صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

مُساهمة من طرف abdelhamid الإثنين 10 أغسطس 2009 - 7:19

يحسن، قبل التعرض لقراءته، رضي الله عنه، أن نتشرف بمعرفته. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن، هو: من هو عبد الله بن عباس؟
هو
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو العباس الهاشمي. كان رضي الله
عنه وأرضاه بحراً في التفسير، وإنه بحق حبر الأمة الذي لم يكن على وجه
الأرض في زمانه أعلم منه؛ حفظ المحكم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
عرض القرآن الكريم كله أولاً على أبي بن كعب ثم ثانياً على زيد بن ثابت
وقرأ على علي بن أبي طالب. رضي الله عنهم. عرض عليه القرآن خلق كثير منهم
مولاه درباس المكي وسعيد بن جبير وعكرمة بن خالد وشيخ الإمام نافع المدني
أبو جعفر يزيد بن القعقاع.
ولد ابن عباس قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان
في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام. دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب
ما يرويه لنا سعيد بن جبير وعبيد الله بن أبي يزيد: «اللهم علمه التأويل
وفقهه في الدين».
وروى كريب عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له أن
يزيده الله فهماً وعلماً. وعلى كل حال، مناقبه أكثر من أن تحصى.قال عطاء.
«ما رأيت البدر إلا ذكرت وجه ابن عباس» كان رضي الله عنه طويلا وسيما،
مليح الوجه يخضب بالحناء. روى الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه كان يقرأ
القرآن على قراءة زيد بن ثابت إلا ثمانية عشر حرفا أخذها من قراءة ابن
مسعود. قال عمرو بن دينار: «ما رأيت مجلسا قط أجمع لكل خير من مجلس ابن
عباس للحلال والحرام وتفسير القرآن والعربية والشعر والطعام. قال عكرمة:
«قال ابن عباس: إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر
ديوان العرب.
توفي رحمه الله ورضي عنه بالطائف وقد كف بصره سنة ثمان
وستين وصلى عليه محمد بن الحنفية الذي قال عنه: «اليوم مات رباني الأمة» ؛
رحمه الله رحمة واسعة وألحقنا به مسلمين مؤمنين تائبين طائعين لله رب
العالمين.
قرأ، رضي الله عنه في الآية 61 من سورة البقرة: «مِما تُنبتُ
الأرضُ مِنْ بَقْلها وقِثَّائِها وثُومها...» بالثاء في حين يقرأها
الجمهور: «مِمَّا تُنبتُ الأرضُ مِنْ بَقلها وقِثائها وفُومها...» بالفاء.
يقال في العربية: «الثوم والفوم بمعنى واحد، تماما كما يقولون أيضا» «جدُ
وجدف» كما كانوا يقولون قديما «قام زيد ثمَّ عمرو» و «قام زيد فمَّ عمرو»
فالفاء، كما نرى بدل فيهما جميعاً.
وقرأ عبد الله بن عباس، رضي الله
عنه أيضاً في الآية 102 من سورة البقرة: «.. يُعلِّمونَ النَّاسَ السِّحر
ومَا أنزلَ علَى المَلِكَيْنِ..» بكسر اللام. وهي تقرأ من طرف الجمهور كما
يلي: «.. يُعَلِّمونَ النَّاسَ السِّحْرَ ومَا أنزلَ علَى الْمَلَكَيْن..»
بفتح لام «الْمَلَكَيْن».
قيل إن عبد الله بن عباس يقصد بهذه القراءة
داود وسليمان عليهما السلام. وبما أن لفظ «الْمَلَك» لا يطلقها ربنا عز
وجل على العبد، وعلى الأقل هذا ما تعوده الإنسان ولذا جاز له أن يستغرب
حين يسمع قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه.
تكفل اللغوي الكبير أو
الفتح عثمان بن جني، أمام هذا الحال، بتوضيح الأمر؛ فقال في مصنفه»
المحتسب «في الجزء الأول منه، صفحة 100:» إن قيل: كيف أطلق الله سبحانه
على داود وسليمان اسم «الملك» وإنما هما (عبدان) له تعالى كسائر عبيده من
الأنبياء وغيرهم؟ قيل جاز ذلك لأنه أطلق عليهما اللفظ الذي يُعتاد حينئذ
فيهما، ويطلقه الناس عليهما فخوطب الإنسان على ذلك باللفظ الذي يعتاده أهل
الوقت، ونظيره قوله تعالى في اآية 49 من سورة الدخان: «ذُقْ إنَّكَ أنْتَ
العَزيزُ الْكَريمُ» وإنما هو في النار ذليلا مهاناً، لكنَّهُ خوطب بما
كان يخاطب به في الدنيا، وفيه مع ذلك ضرب من التبكيت له، والإذكار بسوء
أفعاله.
شارك عبد الله بن عباس في قراءته هذه كل من أبي محمد الهلالي
المعروف عندنا بالضحاك بن مزاحم وعبد الرحمن بن أبزى الكوفي.وقرأ عبد الله
بن عباس، رضي الله عنهما، الآية 126 من سورة البقرة التي يؤديها الجمهور
هكذا: «وإذ قَالَ إبراهيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذا بَلَداً ءامناً وارْزُقْ
أهْلَهُ مِنَ الثَّمراتِ مَنْ ءامنَ مِنْهُمْ باللَّهِ والْيَوْمِ الآخِر
قالَ ومَنْ كَفَرَ فأمتِّعُهُ قَليلاً ثُمَّ اضْطَرَّهُ إلَى عَذَابِ
النَّار وبئْسَ الْمصيرُ»، أقول: قرأها هو رضي الله عنه كما يلي: «وإذ
قالَ إبراهيمُ ربِّ اجْعَل هذا بلَداً، ءامِناً وارْزُقْ أهْلَهُ منَ
الثَّمَرَاتِ مَن ءامَنَ مِنهُمْ بِاللَّهِ واليوم الآخر قال ومن كفَرَ
فأمْتِعُهُ قَليلاً ثُمَّ أضطرَّهُ إلى عذابِ النَّارِ وبِئسَ الْمصيرُ»
بسكون الميم وتخفيف التاء في قوله «فأمْتِعُهُ» على الدعاء من إبراهيم صلى
الله عليه وسلم.
أما على قراءة الجماعة: «فأمَتِّعُهُ قَليلاً ثُمَّ
أضْطَرَّهُ» فإن الفاعل في «قال» هو اسم الله تعالى، أي: لمَّا قال
إبراهيم: «رَبِّ اجْعلْ هَذَا بلداً ءامِناً وارْزقْ أهلهُ مِنَ
الثَّمَرَاتِ مَنْ ءامَنَ مِنهمْ باللَّهِ والْيَوْم الآخر «قال الله»
ومَنْ كفَرَ فأمتّعُهُ قَليلاً ثمَّ أضْطَرُّهُ إلَى عذَابِ النَّار».
أمتعنا
ابن جني، رحمه الله بتحليل رائع لقراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما
لهذه الآية فقال: «وأما على قراءة ابن عباس: «فَأمْتِعُهُ قليلاً ثُمَّ
اضْطَرَّهُ إلَى عَذابِ النَّار» فيحتمل أمرين:
أحدهما، وهو الظاهر، أن
يكون الفاعل في «قالَ» ضمير إبراهيم عليه السلام، أي: قال إبراهيم أيضاً:
«ومَنْ كَفَر فَأمْتِّعُهُ يا ربِّ ثمَّ أضْطَرَّهُ يا رب». وحسن على هذا
إعادة «قال» لأمرين:
أحدهما طول الكلام؛ فلما تباعد آخره من أوله أعيدت «قال» لبعدها كما قد يجوز مع طول الكلام ما لا يجوز مع قصره.
والآخر:
أنه انتقل من الدعاء لقوم إلى الدعاء على آخرين، فكأن ذلك أخذ في كلام آخر
فاستؤنف معه لفظ القول، فجرى ذاك مجرى استئناف التصريع في القصيدة إذا خرج
من معنى إلى معنى. وهذا ما جاء في قول الشاعر خفاف بن ندية؛ قال:
فَدعْ ذا ولَكِنْ هَلْ تَرَى ضوءَ بارقٍ يُضيءُ حَبياًّ في ذرَى مُتَألِّق
فإذا جاز أن يصرع وهو في أثناء المعنى الواحد نحو قوله:
ألاَ نادٍ في آثَارهِنَّ الْغوَانِياَ سُقينَ سِمَاماً ما لَهُنّ ومَاليَا
كان
التصريع مع الانتقال من حال إلى حال أحرى بالجواز. فهذا أحد الوجهين. وأما
الآخر فهو أن يكون الفاعل في «قال» ضمير اسم الله تعالى؛ أي: فأمْتعْهُ يا
خالق أو فأمتعه يا قادر أو يا مالك أو يا إله، يخاطب بذاك نفسه عز وجل
فجرى هذا على ما تعتاده العرب من أمر الإنسان لنفسه، كقراءة من قرأ في
الآية 259 من سورة البقرة: «قالَ أعلَمُ أنَّ الله على كل شيء قَدير «أي:
أعلم يا إنسان، وكقول الأعشى:
ودعْ هُرَيرة إنَّ الرَّكبَ مُرَتحِلُ وهل تُطيق وداعاً أيَّها الرَّجُلُ
وهذا يتصل بباب من العربية غريب لطيف وهو باب التجريد، كأنه يجرد نفسه منه ثم يخاطبها.
وهذا
وإن كان مما لا ينبغي أن يجرى في الحقيقة مثله على الله سبحانه لأنه
لاتجزؤ هناك فإنه يجري على عادة القوم ومذهب خطابهم، وقد نطقوا بهذا نفسه
معه، تقدست أسماؤه؛ أنشدنا أبو علي:
أفاءت بنو مروان ظلماً دماءنا وفي الله إن لم يعدلوا حَكَمٌ عدل
فجرى
اللفظ على أنه جُرد منه شيء يسمى حَكما عدلاً، وهو مع التحصيل على حذف
مضاف، أي: وفي عدل الله حَكَم عدل. فتفهم هذه المواضع، فإنَّ قدر الإعراب
يضيع إلى معناه، وإن كان هو أول الطريق ونهجه إليها.
ويجوز في العربية:
«ثُمَّ اضْطرَّ هي بكسر الراء لالتقاء الساكنين ثم تُبَيِّن الهاء ببناء
بعدها. ويجوز أيضاً: «ثُمَّ اضْطَرَّهِ» تكسر الهاء ولا تُتِمَّ الياء.
ويجوز أيضا: «ثُمَّ اضْطرِّه» بكسر الراء وفتحها والهاء الساكنة. ويجوز
أيضاً: «ثُمَّ اضْطرَّ هُو» بضم الراء كما روينا عن قطرب أن بعضهم يقول:
شمَّ يا رجل. ويجوز كذلك الضم بلا واو. ويجوز مع ضم الراء وفتحها تسكين
الهاء.
وقرأ الآية 133 من سورة البقرة التي هي: «أم كُنتم شُهداء إذ
حضر يعقوب الموتُ إذ قالَ لبَنيهِ ما تعبُدونَ من بعْدي قالوا نعبُدُ
إلَهَكَ وإلَهَ آبائكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له
مُسلمون»؛ أقول: «قرأها كما يلي: «أم كُنْتُمْ شُهداءَ إذ حضَرَ يعقُوبَ
الموتُ إذ قال لبَنيهِ ما تعْبدونَ من بعْدي قالوا نعبدُ إلهَكَ وإلاهَ
أبيك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلاهاَ واحداً ونحنُ له مسلمونَ» بتوحيد
قوله تعالى «ءابائكَ».
قال العلامة الشيخ أحمد بن محمد البنا في كتابه
«إتحاف فضلاء البشر بالقراءة الأربعة عشر» في الصفحة 419 مبررا قراءة ابن
عباس هذه (هو يذكر الحسن لأنه لا يهتم في كتابه الأربع عشر؛ ومن حسن الصدف
أن يكون الحسن شارك ابن العباس في هذه القراءة كما شاركه أيضاً فيها يحيى
بن يعمر وعاصم الجحدري وأبو رجاء لكن بخلاف عن هذا الأخير)؛ أقول قال
البنا عن هذه القراءة: «وعن الحسن» «وإلَه أبيكَ إبراهيمَ» بالإِفراد ،
فيكون «إبراهيمَ» بدلاً منه وعلى قراءة الجمهور إبراهيم» وما بعده بدل من
«ءابائِكَ»، بدلاً تفصيلياً وأجيز أن يكون منصوباً بإضمار «أعْنِي».
يظهر
لي، والله أعلم، أن ابن مجاهد، رحمه الله، كان يرى أن قراءة «وإلهَ
أبِيكَ» بالتوحيد قراءة صحيحة لذا رد عليه أبو الفتح ابن جني قائلا:«قول
ابن مجاهد بالتوحيد لا وجه له وذلك أن أكثر القراءة»: «وإلَهَ ءابائكَ
جمعاً كما ترى؛ فإذا كان أبيك واحدا كان مخالفاً لقراءة الجماعة، فتحتاج
حينئذ إلى أن يكون «أبيك» هنا واحداً في معنى الجماعة، فإذا أمكن أن يكون
جمعاً كان كقراءة الجماعة ولم يحتج فيه إلى التأول لوقوع الواحد موقع
الجماعة، وطريق ذلك أن يكون «أبيكَ» جمع «أب» على الصحة، على قول الجماعة:
«هؤلاء أبون أحرار»، أي : «آباء أحْرار». ويؤكد أن المراد به الجماعة ما
جاء بعده من قوله: «إبرَاهيمَ وإسمَاعيلَ وإسحاق» ، فأبدل الجماعة من
«أبيك» ، فهو جماعة لا محالة لاستحال إبدال الأكثر من الأقل؛ فيصير قوله
تعالى: «وإلَهَ أبيكَ» كقوله: «وإلَهَ ذَويكَ». ومن ذلك ما حكاه ابن مجاهد
عن ابن عباس أنه قال لا تقرأ في الآية 137 من سورة البقرة: «فَإنْ آمَنُوا
بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ» فإن اللَّه ليس له مثل ولكن اقرأوا: «بِمَا
آمَنْتُمْ بِهِ».
قال وروى عنه أنه كان يقرأ: «بالَّذي آمَنْتُمْ
بِهِ». قال: وقال ابن عباس: «في مصحف أنس بن مالك وأبي صالح وابن مسعود:
«فإن آمنوا بما آمنْتُم بهِ».
قال أبو الفتح: هذا الذي ذهب إليه ابن
عباس حسن لكن ليس لأن القراءة المشهورة مردودة، وصحة ذلك أنه إنما يراد
فإنْ آمنوا بمَا آمنتم به كما أراده ابن عباس وغيره غير أن العرب قد تأتي
بـ «مِثْلِ» في نحو هذا توكيداً وتسديدا.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
1/8/2009
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه. (تابع)

مُساهمة من طرف abdelhamid الإثنين 10 أغسطس 2009 - 7:21

رأينا
في الحلقة السابقة أنه، رضي الله عنه، قرأ في الآية 61 من سورة البقرة:
«مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وثومها...» بالثاء في حين يقرأها
الجمهور بالفاء.
وقرأ في الآية 102 من سورة البقرة: «..فأمتعه
قليلا...» بسكون الميم وتخفيف التاء في قوله «فأمتعه» على الدعاء من
إبراهيم صلى الله عليه وسلم. وقرأ الآية 133 من سورة البقرة: قالوا نعبد
إلهك وإله أبيك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون»
بتوحيد قوله تعالى «آبائك».
وقرأ الآية 137 من سورة البقرة: «بما آمنتم
به» وروى عنه: «بالذي آمنتم به» وقال: «هي في مصحف أنس بن مالك وابن
مسعود: «فإن آمنوا بما آمنتم به».
وأواصل، بعون الله وقوته، عرض قراءته، راجيا منه سبحانه وتعالى أن يساعدنا على فهمها والاستفادة منها.
قرأ،
رضي الله عنه، في الآية 158 من سورة البقرة: «فلا جناح عليه ألا يطوف
بهما». أما قراءة الجماعة: «فلا جناح عليه أن يطوف بهما» تقربا بذلك، أي:
فلا جناح عليه أن يطوف بهما تقربا بذلك إلى الله تعالى؛ لأنهما من شعائر
الحج والعمرة. ولو لم يكونا من شعائرهما لكان التطوف بهما بدعة لأنه إيجاب
أمر لم يتقدم إيجابه، وهذا بدعة كما لو تطوف بالبصرة أو الكوفة أو بغيرهما
من الأماكن على وجه القربة والطاعة كما تطوف بالحرم لكان بذلك مبتدعا.
وأما قراءة من قرأ: «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما» فظاهره أنه مفسوح له في
ترك ذلك، كما يفسح للإنسان في بعض المنصوص عليه المأمور به تخفيفا، كالقصر
بالسفر وترك الصوم ونحو ذلك من الرخص المسموح فيها. وقد يمكن أن تكون (لا)
على هذه القراءة زائدة، فيصير تأويله وتأويل قراءة الكافة واحداً، حتى
كأنه قال: «فَلا جُناحَ علَيْه أنْ يَطَّوَّفَ بِهمَا»، وزاد «لا» كما
زيدت في قوله تعالى في الآية 29 من سورة الحديد؛ قال عز من قائل:
«لِئَلاَّ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتَابِ أنْ لايقْدرُونَ على شيْءٍ منْ فَضْل
الله»، أي: ليعلم. وكقول العجاج:
قد يكسب المال الهدان الجافي من غير لاعَصْف ولا اصطراف
أي: من غير عصف، وهوكثير.
شارك
عبد الله بن عباس، رضي الله عنه في هذه القراءة كل من علي بن أبي طالب
وسعيد بن جبير وأنس بن مالك ومحمد بن سيرين أبو بكر بن أبي عمرة البصري
وأبي بن كعب بن قيس أبو المنذر الأنصاري وعبد الله بن مسعود وميمون بن
مهران.
وقرأ، رضي الله عنه، في الآية 260 من سورة البقرة: «خُذْ
أرْبعَةً مَنَ الطَّيْر فَصِرِّهُنَّ» مكسورة الصاد مشددة الراء وهي
مفتوحة، وقراءة عكرمة: «فَصَرِّهُنَّ» بفتح الصاد، وقال: قَطِّعْهُنَّ.
وعن عكرمة أيضاً: «فَصُرِّهُنَّ إلَيْكَ» بضم الصاد وتشديد الراء، ولم يقل
مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة. قال: وهو يحتمل الثلاثة كَمُدَّ ومُدَّ
ومُدِّ. وأعتقد، والله أعلم، أن عكرمة الذي يقرأ بهذا هو عكرمة أبو عبد
الله المفسر مولى بن عباس لا عكرمة بن خالد بن العاص أبو خالد المخزومي
المكي ولا عكرمة بن سليمان بن كثير بن عامر أبو القاسم المكي؛ وجميعهم،
رضي الله عنهم وأرضاهم لهم مكانة عظيمة في القراءات القرآنية؛ فالأول روى
عن مولاه ابن عباس وعن أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعرض عليه أبو عمرو بن
العلاء والثاني روى القراءة عرضاً عن أصحاب ابن عباس وعرض عليه هو أيضاً
أبو عمرو بن العلاء والثالث عرض عليه أحمد بن محمد البزي الراوي الأول عن
ابن كثير المكي وعنه تفرد البزي بحديث التكبير من الضحى.
علق أبو الفتح
ابن جني على قراءة عبد الله بن عباس هذه «فَصِرَّهُنَّ» تعليقاً علمياً
دقيقاً يحسن بنا قراءته والاستفادة منه؛ قال في محتسبه صفحة 136 من الجزء
الأول: «أما «فَصِرَّهُنَّ» بكسر الصاد وتشديد الراء فغريب، وذلك أن
(يَفْعِل) في المضاعف المتعدي شاذ قليل وإنما بابه فيه (يَفْعُل)، كصَبَّ
الماء يَصُبَّهُ وشَدَّ الحبل يَشُدَّهُ وفَرَّ الدَّابَّة يَفُرّها.
(فَرَّ الدّابة: أي كشف عن أسنانها ليعرف ماسنها). ثم إنه قد مر بي مع هذا
منْ يَفْعِلُ في المتعدي حروف صالحة، وهي: نم الحديثَ يَنُمه وينِمّهُ،
وعلَّهُ بالماء يعُلَّه ويَعِلَّهُ وهرَّ الحربَ يهُرَّهَا ويَهِرّهَا،
وغذَّ العِرقُ يغُذّهُ ويَغِذّهُ. وقالوا: حبَّهُ يُحِبّهُ بالكسر لاغير.
وأخبرنا
أبو بكر محمد بن الحسن أن بعضهم قرأ في الآية 176 من سورة آل عمران: «لَنْ
يَضِرُّوا اللّهَ شَيْئاً» بكسر الضاد في أحرف سوى هذه، ولمجيء المتعدِّي
من هذا مضموماً - وبابه وقياسه الكسر - فيكون «صِرِّهُنَّ» من هذا الباب
على صَرُّهُ يَصِرَّهُ. وأما «صُرِّهُنَّ» بضم الصاد فعلى الباب؛ أعني: ضم
عين يَفْعُلُ في مضاعف المتعدي. والوجه ضم الراء لضم الهاء من بعدها
والفتح والكسر من بعد. وأما: «فصرهُنّ فهذا» فعلْهُنّ (الوزن هنا مع
ملاحظة حرف العلة المحذوف كما لا يخفى) من صرّي يُصِرّي: إذا حبس وقطع قال
الأغلب العجلي:
ربّ غلام قد صرى في فقرته ماء الشباب عنفوان سَنْبَته
أي
حبسه وقطعه. ومنه الشاة المصرّاة أي المحبوسة اللبن المقطوعته في ضرعها عن
الخروج. وماء صرَي وصِري: إذا طال حبسه في موضعه. وقرأ ابن عباس، رضي الله
عنه في الآية 13 من سورة آل عمران: «يرَونَهم مثليهمْ» بياء مضمومة. يرى
الباحث اللغوي الكبير ابن جني: «أن هذه القراءة حسنة»، يقول هذا، رحمه
الله رغم أنها قراءة شاذة في نظر الجم الغفير من أئمة أهل هذا الفن. ثم
يبرر وصفه لهذه القراءة بالحسنة، فيقول: «وذلك أن رأيت وأرى أقوى في
اليقين من «أريت وأرى، تقول: أّرى أن سيكون كذا، أي: هذا غالب ظني، وأرى
أن سيكون كذا، أي: أعلمه وأتحققه، وسبب ذلك أن الانسان قد يريه غيره الشيء
فلا يصح له، فمعناه إذا أن غيره يشرع في أن يراه ولا أنه هو لا يراه. وأما
أرى فإخبار بيقين منه، فكذلك هذه الآية: «يروْنهُم مثليهم»، أي: يصور لهم
ذلك وإن لم يكن حقا، لأن الشيء الواحد لا يكون اثنين في حال واحد لكن قد
يظن ويتوهم شيئين بل أشياء كثيرة ومثله قوله تعالى في الآية 43 من سورة
الأنفال: «إذ يريكَهمُ الله في منَامِكَ قليلا» وكذا في الآية 44 من نفس
السورة: «وإذ يريكُموهمُ إذ الْتقيتُم في أعْيُنكمْ قليلا»، فهذا يحسن هذه
القراءة. وأما قراءة الجماعة: «يرَوْنهم» فلأنها أقوى معنى، وذلك أنه أوكد
لفظا، أي حتى لا يقع شك فيهم ولا ارتياب بهم أنهم مثلاهم، فهذا أبلغ في
معناه من أن يكون مر يريهم ذلك فقد يجوز أن يكون الشيء الواحد شيئين اثنين
فيما هو لم يكن الا واحدا.
ومما جاء مفصولا فيه بين أرى وأُرى قول الشاعر الممزق العبدي:
ترى أو تُراءى عند معقد غرزها تهاويل من أجلاد هرّ مؤوّم
فلما
قال (ترى) استكثر ذلك لأنه مع التحصيل لا حقيقة له فأتبعه بما لأن له
القول الأول، فقال: (أو تُرى). (ينظر هذا في المحتسب، صفحة 154 وما بعدها
من الجزء الأول).
أما نافع المدني فقد انفرد، من السبعة، بقراءة هذه
اللفظة بالتاء «ترونَهمْ». اندرج معه، من غير السبعة، أبو جعفر يزيد بن
القعقاع ويعقوب بن اسحاق الحضرمي والحسن البصري. وقرأها الباقون من السبعة
بالياء «يرونهم». شاركهم في هذه القراءة، من غير السبعة طبعا، خلف بن هشام
البزار بصفته من الثلاثة المتممة للعشرة لا بصفته راو عن حمزة الزيات، كما
شاركهم أيضا ابن محيصن محمد بن عبد الرحمن المكي ويحيى بن المبارك اليزيدي
وسليمان بن مهران الأعمش. وقرأ ابن عباس، رضي الله عنه في الآية 146 من
سورة آل عمران: «وكأي من نبيّ قُتلَ معهُ رُبّيّونَ» بضم الراء. ويروي عنه
قتادة قراءة أخرى، إنه يروي عنه «رَبّيونَ» بفتح الراء.
شارك ابن عباس
في قراءته لهذه اللفظة بالضم كل من علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود
وعكرمة والحسن البصري وأبي رجاء وعمرو بن عبيد وعطاء بن السائب أبو يزيد
الثقفي الكوفي.
الضم في «بُيون» تميمية والكسر أيضا لغة. قال يونس:
«الربة» الجماعة. كان الحسن البصري يقول: «الربيون» : العلماء الصبر. قال
قطرب: والجماعة أيضا؛ أي: فرق وجماعات. كان ابن عباس يقول: «الواحدة ربوة،
وهي عنده عشرة آلاف، لكن قطرب أنكرها وقال: لدخول الواو في الكلمة، وهذا
لا يلزم لأنه يجوز أن يكون بني من «الربوة» فعيلا كبطيخ فصار ربي ومثله من
عزوت عزي، ثم جمع فقيل: «رِبيون». وأما «رَبيون» بفتح الراء فيكون الواحد
منها منسوب الى الرَّب ويشهد لهذا قول الحسن البصري: «إنهم العلماء
الصبر». وليس ننكر أيضا أن يكون أراد رِبيون ورُبيون ثم غير الأول لياء
الإضافة كقولهم في أمس: «إمسي. وقرأ في الآية 159 من سورة آل عمران مضيفا
إليها اللفظ (بعض) وأداها كما يلي: «وشاورهم في بعض الأمر» وهي الآية التي
يقرأها الجمهور هكذا: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب
لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل
على الله إن الله يحب المتوكلين».
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة
على أنك إذا قلت: شربت ماءك، وإنما شربت بعضه كنت صادقا. كذلك إذا قلت:
أكلت طعامك وإنما أكلت بعضه. ووجه الدلالة منه قراءة الباقين: «وشاورهم في
الأمر» والمعنى واحد في القراءتين، ونحن أيضا نعلم أن الله سبحانه وتعالى
لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «وشاورهم في الأمر» أي في جميعه
كشرب الماء وتناول الغداء وإنما المراد به العاني من أمر الشريعة وما أرسل
عليه السلام له. ومع هذا قد قال سيبويه في باب الاستقامة والاستحالة من
الكلام فأما المستقيم الكذب فهو قولك: «حملت الجبل وشربت ماء البحر ونحوه.
فجعله إياه كذبا يدلك على أن مراده هنا بقوله: «ماء البحر»: جميعه، لأنه
لا يجوز أن يشرب جميع مائه، فأما على العرف في ذلك فلا يكون كذبا.
وقرأ،
رضي الله عنه وأرضاه في الآية 175 من سورة آل عمران: «يخوفكم أولياءه» وهي
الآية التي يقرأها الجمهور هكذا: «إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا
تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين».
فسر ابن عباس نفسه هذا المقطع من
الآية فقال: المعنى يخوفكم أولياءه؛ أي بأوليائه أو من أوليائه»، يريد أن
يقول لنا، رضي الله عنه، أن حذف حرف الجر ووصل الفعل الى الاسم فنصب،
تماما كما قال سبحانه وتعالى في الآية 2 من سورة الكهف: «لينذر بأسا
شديدا»، لينذر محمد أولطيفة البلدي HD 4/8/2009
المجلس البلدي لمدينة
العيون يعقد دورته العادية لشهر يوليوز 2009 ترأس الأخ مولاي حمدي ولد
الرشيد رئيس المجلس البلدي لمدينة العيون عضو اللجنة التنفيذية لحزب
الاستقلال الدورة العاشرة لشهر يوليوز 2009 بحضور السيد الخليفة الأول
للسيد العامل و أعضاء المجلس، في البداية رحب السيد الرئيس بأعضاء المجلس
الجدد باعتبار أن هذه أول دورة بعد الانتخابات الجماعية الأخيرة وأكد بأنه
سيعمل مع أعضاء المجلس بكل جد وإخلاص من أجل تحقيق التنمية المنشودة للرقي
بمدينة العيون الى الأفضل وخدمة مصالح ساكنة المدينة مذكرا بما تحقق خلال
السنوات الست الماضية وما سينكب عليه المجلس قريبا للمضي في المسيرة
التنموية التي يراهن المجلس على أن تستمر دون توقف ثم بعد ذلك تلا نقط
جدول أعمال هذه الدورة الذي جاء كالتالي:
1 ـ الاستعداد للاحتفاء بعيد العرش المجيد.
2 ـ الدراسة والمصادقة على النظام الداخلي للمجلس.
3 ـ تشكيل لجان المجلس البلدي.
4 ـ الإذن للسيد الرئيس بالترافع في القضايا المرفوعة ضد أو لحساب الجماعة خلال سنة 2009.
5 ـ انتخاب ممثل الجماعة الحضرية للعيون في مجموعة الجماعات المحلية بالاقليم.
وقد
أكد العرض الذي تلى مناسبة الاحتفال بعيد العرش المجيد أن الاحتفال خلال
هذه السنة له صبغة خاصة بجميع المقاييس حيث يصادف الذكرى العاشرة لتربع
صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين ويعرف القاص
والداني أن كل هذه السنوات كانت مليئة بالعطاءات والإنجازات الشاملة.
وبهذه
المناسبة أعلن المجلس أن سكان هذه المدينة جنود مجندون وراء عاهل البلاد
جلالة الملك من أجل تحقيق مراحله وأهدافه النبيلة من أجل مغرب موحد من
طنجة إلى لكويرة تنعم فيه الأقاليم الجنوبية بحكم ذاتي موسع تحت ظل جلالة
الملك محمد السادس.
وأكد العرض أن مدينة العيون منتخبين وساكنة ستنفر
خفافا وثقالا رجالا ونساء من أجل أن تكون الإحتفالات خلال هذه السنة في
مستوى مرموق في جميع مناحيها وعلى مختلف مستوياتها وقد بادر المحل خلال
الأيام السابقة الى تزيين كل الشوارع والأزقة وساحات المدينة وكذا
البنايات الادارية وبعد ذلك تمت قراءة بنود وأهداف القانون الداخلي للمجلس
وقد طرحت بعض الملاحظات الطفيفة من طرف بعض الأعضاء وأخذت بعين الإعتبار.
ثم
فتح الباب أمام الأعضاء لاختيار اللجان الأربع التي أعطاها الميثاق
الجماعي الأخير للمجالس المنتخبة حيث تم تسجيل كل عشرة أعضاء داخل كل لجنة
بالإضافة الى الأعضاء بصفة إستشارية كما أنتخب الأخ الراكب زيو بإجماع
الأعضاء الحاضرين كممثل للجماعة الحضرية للعيون في مجموعة الجماعات
بالأقاليم.
وفي أخير هذه الدورة أكد الأخ أحمد لخريف النائب الأول
للرئيس أن الأعضاء عبروا خلال هذه الدورة عن روح التسامح والأخوة والمحب
وساهموا جميعا في إنجاح هذه الدورة، معتبرا أن الجميع سيساهم في تنمية
المدينة والإقليم وتمثيل ساكنتها أحسن تمثيل من أجل مستقبل زاهر خصوصا أن
جلالة الملك يعطي عناية خاصة لتنمية الأقاليم الجنوبية. وشكر الأعضاء على
الجهد الذي بذلوه لإنجاح هذه الدورة وإقتراحاتهم الهادفة والبناءة.
وقد وافق الأعضاء على جميع نقط جدول أعمال هذه الدورة.
مولاي لمباركي: القرآن؛ وفيه إضمار، أي لينذر الكافرين عقاب الله. وهذا العذاب الشديد قد يكون في الدنيا وقد يكون في الآخرة.
في
هذه القراءة التي قرأ بها ابن عباس دلالة على إرادة المفعول في (يخوف)
وحذفه في قراءة الجمهور: «يخوف أولياءه». وليس هذا كقولنا: «فلان يخوف
غلامه ويخوف جاريته من ضربه إياهما وإساءته إليهما؛ فالمحذوف هنا هو
المفعول الثاني وهو في الآية المفعول الأول على ما ذكرنا قبل.
شارك ابن
عباس في هذه القراءة كل من عكرمة وعطاء. وقرأ ابن عباس أيضا في الآية 19
من سورة النساء: «بفاحشة مبينة» مكسورة الباء ساكنة الياء وهي عند
الجمهور: «.. إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف..». يقال بان
الشيء وأبنته، وأبان وأبنته واستبان واستبنته وتبين، وهو كثير.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
7/8/2009
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty رد: لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

مُساهمة من طرف abdelhamid الإثنين 12 أكتوبر 2009 - 6:28

<
نواصل بعون الله وقوته، البحث في قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه.
وصلنا معه، حتى الآن، كما لاشك لاحظتم إلى الآية 139 من سورة الأنعام التي
هي:
«وقالوا ما في بُطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا».. حيث قرأ فيها كما بينا قوله: «خالصة» بالرفع.
وقرأ،
رضي الله عنه، في الآية 40 من سورة الأعراف التي هي: «إن الذين كذبوا
بآياتِنا واستكْبروا عنها لا تُفتَّح لهم أبوابُ السَّماء ولا يدخلون
الجنَّة حتى يلجَ الجَمَلُ في سمًّ الخياط وكذلك نجزي المُجرمينَ» . أقول:
قرأ، هو رضي الله عنه: «حتى يلجَ الجُمَّلُ في سمَّ الخِياط» بضم الجيم
وفتح الميم بعدها مشددة:
شارك الإمام عبد الله بن عباس في هذه القراءة
كل من سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وأبو العلاء بن الشَّخير، كما رويت
أيضاً عن أبي الرجاء.
ولابن عباس قراءة ثانية لهذه اللفظة وهي: «حتى
يلجَ الجُملُ في سمّ الخياط» بضم الجيم وفتحة الميم مخففة. شاركه في هذه
القراءة الأخيرة كل من سعيد بن جبير ومجاهد لكن بخلاف عنهما هذه المرة،
وانضم إليهم في قراءتها عبد الكريم وحنظلة:
وله، رضي الله عنه قراءة
ثالثة لهذه اللفظة وهي: «حتى يلجَ الجُمل في سم الخياط» بضم الجيم وميم
ساكنة. شاركه في هذه القراءة سعيد بن جبير.
وله، رضي الله عنه كذلك في هذه اللفظة قراءة رابعة وهي: «حتى يلجَ الجمل في سم الخياط» بضم الجيم والميم مع تخفيف هذه الأخيرة.
في
هذه اللفظة (الجمل)، في هذه الآية قراءة أخرى، قرأ بها أبو السمال، لقد
قرأ، رحمه الله: «حتى يلجَ الجَمل في سمِّ الخياط» مفتوحة الجيم ساكنة
الميم.
لقد أطلق العرب قديما على الحبل الغليظ من القنَّب (الجُمل)
بالتثقيل كما أطلقوا عليه (الجُمل) بالتخفيف. ويظهر أنهم أطلقوا هاذين
الصيغتين على حبل السفينة كذلك. وأما (الجُمل) فيجوز أن يكون جمع «جمل
كأسدِ وأسد ووثن ووُثن.
وأما (الجَمْلُ) فقد يكون مخففاً من المفتوح وإن كان بعض اللغويين يستبعدون ذلك.
كما
قرأ، رضي الله عنه، في الآية 57 من سورة الأعراف، وهي: «وهو الذي يُرسل
الرياح بُشراً بينَ يدي رحمته حتى إذا أقلَّت سحاباً ثِقالا سقناه لبلد
ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم
تذكرون»، قرأ فيها: «وهو الذي يرسل الرياح بُشرا بينَ يدي رحمته» بالباء
مضمومة والتنوين.
شاركه في هذه القراءة السلمي وعاصم لكن بخلاف عنهما.
يحسن، أعتقد، أن أشير إلى أنَّ القراء اختلفوا اختلافاً كبيراً في قراءة
هذه الكلمة « بُشرا» لقد قرأها، مثلا، أبو عبد الرحمان: «بَشْرا» بفتح
الباء ساكنة الشين.
و«بَشرا» هذه هي مصدر في موضع الحال، كقول الله
تعالى في الآية 260 من سورة البقرة: «ثم ادعهن يأتينك سعيا»، أي: ساعيات،
فكذلك «بشرا»، أي: باشرات في معنى مبشرات.
يقال: بشرت الرجل أبشره
بشراً، فأنا مبشر وهو مبشور، وأبشرته أبشره فأنا مبشر وهو مبشر وبشرته
تبشيراً فأنا مبّشر وهو مُبشر وبَشر بالأمر يَبشر به فهو بشر كفرح به يفرح
فرحاً وهو فرح.
و«البِشارة» حسن البشرة. لذا يقال لما يفرح به «بِشارة» لأن الإنسان إذا فرح حسنت بشرته.
وقرأ:
«بُشرا» بباء مضمومة والتنوين السلمي وعاصم بخلاف عنهما، وهي قراءة تنسب
أيضاً لابن عباس. ومعلوم أن «بُشرا» هي جمع «بشير»، لأن الريح تبشر
بالسحاب في معظم الأحيان. وقرأها محمد بن السميفع وابن قطيب: «بشرى» غير
منونة على فَعلى، إنها جاءت منصوبة على الحال وتعني: «مبشرات على ما مضى».
وقرأ أبو عائشة مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي: «نشرا» بفتح النون والشين.
وقرأ:
«نُشرا» الحسن البصري بخلاف عنه بضم الميم وجزم الشين، والحسن البصري من
القراء الأربعة عشر. شاركه في قراءته هذه قتادة وأبو الرجاء والجحدري وسهل
بن شعيب الكوفي.
أما «نُشرا» التي قرأ بها هؤلاء فهي، ولاشك، تخفيف:
«نشرا» بضم النون والشين التي هي قراءة متواترة، قرأ بها من السبعة الإمام
نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري.
و«النشر» بضم النون
والشين جمع جمع «نشور» لأنها تنشر السحاب وتستدره. أما التثاقل فيها، أي:
النطق بها بضمتين فنجدها في لغة الحجازيين، والتخفيف في ذلك لتميم.
وردت هذه اللفظة في موضعين آخرين من القرآن الكريم، لقد وردت في سورة الفرقان في الآية 48 منها وجاءت أيضا في الآية 6 من سورة النمل.
أما القراءات المتواترة في لفظتنا هذه وهي: «بُشرا» في المواضع الثلاثة التي توجد فيها فهي:
- «نشرا» قرأ بها في المواضع الثلاثة الإمام نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري.
- «نُشرا»، بضم النون وسكون الشين انفرد بقراءتها ابن عامر الشامي.
- «بُشرا» بضم الباء وسكون الشين، انفرد بقراءتها عاصم الكوفي.
-
«نَشرا» بفتح النون وسكون الشين، يقرأ بها من السبعة الأخوان حمزة
والكساني. وقرأ، رضي الله عنه في الآية 127 من سورة الأعراف التي هي:
«وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وءالهتك
قال سنقتّل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون».
أقول: قرأ هو فيها: «ويذرك وإلاهتك» بكسر الهمزة ومد اللام بالفتح.
شاركه
في هذه القراءة كل من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعبد الله بن مسعود
وأنس بن مالك وعلقمة والجحدري والتيمي وأبو طالوت عبد السلام بن شداد وأبو
الرجاء.
ومعنى «إلا هتك» : عبادتك ومنه «إلاه» أي: مستحق العبادة.
سمى
العرب قديماً الشمس «إلاهة» بكسر الهمزة وفتحها وضمها كما ورد في القاموس
المحيط، سموها هكذا لأنهم كانوا يعبدونها، ومن هنا قالوا: «تأله تألها.
قال رؤبة: لله در الغانيات المدة** سبحن واسترجعن من تألهي أي: عبادتي.
ويقال: لاهِ أبوك، ولهْ أبوك ولهي أبوك وله أبوك.
وقرأ الأشهب: ويذرك
بإسكان الراء. إنها في الحقيقة مخففة ليس إلا، كما يخفف أبو عمرو البصري
قوله تعالى: «يأمركم» في الآية 58 من سورة النساء، ويقرأ: «إن الله
يأمركم» بإسكان الراء.
كما يقرأ بعض «رسلنا» بإسكان اللام استثقالا للضمة مع توالي الحركات.
ولم
يسكن أبو عمرو «يأمرهم» الواردة في الآية 157 من سورة الأعراف كما أسكن «
يأمركم» وذلك لخفاء الهاء وخفتها، فجاء الرفع على واجبه، وليس الكاف في
«يأمركم» بخفية وخفيفة خفة الهاء ولاخفاءها، فثقل النطق بها فحذفت ضمتها.
وقرأ نعيم بن ميسرة والحسن البصري لكن بخلف عنه: «ويذرك» بالرفع عطفا على: «أتَذر موسى»
في
هذه الآية الكريمة لفظة اختلف السبعة في قراءتها، هذه اللفظة هي:
«سَنُقَتِّل» التي قرأها هكذا بضم النون وتشديد التاء أبو عمرو البصري
وابن عامر الشامي والكوفيون عاصم وحمزة والكسائي، وقرأها بفتح النون
وتخفيف التاء الحرميان نافع المدني وابن كثير المكي واندرج معهما من
الثلاثة المتممة للعشرة أبو جعفر يزيد بن القعقاع.
وقرأ أيضا في الآية
16 من سورة يونس التي هي: «قُل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به
فقد لبِثت فيكم عُمرا مِن قَبْله أفلا تعقلون». قرأ، رضي الله عنه: «ولا
أدْرَأتُكم به» بتحويل الياء ألفا على لغة بني عقيل؛
قال الشاعر:
لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقي على الأرض قيسي يسوق الأباعرا


وقال آخر:
ألا آذنتْ أهل اليمامة طيِّء بحرب كناصات الأغر المشهر

ولقد شارك كل من الحسن البصري وأبو بكر محمد بن سيرين بن أبي عمرة البصري عبد الله بن عباس في هذه القراءة.
يخبرنا أبو حاتم أنه سمع الأصمعي ذات يوم يقول: «يا أبا عمرو بن العلاء: هل لقراءة الحسن: «ولا أدْرَأَتُكُم به» وجه؟ فقال: لا».
وقال أبو عبيد، من جهة أخرى: لا وجه لقراءة الحسن البصري: «ولا أدْرَأتُكُم به» إلا الغلط.
قال
النحاس: «معنى قول أبي عبيد: لا وجه إن شاء الله على الغلط؛ لأنه يقال:
دريت: أي: علمت وأدريت غيري، ويقال: درأتُ أي: دفَعْتُ؛ فيقع الغلط بين
«دَرَيْتُ» و«دَرَأْتُ».
قال أبو حاتم: يريد الحسن، فيما أحسب: «ولا
أدْرَيْتُكُم به» فأبدل من الياء ألفا على لغة بني الحارث بن كعب، يبدلون
من الياء ألفا إذا نفتح ما قبلها كما في الآية 63 من سورة طه: «إن هَذَانِ
لَسَاحِرَان».
وقال المهدوي: «ومن قرأ: «ولا أدْرَأَتُكم به» فوجهه أن أصل الهمزة ياء، فأصله: أدْريْتُكم «فقلبت الياء ألفاً وإن كانت ساكنة.
ومعنى
قول الآية: «قُل لوْ شاء الله ما تَلُوْتُهُ عليْكُم ولا أدراكم به» هذه
على هذه القراءة: «لو شاء الله ما أرسلني إليكم فتلوت عليكم القرآن ولا
أعلَمَكُم الله ولا أخبركم به.
وقرأ ابن كثير بخلف عن البزي «ولا
أدْرَاكُم به» بغير ألف بين اللام والهمزة، والمعنى: لو شاء الله لأعلمكم
به من غير أن أتلوه عليكم؛ فهي لام التوكيد دخلت على ألف أفعل.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
العلم
25/9/2009-
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty رد: لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

مُساهمة من طرف abdelhamid الإثنين 12 أكتوبر 2009 - 6:29

نواصل،
بعون الله وقوته، البحث في قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه. كنا
رأينا في آخر الحلقة السابقة كيف قرأ، رضي الله عنه في الآية 16 من سورة
يونس قوله تعالى: «قلْ لو شاءَ الله ما تلوتُهُ عليكُمْ ولا أدراكمْ به..»
وقرأ،
رضي الله عنه، لكن بخلاف عنه في الآية 5 من سورة هود التي : «ألا إنَّهُمْ
يثْنُون صدورهمْ ليستخفُوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما»
يعلنون إنه عليم بذات الصدور»؛ أقول: قرأ هو: «تثنوني صدورهم «على وزن
«تفعوْعَلَ».
شاركه في هذه القراءة كل من مجاهد وأبي سليمان يحيى بن
يعمر العدواني البصري ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن أفزي والجحدري وابن أبي
إسحاق وأبي رزين مسعود بن مالك وأبي جعفر محمد بن علي وعلي بن حسين وزيد
بن علي وجعفر بن محمد والضحاك وظالم بن عمرو بن سفيان أبو الأسود الدؤلي.
ولابن عباس قراءة أخرى لهذه اللفظة، وهي: «تثنون صدورهم». بفتح التاء وكسر النون الثانية مع تشديدها.
وقرأ
عروة الأعشى: «تثنين صدورهم». ورويت عنه أيضا : يثنون صدورهم»؛ كما رويت
هذه القراءة عن مجاهد أيضا. ولابن عباس قراءة ثالثة لهذه اللفظة هي:
«تثنون صدورهم». النون الثانية مكسورة فقط دون شد.
وبعضهم رأى أن سعيد
بن جبير قرأ: «يثنون صدورهم» بضم الياء والنون. قال ابن جني عن قراءة ابن
جبير هذه في الصفحة 319 من الجزء الأول من محتسبه: «أحسبها وهما».
أما
قراءة: «تَثْنوْني صُدورَهمْ» فجاءت على وزن «فتفعوعل» وهي من أبنية
المبالغة لتكرير العين، كقولك: «أعشبَ البلدُ» فإذا كثر فيه ذلك قيل:
«اعشوشب»، و«اخلولقت السماء للمطر: إذا قويت امارة ذلك، و«اغدودن» الشعر:
إذا طال واسترخى، أنشد أبو علي الفارسي قال:
وقامت ترائيك مُغْدَوْدِنا إذا ماتنوء به آدها
( تنوء به: تنهض به مثقلة وآدها: بلغ منها المجهود).
وأما: «تَثْنَئِنَّ» التي قرأ بها عروة الأعشى فجاءت على وزن «تفعلل» من لفظ الثِّنِّ» ومعناه، وهو ما هش وضعف من الكلإ؛
أنشد أبو زيد:
يأيها الفُصيّل المُعنّى إنك ريّان فصَمِّتْ عَنِّي
يكفي اللقوح من ثن
وأصله
«تثْنان» فحركت الألف لسكونها وسكون النون الأولى، فانقلبت همزة
و«صُدُورهمْ» مجيبة لهم إلى أن يثنوها ليستخفوا من الله سبحانه.
أما:
«تثنون فإنها «تفعوعل» من لفظ الثن ومعناه أيضا وأصلها «تثْنونن» فلزم
الإدغام لتكرير العين إذ كان غير ملحق، أسكنوا النون الأولى ونقلت كسرتها
إلى الواو، فأدغمت النون في النون فصار: «تثنون» وأما: «يثنون صدورهم»
بنون مكسورة من غير ياء فوهم توهمه بعض الباحثين من القراء؛ لأنه لايقال:
«ثنأتُ كذا» بمعنى تثنْيتُه، كذلك «يُثنون صدورهم»؛ لأنه لايعرف في اللغة:
أثنيت كذا بمعنى ثنيته إلا أن يكون معناه: يجدونها منثنية.
وقرأ عبد
الله بن عباس، رضي الله عنه، في الآية 32 من سورة هود التي هي : «قالوا
يانوح قدْ جادلْتنَا فأكثرْتَ جدالنا فأتِنا بمَا تعِدُنا إن كُنْتَ من
الصَّادقين» هكذا: «فأكثرْتَ جدَلنا» ومعلوم أن الجدل الواردة في قراءة
عبد الله بن عباس هو بمعنى «الجدال» و«المجادلة». وأصل ج،د،ل، في الكلام:
القوة، ومن هذا جاء قولهم: «غلام جادل: إذا ترعرع وقوي. وركب فلان جديلة
رأيه؛ أي: صمم عليه ولم يلن فيه. ومنه الأجدل للصقر وذلك لشدة خلقه. وكذلك
الجدال إنما هو الإقتواء على الخصم بالحجة. قال سبحانه وتعالى في الآية 54
من سورة الكهف: «وكان الإنْسانُ أكثر شيءٍ جدلاً»، أي: مغالبة بالقول.
وقرأ في الآية 42 من سورة هود؛ الآية التي هي عند الجمهور: «وهي تجْري بهم
في موج كالجبال ونادى نوحٌ ابنَهُ وكانَ في معزل يابُنيَّ ارْكبْ معنَا
ولاتكن مع الكفرين»؛ قرأ هو فيها: «ونادى نوحٌ ابنَهْ» بجزْم الهاء. في
حين قرأ هذا المقطع القرآني هكذا : «نادى نوح ابنه» بنصب الهاء كل من علي
بن أبي طالب وعروة بن الزبير بن العوام أبو عبدالله المدني وأبو جعفر محمد
بن علي وأبو عبدالله جعفر بن محمد.
ويُروى عن عروة: «ونادى نُوح ابنها» . وقرأ السدي: «ونادى نوح ابناه» ممدودة الألف على النداء.
قراءة
«ابنه» التي قرأ بها علي بن أبي طالب ومن معه تعني «ابنها» كما قرأ بها
السدي؛ أي: ابن امرأته لأنه قد جرى ذكرها في قوله: «وأهلك» في الآية 40
قبلها، فحذف الألف تخفيفا كقراءة من قرأ: «يا أبَتَ».
وأما قراءة: «ابنهْ» بجزم الهاء فجاءت على لغة أزد السراة.
وقرأ عبدالله بن عباس، رضي الله عنه في الآية 23 من سورة يوسف اللفظة: «هَيْتَ لَكَ» بثلاث قراءات مختلفة؛ هي:
ـ
«هَيْتُ لَكَ» بهاء مكسورة وهمزة ساكنة وتاء مضمومة . شاركهُ في هذه
القراءة كل من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وأبي وائل وأبي الرجاء ويحيى
وعكرمة ومجاهد وقتادة وطلحة بن مصرف وأبي عبدالرحمان. جاءت هذه القراءة
«هِئْتُ لَكَ» على وزن فِعْل. يقال فيه: هِئْتُ أهِيءُ هَيْئة كجئت أجيءُ
جَيْئة، أي: تهيأت،. وقالوا أيضا: هِئْتُ أهاءُ كخفت أخاف.
وأما «هُيِّيْتُ لَكَ» ففعل صريح كهِئْتُ لَكَ.
فأما (هئتُ لك) و (هَيَّئْتُ لَكَ) فاللام فيه متعلقة بالفعل نفسه، كقولك: أصلحْتُ لكذا وصلَّحْتُ لكذا.
في هذه اللفظة أربع قراءات متواترة، هي كما يلي:
ـ
«هِيتَ لَكَ» يقرأ بها من السبعة نافع المدني وابن ذكوان القرشي الدمشقي.
وقرأ بها من الثلاثة المتممة للعشرة أبو جعفر يزيد بن القعقاع؛ وهي قراءة
صحيحة ما في ذلك من شك . ومعناها «تهيأ لي أمرك» أو «حسنت هيأتك» و«لك»
متعلق بمحذوف على سبيل البدل، كأنها قالت : «القول لك».
ـ «هِئْتَ لَكَ» انفرد بقراءتها القاضي الدمشقي هشام بن عمار الراوي الثاني لابن عامر الشامي.
ـ «هَيْتُ لَكَ» انفرد بقراءتها الإمام ابن كثير المكي بفتح الهاء وياء ساكنة وضم التاء تشبيها ب (حيثُ).
ـ «هَيْتَ لَكَ» الباقون.
وقرأ،
رضي الله عنه، في الآية 31 من سورة يوسف التي يؤديها الجمهور كما يلي:
«فلمَّا سَمِعَتْ بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وءاتت كل واحدة
منهن سكينا..»؛ أقول: قرأها هو هكذا: «فلما سمعت بمكرهن أرسلت اليهن
وأعتدت لهن متكا وءاتت كل واحدة منهن سكينا..»؛ أدى «متكا» ساكنة التاء
غير مهموز.
اندرج معه في هذه القراءة ابن عمر والجحْدري وقتادة والضحاك
وأبو النضير محمد بن السائب الكلبي وأبان بن تغلب؛ كما رويت عن الأعمش
كذلك.
و«متكا» هذه التي يقرأ بها ابن عباس ومن معه هو عند البعض الأخر
وهو، كما نعلم، ثمر شجر من جنس الليمون وهو عند البعض الآخر الزّمارد وهو
طعام من لحم وبيض.
في هذه اللفظة قراءات أخرى؛ أشير إليها، بإيجاز فيما يلي.
من
ذلك قراءة الزهري وأبي جعفر وشيبة الذين يقرؤونها «متّكا» مشددة من غير
همز. جاء «متّكا» هذا غير المهموز مبدلا من متّكا وهو مفتعل من توكّأت
كمتّجه من توجهت ومتعدّ من وعدت. وهذا الإبدال لا يجوز في السّعة، وإنما
هو ضرورة الشعر؛ فلذلك كانت القراءة به ضعيفة.
أما الحسن البصري
فيقرأها «متكاء» بزيادة الألف. جاء «متّكاء» هذا على إشباع فتحة الكاف من
«متّكا»؛ وقد جاء مثل هذا في شعرهم ؛ قال ابن هرمة يرثي ابنه:
فأنت من الغوائل حين ترْمى ومن ذمّ الرجال بمنتزاح
يريد: بمنتزح.
بقلم الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
العلم
2/10/2009-
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty رد: لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

مُساهمة من طرف abdelhamid الثلاثاء 27 أكتوبر 2009 - 9:11

كنا
في الحلقة السابقة رأينا كيف يقرأ الآية 16 في سورة الإسراء واتضح عندنا
في آخر تلك الحلقة أنه كان يقرأها كما يلي: »وإذا أردنا أن نهلك قرية
آمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا«، قرأ فيها
»آمرنا« على وزن »فاعلنا«.
ونواصل، بحول الله وقوته البحث في موضوعنا فنقول:
قرأ،
رحمه الله في الآية 24 من سورة الإسراء: «جناح الذل« بكسر الذال، والآية
في المتواتر كما يلي: »واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقد رب ارحمهما كما
ربياني صغيرا«. »الذل« في القراءة المتعبد بتلاوتها بضم الذال.
شارك ابن عباس في هذه القراءة عروة بن الزبير.
فالفرق
إذن بين القراءة المتواترة وقراءة عبد الله بن عباس هو أن ذال » الذل« وفي
القراءة الأولى مضموم وهو في القراءة الثانية مكسور. والفرق بين الضم
والكسر في مثل هذه الألفاظ معروف عندنا. ذلك أن العرب تستعمل عادة الضم
عند ما تريد أن تعبر عن القدر الأكبر أو الشيء العظيم أو الأمر البالغ
الأهمية وتستعمل الكسر حينما تريد أن تعبر عن القدر الأصغر أو الشيء
القليل أو الأمر التافه.
قال صاحب المحتسب في الصفحة 18 من الجزء
الثاني: الذل (بكسر الذال) في الدابة: ضد الصعوبة والدل (بضم الذال)
للإنسان، وهو ضد العز. وكلهم اختاروا للفصل بينهما الضمة للإنسان والكسر
للدابة، لأن ما يلحق الإنسان أكبر قدرا مما يلحق الدابة، واختاروا الضمة
لقوتها للإنسان والكسرة لضعفها للدابة.
ومن ذلك قولهم: »حلا الشيء في
فمي يحلو وحلي بعيني، فاختاروا البناء للفعل على فعل فيما كان لحاسة الذوق
لتظهر فيه الواو، وعلى فعل في حلي يحلى لتظهر الياء والألف وهما خفيفتان
ضعيفتان إلى الواو. لأن لو كان حس لكان أشبه حصة الناظر أضعف من حس الذوق
بالفم. وقالوا أيضا جمام (بضم الجيم) المكوك دقيقا وجمام (بكسر الجيم)
لقدح ماء، ذلك لأن الماء لايصح أن يعلو على رأس القدح كما يعلو الدقيق
ونحوه على رأس المكوك، فجعلوا الضمة لقوتها فيما يكثر حجمه، والكسرة
لضعفها فيما يقل بل يعدم ارتفاعه. وقالوا: »النضح« بالحاء غير معجمة للماء
السخيف يخف أثره. وقالوا (النضخ) بالخاء لما يقوى أثره فيبل الثوب ونحوه
بللا ظاهرا، ذلك لأن الخاء أوفى صوتا من الحاء ألا ترى إلى غلظ الخاء ورقة
الحاء؟.
كما قرأ، رضي الله عنه، في الآية 106 من سورة الإسراء التي هي
عند الجمهور كما يلي: »وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه
تنزيلا«، قرأ هو فيها: »وقرآنا فرقناه لتقرأه« بتشديد الراء في قوله:
»فرقناه«. شاركه في هذه القراءة علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي
بن كعب رضي الله عنهم جميعا وأبو قتادة وخمبدو عمرو بن فائد و عمرو بن ذر
والحسن البصري بخلاف عن هاذين الأخيرين.
تدل هذه القراءة بالتشديد على أن الحق سبحانه وتعالى فصله ونزله شيئا بعد شيء، دليله قوله سبحانه وتعالى: »على مكث«.
وقرأ،
رضي الله عنه وأرضاه، الآية 102 في سورة الكهف التي هي في المتواتر
المقروء من طرف السبعة كما يلي: »أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبدي من
دوني أولياء إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا«، قرأها: »أفحسب الذين كفروا
أن يتخذوا عبدي من دوني أولياء..« بسكون السين في قوله: »افحسب«
شاركه
في هذه القراءة زيادة على علي بن أبي طالب كل من ابن يعمر والحسن البصري
ومجاهد وعكرمة وابن كثير المكي لكن بخلاف عنه ونعيم بن ميسرة والضحاك
ويعقوب وابن أبي ليلى.
ومعنى: »أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبدي من
دوني أولياء«. أفحسب الذين كفروا وحظهم ومطلبهم أن يتخذوا عبدي من دوني
أولياء؟ بل يجب أن يعدوا أنفسهم مثلهم فيكونوا كلهم عبيدا وأولياء لي.
اعتقد
أن ابن عباس ومن اندرج معه في هذه القراءة أرادوا التشدد في ذمهم لأن
(حسب) ساكنة السين أذهب في الذم لهم ذلك أنه جعله غاية مرادهم ومجموع
مطلبهم.
أما القراءة المتواترة (أفحسب) فإنه ذم لكن دون المبالغة فيه.
كما
قرأ، رضي الله عنه، في نفس السورة، أي: سورة الكهف الآية 109 كما يلي: »قل
لوكان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قَبلَ أن تنفد كلمات ربي ولو
جئْنا بمثْله مداداً«؛ قرأ بكسر الميم ومد الدال بالفتح في قوله:
»مِداداً«.
إن السر العظيم الكامن في هذه الآية، في نظري المتواضع، هو
أن »مِداداً« الأولى نصبت فيها على التمييز؛ فكانت، بهذا بمعنى: »بمثله من
المداد« تماماً كما تقول: لي مثله كتاباً. أي: من الكتب و»على الخبز مثله
عَسلا«، أي: من العسل. وأما: »مَدَداً« الثانية وهي آخر كلمة في الآية
فمنصوبة على الحال؛ تماماً كما نقول: »جئْتُكَ بصَديق عوناً لَكَ ويداً
معَك«.
شارك ابن عباس في هذه القراءة عبد الله بن مسعود والأعمش لكن بخلاف عنه ومجاهد وسليمان بن بلال التميمي القرشي.
وقرأ
في سورة مريم الآية 5 كما يلي: »وإنّي خفَّتِ المواليَ منْ ورائي وكانتْ
امْرأتي عاقراً فهب لي منْ لدْنكَ وليّاً« بفتح الخاء وكسر التاء. بعضهم
يقول إنه شدد الفاء.
فإذا كان الأمر كذلك؛ أي إذا كان قرأها رضي الله
عنه »خَفَّتِ« بفتح فتشديد فكسر فإني لا أعرف كيف قرأ الحرف الذي هو قبلُ
وهو »وإنّي«. والأمل في الله كبير أن يرشدني إلى قراءته كما قرأه.
ومعنى
قراءته: »قَلَّ بنو عمي وأهلي«. وأما قوله تعالى بعد وهو:»من ورائي«، أي:
مَن أخْلفُهُ بعدي. ومثله قوله تعالى في الآية 107 والمكررة في الآية 108
من سورة هود:»خَالدينَ فِيهَا مادامتْ السَّموات والأرضُ« أي: متصوراً
خلودهم فيها مدة دوام السَّمَوَات والأرْضُ، فإذا أشفقت من ذلك فارزقني
ولداً يخلفني.
شارك ابن عباس في قراءته هذه: »خِفَّتِ المواليَ« عثمان
بن عفان وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص بن أميةوابن يعمر وسعيد بن جبير وعلي
بن الحسين ومحمد بن علي وشُبَيْل بن عَزْرة الضَّبَعي.
وقرأ أيضاً في
نفس السورة، سورة مريم الآية 6: »يَرثُني وارثٌ منْ آل يعْقوب واجْعَلْهُ
رَبّي رضيا« في حين تقرأ هذه الآية في المتواتر كما يلي: »يَرثُني ويَرثُ
منْ آل يعْقوب واجْعلْهُ رَبّي رَضيّاً«.
إن قراءة ابن عباس هذه لتعني:
»يرثني منهُ أو به وارثٌ من آل يعقوب«، وهو في الحقيقة الوارث نفسه، لقد
جرد منه، بهذا، وارثاً. هذا ضرب من التركيب العربي كانت بعض قبائلها
تستعمله وتميل إليه. بل لقد ورد مثل هذا حتى في القرآن الكريم الذي جاء،
تلطفاً من ربنا اللطيف الرحيم جاء على لسان العرب في كلامها. لنتدبر الآية
28 من سورة فصلت؛ قال سبحانه فيها: »لَهُمْ فيهَا دارُ الخُلْد«. السؤال
الذي يحسن أن نطرحه هنا: أليس هي نفسها دار الخلد؟
لقد جرد سبحانه من الدار داراً كما جرد في آيتنا من الوارث وارثاً. وعلى هذا جاء قول الأخطل الذي أنشد:
فسائل بني مروان ما بال ذمة وحبل ضعيف لايزال يوصل
بنزْوةِ لصٍّ بعْدَ مَامَرَّ مُصْعَبُ بأشْعَثَ لا يُفْلى ولاَ هُوَ يَقمَلُ
فـ
(مُصْعَب) المذكور في البيت الثاني هو الأشعث؛ لقد استخلص منه أشعث كما
استخلص سبحانه في آيتنا التي نتحدث عن قراءتها من الوارث وارثاً واستخلص
في الآية الثانية من الدار داراً كما استخلص الشاعر الأخطل من مصعب
الأشعث. ومثل ذلك فعل الأعشى حين استخلص »طائف الأهوال« من »طائف الأهوال«
في قوله:
لاَتَ هُنَا ذكْرى جُبيْرَة أم من جَاء منْهَا ب »طائف الأهوال«
وقرأ
في سورة طه الآية 97 كما يلي: »قَالَ فاذْهَبْ فَإنَّ لَكَ في الحيَاة أن
تقُولَ لامِسَاسَ وإنَّ لَكَ موْعداً لنْ تُخْلَفَهُ وانظُرْ إلى إلهِكَ
الذي ظلْتَ علَيْه عاكفاً لَنَحْرُقَنَّهُ ثُمَّ لنَنْسفَنَّهُ في
الْيَمِّ نَسْفاً«، قرأ »لَنَحْرُقَنَّهُ« بفتح النون وسكون الحاء وضم
الراء مخففة.
شاركه في قراءته هذه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعمرو
بن فائد وقرأها مثلهم عيسى ابن وردان؛ أذَكّرُ أنَّ ابن وردان هذا هو
الراوي الأول لأبي جعفر يزيد بن القعقاع. أما سليمان بن جماز الراوي
الثاني لأبي جعفر يزيد بن القعقاع فقرأها »لَنُحْرِقَنَّهُ« بضم النون
وسكون الحاء وكسر الراء مخففة وهي في المتواتر »لَنُحْرقَنَّهُ« بضم النون
وسكون الحاء وكسر الراء مخففة وهي في المتواتر »لنُحرِّقنَّهُ« بضم النون
وفتح الحاء وكسر الراء مشددة.
ومعنى: »حرَّقْتُ الحديدَ« أي: برَّدته.
من هنا قال العرب: إنّهُ ليَحْرُقُ عليَّ الأرُمَّ« أيْ: يحُكَّ أسْنانَهُ بعْضُها ببَعْض غيْظاً علَيَّ«.
قال عامر بن شقيق الضَّبي:
بذي فرْقيْن يومَ بَنُو حبيب نُيوبهُمُ علينا يحْرُقونا
وقال زهير:
أَبى الضَّيْمَ والنّعْمانُ يحْرُقُ نابَهُ عليْه فأفْضى والسّيوفُ معاقِلهُ

فكان »لنُحَرّقَنَّهُ« على هذا: لنَبْرُدنهُ ولنَحُتَّنَّهُ حتّاً ثُمَّ لنَنْسفَنَّهُ في الْيَمِّ نَسْفاً.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
23/10/2009
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty رد: لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

مُساهمة من طرف abdelhamid السبت 31 أكتوبر 2009 - 9:06

*********************

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه (تابع)
كنا
وصلنا بعون الله وتوفيقه سبحانه في بحثنا في قراءة الصحابي الجليل عبد
الله بن عباس، رضي الله عنهما وأرضاهما إلى الآية 97 من سورة طه التي
رأينا أنه قرأها كما يلي: »قال اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لامساس وإن
لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه
في اليم نسفا«، قرأ »لنحرقنه« بفتح النون وسكون الحاء وضم الراء مخففة.
وكنا في الحلقة المذكورة بينا معنى قراءته هذه وقارناها بالقراءة
المتواترة ذاكرين من شاركه من القراء في قراءتها.
ونواصل الآن، بحول الله وقوته، البحث فيما بقي من قراءته، رضي الله عنه فنقول:
وقرأ
في سورة الأنبياء الآية 47 كما يلي: »ونضع الموازين القسط ليوم القيامة
فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل آتينا بها وكفى بنا حاسبين«،
نعم، قرأ بمد »آتينا«.
بعض الباحثين يقولون: »لاينبغي أن يكون إلا
»آتينا« بالمد، فاعلنا لا »أفعلنا« لأنه لو كانت »أفعلنا« لما احتاج إلى
الباء ولقيل »اتينا« كما قال تعالى في الآية 59 من سورة الإسراء: »آتينا
ثمود الناقة مبصرة«.
فـ »آتينا بها«، فاعلنا ومضارعها يواتي كهات يهاتي في قول الجماعة إلا أن بعض اللغويين يقولون في »هات« غير ما يقول الناس.
فتصريف هذا الفعل »أتينا« نواتي مواتاة.
وهذا
مردود عليهم لأن القراءات القرآنية المتواترة، كما لايخفى على أحد، لاتعمل
بالأفشى في العربية ولا بالأقيس في النحو إذ يكفيها أن تنقل بالسند الصحيح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الصحيح في القراءات القرآنية هو ما نقله
الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين عن نبينا عليه الصلاة والسلام ونقلته عنهم
جماعة عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب.
كما قرأ، رضي الله عنه في
نفس السورة، سورة الأنبياء الآية 48 كما يلي: »ولقد آتيْنا موسى وهارون
الفرقان ضياءً وذكرا للمتّقين«؛ قرأ بغير واو بين لفظة« »الفرقان« ولفظة
»ضياء« وهي في القراءة المتواترة المتعبد بتلاوتها بالواو بين اللفظين.
فالفرق بين قراءة ابن عباس الخالية من الواو وقراءة الجماعة التي هي
بالواو أن »ضياء« في قراءته حال، تماما كما نقول: »دفعتُ إليك مالاً تقوية
لك ومسددا من أمرك وأصحبتك القرآن دافعا عنك ومؤنساً لك«.
و»ضياء« في
قراءة الجماعة مضاف على الفرقان وهو مفعول به. أحبّ أن أشير، ولو بإيجاز
شديد، إلى قراءة متواترة للفظة موجودة في آيتنا الكريمة هذه، رأيت أنه
يحسن أن نعرفها بدقة.
هذه اللفظة هي: »ضياء« التي وردت في القرآن
الكريم ثلاث مرات؛ في سورة يونس، الآية 5 وهنا في سورة الأنبياء والثالثة
والأخيرة في سورة القصص، الآية 71. انفرد قنبل الراوي الثاني عن ابن كثير
المكي بقراءتها بهمزة مفتوحة بعد الضاد، في الثلاثة على القلب بتقديم
الهمزة على الواو إن قلنا إنه جمع أو على الياء إن قلنا: إنه مصدر »ضاء«.
أخبرنا ابن مجاهد أن أصحاب البزي وابن فليح كانوا ينكرون هذه القراءة
ويقرؤون مثل قراءة الناس »ضياء«.
وأما القراء الباقون أعني: السبعة إلا
قنبلا فيقرؤونها بالياء في الثلاثة، مصدر »ضاء« لغة في »أضاء« أو جمع
»ضوء« كحوض وحياض، وأصله »ضواء« قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وسكونها
في الواحد.
وقرأ في نفس السورة، سورة الأنبياء، الآية 58 كما يلي:
»فجعلهم جذاذا إلاّ كبيرا لهم لعلّهم إليه يرجعون«؛ قرأ فيها هو : »جذاذا«
بفتح الجيم.
في هذه اللفظة لغات:
ـ »جذاذا« بالضم وبه قرأ ستة من السبعة، أي: كلهم عدا الكسائي.
ـ »جذاذا« بالفتح وبه قرأ ابن عباس كما قلنا؛ وشاركه في هذه القراءة أبو نهيك وأبو السمال.
ـ »جِذاذا« بالكسر وبه قرأ الإمام الكسائي من السبعة؛ وافقه الأعمش وابن محيصن بخلف عنه. وهي لغات في متفرق الأجزاء.
المسكور جمع »جذيذ« كخفيف وخفاف، والمضموم جمع »جذاذة«
كقردة وقراد. وبعض اللغوين يرى أنها كلها، في لغاتها، مصدر.
يروى عن قطرب أنه قال: »أجودها الضم« هم يقولون: جذّ الشيء يجذهُ جذا وجذاذا وجذاذا وجذاذا.
وقرأ أيضاً، رضي الله عنه في نفس السورة، سورة الأنبياء، الآية 95 بثلاث قراءات:
الأولى هكذا: »وحَرمَ على قرْية أهْلكْناها أنَّهمْ لا يرْجِعُونَ« بفتح الحاء والميم بينهما راء مكسورة.
و»حَرمَ«
هذه فعل لازم من »حَرمَ« كقَلقَ من قلق وبَطرَ من بَطرٍ؛ ومن هنا يقولون:
»حَرمَ فُلانٌ فهو حرمٌ وحارمٌ إذا قُمرَ مَالُهُ، أيْ: سُلِبَ مَالُهُ في
القِمار.
ويقولون: »أحْرَمْتُهُ: قمرْتُهُ؛ قال زهير:
وإن أتَاهُ خَليلٌ يَوْمَ مسْألَةٍ * يَقُولُ لاغائبٌ مَالي ولا حَرِمُ
و»الْخَليلُ« في هذا البيت هو الفقير.
شارك ابن عباس في قراءته هذه سعيد بن المسيب وقتادة
الثانية:
»وحَرُمَ علَى قَرْيَةٍ أهْلَكْنَاهَا أنَّهُمْ لايَرْجعُونَ« بفتح الحاء
والميم بينهما راء مضمومة؛ وأمره في الاستعمال ظاهر.
شاركه في هذه القراءة أبو العالية وعكرمة.
الثالثة:
»وحَرْمٌ علَى قرْيَةٍ أهْلكْنَاها أنَّهُمْ لايرْجِعُون« بفتح الحاء
وسكون الراء مخففة وتنوين الميم وهو من »حَرِم« على لغة بني تميم؛ فهو
كبَطْرٍ من بَطِرَ وفَخْدٍ من فَخِدَ وكَلمَة من كَلِمَة. قال أبو وعْلَة:
لاتَأمَنَنْ قوْماً ظَلَمْتَهُمُ وبدَأتَهُمْ بالشّر والحرم
استعمل
الشاعر: »الحرْم« مكسورة الحاء لأن هذا يصلح أن يكون من معنى اللجاج
والمحك ويصلح أن يكون من معنى الحرمان، أي: ناصبتهم وحرمتهم إنصافك.
وفي هذه اللفظة قراءة أخرى غير متواترة هي »حرمٌ» بفتح الحاء وكسر الراء وتنوين الميم قرأ بها عكرمة بخلاف عنه.
وفيها قراءتان متواترتان هما:
1- »حرْمٌ» بكسر الحاء وسكون الراء وعلى الميم تنوين الضم؛ قرأ بها من السبعة شعبة وحمزة والكسائي، وخلف العاشر، وافقهم الأعمش.
2-
»حرامٌ« بفتح الحاء وراء ممدودة بفتح وتنوين الضم على النون؛ قرأ بها نافع
المدني وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري وحفص الراوي الثاني عن عاصم.
وفي
نفس السورة، سورة الأنبياء، الآية 98 قرأ كما يلي: »ومَاتَعْبُدُون من دون
الله حَضبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَهَا واردونَ« بالضاد مفتوحة.
أما الحضْبُ »بالضاد مفتوحة كما قرأ بها ابن عباس وكذلك »الحصَب« بفتح الصاد كما تقرأ بها الجماعة فكلاهما »الحطَب« وفيه ثلاث لغات:
ـ »حَطَبُ« التي يقرأ بها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن الزبير وأبي بن كعب.
ـ »حضب« التي قرأ بها ابن عباس.
ـ »حصب« التي كما قلنا تقرأ بها الجماعة. وإنما يقال: »حصب« إذا ألقي في التنور والموقد.
فأما ما لم يستعمل فلا يقال له: »حصب« . والأصل فيه طبعا الرمي حطبا كان أو غيره.
في هذه اللفظة قراءات أخرى كقراءة ابن السميفع الذي أداها: »حصب جهنم« ساكنة الصاد.
وقرأ
أبو صخر كثير بن عبدالرحمان الأسود الخزاعي »حضب جهنم« ساكنة الضاد. كما
قرأ، رضي الله عنه في سورة الحج الآية 23 كما يلي: »إن الله يدخل الذين
آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من
ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير«؛ أدى فيها »يحلون« بفتح الياء وتخفيف اللام
بالفتح من »حلي« »يحلى«.
مرد هذا الى قولهم »لم أحل« (بسكون الحاء وفتح
اللام) منه بطائل، أي: لم أظفر منه بطائل. فجعل ما يحلون به هناك أمرا
ظفروا به وأوصلوا إليه.

بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
30/10/2009

abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty رد: لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

مُساهمة من طرف abdelhamid الأحد 8 نوفمبر 2009 - 19:58

إنكم،
ولاشك، تذكرون أننا في آخر الحلقة السابقة رأينا كيف قرأ صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس، رضي الله عنه وأرضاه في سورة الحج
الآية 23؛ لقد قرأها كما سبق أن قلنا كما يلي: »إن اللَّهَ يُدخل الذين
آمنوا وعَمِلُوا الصَّالحات جنَّات تجري من تحتها الأنْهارُ يحلَوْنَ
فيهَا من أساور من ذهب ولؤلُؤا ولِباسهم فيها حرير«؛ نعم، لقد أدى فيها
»يحلون« بفتح الياء وتخفيف اللام مفتوحة؛ جعلها، رضوان الله عليه من
»حَلِيَ« »يحْلَى«. وفي آخر المطاف قلنا: لاشك أن مرد هذا يعود، بالدرجة
الأولى إلى قولهم »لَمْ أحْلَ« (بسكون الحاء وفتح اللام) منه بطائل، أيْ:
لم أظْفرْ منه بطائل.
وسأواصل، بعونه وقوته، راجياً التوفيق منه
سبحانه، البحث في قراءته لألفاظ القرآن. لكنني سأحاول أن أقوم بهذا، بعلم
وعلى أساس علم لكي تكون نتائجه، إن شاء الله، مفيدة للجميع بمنه وكرمه،
فأقول:
قرأ، رضي الله عنه، في سورة الحج الآية 27 هكذا: »وأذِّن في
النَّاس بالحَجِّ يأتوك رُجَّالاً وعلى كل ضامر يأتينَ من كل فج عميق«،
نعم قرأ هكذا: »رُجَّالاً« بضم الراء وتشديد الجيم ولام منوناً.
شاركه في هذه القراءة أبو مجلز ومجاهد وعكرمة والحسن البصري وأبو عبد الله جعفر بن محمد.
و»رُجالاً« هذه جمع »راجل« »كـ« كاتب و »كتَّاب« و »عالم« و»عُلاَّم« و»عامل« و »عُمَّال«.
ولعكرمة
وابن أبي إسحاق وأبو مجلز والحسن البصري والزهري قراءة أخرى هي: »رُجالاً«
بضم الراء وتخفيف الجيم منونة؛ وهو مما جاء من الجمع على فُعَال كـ
»ظُؤار« (العاطفة على غير ولدها) وعُراق (جمع عرق وهو العظم أكل لحمه)
ورُخَال (جمع رخل بكسر فسكون: الأنثى من ولد الضأن).
وقرأ أيضاً في
سورة الحج الآية 36 كما يلي: »والْبُدْنَ جعلناها لكم من شعائر الله لكم
فيها خير فاذكروا اسم اللهَ عليْهَا صوافن فإذا وجبتْ جنُوبُها فكلوا منها
وأطعموا القانع والمُعتر كذلك سخَّرناها لكم لعلَّكُم تَشْكرون«. هكذا قرأ
فيها رحمه الله: »صوافِنَ« بصاد مفتوحة وواو ممدودة بفتح ثم فاء مكسورة
ونون مفتوحة.
شارك ابن عباس في هذه القراءة، أيْ في: »صَوَافِنَ« كل من
ابن مسعود وابن عمر وإبراهيم وأبي جعفر محمد بن علي والأعمش وأبي محمد
القرشي عطاء بن أبي رباح والضحاك والكلبي.
وقرأ »صَوَافِي« أبو موسى
الأشعري والحسن البصري وأبو وائل الكوفي الأسدي شفيق بن سلمة وأبو موسى
المدني زيد بن أسلم وسليمان التيمي، كما رويت أيضاً عن الأعرج.
نقول:
»صَوَافِنَ« هذه هي: »الصَّافِنَاتُ« في قول الله تعالى في الآية 31 من
سورة ص؛ قال سبحانه فيها: »إذْ عُرضَ عَليْه بالْعَشِيّ الصَّافِنَات
الْجيادُ« إلا أنها استعملت هنا في الإبل.
و»الصَوافِنُ« تعني: الرافع إحدى رجليه واعتماده منها على سُنْبُكها. قال عمرو بن كلثوم.
ترَكْناَ الخيلَ عاكفة عليه * مُقلَّدَة أعِنَّتها صُفونَا
كما أن »صَوافيَ »تعني: خوالص لله عز وجل لا يشركون به في التسمية على نحرها أحداً؛ قال العجاج:
حتَّى إذا ما آضَ ذا أعراف كالكَوْدَن المَشدودِ بالوكاف

قال الَّذي عِنْدَك لِي صَوَافي
معنى
»آضَ« المذكور في قول الشاعر العجاج: صار. و »الأعراف« جمع عرف، وهو الشعر
النابت فوق محدودب رقبة الفرس. و »الكودن«: البردون الهجين. و»كاف
الحِمَار« برذعته.
و»صَوَافَّ« قراءة الجمهور بفتح الفاء وشدها من
»صفَّ ، يصُفُّ« وواحد »صَوَافَّ« : صَافَّة، وواحد »صَوَافِيَ«: صافية،
ولا يكون واحدا »صافِنَا«: صافَّة، وواحد »صافِناً« لأن فاعلا لا يجمع على
فواعل ما دام »صَافِنَا« ليس وصفاً لعاقل. كما قرأ ابن عباس، رضي الله عنه
في سورة المؤمنون ، الآية 60: »والّذينَ يُؤتُونَ ما أتوا وقلوبُهُم
وجِلَةٌ أنَّهمُ إلى ربِّهمْ راجعون«؛ هكذا قرأها »ما أتوا« قصراً.
معنى هذا المقطع الكريم في هذه الآية بأداء الجماعة: »يعملون العمل وهم يخافونه ويخافون لقاء الله ومقام الله«.
ومعنى: »يُوتون ما آتَوا« بأداء ابن عباس: »يعطون الشيء فيُشفَقُونَ ألا يقبل منهم«.
أحبُّ
أن أورد هنا، لقرائي الأعزاء، حكم أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها
وأرضاها على القراءتين اللتين أشرت إليهما وأنا أتحدث عن هذه الآية. وأحسن
من أوجز هذا وقدمه لنا بوضوح هو الإمام الطبري في تفسيره (18/26)، قال
رحمه الله: »حكي عن إسماعيل بن خلف قال: »دخلت مع عبيد الله بن عمير
الليثي على عائشة، رضي الله عنها فرحبت به، فقال لها: جئتك لأسألك عن آية
في القرآن. قالت: أي آية هي؟ فقال: »الَّذين يُؤتون ما أتوا« (نطقها، رضي
الله عنه بقصر همزة« أتوا«) أو: »يُوتون ما آتَوا« (نطقها، رضي الله عنه
بمد همزة« أَتَوا«) أو : »يُؤتون ما أتَوا)، فقالت: أيتهما أحب إليك؟ قال:
فقلت: لأن تكون »يُؤتُون ما أتوا« أحب إلي من الدنيا جميعاً؛ فقالت: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتُون ما أتَوْا ولكن الهجاءَ
حُرِّف«.
ويَرْوي لنا، في هذا الموضوع أيضاً الترمذي عن عائشة رضي الله
عنها أنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية:
»والَّذينَ يُؤتُون ما أتوا وقلُوبُهُم وجِلَة« قالت عائشة: أهم الذين
يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون
ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات«.شارك
ابن عباس في هذه القراءة كل من قتادة والأعمش، وهي أيضاً قراءة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، لكن على أساس أنها بيان منه عليه الصلاة والسلام
لأمته.
كما قرأ أيضاً، رضي الله عنه وأرضاه في نفس السورة، أي سورة
المؤمنون، الآية 67 كما يلي: »مُستَكْبرِينَ به سُمَّرا يُهَجِّرُونَ« بضم
سين وتشديد ميم »سُمَّرا« وضم ياء وتشديد وكسر جيم »يُهَجِّرونَ« في حين
تقرأ هذه الآية من طرف الإمام نافع المدني هكذا: »مُسْتَكْبِرِينَ به
سَامِرا تُهْجِرُون«، وافقه في هذه القراءة ابن محيصن بخلفه وله قراءة
أخرى هي: »مُستكبِرِين به سُمَّراً يُهجِرُون«، بضم سين وتشديد ميم
»سُمَّراً« وضم ياء وكسر الجيم المخففة في »يُهجِرونَ«.
ويقرأها ابن كثير وأبو عمرو البصري وابن عامر والكوفيون الثلاثة عاصم وحمزة والكسائي: »مُستكْبِرِينَ بِهِ سامرا تهجُرُون«.
يقرأون »سامِرا« على وزن »فَاعِل« ويقرأون »تهْجُرُونَ« بفتح التاء وضم الجيم مخففة.
أما »السَّمَرُ« فجمع »سَامِر« والسَّامِرُ: القوم يسمرون، أي: يتحدثون ليلاً، قال ذو الرمة:
وكَم عرَّسَتْ بعدَ السَّرَى مِنْ مُعَرَّس
بهِ منْ عزيف الجنِّ أصْواتُ سَامِرِ
والسامر
قد يكون واحداً وقد يكون جماعة. وأما »يُهْجَرُونَ« بسكون الهاء وضم الياء
فتفسيره: يفحشون القول. يقال: هَجَرَ الرجُل في منطقه إذا: هَذى، وأهْجر:
أفحش؛ قال الشماخ:
كما جدة الأعراف قالَ ابْنُ ضرَّةٍ
عليهاَ كلاماً جار فيه وأهجرا
وقال الحسن البصري: »تهجرون« أي: تهجرون كتابي ونبيي.
وأما:
تُهْجِرون »بضم التاء وتشديد الجيم المكسورة فمعناها في اعتقاد بعض
اللغويين وعلى رأسهم عثمان بن جني: »تُكْثرون من الهُجْر« وهو الهذيان، أو
هجرُ النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب الله، أو تكثرون من الإهجار وهو
إفحاش القول؛ لأن »فَعَّلَ« تأتي، كما لا يخفى، للتكثير. كما قرأ، رضي
الله عنه وأرضاه أيضاً في سورة النور الآية 15 كما يلي: »إذ تَلِقونَهُ
بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيِّناً وهو عند
الله عظيم«؛ نعم هكذا قرأ »تلِقونَهُ« بكسر اللام وتخفيف القاف.
أما ابن السميفع فقرأه: »تُلقونَهُ« من ألقيت. ومعناه تسرعون وتخفون فيه.
قال ابن عيينة: »سمعت أمي تقرأ: »إذ تتقفَّونه« وكان أبوها يقرأ كما يقرأ عبد الله. وبهذا كان يقرأ هو، تماماً كما قرأت أمه.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
6/11/2009
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty رد: لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

مُساهمة من طرف abdelhamid الإثنين 16 نوفمبر 2009 - 21:31

كنا
ختمنا الحلقة السابقة بالحديث عن قراءة عبد الله بن عباس رضي الله عنه
للآية 15 من سورة النور؛ تلكم الآية التي تقرأها الجماعة هكذا : »إذ
تلقّوْنه بالسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو
عند الله عظيم« ويقرأها هو، رضي الله عنه وأرضاه كما يلي: »إذ تلقونه
بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّنا وهو عند الله
عظيم«؛ نعم هكذا قرأها هو »تلقونه« بكسر اللام وتخفيف القاف.
نتابع، اليوم، على بركة الله، البحث فيما بقي من قراءته فنقول راجين منه سبحانه وتعالى التوفيق إنه ولي ذلك وقادر عليه فنقول:
لقد شاركه، رضي الله عنه في هذه القراءة؛ قراءة »تلقونه« أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها وابن يعمر وعثمان الثقفي.
كما
قرأ، رضي الله عنه الآية 27 في سورة النور كما يلي: »يا أيّها الذين آمنوا
لا تدخلوا بيوتاً غيرَ بيوتِكم حتّى تستأذنوا وتسلموا على أهلها ذلكم خيرٌ
لكم لعلّكم تذكرون«
أنا في الحقيقة، هنا، في هذه القراءة وما يروى في شأنها في حيرة شديدة من أمري.
ذلك
أن كثيرا من شيوخنا الأوائل يحكون قول ابن عباس في هذه القراءة؛ قالوا:
إنه قال: أخطأ الكاتب، إنما هي: »تستأذنوا« يعني قوله: »تستأنسوا«. حاشا
أن يصدر عن هذا الصحابي الجليل هذا القول.
أنا في الحقيقة لا أعرف
مطلقا سببا معقولاً يمكن أن يحمل عبد الله بن عباس، وهو من هو، على أن
يقول: »حتّى تستأنسوا« خطأ أو وهم من الكاتب، إنما هو: »حتّى تستأذنوا«؛
لا يمكن أن يقول هذا أبدا.
لكن الله، بمنه وكرمه، وفق الإمام أبا
عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي فرد، جزاه الله خيرا، الأمور إلى
نصابها لما قال في الجزء الثاني عشر، صفحة 214 من تفسيره »الجامع لأحكام
القرآن«، قال: »هذا غير صحيح عن ابن عباس وغيره؛ فإن مصاحف الإسلام كلها
قد ثبت فيها: »حتى تستأنسوا« وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان، فهي التي
لا يجوز خلافها، وإطلاق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه
قول لا يصح عن ابن عباس«.
ثم أردف قائلا: »قد روي عن ابن عباس أن في الكلام تقديما وتأخيرا؛ والمعنى: »حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا«.
ومما ينفي هذا القول عن ابن عباس وغيره أن »تستأنسوا« متمكنة في المعنى، بينة الوجه في كلام العرب.
وقرأ، رضي الله عنه، في الآية 33 من نفس السورة، سورة النور كما يلي:»..
ولا
تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن
يكرهن فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم«. قرأ مضيفا الجار والمجرور«
لهن »بين قوله تعالى: »إكراههن« وقوله: »غفور رحيم«.
لم يشارك في هذه
القراءة إلا سعيد بن جبير. ومعلوم أن هذا الجزء من الآية الكريمة هو عند
الجمهور كما يلي: ».. ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا
لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم«.
حلل
لنا ابن جني، رحمه الله، هذه القراءة فقال في الصفحة 107 من الجزء الأول
من محتسبه: »اللام في »لهن« متعلقة ب (غفور) لأنها أدنى إليها و لأن فعولا
أقعد في التعدي من فعيل؛ فكأنه قال: »فإن الله من بعد إكراههن غفور لهن«
ويجوز أن تكون أيضا متعلقة ب »رحيم«؛ وذلك أن ما لايتعدى قد يتعدى بحرف
الجر. ألا تراك تقول: »هذا مار بزيد أمس، فتعمل اسم الفاعل وهو لما مضى؛
لأن هناك حرف الجر، وإن كنت لاتعديه فتنصب به وهو لما مضى؟ فكذلك يجوز
تعلق اللام في »لهن« بنفس »رحيم«.
فإن قلت:
فإذا كانت اللام في »لهن« متعلقة ب »رحيم« وإنما يجوز أن يقع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل أفتقدم »رحيم« على »غفور« وهو تابع له؟
قيل
اتباعه إياه لفظا لا يمنع من جواز تقديم »رحيم« على »غفور« و ذلك لأنهما
جميعا خبران ل (إن). وجاز تقديم أحد الخبرين على صاحبه؛ فتقول: هذا حلو
حامض. ويجوز: »هذا حامض حلو«. فلك إذا أن تقول: »فإن الله من بعد إكراههن
غفور رحيم: ، وإن شئت قلت: »فإن الله من بعد إكراههن رحيم غفور«.
ويحسن
ذلك هنا أيضا شيء آخر وهو أن الرحمة كأنها أسبق رتبة من المغفرة وذلك أنه
سبحانه إنما يرحم فيغفر، فكان رتبة الرحمة أسبق في النفس من رتبة المغفرة؛
فلذلك جاز، بل حسن تعليق اللام في »لهن« بنفس »رحيم« وإن كان بعيدا عنها
لما ذكرناه من كون الرحمة سببا للمغفرة. فإذا كانت في الرتبة قبلها معنى
حسن أن تكون قبلها لفظا أيضا.
فإن جعلت (رحيم) صفة لـ (غفور) لم يجز أن
تعلق في »لهن« بنفس (رحيم) لامتناع تقدم الصفة على موصوفها. وإذا لم يجز
أن ينوى تقديمها عليه لم يجز أن تضع ما تعلق بها قبله لأنه إنما يجوز أن
يقع المعمول بحيث يجوز أن يقع العامل فيه. وأنت إذا جعلت (رحيما) صفة لـ
(غفور) لم يجز أن تقدمه عليه لامتناع جواز تقدم الصفة على موصوفها إذا
كانت حالة منه محل آخر أجزاء الكلمة من أولها«.
كما قرأ، رضي الله عنه
في نفس السورة، سورة النور هذا الجزء من الآية 35 كما يلي: »كأنها كوكب
دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو
يمسسه نار نور على نور.. »بالياء في قوله: »يمسسه«
أما الجماعة فتقرأه بالتاء هكذا »تمسسه« بالتاء.
يحسن
بنا قبل التعليق على قراءة عبد الله بن عباس هذه أن نشير، ولو بإيجاز، إلى
القراءات الأخرى الموجودة في هذا المقطع القرآني الرائع.
أول قراءة
نصادفها فيه هي قراءة »دري« بضم الدال وتشديد الياء من غير همز. يقرأ بها
نافع المدني وابن كثير المكي وابن عامر الشامي وحفص عن عاصم.
وتقرأ هذه
اللفظة »دريء« بضم الدال والمد والهمز؛ من طرف شعبة و حمزة. وإذا وقف حمزة
على هذه اللفظة أبدل الهمزة ياء مع إدغامه وعليه السكون المحض والإشمام
والروم، يوافقهما في هذه القراءة المطوعي.
وتقرأ كذلك هذه اللفظة »دريء« بكسر الدال والمد والهمز، قرأ بها أبو عمرو البصري والكسائي الكوفي، وافقهما اليزيدي.
أما
القراءة الثانية الموجودة في هذا المقطع القرآني فهي »توقد« بالتاء مفتوحة
وفتح الواو والدال والقاف مشددا، يقرأ بها من السبعة ابن كثير المكي و أبو
عمرو البصري ومن الثلاثة المتممة للعشرة أبوجعفر يزيد بن القعقاع ويعقوب
بن اسحاق الحضرمي وافقه اليزيدي يحيى بن المبارك وهو من القراء الأربعة
فوق العشرة.
ويقرأ الأئمة نافع المدني وابن عامر الشامي وحفص هذه
اللفظة هكذا: »يوقد« وتقرأ« توقد بتاء مضمومة و إسكان الواو وضم الدال
مخففا من طرف من نشير إليهم، نحن القراء، ب (صحبة) وهم شعبة و الأخوان
حمزة والكسائي.
وفيها قراءة أخرى، لكن غير متواترة ولايتعبد بتلاوتها
وهي »يوقد« قرأ بها السلمي والحسن البصري وابن محيصن وسلام وقتادة. وقرأ،
رضي الله عنه، الآية الأخيرة من سورة الفرقان وهي فيها برقم 77 كما يلي:
»قل مايعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما »ترك
فيه، رحمه الله، (أقصد ابن عباس في قراءته هذه) لفظ الحضور وهو: (فقد
كذبتم) إلى الغيبة وهو »كذَّبتم«. ولابد، اعتقد، من ذكر الآية في صيغتها
المتعبد بها، إنها تقرأ من طرف الجمهور هكذا: »قل مايعبؤا بكم ربي لولا
دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما«.
شارك ابن الزبير عبد الله بن عباس في هذه القراءة.
قال الزهري والنحاس: »وهي قراءة ابن مسعود وهي على التفسير للتاء والميم في »كدَّبتم«.
وذهب
الفارسي إلى أن الدعاء مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف. الأصل: لولا
دعاؤكم آلهة من دونه »وجواب« لولا« محذوف تقديره في هذا الوجه: لم يعذبكم«
ونظير قوله: لولا دعاؤكم آلهة »قوله في الآية 194 من سورة الأعراف: »إن
الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم«.
بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
13/11/2009
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty رد: لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

مُساهمة من طرف abdelhamid الأحد 29 نوفمبر 2009 - 6:47

كنا
ختمنا الحلقة السابقة بالحديث عن قراءة عبد الله بن عباس للآية 66 من سورة
النمل؛ الآية التي، قلنا، تقرأها الجماعة كما يلي: «بل ادّارك علمهم في
الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون» رأينا في حلقتنا تلك أنه قرأها
هو بأربع قراءات، أذكر بها بكل إيجاز:
الأولى كانت : «بل ادارك» بكسر لام «بل» بنقل حركة الهمزة إلى لام بل وشدد الدال بناء على أن وزنه (افْتعل) حين أدغم التاء في الدال
ـ الثانية: «بل آدرك» بمدة بعد همزة الاستفهام وأصله (أأدرك) قلبت الثانية ألف تخيفا كراهة الجمع بين همزتين.
ـ الثالثة: «بل ادراك» بهمزة داخلة على «ادراك» سقطت همزة الوصل المجتلبة لأجل الإدغام وبسبب النطق بالساكن.
ـ الرابعة: «بل ادراك» بإثبات الياء في «بلى» وبهمزة قطع والدال مشددة وألف بعدها في «ادراك».
ثم
ذكرنا قراءة أبي وهي: «أم تدارك» وأوردنا بعده قراءة ابن كثير ومن معه
وهي: «بل أدرك» على وزن (أفعل) وبيّنت قراءة ابن مسعود» بل أدرك وقراءة
مجاهد «أم ادرك»
وأواصل بحول الله وقوته البحث فيما بقي من قراءة الصحابي الجليل عبد الله بن عباس فأقول:
وقرأ
أيضا عبد الله بن عباس، رضي الله عنه وأرضاه في سورة القصص الآية 10 التي
يقرأها الناس كما يلي: «وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتُبدي به لوْلا
أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ؛ أقول: قرأها هو هكذا: وأصبح فؤاد
أم موسى قرعا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من
المومنين» نعم هكذا قرأها قرعا بالقاف والراء.
وقرأها فضالة بن عبد
الله الليثي والحسن البصري وأبو الهذيل ويزيد بن قطيب السكوني الشامي:
«وأصبح فؤاد موسى فزعا» بالفاء والزاي مفتوحين.
وحكى قطرب عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فِرَغاً» بفاء مكسورة وراء ساكنة وغين. وحكى فيها «مؤسى بالهمز.
أما
«فزعا» بالفاء والزاي فمعناه قلقا، يكاد يخرج من غلافه فينكشف ومنه قوله
تعالى في الآية 34 من سورة سبأ: «حتّى إذا فزّع عن قلوبهم» ، أي كشف عنها.
وأما «قرعا» بالقاف والراء فراجع إلى معنى «فارغا»، وذلك أن الرأس الأقرع هو الخالي من الشعر، وإذا خلا من الشيء فقد انكشف منه وعنه.
وأما
«فرغا» فكقولك : «هدرا» وباطلا، يؤكد ذلك كله قوله تعالى في الآية 10 من
سورة القصص «إن كادت لتبدي به» قال طليحة بن خويلد الأسدي:
فإن تك أدواد أصبن ونسوة فلن تذهبوا فرغا بقتل حبال
ومعنى «فارغا»، أي خاليا من الحزن لعلمها أنه لا يغرق.
وقال ابن عباس: «فارغا أي: خاليا من كل شيء إلا من ذكر موسى
وأما
همز موسى ففيه صنعة تصريفية، وذلك أن الساكن إذا جاور المتحرك فكثيرا ما
تقدر العرب أن تلك الحركة كأنها في الساكن فكأن ضمة موسى في الواو. والواو
إذا انضمت ضما لازما فهمزها جائز، كأعد وأجوه. وأيضا قولهم في المرأة
الكمأة «المرأة» و «الكمأة» فقلبوا الهمزة ألفا، لأنهم قدروا فتحة الهمزة
في الراء والميم قبلها، فصار كأنه المرأة والكمأة، فقيل فيه: مرأة وكماة،
كما يقال في تخفيف رأس وكأس: راس وكاس، ومنه قول بعضهم في الوقت: هذا بكر
ومررت»ُ ببكرْ، فنقلوا الضمة والكسرة إلى الساكن قبل الراء، وهو الكاف،
فكأن الراء محركة بحركة الكاف لأنها تجاورها. ففي ذلك شيئان:
أحدهما: الشح على حركة الإعراب أن يستهلكها الوقف.
والآخر: الاستراحة من اجتماع ساكنين. وهذا ونحوه مما تركناه تحاميا للإطالة به.
يدلك على أن حركة الحرف تحدث معه وأن الحركة إذا جاورت الساكن صارت كأنها فيه؛ فعليه جاءت همزة موسى أنشدنا أبو علي الفارسي:
لحبّ الموفدان إليّ مؤسى وجعدة إذ أضاءهما الوقود
وقرأ
أيضا، رضي الله عنه وأرضاه في سورة الروم الآية 48 التي يقرأها الناس كما
يلي: «الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء
ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عبده إذا
هم يستبشرون أقول يقرأها هو: «الله الذي يرسل الرياح فتثر سحابا فيبسطه في
السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلله فإذا أصاب به من
يشاء من عبده إذا هم يستبشرون» إنه فعلا يؤدّي قوله تعالى: «خلاله» عند
الجماعة هكذا «خلله» بفتح الخاء واللام الأولى. شاركه في هذه القراءة
زيادة على عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه الضحاك والحسن البصري لكن بخلاف
عن هذا الأخير.
يجوز أن يكون «خلل» واحد «خلال»، كجبل وجبال ودار
وديار، ويجوز أن يكون «خلال» واحدا عاقب خللا كالغرا والغِراء (وهو ما طلي
به أو ما ألصق به).
وسمى الرجل «خليلا» كأنه يسد خلل خليله، فهذا إذا
للسلب لا للإثبات كالسكاك المهواء بين الأرض والسماء، كأنه استلب معنى س ك
كـ وهو الضيق.
كما قرأ عبد الله بن عباس أيضا، رضي الله عنه وأرضاه في
سورة السجدة الآية 10 التي يقرأها الجمهور هكذا: «وقالوا إذا ضللنا في
الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون»، نعم يقرأ ضللنا التي
هي عند الجماعة بالضاد صللنا بالصاد مكسورة اللام.
شاركه في هذه
القراءة كل من عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه وإبان بن سعيد بن العاص بن
أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي والحسن البصري لكن بخلاف عنه.
وقرأ أيضا بالصاد مفتوحة اللام الحسن البصري.
يقول
لنا أبو الفتح عثمان بن جني في محتسبه، صفحة 174 من الجزء الثاني: صلّ
اللحم يصل: إذا أنتن، وصل أيضا يصل، بفتح الصاد والكسر في الموضوع أقوى
اللغتين. والمعنى :إذا دفنا في الأرض وصلّت أجسامنا» يقال: صلّ اللحم
وأصلّ صُلولاً وصلالا، قال الشاعر الحطيئة:
هو الفتى كلّ الفتى فاعلمي لا يفسد اللحم لديه الصّلول.
وقال زهير:
تلجلج مضغة فيها أنيض
أصلّت فهي تحت الكشح داء
وقرأ
أيضا، رضي الله عنه وأرضاه في سورة الأحزاب الآية 13 التي يقرأها الناس
كما يلي: وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن
فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلاّ
فرارا» هو يقرأها «وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا
ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورةٌ وماهي بعورة إن يريدون
إلا فرارا» قرأ اللفظ الذي تقرأه الجماعة: «عورة» بفتح العين وسكون الواو
هكذا: عورة بكسر الواو.
شاركه في هذه القراءة ابن يعمر وعبد السلام بن شداد أبو طالوت عن أبيه وأبو الرجاء بخلاف وقتادة.
يعلق
ابن جني كعادته على مثل هذه القراءات التي هي، من وجهة نظره، ليست
بالفصيحة، ولا يعبأ رحمه الله، كما نعبأ بذلك الضابط الإقرائي الذي نجعله
نحن دوما نصب أعيننا عندما ندرس قراءة ما؛ هذا الضابط الذي لا أمل من
تكراره أمام طلبتي الكرام وقرائي الأعزاء هو : «القراءات القرآنية لا تعمل
بالأفشى في العربية ولا بالأقيس في النحو وإنما هي سنة يجب إتباعها
والرجوع إليها».
يقول ابن جني إذا: «صحة الواو في هذا شاذة من طريق
الاستعمال، وذلك أنها متحركة بعد فتحة، فكان قياسها أن تقلب ألفا، فيقال:
«عارة» كما قالوا: «رجل مالٌ وامرأة مالة وكبش صاف (كبشٌ صافٌ: كثير
الصوف، والفعل صاف يصوف) ونعجة صافة ويوم راحٌ، ورجلٌ نالٌ من النّوال.
فكأن «عورة» أسهل من ذلك شيئا لأنها كأنها جارية على قولهم: عور الرّجل
فهو بلفظه والمعنيان ملتقيان، لأن المنزل إذا أعور فهناك إخلال واختلال
(أعور المنزل: بدت عورتهُ أي: الخلل الذي فيه).

بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
28/11/2009
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty رد: لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

مُساهمة من طرف abdelhamid الجمعة 4 ديسمبر 2009 - 16:06

آخر
ما تحدثنا عنه في الحلقة السابقة كما لاشك تذكرون هو قراءة عبد الله بن
عباس، رضي الله عنه وأرضاه للفظ »عورة« الموجود في سورة الأحزاب، الآية 13
وهي الآية التي تقرأها الجماعة كما يلي: (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب
لامقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إنَّ بيوتنا عورة
وماهي بعورة إن يريدون إلا فرارا).
رأينا أنه هو يقرأها هكذا: »وإذ
قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي
يقولون إن بيوتنا عورة وماهي بعورة إن يريدون إلا فرارا«؛ قرأ اللفظ الذي
تقرأه الجماعة: »عورة « بفتح العين وسكون الواو هكذا: »عورة« بكسر الواو،
ثم بعد ذلك، قمنا بتخريج هذه القراءة مبينين المعاني التي توحي بها،
متوجين كل ذلك بالتعليقات القيمة التي قدمها لنا ابن جني، رحمه الله.
وأواصل اليوم، بعون الله وقوته البحث فيما بقي من قراءته فأقول متوكلا عليه سبحانه وتعالى:
قرأ،
رضي الله عنه وأرضاه في سورة الأحزاب الآية 20 التي يقرأها الناس كما يلي:
(يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودو لو أنهم بادون في الأعراب
يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا«؛ أقول: هو يقرأها
هكذا: »يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بدى في
الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا«.
قرأ قوله تعالى: »بادون في الأعراب« الذي تقرأ به الجماعة قرأه هو:
»بدّىً في الأعراب« شديدة الدال منونة.
الملاحظ
هنا الذي يحسن أن نثير إليه انتباه إخواننا الأعزاء المتتبعين لهذه
الحلقات هو أن لا أحد من السادة القراء شارك، على الأقل في علمي المتواضع،
عبد الله بن عباس في قراءته لهذه اللفظة.
وعلى كل فـ»بُدّّىً« هذه جمع
بادِ، ونظيره قوله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران في الآية 156: »أوْ
كَانُوا غُزَّى« جمع غاز على »فُعَّل«؛ لكن لو كان على فُعَّال« بمد العين
لكان بُدَّاء وغُرَّاء ككاتب وكُتَّاب وضاربِ وضُرَّاب؛ ولله در الأصمعي
حين أنشد:
وأنا في الضراب قِيلانُ القُّلّة
»القيلان« جمع »القال«
وهي لعبة للصبيان: يأخذون عودين أحدهما طوله نحو ذراع والآخر قصير،
فيضربون الأصغر بالأكبر. فـ»القال« العود الأكبر الذي يضرب به؛ وهو أيضا
»المقلاء«. وأما »القلة« فهو العود الأصغر. وأصل »القال«: القلا، لأنه من
قلوت بالقلة، فوزنه (فلع) ووزن »القيلان« (فلعان).
كما قرأ، رضي الله
عنه وأرضاه في سورة سبأ الآية 14 التي يقرأها الجمهور كما يلي: »فلما
قضينا عليه الموت ما دلَّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منساته فلما
خرَّ تبيّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين«
قرأ »فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منْساته
فلما خر تبينت الإنس أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب
المهين«؛ جعل »الإنس« مكان »الجن«، أي تبينت الإنس أن الجن لو علموا بذلك
ما لبثوا في العذاب. يدل على صحة هذا التأويل ما رواه معبد عن قتادة، قال:
في مصحف عبد الله: »تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا
في العذاب المهين«.
شاركه في هذه القراءة، رضي الله عنه كل من الضحاك وأبي عبد الله وعلي بن الحسين.
كما
قرأ، رضي الله عنه وأرضاه في نفس السورة، سورة سبأ الآية 19 التي يقرأها
الجمهور كما يلي: »فقالوا ربَّنا باعِدْ بين أسفارنا وظلموا أنفسهم
فجعلناهم أحاديث ومزَّقناهم كل ممزَّق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور«؛
أقول قرأها هو: »فقالوا ربنا بَعَّدَ بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم
أحاديث ومزَّقناهم كل ممزّق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور«، فرفع باء:
»ربُّنا« على الخبر وفتح الباء من: »بعَّدَ« والعين ونصب النون من »بيْن«.
شاركه في قراءته هذه محمد بن علي بن الحنفية وابن يعمر بخلاف والكلبي وعمرو بن الفائد.
ولابن
عباس قراءة أخرى لهذه اللفظة، هي: »رَبَّنا باعَد بين أسفارنا«. شاركه في
هذه القراءة أيضا ابن يعمر ومحمد بن علي وأبو رجاء والحسن البصري لكن
بخلاف عنه وأبو صالح وسلام ويعقوب وابن أبي ليلى والكلبي. وقرأ: »ربَّنا
بَعُدَ« بفتح الباء والدال وضم العين،: »بين أسفارنا« بضم باء »بيْنُ« ابن
يعمر وسعيد بن أبي الحسن ومحمد بن السميفع وسفيان بن حسين بن حسن السلمي
والكلبي، لكن بخلف عن هذين الأخيرين، أما »بعَّد« و»باعَد بين أسفارنا«
فإن »بيْنَ« فيه منصوب نصب المفعول به، كقولك: بعَّدَ وباعَدَ مسافة
أسفارنا، وليس نصبه على الظرف؛ دليل ذلك قراءة من قرأ: »بَعُدَ بَيْنُ
أسفارنا«، كقولك: »بَعُدَ بيْنُ أسفرنا«.
يعتقد بعض اللغويين أن أصل
»بَيْنَ« مصدر بأن يبين بيْناً ثم استعملت ظرفا اتساعا وتجاوزا ثم استعملت
واصلة بين الشيئين؛ وعليه قراءة من قرأ الآية 94 من سورة الأنعام: »لَقدْ
تقطَّع بينكم« بالرفع؛ أي بالوصل.
وقرأ، رضي الله عنه وأرضاه في نفس
السورة، سورة سبأ الآية 23 التي يقرأها الجمهور كما يلي: »ولا تَنْفع
الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزعَ عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم،
قالوا الحق وهو العلي الكبير« يقرأها هو: »ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن
أذن له حتى إذا فزَّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي
الكبير«؛ قرأ »فَزَّع« مشددا مبنيا للفاعل من الفزع، وقرأ الحسن البصري
كذلك إلا أنه خفف الزاي، وقرأ عبد الله بن عمر والحسن البصري أيضا وأيوب
السختياني وقتادة وابن مجلز: »فُرِّغ« من »الفراغ« مشدد الراء مبنيا
للمفعول.
ذكر لنا محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الغرناطي في الجزء
السابع من تفسيره »البحر المحيط«، صفحة 266 قراءة لم أكن أعلمها، بل لم
يخطر ببالي أن يقرأ بها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود؛ قال أبو حيان:
»وقرأ ابن مسعود وعيسى: »افْرنْقَعَ عن قلوبهم« بمعنى انكشف عنها، وقال
تفرق »ثم نقل لنا ما قاله الزمخشري في الموضوع فقال: »وقال الزمخشري
والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين...«.
وقرأ كذلك، رضي
الله عنه وأرضاه في سورة يس الآية 9 التي تقرأها الجماعة كما يلي: »وجعلنا
من بين أيديهم سَدّاً ومن خلفهم سَدّاً فأغشيناهم فهم لا يُبصرون«؛ قرأها
هو: »»وجعلنا من بين أيديهم سَدّاً ومن خلفهم سَدّاً فأعشيناهم فهم لا
يُبصرون«؛ أي: أدى »فأغشيناهم« بالعين لا بالغين كما هي في المتواتر.
و»أعشيناهم« منقول من عَشِي يَعْشَى: إذا ضعف بصره فعَشِيَ وأعْشيْته كعمي وأعميته.
أما قراءة العامة: »فأغشيناهم« فهو على حذف المضاف، أي: فأغشينا أبصارهم: جعلنا عليها غشاوة.
يغتنم
اللغوي الكبير ابن جني دائما مثل هذ الاختلاف في الإقراء ليوضح نظريته
اللغوية العظيمة التي اشتهر بها وهي، بكل إيجاز، »الحرف القوي يعبر عن
المعنى القوي والحرف الضعيف يعبر عن المعنى الضعيف، والضم في اللفظة يعطي
قوة أكثر من الفتح في نفس اللفظ والكسرة اضعف من الفتحة والحرف المنقوط في
اللفظ أقوى من نفس الحرف غير المنقوط والواو يكسب للفظ قوة أكثر مما تكسبه
له الياء«.
يقول ابن جني معبرا عن هذا: ينبغي أن يعلم أن غ ش ي يلتقي
معناها مع غ ش و، وذلك ان الغشاوة على العين كالغشي على القلب، كل منهما
يركب صاحبه ويتجلله، غير أنهم خصوا ما على العين بالواو وما على القلب
بالياء من حيث كانت الواو أقوى لفظا من الياء وما يبدو للناظر من الغشاوة
على العين أبدى للحس مما يخامر القلب لأن ذلك غائب عن العين وإنما استدل
عليه بشواهده لابشاهده ومعاينه.

بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
3/12/2009
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه Empty رد: لمحة موجزة عن قراءة عبد الله بن عباس، رضي الله عنه

مُساهمة من طرف abdelhamid الأربعاء 6 يناير 2010 - 6:58

كنا
تحدثنا في آخر حلقتنا الأخيرة عن قراءة عبد الله بن عباس للآية 15 في سورة
محمد، ورأينا، كما لا شك تذكرون، أنه قرأ فيها قوله تعالى: »مَثَلُ
الجَنَّةِ التي وُعِدَ المُتَّقون فيها أنْهَارٌ مِن مَاء غير آسِنٍ«
هكذا: »أمْثالُ الجَنَّة التي وُعِدَ المُتَّقُونَ فيها أنْهَارُ مِنْ
مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وأنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ...«؛ قرأ
بجمع: »أمْثَال«؛ لم يشاركه، كما اتضح عندنا، أحد في هذه القراءة.
وأواصل
اليوم، بحول الله وقوته متابعة البحث والتنقيب فيما تركه لنا، رحمة الله
عليه من قراءات، هي في معظمها، ولا شك، تفسيرية؛ ملتمسا منه سبحانه وتعالى
العون والتوفيق؛ إنه، عز وجل، ولي ذلك وقادر عليه؛ فأقول: كما قرأ أيضا،
رضي الله عنه وأرضاه في سورة الحجرات الآية 13 التي تقرأ من طرف القراء
السبعة كمايلي: »يَأيُّها النَّاس إنَّا خَلَقْناكُمُ مِن ذَكَرٍ وأنْثَى
وجَعَلْناكُم شُعُوباً وقبائِل لِتَعارَفوا إِنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله
أتْقَاكُم إنَْ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ«؛ قرأ، رحمة الله عليه: »يَأيُّها
النَّاس إنَّا خَلَقْناكُمُ مِن ذَكَرٍ وأنْثَى وجَعَلْناكُم شُعُوباً
وقبائِل لِتَعْرفوا إِنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أتْقَاكُم إنَْ الله
عَلِيمٌ خَبِيرٌ«، قرأ »لِتَعْرفوا« مضارع عرف، وبالمعنى: أنكم جعلكم الله
تعالى ما ذُكِرَ كي يعرف بعضكم بعضا في النسب، فلا ينتمي إلى غير آبائه،
لا التفاخر بالآباء والأجداد، ودعوى التفاضل هي التقوى. وفي خطبته عليه
الصلاة والسلام يوم فتح مكة »إنما الناس رجلان، مؤمن تقي كريم على الله
وفاجر شقي هين على الله، ثم قرأ الآية.
ورغم هذا التنبيه البليغ من
رسولنا الكريم عليه صلوات الله وسلامه مازال - ولاحول ولا قوة إلا بالله -
التفاخر بالآباء والأجداد، ودعوى التفاضل بالمذاهب والعلوم بالصنائع،
وأكثره بالأنساب؛ قال الشاعر:
وأعجبُ شيءٍ إلى عَاقِل فُرُوعٌ عَن المَجْدِ مُسْتأخِرَة
إذا سُئِلوا مَا لَهُم مِنْ عُلا أشَارُوا إلى أعْظُمٍ نَاخرَة
أما الجمهور فقرأ كما رأينا: »ليتعارفوا« مضارع »تعارف« محذوف الياء.
وقرأ
أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع البزي؛ الراوي الأول عن ابن
كثير المكي: »لِتَعَارَفُوا« بتشديد التاء وصلا ووقفا. شارك البزي في هذه
القراءة كل من مجاهد وابن محيصن.
وقرأ سليمان بن مهران الأعمش؛ وهو من الأربعة عشر بتاءيْن: »لِتتعارفوا«.
ولابن
عباس قراءة أخرى لهذه اللفظة هي: »لِتَعْرَفوا« مضارع (عَرَف). والمفعول
هن محذوف، أي: لتعرفوا ما أنتم محتاجون إلى معرفته من هذا الوجه، وهو كقول
المتلمس:
لذي الحِلْم قَبْل اليوم ما تقْرَعُ العَصا وما عُلِّمَ الإنسانُ إلا ليَعْلما
أي ليعلم ما عُلِّمَهُ، أو ليعلم ما يدعو إلى علمه ما عُلمه. وحذف المفعول في اللغة العربية كثير.
ويقرأ
عبد الله بن عباس أيضا، رضي الله عنه وأرضاه في سورة ق الآية 36 التي
تقرأها الجماعة كما يلي: »وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلهم مَن قرْن هُمْ أشدَّ
منهم بطشا فنقَّبوا في البلاد هل من محيص«؛ أقول: يقرأها هو: »وكم أهلكنا
قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقِّبوا في البلاد هل من محيص« بكسر القاف
مشددا في قوله تعالى: »فنَقِّبوا في البلاد«.
أما الجمهور فقرأ كما هو
مثبت في الآية أعلاه: »فنَقَّبوا« بفتح القاف مشددة. يظهر أن الضمير في
»نقِّبوا« عائد على (كَمْ)، وبهذا يكون المعنى: »دخلوا البلاد في أنقابها«
ثم طافوا ونقروا وبحثوا. أقول هذا لأن »التنقيب« هو التنقير والبحث. قال
امرؤ القيس في معنى التطواف:
وقدْ نَقَّبْتُ في الآفاق حَتَّى رَضِيتُ مِنَ الغَنِيمة بالإياب
وقال الحارث بن خلدة:
نَقَّبوا في البِلاد منْ حَذَروا الموْ تِ وجَالوا في الأرض كلَّ مجال
فـ(نَقَّبوا)
متسبب عن شدة بطشهم؛ فهي التي أقدرتهم على التنقيب وقوتهم عليه. لكن بعض
المفسرين يرى أن الضمير في »نقبوا« عائد على قريش، وبهذا يكون المعنى
عندهم: نقبوا في أسفارهم في بلاد القرون؛ فهل رأوا محيصا حتى يؤملوه
لأنفسهم؟ ويدل على عود الضمير على أهل مكة قراءة ابن عباس وابن يعمر وأبي
العالية ونصر بن يسار وأبي حيوة والأصمعي عن أبي عمرو بكسر القاف مشددة
على الأمر لأهل مكة.
وقرئ بكسر القاف خفيفة، نقبت أقدامهم وأخفاف إبلهم أو حفيت لكثرة التطواف في البلاد.
وتفضل
الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، رضي الله عنه بتفسير اللفظ الذي اختلف
في قراءته وهو »ألتنَاهُم« في الآية 21 من سورة الطور التي هي: »والذين
آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذُريتهم وما ألتناهم من عملهم من
شيء كل امرئ بما كسب رهين«، فقال: »ألتناهم«: نقصناهم يقال: ألتَه يا لِته
ألتاً، وآلته يؤلتُه إيلاتاً كلهن بمعنى واحد، أي: نقصه. قال الحطيئة:
أبلغ لديك بني سعد مغلغلة: جهد الرسالة لا ألتا ولا كذباً.
أما الأعرج فقرأ هذه اللفظة هكذا: »آلتناهم« على (أفعلناهم).
وقرأ عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب »ومالتناهم«
ولابن
عباس رضي الله عنه موقف صريح في كل قراءة لا يراها مقبولة، قال عن قراءة
قوله تعالى: »جنة المأوى« في الآية 15 من سورة النجم وهو اللفظ الذي يقراه
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن الزبير وأنس بخلاف عنهما وأبو هريرة
وأبو الدرداء وزر بن حبيش وقتادة ومحمد بن كعب:
»جنه المأوى«.
قل
ابن جني: »قال أبو حاتم: روي عن ابن عباس وعائشة وابن الزبير قالوا: من
قراها » جنة المأوى«، فأجنه الله، قال: وقال سعد بن مالك: قيل إن فلاناً
يقرأ: »جنة المأوى«، فقال: ما له أجنه الله:
وروي عن قطرب، قال: سأل
ابن عباس أبا العالية: كيف تقرءونها يا أبا العالية؟ فقال: »عندها جنه
المأوى«، فقال: صدقت، هي مثل الأخرى : »جنات المأوى« (التي في الآية 19 في
سورة السجدة). فقالت عائشة - رحمة الله عليها - : من قرأ »جنه المأوى«
يريد جنَّ عليه، فأجنه الله.
قال قطرب أيضا: وقد حكي عن علي أنه قرأ »جنهُ«، يعني فعله.
كما
قرأ أيضا، رضي الله عنه وأرضاه في سورة النجم الآية 19 التي تقرأ من طرف
الجمهور كمايلي: »أفرءيتم اللات والعُزى«، أقول: قرأها هو: »أفرءيتم اللات
والعُزى »بتشديد تاء »اللات«.
يقص علينا العالم اللغوي الكبير ابن جني قصة لطيفة نستطيع من قراءتنا لها فهم المعنى الحقيقي لـ »اللات«.
يقول
في الجزء الثاني من محتسبه في الصفحة 294، روينا عن قطرب: كان رجل بسوق
عكاظ يلث السويق والسمن عند صخرة. فإذا باع السويق والسمن صبَّ على
الصخرة، ثم يلث. فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف تلك الصخرة إعظاما لذلك
الرجل صاحب السويق. قال أبو حاتم: كان رجل يلث لهم السويق فإذا شرب منه
أحد سمن، فعبدوا ذلك الرجل.
وحكى أبو الحسن فيها: »أفرءيتم اللات« بكسر
التاء. وذهب إلى أنها بدل من لام الفعل، بمنزلة التاء في كيت وذيت وأن
الألف قبلها عين الفعل بمنزلة ألف شاة وذات مال.
وقرأ عبد الله بن
عباس، رضي الله عنه وأرضاه في سورة الواقعة الآية 82 التي تقرأها الجماعة
كما يلي: »وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون«، قرأها: »وتجعلون شكركم أنكم
تكذبون« جعل مكان »رزقكم« »شكركم« ، شكر ما رزقكم الله من إنزال القرآن
عليكم تكذيبكم به. أي: تضعون مكان الشكر التكذيب ومن هذا المعنى قول
الراجز:
مكان شكر القوم عند المنن كي الصحيحات وفقء الأعين
شارك
في ابن عباس في هذه القراءة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ورويت
هذه القراءة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم،. ولا شك أنه قرأها عليه
الصلاة والسلام على سبيل التفسير فقط، لأن الرسول كما لايخفى مبلغ عن ربه
ولكنه أيضا مبين للناس مانزل إليه من ربه، وإنني لعلى شبه اليقين أنه يقرأ
الآية كما أنزلت عليه فيعيها الحاضرون الذين يبلغونها لمن بعدهم كما
سمعوها من رسول رب العالمين ثم تتلقاها جماعة عن جماعة عن جماعة يستحيل
تواطؤهم على الكذب، لكن إذا وجد في الزمرة من الصحابة رضوان الله عليهم
عربي من قبيلة لا توجد اللفظة المنزلة على رسوله في معجمه لا يستعمله قط
ولا يفهم معناها إن سمعها؛ حينما يقوم عليه الصلاة والسلام بترديد الآية
واضعا فيها لفظا مرادفا للفظ الذي لايعرفه العربي.
وأعتقد، والله أعلم
أن عربيا من أزد شنوءة كان حاضرا وقت إعادة قراءة هذه الأية من طرف الرسول
الكريم صلوات الله وسلامه عليه. والعربي من هذه القبيلة لايقول أبدا: »ما
رزق فلان فلانا« وإنما يقول: »ماشكر فلان فلانا«.
فليفهم هذا العربي معنى هذه الآية نطق بها رسول الله على سبيل التفسير.
شارك ابن عباس في هذه القراءة علي بن أبي طالب. وقرأ الجمهور: »تكذبون« من
التكذيب وعلي والمفضل عن عاصم من الكذب، فالمعنى إذن: من التكذيب أنه ليس
من عند الله، أي: القرآن أو المطر حيث ينسبون ذلك إلى النجوم، ومن الكذب
قولهم في القرآن : سحر وافتراء.



بقلم: الدكتور التهامي الراجي الهاشمي
1/1/2010
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى