أهلية البشر للرسالة بقلم : فؤاد الدقس- كاتب سوري
صفحة 1 من اصل 1
أهلية البشر للرسالة بقلم : فؤاد الدقس- كاتب سوري
يقول الله تعالي في محكم تنزيله : "بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَئ عَجِيب" "قّ:2"
إن الذين يعجبون وينكرون وكذلك يستعظمون ويستبعدون اختيار الله تعالي بعض البشر لتحمّل الرسالة لايقدرون الإنسان قدره. فالإنسان مؤهل لتحمّل الأمانة العظمي» أمانة الله التي أشفقت السموات والأرض والجبال من حملها.قال جل شأنه :"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً""الأحزاب:72"
والذين استعظموا اختيار الله من البشر رسلاً نظروا إلي المظهر الخارجي للإنسان. نظروا إليه علي أنه جسد يأكل ويشرب وينام. ويمشي في الأرض لتلبية حاجاته قال جل شأنه : "وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكى فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً" "الفرقان:7"
ولم ينظروا إلي جوهر الإنسان. وهو تلك الروح التي هي نفخة من روح الله. قال سبحانه "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" "الحجر:29"
وبهذه الروح تميز الإنسان. وصار متفرداً. واستخلف في الأرض. وقد أودعه الله تعالي الاستعداد للاتصال به عن طريق تلك النفخة العلوية التي ميزته. فلا عجب أن يختار الله تعالي واحداً من الجنس البشري صاحب الاستعداد للتلقي. فيوحي إليه ما يهدي به إخوانه كلّما أظلم عليهم الطريق. وما يقدم به إليهم العون كلّما كانوا بحاجة إلي العون» علاوة علي أن الرسل يُعدّون إعداداً خاصّاً لتحمُّل النبوة والرسالة ويصنعون صنعاً فريداً قال جل شأنه: "واصطنعتُكَ لِنفسي" "طه41" أي: اخترتك لرسالتي ووحيي» وأصل الاصطناع : اتخاذ الصنيعة وهو الخير تسديه إلي إنسان.
والرسالة لا تأتي للرسل اعتباطاً ــ حاشا لله ــ فالله تعالي أعلم حيث يجعل رسالته.
يقول الإمام أبو حيان الأندلسي "654 ــ 745" هجرية في تفسيره البحرالمحيط في قوله تعالي: "بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرى مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْئ عَجِيبب" "قّ:2": إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب . وهو أن ينذرهم بالخوف رجل منهم قد عرفوا صدقه وأمانته ونصحه .فكان المناسب أن لا يعجبوا . وهذا مع اعترافهم بقدرة الله تعالي.
ويقول الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن : قوله تعالي:"بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ" "أن" في موضع نصب علي تقدير لأن جاءهم منذر منهم. يعني سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم والضمير للكفار» وقيل: للمؤمنين والكفار جميعاً. ثم ميز بينهم "فَقَالَ الْكَافِرُونَ" ولم يقل فقالوا. بل قبح حالهم وفعلهم ووصفهم بالكفر. وقوله سبحانه : "هَذَا شَيْئ عَجِيب" العجيب الأمر الذي يتعجب منه. وكذلك العجاب بالضم. والعجاب بالتشديد أكثر منه. وكذلك الأعجوبة. وقال قتادة:عجبهم أن دعوا إلي إله واحد.
ويقول الحافظ ابن كثير في تفسيره : تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر كقوله جل جلاله: "أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَي رَجُل مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواأَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْق عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحر مُبِين" "يونس:2"
أي وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس أيضاً.
وجاء في تفسير الجلالين : رسول من أنفسهم يخوفهم بالنار بعد البعث "فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا" الإنذار "شَيْئ عَجِيبب".
والعجب والتعجب: حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء. ولهذا قال بعض الحكماء: العجب ما لا يعرف سببه. ولهذا قيل: لا يصح علي الله التعجب»إذ هو علام الغيوب لا تخفي عليه خافية. يقال: عجبت عجباً. ويقال للشيءالذي يتعجب منه: عجب. ولما لم يعهد مثله عجيب.
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره "تيسير الكريم المنان فيتفسير كلام الرحمن" : "بَلْ عَجِبُوا" أي: المكذبون للرسول صلي الله عليه وسلم. "أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر منهم" أي: ينذرهم ما يضرهم. ويأمرهم بما ينفعهم. وهو من جنسهم. يمكنهم التلقي عنه. ومعرفة أحواله وصدقه.
فتعجبوا من أمر. لا ينبغي لهم التعجب منه. بل يتعجب من عقل من تعجب منه.
وأورد الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير "عجبوا" حصل لهم العجب بفتح الجيم وهو الأمر غير المألوف للشخص "قَالَتْ يَا وَيْلَتَي أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوز وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَئ ىعَجِيب" "هود:72"
"قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ..." "هود:73"
فإن الاستفهام في أتعجبين استفهام إنكاري . وإنما تنكر استحالة ذلك لاكونه موجب تعجب » فالمعني هنا: أنهم نفوا جواز أن يرسل الله إليهم بشراًمثلهم » قال تعالي : "وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَي إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراًرَسُولاً" "الإسراء:94" پ
وعبر عن الرسول صلي الله عليه وسلم بوصف منذر وهو المخبر عن شر سيكونللإيماء إلي أن عجبهم كان ناشئاً عن صفتين في الرسول صلي الله عليه وسلمإحداهما أنه مخبر بعذاب يكون بعد الموت . أي مخبر بما لا يصدقون بوقوعه .وإنما أنذرهم الرسول صلي الله عليه وسلم بعذاب الآخرة بعد البعث كما قالتعالي: "...إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرى لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابيشَدِيدي" "سـبأ:46"
والثانية : كونه من نوع البشر » حيث فضح شبهتهم الباطلة حين قال الكافرون: هذا شيء عجيب.
لقد استحال عندهم أن يرسل الله إليهم أحداً من نوعهم » ولذلك وصف الرسول صلي الله عليه وسلم ابتداء بصفة منذر قبل وصفه بأنه منهم ليدل علي أن ما أنذرهم به هو الباعث الأصلي لتكذيبهم إياه وأن كونه منهم إنما قوي الاستحالة والتعجب.
لقد كان الكفار في الأمم الماضية إذا جاءهم رسول من عند الله ينكرون عليه ذلك » وكذلك فعل كفار قريش وغيرهم من المشركين لما جاءهم رسول الله صلي الله عليه وسلم بالرسالة من عند الله » وكان إنكارهم قائماً علي مزاعم باطلة
منها أن الرسل يجب أن يكونوا من الملائكة لا من البشر.
لقد اتخذت بشرية الرسل عليهم السلام حجة للذين لا يريدون أن يؤمنوا »والرسول مبلغ عن ربه » ولابد أن يكون من جنس القوم الذين أرسل إليهم»ولابد أن يكون قد عاش بينهم فترة قبل الرسالة واشتهر بالأمانة والصدق حتي لا يكذبوه» وفي الوقت نفسه هو قدوة» ولذلك لابد أن يكون من جنس قومه لأنه سيطبق المنهج عملياً أمامهم » ولو كان من جنس آخر لاعترضوا واحتجوا وقالوا لا نطيق ما كلفتنا به يا رب لأن هذا رسول الله مخلوق من غير مادتنا فالملائكة أجساد نورانية لطيفة .وهم مجبولون علي الطاعة» وبالمقابل فمن أرسلته منهم رسولاً إلينا سيكون مجبولاً علي الطاعة لأن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
كما زعموا أن رسالة الله تعالي إن كانت تجوز للبشر فينبغي أن تنزل علي أكابر القوم وسادتهم فقالوا : "وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَاالْقُرْآنُ عَلَي رَجُل مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم""الزخرف:31"وقصدوا بالقريتين مكة والطائف» وقصدوا بعظيمي القريتين أحدرؤوس الكفر الوليد بن المغيرة المخزومي . والصحابي الشهيد عروة بن مسعودالثقفي رضي الله عنه ــ ولم يكن وقتها قد أسلم حيث تأخر إسلامه إلي ما بعد حصار الطائف في السنة التاسعة من الهجرة.
وقد ردَّ الله تعالي عليهم بقوله : "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَات لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ" "الزخرف:32"
يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين في كتابه "حول تفسير سورة ق": المعني : إن رحمة الله تعالي التي يرحمهم بها في تيسير أسباب معيشتهم وكسبهم خيرات الدنيا وأرزاقها ليست عائدة إلي تدبيرهم » بل إلي تدبير الله تعالي وحكمته » فهو يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر . ويرفع الناس درجات فيأمور الدنيا ومواهبهم وعقولهم ومداركهم وأفكارهم » فكل واحد يتجه إلي عمل يستحسنه ويهواه ويكسب منه ويتربح » وفي ذلك حكمة ارتباط حاجاتهم إلي بعض »فكل واحد منهم هو محتاج إلي الآخر» وفي هذا تدبير وتصريف العليم الخبير وذلك ليس موكولاً إليهم » فكيف بالرحمة الكبري والنعمة العظمي التي يتوقف عليها صلاح العالم في الدنيا والآخرة وهي الرسالة الإلهية وإيتاء النبوة وإنزال الوحي الإلهي الذي به سعادة الدنيا والآخرة وصلاحهما » كيف يكون ذلك موكولاً إليهم؟!
بل إن ذلك راجع كله إلي الله تعالي وحده العالم بكل شيء . والعليم بمن هو أهل لذلك » وبمن هو ليس بأهل لذلك . وهو جل شأنه الحكيم في إرسال الرسل وتخصيصهم بالرسالة دون غيرهم فالله أعلم حيث يجعل رسالته.
إن الذين يعجبون وينكرون وكذلك يستعظمون ويستبعدون اختيار الله تعالي بعض البشر لتحمّل الرسالة لايقدرون الإنسان قدره. فالإنسان مؤهل لتحمّل الأمانة العظمي» أمانة الله التي أشفقت السموات والأرض والجبال من حملها.قال جل شأنه :"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً""الأحزاب:72"
والذين استعظموا اختيار الله من البشر رسلاً نظروا إلي المظهر الخارجي للإنسان. نظروا إليه علي أنه جسد يأكل ويشرب وينام. ويمشي في الأرض لتلبية حاجاته قال جل شأنه : "وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكى فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً" "الفرقان:7"
ولم ينظروا إلي جوهر الإنسان. وهو تلك الروح التي هي نفخة من روح الله. قال سبحانه "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" "الحجر:29"
وبهذه الروح تميز الإنسان. وصار متفرداً. واستخلف في الأرض. وقد أودعه الله تعالي الاستعداد للاتصال به عن طريق تلك النفخة العلوية التي ميزته. فلا عجب أن يختار الله تعالي واحداً من الجنس البشري صاحب الاستعداد للتلقي. فيوحي إليه ما يهدي به إخوانه كلّما أظلم عليهم الطريق. وما يقدم به إليهم العون كلّما كانوا بحاجة إلي العون» علاوة علي أن الرسل يُعدّون إعداداً خاصّاً لتحمُّل النبوة والرسالة ويصنعون صنعاً فريداً قال جل شأنه: "واصطنعتُكَ لِنفسي" "طه41" أي: اخترتك لرسالتي ووحيي» وأصل الاصطناع : اتخاذ الصنيعة وهو الخير تسديه إلي إنسان.
والرسالة لا تأتي للرسل اعتباطاً ــ حاشا لله ــ فالله تعالي أعلم حيث يجعل رسالته.
يقول الإمام أبو حيان الأندلسي "654 ــ 745" هجرية في تفسيره البحرالمحيط في قوله تعالي: "بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرى مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْئ عَجِيبب" "قّ:2": إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب . وهو أن ينذرهم بالخوف رجل منهم قد عرفوا صدقه وأمانته ونصحه .فكان المناسب أن لا يعجبوا . وهذا مع اعترافهم بقدرة الله تعالي.
ويقول الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن : قوله تعالي:"بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر مِنْهُمْ" "أن" في موضع نصب علي تقدير لأن جاءهم منذر منهم. يعني سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم والضمير للكفار» وقيل: للمؤمنين والكفار جميعاً. ثم ميز بينهم "فَقَالَ الْكَافِرُونَ" ولم يقل فقالوا. بل قبح حالهم وفعلهم ووصفهم بالكفر. وقوله سبحانه : "هَذَا شَيْئ عَجِيب" العجيب الأمر الذي يتعجب منه. وكذلك العجاب بالضم. والعجاب بالتشديد أكثر منه. وكذلك الأعجوبة. وقال قتادة:عجبهم أن دعوا إلي إله واحد.
ويقول الحافظ ابن كثير في تفسيره : تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر كقوله جل جلاله: "أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَي رَجُل مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواأَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْق عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحر مُبِين" "يونس:2"
أي وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس أيضاً.
وجاء في تفسير الجلالين : رسول من أنفسهم يخوفهم بالنار بعد البعث "فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا" الإنذار "شَيْئ عَجِيبب".
والعجب والتعجب: حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء. ولهذا قال بعض الحكماء: العجب ما لا يعرف سببه. ولهذا قيل: لا يصح علي الله التعجب»إذ هو علام الغيوب لا تخفي عليه خافية. يقال: عجبت عجباً. ويقال للشيءالذي يتعجب منه: عجب. ولما لم يعهد مثله عجيب.
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره "تيسير الكريم المنان فيتفسير كلام الرحمن" : "بَلْ عَجِبُوا" أي: المكذبون للرسول صلي الله عليه وسلم. "أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِر منهم" أي: ينذرهم ما يضرهم. ويأمرهم بما ينفعهم. وهو من جنسهم. يمكنهم التلقي عنه. ومعرفة أحواله وصدقه.
فتعجبوا من أمر. لا ينبغي لهم التعجب منه. بل يتعجب من عقل من تعجب منه.
وأورد الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير "عجبوا" حصل لهم العجب بفتح الجيم وهو الأمر غير المألوف للشخص "قَالَتْ يَا وَيْلَتَي أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوز وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَئ ىعَجِيب" "هود:72"
"قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ..." "هود:73"
فإن الاستفهام في أتعجبين استفهام إنكاري . وإنما تنكر استحالة ذلك لاكونه موجب تعجب » فالمعني هنا: أنهم نفوا جواز أن يرسل الله إليهم بشراًمثلهم » قال تعالي : "وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَي إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراًرَسُولاً" "الإسراء:94" پ
وعبر عن الرسول صلي الله عليه وسلم بوصف منذر وهو المخبر عن شر سيكونللإيماء إلي أن عجبهم كان ناشئاً عن صفتين في الرسول صلي الله عليه وسلمإحداهما أنه مخبر بعذاب يكون بعد الموت . أي مخبر بما لا يصدقون بوقوعه .وإنما أنذرهم الرسول صلي الله عليه وسلم بعذاب الآخرة بعد البعث كما قالتعالي: "...إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرى لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابيشَدِيدي" "سـبأ:46"
والثانية : كونه من نوع البشر » حيث فضح شبهتهم الباطلة حين قال الكافرون: هذا شيء عجيب.
لقد استحال عندهم أن يرسل الله إليهم أحداً من نوعهم » ولذلك وصف الرسول صلي الله عليه وسلم ابتداء بصفة منذر قبل وصفه بأنه منهم ليدل علي أن ما أنذرهم به هو الباعث الأصلي لتكذيبهم إياه وأن كونه منهم إنما قوي الاستحالة والتعجب.
لقد كان الكفار في الأمم الماضية إذا جاءهم رسول من عند الله ينكرون عليه ذلك » وكذلك فعل كفار قريش وغيرهم من المشركين لما جاءهم رسول الله صلي الله عليه وسلم بالرسالة من عند الله » وكان إنكارهم قائماً علي مزاعم باطلة
منها أن الرسل يجب أن يكونوا من الملائكة لا من البشر.
لقد اتخذت بشرية الرسل عليهم السلام حجة للذين لا يريدون أن يؤمنوا »والرسول مبلغ عن ربه » ولابد أن يكون من جنس القوم الذين أرسل إليهم»ولابد أن يكون قد عاش بينهم فترة قبل الرسالة واشتهر بالأمانة والصدق حتي لا يكذبوه» وفي الوقت نفسه هو قدوة» ولذلك لابد أن يكون من جنس قومه لأنه سيطبق المنهج عملياً أمامهم » ولو كان من جنس آخر لاعترضوا واحتجوا وقالوا لا نطيق ما كلفتنا به يا رب لأن هذا رسول الله مخلوق من غير مادتنا فالملائكة أجساد نورانية لطيفة .وهم مجبولون علي الطاعة» وبالمقابل فمن أرسلته منهم رسولاً إلينا سيكون مجبولاً علي الطاعة لأن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
كما زعموا أن رسالة الله تعالي إن كانت تجوز للبشر فينبغي أن تنزل علي أكابر القوم وسادتهم فقالوا : "وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَاالْقُرْآنُ عَلَي رَجُل مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم""الزخرف:31"وقصدوا بالقريتين مكة والطائف» وقصدوا بعظيمي القريتين أحدرؤوس الكفر الوليد بن المغيرة المخزومي . والصحابي الشهيد عروة بن مسعودالثقفي رضي الله عنه ــ ولم يكن وقتها قد أسلم حيث تأخر إسلامه إلي ما بعد حصار الطائف في السنة التاسعة من الهجرة.
وقد ردَّ الله تعالي عليهم بقوله : "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَات لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ" "الزخرف:32"
يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين في كتابه "حول تفسير سورة ق": المعني : إن رحمة الله تعالي التي يرحمهم بها في تيسير أسباب معيشتهم وكسبهم خيرات الدنيا وأرزاقها ليست عائدة إلي تدبيرهم » بل إلي تدبير الله تعالي وحكمته » فهو يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر . ويرفع الناس درجات فيأمور الدنيا ومواهبهم وعقولهم ومداركهم وأفكارهم » فكل واحد يتجه إلي عمل يستحسنه ويهواه ويكسب منه ويتربح » وفي ذلك حكمة ارتباط حاجاتهم إلي بعض »فكل واحد منهم هو محتاج إلي الآخر» وفي هذا تدبير وتصريف العليم الخبير وذلك ليس موكولاً إليهم » فكيف بالرحمة الكبري والنعمة العظمي التي يتوقف عليها صلاح العالم في الدنيا والآخرة وهي الرسالة الإلهية وإيتاء النبوة وإنزال الوحي الإلهي الذي به سعادة الدنيا والآخرة وصلاحهما » كيف يكون ذلك موكولاً إليهم؟!
بل إن ذلك راجع كله إلي الله تعالي وحده العالم بكل شيء . والعليم بمن هو أهل لذلك » وبمن هو ليس بأهل لذلك . وهو جل شأنه الحكيم في إرسال الرسل وتخصيصهم بالرسالة دون غيرهم فالله أعلم حيث يجعل رسالته.
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» مقام العبودية /فؤاد الدقس
» حنفاء.. بشرية الرسل عليهم السلام - فؤاد الدقس- كاتب سوري
» خزائن رحمة الخالق/فؤاد الدقس - كّاتب سوري
» لاإله إلا الله.. أسرار وأنوار / فؤاد الدقس *
» مشاهد التوحيد / بقلم: فؤاد الدقس الكاتب السوري
» حنفاء.. بشرية الرسل عليهم السلام - فؤاد الدقس- كاتب سوري
» خزائن رحمة الخالق/فؤاد الدقس - كّاتب سوري
» لاإله إلا الله.. أسرار وأنوار / فؤاد الدقس *
» مشاهد التوحيد / بقلم: فؤاد الدقس الكاتب السوري
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى