هيفاء وهبي ملكوت تائه لم تعثر عليه السينما بعد
صفحة 1 من اصل 1
هيفاء وهبي ملكوت تائه لم تعثر عليه السينما بعد
قبل أشهر قليلة استضاف 'صباح العربية' الفنانة هيفاء وهبي للحديث حول فنها، وخبر زواجها الذي تناقلته وسائل الاعلام على اعتباره خبر الموسم، بحيث تداولت نشرات 'العربية' الرئيسية خبر استضافتها بشكل أقرب الى الاعلان الفني عن حدث أكثر من كونه خبرا، مما أثار التعجب والدهشة، فلماذا كل هذه الطنة والرنة؟
مادمنا نتفق على أننا نتعاطى مع ظاهرة غير اعتيادية قلبت موازين الذائفة العربية، وأتت بمفهوم جديد للأداء الغنائي مرتكز على الغواية الجسدية ضمن ما يمكننا أن نطلق عليه موجة 'الأغنية الجسد' فلنا أن نتفق أيضا على أن المشاهد العربي أصيب بحالة إشباع من هذه الصرعات التي تلاشت تقريبا وأثبتت مع الوقت زيف مفعولها، غير أن هيفاء استطاعت أن تقبض على جمرة حضورها بقوة أكثر من قبل! فمن هزم في وجه الآخر؟ الوعي الجماعي والأخلاقي أم الأغنية؟ أم أنها القيم الفنية؟ ومن الذي انتصر؟ الزمن أم أنها الصورة والجسد؟ ثم أين تستقر الذاكرة المؤقتة في نهاية المطاف؟ في أرشيف التحولات الزمنية؟ أم كخبر عاجل لملء الفراغ الزمني بين نسيان وآخر؟
يحتاج المرء احيانا الى وقفة تأملية مع ذاته كلما تفاقمت حدة الظواهر التي يرفض قلمه الالتفات اليها او الاعتراف بها، كونها تشكل منعطفا حادا في المشهد الفني عموما، الا ان تكريس تلك الظاهرة اعلاميا وجماهيريا لا بد ان يشكل عنصر تحفيز يلح على الاقلام المتمنعة عن الكتابة الى الكتابة في هذا الشأن طالما ان الضمير الصحافي هو معيار الاحتكام، مع الأخذ بعين الاعتبار الذائقة الجماهيرية كمرجع مهم لا يمكن التغافل عنه مهما بلغ مستواه، وهنا تحديدا أقف عند وجهة نظر الإعلامي والكاتب محمد أبو عبيد وقد استأذنته عرض رأيه حيث كان يرى أن كل ما يشكل ظاهرة لابد أن يتم تناوله وطرحه على مائدة التحليل والحوار ليس لمحاكمته أو حتى ادانته بقدر مساءلته واستجلاء الاسباب والمقومات التي حولته الى ظاهرة لها قاعدة جماهيرية عريضة، هنا تحديدا يجب الا تتحول الظاهرة الى طعم إعلامي، او اعلان تجاري، بل تصبح مادة ظرفية آنية مرتبطة بالسياق الزمني ولا بد من استيفائها شرط حضورها للأسباب التي اتفق بها مع الزميل الكريم أبو عبيد.
التغاضي عن تأمل هذه الصيغة الفنية والسعي لالغاء حضورها رغما عن الواقع يعد خيانة للمسؤولية اتجاه التوثيق الصحافي المرحلي، واتجاه الرؤية المغايرة للنسق الفني العام او المتعارف عليه، فأقصى الوعي يستدعي التعامل مع الزمن برؤى تمتلك المقدرة على استيعابه لا تحديه وهذا تأقلم لا خضوع يتنافى مع القيم الفنية او معايير او شروط التقييم الفني عموما. ولكنه لا يجب أن يخلو من طاقته الفذة برفض اي عشوائية او صرعات غنائية أو نماذج مخلة بالاسس الفنية الراقية التي تؤسس لحركة حضارية ملفته على الصعيد الفني.
مضى زمن طويل لم تًجُدْ السينما العربية بمثل هند رستم، ليس على الصعيد التجاري بل بكل تأكيد على الصعيد الإبداعي المتكامل، فإذا ما أجرينا مقارنة بسيطة بين سينمانا العربية وتلك الغربية نرى فارق الحيوية بين استمرارية نمو وتطور الطاقات الفنية في الجسد السينمائي الغربي، وبين تحول الفتنة في سينمانا إلى اطلال نحاول استعادتها من خلال كليشيهات لا تمت بصلة إلى فن نابض بالحياة يمضي قدما لا يعتاش على فتات الذاكرة.
خذ مارلين مونرو على سبيل المثال-الفتاة المسجلة في شهادة الميلاد باسم نورما لاب بلا عنوان - لم يتوقف الزمن الغوائي - إن جاز التعبير- معها، ولا أصيبت الفتنة الانثوية بعدها بشلل تام او حتى بشلل نصفي بل على العكس تماما، فإن الإغراء في السينما الهوليوودية اتخذ اشكالا جديدة وفنونا متطورة متعددة حافظت على بقاء عنصر الغواية الموظفة فنيا الى حد كبير وليس شموليا ضمن قائمة طويلة من التصنيفات المتعددة، ولم يكن مطلوبا من 'نورما جين' أن تطرق أبوابا وهمية لتدخل بقدم ذهبية عالم الأضواء والشهرة، كل ما كانت تحتاجه هو صديقة امها السيدة جريس 'كي تتعلق هذه بنجمة الإغراء ' Jean Harlow' التي لم تعمر اكثر من 26 عاما ورحلت بعد حياة تراجيدية لينعكس هوس جريس بها ايجابيا على نورما الشهيرة بمارلين، وتطلق العنان باكرا لانوثة الصغيرة فتغير تسريحة شعرها إلى المتموج الدارج انذاك، ومن أشهر موديل شقراء إلى أشهر فنانة اغواء ينطلق نجم لن يأفل ضوؤه رغم تقادم الزمن واستعارة الموت التراجيدي ممن فتنت بها مربيتها وفتنتها ورغم انطلاق الكثير من النجوم الفاتنة والسهام السينمائية البراقة. مارلين مونرو كانت ولم تزل الغواية الاسطورة...
ومن طفولة شقية وصبيانية تنبع فتنة هند رستم مونرو الشرق التي تصرح بذلك في أحد الحوارات الصحافية، وتؤكد على رفضها لكل ما هو انثوي كان يشعرها بالضعف ثم اعتدادها بعنادها كمصدر قوة لها، واذ تبدأ بدور كومبارس صغير بعد مونرو بثلاث سنوات، إلا ان النجومية الحقيقية للاثنتين تحققت في بداية، الخمسينات، فانها تحمل الشاشة الفضية على عاتق الغواية لعقود امتدت حتى الفيتنا الثالثة هذه، فأية نجمة تلك التي لا ترتقى لرقيها الكواكب العصرية- العائمة بزعانف اصطناعية في بحر الغواية السينمائية- مجتمعة؟! هنا فقط صدق أن الغواية فطرة قبل أن تكون تصنعا او حتى صناعة، فالتوجه الصبياني لدى الفتيات في عمر مبكر ما هو الا استعداد لخوض مرحلة الأنوثة بنضج و ثقة وبوعي عبقري.
لكن المفارقة تأتي مع التحدي الذي خاضه الشاب الثلاثيني يوسف شاهين في 'باب الحديد' فعلاوة على ظروف التصوير الصعبة، يجيء توظيف الغواية بشكل فني راق في إطار شعبي،
استطاعت رستم ان تمسك بدورها بيد من حرير وتوظف الاغراء كخديعة بل قل مصيدة تنصبها بجدارة فائقة للمشاهد، كي يفتتن بها على مدى أكثر من نصف قرن، وتصبح النموذج المحتذى في كثير من الاعمال الفنية، والصورة الأصل الباقية لكثير من النسخ المؤقتة.
الآن وبعد مرور 51 عاما على 'باب الحديد' يأتي تلميذ يوسف شاهين 'خالد يوسف' لا ليستعير بطلة معلمه بل ليعير السينما العربية نجمة كان يمكن لها ان تسجل منذ العمل الاول نقلة في تاريخ السينما المصرية ليس لانها تسد فراغ الغواية في المشهد السينمائي العربي بل لانها تحقق انجازا فنيا ينهض بعبء هذا الفن تلقائيا لما تمتلكه هذه الفنانة من مقومات سينمائية تمكنها من إيقاظ الغواية من سباتها الطويل..
يبقى هنا ان نحدد مفهوم الغواية او الإغراء السينمائي:
فيلم شحاتة أو 'دكان شحاتة' استند الى الترويح الغوائي وقد استعان بهيفاء وهبي كاسم، جاهز سلفا، ليوظفه في دور كان يمكن لأية ممثلة اخرى ان تقوم به كسمية الخشاب او حتى علا غانم، فطالما أن هنالك بديلة يمكن لها ان تقوم به فالدور لا يعد اضافة بل هو اتكاء على فنانة حققت شهرة واسعة ولم يتبق لدبها للسينما سوى خطوة الالف ميل فاما ان تصل بها الى حيث يليق بها ان تكون واما ان تعود بها خطوة مقدارها الف ميل للوراء! بحيث تحترق النجمة قيل سطوعها بل وتأخذ في احتراقها كل ما في جعبتها من بريق ادخرته عبر الكليشيهات الاستعراضية.
تتحقق النجومية عبر كونها تنتمي لنجمها الوحيد، لانها غير قابلة للاقتسام او المشاركة وتتحقق لما يتم الحكم على الاداء بصفته استثنائيا لا طبيعيا او عاديا ولاحظ ان عاديا افضل من مقبول ورغم هذا فان القبول بالعادية هو سقوط فيها يخرج النجم من اطار النجومية قبل ادراكها.
لماذا لم يحقق فيلم Basic Instinct 2 - 2006 نجاح الجزء الاول 1992؟ بل وانه حصل على اربع جوائز من الغولدن غلوب تم تخصيصها لاسوأ اربعة عناصر في الفيلم من بينها الاداء، بينما تجاوز الاول ارقاما قياسية من حيث الارباح التي صنفته من ضمن افضل تسع اعمال لعام 1992، اضافة الى تغير اغلب عناصر العمل وتهريب لقطات من الفيلم عبر الانترنت فان الغواية جنحت الى المبالغة بل ان ما تم قطعه من لقطات عٌرض على موقع خاص بدعم من شارون ستون نفسها، غير انه تم اغلاق الموقع رسميا بعد استعادة الشركة المنتجة حقوق الفيلم.إن الغواية الصريحة قد تنجح في مباركة فيلم ما جماهيريا عندما لا تتحول الى ابتذال تجاري مكرر، او الى مزايدة فنية ناقصة، تنجح كلما استطاعت النجاة من التعامل معها كسلعة لمصلحة الايمان بها كفن.
وهذا ما تجده في فيلم مونرو الكوميدي الذي لفت انظار الدنيا اليها كممثلة اغراء؟
فكيف يتحقق الاغراء في ظل وصاية كوميدية؟ عد لهند رستم برفقة اسماعيل ياسين لتعثر على غواية سلسة، لا تفرض نفسها على الجو الكوميدي بل تنبعث منه لتنسجم معه بأناقة وظرف مدروس لا ثقيل ظل او مصاب بمس الطيش السينمائي او عمى الاحساس، وهنا لا بد أن تمعن النظر بفنانة الاغراء في السينما لتسأل نفسك ما يلي قبل ان تقيم صدق الغواية واحترافها:
هل هنالك تمكن حقيقي لا مفتعل في أداء الإغراء على اعتباره نصا لا قناعا تجميليا يخفي رتوش الطقس العام؟
في حين تستقطب السينما المصرية دفعات متوالية من خريجي القنوات الغنائية - اللي على قفى مين يشيل - كيف تتخلى وهبي عن سباق التسلح الغنائي لتخوض تجربة السينما بمعزل عن اية مدخرات فنية أخرى لا تليق بفنانة سينمائية قادمة، وقد ذكرت - بعد فيلمها - في لقاء 'العربية' انها ارادت من المشاهد ان ينسى مين هيفاء، وهذا وعي جميل ليته يجد من يرعاه ويأخذ بيده الى حيث مرماه السينمائي الخاص به.
وهي في نفس اللقاء ترد ما قاله لها خالد يوسف حول انتظار السينما لها كما انها كانت هي ايضا بانتظارها.. فهل أخفق الانتظار مع 'دكان شحاتة' وقد أساء الفيلم لمفهوم الجسد أكثر مما فعلت موجات الخرف الغنائي طيلة هذه الفترة؟.
هنالك مقومات لممثلة الاغراء لا يمكن صناعتها او اقحامها على الشخصية الغاوية لان الغواية وان كانت عنصرا من عناصر العمل الا انها تختار بطلتها التي تنسجم معها تلقائيا إذ تبرع بتقمصها روحيا لا جسديا...لان هذا يمتهن الفن والفنانة معا ويغدو عنصر الاغراء ضحية بل قل شحاذا يقف بشباك التذاكر حتى ' يلقط رزقه'!
هنالك لقطة ذكية جدا ومشهد ايحائي اكثر من رائع في 'دكان شحاتة' لا اريد ان ابخسه حقه هو مشهد النار، فإن كنت عزيزي القارئ تابعته تدرك ذكاء الإلماح السينمائي لدى خالد يوسف فأمراة لا تريد الزواج برجل لا تحبه لا بد ان تضرم النار في مكمن الغواية، ليضيف يوسف بهذا المشهد تعريفا جديدا لها / فالغواية هبة تمنح ايضا، والغواية تمنع حارقا!
الا ان ضيق الافق الابداعي لدى سينمائيينا ومشاهيرنا يحصر هذا الفن في زاوية ضيقة لا يستطيع بها ان يدافع عن نفسه او ان يخرج من سجنه الاجباري ' الجسد 'وإليك هذه :
كيم باسنجر ادت اجمل ادوار الغواية على الاطلاق واشهرها في فيلم 'تسعة اسابيع ونصف' 1986 وهي تأكل الفراولة والفلفل الحار وتشرب الحليب وتكتشف مذاق الفاكهة بلسان قناص.. وهي لم تكن اقل اغراء في -1997 L.A confidential عندما ارتدت عباءة تغطيها من رأسها حتى اخمص قدميها..فكانت الغواية هنا غواية الحشمة لا العري، واذا كانت انجلينا جولي قد تجاوزت صورة الفاتنة الشقراء في السينما الهوليوودية لتبتكر صورة اخرى للفتنة السينمائية فهل لنا ان نعد الكمائن والكذب في الخطيئة -2001 SIN مع انطونيو بانديراس إغراء اذا ما اوكل امرها لأمراة تستطيع ان تنصب فخاخها حتى لظلها وتتكل على البكاء كغواية احتياطية؟
والقتل غواية عندما يمتزج الدم بالروج كإمضاء عزرائيلي يؤكد على كون الموت احد مشتقات الاغراء السينمائي وربما استطاع الفيلم الهندي 'Ishaara ' 2008-2009 ان يعكس هذا بشكل ملحوظ في احد مشاهده الذي دارت حوله احداث العمل.
'الحب الصامت'، و'رجل بلا قلب' و'صراع في النيل' و 'حتى الستات مبيعرفوش يكدبوا' وغيرها من افلام للفنانة القديرة هند رستم صنعت سينما للاجيال، لانها ابنة فن حقيقي لا ابنة ليل رمى بها الحظ العاثر الى شارع محمد علي او زقاق بيفرلي هيلز!
الإغراء فن سينمائي خالص وليس فاصلا اعلانيا أو تخبطا موسيقيا على ايقاع اجساد (زمبركية) لا يعنيها من جسدها شيء سوى البهلوة البعيدة كل البعد عن الاداء الاستعراضي المحترم ومن ارادت ان تعتلي منصة مسرح فعليها ان تزور مولان روج المرقص الفرنسي الشهير الذي كان احد افلام نيكول كيدمان - لترى اية لوحات فنية تلك التي يأتي اليها العالم كي ينتشي بتأملها وهذا غير العمل بمبدأ ' اتفرج عالحلاوة '!
لما تقول وهبي ان العمل في السينما قريها من الناس فهذا مؤشر ايجابي يجب ان تستعين به كلما احست بالحاجة الى الاحساس بالفن كقيمة لا كصورة أو موضة او جولة زمنية، فهذا بالضبط ما سينمي لديها الوعي والنضج والاستعداد الحقيقي لدخول الشاشة الفضية احتراما للفن لا اتكاء عليه! كل ما ستحتاجه هيفاء وهبي لتستلم راية الغواية عن جدارة فنية هو مخرج حقيقي قادر على استيعاب طاقاتها الكامنة وتوظيفها بشكل سليم ينتمي اليها، طالما انها ملكوت لم يتم اكتشافه بعد..وأرجو الا يكون قد فات الاوان.
مادمنا نتفق على أننا نتعاطى مع ظاهرة غير اعتيادية قلبت موازين الذائفة العربية، وأتت بمفهوم جديد للأداء الغنائي مرتكز على الغواية الجسدية ضمن ما يمكننا أن نطلق عليه موجة 'الأغنية الجسد' فلنا أن نتفق أيضا على أن المشاهد العربي أصيب بحالة إشباع من هذه الصرعات التي تلاشت تقريبا وأثبتت مع الوقت زيف مفعولها، غير أن هيفاء استطاعت أن تقبض على جمرة حضورها بقوة أكثر من قبل! فمن هزم في وجه الآخر؟ الوعي الجماعي والأخلاقي أم الأغنية؟ أم أنها القيم الفنية؟ ومن الذي انتصر؟ الزمن أم أنها الصورة والجسد؟ ثم أين تستقر الذاكرة المؤقتة في نهاية المطاف؟ في أرشيف التحولات الزمنية؟ أم كخبر عاجل لملء الفراغ الزمني بين نسيان وآخر؟
يحتاج المرء احيانا الى وقفة تأملية مع ذاته كلما تفاقمت حدة الظواهر التي يرفض قلمه الالتفات اليها او الاعتراف بها، كونها تشكل منعطفا حادا في المشهد الفني عموما، الا ان تكريس تلك الظاهرة اعلاميا وجماهيريا لا بد ان يشكل عنصر تحفيز يلح على الاقلام المتمنعة عن الكتابة الى الكتابة في هذا الشأن طالما ان الضمير الصحافي هو معيار الاحتكام، مع الأخذ بعين الاعتبار الذائقة الجماهيرية كمرجع مهم لا يمكن التغافل عنه مهما بلغ مستواه، وهنا تحديدا أقف عند وجهة نظر الإعلامي والكاتب محمد أبو عبيد وقد استأذنته عرض رأيه حيث كان يرى أن كل ما يشكل ظاهرة لابد أن يتم تناوله وطرحه على مائدة التحليل والحوار ليس لمحاكمته أو حتى ادانته بقدر مساءلته واستجلاء الاسباب والمقومات التي حولته الى ظاهرة لها قاعدة جماهيرية عريضة، هنا تحديدا يجب الا تتحول الظاهرة الى طعم إعلامي، او اعلان تجاري، بل تصبح مادة ظرفية آنية مرتبطة بالسياق الزمني ولا بد من استيفائها شرط حضورها للأسباب التي اتفق بها مع الزميل الكريم أبو عبيد.
التغاضي عن تأمل هذه الصيغة الفنية والسعي لالغاء حضورها رغما عن الواقع يعد خيانة للمسؤولية اتجاه التوثيق الصحافي المرحلي، واتجاه الرؤية المغايرة للنسق الفني العام او المتعارف عليه، فأقصى الوعي يستدعي التعامل مع الزمن برؤى تمتلك المقدرة على استيعابه لا تحديه وهذا تأقلم لا خضوع يتنافى مع القيم الفنية او معايير او شروط التقييم الفني عموما. ولكنه لا يجب أن يخلو من طاقته الفذة برفض اي عشوائية او صرعات غنائية أو نماذج مخلة بالاسس الفنية الراقية التي تؤسس لحركة حضارية ملفته على الصعيد الفني.
مضى زمن طويل لم تًجُدْ السينما العربية بمثل هند رستم، ليس على الصعيد التجاري بل بكل تأكيد على الصعيد الإبداعي المتكامل، فإذا ما أجرينا مقارنة بسيطة بين سينمانا العربية وتلك الغربية نرى فارق الحيوية بين استمرارية نمو وتطور الطاقات الفنية في الجسد السينمائي الغربي، وبين تحول الفتنة في سينمانا إلى اطلال نحاول استعادتها من خلال كليشيهات لا تمت بصلة إلى فن نابض بالحياة يمضي قدما لا يعتاش على فتات الذاكرة.
خذ مارلين مونرو على سبيل المثال-الفتاة المسجلة في شهادة الميلاد باسم نورما لاب بلا عنوان - لم يتوقف الزمن الغوائي - إن جاز التعبير- معها، ولا أصيبت الفتنة الانثوية بعدها بشلل تام او حتى بشلل نصفي بل على العكس تماما، فإن الإغراء في السينما الهوليوودية اتخذ اشكالا جديدة وفنونا متطورة متعددة حافظت على بقاء عنصر الغواية الموظفة فنيا الى حد كبير وليس شموليا ضمن قائمة طويلة من التصنيفات المتعددة، ولم يكن مطلوبا من 'نورما جين' أن تطرق أبوابا وهمية لتدخل بقدم ذهبية عالم الأضواء والشهرة، كل ما كانت تحتاجه هو صديقة امها السيدة جريس 'كي تتعلق هذه بنجمة الإغراء ' Jean Harlow' التي لم تعمر اكثر من 26 عاما ورحلت بعد حياة تراجيدية لينعكس هوس جريس بها ايجابيا على نورما الشهيرة بمارلين، وتطلق العنان باكرا لانوثة الصغيرة فتغير تسريحة شعرها إلى المتموج الدارج انذاك، ومن أشهر موديل شقراء إلى أشهر فنانة اغواء ينطلق نجم لن يأفل ضوؤه رغم تقادم الزمن واستعارة الموت التراجيدي ممن فتنت بها مربيتها وفتنتها ورغم انطلاق الكثير من النجوم الفاتنة والسهام السينمائية البراقة. مارلين مونرو كانت ولم تزل الغواية الاسطورة...
ومن طفولة شقية وصبيانية تنبع فتنة هند رستم مونرو الشرق التي تصرح بذلك في أحد الحوارات الصحافية، وتؤكد على رفضها لكل ما هو انثوي كان يشعرها بالضعف ثم اعتدادها بعنادها كمصدر قوة لها، واذ تبدأ بدور كومبارس صغير بعد مونرو بثلاث سنوات، إلا ان النجومية الحقيقية للاثنتين تحققت في بداية، الخمسينات، فانها تحمل الشاشة الفضية على عاتق الغواية لعقود امتدت حتى الفيتنا الثالثة هذه، فأية نجمة تلك التي لا ترتقى لرقيها الكواكب العصرية- العائمة بزعانف اصطناعية في بحر الغواية السينمائية- مجتمعة؟! هنا فقط صدق أن الغواية فطرة قبل أن تكون تصنعا او حتى صناعة، فالتوجه الصبياني لدى الفتيات في عمر مبكر ما هو الا استعداد لخوض مرحلة الأنوثة بنضج و ثقة وبوعي عبقري.
لكن المفارقة تأتي مع التحدي الذي خاضه الشاب الثلاثيني يوسف شاهين في 'باب الحديد' فعلاوة على ظروف التصوير الصعبة، يجيء توظيف الغواية بشكل فني راق في إطار شعبي،
استطاعت رستم ان تمسك بدورها بيد من حرير وتوظف الاغراء كخديعة بل قل مصيدة تنصبها بجدارة فائقة للمشاهد، كي يفتتن بها على مدى أكثر من نصف قرن، وتصبح النموذج المحتذى في كثير من الاعمال الفنية، والصورة الأصل الباقية لكثير من النسخ المؤقتة.
الآن وبعد مرور 51 عاما على 'باب الحديد' يأتي تلميذ يوسف شاهين 'خالد يوسف' لا ليستعير بطلة معلمه بل ليعير السينما العربية نجمة كان يمكن لها ان تسجل منذ العمل الاول نقلة في تاريخ السينما المصرية ليس لانها تسد فراغ الغواية في المشهد السينمائي العربي بل لانها تحقق انجازا فنيا ينهض بعبء هذا الفن تلقائيا لما تمتلكه هذه الفنانة من مقومات سينمائية تمكنها من إيقاظ الغواية من سباتها الطويل..
يبقى هنا ان نحدد مفهوم الغواية او الإغراء السينمائي:
فيلم شحاتة أو 'دكان شحاتة' استند الى الترويح الغوائي وقد استعان بهيفاء وهبي كاسم، جاهز سلفا، ليوظفه في دور كان يمكن لأية ممثلة اخرى ان تقوم به كسمية الخشاب او حتى علا غانم، فطالما أن هنالك بديلة يمكن لها ان تقوم به فالدور لا يعد اضافة بل هو اتكاء على فنانة حققت شهرة واسعة ولم يتبق لدبها للسينما سوى خطوة الالف ميل فاما ان تصل بها الى حيث يليق بها ان تكون واما ان تعود بها خطوة مقدارها الف ميل للوراء! بحيث تحترق النجمة قيل سطوعها بل وتأخذ في احتراقها كل ما في جعبتها من بريق ادخرته عبر الكليشيهات الاستعراضية.
تتحقق النجومية عبر كونها تنتمي لنجمها الوحيد، لانها غير قابلة للاقتسام او المشاركة وتتحقق لما يتم الحكم على الاداء بصفته استثنائيا لا طبيعيا او عاديا ولاحظ ان عاديا افضل من مقبول ورغم هذا فان القبول بالعادية هو سقوط فيها يخرج النجم من اطار النجومية قبل ادراكها.
لماذا لم يحقق فيلم Basic Instinct 2 - 2006 نجاح الجزء الاول 1992؟ بل وانه حصل على اربع جوائز من الغولدن غلوب تم تخصيصها لاسوأ اربعة عناصر في الفيلم من بينها الاداء، بينما تجاوز الاول ارقاما قياسية من حيث الارباح التي صنفته من ضمن افضل تسع اعمال لعام 1992، اضافة الى تغير اغلب عناصر العمل وتهريب لقطات من الفيلم عبر الانترنت فان الغواية جنحت الى المبالغة بل ان ما تم قطعه من لقطات عٌرض على موقع خاص بدعم من شارون ستون نفسها، غير انه تم اغلاق الموقع رسميا بعد استعادة الشركة المنتجة حقوق الفيلم.إن الغواية الصريحة قد تنجح في مباركة فيلم ما جماهيريا عندما لا تتحول الى ابتذال تجاري مكرر، او الى مزايدة فنية ناقصة، تنجح كلما استطاعت النجاة من التعامل معها كسلعة لمصلحة الايمان بها كفن.
وهذا ما تجده في فيلم مونرو الكوميدي الذي لفت انظار الدنيا اليها كممثلة اغراء؟
فكيف يتحقق الاغراء في ظل وصاية كوميدية؟ عد لهند رستم برفقة اسماعيل ياسين لتعثر على غواية سلسة، لا تفرض نفسها على الجو الكوميدي بل تنبعث منه لتنسجم معه بأناقة وظرف مدروس لا ثقيل ظل او مصاب بمس الطيش السينمائي او عمى الاحساس، وهنا لا بد أن تمعن النظر بفنانة الاغراء في السينما لتسأل نفسك ما يلي قبل ان تقيم صدق الغواية واحترافها:
هل هنالك تمكن حقيقي لا مفتعل في أداء الإغراء على اعتباره نصا لا قناعا تجميليا يخفي رتوش الطقس العام؟
في حين تستقطب السينما المصرية دفعات متوالية من خريجي القنوات الغنائية - اللي على قفى مين يشيل - كيف تتخلى وهبي عن سباق التسلح الغنائي لتخوض تجربة السينما بمعزل عن اية مدخرات فنية أخرى لا تليق بفنانة سينمائية قادمة، وقد ذكرت - بعد فيلمها - في لقاء 'العربية' انها ارادت من المشاهد ان ينسى مين هيفاء، وهذا وعي جميل ليته يجد من يرعاه ويأخذ بيده الى حيث مرماه السينمائي الخاص به.
وهي في نفس اللقاء ترد ما قاله لها خالد يوسف حول انتظار السينما لها كما انها كانت هي ايضا بانتظارها.. فهل أخفق الانتظار مع 'دكان شحاتة' وقد أساء الفيلم لمفهوم الجسد أكثر مما فعلت موجات الخرف الغنائي طيلة هذه الفترة؟.
هنالك مقومات لممثلة الاغراء لا يمكن صناعتها او اقحامها على الشخصية الغاوية لان الغواية وان كانت عنصرا من عناصر العمل الا انها تختار بطلتها التي تنسجم معها تلقائيا إذ تبرع بتقمصها روحيا لا جسديا...لان هذا يمتهن الفن والفنانة معا ويغدو عنصر الاغراء ضحية بل قل شحاذا يقف بشباك التذاكر حتى ' يلقط رزقه'!
هنالك لقطة ذكية جدا ومشهد ايحائي اكثر من رائع في 'دكان شحاتة' لا اريد ان ابخسه حقه هو مشهد النار، فإن كنت عزيزي القارئ تابعته تدرك ذكاء الإلماح السينمائي لدى خالد يوسف فأمراة لا تريد الزواج برجل لا تحبه لا بد ان تضرم النار في مكمن الغواية، ليضيف يوسف بهذا المشهد تعريفا جديدا لها / فالغواية هبة تمنح ايضا، والغواية تمنع حارقا!
الا ان ضيق الافق الابداعي لدى سينمائيينا ومشاهيرنا يحصر هذا الفن في زاوية ضيقة لا يستطيع بها ان يدافع عن نفسه او ان يخرج من سجنه الاجباري ' الجسد 'وإليك هذه :
كيم باسنجر ادت اجمل ادوار الغواية على الاطلاق واشهرها في فيلم 'تسعة اسابيع ونصف' 1986 وهي تأكل الفراولة والفلفل الحار وتشرب الحليب وتكتشف مذاق الفاكهة بلسان قناص.. وهي لم تكن اقل اغراء في -1997 L.A confidential عندما ارتدت عباءة تغطيها من رأسها حتى اخمص قدميها..فكانت الغواية هنا غواية الحشمة لا العري، واذا كانت انجلينا جولي قد تجاوزت صورة الفاتنة الشقراء في السينما الهوليوودية لتبتكر صورة اخرى للفتنة السينمائية فهل لنا ان نعد الكمائن والكذب في الخطيئة -2001 SIN مع انطونيو بانديراس إغراء اذا ما اوكل امرها لأمراة تستطيع ان تنصب فخاخها حتى لظلها وتتكل على البكاء كغواية احتياطية؟
والقتل غواية عندما يمتزج الدم بالروج كإمضاء عزرائيلي يؤكد على كون الموت احد مشتقات الاغراء السينمائي وربما استطاع الفيلم الهندي 'Ishaara ' 2008-2009 ان يعكس هذا بشكل ملحوظ في احد مشاهده الذي دارت حوله احداث العمل.
'الحب الصامت'، و'رجل بلا قلب' و'صراع في النيل' و 'حتى الستات مبيعرفوش يكدبوا' وغيرها من افلام للفنانة القديرة هند رستم صنعت سينما للاجيال، لانها ابنة فن حقيقي لا ابنة ليل رمى بها الحظ العاثر الى شارع محمد علي او زقاق بيفرلي هيلز!
الإغراء فن سينمائي خالص وليس فاصلا اعلانيا أو تخبطا موسيقيا على ايقاع اجساد (زمبركية) لا يعنيها من جسدها شيء سوى البهلوة البعيدة كل البعد عن الاداء الاستعراضي المحترم ومن ارادت ان تعتلي منصة مسرح فعليها ان تزور مولان روج المرقص الفرنسي الشهير الذي كان احد افلام نيكول كيدمان - لترى اية لوحات فنية تلك التي يأتي اليها العالم كي ينتشي بتأملها وهذا غير العمل بمبدأ ' اتفرج عالحلاوة '!
لما تقول وهبي ان العمل في السينما قريها من الناس فهذا مؤشر ايجابي يجب ان تستعين به كلما احست بالحاجة الى الاحساس بالفن كقيمة لا كصورة أو موضة او جولة زمنية، فهذا بالضبط ما سينمي لديها الوعي والنضج والاستعداد الحقيقي لدخول الشاشة الفضية احتراما للفن لا اتكاء عليه! كل ما ستحتاجه هيفاء وهبي لتستلم راية الغواية عن جدارة فنية هو مخرج حقيقي قادر على استيعاب طاقاتها الكامنة وتوظيفها بشكل سليم ينتمي اليها، طالما انها ملكوت لم يتم اكتشافه بعد..وأرجو الا يكون قد فات الاوان.
لينا أبو بكر
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى