القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
صفحة 1 من اصل 1
القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
موجز عن ترجمته
قتادة بن دعامة أبو الخطاب السدوسي البصري الأعمى. كان، رحمه الله، مفسرا
بارعا للقرآن الكريم وأحد الأئمة الكبار في حروف كتاب الله. له اختيار
يرويه لنا شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد الجزري من كتاب الكامل وغيره.
سمع
القراءة عن أنس بن مالك ورواها عنه وعن أبي الطفيل وسعيد بن المسيب
وغيرهم. روى عنه الحروف أبان بن يزيد العطار وأيوب وشعبة الراوي الأول عن
عاصم وأبو عوانة وغيرهم؛ كان، رضي الله عنه يضرب به المثل في الحفظ؛ توفي
سنة سبع عشرة ومائة.
ولأنه، كما قلنا، أحد الأئمة في حروف القرآن كان
الناس يسعون إلى لقائه والاستفادة منه. هذا ما يخبرنا به أبو الفتح عثمان
بن جني الذي يخبرنا عما فعله خالد بن عبد الله القسري مع الحكم بن عمر
الرعيني مبديا رأيه الصريح في القراءات التي يقرأ بها قتادة.
أعتقد أنه
يحسن، نظرا لأهمية ما ذهب إليه القارئ قتادة وما قابله به ابن جني أن أورد
ما أبداه صاحب المحتسب في هذا الموضوع؛ قال في صفحة 82 من الجزء الثاني من
المحتسب:
»قال ابن مجاهد: حدثني عبد الله بن محمد بن شاكر العبدي
البغدادي، قال: حدثنا خالد بن مرداس، قال: حدثنا الحكم بن عمر الرعيني
قال: أرسلني خالد بن عبد الله القسري إلى قتادة أسأله عن حروف من القرآن،
منها قوله تعالى في البقرة الآية 54: »فاقتلوا أنفسكم«، فقال قتادة:
»فاقتالوا أنفسكم«من الاستقالة.
قال أبو الفتح: اقتال هذه افتعل، ويصلح
أن يكون عينها واوا كاقتاد وأن يكون ياء كاقتاس. وقول قتادة: »إنها من
الاستقالة«، يقتضي أن يكون عينها ياء؛ لما حكاه أصحابنا عموما، من قلت
الرجل في البيع أقلته. وليس في قلت دليل على أنه من الياء؛ لقولهم: خِفت
ونِمت وهما من الخوف والنوم لكنه في قولهم في مضارعه: أقيله. وليس يحسن أن
يحمله على مذهب الخليل في طِحت أطيح وتِهت أتيه: أنهما فَعِلت أفْعِل من
الواو لقلة ذلك.
وعلى أن أبا زيد قد حكى: ماهت الركيَّة تميهُ ودامت
السماء تديم لقلة ماهت تميه ولأن أبا زيد قد حكى في دامت تديم، المصدر وهو
دَيْماً، فقد يكون هذا على أن أصل عينه ياء.
يقول ابن جني: »وحدثني أبو
علي بحلب سنة ست وأربعين قال: قال بعضهم: إنَّ قلت الرجل في البيع ونحوه
إنما هو من: قُلت له افسخ هذا العقد، وقال لي: قد فعلتُ، فهي عند من ذهب
إلى ذلك من الواو.
قال أبو علي: ويفسد هذا ما حكوه في مضارعه من قولهم:
أقيله؛ فهذا دليل الياء. قال: ولا ينبغي أن يحمل على أنه فِعلِ يَفْعِلُ
من الواو؛ يريد مذهب خليل، لقلة ذلك.
قال: لكنه من قولهم: تَقَبَّلَ
فلان أباه: إذا رجعت إليه أشباه منه، فمعنى: أقلته على هذا: أني رجعت له
عما كنت عقدته معه، ورجع هو أيضاً؛ فقد ثبت بذلك أن عين استقال من الياء.
ولا يعرف في اللغة »افْتَعَلْت« من هذا اللفظ في هذا المعنى ولا غيره؛
وإنما هو استفعلت استقلت.
وقد يجوز أن يكون قتادة عرف هذا الحرف على
هذا المثال، وعلى أنه لو كان بمعنى استقلت لوجب أن يستعمل باللام، فيقال:
استقلت لنفسي أو على نفسي، كما يقال: استعطفت فلاناً لنفسي وعلى نفسي،
وليس معناه أن يسأل نفسه أن تقيله، وإنما يريد: أنه يسأل ربه (عز وجل) أن
يعفو عن نفسه، وكان له حرىً (حرى: وجه، فمن معاني الحرى: الناحية)، لو كان
على ذلك أن يقال: »فاقْتَالُوا لأنفُسِكُم«، أي: استقيلوا لها، واستصفحوا
عنها. فأما اقتال متعديا فإنما هو في معنى ما يجتره الإنسان لنفسه من خير
أو شر ويقترحه، وهو من القول. قال:
ولَوْ أنَّ مَيْتاً يُفْتدى لفَدَيْتُهُ بِمَا اقْتَالَ مِنْ حُكمٍ عَلِيَّ طبيبُ
أي:
بما أراده واقترحه واستامه، وليس معنى هذا معنى الآية، بل هو بضده؛ لأنه
بمعنى استلينوا واستعطفوا. هذا ما يُحضره طريق اللغة ومذهب التصريف
والصنعة، إلا أن قتادة ينبغي أن يُحْسَنَ الظِّنُّ به؛ فيقال: إنه لم يرد
ذلك إلا بحجة عنده فيه من رواية أو دراية. وقرأ قتادة، رحمه الله، الآية
74 من سورة البقرة؛ تلك الآية التي تقرأها الجماعة كما يلي: »ثمَّ قسَتْ
قُلوبُكمْ من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشَدَّ قسْوَةً وإنَّ مِنَ
الْحِجارَةِ لَمَا يَتفَجَّرُ منْهُ الأَنْهَارُ وإنَّ مِنْهَا لَمَا
يَشَقَّقُ فَيخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وإنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ ومَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ«؛ يقرأها، هو
هكذا: »ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بعْدِ ذلكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ
أو شَدَّ قسْوةً وإن مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ
الأَنْهارُ وإنْ منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية
الله وما الله بغافل عما تعملون« مخففة النون في قوله تعالى »وإنّْ مِنهَا
لَمَا يَهْبطُ مِنْ خَشْيَةِ الله« علق ابن مجاهد على هذه القراءة قائلا:«
أحسبه أراد بقوله »مخففة« - الميم - لأني لا أعرف لتخفيف النون معنى«.
يعلق
ابن جني على هذا الحكم الذي أصدره ابن مجاهد فيقول في الصفحة 91 من الجزء
الثاني من المحتسب: »هذا الذي أنكره ابن مجاهد صحيح وذلك أن التخفيف في
»إن« المكسورة شائع عنهم؛ ألا ترى إلى قول الله تعالى في الآية 42 من سورة
الفرقان: » إن كاد ليضلنا عن آلهتنا« وكذا في قوله تعالى في الآية 51 من
سورة القلم:« وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم«؟ أي: إنهم على هذه
الحال. وهذه اللام لازمة مع تخفيف النون فرقا بين » إن« مخففة من الثقيلة
وبين»إن« التي للنفي بمنزلة (ما) في قوله سبحانه في الآية 20 من سورة
الملك: »إن الكافرون إلا في غرور« وكقول فروة بن مسيك المرادي:
فما إن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا
وهذا واضح«.
وقرأ
أبو الخطاب قتادة، رحمة الله، أيضا الآية 102 من سورة البقرة؛ وهي الآية
التي يقرأها الجمهور كما هي مثبتة في مصحف الإمام؛ لنقرأ مقطعا منها كما
تقرأه الجماعة:»... وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر
فيتعلمان منهما ما يفرقان به بين المرء وزوجه«؛ أقول: يقرأها هو:».. وما
يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلاتكفر فيتعلمان منهما ما يفرقان
بين المر وزوجه« بفتح الميم وكسر الراء خفيفة من غير همز؛ فتصير »المرء«
التي تقرأ بها الجماعة: »المر« عند الإمام المقرئ قتادة، رحمه الله.
شارك
قتادة في هذه القراءة الحسن؛ جاءت قراءتهما على التخفيف القياسي، كقولك في
الخبء: هذا الخبُ، ورأيت الخبَ ومررت بالخَبِ؛ تحذف الهمزة وتلقى حركتها
على الباء قبلها، وتقول في الجزء: هذا الجزُ ورأيت الجزو مررت بالجز.
وعليه قراءة الآية 35 من سورة النمل: »الذي يخرج الخَبَ في السموات
والأرض« (وهي قراءة ينسبها الجم الغفير من الناس لأبي وعيسى).
أما
الأشهب فقرأ: »المرء« بكسر الميم والهمز. وأما الزهري فقرأها: »المر« بفتح
الميم وتشديد الراء. قياس هذه القراءة أن يكون أراد تخفيف المرء على قراءة
الحسن وقتادة إلاأنه نوى الوقف بعد التخفيف، فصار »المر« ثم ثقل للوقف على
قول من قال : هذا خالد. وهو يجعل، ومررت بفرج، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف
فأقر التثقيل بحاله كما جاء عنهم قوله:
ببازل وجناء أو عيهل كأن مهواها على الكَلْكَل
وقرأ
ابن أبي إسحاق: »المرء« بضم الميم وسكون الراء والهمز. ف »المرء« بهذا
الضبط لغة فيه، وكذلك من قرأ: المرء، بكسر الميم. ومنهم من يضم الميم في
الرفع ويفتحها في النصب ويكسرها في الجر، فيقول: هذا المرء ورأيت المرء
ومررت بالمرء. وسبب صنعة هذه اللغة: أنه قد ألق الإتباع في هذا الاسم في
نحو قولك: هذا امرؤ ورأيت امرأ ومررت بامرئ، فيتبع حركة الراء حركة الهمز.
فلما أن تحركت الميم وسكنت الراء لم يكن الاتباع في الساكن فنقل الاتباع
من الراءإلى الميم لأنها متحركة؛ فجرى على الميم لمجاورتها الراء ما كان
يجري على الراء؛ كما يقول ناس في الوقت: هذا بكُر ومررت بِبَكَر؛ لما جفا
عليهم اجتماع الساكنين في الوقف وشحّوا على حركة الإعراب أن يستهلكها
الوقوف عليها نقلوها الى الكاف. وكما قال من قال في صوم: صُيم وفي قوم قيم
لما جاورت العين اللام أجراها في الاعتلال مجرى عات وعتي وجاث وجفي.
وقرأقتادة،رحمه
الله، أيضا الآية 103 من سورة البقرة؛ تلك الآية التي تقرأها الجماعة كما
يلي: »ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون«؛
أقول: قرأها، رحمه الله هو: »ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله
خير لو كانوا يعلمون«.
قرأها بتسكين التاء وفتح الواو خفيفة.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
العلم
18/2/2010/
قتادة بن دعامة أبو الخطاب السدوسي البصري الأعمى. كان، رحمه الله، مفسرا
بارعا للقرآن الكريم وأحد الأئمة الكبار في حروف كتاب الله. له اختيار
يرويه لنا شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد الجزري من كتاب الكامل وغيره.
سمع
القراءة عن أنس بن مالك ورواها عنه وعن أبي الطفيل وسعيد بن المسيب
وغيرهم. روى عنه الحروف أبان بن يزيد العطار وأيوب وشعبة الراوي الأول عن
عاصم وأبو عوانة وغيرهم؛ كان، رضي الله عنه يضرب به المثل في الحفظ؛ توفي
سنة سبع عشرة ومائة.
ولأنه، كما قلنا، أحد الأئمة في حروف القرآن كان
الناس يسعون إلى لقائه والاستفادة منه. هذا ما يخبرنا به أبو الفتح عثمان
بن جني الذي يخبرنا عما فعله خالد بن عبد الله القسري مع الحكم بن عمر
الرعيني مبديا رأيه الصريح في القراءات التي يقرأ بها قتادة.
أعتقد أنه
يحسن، نظرا لأهمية ما ذهب إليه القارئ قتادة وما قابله به ابن جني أن أورد
ما أبداه صاحب المحتسب في هذا الموضوع؛ قال في صفحة 82 من الجزء الثاني من
المحتسب:
»قال ابن مجاهد: حدثني عبد الله بن محمد بن شاكر العبدي
البغدادي، قال: حدثنا خالد بن مرداس، قال: حدثنا الحكم بن عمر الرعيني
قال: أرسلني خالد بن عبد الله القسري إلى قتادة أسأله عن حروف من القرآن،
منها قوله تعالى في البقرة الآية 54: »فاقتلوا أنفسكم«، فقال قتادة:
»فاقتالوا أنفسكم«من الاستقالة.
قال أبو الفتح: اقتال هذه افتعل، ويصلح
أن يكون عينها واوا كاقتاد وأن يكون ياء كاقتاس. وقول قتادة: »إنها من
الاستقالة«، يقتضي أن يكون عينها ياء؛ لما حكاه أصحابنا عموما، من قلت
الرجل في البيع أقلته. وليس في قلت دليل على أنه من الياء؛ لقولهم: خِفت
ونِمت وهما من الخوف والنوم لكنه في قولهم في مضارعه: أقيله. وليس يحسن أن
يحمله على مذهب الخليل في طِحت أطيح وتِهت أتيه: أنهما فَعِلت أفْعِل من
الواو لقلة ذلك.
وعلى أن أبا زيد قد حكى: ماهت الركيَّة تميهُ ودامت
السماء تديم لقلة ماهت تميه ولأن أبا زيد قد حكى في دامت تديم، المصدر وهو
دَيْماً، فقد يكون هذا على أن أصل عينه ياء.
يقول ابن جني: »وحدثني أبو
علي بحلب سنة ست وأربعين قال: قال بعضهم: إنَّ قلت الرجل في البيع ونحوه
إنما هو من: قُلت له افسخ هذا العقد، وقال لي: قد فعلتُ، فهي عند من ذهب
إلى ذلك من الواو.
قال أبو علي: ويفسد هذا ما حكوه في مضارعه من قولهم:
أقيله؛ فهذا دليل الياء. قال: ولا ينبغي أن يحمل على أنه فِعلِ يَفْعِلُ
من الواو؛ يريد مذهب خليل، لقلة ذلك.
قال: لكنه من قولهم: تَقَبَّلَ
فلان أباه: إذا رجعت إليه أشباه منه، فمعنى: أقلته على هذا: أني رجعت له
عما كنت عقدته معه، ورجع هو أيضاً؛ فقد ثبت بذلك أن عين استقال من الياء.
ولا يعرف في اللغة »افْتَعَلْت« من هذا اللفظ في هذا المعنى ولا غيره؛
وإنما هو استفعلت استقلت.
وقد يجوز أن يكون قتادة عرف هذا الحرف على
هذا المثال، وعلى أنه لو كان بمعنى استقلت لوجب أن يستعمل باللام، فيقال:
استقلت لنفسي أو على نفسي، كما يقال: استعطفت فلاناً لنفسي وعلى نفسي،
وليس معناه أن يسأل نفسه أن تقيله، وإنما يريد: أنه يسأل ربه (عز وجل) أن
يعفو عن نفسه، وكان له حرىً (حرى: وجه، فمن معاني الحرى: الناحية)، لو كان
على ذلك أن يقال: »فاقْتَالُوا لأنفُسِكُم«، أي: استقيلوا لها، واستصفحوا
عنها. فأما اقتال متعديا فإنما هو في معنى ما يجتره الإنسان لنفسه من خير
أو شر ويقترحه، وهو من القول. قال:
ولَوْ أنَّ مَيْتاً يُفْتدى لفَدَيْتُهُ بِمَا اقْتَالَ مِنْ حُكمٍ عَلِيَّ طبيبُ
أي:
بما أراده واقترحه واستامه، وليس معنى هذا معنى الآية، بل هو بضده؛ لأنه
بمعنى استلينوا واستعطفوا. هذا ما يُحضره طريق اللغة ومذهب التصريف
والصنعة، إلا أن قتادة ينبغي أن يُحْسَنَ الظِّنُّ به؛ فيقال: إنه لم يرد
ذلك إلا بحجة عنده فيه من رواية أو دراية. وقرأ قتادة، رحمه الله، الآية
74 من سورة البقرة؛ تلك الآية التي تقرأها الجماعة كما يلي: »ثمَّ قسَتْ
قُلوبُكمْ من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشَدَّ قسْوَةً وإنَّ مِنَ
الْحِجارَةِ لَمَا يَتفَجَّرُ منْهُ الأَنْهَارُ وإنَّ مِنْهَا لَمَا
يَشَقَّقُ فَيخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وإنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ ومَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ«؛ يقرأها، هو
هكذا: »ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بعْدِ ذلكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ
أو شَدَّ قسْوةً وإن مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ
الأَنْهارُ وإنْ منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية
الله وما الله بغافل عما تعملون« مخففة النون في قوله تعالى »وإنّْ مِنهَا
لَمَا يَهْبطُ مِنْ خَشْيَةِ الله« علق ابن مجاهد على هذه القراءة قائلا:«
أحسبه أراد بقوله »مخففة« - الميم - لأني لا أعرف لتخفيف النون معنى«.
يعلق
ابن جني على هذا الحكم الذي أصدره ابن مجاهد فيقول في الصفحة 91 من الجزء
الثاني من المحتسب: »هذا الذي أنكره ابن مجاهد صحيح وذلك أن التخفيف في
»إن« المكسورة شائع عنهم؛ ألا ترى إلى قول الله تعالى في الآية 42 من سورة
الفرقان: » إن كاد ليضلنا عن آلهتنا« وكذا في قوله تعالى في الآية 51 من
سورة القلم:« وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم«؟ أي: إنهم على هذه
الحال. وهذه اللام لازمة مع تخفيف النون فرقا بين » إن« مخففة من الثقيلة
وبين»إن« التي للنفي بمنزلة (ما) في قوله سبحانه في الآية 20 من سورة
الملك: »إن الكافرون إلا في غرور« وكقول فروة بن مسيك المرادي:
فما إن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا
وهذا واضح«.
وقرأ
أبو الخطاب قتادة، رحمة الله، أيضا الآية 102 من سورة البقرة؛ وهي الآية
التي يقرأها الجمهور كما هي مثبتة في مصحف الإمام؛ لنقرأ مقطعا منها كما
تقرأه الجماعة:»... وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر
فيتعلمان منهما ما يفرقان به بين المرء وزوجه«؛ أقول: يقرأها هو:».. وما
يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلاتكفر فيتعلمان منهما ما يفرقان
بين المر وزوجه« بفتح الميم وكسر الراء خفيفة من غير همز؛ فتصير »المرء«
التي تقرأ بها الجماعة: »المر« عند الإمام المقرئ قتادة، رحمه الله.
شارك
قتادة في هذه القراءة الحسن؛ جاءت قراءتهما على التخفيف القياسي، كقولك في
الخبء: هذا الخبُ، ورأيت الخبَ ومررت بالخَبِ؛ تحذف الهمزة وتلقى حركتها
على الباء قبلها، وتقول في الجزء: هذا الجزُ ورأيت الجزو مررت بالجز.
وعليه قراءة الآية 35 من سورة النمل: »الذي يخرج الخَبَ في السموات
والأرض« (وهي قراءة ينسبها الجم الغفير من الناس لأبي وعيسى).
أما
الأشهب فقرأ: »المرء« بكسر الميم والهمز. وأما الزهري فقرأها: »المر« بفتح
الميم وتشديد الراء. قياس هذه القراءة أن يكون أراد تخفيف المرء على قراءة
الحسن وقتادة إلاأنه نوى الوقف بعد التخفيف، فصار »المر« ثم ثقل للوقف على
قول من قال : هذا خالد. وهو يجعل، ومررت بفرج، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف
فأقر التثقيل بحاله كما جاء عنهم قوله:
ببازل وجناء أو عيهل كأن مهواها على الكَلْكَل
وقرأ
ابن أبي إسحاق: »المرء« بضم الميم وسكون الراء والهمز. ف »المرء« بهذا
الضبط لغة فيه، وكذلك من قرأ: المرء، بكسر الميم. ومنهم من يضم الميم في
الرفع ويفتحها في النصب ويكسرها في الجر، فيقول: هذا المرء ورأيت المرء
ومررت بالمرء. وسبب صنعة هذه اللغة: أنه قد ألق الإتباع في هذا الاسم في
نحو قولك: هذا امرؤ ورأيت امرأ ومررت بامرئ، فيتبع حركة الراء حركة الهمز.
فلما أن تحركت الميم وسكنت الراء لم يكن الاتباع في الساكن فنقل الاتباع
من الراءإلى الميم لأنها متحركة؛ فجرى على الميم لمجاورتها الراء ما كان
يجري على الراء؛ كما يقول ناس في الوقت: هذا بكُر ومررت بِبَكَر؛ لما جفا
عليهم اجتماع الساكنين في الوقف وشحّوا على حركة الإعراب أن يستهلكها
الوقوف عليها نقلوها الى الكاف. وكما قال من قال في صوم: صُيم وفي قوم قيم
لما جاورت العين اللام أجراها في الاعتلال مجرى عات وعتي وجاث وجفي.
وقرأقتادة،رحمه
الله، أيضا الآية 103 من سورة البقرة؛ تلك الآية التي تقرأها الجماعة كما
يلي: »ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون«؛
أقول: قرأها، رحمه الله هو: »ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله
خير لو كانوا يعلمون«.
قرأها بتسكين التاء وفتح الواو خفيفة.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
العلم
18/2/2010/
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
آخر ما درسنا في الحلقة السابقة هو قراءة قتادة، رضي اللّه عنه، لقوله
تعالى في الآية 146 من سورة آل عمران، لقد قرأ فيها كما يلي: «وكأيّن من
نبي قُتلَ معه ربّيّون كثير..»«قرأ « قُتل» بضم القاف وتشديد التاء
المكسورة.
وكنا رأينا أن هذا الحرف يؤدَّى بقراءتين متواترتين، الأولى:
«قتِل» مبنيا للمجهول مع تخفيف التاء. ثانيا «قاتَل». وأواصل البحث في
قراءته ملتمساً منه، سبحانه وتعالى، العون والتوفيق، فأقول:
روى قتادة
عن الحسن أنه قرأ الآية 61 في سورة النساء كما يلي: «وإذا قيلَ لهم تعالوا
إلى ما أنزَل اللّه وإلى الرّسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدوداً » بضم
لام « تعالوا».
ووجه ذلك أنه حذف اللام من تعاليت استحسانا وتخفيفاً.
فلما زالت اللام من (تعالى) ضُمت لام تعال لوقوع واو الجمع بعدها كقولك:
تقدموا وتأخروا.
ونظير ذلك في حذف اللام استخفافاً قولهم: ما باليت به بالة، وأصلها بالية، كالعافية والعاقبة، ثم حذفت اللام كما ترى.
وذهب
الكسائي في (آية) إلى أن أصلها: آييّة فاعلة، فحذفت اللام كما ذكرنا، ولو
كانت إنما حذفت لام (تعالوا) لالتقاء الساكنين كما حذفت لذلك في قولك
للجماعة آمراً: تراموا وتغازوا لبقيت العين مفتوحة دلالة على الألف
المحذوفة، وكنحو قولك: اخشوا واسعَوا، إذا أمرت الجماعة.
ونظير حذف اللام استحساناً في هذه القراءة قراءة الحسن أيضاً في قوله تعالى في الآية 163 من سورة الصافات: «إلا من هو صالُ الجحيم».
قال أبو الفتح عثمان بن جني في الجزء الأول صفحة 191 من محتسبه:
«حدثنا
بذلك أبو علي وذهب إلى ما ذكرناه من حذف اللام استحساناً. وإلى أنه يجوز
أن يكون أراد «إلا من هو صالون الجحيم»، فحذف النون للإضافة و حذف الواو
التي هي عَلم الجمع لفظاً لالتقاء الساكنين، واستعمل لفظ الجمع حملاً على
المعنى دون اللفظ كقول اللّه تعالى في الآية 42 من سورة يونس: «ومنهم من
يستمعون إليك» وله نظائر إلا أن الظاهر ما ذهب إليه أبو علي.
وأما حديث
(تعال) والقول على ماضيه ومضارعه ومتصرفه ومن أين جاز استعمال لفظ العلو
في التقدم فأمرٌ يحتاج إلى فضل قول، إلا أن من جملته أنهم استعملوا لفظ
التقدم والارتفاع على طريق واحد، من ذلك قولهم: قدمته إلى الحاكم، فهذا
كقولك: ترافعنا إلى الحاكم، كذلك قولك للرجل: تعال كقولك له: تقدم.
وأصله أن لتقدم تعال، والتأخر انخفاض وتراخ.
كما
قرأ، رحمه اللّه، الآية 105 من سورة الأنعام كما يلي: «وكذلكَ نُصرّفُ
الآيات وليقولوا دُرسَتْ ولنٌبيّنهُ لقوم يعلمون»، قرأ (دُرست) مبنية
للمجهول.
شارك قتادة في هذه القراءة ابن عباس لكن بخلف عنه، كما رويت أيضاً عن الحسن.
أما عبد اللّّه بن مسعود وأبيّ فقرآ: «درسَ»، كما روي عن ابن مسعود أيضاً «درسْن».
في هذه اللفظة قراءات متواترة هي:
أولاً: قراءة نافع المدني والكوفيين الثلاثة عاصم وحمزة والكسائي، هؤلاء كلهم قرأوا «درسْتَ».
ثانياً: قراءة ابن كثير المكي وأبو عمرو البصري اللّذين قرآها «دارَسْتَ» بمد الدال بالفتح مع إسكان السين.
ثالثا: قراءة ابن عامر الشامي، الذي انفرد بقراءتها هكذا: «درسَتْ».
أما
«درسَتْ «التي كما قلنا قرأ بها قتادة وابن عباس ففيه ضمير الآيات، معناه:
وليقولوا درسْتها أنت يامحمد كالقراءة العامة «دارسْتَ».
ويجوز أن يكون
«دُرسَتْ» أي عفت وتنوسيت، لقراءة ابن مسعود «درسْنَ» أي: عفون فيكون
كقوله في الآية 25 من سورة الأنعام: «إنْ هذا إلاّ أساطيرُ الأوّلينَ».
وأما
«دَرسَ» ففيه ضمير النبي صلى اللّه عليه وسلم، وشاهد هذا دارست، أي فإذا
جئتهم بهذه القصص والأنباء قالوا: شيء قرأه أو قارأه فأتى به، وليس من عند
الّله، أي يفعل هذا بهم لتقوى أثرة التكليف عليهم زيادة في الابتلاء لهم
كالحج والغزو وتكليف المشاق المستحق عليها الثواب. وإن شئت كان معناه فإذا
هم يقولون كذا، كقوله في الآية 8 من سورة القصص: «فالتقطهُ آلُ فرعونَ
ليكونَ لهم عدوا»، أي : فإذا هو عدو لهم.
كما قرأ قتادة، رحمه اللّه،
الآية 108 من سورة الأنعام كما يلي: «ولاَ تسبّوا الّذين يدْعون من دون
اللّهِ فيسُبّوا عُدوا بغيْر علْم كذلكَ زيّنا لكلّ أمّةِ عملهم..» بضم
عين ودال» عدواً» وتشديد الواو فيها.
شاركه في هذه القراءة كل من الحسن وأبي الرجاء وأبي المنذر المزني سلام بن سليمان الطويل ويعقوب وعبد الله بن يزيد.
وروى عنه أيضا قراءته هو ومن شاركه فيها وهم المشار إليهم أعلاه: «بغْياً وعُدُوّاً» في الآية 90 في سورة يونس.
ومعلوم أن العَدْو والعُدُوَّ: الظلم والتعدي للحق، ومثلها العُدوان والعَداء.
كما قرأ، رحمه الله، الآية 110 من نفس السورة سورة الأنعام كمايلي:
«ونُقَلِّب
أفْئدَتهم وأبْصارهم كما لَمْ يُؤمنوا به أول مرة ويَذَرْهُم في طُغْيانهم
يعْمَهون» بالياء وجزم الراء في قوله تعالى «ونَذَرُهمْ»؛ هذه القراءة هي
من التخفيف؛ لقد سكن هنا المرفوع تخفيفا كما هي قراءة من قرأ «وما
يُشْعِرُكُمْ» بإسكان الراء، وكان «يشعركم» أعذر من «يذرهم» لأن فيه خروجا
من كسر إلى ضم، وهو في «يَذَرْهُم» خروج من فتح إلى ضم.
شاركه في هذه القراءة كل من الحسن وأبي الرجاء وسلام ويعقوب وعبد الله بن يزيد والأعمش والهمداني.
وقرأ
قتادة، رحمه الله، الآية 57 من سورة الأعراف كمايلي: «وهُوَ الذي يُرْسِلُ
الرِّياحَ نُشْراً بين يَدَيْ رَحْمَتِهِ..» بضم النون وجزم الشين؛ وهي
اللفظة التي سنجدها عنده بهذه القراءة في سورة الفرقان في الآية 48 وفي
الآية 63 من سورة النمل.
يشاركه في هذه القراءة من السبعة ابن عامر الشامي ومن غيرهم الحسن بخلف عنه وأبو الرجاء والجحدري وسهل بن شعيب الكوفي.
لقد اختلف القراء في قراءة هذه اللفظة اختلافا كبيرا؛ أوجزه فيما يلي:
أما
أبو عبد الرحمان فقرا: «بَشْراً» بفتح الباء الساكنة الشين لكن بخلف عنه.
كما قرأ: «بُشُراً» بالباء مضمومة مُنَوِّنين ابن عباس والسلمي بخلاف
وعاصم بخلاف كذلك.
وقرأ «بُشْرى» غير مُنوَّنةٍ على فُعْلى محمد بن
السميفع وابن قطيب. أما أبو عائشة مسروق بن الأجدع الهمداني الكوفي فقراً:
«نَشَرا» بفتح النون والشين. أما: «نُشْراً» التي يقرأ بها كما قلنا قتادة
وابن عامر من السبعة ومن اندرج معهما فيها فتخفيف «نُشُراً» التي يقرأ بها
نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري وأبو جعفر ويعقوب ووافقهم
ابن محيصن واليزيدي، و«النَّشُر» جمع نَشُور لأنها تنشُرُ السحاب وتستدره،
والتثقيل أفصح لأنه لغة الحجازيين، والتخفيف في نحو ذلك لتميم.
وأما «بُشُراً» فجمع بشير لأن الريح تبشر بالسحاب.
وأما
«بَشْراً» فمصدر في موضع الحال، كقول الله تعالى في الآية 260 من سورة
البقرة: «ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَاتينَك سَعْياً»، أي ساعيات، فكذلك «بَشْراً
أي باشرات في معنى مبشرات؛ يقال: بشرت الرجل أبشره بَشْراً فأنا باشر وهو
مبشور، وأبشرْته ابْشِرُهُ فأنا مُبَشِّرُ وهو مُبَشَرٌ، وبَشَّرْتُهُ
تَبْشيراً، فأنا مُبَشِّرٌ وهو مبشر وهو مشر وبَشِرَ بالأمر يَبْشُرُ به،
فهو بَشر، كفرح به يَفْرَحُ فرَحاً، وهو فرح، وأبْشِرْ هو أيضا يُبْشِرُ
إبْشاراً؛ ومنه المثل السائر: «أبشر، بما سَرَّك عيني تختلج».
والبشارة: حسن البشرة. قال أبو إسحاق: قيل لما يُفرَح به بِشارة لأن الإنسان إذا فرح حسنتْ بَشرتُه.
فإن قيل: فإن البَشرَة قد يبين عليها الحسن تارة والقبح أخرى. فكيف خُص به هاهنا حسنُها دون قبحها؟
قيل
من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس المطلق على
جميع أجزائه المختلفة. ألا تراهم قالوا: لفلان خُلُق فخصوه بالمدح، وإن
كان الخلق يكون قبيحا كما يكون حسناً؟
وقالوا للكعبة: بيت الله،
والبيوت كلها لله، فخصوا باسم الجنس أشرفَ أنواعه. وقالوا: فلان متكلم،
يعنون به صاحب النظر، والناس كلهم متكلمون.
وأما «بُشرى» على فعْلى فمنصوبة على الحال أيضا، أي مبشرات على ما مضى.
وأما
«نَشَراً» فعلى حذف المضاف أي ذوات نشر، والنَّشر أن تنتشر الغنم بالليل
فترعى فهذا على تشبيه السحاب في انتشاره وعمومه من هاهنا ومن هاهنا بالغنم
إذا انتشرت للرعي.
- العلم12/3/2010تعالى في الآية 146 من سورة آل عمران، لقد قرأ فيها كما يلي: «وكأيّن من
نبي قُتلَ معه ربّيّون كثير..»«قرأ « قُتل» بضم القاف وتشديد التاء
المكسورة.
وكنا رأينا أن هذا الحرف يؤدَّى بقراءتين متواترتين، الأولى:
«قتِل» مبنيا للمجهول مع تخفيف التاء. ثانيا «قاتَل». وأواصل البحث في
قراءته ملتمساً منه، سبحانه وتعالى، العون والتوفيق، فأقول:
روى قتادة
عن الحسن أنه قرأ الآية 61 في سورة النساء كما يلي: «وإذا قيلَ لهم تعالوا
إلى ما أنزَل اللّه وإلى الرّسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدوداً » بضم
لام « تعالوا».
ووجه ذلك أنه حذف اللام من تعاليت استحسانا وتخفيفاً.
فلما زالت اللام من (تعالى) ضُمت لام تعال لوقوع واو الجمع بعدها كقولك:
تقدموا وتأخروا.
ونظير ذلك في حذف اللام استخفافاً قولهم: ما باليت به بالة، وأصلها بالية، كالعافية والعاقبة، ثم حذفت اللام كما ترى.
وذهب
الكسائي في (آية) إلى أن أصلها: آييّة فاعلة، فحذفت اللام كما ذكرنا، ولو
كانت إنما حذفت لام (تعالوا) لالتقاء الساكنين كما حذفت لذلك في قولك
للجماعة آمراً: تراموا وتغازوا لبقيت العين مفتوحة دلالة على الألف
المحذوفة، وكنحو قولك: اخشوا واسعَوا، إذا أمرت الجماعة.
ونظير حذف اللام استحساناً في هذه القراءة قراءة الحسن أيضاً في قوله تعالى في الآية 163 من سورة الصافات: «إلا من هو صالُ الجحيم».
قال أبو الفتح عثمان بن جني في الجزء الأول صفحة 191 من محتسبه:
«حدثنا
بذلك أبو علي وذهب إلى ما ذكرناه من حذف اللام استحساناً. وإلى أنه يجوز
أن يكون أراد «إلا من هو صالون الجحيم»، فحذف النون للإضافة و حذف الواو
التي هي عَلم الجمع لفظاً لالتقاء الساكنين، واستعمل لفظ الجمع حملاً على
المعنى دون اللفظ كقول اللّه تعالى في الآية 42 من سورة يونس: «ومنهم من
يستمعون إليك» وله نظائر إلا أن الظاهر ما ذهب إليه أبو علي.
وأما حديث
(تعال) والقول على ماضيه ومضارعه ومتصرفه ومن أين جاز استعمال لفظ العلو
في التقدم فأمرٌ يحتاج إلى فضل قول، إلا أن من جملته أنهم استعملوا لفظ
التقدم والارتفاع على طريق واحد، من ذلك قولهم: قدمته إلى الحاكم، فهذا
كقولك: ترافعنا إلى الحاكم، كذلك قولك للرجل: تعال كقولك له: تقدم.
وأصله أن لتقدم تعال، والتأخر انخفاض وتراخ.
كما
قرأ، رحمه اللّه، الآية 105 من سورة الأنعام كما يلي: «وكذلكَ نُصرّفُ
الآيات وليقولوا دُرسَتْ ولنٌبيّنهُ لقوم يعلمون»، قرأ (دُرست) مبنية
للمجهول.
شارك قتادة في هذه القراءة ابن عباس لكن بخلف عنه، كما رويت أيضاً عن الحسن.
أما عبد اللّّه بن مسعود وأبيّ فقرآ: «درسَ»، كما روي عن ابن مسعود أيضاً «درسْن».
في هذه اللفظة قراءات متواترة هي:
أولاً: قراءة نافع المدني والكوفيين الثلاثة عاصم وحمزة والكسائي، هؤلاء كلهم قرأوا «درسْتَ».
ثانياً: قراءة ابن كثير المكي وأبو عمرو البصري اللّذين قرآها «دارَسْتَ» بمد الدال بالفتح مع إسكان السين.
ثالثا: قراءة ابن عامر الشامي، الذي انفرد بقراءتها هكذا: «درسَتْ».
أما
«درسَتْ «التي كما قلنا قرأ بها قتادة وابن عباس ففيه ضمير الآيات، معناه:
وليقولوا درسْتها أنت يامحمد كالقراءة العامة «دارسْتَ».
ويجوز أن يكون
«دُرسَتْ» أي عفت وتنوسيت، لقراءة ابن مسعود «درسْنَ» أي: عفون فيكون
كقوله في الآية 25 من سورة الأنعام: «إنْ هذا إلاّ أساطيرُ الأوّلينَ».
وأما
«دَرسَ» ففيه ضمير النبي صلى اللّه عليه وسلم، وشاهد هذا دارست، أي فإذا
جئتهم بهذه القصص والأنباء قالوا: شيء قرأه أو قارأه فأتى به، وليس من عند
الّله، أي يفعل هذا بهم لتقوى أثرة التكليف عليهم زيادة في الابتلاء لهم
كالحج والغزو وتكليف المشاق المستحق عليها الثواب. وإن شئت كان معناه فإذا
هم يقولون كذا، كقوله في الآية 8 من سورة القصص: «فالتقطهُ آلُ فرعونَ
ليكونَ لهم عدوا»، أي : فإذا هو عدو لهم.
كما قرأ قتادة، رحمه اللّه،
الآية 108 من سورة الأنعام كما يلي: «ولاَ تسبّوا الّذين يدْعون من دون
اللّهِ فيسُبّوا عُدوا بغيْر علْم كذلكَ زيّنا لكلّ أمّةِ عملهم..» بضم
عين ودال» عدواً» وتشديد الواو فيها.
شاركه في هذه القراءة كل من الحسن وأبي الرجاء وأبي المنذر المزني سلام بن سليمان الطويل ويعقوب وعبد الله بن يزيد.
وروى عنه أيضا قراءته هو ومن شاركه فيها وهم المشار إليهم أعلاه: «بغْياً وعُدُوّاً» في الآية 90 في سورة يونس.
ومعلوم أن العَدْو والعُدُوَّ: الظلم والتعدي للحق، ومثلها العُدوان والعَداء.
كما قرأ، رحمه الله، الآية 110 من نفس السورة سورة الأنعام كمايلي:
«ونُقَلِّب
أفْئدَتهم وأبْصارهم كما لَمْ يُؤمنوا به أول مرة ويَذَرْهُم في طُغْيانهم
يعْمَهون» بالياء وجزم الراء في قوله تعالى «ونَذَرُهمْ»؛ هذه القراءة هي
من التخفيف؛ لقد سكن هنا المرفوع تخفيفا كما هي قراءة من قرأ «وما
يُشْعِرُكُمْ» بإسكان الراء، وكان «يشعركم» أعذر من «يذرهم» لأن فيه خروجا
من كسر إلى ضم، وهو في «يَذَرْهُم» خروج من فتح إلى ضم.
شاركه في هذه القراءة كل من الحسن وأبي الرجاء وسلام ويعقوب وعبد الله بن يزيد والأعمش والهمداني.
وقرأ
قتادة، رحمه الله، الآية 57 من سورة الأعراف كمايلي: «وهُوَ الذي يُرْسِلُ
الرِّياحَ نُشْراً بين يَدَيْ رَحْمَتِهِ..» بضم النون وجزم الشين؛ وهي
اللفظة التي سنجدها عنده بهذه القراءة في سورة الفرقان في الآية 48 وفي
الآية 63 من سورة النمل.
يشاركه في هذه القراءة من السبعة ابن عامر الشامي ومن غيرهم الحسن بخلف عنه وأبو الرجاء والجحدري وسهل بن شعيب الكوفي.
لقد اختلف القراء في قراءة هذه اللفظة اختلافا كبيرا؛ أوجزه فيما يلي:
أما
أبو عبد الرحمان فقرا: «بَشْراً» بفتح الباء الساكنة الشين لكن بخلف عنه.
كما قرأ: «بُشُراً» بالباء مضمومة مُنَوِّنين ابن عباس والسلمي بخلاف
وعاصم بخلاف كذلك.
وقرأ «بُشْرى» غير مُنوَّنةٍ على فُعْلى محمد بن
السميفع وابن قطيب. أما أبو عائشة مسروق بن الأجدع الهمداني الكوفي فقراً:
«نَشَرا» بفتح النون والشين. أما: «نُشْراً» التي يقرأ بها كما قلنا قتادة
وابن عامر من السبعة ومن اندرج معهما فيها فتخفيف «نُشُراً» التي يقرأ بها
نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري وأبو جعفر ويعقوب ووافقهم
ابن محيصن واليزيدي، و«النَّشُر» جمع نَشُور لأنها تنشُرُ السحاب وتستدره،
والتثقيل أفصح لأنه لغة الحجازيين، والتخفيف في نحو ذلك لتميم.
وأما «بُشُراً» فجمع بشير لأن الريح تبشر بالسحاب.
وأما
«بَشْراً» فمصدر في موضع الحال، كقول الله تعالى في الآية 260 من سورة
البقرة: «ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَاتينَك سَعْياً»، أي ساعيات، فكذلك «بَشْراً
أي باشرات في معنى مبشرات؛ يقال: بشرت الرجل أبشره بَشْراً فأنا باشر وهو
مبشور، وأبشرْته ابْشِرُهُ فأنا مُبَشِّرُ وهو مُبَشَرٌ، وبَشَّرْتُهُ
تَبْشيراً، فأنا مُبَشِّرٌ وهو مبشر وهو مشر وبَشِرَ بالأمر يَبْشُرُ به،
فهو بَشر، كفرح به يَفْرَحُ فرَحاً، وهو فرح، وأبْشِرْ هو أيضا يُبْشِرُ
إبْشاراً؛ ومنه المثل السائر: «أبشر، بما سَرَّك عيني تختلج».
والبشارة: حسن البشرة. قال أبو إسحاق: قيل لما يُفرَح به بِشارة لأن الإنسان إذا فرح حسنتْ بَشرتُه.
فإن قيل: فإن البَشرَة قد يبين عليها الحسن تارة والقبح أخرى. فكيف خُص به هاهنا حسنُها دون قبحها؟
قيل
من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس المطلق على
جميع أجزائه المختلفة. ألا تراهم قالوا: لفلان خُلُق فخصوه بالمدح، وإن
كان الخلق يكون قبيحا كما يكون حسناً؟
وقالوا للكعبة: بيت الله،
والبيوت كلها لله، فخصوا باسم الجنس أشرفَ أنواعه. وقالوا: فلان متكلم،
يعنون به صاحب النظر، والناس كلهم متكلمون.
وأما «بُشرى» على فعْلى فمنصوبة على الحال أيضا، أي مبشرات على ما مضى.
وأما
«نَشَراً» فعلى حذف المضاف أي ذوات نشر، والنَّشر أن تنتشر الغنم بالليل
فترعى فهذا على تشبيه السحاب في انتشاره وعمومه من هاهنا ومن هاهنا بالغنم
إذا انتشرت للرعي.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي |
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
<
آخر ما بحثنا فيه ونحن نتحدث عن قراءة الإمام قتادة هو أداؤه، رحمه الله،
لقوله تعالى في الآية 57 من سورة الأعراف الذي أداه كما قلنا هكذا: «وهُوَ
الذي يُرسلُ الرياحَ نُشراً بينَ يدي رحمتهِ».. ضاماً نون قوله «نُشراً»
وجازماً شينها، وهي اللفظة التي قلنا، سنجدها عنده بهذه القراءة في سورتي
الفرقان والنمل. وأواصل الآن بعون الله وقوته البحث فيما بقي من قراءة
الإمام قتادة، فأقول وبالله التوفيق:
وقرأ، رحمه الله، في الآية 157 من
سورة الأعراف قوله تعالى هكذا: « فالذينَ آمنوا به وعزَروه ونصَرُوه
واتبعُوا النُّور الذي أنزَلَ معه أولائكَ هُمُ المفلحونَ». قرأ بالتخفيف
قوله: «وعزَّروه».
اتفق كبار علماء اللغة على أن المشهور المستعمل
عندهم في ذلك هو: عزَّرْتُ الرجُلَ: أي عظمته، وهو مشدد، وقد قالوا:
عزَرْتُ الرجل عن الشيء بتخفيف الزاي إذا منعته عن الشيء، ومنه سمي الرجل:
عزْرَة، فقد يجوز أن يكون «وعزروه» على هذه القراءة، أي: منعوه وحجزوا
ذكره عن السوء، فبرأته من الشيء وحجزته بمعنى واحد.
شارك قتادة في هذه القراءة كل من الجحدري وسليمان التميمي.
كما
قرأ هؤلاء القراء المذكورون أعلاه بالتخفيف قوله تعالى «وعزَّرتموهم»
الموجود في الآية 13 من سورة الأعراف، ومعناها، كما لا يخفى: «رددتم عنهم
أعداءهم».
وقرأ أيضا، رحمه الله، في الآية 161 من نفس السورة، سورة
الأعراف قوله تعالى هكذا: «وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القريةَ وكُلوا منها
حيث شئتم وقُولوا حطة وادخلوا البابَ سُجداً..» بنصب «حطة». وهي منصوبة،
ولاشك، على المصدر بفعل مقدر، أي: احطط عنا ذنوبَنَا حطَّةَ.
قال أبو
حيان الغرناطي في صفحة 407 من الجزء الرابع من تفسيره المعروف بـ «البحر
المحيط»:«ويجوز أن ينتصب بـ «قولوا» على حذف، ويكون التقدير: «وقولوا
قولاً حطة». أي: ذا حطة، فحذف «ذا» وصار «حطة» وصفاً للمصدر المحذوف. كما
تقول: «قلت حسناً» و«قلت حقاً»، أي: «قولاً حسنا» و«قولاً حقاً».
قام
ابن جني فرد على هذا التخريج قائلا: «ولا يكون «حِطةً» منصوباً بنفس
«قولوا» ، لأن: «قلت» وبابها لا ينصب المفرد إلا أن يكون ترجمة الجملة،
وذلك كأن يقول إنسان: لا إله إلا الله، فتقول أنت قلت: حقاً، لأن قوله لا
إله إلا الله حق، ولا تقول: قلت زيداً ولا عمراً، ولا قلت قياماً ولا
قعوداً، على أن تنصب هذين المصدرين بنفس «قلت».
وقرأ، رحمه الله، أيضاً
الآية 42 من سورة الأنفال هكذا: «إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهُم بالعدوة
القصوَى والرَّكبُ أسفلَ منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعادِ ولكن
ليقضِي الله أمراً كان مفعولاً»، فتح فيها عين «العدوة» في الموضعين».
لاشك
أنكم لاحظتم أنني قلت: هنا، وأنا أتحدث عن قراءة «العَدوة»: قرأ الآية 42
ولم أقل كعادتي: «قرأ في الآية»، لأنني أوردت الآية كاملة من أولها الذي
هو: «إذ أنتم بالعدوة الدنيا» إلى آخرها الذي هو: «ولكن ليَقْضي اللهُ
أمراً كانَ مفعولاً».
قد يقال لي لا حاجة لنا بهذا التعليق. أقول: لا،
إن هذا التعليق ضروري إذ قد يوجد من القراء من يعود إلى مصحفه لمراجعة
الآية فيجد أنها لا تنتهي فيه عند قوله تعالى: «ولكنْ لَيقضي اللهُ أمراً
كانَ مفعولاً» فيستغرب كيف أقول «الآية» وهي ليست كاملة كما يرى في مصحفه.
أقول:
المصاحف المتداولة عندنا في المغرب، سواء التي هي برواية ورش عن نافع أو
برواية حفص عن عاصم كلها تتبع في عد آياتها العد الكوفي دون سواه، والكوفي
لا يعد قوله تعالى: «ولكنْ لِيقضيَ اللهُ أمراً كانَ مفعولاً» آية. وأنا،
في هذه الآية عدت إلى الروايتين اللتين تشرفت بتصحيحهما وضبطهما والسهر،
بجد، على إخر اجهما للناس ليتقرب العباد بقراءتهما إلى الله، إنهما
روايتيْ البزي وقنبل عن ابن كثير المكي، روايتين تكرمت بطبعهما ونشرهما
على المسلمين دار القراءات القرآنية بألمانيا لصاحبها أندلوسي عبد الناصر
جزاه الله خيراً. ومعلوم أن روايتي مكة المكرمة يتبعان العد المكي الذي
يعتبر: «ولَكِنْ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً» آية. بعد أن اتضح الأمر،
ولاشك، نعود لما كنا نتحدث فيه، فأقول:
«العَدوة» هذه التي يفتح عينها
قتادة بن دعامة أبو الخطاب السدوسي البصري تطلق عندهم على شط الوادي،
وتسمى شفيراً وضفة، سميت بذلك لأنها «عدت» ما في الوادي من ماءٍ أن
يتجاوزه. أي: منعته، قال الشاعر:
عَدتْني عن زيارتها العوادي
وقالت دُونها حرْب زبُونُ
ويسمى الفضاء المساير للوادي «عدوة» للمجاورة.
وقرأ ابن كثير المكي وأبو عمرو البصري« بالعِدوة» بكسر العين فيهما وباقي السبعة بالضم.
قال الأخفش: «لم يسمع من العرب إلا الكسر». وقال أبو عبيد: «والضم أكثرهم. وقال اليزيدي: «الكسر لغة الحجاز».
فيحتمل أن تكون الثلاث لغى، ويحتمل أن يكون الفتح مصدراً سمي به، وروي بالكسر والضم بيت أوس:
وفارس ِ لمْ يحُل َ اليومَ عدْوتَهولو
سِراعاً وما هموُّا بإقبال
وقرئ
(بالعديَة) بقلب الواو ياء لكسرة العين، ولم يعتدوا بالساكن لأنه حاجز غير
حصين، كما فعلوا ذلك في (صبْية) و(قِنية) و(دِنيا) من قولهم: «هو ابن عمي
دنيا»، والأصل في هذا التصحيح كالصفوة والذروة والربوة، وفي حرف ابن
مسعود: «بالعدوة العُليا وهُم بالعدوة السفلى» ووادي بدر، آخذين الشرق
والقبلة منحرف الى البحر الذي هو قريب من ذلك الصقع والمدينة من الوادي من
موضع الوقعة منه في الشرق وبينهما مرحلتان.
فـ (العدوة) إذن لغة ثالثة،
كقولهم في اللبن رِغوة ورَعوة ورُعوة ولها نظائر مما جاءت فيها فُعلة
وفِعلة وفِعلة، منه قولهم: له صِفوة مالي وصفوته وصُفوته، روى ذلك أبو
عبيدة. ومثله: أوطأته عشوة وعِشوة وعُشوة، (العِشوة: ركوب الأمر على غير
بيان، وعليه يكون معنى: أوطأته عشوة: حمله على أمر غير رشيد) روى هذا كل
من أبي عبيدة وابن العربي.
وروى الكساني: كلمته بحضرة فلان وحِضرته،
وحكى ابن الأعرابي، غَشوة وغُشوة وغِشوة وغِلظة وغُلظة وغَلظة. وقالوا شاة
لُجبة ولَجبة ولِجبة (اللُجبة: الشاة قل لبنها وعكسها الغزيرة)، ورِبوة
ورُبوة وربْوة (الربوة: ما ارتفع من الأرض)، فكذلك تكون أيضا «العدوة»
و«العِدوة» و«العُدوة». وروى ابن العربي أيضا «المَدية» بالفتح و«المِدية»
بالكسر و«المُدية» بالضم».
وقرأ، رحمه الله، أيضا الآية 37 من سورة
التوبة التي تقرأها الجماعة هكذا: «إنما النسيء زيادة في الكفر يُضل به
الذين كَفروا يُحلونه عاما ويحرمونَهُ عاماً ليُواطئوا عدة ما حرَّم الله
فيُحلوا ما حرَّم الله زُين لهم سوءُ أعمالهم واللهُ لا يهْدي القومَ
الكافرين» أقول: يقال إنه قرأها هو: «إنما النسيءُ زيادة في الكُفر يضَلُّ
به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرّمونه عاماً ليُواطئوا عد ما حرم اللهُ
فيُحلوا ما حرَّم اللهُ زُيّن لهم سُوءُ أعمالهم واللهُ لا يَهدي القومَ
الكافرينَ» بفتح ياء وضاء «يضل به»، أعتقد أنه يقرأ هذه اللفظة كما يقرأها
من السبعة حفص عن عاصم وحمزة والكسائي.
يشاركهم في هذه القراءة، من غير
السبعة، الحسن وأبو رجاء لكن بخلاف عنهما، كما يشاركهم فيها عبد الله بن
مسعود وأبو الحجاج المكي مجاهد بن جبر وأبو عبد الله الأودي الكوفي عمرو
بن ميمون كما يرويها عن الأعمش العباس بن فضل بن عمرو الواقفي الأنصاري
البصري.
و«يضل به» هذه لغة، أعني ضللت أضل، واللغة الفصحى «ضَللت أضِل.
في
هذه القراءة تأويلان: إن شئنا كان الفاعل اسم الله مضمرا، أي: «يُضِل الله
الذين كفروا. وإن شئنا كان تقديره: سيُضل به الذين كفروا أولياءهم
وأتباعهم.
وقرأ، رحمه الله، أيضا الآية 100 من نفس السورة، سورة التوبة
التي هي في المتواتر المتعبد بتلاوته كمايلي: «والسابقون الأولون من
المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه»..
هكذا: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه.. «بضم راء «والأنصار».
جعل
(والأنصارُ) معطوفا على قوله : «والسابقون الأولون من المهاجرين» أما قوله
: «والذين اتبعوهم بإحسان» فيجوز أن يكون معطوفاً على (الأنصارُ) في رفعه
وجره. ويجوز أن يكون معطوفاً على (السابقون)، وأن يكون معطوفاً على
(الأنصار) لقربه منه.
شارك قتادة في هذه القراءة، قراءة (والأنصار) بضم
الراء كل من عمر بن الخطاب والحسن وسعيد بن أسعد بن حمير بن عبد الأعلى
ويعقوب بن طلحة وعيسى بن عبد الرحمان بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي.
العلم
26/3/2010-
آخر ما بحثنا فيه ونحن نتحدث عن قراءة الإمام قتادة هو أداؤه، رحمه الله،
لقوله تعالى في الآية 57 من سورة الأعراف الذي أداه كما قلنا هكذا: «وهُوَ
الذي يُرسلُ الرياحَ نُشراً بينَ يدي رحمتهِ».. ضاماً نون قوله «نُشراً»
وجازماً شينها، وهي اللفظة التي قلنا، سنجدها عنده بهذه القراءة في سورتي
الفرقان والنمل. وأواصل الآن بعون الله وقوته البحث فيما بقي من قراءة
الإمام قتادة، فأقول وبالله التوفيق:
وقرأ، رحمه الله، في الآية 157 من
سورة الأعراف قوله تعالى هكذا: « فالذينَ آمنوا به وعزَروه ونصَرُوه
واتبعُوا النُّور الذي أنزَلَ معه أولائكَ هُمُ المفلحونَ». قرأ بالتخفيف
قوله: «وعزَّروه».
اتفق كبار علماء اللغة على أن المشهور المستعمل
عندهم في ذلك هو: عزَّرْتُ الرجُلَ: أي عظمته، وهو مشدد، وقد قالوا:
عزَرْتُ الرجل عن الشيء بتخفيف الزاي إذا منعته عن الشيء، ومنه سمي الرجل:
عزْرَة، فقد يجوز أن يكون «وعزروه» على هذه القراءة، أي: منعوه وحجزوا
ذكره عن السوء، فبرأته من الشيء وحجزته بمعنى واحد.
شارك قتادة في هذه القراءة كل من الجحدري وسليمان التميمي.
كما
قرأ هؤلاء القراء المذكورون أعلاه بالتخفيف قوله تعالى «وعزَّرتموهم»
الموجود في الآية 13 من سورة الأعراف، ومعناها، كما لا يخفى: «رددتم عنهم
أعداءهم».
وقرأ أيضا، رحمه الله، في الآية 161 من نفس السورة، سورة
الأعراف قوله تعالى هكذا: «وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القريةَ وكُلوا منها
حيث شئتم وقُولوا حطة وادخلوا البابَ سُجداً..» بنصب «حطة». وهي منصوبة،
ولاشك، على المصدر بفعل مقدر، أي: احطط عنا ذنوبَنَا حطَّةَ.
قال أبو
حيان الغرناطي في صفحة 407 من الجزء الرابع من تفسيره المعروف بـ «البحر
المحيط»:«ويجوز أن ينتصب بـ «قولوا» على حذف، ويكون التقدير: «وقولوا
قولاً حطة». أي: ذا حطة، فحذف «ذا» وصار «حطة» وصفاً للمصدر المحذوف. كما
تقول: «قلت حسناً» و«قلت حقاً»، أي: «قولاً حسنا» و«قولاً حقاً».
قام
ابن جني فرد على هذا التخريج قائلا: «ولا يكون «حِطةً» منصوباً بنفس
«قولوا» ، لأن: «قلت» وبابها لا ينصب المفرد إلا أن يكون ترجمة الجملة،
وذلك كأن يقول إنسان: لا إله إلا الله، فتقول أنت قلت: حقاً، لأن قوله لا
إله إلا الله حق، ولا تقول: قلت زيداً ولا عمراً، ولا قلت قياماً ولا
قعوداً، على أن تنصب هذين المصدرين بنفس «قلت».
وقرأ، رحمه الله، أيضاً
الآية 42 من سورة الأنفال هكذا: «إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهُم بالعدوة
القصوَى والرَّكبُ أسفلَ منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعادِ ولكن
ليقضِي الله أمراً كان مفعولاً»، فتح فيها عين «العدوة» في الموضعين».
لاشك
أنكم لاحظتم أنني قلت: هنا، وأنا أتحدث عن قراءة «العَدوة»: قرأ الآية 42
ولم أقل كعادتي: «قرأ في الآية»، لأنني أوردت الآية كاملة من أولها الذي
هو: «إذ أنتم بالعدوة الدنيا» إلى آخرها الذي هو: «ولكن ليَقْضي اللهُ
أمراً كانَ مفعولاً».
قد يقال لي لا حاجة لنا بهذا التعليق. أقول: لا،
إن هذا التعليق ضروري إذ قد يوجد من القراء من يعود إلى مصحفه لمراجعة
الآية فيجد أنها لا تنتهي فيه عند قوله تعالى: «ولكنْ لَيقضي اللهُ أمراً
كانَ مفعولاً» فيستغرب كيف أقول «الآية» وهي ليست كاملة كما يرى في مصحفه.
أقول:
المصاحف المتداولة عندنا في المغرب، سواء التي هي برواية ورش عن نافع أو
برواية حفص عن عاصم كلها تتبع في عد آياتها العد الكوفي دون سواه، والكوفي
لا يعد قوله تعالى: «ولكنْ لِيقضيَ اللهُ أمراً كانَ مفعولاً» آية. وأنا،
في هذه الآية عدت إلى الروايتين اللتين تشرفت بتصحيحهما وضبطهما والسهر،
بجد، على إخر اجهما للناس ليتقرب العباد بقراءتهما إلى الله، إنهما
روايتيْ البزي وقنبل عن ابن كثير المكي، روايتين تكرمت بطبعهما ونشرهما
على المسلمين دار القراءات القرآنية بألمانيا لصاحبها أندلوسي عبد الناصر
جزاه الله خيراً. ومعلوم أن روايتي مكة المكرمة يتبعان العد المكي الذي
يعتبر: «ولَكِنْ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً» آية. بعد أن اتضح الأمر،
ولاشك، نعود لما كنا نتحدث فيه، فأقول:
«العَدوة» هذه التي يفتح عينها
قتادة بن دعامة أبو الخطاب السدوسي البصري تطلق عندهم على شط الوادي،
وتسمى شفيراً وضفة، سميت بذلك لأنها «عدت» ما في الوادي من ماءٍ أن
يتجاوزه. أي: منعته، قال الشاعر:
عَدتْني عن زيارتها العوادي
وقالت دُونها حرْب زبُونُ
ويسمى الفضاء المساير للوادي «عدوة» للمجاورة.
وقرأ ابن كثير المكي وأبو عمرو البصري« بالعِدوة» بكسر العين فيهما وباقي السبعة بالضم.
قال الأخفش: «لم يسمع من العرب إلا الكسر». وقال أبو عبيد: «والضم أكثرهم. وقال اليزيدي: «الكسر لغة الحجاز».
فيحتمل أن تكون الثلاث لغى، ويحتمل أن يكون الفتح مصدراً سمي به، وروي بالكسر والضم بيت أوس:
وفارس ِ لمْ يحُل َ اليومَ عدْوتَهولو
سِراعاً وما هموُّا بإقبال
وقرئ
(بالعديَة) بقلب الواو ياء لكسرة العين، ولم يعتدوا بالساكن لأنه حاجز غير
حصين، كما فعلوا ذلك في (صبْية) و(قِنية) و(دِنيا) من قولهم: «هو ابن عمي
دنيا»، والأصل في هذا التصحيح كالصفوة والذروة والربوة، وفي حرف ابن
مسعود: «بالعدوة العُليا وهُم بالعدوة السفلى» ووادي بدر، آخذين الشرق
والقبلة منحرف الى البحر الذي هو قريب من ذلك الصقع والمدينة من الوادي من
موضع الوقعة منه في الشرق وبينهما مرحلتان.
فـ (العدوة) إذن لغة ثالثة،
كقولهم في اللبن رِغوة ورَعوة ورُعوة ولها نظائر مما جاءت فيها فُعلة
وفِعلة وفِعلة، منه قولهم: له صِفوة مالي وصفوته وصُفوته، روى ذلك أبو
عبيدة. ومثله: أوطأته عشوة وعِشوة وعُشوة، (العِشوة: ركوب الأمر على غير
بيان، وعليه يكون معنى: أوطأته عشوة: حمله على أمر غير رشيد) روى هذا كل
من أبي عبيدة وابن العربي.
وروى الكساني: كلمته بحضرة فلان وحِضرته،
وحكى ابن الأعرابي، غَشوة وغُشوة وغِشوة وغِلظة وغُلظة وغَلظة. وقالوا شاة
لُجبة ولَجبة ولِجبة (اللُجبة: الشاة قل لبنها وعكسها الغزيرة)، ورِبوة
ورُبوة وربْوة (الربوة: ما ارتفع من الأرض)، فكذلك تكون أيضا «العدوة»
و«العِدوة» و«العُدوة». وروى ابن العربي أيضا «المَدية» بالفتح و«المِدية»
بالكسر و«المُدية» بالضم».
وقرأ، رحمه الله، أيضا الآية 37 من سورة
التوبة التي تقرأها الجماعة هكذا: «إنما النسيء زيادة في الكفر يُضل به
الذين كَفروا يُحلونه عاما ويحرمونَهُ عاماً ليُواطئوا عدة ما حرَّم الله
فيُحلوا ما حرَّم الله زُين لهم سوءُ أعمالهم واللهُ لا يهْدي القومَ
الكافرين» أقول: يقال إنه قرأها هو: «إنما النسيءُ زيادة في الكُفر يضَلُّ
به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرّمونه عاماً ليُواطئوا عد ما حرم اللهُ
فيُحلوا ما حرَّم اللهُ زُيّن لهم سُوءُ أعمالهم واللهُ لا يَهدي القومَ
الكافرينَ» بفتح ياء وضاء «يضل به»، أعتقد أنه يقرأ هذه اللفظة كما يقرأها
من السبعة حفص عن عاصم وحمزة والكسائي.
يشاركهم في هذه القراءة، من غير
السبعة، الحسن وأبو رجاء لكن بخلاف عنهما، كما يشاركهم فيها عبد الله بن
مسعود وأبو الحجاج المكي مجاهد بن جبر وأبو عبد الله الأودي الكوفي عمرو
بن ميمون كما يرويها عن الأعمش العباس بن فضل بن عمرو الواقفي الأنصاري
البصري.
و«يضل به» هذه لغة، أعني ضللت أضل، واللغة الفصحى «ضَللت أضِل.
في
هذه القراءة تأويلان: إن شئنا كان الفاعل اسم الله مضمرا، أي: «يُضِل الله
الذين كفروا. وإن شئنا كان تقديره: سيُضل به الذين كفروا أولياءهم
وأتباعهم.
وقرأ، رحمه الله، أيضا الآية 100 من نفس السورة، سورة التوبة
التي هي في المتواتر المتعبد بتلاوته كمايلي: «والسابقون الأولون من
المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه»..
هكذا: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه.. «بضم راء «والأنصار».
جعل
(والأنصارُ) معطوفا على قوله : «والسابقون الأولون من المهاجرين» أما قوله
: «والذين اتبعوهم بإحسان» فيجوز أن يكون معطوفاً على (الأنصارُ) في رفعه
وجره. ويجوز أن يكون معطوفاً على (السابقون)، وأن يكون معطوفاً على
(الأنصار) لقربه منه.
شارك قتادة في هذه القراءة، قراءة (والأنصار) بضم
الراء كل من عمر بن الخطاب والحسن وسعيد بن أسعد بن حمير بن عبد الأعلى
ويعقوب بن طلحة وعيسى بن عبد الرحمان بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي.
العلم
26/3/2010-
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
ختمنا حلقتنا الأخيرة بالحديث عن قراءة الإمام قتادة للآية 100 من سورة التوبة التي يقرأها، كما قلنا هكذا: «والسابقون الأوَّلونَ من المُهاجرينَ والأنصارُ والذين اتبعٌوهم بإحسان رضي الله عنهمْ ورضُوا عنهٌ..» بضم راء «والأنصارِ». لقد جعل، كما رأينا (والأنصارُ) معطوفا على قوله: «والسابقون الأولون من المهاجرين»؛ وأواصل، بعون الله وقوته البحث في قراءته، رحمه الله، فأقول:
وقرأ أيضا، رحمه الله، في الآية 24 من سورة يونس قوله تعالى هكذا: «حتى إذا أخذت الأرضُ زخرُفها وأزينت وظنَّ أهلها أنهم قادرُون عليها..» ؛ قرأ اللفظ الذي يقرأه الجمهور كما يلي: «وازَّيَّنَتْ» قرأه هو: «وأزْيَنَتْ» بإسكان الزاي وتخفيف الياء.
أما أبو عثمان النَّهْدي فيقرأها: «وازْيَأنَّت».
أما (أزْيَنَتْ) فمعناه صارت على الزينة بالنبت. ونعرف أن ماجاء على (افعل) يعني في الغالب «صار إلى كذا»؛ وهكذا نقول: أجذع المهر: صار إلى الجذاع (أجذع المهر: صار في السنة الثالثة)، ونقول: أحصد الزرع: وأجز النخل: إي: صار إلى الحصاد والجزار، إلا أنه أخرج العين على الصحة وكان قياسه «أزانت»؛ مثل أشاع الحديث وأباع الثوب: أي عرضه للبيع.
وأما «ازْيانَّت» الذي يقرأ بها، كما قلنا، أبو عثمان النَّهدي فإنه أراد (فعالت)، وأصله ازيانت مثل ابياضت واسوادَّت إلا أنه كره التقاء الألف والنون الأولى ساكنتين، فحرك الألف فانقلبت همزة، كقول كثير:
وللأرض أما سُودُها فتجللت بياضا وأما بيضها فادهأمت
وقرأ الأعرج ونصر بن عاصم وأبو العالية: «وأزْيَنَّتْ» وهي أيضا قراءة الحسن وقتادة وأبي رجاء لكن بخلف عنهم.
شارك هؤلاء في هذه القراءة كل من الشعبي وعيسى الثقفي.
وقرأ أيضاً، رحمه الله، الآية 58 من نفس السورة؛ سورة يونس كما يلي: «قُلْ بِفضْل اللهِ وبرَحْمته فَبذالكَ فَلْتَفْرحُوا هوَ خيْرٌ ممِّا يَجْمعونَ» بالتاء في قوله «فلْيَفْرحوا».
شارك الإمام قتادة في هذه القراءة كل من عثمان بن عفان وأبي بن كعب وأبي رجاء ومحمد بن سيرين والأعرج وأبي جعفر بخلاف عنه والسلمي والجحدري عاصم بن أبي الصبح وهلال بن يَساف الكوفي والأعمش لكن بخلاف عنه وعباس بن الفضل وعمرو بن فائد.
ويروى كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بهذا على سبيل التفسير، ولاشك. وقرأ أبي بن كعب هذا المقعط هكذا: «فبذالك فافْرحوُا».
أعتقد أنه لنعرف جيداً المقصود بقوله «فلْيفْرَحوا» علينا أن ندرك، أولا: المقصود بقوله: «بفضْل الله» و«برَحمته».
ثانياً: نوع الفرح الذي يشير إليه ربنا سبحانه وتعالى بقوله «فَبذالكِ فلْيفْرحوا» أما المقصود هنا ب «بفَضْل اللهِ» فهو القرآن، والمقصود بقوله «برَحمته» فهو الإسلام؛ هذا ما أركن إليه أنا، عفا الله عني. ومنهم من يرى أن المقصود ب : «بفَضْل الله» هو الإيمان وب «برحمَته» القرآن. قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: فضل الله: كشف الغطاء، ورحمته: الرؤيا واللقاء. وقال الحسين بن فضل: الفضل: الإيمان، والرحمة: الجنة. وقال ابن عباس فيما روى الضحاك عنه: الفضل: العلم، والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عمر: الفضل: الإسلام، والرحمة تزيينه في القلوب. وقيل الفضل: التوفيق، والرحمة: العصمة وقيل الفضل: نعمه الظاهرة، والرحمة: نِعَمُهُ الباطنة. وقال الصادق: الفضل: المغفرة، والرحمة التوفيق. وقال ذو النون: الفضل: الجنان ورحمته: النجاة من النيران. هذه كلها تخصيصات تحتاج إلى دلائل، وينبغي أن يعتقد أنها تمثيلات؛ لأن الفضل والرحمة أريد بهما تعيين ماذكر وحصرهما فيه.
أما ابن عطية فأوجز ذلك في عبارة دقيقة للغاية فقال: «الذي يقتضيه اللفظ ويلزم منه أن الفضل هو هداية الله إلى دينه والتوفيق إلى إتباع الشرع والرحمة هي عفوه وسكنى جنته التي جعلها جزاءً على إتباع الإسلام والإيمان.
ثانياً: أن الفرح الذي يشير إليه ربنا سبحانه وتعالى بقوله «فَبذالكَ فلْيفْرَحوا» هو فرح ممدوح لافرح مذموم. والفرح الممدوح هذا هنا هو «لذة في القلب بإدراك المحبوب.
نلاحظ أن «الفرح» الذي يشير إليه اللفظ الذي نبحث في قراءته فرحٌ ممدوح لا فرح مذموم لأنه يبشر بأشياء جميلة جداً.
السؤال الذي من حقنا طرحه هنا هو: لماذا جاء الفرح هنا ممدوحاً مع أن أكثر الفرح في القرآن هو فرح مذموم؟
أقول: إذا قيد الفرح في القرآن الكريم لم يكن ذما. و(فرحنا) الذي نتحدث نحن الآن عنه مقيد ب «فبذلك». لذا هو في الفرح الممدوح.
كما جاء مدحا في الآية 170 من سورة آل عمران، قال سبحانه فيها: فرحين بما ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
وحين يأتي الفرح مطلقا في القرآن يرد مذموما مثل ما ورد في الآية 76 من سورة القصص، قال سبحانه وتعالى فيها: «إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين». فمعنى (لا تفرح): لا تأشر ولا تبطر. (إن الله لا يحب الفرحين) أي البطرين. قال الشاعر:
ولست بمفراح إذا الدهر سرّني ولا ضارعٌ في صرفه المتقلب
وأنشد أبو عبيدة لبيهس العذري:
إذا أنت لم تبرح تؤدّى أمانة وتُحْمَلُ أخرى أفرحَتكَ الودائع
المثير هنا للانتباه هو أن أبا الفتح بن جني مر مر الكرام على قراءة أبي بن كعب الثانية التي لم يعرها، في نظري، أي اهتمام، قال عنها: «أما قراءة أبي هذه «فافرحوا» «فلا نظر فيها» هذا كل ما قاله عنها. أما القراءة الأخرى لأبي بن كعب فوقف عندها طويلا محللا موضحا، قال: «لكن «فلتفرحوا» بالتاء خرجت على أصلها، وذالك أن أصل الأمر أن يكون بحرف الأمر وهو اللام، فأصل «أضرب» لتضرب وأصل «قم» لتقم، كما تقول للغائب: ليقم فلان، ولتضرب هند، لكن لما كثر أمر الحاضر، نحو قم: واقعد وادخل واخرج وخذ ودع. حذفوا حرف المضارعة تخفيفا - بقي ما بعده ودل حاضر الحال على أن المأمور هو الحاضر المخاطب، فلما حذف حرف المضارعة بقي ما بعده في أكثر الأمر ساكنا فاحتيج الى همزة الوصل ليقع الابتداء بها فقيل: اضرب، اذهب، ونحو ذالك.
فإن قيل: ولم كان أمر الحاضر أكثر حتى دعت الحال الى تخفيفه لكثرته؟ قيل: لأن الغائب بعيد عنك، فإذا أردت أن تأمره احتجت الى أن تأمر الحاضر لتؤدي إليه أنك تأمره، فقلت: يازيد، قل لعمرو: قم، ويا محمد: قل لجعفر: اذهب، فلا تصل الى أمر الغائب الا بعد أن تأمر الحاضر أن يؤدي إليه أمرك إياه، والحاضر لا يحتاج الى ذلك لأن خطابك إياه قد أغنى عن تكليفك غيره أن يتحمل إليه أمرك له.
ويدلك على تمكن أمر الحاضر أنك لا تأمر الغائب بالأسماء المسمى بها الفعل في الأمر نحو: صه (أسكت) ومه (كف)، وإيه (زد)، وإيها (اسكت)، وحيهل (أعجل)، ودونك، وعندك، ونحو ذالك.
لا تقول: دونه زيدا، ولا عليه جعفرا، كقولك: دونك زيدا وعليك سعدا. وقد شد حرف من ذلك فقالوا: عليه رجلا ليسني. ولهذا المعنى قوي ضمير الحاضر على ضمير الغائب فقالوا: أنت وهو، فلما صاغوا لهما اسما واحدا صاغوه على لفظ لحضور لا لفظ الغيبة، فقالوا: أنتما، فضموا الغائب إلى الحاضر، ولم يقولوا: هما، فيضموا الحاضر الى الغائب، فهذا كله يريك استغناءهم بقم عن لتقم ونحوه. وكأن الذي حسن التاء هنا أنه أمر لهم بالفرح، فخوطبوا بالتاء لأنها أذهب في قوة الخطاب، ولا نقل قياسا على ذلك: «فبذالك فلتحزنوا» ، لأن الحزن لا تقبله النفس قبول الفرح، إلا أن تريد إصغارهم وإرغامهم، فتؤكد ذالك بالتاء على مامضى.
وقرأ أيضا، رحمه الله، الآية 113 من سورة هود هكذا: «ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون»؛ قرأ بضم كاف قوله تعالى: «ولاتركُنوا».
في فعل «تركنوا» لغتان: ركن يركن كعلم يعلم وركن يركن كقتل يقتل. ويحكى عنهم أيضا. وحكي عنهم: ركن يركن فعل يفعل. وهذا عند أبي بكر من اللغات المتداخلة، كأن الذي يقول: ركن بفتح الكاف سمع مضارع الذي يقول: ركن، وهو يركن فتركبت له لغة بين اللغتين، وهي ركن يركن».
عقب ابن جني على هذا فقال في آخر صفحة 329 من محتسبه: «كان أبو بكر يقول أيضا في قولهم ضفن الرجل يضفن: إن قائل ذالك سمع قولهم: ضيفن وظاهر لفظ ذالك أن يكون فيعلا لأنه أكثر أكثر في الكلام من فعلن. فصارت نون ضيفن وإن كانت زائدة كأنها أصل لما ذكرناه. فلما استعما الفعل منه جاء به على ذالك فقال: ضفن يضفن. فضفن يضفن على حقيقة الأمر إنما هو فلن يفلن؛ لأن الضاد فاء والفاء لام، وعين ضيف التي هي ياء محذوفة للشبهة الداخلة هناك.
وقرأ أيضا، رحمه الله، في الآية 24 من سورة يونس قوله تعالى هكذا: «حتى إذا أخذت الأرضُ زخرُفها وأزينت وظنَّ أهلها أنهم قادرُون عليها..» ؛ قرأ اللفظ الذي يقرأه الجمهور كما يلي: «وازَّيَّنَتْ» قرأه هو: «وأزْيَنَتْ» بإسكان الزاي وتخفيف الياء.
أما أبو عثمان النَّهْدي فيقرأها: «وازْيَأنَّت».
أما (أزْيَنَتْ) فمعناه صارت على الزينة بالنبت. ونعرف أن ماجاء على (افعل) يعني في الغالب «صار إلى كذا»؛ وهكذا نقول: أجذع المهر: صار إلى الجذاع (أجذع المهر: صار في السنة الثالثة)، ونقول: أحصد الزرع: وأجز النخل: إي: صار إلى الحصاد والجزار، إلا أنه أخرج العين على الصحة وكان قياسه «أزانت»؛ مثل أشاع الحديث وأباع الثوب: أي عرضه للبيع.
وأما «ازْيانَّت» الذي يقرأ بها، كما قلنا، أبو عثمان النَّهدي فإنه أراد (فعالت)، وأصله ازيانت مثل ابياضت واسوادَّت إلا أنه كره التقاء الألف والنون الأولى ساكنتين، فحرك الألف فانقلبت همزة، كقول كثير:
وللأرض أما سُودُها فتجللت بياضا وأما بيضها فادهأمت
وقرأ الأعرج ونصر بن عاصم وأبو العالية: «وأزْيَنَّتْ» وهي أيضا قراءة الحسن وقتادة وأبي رجاء لكن بخلف عنهم.
شارك هؤلاء في هذه القراءة كل من الشعبي وعيسى الثقفي.
وقرأ أيضاً، رحمه الله، الآية 58 من نفس السورة؛ سورة يونس كما يلي: «قُلْ بِفضْل اللهِ وبرَحْمته فَبذالكَ فَلْتَفْرحُوا هوَ خيْرٌ ممِّا يَجْمعونَ» بالتاء في قوله «فلْيَفْرحوا».
شارك الإمام قتادة في هذه القراءة كل من عثمان بن عفان وأبي بن كعب وأبي رجاء ومحمد بن سيرين والأعرج وأبي جعفر بخلاف عنه والسلمي والجحدري عاصم بن أبي الصبح وهلال بن يَساف الكوفي والأعمش لكن بخلاف عنه وعباس بن الفضل وعمرو بن فائد.
ويروى كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بهذا على سبيل التفسير، ولاشك. وقرأ أبي بن كعب هذا المقعط هكذا: «فبذالك فافْرحوُا».
أعتقد أنه لنعرف جيداً المقصود بقوله «فلْيفْرَحوا» علينا أن ندرك، أولا: المقصود بقوله: «بفضْل الله» و«برَحمته».
ثانياً: نوع الفرح الذي يشير إليه ربنا سبحانه وتعالى بقوله «فَبذالكِ فلْيفْرحوا» أما المقصود هنا ب «بفَضْل اللهِ» فهو القرآن، والمقصود بقوله «برَحمته» فهو الإسلام؛ هذا ما أركن إليه أنا، عفا الله عني. ومنهم من يرى أن المقصود ب : «بفَضْل الله» هو الإيمان وب «برحمَته» القرآن. قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: فضل الله: كشف الغطاء، ورحمته: الرؤيا واللقاء. وقال الحسين بن فضل: الفضل: الإيمان، والرحمة: الجنة. وقال ابن عباس فيما روى الضحاك عنه: الفضل: العلم، والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عمر: الفضل: الإسلام، والرحمة تزيينه في القلوب. وقيل الفضل: التوفيق، والرحمة: العصمة وقيل الفضل: نعمه الظاهرة، والرحمة: نِعَمُهُ الباطنة. وقال الصادق: الفضل: المغفرة، والرحمة التوفيق. وقال ذو النون: الفضل: الجنان ورحمته: النجاة من النيران. هذه كلها تخصيصات تحتاج إلى دلائل، وينبغي أن يعتقد أنها تمثيلات؛ لأن الفضل والرحمة أريد بهما تعيين ماذكر وحصرهما فيه.
أما ابن عطية فأوجز ذلك في عبارة دقيقة للغاية فقال: «الذي يقتضيه اللفظ ويلزم منه أن الفضل هو هداية الله إلى دينه والتوفيق إلى إتباع الشرع والرحمة هي عفوه وسكنى جنته التي جعلها جزاءً على إتباع الإسلام والإيمان.
ثانياً: أن الفرح الذي يشير إليه ربنا سبحانه وتعالى بقوله «فَبذالكَ فلْيفْرَحوا» هو فرح ممدوح لافرح مذموم. والفرح الممدوح هذا هنا هو «لذة في القلب بإدراك المحبوب.
نلاحظ أن «الفرح» الذي يشير إليه اللفظ الذي نبحث في قراءته فرحٌ ممدوح لا فرح مذموم لأنه يبشر بأشياء جميلة جداً.
السؤال الذي من حقنا طرحه هنا هو: لماذا جاء الفرح هنا ممدوحاً مع أن أكثر الفرح في القرآن هو فرح مذموم؟
أقول: إذا قيد الفرح في القرآن الكريم لم يكن ذما. و(فرحنا) الذي نتحدث نحن الآن عنه مقيد ب «فبذلك». لذا هو في الفرح الممدوح.
كما جاء مدحا في الآية 170 من سورة آل عمران، قال سبحانه فيها: فرحين بما ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
وحين يأتي الفرح مطلقا في القرآن يرد مذموما مثل ما ورد في الآية 76 من سورة القصص، قال سبحانه وتعالى فيها: «إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين». فمعنى (لا تفرح): لا تأشر ولا تبطر. (إن الله لا يحب الفرحين) أي البطرين. قال الشاعر:
ولست بمفراح إذا الدهر سرّني ولا ضارعٌ في صرفه المتقلب
وأنشد أبو عبيدة لبيهس العذري:
إذا أنت لم تبرح تؤدّى أمانة وتُحْمَلُ أخرى أفرحَتكَ الودائع
المثير هنا للانتباه هو أن أبا الفتح بن جني مر مر الكرام على قراءة أبي بن كعب الثانية التي لم يعرها، في نظري، أي اهتمام، قال عنها: «أما قراءة أبي هذه «فافرحوا» «فلا نظر فيها» هذا كل ما قاله عنها. أما القراءة الأخرى لأبي بن كعب فوقف عندها طويلا محللا موضحا، قال: «لكن «فلتفرحوا» بالتاء خرجت على أصلها، وذالك أن أصل الأمر أن يكون بحرف الأمر وهو اللام، فأصل «أضرب» لتضرب وأصل «قم» لتقم، كما تقول للغائب: ليقم فلان، ولتضرب هند، لكن لما كثر أمر الحاضر، نحو قم: واقعد وادخل واخرج وخذ ودع. حذفوا حرف المضارعة تخفيفا - بقي ما بعده ودل حاضر الحال على أن المأمور هو الحاضر المخاطب، فلما حذف حرف المضارعة بقي ما بعده في أكثر الأمر ساكنا فاحتيج الى همزة الوصل ليقع الابتداء بها فقيل: اضرب، اذهب، ونحو ذالك.
فإن قيل: ولم كان أمر الحاضر أكثر حتى دعت الحال الى تخفيفه لكثرته؟ قيل: لأن الغائب بعيد عنك، فإذا أردت أن تأمره احتجت الى أن تأمر الحاضر لتؤدي إليه أنك تأمره، فقلت: يازيد، قل لعمرو: قم، ويا محمد: قل لجعفر: اذهب، فلا تصل الى أمر الغائب الا بعد أن تأمر الحاضر أن يؤدي إليه أمرك إياه، والحاضر لا يحتاج الى ذلك لأن خطابك إياه قد أغنى عن تكليفك غيره أن يتحمل إليه أمرك له.
ويدلك على تمكن أمر الحاضر أنك لا تأمر الغائب بالأسماء المسمى بها الفعل في الأمر نحو: صه (أسكت) ومه (كف)، وإيه (زد)، وإيها (اسكت)، وحيهل (أعجل)، ودونك، وعندك، ونحو ذالك.
لا تقول: دونه زيدا، ولا عليه جعفرا، كقولك: دونك زيدا وعليك سعدا. وقد شد حرف من ذلك فقالوا: عليه رجلا ليسني. ولهذا المعنى قوي ضمير الحاضر على ضمير الغائب فقالوا: أنت وهو، فلما صاغوا لهما اسما واحدا صاغوه على لفظ لحضور لا لفظ الغيبة، فقالوا: أنتما، فضموا الغائب إلى الحاضر، ولم يقولوا: هما، فيضموا الحاضر الى الغائب، فهذا كله يريك استغناءهم بقم عن لتقم ونحوه. وكأن الذي حسن التاء هنا أنه أمر لهم بالفرح، فخوطبوا بالتاء لأنها أذهب في قوة الخطاب، ولا نقل قياسا على ذلك: «فبذالك فلتحزنوا» ، لأن الحزن لا تقبله النفس قبول الفرح، إلا أن تريد إصغارهم وإرغامهم، فتؤكد ذالك بالتاء على مامضى.
وقرأ أيضا، رحمه الله، الآية 113 من سورة هود هكذا: «ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون»؛ قرأ بضم كاف قوله تعالى: «ولاتركُنوا».
في فعل «تركنوا» لغتان: ركن يركن كعلم يعلم وركن يركن كقتل يقتل. ويحكى عنهم أيضا. وحكي عنهم: ركن يركن فعل يفعل. وهذا عند أبي بكر من اللغات المتداخلة، كأن الذي يقول: ركن بفتح الكاف سمع مضارع الذي يقول: ركن، وهو يركن فتركبت له لغة بين اللغتين، وهي ركن يركن».
عقب ابن جني على هذا فقال في آخر صفحة 329 من محتسبه: «كان أبو بكر يقول أيضا في قولهم ضفن الرجل يضفن: إن قائل ذالك سمع قولهم: ضيفن وظاهر لفظ ذالك أن يكون فيعلا لأنه أكثر أكثر في الكلام من فعلن. فصارت نون ضيفن وإن كانت زائدة كأنها أصل لما ذكرناه. فلما استعما الفعل منه جاء به على ذالك فقال: ضفن يضفن. فضفن يضفن على حقيقة الأمر إنما هو فلن يفلن؛ لأن الضاد فاء والفاء لام، وعين ضيف التي هي ياء محذوفة للشبهة الداخلة هناك.
< بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
2/4/2010-العلم
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
آخر ما تحدثت عنه، كما لاشك تذكرون، وأنا أبحث
في قراءة قتادة هو تحليل قراءته، رحمه الله، للآية 16 من سورة الإسراء
التي أداها كما يلي: «وإذا أردنا أن نهلك قرية آمرنا مترفيها ففسقوا فيها
فحق عليها القول فدمرْنها تدميرا»؛ أعني قرأ قوله «أمرنا» «آمرنا» على وزن
«عامرنا». كنت وجهت قراءته هذه وذكرت من شاركه من القراء في أدائه لها.
وأواصل اليوم، معكم، بعون الله وقوته، البحث في قراءة هذا القارئ الكبير
رضي الله عنه وأرضاه، فأقول:
وقرأ، رحمه الله، الآية 64 من سورة الإسراء
كما يلي: «واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجالك وشاركهم
في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا»؛ قرأ: «رجالك»
هكذا بكسر الراء وفتح الجيم وهي اللفظة التي وردت بصيغتين في المتواتر،
أولا، هكذا «ورجلك» بفتح الراء وكسر الجيم وبها قرأ حفص عن عاصم. ثانيا،»
ورجلك «بفتح الراء وتسكين الجيم وهذه قرأ بها كل القراء من السبعة إلا حفص.
شارك
عكرمة في هذه القراءة قتادة. قالوا: ثلاثة رجلة (بفتح فكسر) ورجلة (بفتح
فسكون)، ومثله الأراجيل والمرجل.
منهم من يرى أن «الرجلة» للعبيد أكثر،
قال الأعشى:
وأية أرض لا أتيت سراتها وأية أرض لم أردها بمرجل
أي:
برجال
يقال: رجل جمع راجل كتاجر وتجر. هذا عند سيبويه اسم للجمع غير
مكسر بمنزلة الجامل (القطيع من الإبل مع رعاته) والباقر (جماعة البقر)، و
هو عند أبي الحسن تكسير راجل وتاجر، وقال زهير:
هم ضربوا عن فرجها
بكتيبة كبيضاء حرس في جونبها الرجل
ويكون الرجال جمع راجل كتاجر
وتجار، قال الله تعالى في الآية 239 من سورة البقرة: «فَرجَالا أوْ
رُكْبانا». ومن ذلك قراءة الحسن وأبي عمرو وعاصم بخلاف عنهما: «بخَيْلكَ
ورَجِلِكَ» بكسر الجيم. روى قطرب، رحمه الله هذه القراءة عن أبي عبدالرحمن،
وقال: «الرَّجل ـ الرِّجَال.
وقرأ، رحمه الله، كذلك الآية 106 من نفس
السورة، سورة الإسراء كما يلي: «وقُرْآنا فرَّقْناهُ لِتقْرَأهُ علَى
النَّاس عَلَى مُكْثٍ ونزَّلْنَاه تنْزيلا»؛ أي: أنه قرأ قوله تعالى
«فَرَّقْنَاهُ» بالتشديد.
مذهب سيبويه أن قوله تعالى في هذه الآية
«قرآنا» «منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر. وقرأ الجمهور: «فَرَقْنَاهُ»
بتخفيف الراء ومعناه بيناه وأوضحناه وفرقنا فيه بين الحق والباطل ونزلناه
شيئا بعد شيء لا جملة، واحدة دليله قوله تعالى «على مكث».
شارك قتادة في
قراءته هذه لهذه اللفظة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن عباس وعبد
الله بن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم والشعبي والحسن وأبو عمرو بخلاف
عن هذين الأخيرين وأبو رجاء وحُميد بن عمرو بن فائد. وقرأ، رحمه الله، كذلك
الآية 102 من سورة الكهف كما يلي: «أَفَحَسْبُ الَّذينَ كفرُوا أن
يتَّخذُوا عبَادي منْ دوني أوْليَاء إنَّا أعْتدْنا جَهَنَّم للكَافرين
نُزُلا»؛ قرأ قوله تعالى الذي يقرأه الجمهور: «أَفَحَسبَ» بكسر السين وفتح
الباء؛ أقول : قرأه «أفَحَسْبُ» بسكون السين وضم الباء ليكون المعنى عنده:
«أفَحَسْبُ الَّذين كَفَرُوا وحَطَّهم ومطلوبهم أنْ يتَّخذوا عبَادي منْ
دوني أوْلياءَ؟ بل يجب أن يعتدوا أنفسهم مثلهم، فيكونوا كلهم عبيدا وأولياء
لي، تماما مثل ما نقرأه في الآية 22 من سورة الشعراء؛ قال فيها سبحانه:
«وتلْكَ نِعْمَة تَمنُّها عَلي أنْ عَبًّدْتَ بني إسرائيل»، أي: اتخذتهم
عبيدا لك. وهذا أيضا هو المعنى إذا كانت القراءة: «أَفَحَسْبُ الَّذين
كَفَرُوا»، إلا أن (حَسْبُ) ساكن السين أذهب في الذم لهم؛ وذلك لأنه جعله
غاية مرادهم ومجموع مطلبهم، وليست القراءة الأخرى كذلك.
شاركه في هذه
القراءة كل من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن عباس، رضي الله عنه وابن
يعمر والحسن ومجاهد وعكرمة وابن كثير لكن بخلاف عنه ونُعيْم بن مَيْسرة
والضحاك ويعقوب وابن أبي ليلى. وقرأ، رحمه الله، كذلك الآية 6 من سورة مريم
كما يلي: «يَرثُني وَارثٌ منْ آلِ يَعقوبَ واجْعَلْهُ رَبِّ رضيا»؛ فأثبت
الفاعل من قوله: «يَرثُني» وهي الآية التي يقرأها نافع المدني وابن كثير
المكي وابن عامر الشامي وعاصم الكوفي وحمزة من السبعة هكذا: «يَرِثُني
ويَرثُ منْ آلِ يعْقُوبَ واجْعَلْه رَبِّ رضيّا» بفعلين مضارعين مرفوعين
عُطف الثاني على الأول بالواو. ويقرأها أبو عمرو والكسائي من السبعة كما
يلي: «يَرِثْنِي ويَرثْ منْ آل يعْقوب واجعَلْه رب رضيا» بجزم الفعلين:
«يَرثْني ويرِثْ».
يقول الشيخ أبو الفتح عثمان بن جني عن قراءة الإمام
قتادة في الجزء الثاني من محتسبه، صفحة 38: «هذا ضرب من العربية غريب،
ومعناه التجريد؛ وذلك أنك تريد «فهبْ لي من لدُنْك وليّاً يرثُني منه أوْ
به وإرثُ منْ آل يعقوبَ»، وهو الوارث نفسه، فكأنه جرّد منه وارثاً. ومنه
قوله تعالى في الآية 28 من سورة فصلت: «لهم فيها دارُ الخُلْدِ»، فهي نفسها
دار الخلدِ، فكأنه جرد من الدار داراً، وعليه قول الأخطل:
بنَزْوةِ
لصٍّ بعدَ مَا مرَّ مُصْعبُ بأشْعثَ لايُفْلى ولاَ هُوَ يَقْملُ
ومصعب
نفسه هو الأشعث، فكأنه استخلص منه أشعث، ومثله قول الأعشى:
لاتَ هُنَ
ذكْرَى جُبَيْرَة أمْ منْ جاءَ منْها بطائِفِ الأهْوال
وهي نفسها
طائف الأهوال.» ثم يقول: إنه موضع غريب لطيف وقد ذكرناه. شارك قتادة في هذه
القراءة؛ أي قراءة: «يَرِثُني وارثٌ منْ آل يَعْقوبَ» كل من علي بن أبي
طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وابن يعمر وأبو حرب علي بن أبي
الأسود والحسن والجحدري وأبي نهيك وجعفر بن محمد. وقرأ الإمام قتادة، رحمه
الله، كذلك الآية 96 من سورة طه كما يلي: «قالَ بصُرْتُ بما لمْ يبْصُروا
به فَقَبصْتُ قبْصة من أثرِ الرسول فنَبَذتُها وكذلك سوَّلت لي نفسي»،
بالصاد فيهما عوض الضاد، وقراءة الجماعة، كما نعلم، هي هذه: «قالَ بصُرْت
بما لمْ يبْصُروا به فَقبَضْت قبضة منْ أثر الرسول فنَبذتُها وكذلك
سوَّلَتْ لي نفْسي» بالضاد في قوله: «فَقَبضتُ قبْضة».
وقرأ الحسن، لكن
بخلاف عنه: «قُبْصة» بالصاد وضم القاف.
«القبْضُ» بالضاد معجمة يكون
باليد كلها، وبالصاد غير المعجمة بأطراف الأصابع. يدخل هذا في ذلك الضابط
الذي ذكرناه مراراً وهو: «تقارب الألفاظ لتقارب المعاني»؛ من هنا نقول: ما
جعلت الضاد لتفشيها واستطالة مخرجها إلا عبارة عن الأكثر، وما جعلت الصاد
لصفائها وانحصار مخرجها وضيق محلها إلا عبارة عن الأقل. وأما (القُبصَة)
بالضم فالقدر المقبوص، كالحسوة للمحسو، شارك قتادة في هذه القراءة عبد الله
بن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن الزبير ونصر بن عاصم والحسن وابن سيرين
وأبو الرجاء لكن بخلف عن هاذين الأخيرين.
وفي ألفاظ هذه الآية خلاف آخر
في قراءتها.
وفعلاً لقد اختلفوا في قراءة قوله تعالى: «يبْصُروا به»
الذي قرأه: «تُبْصروا به» بالتاء الأخوان حمزة والكسائي، وقرأه: «يبْصُروا
به» بالياء الباقون من السبعة. كما قرأ الإمام قتادة، رحمه الله، كذلك
الآية 98 من نفس السورة؛ سورة طه كما يلي: «إنّما إلهكم الله الذي لا إله
إلا هو وسّع كلّ شيء علما»؛ قرأ بالتشديد في الفعل «وسعَ» ففي هذه الحالة
يكون المعنى: «خرّق كل مصمت بعلمه؛ لأنه بطَن كلّ مُخْفى ومستبهم، فصار
لعلمه فضاء متّسعا بعد ما كان متلاقيا مجتمعا لأنه سبحانه وتعالى لا يفعل
الفعل إلا عن علم. ومنه قوله تعالى في الآية 30 من سورة الأنبياء، قال
سبحانه فيها: «إنّ السماوات والأرض كانتا رتْقا ففتقناهما؛ فهذا في العمل
وذلك في العلم. لم يشارك قتادة في هذه القراءة هذه المرة إلا الإمام مجاهد
رضي الله عنهما.
وقرأ، رضي الله عنه في نفس السورة، سورة الأنبياء،
الآية 95 بقراءتين الأولى هكذا: «وحرِمَ على قرْيةٍ أهلكناها أنّهم لا
يرجعون» بفتح الحاء والميم بينهما راء مكسورة.
و«حرم» هذه فعل لازم من
«حرِمَ» كقلق من قَلِقَ وبطر من بطرٍ؛ ومن هنا يقولون: «حرم فلان فهو حرمٌ
وحارمٌ إذا قُمر مالُهُ، أي سلب ماله في القمار. ويقولون: أحرمتُهُ:
قمرتُهُ؛ قال زهير:
وإن أتاهُ خليلٌ يومَ مسألةٍ يقولُ لا غائبٌ
مالي ولا حرمُ
و«الخليلُ» في هذا البيت هو الفقير
شارك قتادة في
قراءته هذه عبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعكرمة الثانية: «وحرمَ على
قرْيةٍ أهلكْناهَا أنهمْ لا يرجعون» بفتح الحاء والراء والميم. شاركه في
هذه القراءة مطر الوراق في هذه اللفظة قراءات أخرى، أجملها فيما يلي:
«وحرمُ
على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون» بفتح الحاء وسكون الراء مخففة وتنوين
الميم وهو من «حرم» على لغة بني تميم، هذه قرأ بها ابن عباس لكن بخلف عنه»
فهو كبطرٍ من بطِرَ وفخْدٍ من فخِدَ وكلمة من كلمة. قال أبو وعْلة:
لا
تأمننْ قوْماً ظلمتُهمُ وبدأتهُمْ بالشّرِ والحرْمِ
استعمال
الشاعر: «الحرْمِ» مكسورة الحاء لأن هذا يصلح أن يكون من معنى اللجاج
والمحك ويصلح أن يكون من معنى الحرمان، أي: ناصبتهم وحرمتهم إنصافك.
وفي
هذه اللفظة قراءة أخرى غير متواترة هي «حرِمٌ» بفتح الحاء وكسر الراء
وتنوين الميم قرأ بها عكرمة بخلاف عنه.
وفيها قراءتان متواترتان هما:
1
ـ «حرْمٌ» بكسر الحاء وسكون الراء وعلى الميم تنوين الضم؛
قرأ بها من
السبعة شعبة وحمزة والكسائي، وخلف العاشر، وافقهم الأعمش.
2 ـ «حرامٌ»
بفتح الحاء وراء ممدودة بفتح وتنوين الضم على النون؛ قرأ بها نافع المدني
وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري وحفص الراوي الثاني عن عاصم.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
العلم
30/4/2010-
في قراءة قتادة هو تحليل قراءته، رحمه الله، للآية 16 من سورة الإسراء
التي أداها كما يلي: «وإذا أردنا أن نهلك قرية آمرنا مترفيها ففسقوا فيها
فحق عليها القول فدمرْنها تدميرا»؛ أعني قرأ قوله «أمرنا» «آمرنا» على وزن
«عامرنا». كنت وجهت قراءته هذه وذكرت من شاركه من القراء في أدائه لها.
وأواصل اليوم، معكم، بعون الله وقوته، البحث في قراءة هذا القارئ الكبير
رضي الله عنه وأرضاه، فأقول:
وقرأ، رحمه الله، الآية 64 من سورة الإسراء
كما يلي: «واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجالك وشاركهم
في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا»؛ قرأ: «رجالك»
هكذا بكسر الراء وفتح الجيم وهي اللفظة التي وردت بصيغتين في المتواتر،
أولا، هكذا «ورجلك» بفتح الراء وكسر الجيم وبها قرأ حفص عن عاصم. ثانيا،»
ورجلك «بفتح الراء وتسكين الجيم وهذه قرأ بها كل القراء من السبعة إلا حفص.
شارك
عكرمة في هذه القراءة قتادة. قالوا: ثلاثة رجلة (بفتح فكسر) ورجلة (بفتح
فسكون)، ومثله الأراجيل والمرجل.
منهم من يرى أن «الرجلة» للعبيد أكثر،
قال الأعشى:
وأية أرض لا أتيت سراتها وأية أرض لم أردها بمرجل
أي:
برجال
يقال: رجل جمع راجل كتاجر وتجر. هذا عند سيبويه اسم للجمع غير
مكسر بمنزلة الجامل (القطيع من الإبل مع رعاته) والباقر (جماعة البقر)، و
هو عند أبي الحسن تكسير راجل وتاجر، وقال زهير:
هم ضربوا عن فرجها
بكتيبة كبيضاء حرس في جونبها الرجل
ويكون الرجال جمع راجل كتاجر
وتجار، قال الله تعالى في الآية 239 من سورة البقرة: «فَرجَالا أوْ
رُكْبانا». ومن ذلك قراءة الحسن وأبي عمرو وعاصم بخلاف عنهما: «بخَيْلكَ
ورَجِلِكَ» بكسر الجيم. روى قطرب، رحمه الله هذه القراءة عن أبي عبدالرحمن،
وقال: «الرَّجل ـ الرِّجَال.
وقرأ، رحمه الله، كذلك الآية 106 من نفس
السورة، سورة الإسراء كما يلي: «وقُرْآنا فرَّقْناهُ لِتقْرَأهُ علَى
النَّاس عَلَى مُكْثٍ ونزَّلْنَاه تنْزيلا»؛ أي: أنه قرأ قوله تعالى
«فَرَّقْنَاهُ» بالتشديد.
مذهب سيبويه أن قوله تعالى في هذه الآية
«قرآنا» «منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر. وقرأ الجمهور: «فَرَقْنَاهُ»
بتخفيف الراء ومعناه بيناه وأوضحناه وفرقنا فيه بين الحق والباطل ونزلناه
شيئا بعد شيء لا جملة، واحدة دليله قوله تعالى «على مكث».
شارك قتادة في
قراءته هذه لهذه اللفظة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن عباس وعبد
الله بن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم والشعبي والحسن وأبو عمرو بخلاف
عن هذين الأخيرين وأبو رجاء وحُميد بن عمرو بن فائد. وقرأ، رحمه الله، كذلك
الآية 102 من سورة الكهف كما يلي: «أَفَحَسْبُ الَّذينَ كفرُوا أن
يتَّخذُوا عبَادي منْ دوني أوْليَاء إنَّا أعْتدْنا جَهَنَّم للكَافرين
نُزُلا»؛ قرأ قوله تعالى الذي يقرأه الجمهور: «أَفَحَسبَ» بكسر السين وفتح
الباء؛ أقول : قرأه «أفَحَسْبُ» بسكون السين وضم الباء ليكون المعنى عنده:
«أفَحَسْبُ الَّذين كَفَرُوا وحَطَّهم ومطلوبهم أنْ يتَّخذوا عبَادي منْ
دوني أوْلياءَ؟ بل يجب أن يعتدوا أنفسهم مثلهم، فيكونوا كلهم عبيدا وأولياء
لي، تماما مثل ما نقرأه في الآية 22 من سورة الشعراء؛ قال فيها سبحانه:
«وتلْكَ نِعْمَة تَمنُّها عَلي أنْ عَبًّدْتَ بني إسرائيل»، أي: اتخذتهم
عبيدا لك. وهذا أيضا هو المعنى إذا كانت القراءة: «أَفَحَسْبُ الَّذين
كَفَرُوا»، إلا أن (حَسْبُ) ساكن السين أذهب في الذم لهم؛ وذلك لأنه جعله
غاية مرادهم ومجموع مطلبهم، وليست القراءة الأخرى كذلك.
شاركه في هذه
القراءة كل من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن عباس، رضي الله عنه وابن
يعمر والحسن ومجاهد وعكرمة وابن كثير لكن بخلاف عنه ونُعيْم بن مَيْسرة
والضحاك ويعقوب وابن أبي ليلى. وقرأ، رحمه الله، كذلك الآية 6 من سورة مريم
كما يلي: «يَرثُني وَارثٌ منْ آلِ يَعقوبَ واجْعَلْهُ رَبِّ رضيا»؛ فأثبت
الفاعل من قوله: «يَرثُني» وهي الآية التي يقرأها نافع المدني وابن كثير
المكي وابن عامر الشامي وعاصم الكوفي وحمزة من السبعة هكذا: «يَرِثُني
ويَرثُ منْ آلِ يعْقُوبَ واجْعَلْه رَبِّ رضيّا» بفعلين مضارعين مرفوعين
عُطف الثاني على الأول بالواو. ويقرأها أبو عمرو والكسائي من السبعة كما
يلي: «يَرِثْنِي ويَرثْ منْ آل يعْقوب واجعَلْه رب رضيا» بجزم الفعلين:
«يَرثْني ويرِثْ».
يقول الشيخ أبو الفتح عثمان بن جني عن قراءة الإمام
قتادة في الجزء الثاني من محتسبه، صفحة 38: «هذا ضرب من العربية غريب،
ومعناه التجريد؛ وذلك أنك تريد «فهبْ لي من لدُنْك وليّاً يرثُني منه أوْ
به وإرثُ منْ آل يعقوبَ»، وهو الوارث نفسه، فكأنه جرّد منه وارثاً. ومنه
قوله تعالى في الآية 28 من سورة فصلت: «لهم فيها دارُ الخُلْدِ»، فهي نفسها
دار الخلدِ، فكأنه جرد من الدار داراً، وعليه قول الأخطل:
بنَزْوةِ
لصٍّ بعدَ مَا مرَّ مُصْعبُ بأشْعثَ لايُفْلى ولاَ هُوَ يَقْملُ
ومصعب
نفسه هو الأشعث، فكأنه استخلص منه أشعث، ومثله قول الأعشى:
لاتَ هُنَ
ذكْرَى جُبَيْرَة أمْ منْ جاءَ منْها بطائِفِ الأهْوال
وهي نفسها
طائف الأهوال.» ثم يقول: إنه موضع غريب لطيف وقد ذكرناه. شارك قتادة في هذه
القراءة؛ أي قراءة: «يَرِثُني وارثٌ منْ آل يَعْقوبَ» كل من علي بن أبي
طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وابن يعمر وأبو حرب علي بن أبي
الأسود والحسن والجحدري وأبي نهيك وجعفر بن محمد. وقرأ الإمام قتادة، رحمه
الله، كذلك الآية 96 من سورة طه كما يلي: «قالَ بصُرْتُ بما لمْ يبْصُروا
به فَقَبصْتُ قبْصة من أثرِ الرسول فنَبَذتُها وكذلك سوَّلت لي نفسي»،
بالصاد فيهما عوض الضاد، وقراءة الجماعة، كما نعلم، هي هذه: «قالَ بصُرْت
بما لمْ يبْصُروا به فَقبَضْت قبضة منْ أثر الرسول فنَبذتُها وكذلك
سوَّلَتْ لي نفْسي» بالضاد في قوله: «فَقَبضتُ قبْضة».
وقرأ الحسن، لكن
بخلاف عنه: «قُبْصة» بالصاد وضم القاف.
«القبْضُ» بالضاد معجمة يكون
باليد كلها، وبالصاد غير المعجمة بأطراف الأصابع. يدخل هذا في ذلك الضابط
الذي ذكرناه مراراً وهو: «تقارب الألفاظ لتقارب المعاني»؛ من هنا نقول: ما
جعلت الضاد لتفشيها واستطالة مخرجها إلا عبارة عن الأكثر، وما جعلت الصاد
لصفائها وانحصار مخرجها وضيق محلها إلا عبارة عن الأقل. وأما (القُبصَة)
بالضم فالقدر المقبوص، كالحسوة للمحسو، شارك قتادة في هذه القراءة عبد الله
بن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن الزبير ونصر بن عاصم والحسن وابن سيرين
وأبو الرجاء لكن بخلف عن هاذين الأخيرين.
وفي ألفاظ هذه الآية خلاف آخر
في قراءتها.
وفعلاً لقد اختلفوا في قراءة قوله تعالى: «يبْصُروا به»
الذي قرأه: «تُبْصروا به» بالتاء الأخوان حمزة والكسائي، وقرأه: «يبْصُروا
به» بالياء الباقون من السبعة. كما قرأ الإمام قتادة، رحمه الله، كذلك
الآية 98 من نفس السورة؛ سورة طه كما يلي: «إنّما إلهكم الله الذي لا إله
إلا هو وسّع كلّ شيء علما»؛ قرأ بالتشديد في الفعل «وسعَ» ففي هذه الحالة
يكون المعنى: «خرّق كل مصمت بعلمه؛ لأنه بطَن كلّ مُخْفى ومستبهم، فصار
لعلمه فضاء متّسعا بعد ما كان متلاقيا مجتمعا لأنه سبحانه وتعالى لا يفعل
الفعل إلا عن علم. ومنه قوله تعالى في الآية 30 من سورة الأنبياء، قال
سبحانه فيها: «إنّ السماوات والأرض كانتا رتْقا ففتقناهما؛ فهذا في العمل
وذلك في العلم. لم يشارك قتادة في هذه القراءة هذه المرة إلا الإمام مجاهد
رضي الله عنهما.
وقرأ، رضي الله عنه في نفس السورة، سورة الأنبياء،
الآية 95 بقراءتين الأولى هكذا: «وحرِمَ على قرْيةٍ أهلكناها أنّهم لا
يرجعون» بفتح الحاء والميم بينهما راء مكسورة.
و«حرم» هذه فعل لازم من
«حرِمَ» كقلق من قَلِقَ وبطر من بطرٍ؛ ومن هنا يقولون: «حرم فلان فهو حرمٌ
وحارمٌ إذا قُمر مالُهُ، أي سلب ماله في القمار. ويقولون: أحرمتُهُ:
قمرتُهُ؛ قال زهير:
وإن أتاهُ خليلٌ يومَ مسألةٍ يقولُ لا غائبٌ
مالي ولا حرمُ
و«الخليلُ» في هذا البيت هو الفقير
شارك قتادة في
قراءته هذه عبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعكرمة الثانية: «وحرمَ على
قرْيةٍ أهلكْناهَا أنهمْ لا يرجعون» بفتح الحاء والراء والميم. شاركه في
هذه القراءة مطر الوراق في هذه اللفظة قراءات أخرى، أجملها فيما يلي:
«وحرمُ
على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون» بفتح الحاء وسكون الراء مخففة وتنوين
الميم وهو من «حرم» على لغة بني تميم، هذه قرأ بها ابن عباس لكن بخلف عنه»
فهو كبطرٍ من بطِرَ وفخْدٍ من فخِدَ وكلمة من كلمة. قال أبو وعْلة:
لا
تأمننْ قوْماً ظلمتُهمُ وبدأتهُمْ بالشّرِ والحرْمِ
استعمال
الشاعر: «الحرْمِ» مكسورة الحاء لأن هذا يصلح أن يكون من معنى اللجاج
والمحك ويصلح أن يكون من معنى الحرمان، أي: ناصبتهم وحرمتهم إنصافك.
وفي
هذه اللفظة قراءة أخرى غير متواترة هي «حرِمٌ» بفتح الحاء وكسر الراء
وتنوين الميم قرأ بها عكرمة بخلاف عنه.
وفيها قراءتان متواترتان هما:
1
ـ «حرْمٌ» بكسر الحاء وسكون الراء وعلى الميم تنوين الضم؛
قرأ بها من
السبعة شعبة وحمزة والكسائي، وخلف العاشر، وافقهم الأعمش.
2 ـ «حرامٌ»
بفتح الحاء وراء ممدودة بفتح وتنوين الضم على النون؛ قرأ بها نافع المدني
وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري وحفص الراوي الثاني عن عاصم.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
العلم
30/4/2010-
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
ذكرنا في حلقتنا الأخيرة كيف قرأ الإمام قتادة الآية 7 من سورة النور وهي : »الخَامسَة أنْ لَعْنة اللّه عَلَيْه إِنْ كانَ منَ الكاذبينَ« وكنا قلنا: إنه رفع قوله تعالى »لَعْنَة« وخفف الحرف »أنَّ« الذي قرأه: »أنْ« كما رأينا أنه قرأ الآية 9 من نفس السورة هكذا: »والْخَامسَةُ أنْ غَضَبُ اللّه علَيْهَا إنْ كَانَ منَ الصَّادقِين« وقلنا آنذاك إنه رفع، رحمه الله قوله تعالى: »غََضَبُ« وخفف الحرف »أَنَّ« الذي قرأه: »أنْ« كما فعل في الآية السابعة المشار إليها أعلاه. وأواصل اليوم، بعون الله وقوته، البحث في قراءة الإمام قتادة فأقول: كما قرأ، رحمه الله، الآية 35 من سورة النور كما يلي: »اللَّه نُورُ السَّمَاوَات والأرْض مَثَلُ نُوره كَمشْكَاة فيهَا مصْبَاح المصْبَاحُ في زُجَاجَة الزُّجَاجَة كَأَنّها كَوْكَب دَرّيء يُوقَدُ منْ شَجَرة مُبارَكة..«؛ نعم لقد قرأ »دَرّيء« مفتوحة الدال مشددة الراء مهموزة. شاركه في هذه القراءة كل من سعيد بن المسيب ونصر بن علي وأبي رجاء وأبي سعيد أبان بن عثمان بن عفان الأموي وعمرو بن فائد. إننا لنعرف أن هذا الوزن (فعّيلا) الذي جاءت عليه هذه اللفظة المختلف في قراءتها أي: »دَريء« بفتح الدال وتشديد الراء والهمز هو عزيز؛ إنما حكى لنا منه أبو زيد »السّكينَة« بفتح السين وتشديد الكاف فقط لا غير. ومعلوم أن الجمهور يقرأها: »كَوْكَب درّي«، لقد جعلوه من الوزن فُعّيلا أي من درأتُ؛ وذلك لأنه يدرأ الظلمة عن نفسه بضوئه، وأصله (دُرّيء) فخفف . يحسن أن ننبه أن في هذه اللفظة ثلاث قراءات متواترة يُتَعبَّد بها. ـ (دِرِّيء) بكسر الدال وتشديد الراء مكسورة وممدودة؛ هذه قرأ بها أبو عمرو البصري والكسائي. ـ (دُرِّيء) بدال مضمومة وتشديد الراء مكسورة وممدودة؛ هذه قرأ بها شعبة عن عاصم وحمزة. ـ (دري) بدال مضمومة وتشديد الراء والياء؛ قرأ بهذا كل من الإمام نافع المدني وابن كثير المكي وابن عامر الشامي وحفص. كما انفرد، رحمه الله، بالقراءة في الآية 61 من سورة النور كما يلي« »... أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفتاحه أو صديقكم..«؛ نعم لقد قرأ هو: »مفتاحه،، مكسورة الميم بألف. ف (مفتاح) هنا جنس وإن كان مضافا. وإننا لنعرف أن هذا الاستعمال قد شاع عندهم؛ وفعلا قد يرد عندهم وقوع المفرد في موضع الجماعة، نحو قول الشاعر: كلوا في بعض بطنكم تعفوا فإن زمانكم زمن خميص (* * *) (الخميص): الجائع، وأراد بوصف الزمن به أن أهله جياع، فالوصف للزمن والمعنى لأهله. يوجد هذا البيت في الكتاب لسيبويه في الجزء الأول منه صفحة 108. كما قرأ قتادة، رحمه الله، الآية 67 من سورة الفرقان كما يلي: «والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما». أما (القوام) بفتح القاف فهو: الاعتدال في الأمر. ومنه قولهم: جارية حسنة القوام: يقال هذا عنها إذا كانت معتدلة الطول والخلق. وأما (القوام) بكسر القاف فإنه ملاك الأمر وعصامه، يقال: ملاك أمرك وقوامه أن تتقي الله في سرك وعلانيتك، فكذلك قوله: »وكان بين ذلك قواما«، أي: ملاكا للأمر ونظاما وعصاما. يقول أبو الفتح عثمان بن جني: ولو اقتصر فيه على قوله »وكان بين ذلك« لكان كافيا؛ لأنه إذا كان بين الإسراف والتقتير فإنه قصد ونظام للأمر؛ ف (قوام) تأكيد وجار مجرى الصفة، أي : توسطا مقيما للحال وناظما . و معلوم أنه إذا كان متوسطا فإنه قوام ومساك، وأقل ما فيه أن يكون صفة مؤكدة، كقوله تعالى في الآية 20 من سورة النجم: »ومناة الثالثة الأخرى«، فـ (الأخرى) توكيد كما لايخفى. شارك قتادة في هذه القراءة حسان بن عبد الرحمن الضبعي صاحب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهو الذي يروي عنه قتادة. كما قرأ أيضا، رحمه الله، الآية 72 من سورة الشعراء كما يلي: »قال هل يسمعونكم إذ تدعون«، المفعول هنا، في هذه القراءة؛ أي: قراءة،، يسمعونكم« بضم الياء وكسر الميم محذوف؛ وعليه يكون المعنى: »هل يسمعونكم إذ تدعون جوابا عن دعائكم؟«، يقال: »دعاني فاسمعته، أي اسمعته جواب دعائه. أما قراءة الجمهور »هل يسمعونكم« فإن باب »سمعت« هو أن يتعدى الى ما كان صوتا مسموعا، كقولك: سمعت كلامك، وسمعن حديث القوم، فإن وقعت على جوهر تعدت إلى مفعولين، ولايكون الثاني منهما إلا صوتا، كقولك سمعت علياً يقرأ وسمعت احمد يتحدث ولايجوز سمعت عليا يقوم؛ لأن القيام ليس من المسموعات. فأما قوله تعالى: »هلْ يسْمعونَكم إذْ تدْعون« فإنه على حذف المضاف وتقديره: »هلْ يسْمعُونَكُم دُعاءكمْ؟« ودل عليه قوله »إذْ تدْعونَ«. ويقول القائل لصاحبه: »هل تسمع حديث أحدٍ؟« فيقول مجيبا له: نعم أسمع علياً، أي: حديث علي. كما قرأ أيضا قتادة، رحمه الله، الآية 129 من نفس السورة سورة الشعراء كما يلي: »وتتَّخذونَ مصانعَ لعلَّكم تُخْلدون« بضم التاء وفتح اللام. والجماعة تقرأ هذه الآية هكذا: »وتتَّخذون مصانعَ لعلَّكم تخلدُونَ« الظاهر هنا أن »لعلَّ« على بابها من الرجاء وكأنه تعليل للبناء والاتخاذ، أي: الحامل لكم على ذلك هو الرجاء للخلود ولا خلود؛ لأن »خلد الشيءُ أي: بقي، وأخلدته وخلدته وأخلدت إلى كذا: أي أقمت عليه ولزمته، والخلود لايكون في الدنيا. العرب تقول: »أخلد الرجل: إذا أبطأ عنه الشيب. وقد يقال في هذا أيضا: أخلد، والخلْد: الفأرة العمياء. ودار الخلد، أي: دار الخلود، يعني الجنة قال امرؤ القيس: وهلْ يَنْعَمَن لاَّ سَعيدٌ مخلَّدُ؟ يعني به من يلبس الخلد. والخلد هو السوار أو القرط، أي: الصبي أو الصبية، يدل عليه قوله: قليلُ الهُموم مايبيتُ بأوْجال وقد مر به الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي، فقال: تَصفُو الحياة لجَاهلٍ أوْ غافِلٍ ( * * * ) عَمَّا مضى منْهَا وما يُتَوقَّعُ وقال رؤبة في معناه: وقدْ أرَى واسِعَ جَيْبٍ الكُمُ أسْفِرُ منْ عمَامِهِ المُعْتمِّ وفي قراءة عبد الله: »كيْ تخْلدونَ«، أو يكون المعنى: يشبه حالكم حال من يخلد. وذهب ابن زيد إلى أن معناه الاستفهام على سبيل التوبيخ والهزأ بهم، أي: »هل أنتم تخلدون؟«؛ وكون »لعل« للاستفهام مذهب كوفي، وقال ابن عباس: »المعنى كأنكم خالدون«، وفي حرف أبي (كأنَّكمْ تَخْلُدون) وقرئ أيضاً: »كأنكم خالدون«. أما أبي وعلقمة وأبو العالية فقرأوه مفعولاً مشددا. كما قرأ أيضاً، رحمه الله، الآية 13 من سورة النمل كما يلي: »فلَمَّا جاءتْهُمُ آياتُنَا مبْصرَة قالوا هذا سِحْرٌ مُبينٌ«؛ لقد قرأ اللفظ القرآني الذي يقرأ في المتواتر: »مُبْصرَةَ« بضم الميم وكسر الصاد؛ أقول قرأه هو: مبْصرة« بفتح الميم والصاد على أنه مصدر انتصب على الحال، أي: بينة واضحة. تعرض أبو الفتح عثمان بن جني لقراءة هذه اللفظة في الجزء الثاني من محتسبه في الصفحة 136 فقال: »هو كقولك هدى ونوراً، وقد كثرت المفعلة بمعنى الشياع والكثرة في الجوهر والأحداث جميعا، وذلك كقولهم: أرضٌ مضبّة: كثيرة الضباب ومثعلة كثيرة الثعالي (الثعالي: أحد جمعي الثعلب، والآخر التعالب. ينقل صاحب اللسان عن ابن جني أنه يرى أن الثعالي يحتمل أن يكون جمع ثعالة، وأن أصله »ثعائل« فقلب)، ومحياة ومحواة ومفعاة: كثيرة الحيات والأفاعي. فهذا في الجواهر وأما الأحداث فكقولك: البطنة موسنة. وأكل الرطب موردة (»موردة«: محمة، من وردته الحمى: أخذته لوقت، والقياس موردة بكسر الراء. وبهذا ضبطها صاحب اللسان. لكن كلام ابن جني يفيد أنها مفتوحة أما أنا فأستنتج من هذا أن في هذه اللفظة لغتان) ومحمّة. وفي كله معنى الكثرة من موضعين: أحدهما المصدرية التي فيه، والمصدر إلى الشياع والعموم والسعة. والآخر التاء، وهي لمثل ذلك، كرجل راوية وعلامة ونسابة وهذرة (»هذرة« كثير الهذر وهو الخطأ والباطل والفعل كفرح). ولذلك كثرت المفعلة فيما ذكرناه لإرادة المفعلة. لم يشارك، هذه المرة، قتادة في قراءته لهذه اللفظة إلاعلي بن الحسين. بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي -العلم14/5/2010 |
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
قرأ
قتادة، رحمه الله، الآية 33 من سورة سبأ كما يلي: »وقالَ الذينَ استضعفوا
للذين استكبروا بلْ مكرٌ الليْل والنّهار إذْ تأمروننا أن نكفر بالله
ونجعل له أنداداً وأسرّوا النّدامة لمّا رأوْا العذاب وجعلنا الأغلال في
أعناق الذين كفرُوا هلْ يجزوْن إلاّ ما كانوا يعملون »بالتنوين فوق راء
مكرٌ وبنصب »الليل والنّهار«؛ في حين يقرأها الجمهور »بلْ مكرُ الليل
والنّهار« الليل والنهار مضافات إلى »مكرٌ«
وقرأ سعيد بن جبير »بلْ
مكرّ الليل والنّهار« بفتح الكاف وتشديد الراء. وبهذا قرأ أيضا أبو رزين
الكوفي مسعود بن مالك بن عبد الله أما راشد القارئ الذي كان نظر في مصاحف
الحجاج فقرأها »بل مكرّ الليل والنّهار« بنصب الكاف والراء المشددة.
لقد
قام، كعادته دائما، أبو الفتح بن جني فخرّج هذه القراءات تخريجا علميا
دقيقا، وإننا، نحن الآن، لنستفيد منه غاية الاستفادة إن عدنا إليه
وقرأناه. قال، رحمه الله، في الجزء الثاني من محتسبه، آخر صفحة 193: »أما
(المكر) و (الكرور)، أي: اختلاف الأوقات، فمن رفعه فعلى وجهين: أحدهما:
بفعل مضمر دل عليه قوله تعالى في الآية 32 من سورة سبأ: « أنحن صددناكم عن
الهدى بعد إذ جاءكم »فقالوا في الجواب: « بل صدّنا مكر الليل والنّهار،
أي: كُرُورُهُما.
والآخر أن يكون مرفوعا بالابتداء، أي: مكرّ الليل والنهار صدنا.
فإن
قيل: أفهذا تراجع عن قولهم له: لولا أنتم لكنّا مؤمنين«؟ قيل: لا، ليس
بانصراف عن التظلم منهم، وذالك أنه وصله بقوله: »إذ تأمروننا أن نكفر
بالله« أي: فكُرُورُ الليل والنهار علينا ـ على إغوائكم إيانا ـ هو الذي
أصارنا إلى النار، وهذا كقول الرجل لصاحبه: »أهلكني والله!« فيقول: »وكيف
ذلك؟« فيقول في جوابه: »مضى أكثر النهار وأنت تضربني«، فيفسره بتقضي
الزمان على إساءته إليه.
فإن شئت جعلت »إذْ تأمُروننَا« متعلقة بنفس
الكرور، أي: كرورهما في هذا الوقت وإن شئت جعلته حالا من المكرور، أي:
كرورهما كائنا في هذا الوقت؛ فتجعل طرف النهار حالا من الحدث كما تجعله
خبرا في نحو قولك: قيامك يوم الجمعة؛ إذ كانت الحال ضربا من الخبر، ومثله
من الحال قولك: عجبت من قيامك يوم الجمعة، تعلق الظرف بمحذوف؛ أي: من
قيامك كائنا في يوم الجمعة.
وعلى نحو منه قراءة قتادة »بَلْ مَكَر
اللَّيْلَ والنَّهارَ«، فالظرف هنا صفة للحديث، أي: مَكْر كَائن في الليل
والنهار، وإن شئت علقتها بنفس »مَكْر« ، كقولك: عجبت لك من ضرب زيدا،
وكقول الله في الآيتين 14 و 15 من سورة البلد: »أوّْ إطْعَام فِي يَوْم ذي
مَسْغَبَة يَتيما ذا مَقْرَبة«.
وأما »مَكَّرَ« بالنصب فعلى الظرف،
كقولك: »زُرْتُكَ خُفُوقَ النجم وصباح الدجاج« وهو معلق بفعل محذوف، أي:
»صددتمونا في هذه الأوقات على هذه الأحوال.
فإن قيل: فما معنى دخول
(بل) هنا وإنما هي جواب الاستفهام؟ وأنت لا تقول لمن قال لك: أزيد عندك؟:
بل هو عندي، وإنما تقول: نعم، أولا، قبل الكلام محمول على معناه، وذلك أن
قولهم :»أنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَن الهُدَى بَعْدَ إذ جاءَكُمْ« معناه
الإنكار له والرد عليهم في قول المستضعفين لهم: »لَولاَ أنْتُمْ لَكُنَّا
مُؤْمنين«، فكأنهم قالوا لهم في الجواب: ما صددناكم، فردُّوه ثانيا عليهم،
فقالوا بلْ صَدَّنا عنه تصرم الزمان علينا وأنتم تأمروننا أن نكفر بالله،
وقد كبر عليهم تأول معنى النفي وإن لم يكن ظاهرا إلى باي اللفظ، قال تعالى
في سورة الأعراف في الآية 33: »قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبّيَ الْفَوَاحشَ
مَا ظهَر مِنْهَا ومَا بَطَنَ«، أي: ما حرم إلا الفواحش، وعليه بيت
الفرزدق:
أنَا الدَّافعُ الحَامي الدَّمَارَ وإنًّمَا * يُدَافعُ عنْ أَحْسَابهمانا أو مثلي
أي:
ما يدافع عن أحسابهم لا أنا. ولذلك عند ما فصل الضمير، فقال: أنا وأنت
لاتقول: يقول أنا، ولا نقعد نحن. ولولا ما ذكرنا من إرادة النفي لقبح
الفصل وأنشدنا أبو علي الفارسي:
فاذهَبْ فَأي فَتى في النّاس أحْرزَهُ * منّْ يَوْمه ظلم دُعج ولاَجَبَلُ
أي: ما أحد أحرزه هذا من الموت، ونظائرُه كثيرة.
وإن شئت علقت »إذ« بمحذوف وجعلته خبرا عن »مَكَرّ«، أي: راجع إلى عصب الذنب بهم ونَسب الضلال إليهم.
ويروى
أن قتادة قرأ الآية 123 من سورة الصافات التي هي عند الجمهور كما يلي:
»وإن إليَاسَ لمِنَ المُرْسلين«؛ أقول: قرأها:« و»إن إدريس لمنَ المرسلين«
وقرأ علي: »وإن إدرسين لمن المرسلين«.
نعلم أنه اختلف كثيرا في قراءة
هذه الآية بسبب اختلافهم في النطق باللفظ »إلياس«. لقد نقلوا عن مسعود
وابن وثاب والأعمش والمنهال بن عمرو و الحكم بن عتيبة الكوفي أنهم قرأوا
وإن إدريس لمن المرسلين.
اعتقد أنه يجب أن تحمل هذه القراءة المروية عن
ابن مسعود على التفسير لأن المستفيض عنه أنه قرأ: »وإن إلياس«، وأيضا
تفسيره إلياس بأنه إدريس لعله لايصح عنه، لإن إدريس في التاريخ المنقول
كان قبل نوح. وفي سورة الأنعام ذكر إلياس وأنه من ذرية إبراهيم أو من ذرية
نوح على ما يحتمله قوله تعالى في الآية 84 من هذه السورة« ووهبنا له اسحاق
ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف
وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين« وذكر في جملة هذه الذرية إلياس. وقيل
إلياس من أولاد هارون. ويروى عن بعض علمائنا الكبار، رضي الله عنهم، وعلى
رأسهم الإمام الطبري أنه إلياس بن فنحاص بن العيزار بن هارون (هذا ما نقله
لنا عنهم المفسر الكبير الإمام محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي في
تفسيره الكبير المسمى »البحر المحيط« في الصفحة 358 من الجزء السابع).
وقرأ
الجمهور »وإن إلياس« بهمزة قطع مكسورة، وقرأ عكرمة والحسن بخلاف عنهما
والأعرج وأبو رجاء وابن عامر وابن محيصن بوصل الألف، فاحتمل أن يكون وصل
همزة القطع واحتمل أن يكون اسمه »ياسا« و دخلت عليه ال كما دخلت على
»اليسع«. وحرف أبي ومصحفه (وإن إيليس) بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة بعدها
لام مكسورة بعدها ياء ساكنة وسين مفتوحة. وقرئ (وإن إدراسَ) لغة في إدريس
كإبراهام في إبراهيم.
أما زيد بن علي ونافع وابن عامر فقرأوا (على آل
ياسين) وزعموا أن آل مفصولة في المصحف و (ياسين) اسم لإلياس، وقيل: اسم
لأبي إلياس لأنه إلياس بن ياسين، وآل ياسين هو ابنه الياس، وقيل: ياسين هو
اسم محمد صلى الله عليه وسلم.
وقرأ باقي السبعة (على إلياسين) بهمزة
مكسورة، أي: الياسين جمع المنسوبين الى إلياس. وقرأ أبو الرجاء والحسن
(على الياسين) بوصل الألف على أنه جمع يراد به إلياس وقومه المؤمنون.
وحذفت ياء النسب كما قالوا: الأشعرون، رحمه الله، الآي 22 من سورة ص كما
يلي: إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لاتخف خصمان بغى بعضنا على بعض
فاحكم بيننا بالحق ولاتشطط واهدنا إلى سواءِ الصِّراط«؛ نعم، لقد قرأ
»تشطط« بفتح التاء وضم الطاء وهي اللفظة التي يقرأها الجمهور: »ولاتُشطط«.
بضم التاء وكسر الطاء.
شارك قتادة في هذه القراءة أبو رجاء.
وأحسن،
في نظري، من وجه قراءة قتادة هذه هو الإمام أبو الفتح عثمان بن جني الذي
قال عتها في الجزء الثاني من محتسبه، صفحة 231: »يقال: شطَّ يشُطّ،
ويشطَّ: إذا بعد. وأشَطَّ: إذا أبعَدَ. وعليه قراءة العامة: »ولا
تُشْطِط«، أي: ولاتُبْعد، وهو من الشطِّ، وهو الجانب؛ فمعناه: أخذ جانب
الشيء وترك وسطه وأقربه، كما قيل: تجاوز وهو من الجيزة، وهي جانب الوادي،
وكما قيل: تعدّى وهو من عُدْوة الوادي، أي: جانبه. قال عنترة:
شَطَّتْ مَزَارَ العَاشقين فأصْبَحَتْ
عَسرا علَيَّ طِلابُكَ ابْنَة مخْرَمِ
أي:
بَعُدَتْ عن مزار العاشقين. وكما بالغ في ذكر استضراره خاطبها بذلك؛ لأنه
أبلغ، فعدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؛ فقال: (طلابك)، فافهم ذلك فإنه
ليس الغرض فيه وفي نحوه السعة في القول، لكن تحت ذلك ونظيره أغراض من هذا
النحو »(انتهى توجيه ابن جني لقراءة »تَشطط«.
لكن قتادة لم يفسر هذه اللفظة كما فسرها ابو الفتح عثمان بن جني؛ لقد قال إن معناها: »لاتَمِل«.
وقال
أبو عبيد: شطَطْتَ عليه وأشططتَ أي: جرت. وفي حديث تميم الداري: (إنك
لشاطِّي)، أي: جائر عليَّ في الحكم. أما الأخفش فقال إن معناه: لاتُسرفْ،
وقيل: لاتُفرط، والمعنى متقارب. والأصل فيه البعد من شطتِ الدار أي: بعدت.
وأشطَّ في القضية أي: جار وأشط في السوم واشتط أي أبعد. وفي الحديث
الشريف: »لَهَا مهْرٌ مثْلَهَا لاَوكْسٌ ولاَشَططٌ«، أي: لا نقصان
ولازيادة. جاء في التنزيل في الآية 14 من سورة الكهف: »ورَبَطْنَا على
قُلوبهمُ إذْ قاموا فقالوا ربَّنا ربَّ السَّماواتِ والأرض لنْ ندْعُوَا
من دُونِهِ إلها لَقَد قُلْنَا إذاً شَطَطا«، أي: جوراً من القول وبُعْداً
من الحق.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي
العلم
25/6/2010-
قتادة، رحمه الله، الآية 33 من سورة سبأ كما يلي: »وقالَ الذينَ استضعفوا
للذين استكبروا بلْ مكرٌ الليْل والنّهار إذْ تأمروننا أن نكفر بالله
ونجعل له أنداداً وأسرّوا النّدامة لمّا رأوْا العذاب وجعلنا الأغلال في
أعناق الذين كفرُوا هلْ يجزوْن إلاّ ما كانوا يعملون »بالتنوين فوق راء
مكرٌ وبنصب »الليل والنّهار«؛ في حين يقرأها الجمهور »بلْ مكرُ الليل
والنّهار« الليل والنهار مضافات إلى »مكرٌ«
وقرأ سعيد بن جبير »بلْ
مكرّ الليل والنّهار« بفتح الكاف وتشديد الراء. وبهذا قرأ أيضا أبو رزين
الكوفي مسعود بن مالك بن عبد الله أما راشد القارئ الذي كان نظر في مصاحف
الحجاج فقرأها »بل مكرّ الليل والنّهار« بنصب الكاف والراء المشددة.
لقد
قام، كعادته دائما، أبو الفتح بن جني فخرّج هذه القراءات تخريجا علميا
دقيقا، وإننا، نحن الآن، لنستفيد منه غاية الاستفادة إن عدنا إليه
وقرأناه. قال، رحمه الله، في الجزء الثاني من محتسبه، آخر صفحة 193: »أما
(المكر) و (الكرور)، أي: اختلاف الأوقات، فمن رفعه فعلى وجهين: أحدهما:
بفعل مضمر دل عليه قوله تعالى في الآية 32 من سورة سبأ: « أنحن صددناكم عن
الهدى بعد إذ جاءكم »فقالوا في الجواب: « بل صدّنا مكر الليل والنّهار،
أي: كُرُورُهُما.
والآخر أن يكون مرفوعا بالابتداء، أي: مكرّ الليل والنهار صدنا.
فإن
قيل: أفهذا تراجع عن قولهم له: لولا أنتم لكنّا مؤمنين«؟ قيل: لا، ليس
بانصراف عن التظلم منهم، وذالك أنه وصله بقوله: »إذ تأمروننا أن نكفر
بالله« أي: فكُرُورُ الليل والنهار علينا ـ على إغوائكم إيانا ـ هو الذي
أصارنا إلى النار، وهذا كقول الرجل لصاحبه: »أهلكني والله!« فيقول: »وكيف
ذلك؟« فيقول في جوابه: »مضى أكثر النهار وأنت تضربني«، فيفسره بتقضي
الزمان على إساءته إليه.
فإن شئت جعلت »إذْ تأمُروننَا« متعلقة بنفس
الكرور، أي: كرورهما في هذا الوقت وإن شئت جعلته حالا من المكرور، أي:
كرورهما كائنا في هذا الوقت؛ فتجعل طرف النهار حالا من الحدث كما تجعله
خبرا في نحو قولك: قيامك يوم الجمعة؛ إذ كانت الحال ضربا من الخبر، ومثله
من الحال قولك: عجبت من قيامك يوم الجمعة، تعلق الظرف بمحذوف؛ أي: من
قيامك كائنا في يوم الجمعة.
وعلى نحو منه قراءة قتادة »بَلْ مَكَر
اللَّيْلَ والنَّهارَ«، فالظرف هنا صفة للحديث، أي: مَكْر كَائن في الليل
والنهار، وإن شئت علقتها بنفس »مَكْر« ، كقولك: عجبت لك من ضرب زيدا،
وكقول الله في الآيتين 14 و 15 من سورة البلد: »أوّْ إطْعَام فِي يَوْم ذي
مَسْغَبَة يَتيما ذا مَقْرَبة«.
وأما »مَكَّرَ« بالنصب فعلى الظرف،
كقولك: »زُرْتُكَ خُفُوقَ النجم وصباح الدجاج« وهو معلق بفعل محذوف، أي:
»صددتمونا في هذه الأوقات على هذه الأحوال.
فإن قيل: فما معنى دخول
(بل) هنا وإنما هي جواب الاستفهام؟ وأنت لا تقول لمن قال لك: أزيد عندك؟:
بل هو عندي، وإنما تقول: نعم، أولا، قبل الكلام محمول على معناه، وذلك أن
قولهم :»أنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَن الهُدَى بَعْدَ إذ جاءَكُمْ« معناه
الإنكار له والرد عليهم في قول المستضعفين لهم: »لَولاَ أنْتُمْ لَكُنَّا
مُؤْمنين«، فكأنهم قالوا لهم في الجواب: ما صددناكم، فردُّوه ثانيا عليهم،
فقالوا بلْ صَدَّنا عنه تصرم الزمان علينا وأنتم تأمروننا أن نكفر بالله،
وقد كبر عليهم تأول معنى النفي وإن لم يكن ظاهرا إلى باي اللفظ، قال تعالى
في سورة الأعراف في الآية 33: »قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبّيَ الْفَوَاحشَ
مَا ظهَر مِنْهَا ومَا بَطَنَ«، أي: ما حرم إلا الفواحش، وعليه بيت
الفرزدق:
أنَا الدَّافعُ الحَامي الدَّمَارَ وإنًّمَا * يُدَافعُ عنْ أَحْسَابهمانا أو مثلي
أي:
ما يدافع عن أحسابهم لا أنا. ولذلك عند ما فصل الضمير، فقال: أنا وأنت
لاتقول: يقول أنا، ولا نقعد نحن. ولولا ما ذكرنا من إرادة النفي لقبح
الفصل وأنشدنا أبو علي الفارسي:
فاذهَبْ فَأي فَتى في النّاس أحْرزَهُ * منّْ يَوْمه ظلم دُعج ولاَجَبَلُ
أي: ما أحد أحرزه هذا من الموت، ونظائرُه كثيرة.
وإن شئت علقت »إذ« بمحذوف وجعلته خبرا عن »مَكَرّ«، أي: راجع إلى عصب الذنب بهم ونَسب الضلال إليهم.
ويروى
أن قتادة قرأ الآية 123 من سورة الصافات التي هي عند الجمهور كما يلي:
»وإن إليَاسَ لمِنَ المُرْسلين«؛ أقول: قرأها:« و»إن إدريس لمنَ المرسلين«
وقرأ علي: »وإن إدرسين لمن المرسلين«.
نعلم أنه اختلف كثيرا في قراءة
هذه الآية بسبب اختلافهم في النطق باللفظ »إلياس«. لقد نقلوا عن مسعود
وابن وثاب والأعمش والمنهال بن عمرو و الحكم بن عتيبة الكوفي أنهم قرأوا
وإن إدريس لمن المرسلين.
اعتقد أنه يجب أن تحمل هذه القراءة المروية عن
ابن مسعود على التفسير لأن المستفيض عنه أنه قرأ: »وإن إلياس«، وأيضا
تفسيره إلياس بأنه إدريس لعله لايصح عنه، لإن إدريس في التاريخ المنقول
كان قبل نوح. وفي سورة الأنعام ذكر إلياس وأنه من ذرية إبراهيم أو من ذرية
نوح على ما يحتمله قوله تعالى في الآية 84 من هذه السورة« ووهبنا له اسحاق
ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف
وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين« وذكر في جملة هذه الذرية إلياس. وقيل
إلياس من أولاد هارون. ويروى عن بعض علمائنا الكبار، رضي الله عنهم، وعلى
رأسهم الإمام الطبري أنه إلياس بن فنحاص بن العيزار بن هارون (هذا ما نقله
لنا عنهم المفسر الكبير الإمام محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي في
تفسيره الكبير المسمى »البحر المحيط« في الصفحة 358 من الجزء السابع).
وقرأ
الجمهور »وإن إلياس« بهمزة قطع مكسورة، وقرأ عكرمة والحسن بخلاف عنهما
والأعرج وأبو رجاء وابن عامر وابن محيصن بوصل الألف، فاحتمل أن يكون وصل
همزة القطع واحتمل أن يكون اسمه »ياسا« و دخلت عليه ال كما دخلت على
»اليسع«. وحرف أبي ومصحفه (وإن إيليس) بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة بعدها
لام مكسورة بعدها ياء ساكنة وسين مفتوحة. وقرئ (وإن إدراسَ) لغة في إدريس
كإبراهام في إبراهيم.
أما زيد بن علي ونافع وابن عامر فقرأوا (على آل
ياسين) وزعموا أن آل مفصولة في المصحف و (ياسين) اسم لإلياس، وقيل: اسم
لأبي إلياس لأنه إلياس بن ياسين، وآل ياسين هو ابنه الياس، وقيل: ياسين هو
اسم محمد صلى الله عليه وسلم.
وقرأ باقي السبعة (على إلياسين) بهمزة
مكسورة، أي: الياسين جمع المنسوبين الى إلياس. وقرأ أبو الرجاء والحسن
(على الياسين) بوصل الألف على أنه جمع يراد به إلياس وقومه المؤمنون.
وحذفت ياء النسب كما قالوا: الأشعرون، رحمه الله، الآي 22 من سورة ص كما
يلي: إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لاتخف خصمان بغى بعضنا على بعض
فاحكم بيننا بالحق ولاتشطط واهدنا إلى سواءِ الصِّراط«؛ نعم، لقد قرأ
»تشطط« بفتح التاء وضم الطاء وهي اللفظة التي يقرأها الجمهور: »ولاتُشطط«.
بضم التاء وكسر الطاء.
شارك قتادة في هذه القراءة أبو رجاء.
وأحسن،
في نظري، من وجه قراءة قتادة هذه هو الإمام أبو الفتح عثمان بن جني الذي
قال عتها في الجزء الثاني من محتسبه، صفحة 231: »يقال: شطَّ يشُطّ،
ويشطَّ: إذا بعد. وأشَطَّ: إذا أبعَدَ. وعليه قراءة العامة: »ولا
تُشْطِط«، أي: ولاتُبْعد، وهو من الشطِّ، وهو الجانب؛ فمعناه: أخذ جانب
الشيء وترك وسطه وأقربه، كما قيل: تجاوز وهو من الجيزة، وهي جانب الوادي،
وكما قيل: تعدّى وهو من عُدْوة الوادي، أي: جانبه. قال عنترة:
شَطَّتْ مَزَارَ العَاشقين فأصْبَحَتْ
عَسرا علَيَّ طِلابُكَ ابْنَة مخْرَمِ
أي:
بَعُدَتْ عن مزار العاشقين. وكما بالغ في ذكر استضراره خاطبها بذلك؛ لأنه
أبلغ، فعدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؛ فقال: (طلابك)، فافهم ذلك فإنه
ليس الغرض فيه وفي نحوه السعة في القول، لكن تحت ذلك ونظيره أغراض من هذا
النحو »(انتهى توجيه ابن جني لقراءة »تَشطط«.
لكن قتادة لم يفسر هذه اللفظة كما فسرها ابو الفتح عثمان بن جني؛ لقد قال إن معناها: »لاتَمِل«.
وقال
أبو عبيد: شطَطْتَ عليه وأشططتَ أي: جرت. وفي حديث تميم الداري: (إنك
لشاطِّي)، أي: جائر عليَّ في الحكم. أما الأخفش فقال إن معناه: لاتُسرفْ،
وقيل: لاتُفرط، والمعنى متقارب. والأصل فيه البعد من شطتِ الدار أي: بعدت.
وأشطَّ في القضية أي: جار وأشط في السوم واشتط أي أبعد. وفي الحديث
الشريف: »لَهَا مهْرٌ مثْلَهَا لاَوكْسٌ ولاَشَططٌ«، أي: لا نقصان
ولازيادة. جاء في التنزيل في الآية 14 من سورة الكهف: »ورَبَطْنَا على
قُلوبهمُ إذْ قاموا فقالوا ربَّنا ربَّ السَّماواتِ والأرض لنْ ندْعُوَا
من دُونِهِ إلها لَقَد قُلْنَا إذاً شَطَطا«، أي: جوراً من القول وبُعْداً
من الحق.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي
العلم
25/6/2010-
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
قرأ
قتادة، رحمه الله، الآية 24 من سورة سبأ كما يلي: »قال لقد ظلمك بسؤال
نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين
ءامنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر
راكعا وأناب«؛ قرأ هكذا »فتَنَاه« بتخفيف التاء والنون.
المراد بهذه
التثنية في قراءة قتادة المَلَكان، وهما الخصمان اللذان اختصما إليه، أي:
علم أنهما اختبراه، فخبَّراه بما ركبه من التماسه امرأة صاحبه؛ فاستغفر
داوود ربه.
شارك قتادة في هذه القراءة كل من أبي عمرو في قراءة عبد
الوهاب بن عطاء بن مسلم أبو نصر الخفاف العجلي البصري وعلي بن نصر بن
صهبان أبو الحسن الجهضمي البصري وعبيد بن عمير وابن السميْقع.
في هذه
اللقطة قراءة أخرى قرأ بها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لقد قرأ:
»وظن داوود أنما فتَّناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب« بتشديد التاء
والنون ففعلْناه؛ وهي للمبالغة. ولما دخلها معنى نبَّهناه ويقَّظناه جاءت
على فعَّلناه؛ انتحاء للمعنى المراد ومعلوم أن الجمهور يقرأها كما هي:
»وظن داوود أنما فتنَّاه فاستغفر ربه وخرَّ راكعا وأناب« بتخفيف التاء
وتشديد النون.
وقرأ قتادة أيضا، رحمه الله، الآية 33 من سورة حم عسق؛
وهي السورة التي تعرف عند الجم الغفير من الناس بـ»سورة الشورى«؛ أقول:
»قرأ هذه الآية كما يلي: »إن يشأ يُسكن الرِّيح فيظللن رواكد على ظهره إن
في ذلك لآيات لكل صبار شكور«؛ نعم، لقد قرأ »فيَظْللن« بكسر اللام الأولى.
ومعلوم أن الجمهور يقرأها هكذا: »إن يشأ يُسكن الريح فيظللن رواكد...«
بفتح اللام الأولى..
قراءة قتادة هي على (ظَلَلْتُ أظِلُّ) كفررْت أفرُّ، والمشهور فيها: »فعِلْت أفْعلُ: ظلِلْتُ أظِلُّ«.
لقد
تصدى الزمخشري لهذه القراءة فقال عنها في الجزء الرابع من كشافه، صفحة
178: »وقرئ: »الريح فيظللن« بفتح اللام وكسرها: من ظل يظِلُّ ويَظُلّ؛
ونحو ظَلَّ يظِل ويظَلُّ نحو ظلَّ يَظِلُّ ويَظَلُّ، وليس كما ذكر، لأن
يظل بفتح العين من ظلِلْتُ بكسرها في الماضي ويظِلُّ بكسرها من ظَلَلْن
رواكد على ظهره« أي: فتبقى السفن سواكن على ظهر البحر لا تجري.
وقرأ
قتادة أيضا، رحمه الله، الآية 4 من سورة الأحقاف كمايلي: »قُلْ أرأيتم ما
تدْعون من دون الله أرُوني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شِركٌ في السماوات
ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثرة من عِلم إن كُنتمْ صادقين«؛ قرأ »أو
أثرةٍ« بغير ألف.
شارك قتادة في هذه القراءة كل من عبد الله بن عباس، رضي الله عنه، لكن بخلف عنه وعكرمة وعمرو بن ميمون، ورويت كذلك عن الأعمش.
أما علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، فقرأها: »أو أثْرة«، ساكنة التاء. شارك علياً في هذه القراءة أبو عبد الرحمان السَّلمي.
قراءة
العامة« أو أثارة« بألف بعد الثاء. قال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم: »هو خط كانت تخطه العرب في الأرض«؛ ذكره المهدوي والثعلبي، وقال ابن
العربي: »ولم يصح«.
علق أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي
على هذا في الجزء السادس عشر، صفحة 179 من تفسيره »الجامع لأحكام القرآن
»فقال: »هو ثابت من حديث معاوية بن الحكم السلمي؛ خرجه مسلم أسنده النحاس:
حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن بندار قال حدثنا يحيى بن سعيد عن
سفيان الثوري عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله
عليه وسلم في قوله عز وجل »أوْ أثارة مِن عِلْم«، قال: »الخط« وهذا صحيح
أيضا. قال ابن العربي: واختلفوا في تأويله؛ فمنهم من قال: جاء لإباحة
الضرب؛ لأن بعض الأنبياء كان يفعله، ومنهم من قال جاء للنهي عنه؛ لأنه صلى
الله عليه وسلم قال: »فمن وافق خطه فذاك« ولا سبيل إلى معرفة طريق النبي
المتقدم فيه.
قال ابن خويزمِنداد: قوله تعالى: »أو أثارة من عِلْم«
يريد الخط، وقد كان مالك رحمه الله يحكم بالخط إذا عرف الشاهد خطه وإذا
عرف الحاكم خطه أو خط من كتب إليه حكم به، ثم رجع عن ذلك حين ظهر في الناس
ما ظهر من الحيل والتزوير. وقيل: »أو أثارة من عِلْم« أو بقية من علم؛
قاله ابن عباس والكلبي وأبو بكر بن عياش وغيرهم. والصحاح »أوْ أثارة مِنْ
عِلْم« بقية منه وكذلك الأثْرة (بالتحريك). ويقال: سميت الإبل على أثارة
أي بقية شحم كان قبل ذلك. وأنشد الماوردي والثعلبي قول الراعي:
وذات أثارَةٍ أكَلَتْ عَلَيْها * نباتا في أكمَّته ففارا
وقال
الهروي: والأثارة والأثَرُ: البقية؛ يقال: ما ثمَّ عين ولا أثَرُ. وقال
ميمون بن مهران وأبو سلمة بن عبد الرحمن وقتادة: »أوْ أثَارَةٍ مِنْ
عِلْمٍ«
خاصة من علم.
قال مجاهد: »رواية تأثرونها عمن كان قبلكم« .
وقال الزجاج: »(أوْ أثَارَةٍ): أي: علامة. والأثارة مصدر كالسماحة
والشجاعة، وأصل الكلمة من الأثر وهي الرواية؛ يقال: أثرتُ الحديث آثُرُهُ
أثْراً وأثَارَةً وأثْرَةً فأنا آثِر، إذا ذكرته عن غيرك. ومنه قيل: حديث
مأثور؛ أي: نقله خلَفٌ عن سَلَفٍ، قال الأعشى:
إن الذي فيه تماريتما * بُيِّن للسامع والآثر
وقرئ
»أوْ أثْرَةٍ« بضم الهمزة وسكون الثاء. ويجوز أن يكون معناه بقية من علم،
ويجوز أن يكون معناه: »شيئاً مأثوراً من كتب الأولين«. والْمأثُورُ: ما
يتحدث به مما صح سنده عمن تحدث به عنه.
وقرأ قتادة أيضاً، رحمه الله،
الآية 25 من نفس السورة المذكورة أعلاه؛ سورة الأحقاف كما يلي: »تُدَمِّرُ
كُلَّ شيْء بأمر رَبِّها فأصبحوا لا تُرى إلا مَسَاكِنُهُم كذلك نجزي
الْقَوْمَ المُجرِمينَ« ؛ نعم لقد قرأ »لا تُرى« بالتاء مضمومة، »إلاَّ
مسَاكِِِِنُهم« بالرفع.
شارك قتادة في هذه القراءة الحسن وأبو الرجاء
والجحدري وعمرو بن ميمون والسلمي ومالك بن دينار والأعمش وابن أبي إسحاق،
واختلف عن الكل إلا أبا رجاء ومالك بن دينار.
وقرأ الأعمش: »إلاَّ مَساكنهُم« وهو ما يروى كذلك عن الثقفي ونصر بن عاصم.
قام
أبو الفتح عثمان بن جني، كعادته، بتوجيه هذه القراءة، فقال في الصفحة 266
من الجزء الثاني من محتسبه: »أما« تُرى« بالتاء ورفع (المساكن) فضعيف في
العربية، والشعر أولى بجوازه من القرآن؛ وذلك أنه من مواضع العموم في
التذكير، فكأنه في المعنى لا يرى شيء إلا مسَاكِنُهُم. وإذا كان المعنى
هذا كان التذكير لإرادته هو الكلام.
فأما »تُرى« فإنه على معاملة الظاهر، والمساكن مؤنثة، فأنث على ذلك.
وإنما
الصواب: »ما ضرب إلا هند« ولسنا نريد بقولنا: إنه على إضمار أحد وأنَّ
هنداً بدَلٌ من (أحدٍ) المقدر هنا، وإنما نريد أن المعنى هذا؛ فلذلك قدمنا
أمر التذكير. وعلى التأنيث قال ذو الرمة:
بَرَى النَّحْزُ والأجْرَالُ
ما في غُروضِهَا * فمَا بَقِيَتْ إلاَّ الصُّدورُ الجَرَاشِعُ »النَّحْز«:
الركل بالعقب. و»الأجْرالُ«: جمع جرل - بالتحريك - وهو المكان الصلب
الغليظ. و»الغْروضُ«: جمع غرض - كسَهْم - وهو للرِّحْل كالحزام للسرج
و»الجَراشِعُ«: جمع جرْشَع وهو الغليظ.
والذي ينتظر أن نفهمه من قول ذي الرمة هو: ما بقي إلا الصدور؛ لأن المراد ما بقي شيء منها إلا الصدور.
وأما
»مسكنهم« فإن شئت قلت واحد كفى من جماعته وإن شئت جعلته مصدرا وقدرت حذف
المضاف، أي: »لا تُرى إلا آثار مساكنهم« فلما كان مصدرا لم يلق لفظ الجمع
به كما قال ذو الرمة:
تقول عجوز مدرجي مُتروِّحاً على بابها من عِند أهلي وماليا
فالمدرج هنا مصدر، ألا تراه قد نصب الخال؟ ولو كان مكانا لما عمل، كما أن المُغار في قول الطماح بن عامر بن الأعلم بن خويلد العقيلي:
وما هي إلا في إزار وعِلقةٍ مُغارا بن همام على حي خثعما
مصدرا
أيضا، ألا تراه قد علق به حرف الجر؟ وهذا واضح، وحسن أيضا أن يريد
(بمسكنهم) هنا الجماعة، وإن كان قد جاء بلفظ الواحد؛ وذلك أنه موضع تقليل
لهم وذكر العفاء عليهم، فلاق بالموضع ذكر الواحد لقلته عن الجماعة، كما أن
قوله تعالى في الآية 5 من سورة الحج: »ثُم نُخرجكم طفلا« أي »أطفالا«.
وحسن لفظ الواحد هنا لأنه موضع تصغير لشأن الإنسان وتحقير لأمره، فلاق به
ذكر الواحد لذلك لقلته عن الجماعة ولأن معناه أيضا »نخرج كل واحد منكم
طفلا«.
وقرأ قتادة أيضا: رحمه الله، الآية 15 من سورة النجم كما يلي:
»عِنْدها جَنَّة المَأوى« وهي الآية التي تقرأها الجماعة هكذا: »عندها جنة
المأوى«.
شارك قتادة في هذه القراءة علي كرم الله وجهه وابن الزبير
وأنس، لكن بخلاف عن هاذين القارئين، وأبو هريرة وأبو الدرداء وزر بن حُبيش
ومحمد بن كعب.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
العلم
8/7/2010-
قتادة، رحمه الله، الآية 24 من سورة سبأ كما يلي: »قال لقد ظلمك بسؤال
نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين
ءامنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر
راكعا وأناب«؛ قرأ هكذا »فتَنَاه« بتخفيف التاء والنون.
المراد بهذه
التثنية في قراءة قتادة المَلَكان، وهما الخصمان اللذان اختصما إليه، أي:
علم أنهما اختبراه، فخبَّراه بما ركبه من التماسه امرأة صاحبه؛ فاستغفر
داوود ربه.
شارك قتادة في هذه القراءة كل من أبي عمرو في قراءة عبد
الوهاب بن عطاء بن مسلم أبو نصر الخفاف العجلي البصري وعلي بن نصر بن
صهبان أبو الحسن الجهضمي البصري وعبيد بن عمير وابن السميْقع.
في هذه
اللقطة قراءة أخرى قرأ بها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لقد قرأ:
»وظن داوود أنما فتَّناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب« بتشديد التاء
والنون ففعلْناه؛ وهي للمبالغة. ولما دخلها معنى نبَّهناه ويقَّظناه جاءت
على فعَّلناه؛ انتحاء للمعنى المراد ومعلوم أن الجمهور يقرأها كما هي:
»وظن داوود أنما فتنَّاه فاستغفر ربه وخرَّ راكعا وأناب« بتخفيف التاء
وتشديد النون.
وقرأ قتادة أيضا، رحمه الله، الآية 33 من سورة حم عسق؛
وهي السورة التي تعرف عند الجم الغفير من الناس بـ»سورة الشورى«؛ أقول:
»قرأ هذه الآية كما يلي: »إن يشأ يُسكن الرِّيح فيظللن رواكد على ظهره إن
في ذلك لآيات لكل صبار شكور«؛ نعم، لقد قرأ »فيَظْللن« بكسر اللام الأولى.
ومعلوم أن الجمهور يقرأها هكذا: »إن يشأ يُسكن الريح فيظللن رواكد...«
بفتح اللام الأولى..
قراءة قتادة هي على (ظَلَلْتُ أظِلُّ) كفررْت أفرُّ، والمشهور فيها: »فعِلْت أفْعلُ: ظلِلْتُ أظِلُّ«.
لقد
تصدى الزمخشري لهذه القراءة فقال عنها في الجزء الرابع من كشافه، صفحة
178: »وقرئ: »الريح فيظللن« بفتح اللام وكسرها: من ظل يظِلُّ ويَظُلّ؛
ونحو ظَلَّ يظِل ويظَلُّ نحو ظلَّ يَظِلُّ ويَظَلُّ، وليس كما ذكر، لأن
يظل بفتح العين من ظلِلْتُ بكسرها في الماضي ويظِلُّ بكسرها من ظَلَلْن
رواكد على ظهره« أي: فتبقى السفن سواكن على ظهر البحر لا تجري.
وقرأ
قتادة أيضا، رحمه الله، الآية 4 من سورة الأحقاف كمايلي: »قُلْ أرأيتم ما
تدْعون من دون الله أرُوني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شِركٌ في السماوات
ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثرة من عِلم إن كُنتمْ صادقين«؛ قرأ »أو
أثرةٍ« بغير ألف.
شارك قتادة في هذه القراءة كل من عبد الله بن عباس، رضي الله عنه، لكن بخلف عنه وعكرمة وعمرو بن ميمون، ورويت كذلك عن الأعمش.
أما علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، فقرأها: »أو أثْرة«، ساكنة التاء. شارك علياً في هذه القراءة أبو عبد الرحمان السَّلمي.
قراءة
العامة« أو أثارة« بألف بعد الثاء. قال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم: »هو خط كانت تخطه العرب في الأرض«؛ ذكره المهدوي والثعلبي، وقال ابن
العربي: »ولم يصح«.
علق أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي
على هذا في الجزء السادس عشر، صفحة 179 من تفسيره »الجامع لأحكام القرآن
»فقال: »هو ثابت من حديث معاوية بن الحكم السلمي؛ خرجه مسلم أسنده النحاس:
حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن بندار قال حدثنا يحيى بن سعيد عن
سفيان الثوري عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله
عليه وسلم في قوله عز وجل »أوْ أثارة مِن عِلْم«، قال: »الخط« وهذا صحيح
أيضا. قال ابن العربي: واختلفوا في تأويله؛ فمنهم من قال: جاء لإباحة
الضرب؛ لأن بعض الأنبياء كان يفعله، ومنهم من قال جاء للنهي عنه؛ لأنه صلى
الله عليه وسلم قال: »فمن وافق خطه فذاك« ولا سبيل إلى معرفة طريق النبي
المتقدم فيه.
قال ابن خويزمِنداد: قوله تعالى: »أو أثارة من عِلْم«
يريد الخط، وقد كان مالك رحمه الله يحكم بالخط إذا عرف الشاهد خطه وإذا
عرف الحاكم خطه أو خط من كتب إليه حكم به، ثم رجع عن ذلك حين ظهر في الناس
ما ظهر من الحيل والتزوير. وقيل: »أو أثارة من عِلْم« أو بقية من علم؛
قاله ابن عباس والكلبي وأبو بكر بن عياش وغيرهم. والصحاح »أوْ أثارة مِنْ
عِلْم« بقية منه وكذلك الأثْرة (بالتحريك). ويقال: سميت الإبل على أثارة
أي بقية شحم كان قبل ذلك. وأنشد الماوردي والثعلبي قول الراعي:
وذات أثارَةٍ أكَلَتْ عَلَيْها * نباتا في أكمَّته ففارا
وقال
الهروي: والأثارة والأثَرُ: البقية؛ يقال: ما ثمَّ عين ولا أثَرُ. وقال
ميمون بن مهران وأبو سلمة بن عبد الرحمن وقتادة: »أوْ أثَارَةٍ مِنْ
عِلْمٍ«
خاصة من علم.
قال مجاهد: »رواية تأثرونها عمن كان قبلكم« .
وقال الزجاج: »(أوْ أثَارَةٍ): أي: علامة. والأثارة مصدر كالسماحة
والشجاعة، وأصل الكلمة من الأثر وهي الرواية؛ يقال: أثرتُ الحديث آثُرُهُ
أثْراً وأثَارَةً وأثْرَةً فأنا آثِر، إذا ذكرته عن غيرك. ومنه قيل: حديث
مأثور؛ أي: نقله خلَفٌ عن سَلَفٍ، قال الأعشى:
إن الذي فيه تماريتما * بُيِّن للسامع والآثر
وقرئ
»أوْ أثْرَةٍ« بضم الهمزة وسكون الثاء. ويجوز أن يكون معناه بقية من علم،
ويجوز أن يكون معناه: »شيئاً مأثوراً من كتب الأولين«. والْمأثُورُ: ما
يتحدث به مما صح سنده عمن تحدث به عنه.
وقرأ قتادة أيضاً، رحمه الله،
الآية 25 من نفس السورة المذكورة أعلاه؛ سورة الأحقاف كما يلي: »تُدَمِّرُ
كُلَّ شيْء بأمر رَبِّها فأصبحوا لا تُرى إلا مَسَاكِنُهُم كذلك نجزي
الْقَوْمَ المُجرِمينَ« ؛ نعم لقد قرأ »لا تُرى« بالتاء مضمومة، »إلاَّ
مسَاكِِِِنُهم« بالرفع.
شارك قتادة في هذه القراءة الحسن وأبو الرجاء
والجحدري وعمرو بن ميمون والسلمي ومالك بن دينار والأعمش وابن أبي إسحاق،
واختلف عن الكل إلا أبا رجاء ومالك بن دينار.
وقرأ الأعمش: »إلاَّ مَساكنهُم« وهو ما يروى كذلك عن الثقفي ونصر بن عاصم.
قام
أبو الفتح عثمان بن جني، كعادته، بتوجيه هذه القراءة، فقال في الصفحة 266
من الجزء الثاني من محتسبه: »أما« تُرى« بالتاء ورفع (المساكن) فضعيف في
العربية، والشعر أولى بجوازه من القرآن؛ وذلك أنه من مواضع العموم في
التذكير، فكأنه في المعنى لا يرى شيء إلا مسَاكِنُهُم. وإذا كان المعنى
هذا كان التذكير لإرادته هو الكلام.
فأما »تُرى« فإنه على معاملة الظاهر، والمساكن مؤنثة، فأنث على ذلك.
وإنما
الصواب: »ما ضرب إلا هند« ولسنا نريد بقولنا: إنه على إضمار أحد وأنَّ
هنداً بدَلٌ من (أحدٍ) المقدر هنا، وإنما نريد أن المعنى هذا؛ فلذلك قدمنا
أمر التذكير. وعلى التأنيث قال ذو الرمة:
بَرَى النَّحْزُ والأجْرَالُ
ما في غُروضِهَا * فمَا بَقِيَتْ إلاَّ الصُّدورُ الجَرَاشِعُ »النَّحْز«:
الركل بالعقب. و»الأجْرالُ«: جمع جرل - بالتحريك - وهو المكان الصلب
الغليظ. و»الغْروضُ«: جمع غرض - كسَهْم - وهو للرِّحْل كالحزام للسرج
و»الجَراشِعُ«: جمع جرْشَع وهو الغليظ.
والذي ينتظر أن نفهمه من قول ذي الرمة هو: ما بقي إلا الصدور؛ لأن المراد ما بقي شيء منها إلا الصدور.
وأما
»مسكنهم« فإن شئت قلت واحد كفى من جماعته وإن شئت جعلته مصدرا وقدرت حذف
المضاف، أي: »لا تُرى إلا آثار مساكنهم« فلما كان مصدرا لم يلق لفظ الجمع
به كما قال ذو الرمة:
تقول عجوز مدرجي مُتروِّحاً على بابها من عِند أهلي وماليا
فالمدرج هنا مصدر، ألا تراه قد نصب الخال؟ ولو كان مكانا لما عمل، كما أن المُغار في قول الطماح بن عامر بن الأعلم بن خويلد العقيلي:
وما هي إلا في إزار وعِلقةٍ مُغارا بن همام على حي خثعما
مصدرا
أيضا، ألا تراه قد علق به حرف الجر؟ وهذا واضح، وحسن أيضا أن يريد
(بمسكنهم) هنا الجماعة، وإن كان قد جاء بلفظ الواحد؛ وذلك أنه موضع تقليل
لهم وذكر العفاء عليهم، فلاق بالموضع ذكر الواحد لقلته عن الجماعة، كما أن
قوله تعالى في الآية 5 من سورة الحج: »ثُم نُخرجكم طفلا« أي »أطفالا«.
وحسن لفظ الواحد هنا لأنه موضع تصغير لشأن الإنسان وتحقير لأمره، فلاق به
ذكر الواحد لذلك لقلته عن الجماعة ولأن معناه أيضا »نخرج كل واحد منكم
طفلا«.
وقرأ قتادة أيضا: رحمه الله، الآية 15 من سورة النجم كما يلي:
»عِنْدها جَنَّة المَأوى« وهي الآية التي تقرأها الجماعة هكذا: »عندها جنة
المأوى«.
شارك قتادة في هذه القراءة علي كرم الله وجهه وابن الزبير
وأنس، لكن بخلاف عن هاذين القارئين، وأبو هريرة وأبو الدرداء وزر بن حُبيش
ومحمد بن كعب.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
العلم
8/7/2010-
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
كنا تحدثنا في ختام الحلقة الأخيرة عن قراءة أبي بن كعب، رحمه الله، للآية
177 من سورة البقرة وقلنا إنه يقرأها كما يلي: «لَيْسَ الْبِرُّ بأن
تُوَلُّوا وُجُوهَكُم» بزيادة حرف الجر «بـ» قبل أن «تُوَلُّوا»، وأواصل،
اليوم بعون الله وقوته، البحث في قراءته، رضي الله عنه، فأقول:
وقرأ
كذلك الآية 60 من سورة المائدة كما يلي: «قُلْ هل أنَبِّئُكم بشر من ذلك
مثُوبةً عند الله من لَّعَنَهُ اللَّهُ وغضِبَ عَلَيْهِ وجعل مِنهُمُ
الْقِرَدَة والخَنازيرَ وعَبَدُوا الطَّاغُوتَ أولئك شَرَّ مَكَاناً
وأضَلَّ عَنْ سواء السَّبيل»؛ قرأ «وعَبَدُوا الطَّاغُوتَ» بالواو.
يحسن بنا، هنا، أن نشير إلى أن في هذه العبارة القرآنية الكريمة وهي: «وعَبَدَ الطَّاغُوت» عشر قراءات، أجملها في ما يلي:
ـ 1 ـ «وعَبُدَ الطَّاغُوتِ» بفتح العين والدال وضم الباء وكسر «الطَّاغُوتِ»، انفرد الإمام حمزة بقراءتها.
وحجة
الإمام حمزة في قراءته هذه، أي حين ضم الباء في قوله تعالى «عَبُدَ» وكسر
التاء في قوله «الطَّاغُوت» أنه جعل «عَبُدَ» اسماً يبنى على «فعُلَ»
كعَضُد، فهو بناء للمبالغة والكثرة كـ «يَقُظ» ، وأصله الصفة، ونصبه بـ
«جَعَلَ» أي: جعل منهم عبدا للطاغوت، وأضاف «عَبُدَ» إلى «الطَّاغُوت»،
فخفضه، و «جعَل» بمعنى «خلَقَ كقوله تعالى في الآية الأولى من سورة
الأنعام: «الْحمدُ للَّه الَّذي «خلقَ» السَّماوَاتِ والأرض و«جَعَل»
الظُّلُماتِ والنُّورَ ثُمَّ الّذينَ كَفَروا بِرَبِّهمْ يَعْدِلُونَ» .
والمعنى: وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت. وليس «عَبُدَ» بجمع لأنه
ليس من أبنية الجموع.
هذا من جهة، وأقول من جهة أخرى: العرب تقول: (عَبْد وعبُد)، قال الشاعر أوْس بن حجر:
أبَنِي لُبَيْنَى إِنَّ أُمَّكُمُ أُمَّة وإنَّ أبَاكُمُ عبُدُ
قال
الفراء: الباء تضمها العرب للمبالغة في المدح والذم نحو: (رجُلٌ حَذُرٌ
ويقُظ) أي مبالغ في الحذر؛ فتأويل (عَبُد) أنه بلغ الغاية في طاعة
الشيطان. وكذا قرأ مجاهد في وجه له ثم فسره وقال: «وخَدَمَ الطَّاغُوت».
قال الزجاج: «كان اللفظ لفظ واحد يدل على الجميع كما تقول للقوم: «مِنْكُم عَبَدَ العَصَا» تريد: إن فيكم عبيد العصا.
والنصب في (عَبُد) على وجهين: أحدهما على: «وجَعَلَ مِنْهُمُ عَبَدَ الطَّاغُوتِ» والثاني على الذم، أعني: «عَبُدَ الطَّاغُوتِ».
2- «وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ» بفتح العين والباء والدال وفتح طاء «الطَّاغُوتَ، هذه قرأ بها القراء السبعة كلهم إلا حمزة.
3-
«وعُبُدَ الطَّاغُوتِ» بضم العين والباء وفتح الدال وخفض الطَّاغُوتِ.
بهذا قرأ عبد الله بن عباس وابن مسعود وإبراهيم النخعي والأعمش وأبان بن
تغلب وعلي بن صالح وشيبان.
نعتقد أن هذه القراءة «عُبُدَ «هي جمع (عبيد)؛ أنشد الشاعر، فقال:
أنسب العبد إلى آبائه أسود الجلد ومن قوم عُبُد
وقد
يجوز أن يكون «عُبُدَ» جمع (عَبْد)، كرَهْنٍ ورُهُن وسُقْف وسُقُف. وقد
تكون (عُبُد) جمع (عَابِد) كبَازِل وبُزُل وشَارِف وشُرُف. يعتقد أبو
الحسن أن معنى هذه الصيغة هو: خَدَمُ الطَّاغوت.
4- «وعُبَّدَ
الطَّاغُوتِ» بضم العين وفتح الباء وتشديدها وفتح الدال وخفض الطاغوت. روى
هذه القراءة عكرمة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
5- «وعُبَّدَ
الطَّاغُوت» بضم العين وفتح الباء وتشديدها وفتح الدال وخفض
«الطَّاغُوتٍ»؛ روى هذه القراءة عكرمة عن عبد الله بن عباس. ومعلوم أن
«وعُبَّدَ الطَّاغُوتِ» جمع (عابد)، ومثله (عُبَّاد)، كضارب وضُرَّبٍ
وضُرَّاب، وعليه القراءتان «عُبَّدَ الطَّاغُوتِ» و«عُبَّادُ
الطَّاغُوتِ»، وعليه قراءة من قرأ «وعِبَادَ الطَّاغُوتِ»، عابد وعِبَتد،
كقائم وقيام وصائم وصيام، وقد يجوز أن يكون «عِبَادِ الطَّاغُوتِ جمع
عَبْد، وقلما يأتي عباد مضافا إلى غير الله، أنشد سيبويه:
أتوعدني بقومك يابن حجل أشاباتٍ يُخالون العِبادا
يريد عبيدا لنبي آدم، ولا يجوز أن يكون في المعنى عباد الله لأن هذا ما لا يسب به أحد والناس كلهم عباد الله تعالى، وأما قول الآخر:
لا والذي أنا عبد في عبادته لولا شماتة أعداءٍ ذوي إحن
ما سرني أن إبلي في مباركها وأن شيئاً قضاء الله لم يكن
فيحتمل
أن يكون جمع عبد، إلا أنه أنثه فصار كذكارة ( ذكارة - جمع ذكر) وحجارة
وقصارة، جمع قصير. ويجوز أن تكون العبادة هنا مصدرا، أي: أن عبد في طاعته.
6
- «وعُبِدَ الطَّاغوتُ« بضم العين وكسر الباء وفتح الدال ثم ضم تاء»
«الطاغُوتُ». بهذا قرأ بعضهم كما قال معاذ. وبه قرأ أيضاً أبي بن كعب كما
أخبرنا بذلك أبو الفتح عثمان بن جني في الصفحة 216 من الجزء الأول من
محتسبه.
7 - «وعابِدَ الطاغوتِ» بفتح العين ممدودة وكسر الباء وفتح الدال مع كسر تاء «الطاغوت»، قرأ بهذا عون العقيلي وابن بريدة.
أرى
أنه يحسن، هنا، أن أبدي ملاحظة أعتقد أنها مفيدة للغاية في الموضوع، هذه
الملاحظة هي أن أورد بالحرف الواحد ما أثبته أبو حيان محمد بن يوسف
الأندلسي في الصفحة 530 من الجزء الثالث من تفسيره «البحر المحيط»، قال
رحمه الله»: وقرأ عون العقيلي (وعابدو)، تأولها أبو عمرو على أنها «عابد»
، وهذان جمعاً سلامة أضيفا إلى الطاغوت، فبالتاء عطفاً على القردة
والخنازير، وبالواو عطفاً على «من لعنه الله» أو على إضمارهم، ويحتمل
قراءة عون أن يكون (عابد) مفرداً اسم جنس
8 - وعَبدوا الطاغوتَ» بالواو، قرأ بها هذه أيضا أبي بن كعب.
9 - و«عَبْدَ الطاغوت»، بإسكان الباء، بهذا قرأ الحسن في رواية.
خرجه ابن عطية على أنه أراد: وعبداً منوناً، فحذف التنوين كما حذف في قوله في سورة النساء، الآية 142: «ولا ذاكرَ الله إلا قليلا».
على
هذا التخريج ملاحظتان اثنتان. أولاهما التعليق الذي علق به أبو حيان
الغرناطي على ما قاله الإمام ابن عطية. لقد قال: «ولا وجه لهذا التخريج
لأن عبداً لا يمكن أن ينصب الطاغوت إذ ليس بمصدر ولا اسم فاعل، والتخريج
الصحيح أن يكون تخفيفاً من (عَبدَ) بفتحها كقولهم في سلف: سلف.
ثانيهما،
أنا لا أعرف أحداً قرأ في سورة النساء «ولا ذاكر الله إلا قليلا»، أنا لا
أعرف إلا « ولا يذكرون الله إلا قليلا»، وعدم معرفتي هذه حالت بيني وبين
ما يقصده أبو حيان بهذا التعليق، إلا أنني، إن شاء الله، مواصلاً البحث في
الموضوع بحوله وقوته.
10 - «وعُبِدتْ الطاغوت» بضم العين وكسر الباء
وتاء ساكنة قبلها دال مفتوحة، هي مبنية للمفعول كضُرِبَتْ المرأة وبها قرأ
عبد الله بن مسعود في رواية.
وقرأ الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله
عنه وأرضاه كذلك الآية 69 من سورة المائدة كمايلي: «إن الَّذِينَ
ءَامَنُوا والذِينَ هَادُوا والصَّابيين والنصارى مَن آمنَ باللهِ واليومِ
الآخرِ وعمل صالحاً فلاَ خوْفَ عليهم ولا هُمْ يحزنونَ «قرأ»
والصَّابِيينَ» بياءين، شارك أبي بن كعب في هذه القراءة كل من عثمان بن
عفان وعائشة وسعيد بن جبير والجحدري رضي الله عنهم جميعاً.
علق على هذه
القراءة اللغوي الكبير أبو الفتح عثمان بن جني، فقال في الصفحة 217 من
الجزء الأول من «محتسبه» : «الخطب في هذا أيسر من الصابيون بالرفع لأن
النصب على ظاهره، وإنما الرفع يحتاج إلى أن يقال: إنه مقدم في اللفظ مؤخر
في المعنى على ما يقال في هذا حتى كأنه قال: عميته ولا صَمَمْته، كما لا
يقال: زكَمه الله ولا حَمَّهُ.
كما قرأ أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه
الآية 74 من سورة الأنعام كما يلي: «وإذ قالَ إِبراهيمُ لأَبيهِ آزَرُ
أتتَّخذُ أصناماً آلِهة إِنيَ آراكَ وقَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبين»، «قرأَ»
آزرُ بضم الراء إن ابراهيم عليه الصلاة والسلام ينادي آباه «آزر».
شارك
أبيّاً بن كعب في هذه القراءة كل من عبد الله بن عباس والحسن ومجاهد
والضحاك وابن يزيد المدني ويعقوب ورويت عن سليمان بن قَتة التيمي.
أما
ابن عباس فقرأ هذه الآية كمايلي: «وإذْ قال إبراهيمُ لأبيهِ أأزْراً نتخذُ
أصناماً آلهةً إٍني أراكَ وقوْمَكَ في ضَلالٍ مُبينٍ» بهمزتين استفهام
وينصبها وينون. وقرأ أبو إسماعيل وهو رجل من أهل الشام» وإذ قالَ إبراهيمُ
لأبيهِ أئزْراً أتتخذُ أصناماً آلهة».. مكسورة الألف منونة.
177 من سورة البقرة وقلنا إنه يقرأها كما يلي: «لَيْسَ الْبِرُّ بأن
تُوَلُّوا وُجُوهَكُم» بزيادة حرف الجر «بـ» قبل أن «تُوَلُّوا»، وأواصل،
اليوم بعون الله وقوته، البحث في قراءته، رضي الله عنه، فأقول:
وقرأ
كذلك الآية 60 من سورة المائدة كما يلي: «قُلْ هل أنَبِّئُكم بشر من ذلك
مثُوبةً عند الله من لَّعَنَهُ اللَّهُ وغضِبَ عَلَيْهِ وجعل مِنهُمُ
الْقِرَدَة والخَنازيرَ وعَبَدُوا الطَّاغُوتَ أولئك شَرَّ مَكَاناً
وأضَلَّ عَنْ سواء السَّبيل»؛ قرأ «وعَبَدُوا الطَّاغُوتَ» بالواو.
يحسن بنا، هنا، أن نشير إلى أن في هذه العبارة القرآنية الكريمة وهي: «وعَبَدَ الطَّاغُوت» عشر قراءات، أجملها في ما يلي:
ـ 1 ـ «وعَبُدَ الطَّاغُوتِ» بفتح العين والدال وضم الباء وكسر «الطَّاغُوتِ»، انفرد الإمام حمزة بقراءتها.
وحجة
الإمام حمزة في قراءته هذه، أي حين ضم الباء في قوله تعالى «عَبُدَ» وكسر
التاء في قوله «الطَّاغُوت» أنه جعل «عَبُدَ» اسماً يبنى على «فعُلَ»
كعَضُد، فهو بناء للمبالغة والكثرة كـ «يَقُظ» ، وأصله الصفة، ونصبه بـ
«جَعَلَ» أي: جعل منهم عبدا للطاغوت، وأضاف «عَبُدَ» إلى «الطَّاغُوت»،
فخفضه، و «جعَل» بمعنى «خلَقَ كقوله تعالى في الآية الأولى من سورة
الأنعام: «الْحمدُ للَّه الَّذي «خلقَ» السَّماوَاتِ والأرض و«جَعَل»
الظُّلُماتِ والنُّورَ ثُمَّ الّذينَ كَفَروا بِرَبِّهمْ يَعْدِلُونَ» .
والمعنى: وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت. وليس «عَبُدَ» بجمع لأنه
ليس من أبنية الجموع.
هذا من جهة، وأقول من جهة أخرى: العرب تقول: (عَبْد وعبُد)، قال الشاعر أوْس بن حجر:
أبَنِي لُبَيْنَى إِنَّ أُمَّكُمُ أُمَّة وإنَّ أبَاكُمُ عبُدُ
قال
الفراء: الباء تضمها العرب للمبالغة في المدح والذم نحو: (رجُلٌ حَذُرٌ
ويقُظ) أي مبالغ في الحذر؛ فتأويل (عَبُد) أنه بلغ الغاية في طاعة
الشيطان. وكذا قرأ مجاهد في وجه له ثم فسره وقال: «وخَدَمَ الطَّاغُوت».
قال الزجاج: «كان اللفظ لفظ واحد يدل على الجميع كما تقول للقوم: «مِنْكُم عَبَدَ العَصَا» تريد: إن فيكم عبيد العصا.
والنصب في (عَبُد) على وجهين: أحدهما على: «وجَعَلَ مِنْهُمُ عَبَدَ الطَّاغُوتِ» والثاني على الذم، أعني: «عَبُدَ الطَّاغُوتِ».
2- «وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ» بفتح العين والباء والدال وفتح طاء «الطَّاغُوتَ، هذه قرأ بها القراء السبعة كلهم إلا حمزة.
3-
«وعُبُدَ الطَّاغُوتِ» بضم العين والباء وفتح الدال وخفض الطَّاغُوتِ.
بهذا قرأ عبد الله بن عباس وابن مسعود وإبراهيم النخعي والأعمش وأبان بن
تغلب وعلي بن صالح وشيبان.
نعتقد أن هذه القراءة «عُبُدَ «هي جمع (عبيد)؛ أنشد الشاعر، فقال:
أنسب العبد إلى آبائه أسود الجلد ومن قوم عُبُد
وقد
يجوز أن يكون «عُبُدَ» جمع (عَبْد)، كرَهْنٍ ورُهُن وسُقْف وسُقُف. وقد
تكون (عُبُد) جمع (عَابِد) كبَازِل وبُزُل وشَارِف وشُرُف. يعتقد أبو
الحسن أن معنى هذه الصيغة هو: خَدَمُ الطَّاغوت.
4- «وعُبَّدَ
الطَّاغُوتِ» بضم العين وفتح الباء وتشديدها وفتح الدال وخفض الطاغوت. روى
هذه القراءة عكرمة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
5- «وعُبَّدَ
الطَّاغُوت» بضم العين وفتح الباء وتشديدها وفتح الدال وخفض
«الطَّاغُوتٍ»؛ روى هذه القراءة عكرمة عن عبد الله بن عباس. ومعلوم أن
«وعُبَّدَ الطَّاغُوتِ» جمع (عابد)، ومثله (عُبَّاد)، كضارب وضُرَّبٍ
وضُرَّاب، وعليه القراءتان «عُبَّدَ الطَّاغُوتِ» و«عُبَّادُ
الطَّاغُوتِ»، وعليه قراءة من قرأ «وعِبَادَ الطَّاغُوتِ»، عابد وعِبَتد،
كقائم وقيام وصائم وصيام، وقد يجوز أن يكون «عِبَادِ الطَّاغُوتِ جمع
عَبْد، وقلما يأتي عباد مضافا إلى غير الله، أنشد سيبويه:
أتوعدني بقومك يابن حجل أشاباتٍ يُخالون العِبادا
يريد عبيدا لنبي آدم، ولا يجوز أن يكون في المعنى عباد الله لأن هذا ما لا يسب به أحد والناس كلهم عباد الله تعالى، وأما قول الآخر:
لا والذي أنا عبد في عبادته لولا شماتة أعداءٍ ذوي إحن
ما سرني أن إبلي في مباركها وأن شيئاً قضاء الله لم يكن
فيحتمل
أن يكون جمع عبد، إلا أنه أنثه فصار كذكارة ( ذكارة - جمع ذكر) وحجارة
وقصارة، جمع قصير. ويجوز أن تكون العبادة هنا مصدرا، أي: أن عبد في طاعته.
6
- «وعُبِدَ الطَّاغوتُ« بضم العين وكسر الباء وفتح الدال ثم ضم تاء»
«الطاغُوتُ». بهذا قرأ بعضهم كما قال معاذ. وبه قرأ أيضاً أبي بن كعب كما
أخبرنا بذلك أبو الفتح عثمان بن جني في الصفحة 216 من الجزء الأول من
محتسبه.
7 - «وعابِدَ الطاغوتِ» بفتح العين ممدودة وكسر الباء وفتح الدال مع كسر تاء «الطاغوت»، قرأ بهذا عون العقيلي وابن بريدة.
أرى
أنه يحسن، هنا، أن أبدي ملاحظة أعتقد أنها مفيدة للغاية في الموضوع، هذه
الملاحظة هي أن أورد بالحرف الواحد ما أثبته أبو حيان محمد بن يوسف
الأندلسي في الصفحة 530 من الجزء الثالث من تفسيره «البحر المحيط»، قال
رحمه الله»: وقرأ عون العقيلي (وعابدو)، تأولها أبو عمرو على أنها «عابد»
، وهذان جمعاً سلامة أضيفا إلى الطاغوت، فبالتاء عطفاً على القردة
والخنازير، وبالواو عطفاً على «من لعنه الله» أو على إضمارهم، ويحتمل
قراءة عون أن يكون (عابد) مفرداً اسم جنس
8 - وعَبدوا الطاغوتَ» بالواو، قرأ بها هذه أيضا أبي بن كعب.
9 - و«عَبْدَ الطاغوت»، بإسكان الباء، بهذا قرأ الحسن في رواية.
خرجه ابن عطية على أنه أراد: وعبداً منوناً، فحذف التنوين كما حذف في قوله في سورة النساء، الآية 142: «ولا ذاكرَ الله إلا قليلا».
على
هذا التخريج ملاحظتان اثنتان. أولاهما التعليق الذي علق به أبو حيان
الغرناطي على ما قاله الإمام ابن عطية. لقد قال: «ولا وجه لهذا التخريج
لأن عبداً لا يمكن أن ينصب الطاغوت إذ ليس بمصدر ولا اسم فاعل، والتخريج
الصحيح أن يكون تخفيفاً من (عَبدَ) بفتحها كقولهم في سلف: سلف.
ثانيهما،
أنا لا أعرف أحداً قرأ في سورة النساء «ولا ذاكر الله إلا قليلا»، أنا لا
أعرف إلا « ولا يذكرون الله إلا قليلا»، وعدم معرفتي هذه حالت بيني وبين
ما يقصده أبو حيان بهذا التعليق، إلا أنني، إن شاء الله، مواصلاً البحث في
الموضوع بحوله وقوته.
10 - «وعُبِدتْ الطاغوت» بضم العين وكسر الباء
وتاء ساكنة قبلها دال مفتوحة، هي مبنية للمفعول كضُرِبَتْ المرأة وبها قرأ
عبد الله بن مسعود في رواية.
وقرأ الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله
عنه وأرضاه كذلك الآية 69 من سورة المائدة كمايلي: «إن الَّذِينَ
ءَامَنُوا والذِينَ هَادُوا والصَّابيين والنصارى مَن آمنَ باللهِ واليومِ
الآخرِ وعمل صالحاً فلاَ خوْفَ عليهم ولا هُمْ يحزنونَ «قرأ»
والصَّابِيينَ» بياءين، شارك أبي بن كعب في هذه القراءة كل من عثمان بن
عفان وعائشة وسعيد بن جبير والجحدري رضي الله عنهم جميعاً.
علق على هذه
القراءة اللغوي الكبير أبو الفتح عثمان بن جني، فقال في الصفحة 217 من
الجزء الأول من «محتسبه» : «الخطب في هذا أيسر من الصابيون بالرفع لأن
النصب على ظاهره، وإنما الرفع يحتاج إلى أن يقال: إنه مقدم في اللفظ مؤخر
في المعنى على ما يقال في هذا حتى كأنه قال: عميته ولا صَمَمْته، كما لا
يقال: زكَمه الله ولا حَمَّهُ.
كما قرأ أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه
الآية 74 من سورة الأنعام كما يلي: «وإذ قالَ إِبراهيمُ لأَبيهِ آزَرُ
أتتَّخذُ أصناماً آلِهة إِنيَ آراكَ وقَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبين»، «قرأَ»
آزرُ بضم الراء إن ابراهيم عليه الصلاة والسلام ينادي آباه «آزر».
شارك
أبيّاً بن كعب في هذه القراءة كل من عبد الله بن عباس والحسن ومجاهد
والضحاك وابن يزيد المدني ويعقوب ورويت عن سليمان بن قَتة التيمي.
أما
ابن عباس فقرأ هذه الآية كمايلي: «وإذْ قال إبراهيمُ لأبيهِ أأزْراً نتخذُ
أصناماً آلهةً إٍني أراكَ وقوْمَكَ في ضَلالٍ مُبينٍ» بهمزتين استفهام
وينصبها وينون. وقرأ أبو إسماعيل وهو رجل من أهل الشام» وإذ قالَ إبراهيمُ
لأبيهِ أئزْراً أتتخذُ أصناماً آلهة».. مكسورة الألف منونة.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
العلم
6/8/2010-
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
كنا تحدثنا في ختام الحلقة الأخيرة عن قراءة أبي بن كعب، رحمه الله، للآية177 من سورة البقرة وقلنا إنه يقرأها كما يلي: «لَيْسَ الْبِرُّ بأنتُوَلُّوا وُجُوهَكُم» بزيادة حرف الجر «بـ» قبل أن «تُوَلُّوا»، وأواصل،اليوم بعون الله وقوته، البحث في قراءته، رضي الله عنه، فأقول:
وقرأكذلك الآية 60 من سورة المائدة كما يلي: «قُلْ هل أنَبِّئُكم بشر من ذلكمثُوبةً عند الله من لَّعَنَهُ اللَّهُ وغضِبَ عَلَيْهِ وجعل مِنهُمُالْقِرَدَة والخَنازيرَ وعَبَدُوا الطَّاغُوتَ أولئك شَرَّ مَكَاناًوأضَلَّ عَنْ سواء السَّبيل»؛ قرأ «وعَبَدُوا الطَّاغُوتَ» بالواو.
يحسن بنا، هنا، أن نشير إلى أن في هذه العبارة القرآنية الكريمة وهي: «وعَبَدَ الطَّاغُوت» عشر قراءات، أجملها في ما يلي:
ـ 1 ـ «وعَبُدَ الطَّاغُوتِ» بفتح العين والدال وضم الباء وكسر «الطَّاغُوتِ»، انفرد الإمام حمزة بقراءتها.
وحجةالإمام حمزة في قراءته هذه، أي حين ضم الباء في قوله تعالى «عَبُدَ» وكسرالتاء في قوله «الطَّاغُوت» أنه جعل «عَبُدَ» اسماً يبنى على «فعُلَ»كعَضُد، فهو بناء للمبالغة والكثرة كـ «يَقُظ» ، وأصله الصفة، ونصبه بـ«جَعَلَ» أي: جعل منهم عبدا للطاغوت، وأضاف «عَبُدَ» إلى «الطَّاغُوت»،فخفضه، و «جعَل» بمعنى «خلَقَ كقوله تعالى في الآية الأولى من سورةالأنعام: «الْحمدُ للَّه الَّذي «خلقَ» السَّماوَاتِ والأرض و«جَعَل»الظُّلُماتِ والنُّورَ ثُمَّ الّذينَ كَفَروا بِرَبِّهمْ يَعْدِلُونَ» .والمعنى: وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت. وليس «عَبُدَ» بجمع لأنهليس من أبنية الجموع.
هذا من جهة، وأقول من جهة أخرى: العرب تقول: (عَبْد وعبُد)، قال الشاعر أوْس بن حجر:
أبَنِي لُبَيْنَى إِنَّ أُمَّكُمُ أُمَّة وإنَّ أبَاكُمُ عبُدُ
قالالفراء: الباء تضمها العرب للمبالغة في المدح والذم نحو: (رجُلٌ حَذُرٌويقُظ) أي مبالغ في الحذر؛ فتأويل (عَبُد) أنه بلغ الغاية في طاعةالشيطان. وكذا قرأ مجاهد في وجه له ثم فسره وقال: «وخَدَمَ الطَّاغُوت».
قال الزجاج: «كان اللفظ لفظ واحد يدل على الجميع كما تقول للقوم: «مِنْكُم عَبَدَ العَصَا» تريد: إن فيكم عبيد العصا.
والنصب في (عَبُد) على وجهين: أحدهما على: «وجَعَلَ مِنْهُمُ عَبَدَ الطَّاغُوتِ» والثاني على الذم، أعني: «عَبُدَ الطَّاغُوتِ».
2- «وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ» بفتح العين والباء والدال وفتح طاء «الطَّاغُوتَ، هذه قرأ بها القراء السبعة كلهم إلا حمزة.
3-«وعُبُدَ الطَّاغُوتِ» بضم العين والباء وفتح الدال وخفض الطَّاغُوتِ.بهذا قرأ عبد الله بن عباس وابن مسعود وإبراهيم النخعي والأعمش وأبان بنتغلب وعلي بن صالح وشيبان.
نعتقد أن هذه القراءة «عُبُدَ «هي جمع (عبيد)؛ أنشد الشاعر، فقال:
أنسب العبد إلى آبائه أسود الجلد ومن قوم عُبُد
وقديجوز أن يكون «عُبُدَ» جمع (عَبْد)، كرَهْنٍ ورُهُن وسُقْف وسُقُف. وقدتكون (عُبُد) جمع (عَابِد) كبَازِل وبُزُل وشَارِف وشُرُف. يعتقد أبوالحسن أن معنى هذه الصيغة هو: خَدَمُ الطَّاغوت.
4- «وعُبَّدَالطَّاغُوتِ» بضم العين وفتح الباء وتشديدها وفتح الدال وخفض الطاغوت. روىهذه القراءة عكرمة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
5- «وعُبَّدَالطَّاغُوت» بضم العين وفتح الباء وتشديدها وفتح الدال وخفض«الطَّاغُوتٍ»؛ روى هذه القراءة عكرمة عن عبد الله بن عباس. ومعلوم أن«وعُبَّدَ الطَّاغُوتِ» جمع (عابد)، ومثله (عُبَّاد)، كضارب وضُرَّبٍوضُرَّاب، وعليه القراءتان «عُبَّدَ الطَّاغُوتِ» و«عُبَّادُالطَّاغُوتِ»، وعليه قراءة من قرأ «وعِبَادَ الطَّاغُوتِ»، عابد وعِبَتد،كقائم وقيام وصائم وصيام، وقد يجوز أن يكون «عِبَادِ الطَّاغُوتِ جمععَبْد، وقلما يأتي عباد مضافا إلى غير الله، أنشد سيبويه:
أتوعدني بقومك يابن حجل أشاباتٍ يُخالون العِبادا
يريد عبيدا لنبي آدم، ولا يجوز أن يكون في المعنى عباد الله لأن هذا ما لا يسب به أحد والناس كلهم عباد الله تعالى، وأما قول الآخر:
لا والذي أنا عبد في عبادته لولا شماتة أعداءٍ ذوي إحن
ما سرني أن إبلي في مباركها وأن شيئاً قضاء الله لم يكن
فيحتملأن يكون جمع عبد، إلا أنه أنثه فصار كذكارة ( ذكارة - جمع ذكر) وحجارةوقصارة، جمع قصير. ويجوز أن تكون العبادة هنا مصدرا، أي: أن عبد في طاعته.
6- «وعُبِدَ الطَّاغوتُ« بضم العين وكسر الباء وفتح الدال ثم ضم تاء»«الطاغُوتُ». بهذا قرأ بعضهم كما قال معاذ. وبه قرأ أيضاً أبي بن كعب كماأخبرنا بذلك أبو الفتح عثمان بن جني في الصفحة 216 من الجزء الأول منمحتسبه.
7 - «وعابِدَ الطاغوتِ» بفتح العين ممدودة وكسر الباء وفتح الدال مع كسر تاء «الطاغوت»، قرأ بهذا عون العقيلي وابن بريدة.
أرىأنه يحسن، هنا، أن أبدي ملاحظة أعتقد أنها مفيدة للغاية في الموضوع، هذهالملاحظة هي أن أورد بالحرف الواحد ما أثبته أبو حيان محمد بن يوسفالأندلسي في الصفحة 530 من الجزء الثالث من تفسيره «البحر المحيط»، قالرحمه الله»: وقرأ عون العقيلي (وعابدو)، تأولها أبو عمرو على أنها «عابد»، وهذان جمعاً سلامة أضيفا إلى الطاغوت، فبالتاء عطفاً على القردةوالخنازير، وبالواو عطفاً على «من لعنه الله» أو على إضمارهم، ويحتملقراءة عون أن يكون (عابد) مفرداً اسم جنس
8 - وعَبدوا الطاغوتَ» بالواو، قرأ بها هذه أيضا أبي بن كعب.
9 - و«عَبْدَ الطاغوت»، بإسكان الباء، بهذا قرأ الحسن في رواية.
خرجه ابن عطية على أنه أراد: وعبداً منوناً، فحذف التنوين كما حذف في قوله في سورة النساء، الآية 142: «ولا ذاكرَ الله إلا قليلا».
علىهذا التخريج ملاحظتان اثنتان. أولاهما التعليق الذي علق به أبو حيانالغرناطي على ما قاله الإمام ابن عطية. لقد قال: «ولا وجه لهذا التخريجلأن عبداً لا يمكن أن ينصب الطاغوت إذ ليس بمصدر ولا اسم فاعل، والتخريجالصحيح أن يكون تخفيفاً من (عَبدَ) بفتحها كقولهم في سلف: سلف.
ثانيهما،أنا لا أعرف أحداً قرأ في سورة النساء «ولا ذاكر الله إلا قليلا»، أنا لاأعرف إلا « ولا يذكرون الله إلا قليلا»، وعدم معرفتي هذه حالت بيني وبينما يقصده أبو حيان بهذا التعليق، إلا أنني، إن شاء الله، مواصلاً البحث فيالموضوع بحوله وقوته.
10 - «وعُبِدتْ الطاغوت» بضم العين وكسر الباءوتاء ساكنة قبلها دال مفتوحة، هي مبنية للمفعول كضُرِبَتْ المرأة وبها قرأعبد الله بن مسعود في رواية.
وقرأ الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي اللهعنه وأرضاه كذلك الآية 69 من سورة المائدة كمايلي: «إن الَّذِينَءَامَنُوا والذِينَ هَادُوا والصَّابيين والنصارى مَن آمنَ باللهِ واليومِالآخرِ وعمل صالحاً فلاَ خوْفَ عليهم ولا هُمْ يحزنونَ «قرأ»والصَّابِيينَ» بياءين، شارك أبي بن كعب في هذه القراءة كل من عثمان بنعفان وعائشة وسعيد بن جبير والجحدري رضي الله عنهم جميعاً.
علق على هذهالقراءة اللغوي الكبير أبو الفتح عثمان بن جني، فقال في الصفحة 217 منالجزء الأول من «محتسبه» : «الخطب في هذا أيسر من الصابيون بالرفع لأنالنصب على ظاهره، وإنما الرفع يحتاج إلى أن يقال: إنه مقدم في اللفظ مؤخرفي المعنى على ما يقال في هذا حتى كأنه قال: عميته ولا صَمَمْته، كما لايقال: زكَمه الله ولا حَمَّهُ.
كما قرأ أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاهالآية 74 من سورة الأنعام كما يلي: «وإذ قالَ إِبراهيمُ لأَبيهِ آزَرُأتتَّخذُ أصناماً آلِهة إِنيَ آراكَ وقَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبين»، «قرأَ»آزرُ بضم الراء إن ابراهيم عليه الصلاة والسلام ينادي آباه «آزر».
شاركأبيّاً بن كعب في هذه القراءة كل من عبد الله بن عباس والحسن ومجاهدوالضحاك وابن يزيد المدني ويعقوب ورويت عن سليمان بن قَتة التيمي.
أماابن عباس فقرأ هذه الآية كمايلي: «وإذْ قال إبراهيمُ لأبيهِ أأزْراً نتخذُأصناماً آلهةً إٍني أراكَ وقوْمَكَ في ضَلالٍ مُبينٍ» بهمزتين استفهاموينصبها وينون. وقرأ أبو إسماعيل وهو رجل من أهل الشام» وإذ قالَ إبراهيمُلأبيهِ أئزْراً أتتخذُ أصناماً آلهة».. مكسورة الألف منونة.
وقرأكذلك الآية 60 من سورة المائدة كما يلي: «قُلْ هل أنَبِّئُكم بشر من ذلكمثُوبةً عند الله من لَّعَنَهُ اللَّهُ وغضِبَ عَلَيْهِ وجعل مِنهُمُالْقِرَدَة والخَنازيرَ وعَبَدُوا الطَّاغُوتَ أولئك شَرَّ مَكَاناًوأضَلَّ عَنْ سواء السَّبيل»؛ قرأ «وعَبَدُوا الطَّاغُوتَ» بالواو.
يحسن بنا، هنا، أن نشير إلى أن في هذه العبارة القرآنية الكريمة وهي: «وعَبَدَ الطَّاغُوت» عشر قراءات، أجملها في ما يلي:
ـ 1 ـ «وعَبُدَ الطَّاغُوتِ» بفتح العين والدال وضم الباء وكسر «الطَّاغُوتِ»، انفرد الإمام حمزة بقراءتها.
وحجةالإمام حمزة في قراءته هذه، أي حين ضم الباء في قوله تعالى «عَبُدَ» وكسرالتاء في قوله «الطَّاغُوت» أنه جعل «عَبُدَ» اسماً يبنى على «فعُلَ»كعَضُد، فهو بناء للمبالغة والكثرة كـ «يَقُظ» ، وأصله الصفة، ونصبه بـ«جَعَلَ» أي: جعل منهم عبدا للطاغوت، وأضاف «عَبُدَ» إلى «الطَّاغُوت»،فخفضه، و «جعَل» بمعنى «خلَقَ كقوله تعالى في الآية الأولى من سورةالأنعام: «الْحمدُ للَّه الَّذي «خلقَ» السَّماوَاتِ والأرض و«جَعَل»الظُّلُماتِ والنُّورَ ثُمَّ الّذينَ كَفَروا بِرَبِّهمْ يَعْدِلُونَ» .والمعنى: وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت. وليس «عَبُدَ» بجمع لأنهليس من أبنية الجموع.
هذا من جهة، وأقول من جهة أخرى: العرب تقول: (عَبْد وعبُد)، قال الشاعر أوْس بن حجر:
أبَنِي لُبَيْنَى إِنَّ أُمَّكُمُ أُمَّة وإنَّ أبَاكُمُ عبُدُ
قالالفراء: الباء تضمها العرب للمبالغة في المدح والذم نحو: (رجُلٌ حَذُرٌويقُظ) أي مبالغ في الحذر؛ فتأويل (عَبُد) أنه بلغ الغاية في طاعةالشيطان. وكذا قرأ مجاهد في وجه له ثم فسره وقال: «وخَدَمَ الطَّاغُوت».
قال الزجاج: «كان اللفظ لفظ واحد يدل على الجميع كما تقول للقوم: «مِنْكُم عَبَدَ العَصَا» تريد: إن فيكم عبيد العصا.
والنصب في (عَبُد) على وجهين: أحدهما على: «وجَعَلَ مِنْهُمُ عَبَدَ الطَّاغُوتِ» والثاني على الذم، أعني: «عَبُدَ الطَّاغُوتِ».
2- «وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ» بفتح العين والباء والدال وفتح طاء «الطَّاغُوتَ، هذه قرأ بها القراء السبعة كلهم إلا حمزة.
3-«وعُبُدَ الطَّاغُوتِ» بضم العين والباء وفتح الدال وخفض الطَّاغُوتِ.بهذا قرأ عبد الله بن عباس وابن مسعود وإبراهيم النخعي والأعمش وأبان بنتغلب وعلي بن صالح وشيبان.
نعتقد أن هذه القراءة «عُبُدَ «هي جمع (عبيد)؛ أنشد الشاعر، فقال:
أنسب العبد إلى آبائه أسود الجلد ومن قوم عُبُد
وقديجوز أن يكون «عُبُدَ» جمع (عَبْد)، كرَهْنٍ ورُهُن وسُقْف وسُقُف. وقدتكون (عُبُد) جمع (عَابِد) كبَازِل وبُزُل وشَارِف وشُرُف. يعتقد أبوالحسن أن معنى هذه الصيغة هو: خَدَمُ الطَّاغوت.
4- «وعُبَّدَالطَّاغُوتِ» بضم العين وفتح الباء وتشديدها وفتح الدال وخفض الطاغوت. روىهذه القراءة عكرمة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
5- «وعُبَّدَالطَّاغُوت» بضم العين وفتح الباء وتشديدها وفتح الدال وخفض«الطَّاغُوتٍ»؛ روى هذه القراءة عكرمة عن عبد الله بن عباس. ومعلوم أن«وعُبَّدَ الطَّاغُوتِ» جمع (عابد)، ومثله (عُبَّاد)، كضارب وضُرَّبٍوضُرَّاب، وعليه القراءتان «عُبَّدَ الطَّاغُوتِ» و«عُبَّادُالطَّاغُوتِ»، وعليه قراءة من قرأ «وعِبَادَ الطَّاغُوتِ»، عابد وعِبَتد،كقائم وقيام وصائم وصيام، وقد يجوز أن يكون «عِبَادِ الطَّاغُوتِ جمععَبْد، وقلما يأتي عباد مضافا إلى غير الله، أنشد سيبويه:
أتوعدني بقومك يابن حجل أشاباتٍ يُخالون العِبادا
يريد عبيدا لنبي آدم، ولا يجوز أن يكون في المعنى عباد الله لأن هذا ما لا يسب به أحد والناس كلهم عباد الله تعالى، وأما قول الآخر:
لا والذي أنا عبد في عبادته لولا شماتة أعداءٍ ذوي إحن
ما سرني أن إبلي في مباركها وأن شيئاً قضاء الله لم يكن
فيحتملأن يكون جمع عبد، إلا أنه أنثه فصار كذكارة ( ذكارة - جمع ذكر) وحجارةوقصارة، جمع قصير. ويجوز أن تكون العبادة هنا مصدرا، أي: أن عبد في طاعته.
6- «وعُبِدَ الطَّاغوتُ« بضم العين وكسر الباء وفتح الدال ثم ضم تاء»«الطاغُوتُ». بهذا قرأ بعضهم كما قال معاذ. وبه قرأ أيضاً أبي بن كعب كماأخبرنا بذلك أبو الفتح عثمان بن جني في الصفحة 216 من الجزء الأول منمحتسبه.
7 - «وعابِدَ الطاغوتِ» بفتح العين ممدودة وكسر الباء وفتح الدال مع كسر تاء «الطاغوت»، قرأ بهذا عون العقيلي وابن بريدة.
أرىأنه يحسن، هنا، أن أبدي ملاحظة أعتقد أنها مفيدة للغاية في الموضوع، هذهالملاحظة هي أن أورد بالحرف الواحد ما أثبته أبو حيان محمد بن يوسفالأندلسي في الصفحة 530 من الجزء الثالث من تفسيره «البحر المحيط»، قالرحمه الله»: وقرأ عون العقيلي (وعابدو)، تأولها أبو عمرو على أنها «عابد»، وهذان جمعاً سلامة أضيفا إلى الطاغوت، فبالتاء عطفاً على القردةوالخنازير، وبالواو عطفاً على «من لعنه الله» أو على إضمارهم، ويحتملقراءة عون أن يكون (عابد) مفرداً اسم جنس
8 - وعَبدوا الطاغوتَ» بالواو، قرأ بها هذه أيضا أبي بن كعب.
9 - و«عَبْدَ الطاغوت»، بإسكان الباء، بهذا قرأ الحسن في رواية.
خرجه ابن عطية على أنه أراد: وعبداً منوناً، فحذف التنوين كما حذف في قوله في سورة النساء، الآية 142: «ولا ذاكرَ الله إلا قليلا».
علىهذا التخريج ملاحظتان اثنتان. أولاهما التعليق الذي علق به أبو حيانالغرناطي على ما قاله الإمام ابن عطية. لقد قال: «ولا وجه لهذا التخريجلأن عبداً لا يمكن أن ينصب الطاغوت إذ ليس بمصدر ولا اسم فاعل، والتخريجالصحيح أن يكون تخفيفاً من (عَبدَ) بفتحها كقولهم في سلف: سلف.
ثانيهما،أنا لا أعرف أحداً قرأ في سورة النساء «ولا ذاكر الله إلا قليلا»، أنا لاأعرف إلا « ولا يذكرون الله إلا قليلا»، وعدم معرفتي هذه حالت بيني وبينما يقصده أبو حيان بهذا التعليق، إلا أنني، إن شاء الله، مواصلاً البحث فيالموضوع بحوله وقوته.
10 - «وعُبِدتْ الطاغوت» بضم العين وكسر الباءوتاء ساكنة قبلها دال مفتوحة، هي مبنية للمفعول كضُرِبَتْ المرأة وبها قرأعبد الله بن مسعود في رواية.
وقرأ الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي اللهعنه وأرضاه كذلك الآية 69 من سورة المائدة كمايلي: «إن الَّذِينَءَامَنُوا والذِينَ هَادُوا والصَّابيين والنصارى مَن آمنَ باللهِ واليومِالآخرِ وعمل صالحاً فلاَ خوْفَ عليهم ولا هُمْ يحزنونَ «قرأ»والصَّابِيينَ» بياءين، شارك أبي بن كعب في هذه القراءة كل من عثمان بنعفان وعائشة وسعيد بن جبير والجحدري رضي الله عنهم جميعاً.
علق على هذهالقراءة اللغوي الكبير أبو الفتح عثمان بن جني، فقال في الصفحة 217 منالجزء الأول من «محتسبه» : «الخطب في هذا أيسر من الصابيون بالرفع لأنالنصب على ظاهره، وإنما الرفع يحتاج إلى أن يقال: إنه مقدم في اللفظ مؤخرفي المعنى على ما يقال في هذا حتى كأنه قال: عميته ولا صَمَمْته، كما لايقال: زكَمه الله ولا حَمَّهُ.
كما قرأ أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاهالآية 74 من سورة الأنعام كما يلي: «وإذ قالَ إِبراهيمُ لأَبيهِ آزَرُأتتَّخذُ أصناماً آلِهة إِنيَ آراكَ وقَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبين»، «قرأَ»آزرُ بضم الراء إن ابراهيم عليه الصلاة والسلام ينادي آباه «آزر».
شاركأبيّاً بن كعب في هذه القراءة كل من عبد الله بن عباس والحسن ومجاهدوالضحاك وابن يزيد المدني ويعقوب ورويت عن سليمان بن قَتة التيمي.
أماابن عباس فقرأ هذه الآية كمايلي: «وإذْ قال إبراهيمُ لأبيهِ أأزْراً نتخذُأصناماً آلهةً إٍني أراكَ وقوْمَكَ في ضَلالٍ مُبينٍ» بهمزتين استفهاموينصبها وينون. وقرأ أبو إسماعيل وهو رجل من أهل الشام» وإذ قالَ إبراهيمُلأبيهِ أئزْراً أتتخذُ أصناماً آلهة».. مكسورة الألف منونة.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
العلم
6/8/2010-
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة قتادة بن دعامة رضي الله عنه
كماقرأ أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه الآية 138 من سورة الأنعام كما يلي:«وقَالُوا هَذِهِ أنْعَام وحَرْث حرْج لا يَطْعَمُهَا إلاَّ مَنْ نَشَاءُبزَعْمهِمْ وأنعَام حُرمت ظُهُورُهَا وأَنْعَام لاَ يَذْكُرُون اسْمَاللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْه سَيَجْزيهم بمَا كَانُوا يَفْتَرونَ»؛نعم قرأها هكذا «حِرْج» بتقديم الراء على الجيم في حين يقرأها الجمهور«حِجْر». بتقديم الجيم على الراء. لقد سرني كثيرا جدا ما سطره لناالشيخ الفاضل أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره«الجامع لأحكام القرآن» عن قراءات «حجر» هذه؛ وبما أن قوله هذا أحاط إحاطةتامة بكل قراءات لفظتنا هاته، أنقله لكم كله كما جاء عنده؛ قال رحمه اللهفي الصفحة 94 من تفسيره المذكور آنفا: «قرأ أبان بن عثمان» حُجُر» بضمالحاء والجيم. وقرأ الحسن و قتادة «حَجْر» بضم الحاء. قال أبو عبيد عنهارون قال: كان الحسن يضم الحاءفي «حِجر» في جميع القرآن إلا في قوله فيالآية 53 من سورة الفرقان؛ قال سبحانه وتعالى فيها: «وهُوَ الّذي مَرَجَالبَحْرَيْن هَذَا عَذْب فُرَات وهَذَا مِلْح أجَاج وجَعَلَ بَيْنَهُمَابَرزَخا وحِجْرا مَحَجُورا: فإنه كان يكسرها ها هنا. وروي عن ابن عباسوابن الزبير «وحَرْث حرْج» الراء قبل الجيم وكذا في مصحف أبي؛ وفيه قولان:أحدهما أنه مثل جبذ وجذب. والقول الآخر ـ وهو الأصح ـ أنه من الحرج، فإنالحرج (بكسر الحاء) لغة في الحرج (بفتح الحاء) والضيق والإثم، فيكون معناهالحرا م ، ومنه فلان يتحرج، أي: يضيق على نفسه الدخول فيما يشتبه عليه منالحرام. والحجر: لفظ مشترك، وهو هنا بمعنى الحرام وأصله المنع، وسمي العقل«حجرا» لمنعه من القبائح. و «فلان في حجر القاضي»، أي: منعه. حجرت علىالصبي حجرا، والحجر العقل. قال الله تعالى في الآية 5 من سورة الفجر: هلْفي ذلك قسمٌ لذِي حِجْرٍ » والحجر الفرس الأنثى، والحجر القرابة. قالالشاعر: يُريدون أنْ يقْصُوه عنّي وإنّه لذُ حَسبٍ دانٍ إليّ وذو حجْرِ وحجْرُالإنسان (بكسر الحاء) وحجرُهُ (بفتح الحاء) لغتان، والفتح أكثر. أي:حرّموا أنعاماً وحرْثاً وجعلوها لأصنامهم وقالوا: (لا يطْعَمُها إلاّ مننشاءُ) وهم خدام الأصنام. ثم بين أن هذا تحكم لم يرِد به شرع، ولهذا قال:«بزعْمِهِمْ». كما قرأ أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه الآية 35 منسورة الأعراف كما يلي: «يَا بَنِي ءادمَ إما تأتيَنّكُمْ رُسُلٌ منكُمْيقُصّونَ عليْكُمُ ءايتي فمن أتّقى وأصْلح فلا خوْفٌ عليْهِمْ ولا همْيحزنُون». بالتاء في قوله تعالى «تأتينّكُمْ» عوض «يأتينّكم» كما يقرأهاالجمهور. قال أبو الفتح عثمان بن جني في هذه القراءة قولاً في الصفحة247 من الجزء الأول من مؤلفه «المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءاتوالإيضاح عنها» أرى نقله مفيدا للغاية لنا؛ قال، رحمه الله: «في هذهالقراءة بعض الصنعة وذلك لقوله فيما يليه: «يقصّون عليكُم ءايتي فالأشبهبتذكير «يقصّون» التذكير بالياء في قراءة الجماعة: «يأتينكم» فتقول عليهذا: قامت الزيود وقام الزيدون وتذكر لفظ «قام» لتذكير الزيدون، وتؤنث لفظ«قامت «لأن» الزيود مكسر ولا يختص بالتذكير، لقولك الهنود. وقد يجوز «قامتالزيدون» إلا أن قام أحسن. شارك أبي بن كعب في هذه القراءة كل من الأعرج والحسن. كماقرأ أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه أيضا الآية 57 من سورة التوبة كمايلي: «لوْ يجدون ملْجئا أو مغاراتٍ أوْ منْدخلا لولّوا إليه وهمْ يجمحون»؛هكذا «مندخلا» بنون بين الميم والدال وهو من قول الشاعر الكميت؛ قال: لا خطوتي تتعاطى غير موضعها ولا يدي في حميت السكن تندخلُ ومنفعل في هذا شاذ، لأن ثلاثيه غير متعد. تجدر الإشارة إلى أن في هذه اللفظة قراءات آخر. أولها: «مدخلا»، بضم الميم وتشديد الدال، وبها قرأ الجمهور. ثانيها: «مدخلا»، بفتح الميم وتسكين الدال، وبها قرأ يعقوب بن إسحاق الحضرمي وابن محيصن. ثالثها: «مدخلا» بضم الميم وتسكين الدال، وبها قرأ مسلمة بن عبد الله بن محارب ومعناها، مكانا يدخلون فيه أنفسهم. رابعها: «مدخلا» بتشديد الدال والخاء؛ لقد رويت هذه القراءة عن قتادة وعيسى والأعمش. لقدجاءت في نظري المتواضع، والله أعلم، قراءة مسلمة بن محارب هذه لتجانسقراءة سعد بن عبد الرحمن بن عوف لقراءة قوله في نفس الآية «مَغَاراتٍ»هكذا بضم الميم «مُغاراتٍ». أما «مَغَارات» على قراءة الجمهور فجمعمغارة أو مَغَار، وجاز أن يجمع «مَغار» بالتاء وإن كان مذكراً لأنهلايعقل، ومثله إوان وإوانات وجمل سبَطْر وجمال سبَطْرات وحمَّام وحمامات.وأما «مُغارات» فجمع «مُغار». وبهذا تكون معنى الآية: لو يجدون ملجأ أوأمكنة يُغيرون فيها أشخاصهم ويسترون أنفسهم. كما قرأ أبي بن كعب رضيالله عنه وأرضاه أيضا الآية 112 من نفس السورة؛ سورة التوبة كما يلي:«التَّائبينَ العَابدينَ الحامدينَ السَّائحينَ الرَّاكعينَ السَّاجدينالآمرين بالمعروف والناهينَ عن المُنْكر والحافظينَ لحُدود الله وبَشِّرالمُؤْمنينَ». يحتمل أن تكون هذه الألفاظ في آياتنا هذه في قراءة أبي بنكعب في حالة الجر أو تكون في حالة النصب. أما الجمهور فيقرأ: «التَّائبُونالعابِدون» على الرفع. أما على الجر فعلى أن يكون وصفاً للمؤمنين فيقوله تعالى في الآية 111 من سورة التوبة؛ قال سبحانه وتعالى فيها: «إنَّالله اشْتَرى منَ المؤمنينَ أنْفسَهُمْ» التَّائبينَ العَابدينَ». وأماالنصب فعلى إضْمار فعل لمعنى المدح، كأنه قال: أعني أو أمدح «التَّائبينَالعابدين»، كما أننا مع الرفع أضمرنا الرفع لمعنى المدح. شارك أبي بن كعب في هذه القراءة عبد الله بن مسعود، كما تروى عن الأعمش. وقرأأبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه أيضا الآية 58 من سورة يونس كما يلي: «قلْبفضْل الله وبرحمته فبذلك فلْتفرحوا هو خيرٌ ممَّا يجْمعون» بالتاء فيقوله تعالى: «فلْيفْرحوا». شارك أبي بن كعب في هذه القراءة كل من عثمانبن عفان والحسن وأبي رجاء ومحمد بن سيرين والأعرج وأبي جعفر بخلف عنهوالسلمي وقتادة وعاصم بن أبي الصباح العجاج الجحدري البصري وهلال بن يسَافوالأعمش بخلاف عنه وعباس بن الفضل وعمرو بن فائد. ولأبي بن كعب أداء آخر لهذا المقطع من هذه الآية، وهو : «فَبِذالكَ فافْرَحوا». واعتقد،مرة أخرى، أن أبا الفتح عثمان بن جني هو الذي سيشفي غليلنا بتحليلهللقراءتين المذكورتين. قال، رحمه الله، في الصفحة 313 من الجزء الأول منمحتسبه: «أما قراءة أبَيّ هذه» فافْرحوا «فلا نظر فيها، لكن «فلتَفْرحوا»بالتاء خرجت على أصلها، وذلك أن أصل الأمر أن يكون بحرف الأمر وهو اللام،فأصل أضرب لتضرب، وأصل قم لتقم. كما تقول للغائب: ليقم زيد ولْتضرب هند،لكن لما كثر أمر الحاضر، نحو قم واقعد، وادخل واخرج وخذ ودع، حذفوا حرفالمضارعة تخفيفاً، بقي مابعده ودل حاضر الحال على أن المأمور هو الحاضرالمخاطب، فلما حذف حرف المضارعة بقي ما بعده في أكثر الأمر ساكناً فاحتيجإلى همزة الوصل ليقع الابتداء بها فقيل: اضرب، اذهب ونحو ذلك. فإن قيل:لم كان أمر الحاضر أكثر حتى دعت الحال الى تخفيفه لكثرته؟ قيل: لأن الغائببعيد عنك، فإذا أردت أن تأمره احتجت إلى أن تأمر الحاضر لتؤدي إليه أنكتأمره، فقلت: يازيد: قل لعمرو: قم. ويامحمد، قل لجعفر: اذهب؛ فلاتصل الىأمر الغائب إلا بعد أن تأمر الحاضر أن يؤدي اليه أمرك إياه، والحاضر لايحتاج الى ذلك لأن خطابك إياه قد أغنى عن تكليفك غيره أن يتحمل إليه أمركله. ويدلك على تمكن أمر الحاضر أنك لاتأمر الغائب بالأسماء المسمى بهاالفعل في الأمر نحو: صه (أسكت)، ومه (كف)، وايه (زد)، وإيهاً (أسكت)، وحيهل (أعجل)، ودونك وعندك ونحو ذلك. لاتقول: دونه زيد، ولاعليه جعفراكقولك: دونك زيدا وعليك سعدا. وقد شذ حرف من ذلك فقالوا: علي رجلا ليسني.ولهذا المعنى قوي ضمير الحاضر على ضمير الغائب فقالوا: أنت وهو، فلماصاغوا لهما اسما واحدا صاغوه على لفظ الحضور لا لفظ الغيبة، فقالوا: أنتمافضموا الغائب الى الحاضر ولم يقولوا: هما فيضموا الحاضر الى الغائب، فهذاكله يريك استغناء هم بقم عن لتقم ونحوه. وكان الذي حسن التاء هنا أنهأمر لهم بالفرح، فخوطبوا بالتالي لأنها اذهب في قوة الخطاب، فاعرفه ولاتقلقياسا على ذلك: فبذلك فلتحزنوا؛ لأن الحزن لاتقبله النفس قبول الفرح، إلاأن تريد إصغارهم وإرغامهم، فتؤكد ذلك بالتاء على ما مضى». بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي- العلم17/9/2010 |
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية الـمتواترة لمحة موجزة عن قراءة أبي بن كعب، رضي الله عنه
» القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية المتواترة
» لمحة موجزة عن قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
» لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه
» لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
» القرآن المتعبد به هو القراءات القرآنية المتواترة
» لمحة موجزة عن قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
» لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه
» لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى