه
واناب اليه قال تعالي: "قال هذا من عمل الشيطان. انه عدو مضل مبين قال رب
إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له. إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما انعمت
علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين" "القصص 16 17" والاقرار بالذنب والخطأ
والاعتراف بالحق فضيلة.
د. عبدالباسط أمين
فوهبها إياه. اصبح قصر فرعون الذي يذبح اطفال بني اسرائيل خوفاً منهم علي
ملكه هو المستقر للطفل موسي بل حدث اكثر من ذلك وهو أمر تبني آسيا زوج
فرعون لموسي. فعلي اثر ذلك اصبح موسي له معاملة خاصة في قصر فرعون بعد ان
كان عدواً لدوداً لفرعون وجنوده. فسبحان مغير الاحوال. فقلوب العباد بين
اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. وهو القائل سبحانه وتعالي
"واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه إليه تحشرون" "الأنفال: 24".
ولقد تفضل الله عز وجل علي موسي بأن القي عليه محبة منه تعالي. فكان
لا يري احد موسي الا واحبه. وكانت عين الله تعالي تحرس موسي وترعاه. ولذلك
كان فرعون يداعب موسي ذات مرة وهو صغير. فجذبه موسي من لحيته. فغضب فرعون
وكاد ان يقتل موسي. فأخذته منه امرأته وضمته إلي صدرها وقالت له إنه طفل
صغير لا يعقل ولا يعرف الثمرة من الجمرة فلم يقتنع فرعون فجاء لموسي بجمرة
وثمرة. فجعل الله يد موسي تمتد إلي الجمرة حتي يصرف فرعون عن مراده. فأخذ
موسي الجمرة ووضعها علي لسانه فأصابته بلثغة فيه تسببت في عقدة بلسانه ومن
اجل هذه العقدة طلب موسي من الله عز وجل ان يبعث معه اخاه هارون إلي فرعون
لانه افصح منه لساناً.
وقد اشار الله عز وجل إلي هذه المحبة والرعاية في قوله تعالي: "وألقيت عليك محبة مني ولتصنع علي عيني" "طه: 40"
فالله عز وجل لم يترك موسي لفرعون يربيه كيف يشاء. وانما عين الله
كانت تحرسه وترعاه وتحفظه من ان يقع فيما يغضب الله تعالي. فعلي الرغم من
ان فرعون قد ادعي الالوهية وعبده الناس إلا ان موسي لم يتخذ من فرعون رباً
أوإلهاً علي الرغم من انه في بيته وهو الذي يربيه ويقوم عليه.
وإذا نظرنا إلي حال ام موسي بعد فراقها لموسي. فهي ام كأي ام ينفطر
قلبها علي فراق فلذة كبدها. فقد فرغ قلبها من كل شيء إلا حب موسي
والانشغال عليه. حتي انها من شدة القلق والانشغال عليه كادت تكشف امرها
وتسأل عن ولدها جهرة لولا ان الله ربط علي قلبها وثبتها. ومن شدة القلق
علي موسي امرت ام موسي اخت موسي الكبري ان تتبع أثره وخبره ثم تطمئنها
وهذا ما قصه علينا القرآن في قوله تعالي: "واصبح فؤاد ام موسي فارغاً. إن
كادت لتبدي به لولا ان ربطنا علي قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لأخته
قصيه. فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون" "القصص: 10 11".
وكان الله عز وجل قد وعد ام موسي برد موسي اليها والله عز وجل لا
يخلف وعده ابداً. ولكي يتم ذلك بصورة طبيعية. حرم الله عز وجل علي موسي
المراضع. فلما آراد آل فرعون ان يغذوا موسي ويرضعوه فلم يقبل ثدياً ولا
اخذ طعاماً. فحاروا في امره. فأرسلوه مع القوابل والنساء إلي السوق لعلهم
يجدون من يوافق رضاعته. وكانت اخت موسي تراقب الموقف عن بعد كما امرتها
امها. فبينما هم وقوف به والناس عكوف عليه. قالت لهم اخت موسي وهي تظهر
لهم عدم معرفته: هل أدلكم علي من يرضعه ويكفله لكم طمعاً في عطاء فرعون.
فانطلقوا معها إلي المنزل حيث توجد ام موسي. حيث اخذت موسي واضعته
فالتقم ثديها. ففرحوا فرحاً شديداً. وذهب البشير إلي آسيا زوج فرعون
يعلمها بذلك. فاستدعت أم موسي إلي منزلها وعرضت عليها ان تكون عندها
كمرضعة لموسي. فرفضت ام موسي بحجة أن لها بعلاً وأولاداً ترعاهم. ولكنها
طلبت منها ان ترسله معها فأرسلته معها ورتبت لها رواتب. فرجعت به أم موسي
تحوزه إلي رحلها وقد جمع الله شمله بشملها.
وحقق وعده لها برده اليها وهذا ما صوره القرآن في قوله تعالي: وحرمنا
عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم علي أهل بيت يكفلونه لكم وهم له
ناصحون فرددناه إلي أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن
أكثرهم لا يعلمون "القصص : 12:13" وظل موسي مع امه حتي تم فطامه. ولما
اشتد عوده عاد إلي قصر فرعون ولكنه لم ينس امه فكان يتردد عليها دائماً
وكان باراً بها علي احسن ما يكون البر بالوالدين. ولما بلغ الاربعين من
عمره انعم الله عليه بأن اتاه حكماً وعلماً وهما النبوة والرسالة. وذلك هو
الوعد الثاني والبشارة الثانية تتحقق لأم موسي. فقد وعدها الله عز وجل من
قبل برده اليها وقد حدث. ووعدها ايضاً بأن يجعله من المرسلين وها هو هذا
الوعد يتحقق ايضاً قال تعالي: "ولما بلغ اشده واستوي اتيناه حكماً وعلماً
وكذلك نجزي المحسنين "القصص: 14" ثم تمضي الايام وتتوالي الاحداث مع موسي.
ففي ذات يوم دخل موسي مدينة "منف" وكان ممنوعاً من دخولها. لأن قوم موسي
كانوا مضطهدين. وهناك بعض المدن يمنعون من دخولها. لأن بها اكثرية من
اعدائهم. وكان موسي واحداً منهم. فأراد موسي ان يدخل "منف" وقت القيلولة
او وقت الغفلة كما يسمونه. فلما دخلها وجد رجلين يتشاجران احدهما من شيعته
اي من بني اسرائيل والاخر من القبط.
فاستغاثه الاسرائيلي علي القبطي. فوكزه موسي اي ضربه بجميع يده. فمات القبطي.
وهذا ما صوره القرآن في قوله تعالي: "ودخل المدينة علي حين غفلة من
أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه. فوكزه موسي
فقضي عليه" "القصص 15".
وقد ندم موسي علي هذا الفعل وعلم إنه من عمل الشيطان. فاستغفر ربه
واناب اليه قال تعالي: "قال هذا من عمل الشيطان. انه عدو مضل مبين قال رب
إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له. إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما انعمت
علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين" "القصص 16 17" والاقرار بالذنب والخطأ
والاعتراف بالحق فضيلة.
د. عبدالباسط أمين
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
أمانة موسي.. وقوته
بعد قتل موسي للقبطي وندمه علي هذا الفعل؟ أصبح موسي خائفا من فرعون وجنوده فانه لا محالة سيصلهم الخبر وان موسي يناصر بني اسرائيل وذلك يترتب عليه أمر عظيم حيث ان بني اسرائيل مضطهدون من قبل فرعون وجنوده. وبينما موسي علي هذا الحال اذ به بالرجل الاسرائيلي الذي استنصره بالأمس ونصره موسي يستصرخه أي يستغيثه علي رجل آخر قبطي قد قاتله؟ فغضب منه موسي وعنفه ولامه علي كثرة شره ومخاصمته؟ ثم لما أراد موسي ان يبطش بالقبطي ليخلص الاسرائيلي منه؟ اذ بالقبطي يخبره بما فعله بأخيه القبطي الذي قتله موسي من قبل نصرة لهذا الاسرائيلي. ولام موسي علي ذلك.
وهذا ما صوره القرآن في قوله تعالي: "فأصبح في المدينة خائفا يترقب. فاذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه؟ قال له موسي انك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسي أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس. ان تريد الا ان تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين". "القصص 18 19".
وقد حدث ما كان يخشاه موسي. فقد وصل خبر القتيل الي فرعون. وبلغه ان موسي هو القاتل فأرسل في طلبه. وأخذ جنود فرعون يبحثون عنه في كل مكان في مصر. وشاع الخبر في المدينة وكان هناك من يخشي علي موسي من فرعون وجنوده. وخاصة بعد علمهم بنصرة موسي للاسرائيلي وميوله الي الاسرائيليين. فجاء أحدهم ليخبره ويحذره من ان فرعون وجنوده ومعهم الأقباط يأتمرون ويدبرون لقتله ونصحه بمغادرة مصر الي أي مكان آخر. فخرج موسي من مصر وهو لا يدري الي أين يذهب وقد تملكه الخوف مما يحاك له. فما كان منه الا اللجوء الي الله لينجيه من هؤلاء القوم الظالمين وقد كان.
قال تعالي: "وجاء رجل من أقصي المدينة يسعي قال ياموسي ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج اني لك من الناصحين. فخرج منها خائفا يترقب. قال رب نجني من القوم الظالمين". "القصص: 20 21".
فخرج موسي من مصر علي اثر ذلك وكانت هذه أول مرة يخرج فيها من مصر. فسلك طريقا يتجه الي مدين مدينة نبي الله شعيب عليه السلام. حتي وصل الي بئر المدينة وعليها جماعة من الناس يسقون من دونهم امرأتين تذودان أغنامهما ان تختلط بغنم الناس ولا يسقون حتي يسقي جميع الناس لضعفهم وكبر سن أبيهم. فسقي لهما موسي ثم تولي الي الظل يشكو حاله الي ربه قال تعالي: "ولما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل.. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان. قال ما خطبكم. قالتا لا نسقي حتي يصدر الرعاء. وأبونا شيخ كبير. فسقي لهم ثم تولي الي الظل فقال رب لما أنزلت الي من خير فقير" "القصص 22 24".
قال المفسرون في تفسير هذه الآيات: ان الرعاء كانوا اذا فرغوا من وردهم. وضعوا علي فم البئر صخرة عظيمة. فتجيء هاتان المرأتان فيشربان غنمهما في فضل أغنام الناس. فلما كان ذلك اليوم. جاء موسي فرفع تلك الصخرة وحده. ثم استقي لهما وسقي غنمهما. ثم رد الحجر كما كان. قال أمير المؤمنين عمر: وكان لا يرفعه الا عشرة. وانما استقي ذنوبا واحدا فكفاهما ثم تولي الي الظل.
قال ابن عباس: سار من مصر الي مدين لم يأكل الا البقل وورق الشجر. وكان حافيا فسقطت نعلا قدميه من الحفاء وجلس في الظل وان بطنه للاصق بظهره من الجوع. وان خضرة البقل لتري من داخل جوفه. وانه لمحتاج الي شق ثمرة.
وقال عطاء بن السائب لما قال: "رب اني لما أنزلت الي من خير فقير" أسمع المرأة. ومع رجوع المرأتين الي أبيهما أخبرتاه بما فعله موسي وقد استنكر رجوعهما اليه بسرعة علي غير العادة. فلما قصتا عليه ما حدث. أمر احداهما بأن تذهب اليه وتدعوه لمقابلة أبيها. وقد طلبت احداهما من أبيها ان يستأجره لما علمته فيه من القوة والأمانة.
قال تعالي: "فجاءته احداهما تمشي علي استحياء قالت اني أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين" "القصص: 25 26".
وقال عمر وابن عباس وشريح القاضي وقتادة ومحمد بن اسحاق وغيرهم: لما قالت لأبيها: "ياأبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الأمين". سألها أبوهما: لما قلت هذا وما علمك بهذا؟
فأجابت بأنه: رفع صخرة لا يطيق رفعها الا عشرة. وانه لما جئت معه تقدمت أمامه فقال: كوني من ورائي. فاذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق. فلما حضر موسي عند شعيب عرض عليه أن يعمل عنده ثماني حجج مقابل زواجه من احدي ابنتيه وان أتم عشرا فمن عنده هو.
واتفق موسي مع صهره شعيب علي هذا قال تعالي: "قال اني أريد ان أنكحك احدي ابنتي هاتين علي أن تأجرني ثماني حجج. فان أتممت عشرا فمن عندك؟ وما أريد أن أشق عليك. ستجدني ان شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك. أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي. والله علي ما نقول وكيل". "القصص: 27 28".
ومع هذا فلم يقضي موسي الا أكمل الأجلين وأتمهما وهو العشر سنين. وقد روي البزار وابن أبي حاتم من حديث عويد بن أبي عمران الجوني عن أبيه عن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سئل: أي الأجلين قضي موسي؟ قال: أوفاهما وأبرهما قال: وان سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغري منهما.
وبعد أن أتم موسي الأجل عشر سنين أراد فراق شعيب والمدائن. فطلب من امرأته أن تسأل أباها شعيب ان يعطيها من غنمه ما يعيشون به. فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام. ورجع به موسي الي مصر من جديد.
د. عبدالباسط أمين
وهذا ما صوره القرآن في قوله تعالي: "فأصبح في المدينة خائفا يترقب. فاذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه؟ قال له موسي انك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسي أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس. ان تريد الا ان تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين". "القصص 18 19".
وقد حدث ما كان يخشاه موسي. فقد وصل خبر القتيل الي فرعون. وبلغه ان موسي هو القاتل فأرسل في طلبه. وأخذ جنود فرعون يبحثون عنه في كل مكان في مصر. وشاع الخبر في المدينة وكان هناك من يخشي علي موسي من فرعون وجنوده. وخاصة بعد علمهم بنصرة موسي للاسرائيلي وميوله الي الاسرائيليين. فجاء أحدهم ليخبره ويحذره من ان فرعون وجنوده ومعهم الأقباط يأتمرون ويدبرون لقتله ونصحه بمغادرة مصر الي أي مكان آخر. فخرج موسي من مصر وهو لا يدري الي أين يذهب وقد تملكه الخوف مما يحاك له. فما كان منه الا اللجوء الي الله لينجيه من هؤلاء القوم الظالمين وقد كان.
قال تعالي: "وجاء رجل من أقصي المدينة يسعي قال ياموسي ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج اني لك من الناصحين. فخرج منها خائفا يترقب. قال رب نجني من القوم الظالمين". "القصص: 20 21".
فخرج موسي من مصر علي اثر ذلك وكانت هذه أول مرة يخرج فيها من مصر. فسلك طريقا يتجه الي مدين مدينة نبي الله شعيب عليه السلام. حتي وصل الي بئر المدينة وعليها جماعة من الناس يسقون من دونهم امرأتين تذودان أغنامهما ان تختلط بغنم الناس ولا يسقون حتي يسقي جميع الناس لضعفهم وكبر سن أبيهم. فسقي لهما موسي ثم تولي الي الظل يشكو حاله الي ربه قال تعالي: "ولما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل.. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان. قال ما خطبكم. قالتا لا نسقي حتي يصدر الرعاء. وأبونا شيخ كبير. فسقي لهم ثم تولي الي الظل فقال رب لما أنزلت الي من خير فقير" "القصص 22 24".
قال المفسرون في تفسير هذه الآيات: ان الرعاء كانوا اذا فرغوا من وردهم. وضعوا علي فم البئر صخرة عظيمة. فتجيء هاتان المرأتان فيشربان غنمهما في فضل أغنام الناس. فلما كان ذلك اليوم. جاء موسي فرفع تلك الصخرة وحده. ثم استقي لهما وسقي غنمهما. ثم رد الحجر كما كان. قال أمير المؤمنين عمر: وكان لا يرفعه الا عشرة. وانما استقي ذنوبا واحدا فكفاهما ثم تولي الي الظل.
قال ابن عباس: سار من مصر الي مدين لم يأكل الا البقل وورق الشجر. وكان حافيا فسقطت نعلا قدميه من الحفاء وجلس في الظل وان بطنه للاصق بظهره من الجوع. وان خضرة البقل لتري من داخل جوفه. وانه لمحتاج الي شق ثمرة.
وقال عطاء بن السائب لما قال: "رب اني لما أنزلت الي من خير فقير" أسمع المرأة. ومع رجوع المرأتين الي أبيهما أخبرتاه بما فعله موسي وقد استنكر رجوعهما اليه بسرعة علي غير العادة. فلما قصتا عليه ما حدث. أمر احداهما بأن تذهب اليه وتدعوه لمقابلة أبيها. وقد طلبت احداهما من أبيها ان يستأجره لما علمته فيه من القوة والأمانة.
قال تعالي: "فجاءته احداهما تمشي علي استحياء قالت اني أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين" "القصص: 25 26".
وقال عمر وابن عباس وشريح القاضي وقتادة ومحمد بن اسحاق وغيرهم: لما قالت لأبيها: "ياأبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الأمين". سألها أبوهما: لما قلت هذا وما علمك بهذا؟
فأجابت بأنه: رفع صخرة لا يطيق رفعها الا عشرة. وانه لما جئت معه تقدمت أمامه فقال: كوني من ورائي. فاذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق. فلما حضر موسي عند شعيب عرض عليه أن يعمل عنده ثماني حجج مقابل زواجه من احدي ابنتيه وان أتم عشرا فمن عنده هو.
واتفق موسي مع صهره شعيب علي هذا قال تعالي: "قال اني أريد ان أنكحك احدي ابنتي هاتين علي أن تأجرني ثماني حجج. فان أتممت عشرا فمن عندك؟ وما أريد أن أشق عليك. ستجدني ان شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك. أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي. والله علي ما نقول وكيل". "القصص: 27 28".
ومع هذا فلم يقضي موسي الا أكمل الأجلين وأتمهما وهو العشر سنين. وقد روي البزار وابن أبي حاتم من حديث عويد بن أبي عمران الجوني عن أبيه عن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سئل: أي الأجلين قضي موسي؟ قال: أوفاهما وأبرهما قال: وان سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغري منهما.
وبعد أن أتم موسي الأجل عشر سنين أراد فراق شعيب والمدائن. فطلب من امرأته أن تسأل أباها شعيب ان يعطيها من غنمه ما يعيشون به. فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام. ورجع به موسي الي مصر من جديد.
د. عبدالباسط أمين
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» نوح عليه السلام
» قصص الانبياء :محياوي عبد الغني
» عـُــــــــــــزًيــــــــــــر عليه السلام
» ابراهيم عليه السلام
» يونس عليه السلام
» قصص الانبياء :محياوي عبد الغني
» عـُــــــــــــزًيــــــــــــر عليه السلام
» ابراهيم عليه السلام
» يونس عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى