اجتهادات معاصرة
صفحة 1 من اصل 1
اجتهادات معاصرة
تعويض ضحايا التضخم.. جائز
د. سعدالدين هلالي
أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
استكمالاً لموضوع تعويض المتضرر من التضخم في القروض والدين نتناول جزئية
أخري وهي موضوع تغير قيمة النقود الورقية غير المغطاة بالنقود الذهبية في
ديون التضخم المعاصرة وحقيقة ذلك أن يقترض مبلغاً محدداً من النقود
الورقية المعاصرة ذات قوة شرائية معينة دون الارتباط بالنقود الذهبية ثم
ارتفعت أو انخفضت هذه القوة الشرائية - وهو المعروف بالتضخم - فهل يسري
علي هذه الصورة ما ورد في حكم تغير قيمة النقود المخلوطة "الفلوس" الصادرة
بمعيار النقود الذهبية أو ما ورد فيه؟ لقد اختلف الفقهاء المعاصرون فيمها
يجب الوفاء به هنا علي ثلاثة اتجاهات.
الاتجاه الأول: يري أنه يسري علي النقود الورقية غير المغطاة برصيد
ذهبي ما سبق من خلاف في حكم الوفاء بالدين من النقود المعدنية المخلوطة
"الفلوس" ذات الغطاء الذهبي. لأن الذهب في جميع الأحوال هو المعيار الثابت
في تقدير القوة الشرائية وسائر العملات النقدية. وهو اتجاه الأكثرين.
واختلفوا في الترجيح بين المذاهب الثلاثة المذكورة. واتجه مجمع الفقه
الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره الخامس 1409ه
1998م إلي أن العبرة بوفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس
بالقيمة. وعلل ذلك بقوله: لأن الديون تقضي بأمثالها فلا يجوز ربط الديون
الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوي الأسعار ثم أكد المجمع ذلك في
قراره الصادر في دورته الثامنة 1414ه 1993م. حيث جاء فيه: الدين الحاصل
بعملة معينة لا يجوز الاتفاق علي تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك
العملة من الذهب أو من عملة أخري. علي معني أن يلتزم المدين بأداء الدين
بالذهب أو العملة الأخري المتفق علي الأداء بها.
الاتجاه الثاني: يري أنه يجب التفريق بين الديون المترتبطة بالقوة
الشرائية للنقد وبين غيرها. أما الديون التي روعي في تحديدها قوة النقد
الشرائية وقت الوجوب ثم طرأ التضخم المالي وانخفضت تلك القوة الشرائية
فإنها تتغير بحسب نسبة التضخم الحادث. كما في دين النفقة. لأن القاعدة
التي بني عليها تقدير النفقة إنما هي تحقيق الكفاية للمنفق عليه. وأما
الديون التي لم يراع في تحديدها قوة النقد الشرائية وقت الوجوب كالقرض
وثمن المبيع فإن العبرة في الوفاء بها هو بمثلها عدداً وليس بالقيمة.
لأنها قائمة علي الإرفاق. ومن باب استقرار المعاملات عند تقلب السوق.
الاتجاه الثالث: يري وجوب توفيق الأوضاع في التضخم بما يحمي حقوق
الدائنين والمدينين معاً دون المحاذير الشرعية. وهو الاتجاه الغالب في
الندوة التاسعة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي
1415ه 1995م والندوة الثانية عشرة 1421ه 2000م.
وحجتهم: أن التضخم يعد من مساوئ النظام النقدي المعاصر مما يستوجب
علي الفقهاء البحث عن الوقاية منه والعلاج من آثاره وليس السراية في
تتابعاته. ومن هذا العلاج ما جاء في قرار الندوة الثانية عشرة بأنه: يمكن
في حالة التضخم التحوط عند التعاقد بإجراء الدين بغير العملة المتوقع
هبوطها وذلك بأن يعقد الدين بما يلي: "أ" الذهب أو الفضة. "ب" سلعة مثلية.
"ج" سلعة من السلع المثلية. "د" عملة أخري أكثر ثباتًا. "ه" سلة عملات.
ويجب أن يكون بدل الدين في الصور السابقة بمثل ما وقع به الدين. لأنه لا
يثبت في ذمة المقترض إلا ما قبضه.
والمختار عندي: هو ما ذهب إليه الأكثرون من سريان أحكام الوفاء
بالقروض والديون في حال التضخم علي أحكامها عند تغير النقود المخلوطة
"الفلوس" ذات الغطاء الذهبي. لأن معيار التقويم في جميع الأحوال إلي
الذهب. ثم إن ما ذهب إليه بعض المالكية من ضرورة التفريق بين التفاوت
اليسير والكثير في حال اختلاف سعر الفلوس عن سعر النقود الذهبية هو الأولي
بالترجيح لمنع الضرر أو الإضرار. فيغتفر في اليسير وتكون العبرة في الديون
بمبلغ الدين عدداً يوم الالتزام. ولا يغتفر في التفاوت الفاحش بحيث تكون
العبرة في الديون في هذه الحال بقيمة الدين وليس بعدده. والتضخم لا يخرج
عن هذا المعني. وصدق الله حيث يقول: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا
أن تكون تجارة عن تراض منكم" "النساء:29"
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى