رحلة وهروب المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة
صفحة 1 من اصل 1
رحلة وهروب المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة
المواقع والأمكنة في مغامرته التاريخية
رحلة وهروب المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة
إعداد: فرحان عبدالله الفرحان
هذه الرحلة والمواقع والأمكنة والمنازل
في المملكة العربية السعودية فقط على اعتبار ان الاستاذ أحمد رمزي العالم
المصري كان قد غطى في بحثه منطقة سيناء ومصر حين خرج المتنبي منها.
قيض
الله لنا ان المملكة العربية السعودية كانت قد أخرجت قبل سنوات موسوعة
باسماء الاماكن في المملكة، وقد ابرزتها مع الخرائط، مما سهل لنا الرجوع
إليها في أثناء البحث في رحلة المتنبي من مصر الى الكوفة.
كان اول من
لفت النظر الى رحلة المتنبي هذه قبل قرن من الزمن العالم التشيكوسلوفاكي
الالماني موزيل اوموسيل الويز (1868 ــ 1938)، الذي كان قد درس رحلة
المتنبي من مصر الى الكوفة، وسجلها حيث سار، مثل المتنبي، على الجمال
والتقى هناك مع بعض من قبيلة الرولة في شمال المملكة السعودية.
في شهر
رمضان المبارك هذا العام 2008 كنت قضيت بعض الوقت مع هذه الرحلة، كما
اوردها موسيل ومن ثم الاستاذ احمد رمزي العالم المصري، الذي تتبعها ونشرها
في مجلة «الرحالة» قبل سبعين سنة.
بعدها جئت وكتبت كتابي «هروب المتنبي ورحلته من الفسطاط الى الكوفة»، واخرجته في سنة 2004.
والمصادفة
ان اجد في بعض المكتبات كتابا في هذا المعنى، وهو «اطلس المتنبي» للسيد
يوسف احمد الشيراوي من البحرين، وقد اخرج كتابه في السنة نفسها 2004، مع
كتابي آنف الذكر، لكنني انا والافاضل السابقون وموسيل والاستاذ احمد رمزي
والاستاذ الشيراوي لم نعرف هذه الرحلة كما كانت، وذلك لقلة المصادر
والمعلومات الوافية، لكن بعد ان صدر كتاب موسوعة «اسماء الاماكن في
المملكة العربية السعودية»، الذي تعاونت وتكاتفت عليه مجموعة من العلماء
في المملكة والذين حددو كل «غار» وكل قرية واسم، بمسماه الصحيح المتوازن،
والذي عرفه عليه.
لهذا تكون هذه «الموسوعة» قد سهلت لنا المهمة للتعرف على هذه الاماكن في رحلة المتنبي، خصوصا في المملكة العربية السعودية.
ان
المتنبي الشاعر الكببير العملاق الذي لا يقل اهمية عن شعراء المعلقات
الذين كانوا يصنعون الاماكن في معلقاتهم مثل امرئ القيس حيث يقول:
قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمأل
وهذا هو زهير بن ابي سلمى في معلقته يقول:
امن ام اوفى دمعة لم تكلم
بحومانة الدراج فالمتثلم
ودارلها بالرقمتين كأنها
مراجيع وشم في نواشر معصم
ان
كان هؤلاء الكبار اصحاب المعلقات من الشعراء يذكرون في قصائدهم الاطلال
والاماكن والمواقع التي كانت لهم فيها ذكريات وبصمات، فهو حق ايضاً
للمتنبي وهو يغادر الفسطاط ان يذكر الاماكن والمواقع في رحلته التاريخية،
التي تعتبر بحق مغامرة وبسالة وشجاعة، خصوصا عندما ينطلق هذا الشاعر
الكبير من الفسطاط في مصر مواصلا سيره بسرعة فائقة مخترقاً سيناء والعقبة
والنقب، متجها الى ارض المملكة العربية السعودية، وهي ديار كلب في تلك
الحقبة وبسرعة قياسية حتى يتفادى رجال كافور، وعند وصوله الى ما يعرف
بـ«الحديثة» اليوم، تنفس الصعداء بل التقط انفاسه هناك «سر» في ذلك، لان
المتنبي كان قد عاش وتربى في هذه المنطقة وهو يعرفها شبراً شبرا ويعرف
دروبها واهلها بل له اصدقاء ولوالده ايضا، منذ الطفولة، وهو يحس براحة
نفسية كأنه بين اهله وربعه وجماعته وله ولهم دالة على بعض.
لهذا عندما
وصل الى هذه المنطقة ارتاحت نفسه وغاب عنه الخوف من شرطة وعسس كافور،
واصبح بعيد المنال عن كافور، بعدها اخذ يكد سيره من قرية الى قرية ومن
منهل الى منهل ومن عزومة الى عزومة ومن ذكرى إلى ذكرى الطفولة حتى وصل الى
الكوفة، حيث قام بنسج ملحمته الشعرية في شهر ربيع الاول سنة 351 هـ في هذه
القصيدة التي يقول في اولها:
ألا كلَّ ما شية الخيزلى
فدى كلّ.ٍ ما ماشية الهيذبى
وكل نجاة بجاوية
خنوف وما بي حسن المشى
هذا
المتنبي الذي يتمتع بقدرة على تطويع الكلمات كما يطوع الحداد الحديد، فعلا
انه اعجوبة والله اعطاه مالم يعط غيره من مفردات اللغة العربية الثرية في
استعمالاتها.
رحلة وهروب المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة
إعداد: فرحان عبدالله الفرحان
هذه الرحلة والمواقع والأمكنة والمنازل
في المملكة العربية السعودية فقط على اعتبار ان الاستاذ أحمد رمزي العالم
المصري كان قد غطى في بحثه منطقة سيناء ومصر حين خرج المتنبي منها.
قيض
الله لنا ان المملكة العربية السعودية كانت قد أخرجت قبل سنوات موسوعة
باسماء الاماكن في المملكة، وقد ابرزتها مع الخرائط، مما سهل لنا الرجوع
إليها في أثناء البحث في رحلة المتنبي من مصر الى الكوفة.
كان اول من
لفت النظر الى رحلة المتنبي هذه قبل قرن من الزمن العالم التشيكوسلوفاكي
الالماني موزيل اوموسيل الويز (1868 ــ 1938)، الذي كان قد درس رحلة
المتنبي من مصر الى الكوفة، وسجلها حيث سار، مثل المتنبي، على الجمال
والتقى هناك مع بعض من قبيلة الرولة في شمال المملكة السعودية.
في شهر
رمضان المبارك هذا العام 2008 كنت قضيت بعض الوقت مع هذه الرحلة، كما
اوردها موسيل ومن ثم الاستاذ احمد رمزي العالم المصري، الذي تتبعها ونشرها
في مجلة «الرحالة» قبل سبعين سنة.
بعدها جئت وكتبت كتابي «هروب المتنبي ورحلته من الفسطاط الى الكوفة»، واخرجته في سنة 2004.
والمصادفة
ان اجد في بعض المكتبات كتابا في هذا المعنى، وهو «اطلس المتنبي» للسيد
يوسف احمد الشيراوي من البحرين، وقد اخرج كتابه في السنة نفسها 2004، مع
كتابي آنف الذكر، لكنني انا والافاضل السابقون وموسيل والاستاذ احمد رمزي
والاستاذ الشيراوي لم نعرف هذه الرحلة كما كانت، وذلك لقلة المصادر
والمعلومات الوافية، لكن بعد ان صدر كتاب موسوعة «اسماء الاماكن في
المملكة العربية السعودية»، الذي تعاونت وتكاتفت عليه مجموعة من العلماء
في المملكة والذين حددو كل «غار» وكل قرية واسم، بمسماه الصحيح المتوازن،
والذي عرفه عليه.
لهذا تكون هذه «الموسوعة» قد سهلت لنا المهمة للتعرف على هذه الاماكن في رحلة المتنبي، خصوصا في المملكة العربية السعودية.
ان
المتنبي الشاعر الكببير العملاق الذي لا يقل اهمية عن شعراء المعلقات
الذين كانوا يصنعون الاماكن في معلقاتهم مثل امرئ القيس حيث يقول:
قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمأل
وهذا هو زهير بن ابي سلمى في معلقته يقول:
امن ام اوفى دمعة لم تكلم
بحومانة الدراج فالمتثلم
ودارلها بالرقمتين كأنها
مراجيع وشم في نواشر معصم
ان
كان هؤلاء الكبار اصحاب المعلقات من الشعراء يذكرون في قصائدهم الاطلال
والاماكن والمواقع التي كانت لهم فيها ذكريات وبصمات، فهو حق ايضاً
للمتنبي وهو يغادر الفسطاط ان يذكر الاماكن والمواقع في رحلته التاريخية،
التي تعتبر بحق مغامرة وبسالة وشجاعة، خصوصا عندما ينطلق هذا الشاعر
الكبير من الفسطاط في مصر مواصلا سيره بسرعة فائقة مخترقاً سيناء والعقبة
والنقب، متجها الى ارض المملكة العربية السعودية، وهي ديار كلب في تلك
الحقبة وبسرعة قياسية حتى يتفادى رجال كافور، وعند وصوله الى ما يعرف
بـ«الحديثة» اليوم، تنفس الصعداء بل التقط انفاسه هناك «سر» في ذلك، لان
المتنبي كان قد عاش وتربى في هذه المنطقة وهو يعرفها شبراً شبرا ويعرف
دروبها واهلها بل له اصدقاء ولوالده ايضا، منذ الطفولة، وهو يحس براحة
نفسية كأنه بين اهله وربعه وجماعته وله ولهم دالة على بعض.
لهذا عندما
وصل الى هذه المنطقة ارتاحت نفسه وغاب عنه الخوف من شرطة وعسس كافور،
واصبح بعيد المنال عن كافور، بعدها اخذ يكد سيره من قرية الى قرية ومن
منهل الى منهل ومن عزومة الى عزومة ومن ذكرى إلى ذكرى الطفولة حتى وصل الى
الكوفة، حيث قام بنسج ملحمته الشعرية في شهر ربيع الاول سنة 351 هـ في هذه
القصيدة التي يقول في اولها:
ألا كلَّ ما شية الخيزلى
فدى كلّ.ٍ ما ماشية الهيذبى
وكل نجاة بجاوية
خنوف وما بي حسن المشى
هذا
المتنبي الذي يتمتع بقدرة على تطويع الكلمات كما يطوع الحداد الحديد، فعلا
انه اعجوبة والله اعطاه مالم يعط غيره من مفردات اللغة العربية الثرية في
استعمالاتها.
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
رد: رحلة وهروب المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة
وهنا يسرني ان اضع خريطة فيها ارقام على اسماء الاماكن في مكانها المعروف
اليوم، واقوم بتفسيرها وشرحها بعد هذه الرحلة الطويلة داخل المملكة
العربية السعودية فحسب، كان المتنبي عندما وصل الى الحديثة والقريات وواصل
سيرة حتى الجوفة التي يسميها عقدة الجوف، متجها الى العراق اليوم فالكوفة،
سبحان الله الخط نفسه في الخرائط السعودية الحديثة، ان خط سير المناهل
والمنازل في القديم منذ الف سنة لم يتغير اليوم، لكن اسماء الاماكن حرفت
ويسرني هنا ان اذكر تعليقات موسيل قبل مائة سنة، حيث يقول في كتابه
«الصحراء العربية» الصفحة 118ــ119 التالي:
وربما توجه المتنبي من عين
توربان الى القويرة هذه هي أصل البويرة التي ذكرها. ولعل الغضا الذي ينمو
جنوب القويرة وفي جميع انحاء حسما هو اصل وادي الغضا. والى الشرق من
القويرة ترتفع جبال الشرى الشاهقة التي تجنبها المتنبي بالتأكيد خوفاً من
المرور بمستوطنة معان وحاميتها. ثم عبر المتنبي بعد ذلك سهل حسما، ودار
حول جبال الشرى، وكذلك حول مرتفعات الكفوف الكثيرة. ومن المؤكد انه ارتوى
من الآبار الصغيرة التي تدعى «مشاش الكبد» او كما ذكرها «الكبد». ولو لم
تكن البويرة هي القويرة، لوجب علينا البحث عنها الى الشرق من «الكبد»،
وربما في آبار «الامرر» في الطرف الشمالي الغربي من سهل البسيطة القاحل
(وهو «البسيط» حسب رواية المتنبي) حيث ما زالت الحيوانات مثل النعام
والوعول تجري فيه حتى الآن. اما عقدة الجوف او «العقدة» فهي اخدود عميق
تملأ نصفه الرمال، ويقع الى الجنوب الشرقي من واحة دومة الجندل القديمة.
والجراوي هي بئر ومزرعة منزوية تبعد 3 كلم الى الجنوب من الواحة ذاتها.
وبناءً على ذلك يتبين لنا ان الطريق الذي سلكه الشاعر انحدر من صحراء
البسيطة ليمر عبر الاخدود في عقدة الجوف الى حوض الجوف. ولعله تابع سيره
شرقاً نحو «صور» (بفتح الصاد) واسمها اليوم «صوير». ويعرّف المعلق الواحدي
«صور» هذه بأنها «صوراء» (المتنبي، المرجع المكان) لكنه لم يكن متمرساً
بطبوغرافية الجزيرة العربية، لا هو ولا معلمه، فقد كان الاثنان يبحثان عن
أماكن بعيدا جدا عن مواضعها الحقيقية. والشغور (جمع «شغار» و«شغيّر») وهما
بئران إلى الشمال الغربي من مستوطنات الجوف حاليا. وربما دل هذا الاسم على
مجرد بقعة فيها عين ماء تقع الى الشمال الشرقي من «صور» أي «صوير» حاليا.
وتقع «الجميعي» كذلك (وهي مشاش الجميعي اليوم) في الاتجاه ذاته وكذلك
الأمر بالنسبة إلى الأضارع، أو كما ينطقها الرولة الاظارع. اما «الدنا»
فلا أعرف عنها شيئا. ويمكن العثور على «عكوش» في القمم الصغيرة من عكّاش
جنوبي مدينة النجف. والرهيمة مستوطنة تقع بين عكاش والنجف. ومن المؤسف ان
المتنبي لم يذكر سوى اسماء قليلة بين صوير والكوفة.
من يلقي نظرة على
ما كتبه مرسيل انه معذور لأنه يأتي الى منطقة غير ممسوحة جغرافيا والمعالم
مضى عليها الف سنة وهو يتنقل على الجمال من جماعة وقبيلة الى أخرى وبعض
الأماكن سمع عنها ولم يزرها شخصيا لأن التنقل في هذه المنطقة ليس بالأمر
الهين، لهذا نقول: الله يعطيه العافية على جهوده السباقة في هذا المجال،
حيث فتح لنا باباً كان موصدا، ولم يفتح ولم يعرف أحد من قبل.
الآن يسرني ان استعرض رحلة المتنبي في المملكة ونسير معه ورحلته خطوة بخطوة ولنقف عند الحدود السعودية حيث يقول:
«روابي الكفاف وكبد الوهاد – وجار البويره وادي الفضى» وكان يسبق هذا البيت حيث يقول:
«وأمست تخبرنا بالنقاب
وادي المياه ووادي القرى»
ويقول:
«وهين بجسمي هيوب الديور
مستقبلات مهيب الصبا»
وبعد بيت روابي الكفاف يقول:
«وجابت بسيطة جوب الرداء
بين النعام وبين المهى
إلى عقدة الجوف حتى شغف
بماء الجراوي بعض الصدى»
ومس الجميعي دئدائها
وغادى الاضارع ثم الدنا
فبالك ليلا على أعكس
أحم البلاد خفى الصوى»
هذه
هي أهم الأبيات التي وردت في هذه القصيدة الهيذلي التي تبلغ ثلاثة وثلاثين
بيتا من عيون الشعر العربي الاصيل يقول في مطلعها: «روابي الكفاف».
1-
روابي الكفاف: اخر نقطة وانت متجه من مدينة طريف الى مدينة الحدود
«الحديثة» التي كانت قديما المحدث او المحدثة وتسمى اليوم «كاف».
2-
وادى القرى: هو مدينة القريات اليوم المحاذية للحديثة، المدينة الحدودية.
والقريات تطوق منذ القديم من «وادي قرى» وهو جمع قرية الى التصغير القريات.
3- جاري البويرة: هي اليوم مركز «بائر» وانظر كيف صغر بائر الى «بوير» ولا يمكن نطق التصغير «بؤير» ولهذا نعتوها بائر بالتكبير.
4- بين بائر البويره ووادي القرى القريات، يقع وادي النض المعروف اليوم «غطى من دون وادي».
5- يواصل المتنبي رحلته ويكد السير حتى يصل الى «بسيطة» التي يسميها «وجابت بسيطة جوب الرداء» وهي اليوم البسيطاء او وادي البسيطاء.
وكذلك يواصل المتنبي رحلته وهو ينتقل من منزل الى منزل حتى يصل الى عين الجراوي التي يسميها «ماء الجراوي» ومنها الى بئر سعار.
6-
ويتحرك المتنبي حتى يصل الى عقدة الجوف وكان قد سبق ان ارتوى ماء الجراوي
و«الجوف»، فعلا انها اسم على مسمى «عقدة الجوف»، حيث كانت تربط العراق
بالحجاز والشام، في هذه المدينة لا بل في العصر الحديث متوسطة بين دومة
الجندل وبين السكاكة لهذا كانت اسما على مسمى.
7- عندما غادر الجوف
اختار الطريق المعروف قديماً الى الكوفة، واليوم هناك طريق يؤدي الى عرعر
وهناك ايضا مركز «زلوم» تفترق منه الى عرعر او يمينا الى جهة الكوفة،
الطريق القديم وهذا يوصل الى مدينة «حور» التي يقول فيها «ولاح لها صور
والصباح» وصور المعروفة اليوم بـ «الصوير» وكان ان تذكر التي قرب ماء
الجراوي فلم يتركها، حيث قال «ولاح لها صور والصباح».
8- صبيحة: وهي منهل ماء قرب عين ماء الجراوي.
ويتابع
المتنبي سيره من صور صوير اليوم وهو يمر في قور الوصل فيضه الشفلحية حتى
آبار «الجواري» ثم على قلبان «الدويد»، وهو وادي الدويد الممتد حتى خط
التابلاين والطريق الدولي، وهذا ما عناه المتنبي يقول:
ومسى الجُميعي دئدائها
وغادي الأضارع ثم الدنا
فقد تطورت الى الوديد من الدئداد.
9ــ ويقول:
فيالك ليلاً على اعكش
أحمَّ البلاد خفيَّ الهوى
تطورت
اعكش إلى ابن عاكش أو عائش كما كانت ترد على الألسنة اليوم، وهذه لا تبعد
عن العويقلية التي على الخط السريع وانت متجه إلى عرعر.
10ــ يقول في بيت سابق:
ولاح لها صور والصباح
ولاح الشغور لها والضحى
يجب
ان نعلم ان الصباح في الشطر الأول هو صبيح كما قلت قرب منهل الجراوي، اما
الضحى في الشطر الثاني من البيت فهو وقت الضحى من النهار.
11ــ الشغور
المذكورة في الفقرة السابقة هي اليوم ظهرة «الشير» وهي على مقربة من شبهاء
الصحن، ومن هذه المنطقة انطلق المتني الى الكوفة في العراق حيث ان هذه
الشغور اليوم على حافة الحدود العراقية - السورية وعلى مقربة منها رجم
النعام والصحن حتى تصل الى منهل الليفية متجها الى الكوفة، وهنا أقف فقط
على المناطق في المملكة. وسنعود للحديث عن المناطق في سيناء والمنطقة
الفاصلة من الحدود السعودية حتى الكوفة.
اخيرا، هذه ملامح اولية عن رحلة المتبني التاريخية التي سجلها شعرا وأدبا وتاريخا نضعها بين يديك قارئي العزيز.
يسرني
ان ألحق بهذا البحث هذه القصيدة العتيدة التي سجل المتنبي فيها المنازل
والمناهل بل ذكرياته في هذه الرحلة وطفولته عندما كان فيها في اول حياته.
ألا كل ماشية الخيزلى
وكل نجاة بجاوية
ولكنهن حبالُ الحياة
ضربت بها التيه ضرب الق.ما
إذا فزعت قدمتها الجياد
فمرت بنخل وفي ركبها
وأمست تخيرنا بالنقا
وقلنا لها أين أرض العراق
وهبت بحسمى هبوب الدبو
روابي الكفاف وكبد الوهاد
وجابت بسيطة جوب الردا
الى عقدة الجوف حتى شفت
ولاح لها صور والصباح
وَمسَّى الجميعي د.ئداؤها
فيا لك ليلا على أعكش
وردنا الرهيمة في جوزه
فلما أنخنا ركزنا الرما
وبتنا نقبل أسيافنا
لتعلم مصر ومن بالعراق
وأني وفَيتُ وأني أبيتُ
وما كل من قال قولا وفى
ومن يك قلب كقلبي له
ولا بد للقلب من آلة
وكل طريق أتاه الفتى
ونام الخويدم عن ليلنا
وكان على قربنا بيننا
وماذا بمصر من المضحكات
بها نبطي من أهل السواد
وأسود م.شفرُه نصفُه
وشعر مدحت به الكركدن
فما كان ذلك مدحا له
وقد ضل قوم بأصنامهم
ومن جهلتْ نفسُه قدَره
فدى كل ماشية الهيذبى
خنوف وما بي حُسنُ المشى
وكيد العداة وميْطُ الأذى
ر إمَّا لهذا وإما لذا
وبيض السيوف وسُمرُ القنا
عن العالمين وعنه غنى
ب وادي المياه ووادي القرى
فقالت ونحن بتربان ها
ر مستقبلات مهبَّ الصبا
وجار البويرة وادي الغضى
ء بين النعام وبين المهى
بماء الجراوي بعض الصدى
ولاح الشغور لها والضحى
وغادى الاضارع ثم الدنا
أحم البلاد خفي الصُوى
وباقية أكثر مما مضى
ح بين مكارمنا والعلى
ونمسحها من دماء العدى
ومن بالعواصم أني الفتى
وأني عَتوتُ على من عتا
ولا كل من سيم خسفا أبى
يشق الى العز قلبَ التوى
ورأي يصدع صُم الصفا
على قدر الرجل فيه الخطى
وقد نام قبلُ عمىَّ لا كرى
مهامه من جهله والعمى
ولكنه ضحك كالبكا
يدرس أنساب أهل الفلا
يقال له أنت بدر الدجى
بين القريض وبين الرُقى
ولكنه كان هَجْوَ الورى
وأما بزقّ رياح فلا
رأى غيرُه منه ما لا يرى
اليوم، واقوم بتفسيرها وشرحها بعد هذه الرحلة الطويلة داخل المملكة
العربية السعودية فحسب، كان المتنبي عندما وصل الى الحديثة والقريات وواصل
سيرة حتى الجوفة التي يسميها عقدة الجوف، متجها الى العراق اليوم فالكوفة،
سبحان الله الخط نفسه في الخرائط السعودية الحديثة، ان خط سير المناهل
والمنازل في القديم منذ الف سنة لم يتغير اليوم، لكن اسماء الاماكن حرفت
ويسرني هنا ان اذكر تعليقات موسيل قبل مائة سنة، حيث يقول في كتابه
«الصحراء العربية» الصفحة 118ــ119 التالي:
وربما توجه المتنبي من عين
توربان الى القويرة هذه هي أصل البويرة التي ذكرها. ولعل الغضا الذي ينمو
جنوب القويرة وفي جميع انحاء حسما هو اصل وادي الغضا. والى الشرق من
القويرة ترتفع جبال الشرى الشاهقة التي تجنبها المتنبي بالتأكيد خوفاً من
المرور بمستوطنة معان وحاميتها. ثم عبر المتنبي بعد ذلك سهل حسما، ودار
حول جبال الشرى، وكذلك حول مرتفعات الكفوف الكثيرة. ومن المؤكد انه ارتوى
من الآبار الصغيرة التي تدعى «مشاش الكبد» او كما ذكرها «الكبد». ولو لم
تكن البويرة هي القويرة، لوجب علينا البحث عنها الى الشرق من «الكبد»،
وربما في آبار «الامرر» في الطرف الشمالي الغربي من سهل البسيطة القاحل
(وهو «البسيط» حسب رواية المتنبي) حيث ما زالت الحيوانات مثل النعام
والوعول تجري فيه حتى الآن. اما عقدة الجوف او «العقدة» فهي اخدود عميق
تملأ نصفه الرمال، ويقع الى الجنوب الشرقي من واحة دومة الجندل القديمة.
والجراوي هي بئر ومزرعة منزوية تبعد 3 كلم الى الجنوب من الواحة ذاتها.
وبناءً على ذلك يتبين لنا ان الطريق الذي سلكه الشاعر انحدر من صحراء
البسيطة ليمر عبر الاخدود في عقدة الجوف الى حوض الجوف. ولعله تابع سيره
شرقاً نحو «صور» (بفتح الصاد) واسمها اليوم «صوير». ويعرّف المعلق الواحدي
«صور» هذه بأنها «صوراء» (المتنبي، المرجع المكان) لكنه لم يكن متمرساً
بطبوغرافية الجزيرة العربية، لا هو ولا معلمه، فقد كان الاثنان يبحثان عن
أماكن بعيدا جدا عن مواضعها الحقيقية. والشغور (جمع «شغار» و«شغيّر») وهما
بئران إلى الشمال الغربي من مستوطنات الجوف حاليا. وربما دل هذا الاسم على
مجرد بقعة فيها عين ماء تقع الى الشمال الشرقي من «صور» أي «صوير» حاليا.
وتقع «الجميعي» كذلك (وهي مشاش الجميعي اليوم) في الاتجاه ذاته وكذلك
الأمر بالنسبة إلى الأضارع، أو كما ينطقها الرولة الاظارع. اما «الدنا»
فلا أعرف عنها شيئا. ويمكن العثور على «عكوش» في القمم الصغيرة من عكّاش
جنوبي مدينة النجف. والرهيمة مستوطنة تقع بين عكاش والنجف. ومن المؤسف ان
المتنبي لم يذكر سوى اسماء قليلة بين صوير والكوفة.
من يلقي نظرة على
ما كتبه مرسيل انه معذور لأنه يأتي الى منطقة غير ممسوحة جغرافيا والمعالم
مضى عليها الف سنة وهو يتنقل على الجمال من جماعة وقبيلة الى أخرى وبعض
الأماكن سمع عنها ولم يزرها شخصيا لأن التنقل في هذه المنطقة ليس بالأمر
الهين، لهذا نقول: الله يعطيه العافية على جهوده السباقة في هذا المجال،
حيث فتح لنا باباً كان موصدا، ولم يفتح ولم يعرف أحد من قبل.
الآن يسرني ان استعرض رحلة المتنبي في المملكة ونسير معه ورحلته خطوة بخطوة ولنقف عند الحدود السعودية حيث يقول:
«روابي الكفاف وكبد الوهاد – وجار البويره وادي الفضى» وكان يسبق هذا البيت حيث يقول:
«وأمست تخبرنا بالنقاب
وادي المياه ووادي القرى»
ويقول:
«وهين بجسمي هيوب الديور
مستقبلات مهيب الصبا»
وبعد بيت روابي الكفاف يقول:
«وجابت بسيطة جوب الرداء
بين النعام وبين المهى
إلى عقدة الجوف حتى شغف
بماء الجراوي بعض الصدى»
ومس الجميعي دئدائها
وغادى الاضارع ثم الدنا
فبالك ليلا على أعكس
أحم البلاد خفى الصوى»
هذه
هي أهم الأبيات التي وردت في هذه القصيدة الهيذلي التي تبلغ ثلاثة وثلاثين
بيتا من عيون الشعر العربي الاصيل يقول في مطلعها: «روابي الكفاف».
1-
روابي الكفاف: اخر نقطة وانت متجه من مدينة طريف الى مدينة الحدود
«الحديثة» التي كانت قديما المحدث او المحدثة وتسمى اليوم «كاف».
2-
وادى القرى: هو مدينة القريات اليوم المحاذية للحديثة، المدينة الحدودية.
والقريات تطوق منذ القديم من «وادي قرى» وهو جمع قرية الى التصغير القريات.
3- جاري البويرة: هي اليوم مركز «بائر» وانظر كيف صغر بائر الى «بوير» ولا يمكن نطق التصغير «بؤير» ولهذا نعتوها بائر بالتكبير.
4- بين بائر البويره ووادي القرى القريات، يقع وادي النض المعروف اليوم «غطى من دون وادي».
5- يواصل المتنبي رحلته ويكد السير حتى يصل الى «بسيطة» التي يسميها «وجابت بسيطة جوب الرداء» وهي اليوم البسيطاء او وادي البسيطاء.
وكذلك يواصل المتنبي رحلته وهو ينتقل من منزل الى منزل حتى يصل الى عين الجراوي التي يسميها «ماء الجراوي» ومنها الى بئر سعار.
6-
ويتحرك المتنبي حتى يصل الى عقدة الجوف وكان قد سبق ان ارتوى ماء الجراوي
و«الجوف»، فعلا انها اسم على مسمى «عقدة الجوف»، حيث كانت تربط العراق
بالحجاز والشام، في هذه المدينة لا بل في العصر الحديث متوسطة بين دومة
الجندل وبين السكاكة لهذا كانت اسما على مسمى.
7- عندما غادر الجوف
اختار الطريق المعروف قديماً الى الكوفة، واليوم هناك طريق يؤدي الى عرعر
وهناك ايضا مركز «زلوم» تفترق منه الى عرعر او يمينا الى جهة الكوفة،
الطريق القديم وهذا يوصل الى مدينة «حور» التي يقول فيها «ولاح لها صور
والصباح» وصور المعروفة اليوم بـ «الصوير» وكان ان تذكر التي قرب ماء
الجراوي فلم يتركها، حيث قال «ولاح لها صور والصباح».
8- صبيحة: وهي منهل ماء قرب عين ماء الجراوي.
ويتابع
المتنبي سيره من صور صوير اليوم وهو يمر في قور الوصل فيضه الشفلحية حتى
آبار «الجواري» ثم على قلبان «الدويد»، وهو وادي الدويد الممتد حتى خط
التابلاين والطريق الدولي، وهذا ما عناه المتنبي يقول:
ومسى الجُميعي دئدائها
وغادي الأضارع ثم الدنا
فقد تطورت الى الوديد من الدئداد.
9ــ ويقول:
فيالك ليلاً على اعكش
أحمَّ البلاد خفيَّ الهوى
تطورت
اعكش إلى ابن عاكش أو عائش كما كانت ترد على الألسنة اليوم، وهذه لا تبعد
عن العويقلية التي على الخط السريع وانت متجه إلى عرعر.
10ــ يقول في بيت سابق:
ولاح لها صور والصباح
ولاح الشغور لها والضحى
يجب
ان نعلم ان الصباح في الشطر الأول هو صبيح كما قلت قرب منهل الجراوي، اما
الضحى في الشطر الثاني من البيت فهو وقت الضحى من النهار.
11ــ الشغور
المذكورة في الفقرة السابقة هي اليوم ظهرة «الشير» وهي على مقربة من شبهاء
الصحن، ومن هذه المنطقة انطلق المتني الى الكوفة في العراق حيث ان هذه
الشغور اليوم على حافة الحدود العراقية - السورية وعلى مقربة منها رجم
النعام والصحن حتى تصل الى منهل الليفية متجها الى الكوفة، وهنا أقف فقط
على المناطق في المملكة. وسنعود للحديث عن المناطق في سيناء والمنطقة
الفاصلة من الحدود السعودية حتى الكوفة.
اخيرا، هذه ملامح اولية عن رحلة المتبني التاريخية التي سجلها شعرا وأدبا وتاريخا نضعها بين يديك قارئي العزيز.
يسرني
ان ألحق بهذا البحث هذه القصيدة العتيدة التي سجل المتنبي فيها المنازل
والمناهل بل ذكرياته في هذه الرحلة وطفولته عندما كان فيها في اول حياته.
ألا كل ماشية الخيزلى
وكل نجاة بجاوية
ولكنهن حبالُ الحياة
ضربت بها التيه ضرب الق.ما
إذا فزعت قدمتها الجياد
فمرت بنخل وفي ركبها
وأمست تخيرنا بالنقا
وقلنا لها أين أرض العراق
وهبت بحسمى هبوب الدبو
روابي الكفاف وكبد الوهاد
وجابت بسيطة جوب الردا
الى عقدة الجوف حتى شفت
ولاح لها صور والصباح
وَمسَّى الجميعي د.ئداؤها
فيا لك ليلا على أعكش
وردنا الرهيمة في جوزه
فلما أنخنا ركزنا الرما
وبتنا نقبل أسيافنا
لتعلم مصر ومن بالعراق
وأني وفَيتُ وأني أبيتُ
وما كل من قال قولا وفى
ومن يك قلب كقلبي له
ولا بد للقلب من آلة
وكل طريق أتاه الفتى
ونام الخويدم عن ليلنا
وكان على قربنا بيننا
وماذا بمصر من المضحكات
بها نبطي من أهل السواد
وأسود م.شفرُه نصفُه
وشعر مدحت به الكركدن
فما كان ذلك مدحا له
وقد ضل قوم بأصنامهم
ومن جهلتْ نفسُه قدَره
فدى كل ماشية الهيذبى
خنوف وما بي حُسنُ المشى
وكيد العداة وميْطُ الأذى
ر إمَّا لهذا وإما لذا
وبيض السيوف وسُمرُ القنا
عن العالمين وعنه غنى
ب وادي المياه ووادي القرى
فقالت ونحن بتربان ها
ر مستقبلات مهبَّ الصبا
وجار البويرة وادي الغضى
ء بين النعام وبين المهى
بماء الجراوي بعض الصدى
ولاح الشغور لها والضحى
وغادى الاضارع ثم الدنا
أحم البلاد خفي الصُوى
وباقية أكثر مما مضى
ح بين مكارمنا والعلى
ونمسحها من دماء العدى
ومن بالعواصم أني الفتى
وأني عَتوتُ على من عتا
ولا كل من سيم خسفا أبى
يشق الى العز قلبَ التوى
ورأي يصدع صُم الصفا
على قدر الرجل فيه الخطى
وقد نام قبلُ عمىَّ لا كرى
مهامه من جهله والعمى
ولكنه ضحك كالبكا
يدرس أنساب أهل الفلا
يقال له أنت بدر الدجى
بين القريض وبين الرُقى
ولكنه كان هَجْوَ الورى
وأما بزقّ رياح فلا
رأى غيرُه منه ما لا يرى
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
مواضيع مماثلة
» أول من بحث عن رحلة المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة
» خطبة الحجاج في الكوفة
» عنصرية المتنبي
» الآخر في شعر المتنبي: الثقافة العنصرية
» رحلة ابن الكسال ....!
» خطبة الحجاج في الكوفة
» عنصرية المتنبي
» الآخر في شعر المتنبي: الثقافة العنصرية
» رحلة ابن الكسال ....!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى