الرحلة المباركة/بقلم: مؤمن الهباء
صفحة 1 من اصل 1
الرحلة المباركة/بقلم: مؤمن الهباء
الحج تجربة روحية وإنسانية فريدة وعميقة.. وشعائر الحج تنطوي علي أبعاد
رمزية عبقرية. مليئة بالإيحاءات.. وربما لأنها كذلك. فقد جعل الله سبحانه
وتعالي الحج آخر الفروض في ترتيب الأركان التي بني عليها الإسلام. وجعله
واجباً مرة واحدة في العمر. حتي تكون فريضة الحج علامة مميزة وفارقة في
حياة الإنسان. يتعلق بها قبل أن يؤديها. وتهفو إليها نفسه. ويحافظ عليها
بعد أن يؤديها. فتكون سياجاً يحميه من الزلل. ورادعاً يردعه عن الانسياق
وراء الأطماع والشهوات.
وما من مسلم علي وجه الأرض إلا ويغمره الشوق إلي تلك الرحلة
الإيمانية المباركة.. ويتجدد هذا الشوق كل عام كلما حلت الأشهر المعلومات
للحج. وبهذا الشوق ترتبط الأفئدة بالبيت العتيق. مصداقاً لقول سيدنا
إبراهيم الخليل عليه السلام في دعائه القرآني: "فاجعل أفئدة من الناس تهوي
إليهم"
"فالأفئدة تتعلق بهناك.. بالمكان والزمان.. وتهفو حباً وشوقاً.. وتسافر علي جناح الوجد قبل أن تسافر الأجساد.
وحين يستجيب المسلم لدعاء أبي الأنبياء إبراهيم. ويكتب له الفوز بأداء
الفريضة. وتستعد الأجساد للسفر. فإنها تأخذ هيئة أخري غير تلك الهيئة التي
كانت عليها بامتداد الزمان والمكان الذي عاشته.. إذ للحج هيئة مختلفة تذكر
الإنسان ببدايته ونهايته. تذكره بأنه "لم يكن شيئاً مذكورا". وأنه "كادح
إلي ربه كدحاً فملاقيه".
قبل أن تسافر الأبدان إلي بيت الله الحرام عليها أن تتطهر. وتخلع
ملابس الدنيا. وتتخلي عن كل جلال وجمال. وترتدي ملابس الموتي. الكفن. رداء
وإزاراً. حتي ينسي الحاج كل زينة حوله. وينسي الولد والزوجة والأهل والمال
والجاه والسلطان. ويتحلي بالزاد الوحيد المتاح له في قوله تعالي: "وتزودوا
فإن خير الزاد التقوي".
التقوي إذن هي الزاد والزواد.. من أجلها كانت التخلية عن كل زخارف
الدنيا. ومن أجلها كانت التحلية استعداداً للرحلة المباركة. ومن نفحات هذه
التقوي "المرجوة" تلهث الألسنة بتكبيرة التوحيد ونداء التلبية.
وإذا نظرت إلي المغزي الكبير الكامن وراء العبادات والشعائر المفروضة
في الإسلام فسوف تكتشف أنها- جميعا- تهدف إلي صلاح الحياة وإصلاح البشر..
وأنها مرتبطة برجاء تحقيق التقوي في الإنسان.. وذلك علي أساس أن الشخص
التقي سوف يصلح مابينه وبين الناس. وما بينه وبين الحياة بأسرها. بقدر
مايصلح بينه وبين الله عز وجل في السر والعلن.
فالصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر.. يقول تعالي: "إن الصلاة تنهي عن
الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر".. ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: "من
لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلاصلاة له".
والزكاة تطهر المؤمنين وتنقيهم من الذنوب والآثام. وتضع البركة في
أموالهم.. يقول تعالي: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم
إن صلاتك سكن لهم".. ويقول: "وماتنفقوا من خير يوف إليكم".
وعن الصوم يقول سبحانه وتعالي: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون".
فالهدف الأكبر هو: رجاء تحقيق التقوي.. وبالتقوي يتحدد الثواب. ورب
صائم لم يأخذ من صومه غير الجوع والعطش لأن الصوم لم يحقق له التقوي
المرجوة".
وعن الحج يقول سبحانه وتعالي: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم..".
ويقول: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب".
وعن الذبائح التي تقدم في الحج- الهدي- يقول تعالي: "لن ينال الله لحومها ولادماؤها ولكن يناله التقوي منكم".
فالتقوي هي الهدف. وهي الوسيلة أيضا. وكلما خطت قدم الحاج خطوة إلي الأمام علا رصيد التقوي في نفسه. وارتفع رصيد الزاد الذي يحمله.
وكلما تنقل الحجيج بين المشاعر المقدسة صفت نفوسهم وخفت أرواحهم. وعلت
بهم إلي عنان السماء. حتي إذا عادوا إلي ذويهم مأجورين كان جزاؤهم الجنة.
علي نحو ما جاء في حديث الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم: "الحج المبرور
ليس له جزاء إلا الجنة".
لقد اقتضت حكمة الله تعالي أن تبدأ الرحلة المباركة بالنية والطهارة
والغسل والوضوء والإحرام. وحين تحط الرحال في مكة المكرمة تبدأ مناسك الحج
بالطواف حول الكعبة المشرفة ثم الصلاة في مقام إبراهيم وحجر إسماعيل
عليهما السلام. ثم النزول إلي زمزم للشرب والوضوء. ثم الصعود إلي مني في
يوم التروية. ثم التحرك إلي عرفات الله لقضاء يوم الوقفة. وقفة عرفات التي
يتجلي فيها الله علي عباده. ثم النزول إلي مزدلفة للصلاة وجمع الحصوات.
والإفاضة إلي المشعر الحرام ورمي الجمرات. وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا
والمروة. والتحلل.
يا لها من لحظات ربانية رائعة.. تزلزل الأحجار الصلدة. وتلين القلوب
الجامدة بحكمتها الواضحة التي تقول "ليس لك من الأمر شيء".. وتقول أيضا:
"لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة".
ومن فضل الله علينا ورحمته بنا أن جعلنا. ونحن هنا. باستطاعتنا أن
نتمثل زوار بيته الحرام بأرواحنا. ونشاركهم الفرحة بقضاء الشعائر. وزيارة
مسجد الرسول بالمدينة المنورة. فالشوق سفيرنا إلي هناك. والأرواح جنود
مجندة.
رمزية عبقرية. مليئة بالإيحاءات.. وربما لأنها كذلك. فقد جعل الله سبحانه
وتعالي الحج آخر الفروض في ترتيب الأركان التي بني عليها الإسلام. وجعله
واجباً مرة واحدة في العمر. حتي تكون فريضة الحج علامة مميزة وفارقة في
حياة الإنسان. يتعلق بها قبل أن يؤديها. وتهفو إليها نفسه. ويحافظ عليها
بعد أن يؤديها. فتكون سياجاً يحميه من الزلل. ورادعاً يردعه عن الانسياق
وراء الأطماع والشهوات.
وما من مسلم علي وجه الأرض إلا ويغمره الشوق إلي تلك الرحلة
الإيمانية المباركة.. ويتجدد هذا الشوق كل عام كلما حلت الأشهر المعلومات
للحج. وبهذا الشوق ترتبط الأفئدة بالبيت العتيق. مصداقاً لقول سيدنا
إبراهيم الخليل عليه السلام في دعائه القرآني: "فاجعل أفئدة من الناس تهوي
إليهم"
"فالأفئدة تتعلق بهناك.. بالمكان والزمان.. وتهفو حباً وشوقاً.. وتسافر علي جناح الوجد قبل أن تسافر الأجساد.
وحين يستجيب المسلم لدعاء أبي الأنبياء إبراهيم. ويكتب له الفوز بأداء
الفريضة. وتستعد الأجساد للسفر. فإنها تأخذ هيئة أخري غير تلك الهيئة التي
كانت عليها بامتداد الزمان والمكان الذي عاشته.. إذ للحج هيئة مختلفة تذكر
الإنسان ببدايته ونهايته. تذكره بأنه "لم يكن شيئاً مذكورا". وأنه "كادح
إلي ربه كدحاً فملاقيه".
قبل أن تسافر الأبدان إلي بيت الله الحرام عليها أن تتطهر. وتخلع
ملابس الدنيا. وتتخلي عن كل جلال وجمال. وترتدي ملابس الموتي. الكفن. رداء
وإزاراً. حتي ينسي الحاج كل زينة حوله. وينسي الولد والزوجة والأهل والمال
والجاه والسلطان. ويتحلي بالزاد الوحيد المتاح له في قوله تعالي: "وتزودوا
فإن خير الزاد التقوي".
التقوي إذن هي الزاد والزواد.. من أجلها كانت التخلية عن كل زخارف
الدنيا. ومن أجلها كانت التحلية استعداداً للرحلة المباركة. ومن نفحات هذه
التقوي "المرجوة" تلهث الألسنة بتكبيرة التوحيد ونداء التلبية.
وإذا نظرت إلي المغزي الكبير الكامن وراء العبادات والشعائر المفروضة
في الإسلام فسوف تكتشف أنها- جميعا- تهدف إلي صلاح الحياة وإصلاح البشر..
وأنها مرتبطة برجاء تحقيق التقوي في الإنسان.. وذلك علي أساس أن الشخص
التقي سوف يصلح مابينه وبين الناس. وما بينه وبين الحياة بأسرها. بقدر
مايصلح بينه وبين الله عز وجل في السر والعلن.
فالصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر.. يقول تعالي: "إن الصلاة تنهي عن
الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر".. ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: "من
لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلاصلاة له".
والزكاة تطهر المؤمنين وتنقيهم من الذنوب والآثام. وتضع البركة في
أموالهم.. يقول تعالي: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم
إن صلاتك سكن لهم".. ويقول: "وماتنفقوا من خير يوف إليكم".
وعن الصوم يقول سبحانه وتعالي: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون".
فالهدف الأكبر هو: رجاء تحقيق التقوي.. وبالتقوي يتحدد الثواب. ورب
صائم لم يأخذ من صومه غير الجوع والعطش لأن الصوم لم يحقق له التقوي
المرجوة".
وعن الحج يقول سبحانه وتعالي: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم..".
ويقول: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب".
وعن الذبائح التي تقدم في الحج- الهدي- يقول تعالي: "لن ينال الله لحومها ولادماؤها ولكن يناله التقوي منكم".
فالتقوي هي الهدف. وهي الوسيلة أيضا. وكلما خطت قدم الحاج خطوة إلي الأمام علا رصيد التقوي في نفسه. وارتفع رصيد الزاد الذي يحمله.
وكلما تنقل الحجيج بين المشاعر المقدسة صفت نفوسهم وخفت أرواحهم. وعلت
بهم إلي عنان السماء. حتي إذا عادوا إلي ذويهم مأجورين كان جزاؤهم الجنة.
علي نحو ما جاء في حديث الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم: "الحج المبرور
ليس له جزاء إلا الجنة".
لقد اقتضت حكمة الله تعالي أن تبدأ الرحلة المباركة بالنية والطهارة
والغسل والوضوء والإحرام. وحين تحط الرحال في مكة المكرمة تبدأ مناسك الحج
بالطواف حول الكعبة المشرفة ثم الصلاة في مقام إبراهيم وحجر إسماعيل
عليهما السلام. ثم النزول إلي زمزم للشرب والوضوء. ثم الصعود إلي مني في
يوم التروية. ثم التحرك إلي عرفات الله لقضاء يوم الوقفة. وقفة عرفات التي
يتجلي فيها الله علي عباده. ثم النزول إلي مزدلفة للصلاة وجمع الحصوات.
والإفاضة إلي المشعر الحرام ورمي الجمرات. وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا
والمروة. والتحلل.
يا لها من لحظات ربانية رائعة.. تزلزل الأحجار الصلدة. وتلين القلوب
الجامدة بحكمتها الواضحة التي تقول "ليس لك من الأمر شيء".. وتقول أيضا:
"لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة".
ومن فضل الله علينا ورحمته بنا أن جعلنا. ونحن هنا. باستطاعتنا أن
نتمثل زوار بيته الحرام بأرواحنا. ونشاركهم الفرحة بقضاء الشعائر. وزيارة
مسجد الرسول بالمدينة المنورة. فالشوق سفيرنا إلي هناك. والأرواح جنود
مجندة.
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» الشجرة المباركة
» الشجرة المباركة=شعارصدى الزواقين
» «الرحلة الأخروية العلائية».. انتقام النص لصاحبه
» الرحلة العربية في ألف عام.. : اكتشـــــــــــــــــــــاف الذات والآخر/عبدالرحيم مؤدن
» لوكليزيو.،. : رواية الرحلة، رحلة الرواية/عبد الرحيم مؤذ ن
» الشجرة المباركة=شعارصدى الزواقين
» «الرحلة الأخروية العلائية».. انتقام النص لصاحبه
» الرحلة العربية في ألف عام.. : اكتشـــــــــــــــــــــاف الذات والآخر/عبدالرحيم مؤدن
» لوكليزيو.،. : رواية الرحلة، رحلة الرواية/عبد الرحيم مؤذ ن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى