لغويات قرآنية.. وتطبيقات
صفحة 1 من اصل 1
لغويات قرآنية.. وتطبيقات
اللمس "1"
الآيات التي ورد فيها "اللمس" و"المس" كثيرة في القرآن الكريم.. لكن ما يثير الانتباه أن عدد الآيات التي ورد فيها "اللمس" خمس آيات. أما "المس" فقد ورد في إحدي وستين آية. والإشارات التي يُستنبط من فعل "لمس" تختلف عن تلك المستنبطة من الفعل "مسَّ" ولذلك وجب التفريق بين اللفظين» لأن البعض يخلط بين "اللمس" و"المس" خلطاً يُذهب المعني المقصود إلي غير وجهته.
وبمشيئة الله تعالي سنوضح الفرق بين اللفظين» لأننا علي يقين أن الله تبارك وتعالي وضع كل لفظ في كتابه العزيز في الموضع الذي يؤدي فيه معناه أداءً تاماً. لا يزيد عنه ولا ينقص.
وسنفصل القول أولاً في "اللمس" من خلال الآيات التي ورد فيها "لمس".. سائلين المولي تبارك وتعالي التوفيق والسداد. وأن ينفع المسلمين بهذا العمل.. إنه نعم المولي ونعم النصير.
وسنتعرض لجوانب من معني هذا اللفظ ومشتقاته مما أخبر به كثير من أهل اللغة والمعاجم:
يقول ابن منظور في اللسان: "اللمس: الجس. وقيل: اللمس المسُّ باليد. كما يقول ابن الأعرابي: لمسته لمساً. ولامسته ملامسة. ويفرق بينهما. فيقال: اللمس قد يكون مس الشيء بالشيء. ويكون معرفة الشيء وإن لم يكن ثم مسّى لجوهر علي جوهر. والملامسة أكثر ما جاءت من اثنين. والالتماس: الطلب. والتلمس التطلب مرة بعد أخري. والحديث: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً"» أي يطلبه. فاستعار له "اللمس".
ويقول ابن فارس في مقاييس اللغة: "لمس" اللام والميم والسين أصل واحد يدل علي تطلب شيء. تقول: تلمست الشيء. إذا تطلبته بيدك. قال أبوبكر بن دريد: اللمس أصله باليد ليعرف مس الشيء. ثم كثر ذلك حتي صار كل طالب ملتمساً".
وفي المنجد: "اللمس إحدي الحواس الخمس الظاهرة. وهي قدرة مبنية في العصب تدرك بها الحرارة. والبرودة. والرطوبة. واليبوسة. ونحو ذلك عند الالتماس والاتصال به".
وقد ورد لفظ "اللمس" في آيات أثير حولها اختلاف بين اراء الفقهاء والمفسرين واللغويين في موضوع "لمس النساء" والذي ورد فيه ايتان: إحداهما في سورة النساء والأخري في سورة المائدة.
وسأذكر أولاً موضعين من الآيتين للتأمل والتدبر. ثم نستعرض ما قيل حولهما:
* آية سورة النساء: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتي تغتسلوا وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفواً غفوراً".
* وآية سورة المائدة "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلي الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون".
فمن الشيء الطيب الواضح الذي نستأنس به في تدبر هذا الموضوع من خلال الآيتين هو وجود حرف العطف أو "للتخيير» مما نستدل به علي أن ملامسة النساء متساوية في حكمها مع الحدث الأصغر"الغائط" وأيضاً وجود لفظ "جنب" وما يعبر عنه سواء كان المقصود احتلاماً أو جماعاً في جملة خاصة به.
والآن نتناول شيئاً مما قيل عن قوله تعالي "لامستم النساء" في الآيتين:
* ذهب الإمام علي. وابن عباس. والحسن رضي الله عنهم إلي المراد ب "لامستم النساء" هو: الجماع.. وهو مذهب "الحنفية".
* وذهب الفاروق وابنه وتابعهما عبدالله بن مسعود رضي الله عنهم والشعبي. إلي أن المراد بقوله "لامستم النساء" هو اللمس باليد. وهو ما دون الجماع.. وهو مذهب "الشافعية".
فقد قال أبوحنيفة: "إذا قبَّل الرجل امرأته للذة لم يُنقض وضوءه. وسنده في هذا ما رواه الدارقطني عن عائشة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه ثم ذهب إلي الصلاة ولم يتوضأ".
وقال الشافعي في كتاب الأم¢ "ذكر الله عز وجل الوضوء علي من قام إلي الصلاة. وأشبه أن يكون من قام من مضطجع النوم. وذكر طهارة الجنب. ثم قال بعد ذكر طهارة الجُنُب: "وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحدكم من الغائط أو لامستم النساء. فلم تجدوا ماء فتيمموا". فأشبه أن يكون أوجب الوضوء من الغائط وأوجبه من الملامسة. وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة. فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد والقبلة غير الجنابة. أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم. بن عبدالله عن أبيه قال: قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة. فمن قبَّل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء.
وقال أيضاً: "وبلغنا عن ابن مسعود قريب من معني قول ابن عمر: "وإذا أفضي الرجل بيده إلي امرأته أو ببعض جسده إلي بعض جسدها لا حائل بينه وبينها بشهوة أو بغير شهوة وجب عليه الوضوء. ووجب عليها. وكذلك إن لمسته هي وجب عليه وعليها الوضوء. وسواء في ذلك كله أي بدنيهما أفضي إلي الاخر. إذا أفضي إلي بشرتها. أو أفضت إلي بشرته بشيء من بشرتها. فإن أفضي بيده إلي شعرها ولم يماس لها بشراً فلا وضوء عليه. كان ذلك لشهوة أو لغير شهوة.. والشعر مخالف للبشرة".
وقال: "ولو احتاط فتوضأ إذا لمس شعرها كان أحب إليَّ. ولو مسَّ بيده ما شاء فوق بدنها من ثوب رقيق خام أو بت أو غيره أو صفيق سميك متلذذاً أو غير متلذذ. وفعلت هي ذلك لم يجب علي واحد منهما وضوء» لأن كليهما لم يلمس صاحبه. إنما لمس ثوب صاحبه".
ونلاحظ في الأقوال السابقة عدم التفريق الدقيق بين اللمس والمس» مما جعل علماءنا الكرام يتبادلونهما في أقوالهم.
وفي العدد القادم بمشيئة الله نستكمل آراء العلماء في الفرق بين اللمس والتلامس
وبمشيئة الله تعالي سنوضح الفرق بين اللفظين» لأننا علي يقين أن الله تبارك وتعالي وضع كل لفظ في كتابه العزيز في الموضع الذي يؤدي فيه معناه أداءً تاماً. لا يزيد عنه ولا ينقص.
وسنفصل القول أولاً في "اللمس" من خلال الآيات التي ورد فيها "لمس".. سائلين المولي تبارك وتعالي التوفيق والسداد. وأن ينفع المسلمين بهذا العمل.. إنه نعم المولي ونعم النصير.
وسنتعرض لجوانب من معني هذا اللفظ ومشتقاته مما أخبر به كثير من أهل اللغة والمعاجم:
يقول ابن منظور في اللسان: "اللمس: الجس. وقيل: اللمس المسُّ باليد. كما يقول ابن الأعرابي: لمسته لمساً. ولامسته ملامسة. ويفرق بينهما. فيقال: اللمس قد يكون مس الشيء بالشيء. ويكون معرفة الشيء وإن لم يكن ثم مسّى لجوهر علي جوهر. والملامسة أكثر ما جاءت من اثنين. والالتماس: الطلب. والتلمس التطلب مرة بعد أخري. والحديث: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً"» أي يطلبه. فاستعار له "اللمس".
ويقول ابن فارس في مقاييس اللغة: "لمس" اللام والميم والسين أصل واحد يدل علي تطلب شيء. تقول: تلمست الشيء. إذا تطلبته بيدك. قال أبوبكر بن دريد: اللمس أصله باليد ليعرف مس الشيء. ثم كثر ذلك حتي صار كل طالب ملتمساً".
وفي المنجد: "اللمس إحدي الحواس الخمس الظاهرة. وهي قدرة مبنية في العصب تدرك بها الحرارة. والبرودة. والرطوبة. واليبوسة. ونحو ذلك عند الالتماس والاتصال به".
وقد ورد لفظ "اللمس" في آيات أثير حولها اختلاف بين اراء الفقهاء والمفسرين واللغويين في موضوع "لمس النساء" والذي ورد فيه ايتان: إحداهما في سورة النساء والأخري في سورة المائدة.
وسأذكر أولاً موضعين من الآيتين للتأمل والتدبر. ثم نستعرض ما قيل حولهما:
* آية سورة النساء: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتي تغتسلوا وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفواً غفوراً".
* وآية سورة المائدة "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلي الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون".
فمن الشيء الطيب الواضح الذي نستأنس به في تدبر هذا الموضوع من خلال الآيتين هو وجود حرف العطف أو "للتخيير» مما نستدل به علي أن ملامسة النساء متساوية في حكمها مع الحدث الأصغر"الغائط" وأيضاً وجود لفظ "جنب" وما يعبر عنه سواء كان المقصود احتلاماً أو جماعاً في جملة خاصة به.
والآن نتناول شيئاً مما قيل عن قوله تعالي "لامستم النساء" في الآيتين:
* ذهب الإمام علي. وابن عباس. والحسن رضي الله عنهم إلي المراد ب "لامستم النساء" هو: الجماع.. وهو مذهب "الحنفية".
* وذهب الفاروق وابنه وتابعهما عبدالله بن مسعود رضي الله عنهم والشعبي. إلي أن المراد بقوله "لامستم النساء" هو اللمس باليد. وهو ما دون الجماع.. وهو مذهب "الشافعية".
فقد قال أبوحنيفة: "إذا قبَّل الرجل امرأته للذة لم يُنقض وضوءه. وسنده في هذا ما رواه الدارقطني عن عائشة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه ثم ذهب إلي الصلاة ولم يتوضأ".
وقال الشافعي في كتاب الأم¢ "ذكر الله عز وجل الوضوء علي من قام إلي الصلاة. وأشبه أن يكون من قام من مضطجع النوم. وذكر طهارة الجنب. ثم قال بعد ذكر طهارة الجُنُب: "وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحدكم من الغائط أو لامستم النساء. فلم تجدوا ماء فتيمموا". فأشبه أن يكون أوجب الوضوء من الغائط وأوجبه من الملامسة. وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة. فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد والقبلة غير الجنابة. أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم. بن عبدالله عن أبيه قال: قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة. فمن قبَّل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء.
وقال أيضاً: "وبلغنا عن ابن مسعود قريب من معني قول ابن عمر: "وإذا أفضي الرجل بيده إلي امرأته أو ببعض جسده إلي بعض جسدها لا حائل بينه وبينها بشهوة أو بغير شهوة وجب عليه الوضوء. ووجب عليها. وكذلك إن لمسته هي وجب عليه وعليها الوضوء. وسواء في ذلك كله أي بدنيهما أفضي إلي الاخر. إذا أفضي إلي بشرتها. أو أفضت إلي بشرته بشيء من بشرتها. فإن أفضي بيده إلي شعرها ولم يماس لها بشراً فلا وضوء عليه. كان ذلك لشهوة أو لغير شهوة.. والشعر مخالف للبشرة".
وقال: "ولو احتاط فتوضأ إذا لمس شعرها كان أحب إليَّ. ولو مسَّ بيده ما شاء فوق بدنها من ثوب رقيق خام أو بت أو غيره أو صفيق سميك متلذذاً أو غير متلذذ. وفعلت هي ذلك لم يجب علي واحد منهما وضوء» لأن كليهما لم يلمس صاحبه. إنما لمس ثوب صاحبه".
ونلاحظ في الأقوال السابقة عدم التفريق الدقيق بين اللمس والمس» مما جعل علماءنا الكرام يتبادلونهما في أقوالهم.
وفي العدد القادم بمشيئة الله نستكمل آراء العلماء في الفرق بين اللمس والتلامس
بقلم: وليد متولي
باحث في الجمعية الشرعية
باحث في الجمعية الشرعية
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: لغويات قرآنية.. وتطبيقات
اللمس [2]
ونستكمل اليوم آراء العلماء حول اللمس يقول المروزي: "قول الشافعي أشبه بظاهر الاية» لأن الله عز وجل قال: "أو لامستم النساء". ولم يقل بشهوة أو بغير شهوة. وكذلك الذين أوجبوا الوضوء من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم لم يشترطوا الشهوة. وكذلك عامة التابعين".
وقد توسط في الحكم بين القولين السابقين. قول الإمام مالك والإمام أحمد وإسحق. وهو مقتضي الآية: الملامس بالجماع يتيمم. والملامس باليد يتيمم إذا إلتذَّ. فإذا لمسها بغير شهوة فلا وضوء.
وقال أبوالقاضي أبوالوليد الباجي في "المنتقي": والذي تحقق من مذهب مالك وأصحابه أن الوضوء إنما يجب لقصد اللذة دون وجودها. فمن قصد اللذة بلمسه فقد وجب عليه الوضوء إلتذَّ أو لم يلتذ".
ويلاحظ هنا أيضاً وجود أسلوبين للتعبير عن اللمس لدي بعض الفقهاء وهما: الملامس بالجماع.. والملامس باليد.
ويقول الرازي في تفسيره: قوله تعالي: "أو لمستم النساء" بغير ألف بعد لام "لمستم" قراءة حمزة والكسائي. واللمس حقيقة المس باليد. فأما تخصيصه بالجماع فهذا مجاز. والأصل حمل الكلام علي حقيقته. وأما القراءة الثانية قراءة نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وهي قوله تعالي: "أو لامستم النساء". فهو مفاعلة من اللمس. وذلك ليس حقيقة في الجماع أيضاً. بل يجب حمله علي حقيقته أيضاً. واعلم أن كل ما ذكروه عدول عن ظاهر اللفظ بغير دليل. فوجب ألا يجوز. وأيضاً فحكم الجنابة تقدم في قوله "ولا جنباً". فلو حملنا الاية علي الجنابة لزم التكرار..".
وكذلك قال ابن عربي: "فقد استشهد بقول عبدالله بن مسعود بأن الملامسة ما دون الجماع. وأن الوضوء يجب بذلك. وإلي هذا ذهب أكثر الفقهاء.
ويقول معقباً: "وهو الظاهر من معني الاية» فإن قوله تعالي في أولها "ولا جنباً" أفاد الجماع. وأن قوله: "أو لامستم" أفاد اللمس أو التقبيل.. فصارت ثلاث جمل لثلاثة أحكام. وهذه غاية في العلم والإعلام. ولو كان المراد باللمس الجماع كان تكراراً في الكلام".
والآن نذهب سوياً إلي تدبر الآيات التي ورد فيها لفظ "لمس" بصيغة الفعل لنري كيف أعطي القرآن لهذا اللفظ معناه الذي لا خلاف فيه خلال مواضعه في القرآن الكريم.
يقول ربنا تبارك اسمه: "أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً" "النساء: 43" و"المائدة:6".
ويقول تعالي: "ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحرى مبين" "الأنعام: 7".
وقوله تعالي: "يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" "الحديد: 13".
ويقول تعالي: "وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً" "الجن:8".
وفي محاولة لدراسة كلمة "لمس" الواردة في صيغة الفعل في هذه الآيات كان الآتي في صورة استنتاجات بنيت علي استرشاد بأنوار الايات. وعلي خلاصة ما قاله الصحابة والتابعون والمفسرون واللغويون في معني اللمس:
* قد علممنا أن "ل.م.س" أصل واحد يدل علي تطلب الشيء. ومنه التمس الشيء من فلان أي طلبه. وأن اللمس إحدي الحواس الظاهرة. وهو قوة مبنية في العصب تدرك بها الحرارة والبرودة أو الرطوبة واليبوسة. أو نحو ذلك عند الالتماس.
* ويلاحظ أن الظاهر من الآيات أن الطرفين أو الشيئين الحادث بينهما الفعل وهما اللامس والملموس لهما تكوين مادي وإن "لطف. أولهما ظهور مادي» ولذلك لم يأت هذا اللفظ منسوباً إلي الله تعالي بدلاً من "المس" في قوله: "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب" "ق:38".
* ونلاحظ من تدبر الايات كذلك أن العائد من هذا التلامس يكون معنوياً.
ويتضح ذلك من لمس الجن للسماء» فالجن وإن كانوا يظهرون ويختفون. ولهم القدرة علي التشكل إلا أنهم ماديون» لأنهم خلقوا من نار. وكذلك السماء لها مادة وبناء ظاهر وإن خفي عن أعين البشر. وإلا فكيف اهتدي الجن إلي رؤيتها؟ أما العائد من لمس الجن للسماء فهو معنوي متمثل في الحصول علي معلومات أو أخبار.
وكذلك لمس القرطاس. فاللامس "بشر" والملموس "القرطاس" ورق أو أي مادة يكتب عليها. وكلاهما مادي أو له ظهور مادي. أما العائد من ذلك فمعنوي. نجده في التأكد من كون هذا الكتاب في قرطاس منزلاً من قبل الله تعالي. وليس بوهم أو خيال. أي الحصول علي معلومة يقينية.
أما الالتماس في قوله تعالي: "فالتمسوا نوراً". فهو صورة تدل علي ندرة الملموس المتمم لحدوث الفعل. والذي لولاه ما تم الفعل رأي لحصول علي العائد المرجو» مما يبين أن العائد أندر ما يمكن الحصول عليه إلي الحد الذي يصل معه للاستحالة.. وهذا هو اليأس بعينه من الحصول علي العائد» فالنور يُطلب لما يعود منه علي الطالب من هُدي أو أمن.. مما يؤمل فيه. والنور "الملموس" بالطبع له ظهور مادي. فهو صورة من صور الطاقة. والطاقة تؤول إلي المادة. وذلك بالنسبة للنور المخلوق.
وكذلك لمس النساء أو ملامستهن. فاللامس والملموس سواء كان رجلاً أو امرأة فكل منهما بشر له ظهور واضح وتركيب مادي. ولكن العائد من هذا "اللمس يكون معنوياً متمثلاً في اللذة أو المتعة المعنوية.
فلمس النساء للذة هو دون الجماع. والذي يكون بحاسة الجلد» ذلك لاتساع مجالها عن السمع والبصر في هذه اللذة. وهو في المألوف أسرع» فإن حرك السمع أو البصر ساكن الشهوة وحدثت اللذة وأثيرت النفس فقد لمسا.
ومن ذلك ما أورده النسائي في المجتبي عن المذي. فعن المقداد بين الأسود أن علياً أمره أن يسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته. وأنا أستحيي أن أسأله. فسألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة".
وفي رواية أخري. عن عليّ رضي الله عنه قال: قلت للمقداد: إذا بني الرجل بأهله فأمذي ولم يجامع. فسل النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك» فإني أستحيي أن أسأله عن ذلك وابنته تحتي. فسأله فقال: "يغسل مذاكيره ويتوضأ وضوءه للصلاة".
ويقول ابن حجر في فتح الباري: المذي هو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته. وقد لا يحس بخروجه.
وبذلك يكون الحديث بروايتيه قد أوضح أن الدنو من الزوجة أو البناء بها دون الجماع وحدوث اللذة لا يخرج عن اشتراك السمع والبصر والجلد في ذلك.
وقد حذرنا المولي تبارك وتعالي من آثار البصر والسمع وما يترتب عليهما عند نظر المؤمن لما لا يحل له في قوله: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن" "النور: 3130".
وقوله تعالي محذراً من اثار السمع: "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً" "الأحزاب: 32".
وبذلك فإنه من خلال الجلد أو البصر أو السمع إذا تغيرت هيئة النفس وأثيرت إلي الدرجة التي لا يصح بها الدخول في الصلاة والوقوف بين يدي رب العالمين. فقد حدث اللمس. ووجب الوضوء» وذلك لإصلاح هيئة النفس والعودة بها إلي ما يليق بهذا المقام العظيم. وهو ما أكدته السيدة عائشة رضي الله عنها في قولها: "وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يملك إربه؟". رواه مسلم في كتاب الحيض. وهذا خاص بالعائد من فعل "لمس" مع النساء. فإذا وجد وجب الوضوء. وإذا لم يوجد فلا إعادة للوضوء.
ولإزالة الخلط الحادث في معني "اللمس" و"المس" نتأمل قوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً" "الأحزاب:49".
فعدم وجود العدة مرتبط بعدم وجود المس» فالعدة لاستبراء الرحم من وجود الحمل الذي لا يكون إلا بالمس. فلفظ "اللمس" لم يأت هنا. وكذلك في كل المواضع الخاصة بالزواج والإتيان بالولد أو ما يترتب علي هذه الخصوصية بالزواج.
فقد قال تعالي علي لسان مريم عليها السلام "قالت رب أنَّي يكون لي ولد ولم يمسسني بشر" "آل عمران: 47".
وكذلك قوله في حكم الظهار: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا" "المجادلة: 3".
وقوله: "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا" "المجادلة: 4".
وهذا إن دل فإنما يدل علي أن "اللمس" غير "المس". وإلا لأتي بدلاً منه كما قيل سابقاً. ويدل أيضاً علي أن اللمس لا يُعني بذكره حدوث الجماع الذي ينتج عنه الولد ولو من باب المجاز.
ونخلص مما سبق أن لفظ "لمس" له معني خاص وشروط محددة يقوم من خلالها بوظيفته.
فيمكننا أن نقول إن "اللمس" هو التقاء طرفين أو تقاربهما بقصد حصول أحدهما أو كليهما علي عائد معنوي دون أن يحدث فقد أو تبادل في المكونات الأساسية لكل منهما.
والعائد من اللمس يكون مقصوداً الحصول عليه. ويحدث عند الالتقاء بين طرفين لهما ظهور مادي مهما لطف أحدهما أو كلاهما. وذلك لوجود شيء في الملموس يثير ساكناً في اللامس ويعمل علي تنبيه ما فيه.
بناء علي ما ذكر من معني "اللمس" نري تقارب وجهات أصحاب المذاهب في ذلك الأمر "ملامسة النساء".
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: "أن لمس النساء لشهوة ينقض الوضوء. ولا ينقضه لغير شهوة. وهذا قول علقمة وأبي عبيدة والنخعي والحكم وحماد ومالك والثوري وإسحق والشعبي. فإنهم قالوا: يجب الوضوء علي من قبل لشهوة. ولا يجب علي من قبَّل لرحمة". "المغني لابن قدامي".
وإلي ذلك ذهب المالكية» وذلك لاعتبار وجود العائد الشهوة أو اللذة من قصد لمس النساء. والذي لا يتم الحصول عليه إلا بهن سواء كن أزواجاً أو ما يحل للرجل من غيرهن من النساء. فإن وجدت اللذة وجب الوضوء. وإن لم توجد فلا وضوء» مثلما يكون بين الزوج وزوجه. والأب وابنته للرحمة والود من لمس باليد أو تقبيل» لأن العائد من الفعل تغير عما هو مقصود من خصوصية لمس النساء والذي يكون للتلذذ مما تتغير معه هيئة اللامس من اتزان النفس والإثارة للشهوة.
وهذا ما قال به الإمام الشافعي علي حسب مقتضي ظاهر الآية واكتمال شروط فعل لمس وعائده الخاص مع النساء. فإن حدث الفعل وعائده من الشهوة وجب الوضوء.
أما ما ذهب إليه الإمام أبوحنيفة من عدم الوضوء عند حدوث اللمس. فمما وجده في أحاديث السيدة عائشة رضي الله عنها وذلك يؤخذ علي أن اللمس لم يقصد منه الشهوة أو اللذة. بل قُصد عائد آخر غير ذلك مما اتضح من هذه الأحاديث.
وبهذا يتضح لنا عدم وجود خلاف في حقيقة الأمر بين المذاهب في هذه الجزئية وإنما يتبين لنا الوجه الذي ذهب إليه كل إمام وأخذ منه حكمه.
ويتضح لنا أيضاً أهمية دراسة اللفظ دراسة كافية من خلال المواقع التي وقع فيها وعلاقتها به وعلاقته بها. ومدي تدعيم سياق العبارة وكلماتها في إيضاح جوانب اللفظ المقصودة.
وأما لفظ "المس" فله معان أخري مرتبطة بأمور كثيرة في حياتنا. ومن ضمنها ما جاء في قوله تعالي: "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون" "الواقعة: 7977" وبمشيئة الله تعالي سيكون هذا مجال البحث القادم.
وقد توسط في الحكم بين القولين السابقين. قول الإمام مالك والإمام أحمد وإسحق. وهو مقتضي الآية: الملامس بالجماع يتيمم. والملامس باليد يتيمم إذا إلتذَّ. فإذا لمسها بغير شهوة فلا وضوء.
وقال أبوالقاضي أبوالوليد الباجي في "المنتقي": والذي تحقق من مذهب مالك وأصحابه أن الوضوء إنما يجب لقصد اللذة دون وجودها. فمن قصد اللذة بلمسه فقد وجب عليه الوضوء إلتذَّ أو لم يلتذ".
ويلاحظ هنا أيضاً وجود أسلوبين للتعبير عن اللمس لدي بعض الفقهاء وهما: الملامس بالجماع.. والملامس باليد.
ويقول الرازي في تفسيره: قوله تعالي: "أو لمستم النساء" بغير ألف بعد لام "لمستم" قراءة حمزة والكسائي. واللمس حقيقة المس باليد. فأما تخصيصه بالجماع فهذا مجاز. والأصل حمل الكلام علي حقيقته. وأما القراءة الثانية قراءة نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وهي قوله تعالي: "أو لامستم النساء". فهو مفاعلة من اللمس. وذلك ليس حقيقة في الجماع أيضاً. بل يجب حمله علي حقيقته أيضاً. واعلم أن كل ما ذكروه عدول عن ظاهر اللفظ بغير دليل. فوجب ألا يجوز. وأيضاً فحكم الجنابة تقدم في قوله "ولا جنباً". فلو حملنا الاية علي الجنابة لزم التكرار..".
وكذلك قال ابن عربي: "فقد استشهد بقول عبدالله بن مسعود بأن الملامسة ما دون الجماع. وأن الوضوء يجب بذلك. وإلي هذا ذهب أكثر الفقهاء.
ويقول معقباً: "وهو الظاهر من معني الاية» فإن قوله تعالي في أولها "ولا جنباً" أفاد الجماع. وأن قوله: "أو لامستم" أفاد اللمس أو التقبيل.. فصارت ثلاث جمل لثلاثة أحكام. وهذه غاية في العلم والإعلام. ولو كان المراد باللمس الجماع كان تكراراً في الكلام".
والآن نذهب سوياً إلي تدبر الآيات التي ورد فيها لفظ "لمس" بصيغة الفعل لنري كيف أعطي القرآن لهذا اللفظ معناه الذي لا خلاف فيه خلال مواضعه في القرآن الكريم.
يقول ربنا تبارك اسمه: "أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً" "النساء: 43" و"المائدة:6".
ويقول تعالي: "ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحرى مبين" "الأنعام: 7".
وقوله تعالي: "يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" "الحديد: 13".
ويقول تعالي: "وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً" "الجن:8".
وفي محاولة لدراسة كلمة "لمس" الواردة في صيغة الفعل في هذه الآيات كان الآتي في صورة استنتاجات بنيت علي استرشاد بأنوار الايات. وعلي خلاصة ما قاله الصحابة والتابعون والمفسرون واللغويون في معني اللمس:
* قد علممنا أن "ل.م.س" أصل واحد يدل علي تطلب الشيء. ومنه التمس الشيء من فلان أي طلبه. وأن اللمس إحدي الحواس الظاهرة. وهو قوة مبنية في العصب تدرك بها الحرارة والبرودة أو الرطوبة واليبوسة. أو نحو ذلك عند الالتماس.
* ويلاحظ أن الظاهر من الآيات أن الطرفين أو الشيئين الحادث بينهما الفعل وهما اللامس والملموس لهما تكوين مادي وإن "لطف. أولهما ظهور مادي» ولذلك لم يأت هذا اللفظ منسوباً إلي الله تعالي بدلاً من "المس" في قوله: "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب" "ق:38".
* ونلاحظ من تدبر الايات كذلك أن العائد من هذا التلامس يكون معنوياً.
ويتضح ذلك من لمس الجن للسماء» فالجن وإن كانوا يظهرون ويختفون. ولهم القدرة علي التشكل إلا أنهم ماديون» لأنهم خلقوا من نار. وكذلك السماء لها مادة وبناء ظاهر وإن خفي عن أعين البشر. وإلا فكيف اهتدي الجن إلي رؤيتها؟ أما العائد من لمس الجن للسماء فهو معنوي متمثل في الحصول علي معلومات أو أخبار.
وكذلك لمس القرطاس. فاللامس "بشر" والملموس "القرطاس" ورق أو أي مادة يكتب عليها. وكلاهما مادي أو له ظهور مادي. أما العائد من ذلك فمعنوي. نجده في التأكد من كون هذا الكتاب في قرطاس منزلاً من قبل الله تعالي. وليس بوهم أو خيال. أي الحصول علي معلومة يقينية.
أما الالتماس في قوله تعالي: "فالتمسوا نوراً". فهو صورة تدل علي ندرة الملموس المتمم لحدوث الفعل. والذي لولاه ما تم الفعل رأي لحصول علي العائد المرجو» مما يبين أن العائد أندر ما يمكن الحصول عليه إلي الحد الذي يصل معه للاستحالة.. وهذا هو اليأس بعينه من الحصول علي العائد» فالنور يُطلب لما يعود منه علي الطالب من هُدي أو أمن.. مما يؤمل فيه. والنور "الملموس" بالطبع له ظهور مادي. فهو صورة من صور الطاقة. والطاقة تؤول إلي المادة. وذلك بالنسبة للنور المخلوق.
وكذلك لمس النساء أو ملامستهن. فاللامس والملموس سواء كان رجلاً أو امرأة فكل منهما بشر له ظهور واضح وتركيب مادي. ولكن العائد من هذا "اللمس يكون معنوياً متمثلاً في اللذة أو المتعة المعنوية.
فلمس النساء للذة هو دون الجماع. والذي يكون بحاسة الجلد» ذلك لاتساع مجالها عن السمع والبصر في هذه اللذة. وهو في المألوف أسرع» فإن حرك السمع أو البصر ساكن الشهوة وحدثت اللذة وأثيرت النفس فقد لمسا.
ومن ذلك ما أورده النسائي في المجتبي عن المذي. فعن المقداد بين الأسود أن علياً أمره أن يسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته. وأنا أستحيي أن أسأله. فسألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة".
وفي رواية أخري. عن عليّ رضي الله عنه قال: قلت للمقداد: إذا بني الرجل بأهله فأمذي ولم يجامع. فسل النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك» فإني أستحيي أن أسأله عن ذلك وابنته تحتي. فسأله فقال: "يغسل مذاكيره ويتوضأ وضوءه للصلاة".
ويقول ابن حجر في فتح الباري: المذي هو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته. وقد لا يحس بخروجه.
وبذلك يكون الحديث بروايتيه قد أوضح أن الدنو من الزوجة أو البناء بها دون الجماع وحدوث اللذة لا يخرج عن اشتراك السمع والبصر والجلد في ذلك.
وقد حذرنا المولي تبارك وتعالي من آثار البصر والسمع وما يترتب عليهما عند نظر المؤمن لما لا يحل له في قوله: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن" "النور: 3130".
وقوله تعالي محذراً من اثار السمع: "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً" "الأحزاب: 32".
وبذلك فإنه من خلال الجلد أو البصر أو السمع إذا تغيرت هيئة النفس وأثيرت إلي الدرجة التي لا يصح بها الدخول في الصلاة والوقوف بين يدي رب العالمين. فقد حدث اللمس. ووجب الوضوء» وذلك لإصلاح هيئة النفس والعودة بها إلي ما يليق بهذا المقام العظيم. وهو ما أكدته السيدة عائشة رضي الله عنها في قولها: "وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يملك إربه؟". رواه مسلم في كتاب الحيض. وهذا خاص بالعائد من فعل "لمس" مع النساء. فإذا وجد وجب الوضوء. وإذا لم يوجد فلا إعادة للوضوء.
ولإزالة الخلط الحادث في معني "اللمس" و"المس" نتأمل قوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً" "الأحزاب:49".
فعدم وجود العدة مرتبط بعدم وجود المس» فالعدة لاستبراء الرحم من وجود الحمل الذي لا يكون إلا بالمس. فلفظ "اللمس" لم يأت هنا. وكذلك في كل المواضع الخاصة بالزواج والإتيان بالولد أو ما يترتب علي هذه الخصوصية بالزواج.
فقد قال تعالي علي لسان مريم عليها السلام "قالت رب أنَّي يكون لي ولد ولم يمسسني بشر" "آل عمران: 47".
وكذلك قوله في حكم الظهار: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا" "المجادلة: 3".
وقوله: "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا" "المجادلة: 4".
وهذا إن دل فإنما يدل علي أن "اللمس" غير "المس". وإلا لأتي بدلاً منه كما قيل سابقاً. ويدل أيضاً علي أن اللمس لا يُعني بذكره حدوث الجماع الذي ينتج عنه الولد ولو من باب المجاز.
ونخلص مما سبق أن لفظ "لمس" له معني خاص وشروط محددة يقوم من خلالها بوظيفته.
فيمكننا أن نقول إن "اللمس" هو التقاء طرفين أو تقاربهما بقصد حصول أحدهما أو كليهما علي عائد معنوي دون أن يحدث فقد أو تبادل في المكونات الأساسية لكل منهما.
والعائد من اللمس يكون مقصوداً الحصول عليه. ويحدث عند الالتقاء بين طرفين لهما ظهور مادي مهما لطف أحدهما أو كلاهما. وذلك لوجود شيء في الملموس يثير ساكناً في اللامس ويعمل علي تنبيه ما فيه.
بناء علي ما ذكر من معني "اللمس" نري تقارب وجهات أصحاب المذاهب في ذلك الأمر "ملامسة النساء".
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: "أن لمس النساء لشهوة ينقض الوضوء. ولا ينقضه لغير شهوة. وهذا قول علقمة وأبي عبيدة والنخعي والحكم وحماد ومالك والثوري وإسحق والشعبي. فإنهم قالوا: يجب الوضوء علي من قبل لشهوة. ولا يجب علي من قبَّل لرحمة". "المغني لابن قدامي".
وإلي ذلك ذهب المالكية» وذلك لاعتبار وجود العائد الشهوة أو اللذة من قصد لمس النساء. والذي لا يتم الحصول عليه إلا بهن سواء كن أزواجاً أو ما يحل للرجل من غيرهن من النساء. فإن وجدت اللذة وجب الوضوء. وإن لم توجد فلا وضوء» مثلما يكون بين الزوج وزوجه. والأب وابنته للرحمة والود من لمس باليد أو تقبيل» لأن العائد من الفعل تغير عما هو مقصود من خصوصية لمس النساء والذي يكون للتلذذ مما تتغير معه هيئة اللامس من اتزان النفس والإثارة للشهوة.
وهذا ما قال به الإمام الشافعي علي حسب مقتضي ظاهر الآية واكتمال شروط فعل لمس وعائده الخاص مع النساء. فإن حدث الفعل وعائده من الشهوة وجب الوضوء.
أما ما ذهب إليه الإمام أبوحنيفة من عدم الوضوء عند حدوث اللمس. فمما وجده في أحاديث السيدة عائشة رضي الله عنها وذلك يؤخذ علي أن اللمس لم يقصد منه الشهوة أو اللذة. بل قُصد عائد آخر غير ذلك مما اتضح من هذه الأحاديث.
وبهذا يتضح لنا عدم وجود خلاف في حقيقة الأمر بين المذاهب في هذه الجزئية وإنما يتبين لنا الوجه الذي ذهب إليه كل إمام وأخذ منه حكمه.
ويتضح لنا أيضاً أهمية دراسة اللفظ دراسة كافية من خلال المواقع التي وقع فيها وعلاقتها به وعلاقته بها. ومدي تدعيم سياق العبارة وكلماتها في إيضاح جوانب اللفظ المقصودة.
وأما لفظ "المس" فله معان أخري مرتبطة بأمور كثيرة في حياتنا. ومن ضمنها ما جاء في قوله تعالي: "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون" "الواقعة: 7977" وبمشيئة الله تعالي سيكون هذا مجال البحث القادم.
بقلم: وليد متولي
باحث في الجمعية الشرعية
باحث في الجمعية الشرعية
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مس القرآن الكريم
إن مس المصحف كما نعلم يجب أن يكون علي
طهارة فلا يمس المصحف غير المتوضيء إلا في الحالات الخاصة التي اجازها
الفقهاء والذي يتبادر إلي أذهاننا من المقصود بمس المصحف هو مسكه باليد
وتناوله للقراءة فيه أو حمله ولنا أن نتساءل هل معني قوله تعالي: "لا يمسه
إلا المطهرون" وقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر"
يتوقف عن هذا الحد من مسك المصحف علي طهارة ووضوء وتناوله باليد أم ان
الأمر له ابعاد فوق ذلك؟.. إذا لكي تحصل علي اجابة لهذا التساؤل يجب ان
نحصر معلوماتنا عن هذا اللفظ وهو "المس" من خلال اللغة والتعرف علي
المواقع المختلفة للفظ من خلال الآيات الوارد فيها في القرآن الكريم ورؤية
ما يضيفه سياق الآيات لهذا اللفظ من معان.
المس في اللغة هو: مسك الشيء بيدك وهو الجمع بين الشيئين علي نهاية
القرب والممسوس من الماء ما نالته الأيدي وعند استعراضنا للكلمات التي
ارتبط ذكرها بالمس في آيات القرآن الكريم نجدها كالآتي: مس النار والعذاب
ونفحه منه والضر والضراء والبأساء والسراء والسوء والشر والخير والبشر
والنساء والقرح وسقر والكبر والنصب والشيطان وطائفة منه والزيت.
وقد اتت هذه الالفاظ معرفة ومنكرة وفي إحدي وستين آية.. والآن
سنتناول بعض هذه المعاني التحليل والاستنباط بداية نحن نعلم ان لكل فعل
شروطاً لحدوثه تتمثل في طرفي الحدث أي الفاعل والمفعول والفعل وما يترتب
علي ذلك بين الطرفين وفي حديثنا هنا سنتناول فعل "مس" وسيطلق المفعول وإذا
كان الفعل حادثا من الطرفين استخدمت صيغة "تماس الشيئان" أي مس احدهما
الآخر.
وهذ يختلف حسب القصد في الفعل من الطرفين وسنبدأ بمعني مس الزيت في
قوله تعالي: يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار" إن الزيت عندما يلتقي
بالنار يشتعل لأن النار تمده بالطاقة اللازمة التي عندها يبدأ الزيت في
الاحتراق وبذلك فالنار تعمل علي اهلاك الزيت بالأخذ من مكوناته وحرقها
طالما استمر التقاؤه بالنار والعائد من ذلك هو الاضاءة أو غيرها وزمن هذا
المس مستمر باستمرار الاشتعال والكمية القابلة لذلك وإن هذا العائد من
اشعال الزيت واقع في الخاطر ولهذا العائد ظهور مادي أو يمكن الاستدلال
عليه- كالشعور بالحرارة هنا- كما انه متعدد الاغراض.
ومثال آخر يوضح ذلك وهو مس النار في قوله تعالي علي لسان الذين كفروا
من بني اسرائيل: "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة" فنحن نعلم ماذا تفعل
النار إذا التقت بالجسم- بدءاً من الجلد- فإنها تؤدي إلي احراقه وافتقاده
لمكوناته الأساسية من شعر وبشرة وما يلي ذلك بحسب شدتها ومدة التعرض
لها..إذا يحدث تداخل بين النار والجسم أو الجلد ويحدث فقد في المكونات
للجسم واكتساب حرارة النار.. اما الزمن اللازم لذلك فهو يختلف باختلاف
الحدث وشدته رغم ربطهم المس هنا بأيام معدودة- علي حسب معتقدهم- ولكن
التعذيب في النار يرتبط بالزمن المقدر علي سبيل قوله تعالي: "كلما نضجت
جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب" 56/النساء.
وما ترتب علي العائد هنا من المس لم يكن موجوداً قبل التقاء النار
بالجلد بل هو شيء آخر يختلف عن الماس والممسوس عبارة عن جلد محترق له شكل
يختلف عن سابقه فهو مزيج من الجلد السابق والنار وهذا إذا توقف الحدث عند
مرحلة الجلد أما في حالة مس البشر- أو النساء- فسنتناوله من خلال قول
الصديقة مريم في قوله تعالي: "رب أني يكون لي ولد ولم يمسسني بشر" 47/ آل
عمران.
وقوله تعالي: "أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر" 20/ مريم.. إذا وجود
الولد أو الغلام مرتبط تماما بحدوث المس وإلا لأتي المس بدلا من المس علي
الأقل في آية من هاتين الآيتين إن كان كل منهما يقوم بنفس الاداء التعبيري
عن حدوث كيفية الاتيان بالولد وايضاً يتبين لنا الفرق بين اللمس الذي يوجب
الوضوء والمس الذي يكون نتاجه الولد والذي يوجب عقب حدوث الغسل كما ان
هناك اشارة يجب ان تؤخذ في الاعتبار وهي أداة الجزم والنفي "لم" وهي تفيد
نفي الفعل المضارع وقلب زمنه إلي الماضي فهذه الاشارة تبين لنا وتؤكد ان
هناك فرقاً بين اللمس والمس فهي لم تنفي اللمس وإلا ألم تلمس امها جلدها
كتناول لها وتعرف عليها وهي مولودة رضيعة وكذلك من كان يحملها فهذا شيء
حادث.
ولكن عندما يتطرق الكلام والمعني إلي خصوصية تذكر بذكر المرأة مع
الرجل وما يكون بينهما وما يترتب عليه الولد فإنه لا مجال لذكر اللمس هنا
ولكن الذكر يكون للمس وهو ما تم نفيه والتعجب منه علي لسان الصديقة مريم
العذراء.
ومع ذلك يتضح لنا ان العائد من هذا المس بين المرأة وزوجها وهو
التمتع والولد يكون مقصودا وواقعاً في الخاطر حدوثه وأيا كان نوع الولد-
ذكر أو انثي- مما يدل علي ان العائد مجمل ومتعدد الفائدة وليس لغرض واحد.
وفي حديث الميضأة- إنا به ماء- لأبي قتادة عندما طلبها الرسول صلي
الله عليه وسلم منه قال: "مسوا منها" أي خذوا منها الماء وتوضأوا فالعائد
هنا متعدد الفوائد فعلي المستوي المادي يتمثل في إزالة ما علق بالبشرة من
اتربة وما شابها ومعنوياً بخروج الذنوب التي تخرج مع الماء أو آخر قطر
الماء كما اخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وهي طهارة ليس لها تجسد ظاهر
لنا.
ونخلص من تحليل الأمثال السابقة إلي ان المس هو: التقاء طرفين ماديين
أو معنويين أو كليهما وحدوث تداخل بينهما مادي أو معنوي أو كليهما بقصد
الحصول علي عائد مادي أو معنوي أو كليهما.
وشروط ذلك المس تتمثل في كون الطرفين ماديين أو احدهما وان زمن المس يختلف بحسب نوع الماس والممسوس والعائد.
وان العائد له صفة بقاء مدركة تتناسب مع كيفية المس وزمنه وما قدر له مثل الولد وهو العائد من التقاء الزوجين.
والآن بعد ذكر معني المس سنحاول بفضل الله وتوفيقه الدخول إلي رحاب
آية كريمة كانت هي الباعث الأساسي لدراسة لفظي "اللمس والمس" وهي قوله
تعالي: "لا يمسه إلا المطهرون" 79/ الواقعة.
هذه الآية لعظم أهميتها وقدرها فقد مهد الله تعالي لها بقسم عظيم
للفت الأنفس والعقول لمعانيها الجليلة فقد قال سبحانه "فلا أقسم بمواقع
النجوم "75" وإنه لقسم لو تعلمون عظيم "76" الواقعة5.
واعقب ذلك بجواب القسم ووصفه في قوله تعالي: "إنه لقرآن كريم "77" في كتاب مكنون "78" الواقعة.
فإدخال حرفي التوكيد "إن واللام" يفيد أيضاً إزالة ما بالنفس من شك في
كون القرآن كريما وهذه الجملة هي جواب للقسم العظيم الذي هو اسلوب يفيد
التوكيد لإذهاب أي شك أو ريب في كون القرآن كريماً.
وإذا رجعنا سريعاً إلي اللغة وجدناها تقول "كرم من الفرس ان يرق جلده
ويلين شعره وتطيب رائحته" من ذلك يتبين لنا أن المستفيد من صفة الكرم هذه
وما تشتمل عليه من الخير هو المتعامل معها أي تعامل الفارس مع هذا الفرس
كذلك المتعامل مع القرآن الكريم.. وقيل ايضاً الكريم هو الجامع لأنواع
الخير والشرف والفضائل وهو اسم جامع لما يحمد.
ويقول الفخر الرازي: هنا "كريم" فيه لطيفة وهي ان الكلام إذا قريء
كثيراً يهون في الاعين والآذان لكن القرآن الكريم لا يهون بكثرة التلاوة
ويبقي ابدا الدهر كالكلام الغض والحديث الطري فهو طاهر الاصل ظاهر الفضل
ويعقب مكملا: والقرآن من تركه لا يبقي معه منه شيء لعزته ولا يثبت عند من
لا يلزمه بالحفظ.
ونعود مرة أخري إلي هذه الآيات وما اثير من المفسرين حولها فنجد هذه
الأمور هي: هل الكتاب المذكور هو المصحف الذي في ايدينا أو اللوح المحفوظ؟
هل المطهرون هم الملائكة أم المؤمنون؟ هل حرف "لا" هنا نفي أم نهي؟ بناء
علي ذلك سيتوقف المعني المقصود من المس والآن نتناول الاجابة عن هذه
التساؤلات بشيء من الاختصار: عند التعرض للتفاسير والاطلاع علي الآراء حول
الكتاب سواء من الصحابة الكرام رضي الله عنه أو المفسرين نجد رأيين
أحدهما: ان المقصود بالكتاب هو الذي في السماء أي اللوح المحفوظ والآخر:
هو المصحف الذي في ايدينا.
والاقرب عندي ان الرأيين صواب ولا تعارض بينهما وذلك لأن الله تعالي
أقرأ القرآن لأمين وحيه جبريل عليه السلام من اللوح المحفوظ لقوله تعالي:
"بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ" 21- 22/ البروج.
وأقرأه جبريل عليه السلام لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ودون هذا
القرآن المقروء في المصحف الذي في ايدينا كما في قوله تعالي: "نزل عليك
الكتاب بالحق" 3/آل عمران.
اما القول في المطهرين هل هم الملائكة أم المؤمنون؟ فإننا نجد أن لفظ
"المطهرون" جاء علي صيغة اسم المفعول وهي تفيد الذات التي وقع عليها الطهر
ومن هنا جاء ترجيح القول لدي من قالوا بأن المطهرين هم الملائكة ولكن يوجد
هنا تعليق يجب ذكره وهو أن الفعل لابد له من فاعل يفعله ومفعول به أي ما
يقع عليه الفعل فإذا كان الذي يقوم بالفعل يجربه علي نفسه صار فاعلاً
ومفعولا به كالذي يضرب نفسه صار هو الضارب والمضروب في الوقت ذاته ولننظر
إلي هذه الآية الكريمة: "فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله" 222/
البقرة فإننا نجد ان القائم بفعل التطهر والواقع عليه هن النساء المؤمنات
وبذلك يمكن القول بأن "المطهرون" يمكن اطلاقه علي المؤمنين الذين يقومون
بذلك التطهر علي أنفسهم متتبعين منهج الله وأوامره في ذلك.. وايضاً لأن
المخاطبين بهذه الآية والمأمورين بالتعبد بتلاوتها هم المؤمنون والايمان
بالله تعالي هو اصل الطهر.
والآن نأتي إلي حرف "لا" لنتبين معناه أي هل هو للنفي أم للنهي ولماذا؟
وان للنهي غرضين احدهما حقيقي والآخر بلاغي" فالحقيقي هو طلب ترك
الفعل علي وجه الاستعلاء والالزام مثل "لا تأكلوا الربا" 130/آل عمران.
وأما البلاغي فأغراضه كثيرة منها الدعاء والرجاء.. الخ مما لا يناسب
سياق الآية الكريمة فلو كان للنهي من أجر أو ثواب إذا ليس في النهي امتناع
من ذات الشيء أو الأمر المنهي عنه وإنما الامتناع يكون من الموجه إليه
للنهي.. وهذا لا يليق في كون "لا" ناهية لأنه إذا انتهي المؤمن بالكتاب عن
مسه تعظيماً له وذلك علي حساب أن المقصود بالمس هو اللمس أي المسك
بالكتاب- المصحف- مع ادراك كونه فيه القرآن وتناوله باليد فقط فإن الكافر
لن ينتهي عن ذلك وهذا ما لا يليق بكتاب رب العالمين إذا فالذين قالوا بأنه
نهي انما ليعللوا كون غير الطاهر ماسكا له ومتناولا وكذلك الكافر وهذه هي
الجزئية الاعتراضية فقط في كون "لا" تفيد النفي.
ولكن لأن اللمس ليس هو المس كما وضحنا سابقاً أي ليس الأمر متوقفا
علي الالتقاء بالكتاب بالبصرل واليد أو سمعيا بالإدراك أن هذا الكتاب أو
المصحف هو القرآن المنزل من الله تعالي علي نبيه محمد صلي الله عليه وسلم
وإلا لجمدنا هذا العطاء العظيم في هذه الآية الكريمة "إنه لقرآن كريم" علي
هذا القدر فقط وهو ما ادركه كفار قريش ايضاً في كون هذا القرآن منزل من
عند الله تعالي ولكن جحدت انفسهم ولم نجعل لنا نصيباً في هذه الآية
الكريمة التي هي جواب للقسم العظيم الذي هو قسم بمواقع النجوم التي جعل
الله لها الآثر البالغ في حياتنا واستمرارها علي الأرض.
مما سبق يتبين لنا أن تناول ومسك المصحف الشريف باليد ليس هو المقصود فقط من مس القرآن الكريم.
وهذا يفيد أن "لا" نافية فالنفي أليق بكتاب الله تعالي لأن النفي هو
نفي انتساب شيء إلي شيء آخر مثل نفت الريح التراب أي اطارته وامتنع صلته
بالأرض.. فالأمر المنفي عنه تكون المنعة فيه بأي ممتنع بذاته..وهذا النفي
ما تؤكده قواعد النحو في علامة الاعراب- بعيد عن تكلف التأويل- أي الضمة
في كلمة "يمسه" بالاضافة إلي قراءة عبداللهل بن مسعود في ذلك "ما يمسه"
فقد قرأ الآية بحرف "ما" النافية.
إذا فهذا النفي هو الذي يليق بهذا الكتاب العزيز والقرآن المجيد فهو
كلام رب العالمين لا يمسه إلا من أذن لهم الله تعالي وهم المطهرون.
أي لا يجد طعمه وبركته ونوره وهديه وخيره وشفائه ورحمته وكل ما يمتد من أوصاف هذا القرآن الكريم عن قصده إلا المطهرون.
وقد جاء لفظ الطهر هنا مطلق غير مقيد بطهر بعينه فهو يشمل كل الطهر
بدء من الطهر المادي أي الطهارة والوضوء إلي الطهر المعنوي وابعاده.
ولا يفوتنا هنا ان النفي جاء للمس ولم ينف اللمس وذلك لما نراه من
لمس الطاهر له وغير الطاهر مما اجازه الفقهاء لظروف خاصة وما يقع من
الكافر من لمسه.. ولكن للتأدب مع هذا الكتاب والقرآن العظيم وتعظيمه في
حياة المؤمن والتعبد بتلاوته وقصد الانتفاع بكرمه ووقوع ذلك في الخاطر يجب
ان يكون المؤمن علي طهارة فلا يمس كلامه إلا طاهر بدء من طهر الوضوء إلي
مطلق الطهر الذي يعلم كالطهر من الشرك والكفر والرياء والنفاق والكبر
والجزع والمن وطهر السمع والبصر وطيب المأكل والمشرب والملبس وطهر اللسان
من الكذب.. الخ
فعلي قدر درجات الطهر يكون العطاء وعلي سبيل المثال نذكر ما قيل عن
الفاروق عمر رضي الله عنه من رقية المريض بالفاتحة فأراد رجل بعده فعل ذلك
علي غير التزام مثله فقيل "الفاتحة هي الفاتحة ولكن اين عمر".
إذا فالطهر هو مفتاح لهذا الكنز العظيم الذي لا تنقضي عجائبه ولا ينتهي عطاؤه.
بقلم: وليد متولي
باحث بالجمعية الشرعية
طهارة فلا يمس المصحف غير المتوضيء إلا في الحالات الخاصة التي اجازها
الفقهاء والذي يتبادر إلي أذهاننا من المقصود بمس المصحف هو مسكه باليد
وتناوله للقراءة فيه أو حمله ولنا أن نتساءل هل معني قوله تعالي: "لا يمسه
إلا المطهرون" وقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر"
يتوقف عن هذا الحد من مسك المصحف علي طهارة ووضوء وتناوله باليد أم ان
الأمر له ابعاد فوق ذلك؟.. إذا لكي تحصل علي اجابة لهذا التساؤل يجب ان
نحصر معلوماتنا عن هذا اللفظ وهو "المس" من خلال اللغة والتعرف علي
المواقع المختلفة للفظ من خلال الآيات الوارد فيها في القرآن الكريم ورؤية
ما يضيفه سياق الآيات لهذا اللفظ من معان.
المس في اللغة هو: مسك الشيء بيدك وهو الجمع بين الشيئين علي نهاية
القرب والممسوس من الماء ما نالته الأيدي وعند استعراضنا للكلمات التي
ارتبط ذكرها بالمس في آيات القرآن الكريم نجدها كالآتي: مس النار والعذاب
ونفحه منه والضر والضراء والبأساء والسراء والسوء والشر والخير والبشر
والنساء والقرح وسقر والكبر والنصب والشيطان وطائفة منه والزيت.
وقد اتت هذه الالفاظ معرفة ومنكرة وفي إحدي وستين آية.. والآن
سنتناول بعض هذه المعاني التحليل والاستنباط بداية نحن نعلم ان لكل فعل
شروطاً لحدوثه تتمثل في طرفي الحدث أي الفاعل والمفعول والفعل وما يترتب
علي ذلك بين الطرفين وفي حديثنا هنا سنتناول فعل "مس" وسيطلق المفعول وإذا
كان الفعل حادثا من الطرفين استخدمت صيغة "تماس الشيئان" أي مس احدهما
الآخر.
وهذ يختلف حسب القصد في الفعل من الطرفين وسنبدأ بمعني مس الزيت في
قوله تعالي: يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار" إن الزيت عندما يلتقي
بالنار يشتعل لأن النار تمده بالطاقة اللازمة التي عندها يبدأ الزيت في
الاحتراق وبذلك فالنار تعمل علي اهلاك الزيت بالأخذ من مكوناته وحرقها
طالما استمر التقاؤه بالنار والعائد من ذلك هو الاضاءة أو غيرها وزمن هذا
المس مستمر باستمرار الاشتعال والكمية القابلة لذلك وإن هذا العائد من
اشعال الزيت واقع في الخاطر ولهذا العائد ظهور مادي أو يمكن الاستدلال
عليه- كالشعور بالحرارة هنا- كما انه متعدد الاغراض.
ومثال آخر يوضح ذلك وهو مس النار في قوله تعالي علي لسان الذين كفروا
من بني اسرائيل: "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة" فنحن نعلم ماذا تفعل
النار إذا التقت بالجسم- بدءاً من الجلد- فإنها تؤدي إلي احراقه وافتقاده
لمكوناته الأساسية من شعر وبشرة وما يلي ذلك بحسب شدتها ومدة التعرض
لها..إذا يحدث تداخل بين النار والجسم أو الجلد ويحدث فقد في المكونات
للجسم واكتساب حرارة النار.. اما الزمن اللازم لذلك فهو يختلف باختلاف
الحدث وشدته رغم ربطهم المس هنا بأيام معدودة- علي حسب معتقدهم- ولكن
التعذيب في النار يرتبط بالزمن المقدر علي سبيل قوله تعالي: "كلما نضجت
جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب" 56/النساء.
وما ترتب علي العائد هنا من المس لم يكن موجوداً قبل التقاء النار
بالجلد بل هو شيء آخر يختلف عن الماس والممسوس عبارة عن جلد محترق له شكل
يختلف عن سابقه فهو مزيج من الجلد السابق والنار وهذا إذا توقف الحدث عند
مرحلة الجلد أما في حالة مس البشر- أو النساء- فسنتناوله من خلال قول
الصديقة مريم في قوله تعالي: "رب أني يكون لي ولد ولم يمسسني بشر" 47/ آل
عمران.
وقوله تعالي: "أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر" 20/ مريم.. إذا وجود
الولد أو الغلام مرتبط تماما بحدوث المس وإلا لأتي المس بدلا من المس علي
الأقل في آية من هاتين الآيتين إن كان كل منهما يقوم بنفس الاداء التعبيري
عن حدوث كيفية الاتيان بالولد وايضاً يتبين لنا الفرق بين اللمس الذي يوجب
الوضوء والمس الذي يكون نتاجه الولد والذي يوجب عقب حدوث الغسل كما ان
هناك اشارة يجب ان تؤخذ في الاعتبار وهي أداة الجزم والنفي "لم" وهي تفيد
نفي الفعل المضارع وقلب زمنه إلي الماضي فهذه الاشارة تبين لنا وتؤكد ان
هناك فرقاً بين اللمس والمس فهي لم تنفي اللمس وإلا ألم تلمس امها جلدها
كتناول لها وتعرف عليها وهي مولودة رضيعة وكذلك من كان يحملها فهذا شيء
حادث.
ولكن عندما يتطرق الكلام والمعني إلي خصوصية تذكر بذكر المرأة مع
الرجل وما يكون بينهما وما يترتب عليه الولد فإنه لا مجال لذكر اللمس هنا
ولكن الذكر يكون للمس وهو ما تم نفيه والتعجب منه علي لسان الصديقة مريم
العذراء.
ومع ذلك يتضح لنا ان العائد من هذا المس بين المرأة وزوجها وهو
التمتع والولد يكون مقصودا وواقعاً في الخاطر حدوثه وأيا كان نوع الولد-
ذكر أو انثي- مما يدل علي ان العائد مجمل ومتعدد الفائدة وليس لغرض واحد.
وفي حديث الميضأة- إنا به ماء- لأبي قتادة عندما طلبها الرسول صلي
الله عليه وسلم منه قال: "مسوا منها" أي خذوا منها الماء وتوضأوا فالعائد
هنا متعدد الفوائد فعلي المستوي المادي يتمثل في إزالة ما علق بالبشرة من
اتربة وما شابها ومعنوياً بخروج الذنوب التي تخرج مع الماء أو آخر قطر
الماء كما اخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وهي طهارة ليس لها تجسد ظاهر
لنا.
ونخلص من تحليل الأمثال السابقة إلي ان المس هو: التقاء طرفين ماديين
أو معنويين أو كليهما وحدوث تداخل بينهما مادي أو معنوي أو كليهما بقصد
الحصول علي عائد مادي أو معنوي أو كليهما.
وشروط ذلك المس تتمثل في كون الطرفين ماديين أو احدهما وان زمن المس يختلف بحسب نوع الماس والممسوس والعائد.
وان العائد له صفة بقاء مدركة تتناسب مع كيفية المس وزمنه وما قدر له مثل الولد وهو العائد من التقاء الزوجين.
والآن بعد ذكر معني المس سنحاول بفضل الله وتوفيقه الدخول إلي رحاب
آية كريمة كانت هي الباعث الأساسي لدراسة لفظي "اللمس والمس" وهي قوله
تعالي: "لا يمسه إلا المطهرون" 79/ الواقعة.
هذه الآية لعظم أهميتها وقدرها فقد مهد الله تعالي لها بقسم عظيم
للفت الأنفس والعقول لمعانيها الجليلة فقد قال سبحانه "فلا أقسم بمواقع
النجوم "75" وإنه لقسم لو تعلمون عظيم "76" الواقعة5.
واعقب ذلك بجواب القسم ووصفه في قوله تعالي: "إنه لقرآن كريم "77" في كتاب مكنون "78" الواقعة.
فإدخال حرفي التوكيد "إن واللام" يفيد أيضاً إزالة ما بالنفس من شك في
كون القرآن كريما وهذه الجملة هي جواب للقسم العظيم الذي هو اسلوب يفيد
التوكيد لإذهاب أي شك أو ريب في كون القرآن كريماً.
وإذا رجعنا سريعاً إلي اللغة وجدناها تقول "كرم من الفرس ان يرق جلده
ويلين شعره وتطيب رائحته" من ذلك يتبين لنا أن المستفيد من صفة الكرم هذه
وما تشتمل عليه من الخير هو المتعامل معها أي تعامل الفارس مع هذا الفرس
كذلك المتعامل مع القرآن الكريم.. وقيل ايضاً الكريم هو الجامع لأنواع
الخير والشرف والفضائل وهو اسم جامع لما يحمد.
ويقول الفخر الرازي: هنا "كريم" فيه لطيفة وهي ان الكلام إذا قريء
كثيراً يهون في الاعين والآذان لكن القرآن الكريم لا يهون بكثرة التلاوة
ويبقي ابدا الدهر كالكلام الغض والحديث الطري فهو طاهر الاصل ظاهر الفضل
ويعقب مكملا: والقرآن من تركه لا يبقي معه منه شيء لعزته ولا يثبت عند من
لا يلزمه بالحفظ.
ونعود مرة أخري إلي هذه الآيات وما اثير من المفسرين حولها فنجد هذه
الأمور هي: هل الكتاب المذكور هو المصحف الذي في ايدينا أو اللوح المحفوظ؟
هل المطهرون هم الملائكة أم المؤمنون؟ هل حرف "لا" هنا نفي أم نهي؟ بناء
علي ذلك سيتوقف المعني المقصود من المس والآن نتناول الاجابة عن هذه
التساؤلات بشيء من الاختصار: عند التعرض للتفاسير والاطلاع علي الآراء حول
الكتاب سواء من الصحابة الكرام رضي الله عنه أو المفسرين نجد رأيين
أحدهما: ان المقصود بالكتاب هو الذي في السماء أي اللوح المحفوظ والآخر:
هو المصحف الذي في ايدينا.
والاقرب عندي ان الرأيين صواب ولا تعارض بينهما وذلك لأن الله تعالي
أقرأ القرآن لأمين وحيه جبريل عليه السلام من اللوح المحفوظ لقوله تعالي:
"بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ" 21- 22/ البروج.
وأقرأه جبريل عليه السلام لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ودون هذا
القرآن المقروء في المصحف الذي في ايدينا كما في قوله تعالي: "نزل عليك
الكتاب بالحق" 3/آل عمران.
اما القول في المطهرين هل هم الملائكة أم المؤمنون؟ فإننا نجد أن لفظ
"المطهرون" جاء علي صيغة اسم المفعول وهي تفيد الذات التي وقع عليها الطهر
ومن هنا جاء ترجيح القول لدي من قالوا بأن المطهرين هم الملائكة ولكن يوجد
هنا تعليق يجب ذكره وهو أن الفعل لابد له من فاعل يفعله ومفعول به أي ما
يقع عليه الفعل فإذا كان الذي يقوم بالفعل يجربه علي نفسه صار فاعلاً
ومفعولا به كالذي يضرب نفسه صار هو الضارب والمضروب في الوقت ذاته ولننظر
إلي هذه الآية الكريمة: "فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله" 222/
البقرة فإننا نجد ان القائم بفعل التطهر والواقع عليه هن النساء المؤمنات
وبذلك يمكن القول بأن "المطهرون" يمكن اطلاقه علي المؤمنين الذين يقومون
بذلك التطهر علي أنفسهم متتبعين منهج الله وأوامره في ذلك.. وايضاً لأن
المخاطبين بهذه الآية والمأمورين بالتعبد بتلاوتها هم المؤمنون والايمان
بالله تعالي هو اصل الطهر.
والآن نأتي إلي حرف "لا" لنتبين معناه أي هل هو للنفي أم للنهي ولماذا؟
وان للنهي غرضين احدهما حقيقي والآخر بلاغي" فالحقيقي هو طلب ترك
الفعل علي وجه الاستعلاء والالزام مثل "لا تأكلوا الربا" 130/آل عمران.
وأما البلاغي فأغراضه كثيرة منها الدعاء والرجاء.. الخ مما لا يناسب
سياق الآية الكريمة فلو كان للنهي من أجر أو ثواب إذا ليس في النهي امتناع
من ذات الشيء أو الأمر المنهي عنه وإنما الامتناع يكون من الموجه إليه
للنهي.. وهذا لا يليق في كون "لا" ناهية لأنه إذا انتهي المؤمن بالكتاب عن
مسه تعظيماً له وذلك علي حساب أن المقصود بالمس هو اللمس أي المسك
بالكتاب- المصحف- مع ادراك كونه فيه القرآن وتناوله باليد فقط فإن الكافر
لن ينتهي عن ذلك وهذا ما لا يليق بكتاب رب العالمين إذا فالذين قالوا بأنه
نهي انما ليعللوا كون غير الطاهر ماسكا له ومتناولا وكذلك الكافر وهذه هي
الجزئية الاعتراضية فقط في كون "لا" تفيد النفي.
ولكن لأن اللمس ليس هو المس كما وضحنا سابقاً أي ليس الأمر متوقفا
علي الالتقاء بالكتاب بالبصرل واليد أو سمعيا بالإدراك أن هذا الكتاب أو
المصحف هو القرآن المنزل من الله تعالي علي نبيه محمد صلي الله عليه وسلم
وإلا لجمدنا هذا العطاء العظيم في هذه الآية الكريمة "إنه لقرآن كريم" علي
هذا القدر فقط وهو ما ادركه كفار قريش ايضاً في كون هذا القرآن منزل من
عند الله تعالي ولكن جحدت انفسهم ولم نجعل لنا نصيباً في هذه الآية
الكريمة التي هي جواب للقسم العظيم الذي هو قسم بمواقع النجوم التي جعل
الله لها الآثر البالغ في حياتنا واستمرارها علي الأرض.
مما سبق يتبين لنا أن تناول ومسك المصحف الشريف باليد ليس هو المقصود فقط من مس القرآن الكريم.
وهذا يفيد أن "لا" نافية فالنفي أليق بكتاب الله تعالي لأن النفي هو
نفي انتساب شيء إلي شيء آخر مثل نفت الريح التراب أي اطارته وامتنع صلته
بالأرض.. فالأمر المنفي عنه تكون المنعة فيه بأي ممتنع بذاته..وهذا النفي
ما تؤكده قواعد النحو في علامة الاعراب- بعيد عن تكلف التأويل- أي الضمة
في كلمة "يمسه" بالاضافة إلي قراءة عبداللهل بن مسعود في ذلك "ما يمسه"
فقد قرأ الآية بحرف "ما" النافية.
إذا فهذا النفي هو الذي يليق بهذا الكتاب العزيز والقرآن المجيد فهو
كلام رب العالمين لا يمسه إلا من أذن لهم الله تعالي وهم المطهرون.
أي لا يجد طعمه وبركته ونوره وهديه وخيره وشفائه ورحمته وكل ما يمتد من أوصاف هذا القرآن الكريم عن قصده إلا المطهرون.
وقد جاء لفظ الطهر هنا مطلق غير مقيد بطهر بعينه فهو يشمل كل الطهر
بدء من الطهر المادي أي الطهارة والوضوء إلي الطهر المعنوي وابعاده.
ولا يفوتنا هنا ان النفي جاء للمس ولم ينف اللمس وذلك لما نراه من
لمس الطاهر له وغير الطاهر مما اجازه الفقهاء لظروف خاصة وما يقع من
الكافر من لمسه.. ولكن للتأدب مع هذا الكتاب والقرآن العظيم وتعظيمه في
حياة المؤمن والتعبد بتلاوته وقصد الانتفاع بكرمه ووقوع ذلك في الخاطر يجب
ان يكون المؤمن علي طهارة فلا يمس كلامه إلا طاهر بدء من طهر الوضوء إلي
مطلق الطهر الذي يعلم كالطهر من الشرك والكفر والرياء والنفاق والكبر
والجزع والمن وطهر السمع والبصر وطيب المأكل والمشرب والملبس وطهر اللسان
من الكذب.. الخ
فعلي قدر درجات الطهر يكون العطاء وعلي سبيل المثال نذكر ما قيل عن
الفاروق عمر رضي الله عنه من رقية المريض بالفاتحة فأراد رجل بعده فعل ذلك
علي غير التزام مثله فقيل "الفاتحة هي الفاتحة ولكن اين عمر".
إذا فالطهر هو مفتاح لهذا الكنز العظيم الذي لا تنقضي عجائبه ولا ينتهي عطاؤه.
بقلم: وليد متولي
باحث بالجمعية الشرعية
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى