صديقي مجرم؟
صفحة 1 من اصل 1
18112008
صديقي مجرم؟
لم يترك المجال لغير الشك و التساؤل المتناسل بعناد. كل شئ يبدو محاطا بخوف شديد. ليس الخوف منه وحده، و ليس من تفاصيل القضية، بل الخوف الذي يكسر الطوق الذي يجعل المسألة محدودة بشخص قاتل و أخر مقتول، و بوقائع مرتبطة بزمن و مكان ليتوسع المجال و يمضي لأبعد من ذلك، فاتحا الباب على مصراعيه مكسرا القناعات ومزلزلا ما يعتبر ضوابط و ثوابت داخل كل إنسان تتحكم في سلوكه و تجعله على بصيرة من الخير و ما يفيده، كما تجعله على بصيرة من طبيعة الشر و كيف يولد، و كيف ينمو، و كيف يصلب عوده و يتخذ عضلات و عيونا و ألسنا، و كيف ينطلق كإعصار في كل صوب. يحرق. يهدم. و يأتي على كل شئ في طريقه و لا يحرص الا على إرضاء نفس مسعورة تصيبها أفراح الأخرين بالتعاسة، و يتحول الأذى ومعانات الأخرين إلى شعور عارم بالفرح، و توازن عجيب يفتح شهيتها على المزيد من الإصرار لجعل الألوان الداكنة و المغرقة في القتامة تغطي كل الصفائح و الوجوه.
كل هذا يعد مفهوم و مألوف من قبل أشخاص يبدوا انهم خلقوا من اجل تمثيل الشر في الحياة. لكن ماذا يعني أن تتحول حمامة إلى نسر دون ان تكون قد سبقتها أي لحظة تحول مكتنفة بالسرية، و دون أن تكون قد وقعت تحت تأثير تعويذة ساحر شرير اجتث روحها المسالمة، و زرع فيها روحا مستنسخة من كائن لم يفصح سلوكها سوى كونه كان من اكثر الوحوش ضراوة عبر في عصور ما بساط الأرض؟
لا أجد امام هول المفارقة سوى ان استعيده في تلك الجلسات المتباعدة التي جمعت بيننا. لكن شكله و طريقته و أفكاره وهو يتحدث لا تجعل للكم الزمني الذي قضيته معه معنى.
كان يتحدث دون ان يغرق في تقاصيل الحياة اليومية. وهو حين كان يتحدث عن نفسه، ففقط ليبرز حجم العطب الذي تشكو منه الحياة. يستعرض مختلف الديناصورات، الإدارية و السلطوية و حتى المدنية. و كيف انه في كل الحالات لم يكن أبدا حملا وديعا و لامفرطا فيما يخصه هو. و يبرز في النهاية ان الخوف الذي يسكن عيون الناس، هو الذي يجعلهم يرون عضلات خصومهم أكثر انتفاخا و صلابة. و في مساحات ضيقة من تلك الجلسات، كان يفسح المجال لأعضاء أسرته الصغيرة.
كل هذا كان يجعل حضوره مستمرا في ذهني بالرغم من الأماد التي كانت تباعد بين لقاءاتنا. وحتى بعد ان رحل عن الحي الذي كنا نسكنه. لكنه الأن عاد، لكن ليظل حاضرا في ذهني إلى الأبد. بل سيتعدى التأثير الذي يمارسه في الذهن شخص تحفظ له في الذاكرة انطباعات جيدة، تجعلك تتوق للقاءات متجددة معه. و لأنه هذه المرة تحول من من شخص يواصل كتابة تاريخه من وقائعه اليومية التي يحياها، إلى شخص مجرد و مختصر في تساؤل: هل حين نصف إنسانا ما بكونه سويا، يكون القصد بذلك أنه لا توجد بداخله أي خلية يتحصن فيها ذلك الكنه الذي يجعله غير سوي؟
ومتى يمكن لتلك الخلية -في حال وجودها - ان تجتاح الإنسان ويصبح بإمكان ذلك الكنه الغامض أن يسيطر على سلوك الإنسان ليلغي كل العايير التي اجتهد كثيرا في سنين التنشئة من اجل جعلها الغالبة داخل تلك الجزيرة المستباحة من قبل العواصف الفجائية التي لا ينفع معها أي تدبير؟
صديقي قتل امه...ا هل أعيش كابوسا متواصلا يجتاحني في نومي و يقظتي؟؟...لا، أنا لا احلم. و صديقي الأن قد أحيل على مستشفى الامراض العقلية للتاكد من مدى صحة قواه قبل عرضه على المحكمة.
لو انه قتل أحد تلك الديناصورات التي كان يتحدث عنها، لتفهمت دوافعه. . ولو أنه قتل تلميذا في فصله، لتلمست له الأعذار مهما كان ذلك السلوك مرفوضا و مدانا. ولو انه ارتكب الجريمة في نزاع ما كيفما كان، لظللت أنظر إليه كأي إنسان قام بعمل في لحظة انفعال لم يكن هو نفسه على وعي بما كان يقوم به. لكن ان يقتل امه العجوز؟؟
أنا أسف جدا، بل في منتهى الإحباط و التعاسة . ولن أستطيع - مهما حاولت- أن اتعاطف هذه المرة مع من كان ذات يوم صديق لي. لن أستطيع زيارته. ولن اتمكن في يوم ما أن انتزع صوره من ذاكرتي.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى