قراءة جديدة لنصوصه الصوفية الكاملة : هكذا تكلم الحلاج
صفحة 1 من اصل 1
قراءة جديدة لنصوصه الصوفية الكاملة : هكذا تكلم الحلاج
يرى الباحث قاسم محمد عباس في الدراسة التي قدم بها النصوص الصوفية
الكاملة للمتصوف الإسلامي الحسين بن منصور الحلاج، ان الحلاج كان الأكثر
تأهلا كداعية مثقف للدفاع عن الجوهر الاسلامي في تعبيد الطريق الجديد
للوصول إلى الحق. «قد يكون الحلاج فارسي الأصل، غير انه نسي لغته الفارسية
منذ السادسة من عمره، وتعرب وكان أكثر عربية من غيره يستوحي مواقفه من
مصدر الوحي لتعلو نبرته الشخصية وتتجاوز كل التعاليم الهندوسية في زيارته
إلى الهند، وغمر نفوس الهندوس بطموح تحطيم ما كان قد تحجر في البلدان
الاسلامية. وفي تركيا كان عمل الحلاج أكثر وضوحا بعد عشرة قرون. فطبقا لما
قاله فريد الدين العطار، فان الحلاج قد أصبح الولي الذي يقود النفوس إلى
الاتحاد الصوفي عبر استشهاده. الا ان الحلاج في البلدان الناطقة بالعربية
ظل هذا المتصوف الذي يتكلم العربية شخصية مشبوهة»!
يقول الباحث ان
العقيدة الحلاجية اوجدت في الاسلام فرصة واملا للارتقاء إلى ما فوق الشكل
الخارجي للعبادة بفضل فلاسفة عظام وصوفية بارعين امثال ابن عربي وابن
سبعين وجلال الدين الرومي وعبدالكريم الجيلي. لقد رأى هؤلاء ان الثقة
بالأولياء ستشارك في بناء وحدة روحية انسانية أكثر سموا من أي جمال
عقائدي، هذه الوحدة الروحية التي ابتدأ بها النبي (ص) بعد هجرته إلى
المدينة، بوصفه الحل الأمثل للمدينة الروحية التي وضع الحلاج اساسها
باستشهاده.
لذا يمكننا القول بعد ان حاولنا تقديم قراءة شخصية لحياة
وموت الحلاج بانه أول الصوفية العظام من السنة الذين اسسوا فكرة تقول ان
نهاية التاريخ الانساني ليست مجرد دورة كوكبية سيارة، كما يعتقد بعض
الشيعة، أو دعوة للأصول، كما يرى الجنيد، لكنه الحكم الذي يتحقق من
الميثاق الالهي من جهة، والثواب الحقيقي على ايمان صادر من الفعل الخلاق
الذي لا يتحدد بعبادة مقيدة، بل بعبادة هي في جذورها الرحمة الالهية التي
تعني في ابسط صورها تعظيم المخلوق بحكم علاقته بالخالق، بفهم ان بداية
الوجود انطلقت من هذه الرحمة. فكيف يمكن ان تنفصل النهاية عن البداية؟
ولذا فعندما سئل الحلاج: ايهما اطيب البداية ام النهاية، اجاب: كيف يقع
بينهما الخير، ليس للنهاية ذوق استطابة، انما هو تحقيق!
تصوف الحلاج في رأي الباحث لا يمكن ان يكون بمعزل عن عرض العلاقة بينه وبين غيره من الروحانيات.
«واقصى
ما يمكن ان نسجله على تصوفه هو تناوب فاعلية المصادرة، من المسيحي إلى
الهندي إلى المصدر اليوناني الهليني، وذلك لسبب واضح هو ان تعددية هذه
المصادر تشمل الفكر الاسلامي قاطبة، لا تصوف الحلاج وحده».
ثم ان اي
محاولة لتوثيق حياة الحلاج، تعني القيام بتوثيق فكري لتاريخ الولاية
الصوفية، وتلمس الجذر الأول للفكر الصوفي الاسلامي بسبب ان المراجعة
التاريخية لحياة الحلاج، انما تعني استحضار ما هو عقائدي وتاريخي وسياسي
متعلق بمحاكمة الولاية الصوفية، أو مقاضاة الشخصية المتألهة في الاسلام
بفهم انها تدل على الشاهد الفاعل على الحقيقة في الالهيات الاسلامية التي
ظهرت في شخصية صوفية توفر لها ان تزج الفكر الاسلامي في معركة فكرية/روحية
ادت نتائجها إلى زعزعة العالم الاسلامي.
«والاهم من ذلك ان منعطفات هذه
الحياة ما زالت مطروحة بحدة إلى الآن امام ما يمكن تسميته بموقع التناقض
في الفكر الاسلامي. والا كيف يحدث الا تندثر سيرة هذا الصوفي، كما حدث مع
الكثير من نظرائه، لنصطدم بظاهرة تاريخية غير متوقعة ابدا، ظاهرة البقاء
الثابت والملح في الذاكرة الاسلامية لشخصية اخلاقية حادة لم يكن من المجدي
الالتفاف عليها، ومن ثم تشويه صورتها من قبل الساسة وبعض رجال الدين
والقضاة. ونتلمس هذا البقاء الملح عبر الظهور العفوي للواقعة الحلاجية في
ضمائر متعددة وفي أوقات متفاوتة كانت تعيد قضية الحلاج من جديد أمام مراكز
العدل الاسلامي، سواء كانت دينية أو سياسية.
وكان من الصعب في كل مرة
اثبات ان الادانة كانت صحيحة، ولم تكن باي حال من الأحوال تلك الاتهامات
المبتكرة والمحتملة التي جمعت ضده بقسوة ذات أهمية عقائدية أو قانونية
فضلا عن ضعف سبب الاتهام الذي انتج الفاجعة التي بدت في شكلها النهائي
تدميرا حقيقيا لجوهر الشرع الاسلامي، ومقاضاة دموية للولاية تضمنت مساحة
كبيرة من الدراما».
يبدو الموت بالنسبة الى الحلاج وكأنه يمنح الحياة
معناها. لقد جرى مثل هذا النقاش عند بعض الفلاسفة حول ما اذا كان يتعين عد
الحياة تأملا للحياة، أو تأملا للموت.
أبدى سبينوزا هذه الملاحظة
أكثر من مرة، الا ان مثل هذا البديل الرؤيوي لم يكن موجودا في العقيدة
الحلاجية، لان الحلاج لا يفرق بين الحياة والموت وفق الفهم المتداول الا
في الاطار الذي يسمح بتسمية الموت بالحرية في مقابل السجن الذي هو نموذج
الحياة. ولما كان الله هو خالق الحياة والموت، وان الأمر يتعلق هنا بخلقين
يتداخلان باسمين الهيين اساسهما الوحدة الالهية التي تأملها الحلاج، اذن
لا بد من ملامسة الوحدة الجوهرية للحياة والموت:
اقتلوني يا ثقاتي
ان في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي
وحياتي في مماتي
انا عندي محو ذاتي
من أجلّ المكرمات.
وبقائي في صفاتي
من قبيح السيئات.
أما
الآراء التي حاولت ان تروج لفكرة ان الذي قُطع جسده ليس الحلاج بل جسد آخر
استبدل به، فانها تمثل موقفا حاول ان يسلب المغامرة الحلاجية من كل
دلالاتها، بل اننا نستطيع ان نؤشر الى ان فرح الحلاج وتبختره وهو يتقدم
نحو موته بصورة تتماهى مع الشهداء الاوائل للاسلام المبكر، تلخص لنا
اندفاعة رقص متحدية محاربة.
هذا التبختر الذي علمه النبي (ص)
لمحاربيه وهم يقفزون إلى قلب المعركة المقدسة في سبيل الله. لقد ردد
الحلاج وهو يتقدم نحو موته مقطعا من أربعة ابيات تكشف لنا السيكولوجية
الحلاجية، وتؤطر لنا التصور الحلاجي عن التضحية وتحطيم المعبد الإبراهيمي
في جسده:
نديمي غير منسوب
إلى شيء من الحيف.
سقاني مثل ما يشرب
فعل الضيف بالضيف.
فلما دارت الكأس
دعا بالنطع والسيف
كذا من يشرب الراح
مع التنين في الصيف.!
هذا ويضم الكتاب ديوان الحلاج والطواسين والشذرات والمرويات والاقوال المنسوبة إلى الحلاج.
عرض: جهاد فاضل
الكاملة للمتصوف الإسلامي الحسين بن منصور الحلاج، ان الحلاج كان الأكثر
تأهلا كداعية مثقف للدفاع عن الجوهر الاسلامي في تعبيد الطريق الجديد
للوصول إلى الحق. «قد يكون الحلاج فارسي الأصل، غير انه نسي لغته الفارسية
منذ السادسة من عمره، وتعرب وكان أكثر عربية من غيره يستوحي مواقفه من
مصدر الوحي لتعلو نبرته الشخصية وتتجاوز كل التعاليم الهندوسية في زيارته
إلى الهند، وغمر نفوس الهندوس بطموح تحطيم ما كان قد تحجر في البلدان
الاسلامية. وفي تركيا كان عمل الحلاج أكثر وضوحا بعد عشرة قرون. فطبقا لما
قاله فريد الدين العطار، فان الحلاج قد أصبح الولي الذي يقود النفوس إلى
الاتحاد الصوفي عبر استشهاده. الا ان الحلاج في البلدان الناطقة بالعربية
ظل هذا المتصوف الذي يتكلم العربية شخصية مشبوهة»!
يقول الباحث ان
العقيدة الحلاجية اوجدت في الاسلام فرصة واملا للارتقاء إلى ما فوق الشكل
الخارجي للعبادة بفضل فلاسفة عظام وصوفية بارعين امثال ابن عربي وابن
سبعين وجلال الدين الرومي وعبدالكريم الجيلي. لقد رأى هؤلاء ان الثقة
بالأولياء ستشارك في بناء وحدة روحية انسانية أكثر سموا من أي جمال
عقائدي، هذه الوحدة الروحية التي ابتدأ بها النبي (ص) بعد هجرته إلى
المدينة، بوصفه الحل الأمثل للمدينة الروحية التي وضع الحلاج اساسها
باستشهاده.
لذا يمكننا القول بعد ان حاولنا تقديم قراءة شخصية لحياة
وموت الحلاج بانه أول الصوفية العظام من السنة الذين اسسوا فكرة تقول ان
نهاية التاريخ الانساني ليست مجرد دورة كوكبية سيارة، كما يعتقد بعض
الشيعة، أو دعوة للأصول، كما يرى الجنيد، لكنه الحكم الذي يتحقق من
الميثاق الالهي من جهة، والثواب الحقيقي على ايمان صادر من الفعل الخلاق
الذي لا يتحدد بعبادة مقيدة، بل بعبادة هي في جذورها الرحمة الالهية التي
تعني في ابسط صورها تعظيم المخلوق بحكم علاقته بالخالق، بفهم ان بداية
الوجود انطلقت من هذه الرحمة. فكيف يمكن ان تنفصل النهاية عن البداية؟
ولذا فعندما سئل الحلاج: ايهما اطيب البداية ام النهاية، اجاب: كيف يقع
بينهما الخير، ليس للنهاية ذوق استطابة، انما هو تحقيق!
تصوف الحلاج في رأي الباحث لا يمكن ان يكون بمعزل عن عرض العلاقة بينه وبين غيره من الروحانيات.
«واقصى
ما يمكن ان نسجله على تصوفه هو تناوب فاعلية المصادرة، من المسيحي إلى
الهندي إلى المصدر اليوناني الهليني، وذلك لسبب واضح هو ان تعددية هذه
المصادر تشمل الفكر الاسلامي قاطبة، لا تصوف الحلاج وحده».
ثم ان اي
محاولة لتوثيق حياة الحلاج، تعني القيام بتوثيق فكري لتاريخ الولاية
الصوفية، وتلمس الجذر الأول للفكر الصوفي الاسلامي بسبب ان المراجعة
التاريخية لحياة الحلاج، انما تعني استحضار ما هو عقائدي وتاريخي وسياسي
متعلق بمحاكمة الولاية الصوفية، أو مقاضاة الشخصية المتألهة في الاسلام
بفهم انها تدل على الشاهد الفاعل على الحقيقة في الالهيات الاسلامية التي
ظهرت في شخصية صوفية توفر لها ان تزج الفكر الاسلامي في معركة فكرية/روحية
ادت نتائجها إلى زعزعة العالم الاسلامي.
«والاهم من ذلك ان منعطفات هذه
الحياة ما زالت مطروحة بحدة إلى الآن امام ما يمكن تسميته بموقع التناقض
في الفكر الاسلامي. والا كيف يحدث الا تندثر سيرة هذا الصوفي، كما حدث مع
الكثير من نظرائه، لنصطدم بظاهرة تاريخية غير متوقعة ابدا، ظاهرة البقاء
الثابت والملح في الذاكرة الاسلامية لشخصية اخلاقية حادة لم يكن من المجدي
الالتفاف عليها، ومن ثم تشويه صورتها من قبل الساسة وبعض رجال الدين
والقضاة. ونتلمس هذا البقاء الملح عبر الظهور العفوي للواقعة الحلاجية في
ضمائر متعددة وفي أوقات متفاوتة كانت تعيد قضية الحلاج من جديد أمام مراكز
العدل الاسلامي، سواء كانت دينية أو سياسية.
وكان من الصعب في كل مرة
اثبات ان الادانة كانت صحيحة، ولم تكن باي حال من الأحوال تلك الاتهامات
المبتكرة والمحتملة التي جمعت ضده بقسوة ذات أهمية عقائدية أو قانونية
فضلا عن ضعف سبب الاتهام الذي انتج الفاجعة التي بدت في شكلها النهائي
تدميرا حقيقيا لجوهر الشرع الاسلامي، ومقاضاة دموية للولاية تضمنت مساحة
كبيرة من الدراما».
يبدو الموت بالنسبة الى الحلاج وكأنه يمنح الحياة
معناها. لقد جرى مثل هذا النقاش عند بعض الفلاسفة حول ما اذا كان يتعين عد
الحياة تأملا للحياة، أو تأملا للموت.
أبدى سبينوزا هذه الملاحظة
أكثر من مرة، الا ان مثل هذا البديل الرؤيوي لم يكن موجودا في العقيدة
الحلاجية، لان الحلاج لا يفرق بين الحياة والموت وفق الفهم المتداول الا
في الاطار الذي يسمح بتسمية الموت بالحرية في مقابل السجن الذي هو نموذج
الحياة. ولما كان الله هو خالق الحياة والموت، وان الأمر يتعلق هنا بخلقين
يتداخلان باسمين الهيين اساسهما الوحدة الالهية التي تأملها الحلاج، اذن
لا بد من ملامسة الوحدة الجوهرية للحياة والموت:
اقتلوني يا ثقاتي
ان في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي
وحياتي في مماتي
انا عندي محو ذاتي
من أجلّ المكرمات.
وبقائي في صفاتي
من قبيح السيئات.
أما
الآراء التي حاولت ان تروج لفكرة ان الذي قُطع جسده ليس الحلاج بل جسد آخر
استبدل به، فانها تمثل موقفا حاول ان يسلب المغامرة الحلاجية من كل
دلالاتها، بل اننا نستطيع ان نؤشر الى ان فرح الحلاج وتبختره وهو يتقدم
نحو موته بصورة تتماهى مع الشهداء الاوائل للاسلام المبكر، تلخص لنا
اندفاعة رقص متحدية محاربة.
هذا التبختر الذي علمه النبي (ص)
لمحاربيه وهم يقفزون إلى قلب المعركة المقدسة في سبيل الله. لقد ردد
الحلاج وهو يتقدم نحو موته مقطعا من أربعة ابيات تكشف لنا السيكولوجية
الحلاجية، وتؤطر لنا التصور الحلاجي عن التضحية وتحطيم المعبد الإبراهيمي
في جسده:
نديمي غير منسوب
إلى شيء من الحيف.
سقاني مثل ما يشرب
فعل الضيف بالضيف.
فلما دارت الكأس
دعا بالنطع والسيف
كذا من يشرب الراح
مع التنين في الصيف.!
هذا ويضم الكتاب ديوان الحلاج والطواسين والشذرات والمرويات والاقوال المنسوبة إلى الحلاج.
عرض: جهاد فاضل
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
مواضيع مماثلة
» هكذا تكلم عبد الله العروي عن السياسة/منير بنصالح
» الحوار المغشوش أو هكذا تكلم عبد الله العروي عن المسألة الأمازيغية بالمغرب (1) (من منظور بلاغة الحوار)
» بيني… وبين الحلاج / فاطمة المومني
» صدق او لا تصدق
» آية وارهام: لم آتِ إلى الصوفية من فراغ روحي أو معرفي أو طلباً للجوء من غبش سياسي
» الحوار المغشوش أو هكذا تكلم عبد الله العروي عن المسألة الأمازيغية بالمغرب (1) (من منظور بلاغة الحوار)
» بيني… وبين الحلاج / فاطمة المومني
» صدق او لا تصدق
» آية وارهام: لم آتِ إلى الصوفية من فراغ روحي أو معرفي أو طلباً للجوء من غبش سياسي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى