الآخر في شعر المتنبي: الثقافة العنصرية
صفحة 1 من اصل 1
الآخر في شعر المتنبي: الثقافة العنصرية
غلاف الكتاب
في كتابه «صورة الاخر في شعر المتنبي» يرسم الباحث الدكتور محمد الخبازصورة «العبد» او «الزنجي» في المتخيل العربي وارتباط هذه الصورة بالدونيةوالخسة والحقارة، فهو يقول ان هذه الصورة السلبية لهذا الانسان ذي الجلدالاسود سادت في ثقافتنا العربية القديمة ما عدا فترة الرسول محمد (ص) التيتعتبر الفترة الوحيدة المضيئة التي تجاوزت بتسامحها العالي وانسانيتهاالرفيعة هذا الاختلاف العرقي وما يولده من صراعات. غير ان الاسلام بثقافتهالسمحة شيء وثقافة المجتمع شيء اخر. فهذه الثقافة العنصرية لم يستطعالاسلام مسحها تماما في النفوس، فظلت ضامرة حتى وجدت لها الفرصة لتتنفس منجديد لتنتقم من الاخر الاسود بعد ان امتلكت القوة المادية والاقتصاديةوالسياسية على وقوفه في وجه الامة العربية في فترة ما قبل البعثة.
يبدوان المتنبي الذي تربّى في ظل هذه الثقافة العنصرية قُدّر له ان يعبرالتعبير الابرز عنها في تراثنا القديم. فمع ان كثيرين قبله قالوا في«العبد» و«العبيد» و«السودان»، اي السود، ما لم يقله مالك في الخمر، الاانه لم يوهب لأقوالهم من الذيوع والانتشار ما وُهب لـ«قول» المتنبي فيهم.
العبد في التخيل العربي
ولكناذا عرفنا ملامح صورة العبد في المتخيل العربي بكل ابعادها، عرفنا حجمالمفارقة التي عايشها المتنبي، او بعبارة ادق، حجم المفارقة التي عايشتهاالثقافة العربية ممثلة بالمتنبي، حينما اصبح عبد من ابناء حام في اعلىالهرم، متربعا على رؤوس العرب من ابناء سام، وهو الذي موقعه في اسفل الهرموقاعه، اي ان الهرم اصبح مقلوبا، وهذا خلاف القانون الطبيعي في العقلالعربي، وهو الشيء الذي يدعو للعجب الشديد والذي لا يستطيع العقل العربياستيعابه:
ما كنت أحسبني أحيا الى زمن
يسيء لي فيه عبد وهو محمودُ
أكلما اغتال عبد السوء سيّده
او خانه، فله في مصر تمجيدُ
صار الخصيّ إمام الآبقين بها
فالحر مستعبد والعبد معبودُ
انهتناقض لا يحتمل وغير مفهوم من وجهة نظر المتنبي، ومن وجهة نظر الثقافةالتي يعيش فيها، وينشد أشعاره فيها ولها. ان وضعا كهذا وضع شاذ وخاطئ.ولذا كان لابد من تصحيحه بقتل هذا العبد الاسود الخصي:
ألا فتى يورد الهنديّ هامته
كيما تزول شكوك الناس والتهم
ولكنقبل الدخول في كافوريات المتنبي، وفيها كل الموروث العربي الأسود عنالسودان، توخى الباحث الامساك بهذه الثقافة السوداء في شعر المتنبي خارجالكافوريات اولا. لاحظ ان اللون الأسود في شعر المتنبي يأتي مرتبطابالاشياء الكريهة والبغيضة، فهو لون المصائب:
وفيّ من قارع الخطوب وما
آنسني بالمصائب السود
وهوايضا لون الشيب الابيض الذي كان المتنبي يكرهه في شبابه، وهو لون الصبحالمضيء اذا كان خاليا من الممدوح. وقد وردت لفظة الزنج مرة واحدة عنده، فيقوله:
ما شيد الله من مجد لسالفهم
إلا ونحن نراه فيهم الآنا
خلائق لو حواها الزنج لانقلبوا
ظمي الشفاه جعاد الشعر غُرّانا
هنايستحضر المتنبي بعض الموروث السلبي عن الزنج، اذا يثبت لهم انهم غليظوالشفاه، وشعرهم مجعد بشدة، ولو حووا خلائق الممدوحين لانقلب حالهم، فاصبحتشفاههم رقيقة وشعرهم أقل تجعدا ولونهم ابيض.
المتنبي وكافور
فيقصائد المدح الكافورية يستحضر المتنبي الصورة السلبية في المتخيل العربي.فكما استخدم لفظة بدر في اسم بدر بن عمار، ولفظة سيف في لقب سيف الدولة،ووظفها في قصيدته المدحية، حيث لعب بمعاني هذه الألفاظ وشقق دلالاتها،فانه هنا يستخدم اسم كافور ليلعب به، غير ان لعبة المتنبي كانت عملة ذاتوجهين، فهي من جهة مدح، ومن جهة اخرى هجاء. فالكافور ما يستخرج منه المسك،وإن كان يرتبط باللون الأسود من جهة اخرى حيث الكفر: هو الظلمة الحالكة..غير ان المتنبي يلعب بالجانب الشمّي لا اللون في عدة مواضع، فالمسك الذييكنى به كافور ليس من جنس المسك بمعناه الحقيقي، بل هو مسك مجازي:
انما يفخر الكريم أبو المسك
بما يبتني من العلياء
وبمسك يكنّى به ليس
بالمســك ولكنه أريج الثناء
وان كان لقب أبي المسك يرد اكثر الاحيان من دون توظيف، على ان مجرد ذكره هو استحضار للموروث السلبي من الزنج المشهورين بنتن رائحتهم:
عند الهمام أبي المسك الذي غرقت
في جودة مضر الحمراء واليمن
كماانه لا ينسى ان يستغل خاصية اللون الاسود في كافور ليلعب بها، كما لعببالرائحة، وان كان اللعب بالرائحة هو الأكثر مساحة. فكافور الاسود هو شمسمنيرة تفضح شمس السماء بضيائها الذي يزري بكل ضياء، ولا عجب فهو صادر منصاحب نفس بيضاء وان كان جلده اسود، هذا الجلد الذي تتحسر عليه بيض الملوكلانه يجعلها اكثر مهابة في الحرب في الكافوريات الهجائية يصبح التلميحتصريحا، اذ يستحضر فيه التخيل العربي عن الزنوج، فالمتنبي، كالموروثالعربي، يشبه كافور بالبهائم، وهو يحتاج العصا كما تحتاجها البهائم:
لا تشتر. العبد الا والعصا معه
ان العبيد لانجاس مناكيد
..........
العبد لا تفضل اخلاقه
عن فرجه المنتن او ضرسه
ويستحضر كذلك الرائحة النتنة للزنوج حتى ان الموت حينما يقبض ارواحهم تعلق رائحتهم بكفه:
ما يقبض الموت نفسا من نفوسهم
الا وفي يده من نتنها عود
ويستحضر صفة الجهل التي ارتبطت بالسود في المجتمع العربي:
وانك لا تدري ألونك اسود
من الجهل ام قد صار ابيض صافيا
وفيسخرية لاذعة يربط بين انعدام العقل لدى كافور بانعدام قدرته الجنسية،فكافور يتفق مع المتخيل في صفة الجهل والحمق، ويختلف معه في صفة انعدامالقدرة الجنسية.
ونام الخويدم من ليلنا
وقد نام قبل عمى لا كره
وكان على قربنا بيننا
مهامه من جهله والعمى
لقد كنت احسب قبل الخصي
ان الرؤوس مقر النهى
فلما نظرت الى عقله
رأيت النهى كلها في الخصى!
وقدكان يركز في هجائه على صفة الخصي، وكثيرا ما لقب بها كافور اذ هي خنجر ذوحدين، فهي تنفيه من جنسه الذي ينتسب اليهم لانه لا تنطبق عليه صفة الطاقةالجنسية العالية، وهي تعيره بعجزه الجنسي الذي هو مرادف لعجزه عن الاتيانبالمكرمات:
وذاك ان الفحول البيض عاجزة
عن الجميل فكيف الخصية السود
كما يستحضر صفة القبح التي هي ملازمة لابناء حام في المتخيل العربي:
ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة
ليضحك ربات الحداد البواكيا
واسود مشفرة نصفه
يقال له انت بدر الدجى
ولا ينسى تشقق الاطراف كصفة لازمة لجنس الزنوج:
وتعجبني رجلاك في النعل انني
رأيتك ذا نعل اذا كنت حافيا
والمتنبي غاضب على المسلمين لان من هم دونهم من العبيد اصبحوا ساداتهم:
سادات كل اناس من نفوسهم
وسادة المسلمين الاعبد القزم
وفيهذا خرق للطبيعة، فالعبد عبد والحر حر، ولا يمكن ان يكونا متساويين ابدا،ان صاحب الجبلة البيضاء هو فوق دائما، وصاحب الجبلة السوداء هو في الاسفلدائما حتى لو كان حراً:
العبد ليس لحر صالح بأخ
لو انه في ثياب الحر مولود!
جهاد فاضل
iswal- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1023
Localisation : CASA
Emploi : j'ai 1 travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مواضيع مماثلة
» عنصرية المتنبي
» أول من بحث عن رحلة المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة
» مزالا العنصرية : عزيز الطهري (زجال مغربي)
» رحلة وهروب المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة
» الإسبان حاولوا دائما محو الماضي العربي لكنهم لم يستطيعوا
» أول من بحث عن رحلة المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة
» مزالا العنصرية : عزيز الطهري (زجال مغربي)
» رحلة وهروب المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة
» الإسبان حاولوا دائما محو الماضي العربي لكنهم لم يستطيعوا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى