مقام العبودية /فؤاد الدقس
صفحة 1 من اصل 1
مقام العبودية /فؤاد الدقس
مقام العبودية [1]
بقلم الكاتب السوري:
فؤاد الدقس
يقول الله تعالي في محكم تنزيله مخاطباً حبيبه المصطفي صلي الله عليه وسلم : 44.. "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" "الحجر:88"
يقول ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز : "واخفض " لهم "جناحك " هذه استعارة بمعني ليِّنْ جناحك ووطيءْ أكنافك وفي لسان العرب : الكنف :جانب الشيء . وكَنَفا الطائر: جناحاه والجناح : الجانب والجنب . ومنه"وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَي جَنَاحِكَ".. طه:22
فهو أمر بالميل إليهم . والجنوح : الميل
ويقول ابن عجيبة في تفسيره البحر المديد "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" أي : تواضع وألن جانبك للمؤمنين . وارفق بهم
ويقول أبو حيان في تفسيره البحر المحيط : الخفض مقابل الرفع . وهو كناية عن الإلانة والرفق 0ويقول الشيخ محمد علي الصابوني في صفوة التفاسير : أي : تواضع لمن آمن بك من المؤمنين وضعفائهم
لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم صاحب المثل الأكمل في التواضع مع علو مقامه . وشرف جنابه . وعِظَم مرتبته . ويتجلي تواضعه صلي الله عليه وسلم في سائر أحواله الخاصة والعامة . وفي مختلف أموره الخارجية والداخلية.
يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين في كتابه : سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم : إن من أعظم ما يدل علي تواضعه صلي الله عليه وسلم : أنه لما خيَّره الله تعالي بين أن يكون نبياً عبداً . أو نبياً ملكاً . اختار مع النبوة مقام العبودية تواضعاً لله تعالي . فقد أورد الإمام المنذري في ترغيبه ما رواه الإمام الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل عليه السلام علي الصفا . فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : يا جبريل والذي بعثك بالحق ما أمسي لآل محمد سفة من دقيق . ولا كف من سويق.
فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدَّة من السماء أفزعته.
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : أمر الله القيامة أن تقوم؟
فقال جبريل عليه السلام : لا. ولكن أمر إسرافيل فنزل إليك حين سمع كلامك.
فأتاه إسرافيل فقال : إن الله تعالي سمع ما ذكرت . فبعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض . وأمرني أن أعرض عليك أن أُسَيِّرَ معك جبال تِهامة زمرداً وياقوتاً وذهباً وفضة !فإن شئت نبياً ملكاً . وإن شئت نبياً عبداً ؟
فأومأ إليه جبريل عليه السلام أن تواضع.
فقال صلي الله عليه وسلم : بل نبياً عبداً قالها ثلاث مرات.
ولا ريب أن هناك فرقاً بين مقام الملكية والعبودية . فإن مقام الملكية يتطلب اتخاذ الجنود . واتخاذ الحُجَّاب والخيول . واتخاذ الخدم والقصور . ويتطلب الانتقام لمن يتعرض بالأذي لنفس الملك.
وأما مقام العبودية فإنه يقتضي أن يخدم نفسه بنفسه . وأن يكون في معونة أهله . تواضعاً منه صلي الله عليه وسلم . ويقتضي العفو والصفح عمن آذاه في نفسه صلي الله عليه وسلم . أما إذا انتهكت حرمات الله تعالي فينتقم لله
ولذلك كان يقول : آكل كما يأكل العبد.
أي : في القعود وهيئة التناول . والرضا بما حضر تواضعاً لله تعالي وأدباً معه . فلا يأكل متكئاً كما يفعل أهل الرفاهية والانبساط في الدنيا ونعيمها . وكان صلي الله عليه وسلم يقول : ..وأجلس كما يجلس العبد
يقول العلامة المناوي : المراد بالعبد هنا : الإنسان المتذلل المتواضع لربه تعالي
إن العبادة هي الخضوع والذل . وسمي الدين عبادة لأن العبد يؤديه بخضوع لله . وذل بين يديه . ولهذا قيل للإسلام عبادة.
والعبد هو : الذليل المنقاد لله المعظم لحرماته . وكلما كان العبد أكمل معرفة بالله وأكمل إيماناً به . صار أكمل عبادة . ولهذا كان الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أكمل الناس عبادة . لأنهم أكملهم معرفة وعلماً بالله تعالي . و أتمهم تعظيماً له.
وقد ورد ذكر العبودية بمختلف حروفها وألفاظها مشتركاً بين الرسل والأنبياء وعلي رأسهم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في عدة مواضع في القرآن الكريم فورد لفظ "عبد" فقال سبحانه :"إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدى أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ" "الزخرف:59" وهو هنا سيدنا عيسي عليه السلام .
يقول الإمام الألوسي في تفسيره :"إِنْ هُوَ " أي ما عيسي ابن مريم" إِلاَّ عَبْدى أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ " بالنبوة وروادفها فهو مرفوع المنزلة علي القدر لكن ليس له من استحقاق المعبودية من نصيب0وورد لفظ "العبد " في قوله تعالي :"وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابى" "صّ:30" وهو هنا سيدنا سليمان عليه السلام.
يقول الإمام الطبري في تفسيره :" نِعْمَ الْعَبْدُ " سليمان عليه السلام " إِنَّهُ أَوَّابى " إنه رجَّاع إلي طاعة الله توّاب إليه مما يكرهه منه وقيل: إنه عُنِي به أنه كثير الذكر لله والطاعة0
وورد في قوله تعالي :"وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابى""صّ:44" وهو هنا سيدنا أيوب عليه السلام .
يقول أبو السعود في تفسيره إرشاد العقل السليم إلي مزايا الكتاب الكريم 000نِعْمَ العبد " أي أيُّوبُ" إِنَّهُ أَوَّابى " تعليلى لمدحِه أي :رجَّاعى إلي الله تعالي
وورد لفظ"عبداً "في قوله تعالي :"لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً" "النساء:172" وهو هنا سيدنا عيسي عليه السلام
وورد في قوله تعالي :"ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحي إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً" "الإسراء:3" وهو هنا سيدنا نوح عليه السلام.
يقول الإمام ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير : ..إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً""الإسراء:3"
كان سيدنا نوح عليه السلام إِذا أَكل قال : الحمد لله . وإِذا شرب قال : الحمد لله" . وقال غيره : كان إِذا لبس ثوباً قال : الحمد لله . فسمَّاه الله عبداً شكوراً.
وأورد الإمام الرازي في تفسيره لقول الله تعالي : .. إِنه كان عبداً شكوراً ": كان نوح عليه السلام إذا أراد الإفطار عرض طعامه علي من آمن به فمن وجده محتاجاً آثره به.
وقال الإمام السمرقندي في تفسيره بحر العلوم : ثم أثني علي نوح فقال تعالي : .. إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا " أي : كان يحمد الله إذا شرب . وأكل . واكتسي.
ويقال : الشكور هو المبالغ في الشكر . أي : كان شاكراً لله تعالي في الأحوال كلها.
وورد في قوله تعالي :"فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً""الكهف:65" وهو هنا سيدنا الخضر عليه السلام.
يقول الإمام الماوردي قي تفسيره النكت والعيون :"فَوَجدا عبْداً من عبادنا.
هو الخضر عليه السلام . قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما اقتفي موسي أثر الحوت انتهي إلي رجل راقد وقد سجي عليه ثوبه . فسلم عليه موسي . فكشف ثوبه عن وجهه وردّ عليه السلام وقال : من أنت؟ قال : موسي
قال : صاحب بني إسرائيل؟
قال : نعم.
قال : وما لك في بني إسرائيل شغل؟
قال : أمرت أن آتيك وأصحبك.
ويردف الإمام الماوردي قائلاً: ... واختلفوا في الخضر هل كان مَلَكاً أو بشراً علي قولين :
أحدهما : أنه كان ملكاً أمر الله تعالي موسي أن يأخذ عنه مما حمّله إياه من علم الباطن
الثاني : أنه كان بشراً من الإنس
واختلف من قال هذا علي قولين :
أحدهما : كان نبياً لأن الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من هو فوقه» ولا يجوز أن يكون فوق النبي من ليس بنبي.
الثاني : أنه لم يكن نبياً وإنما كان عبداً صالحاً أودعه الله تعالي مِن علْم باطن الأمور ما لم يودع غيره . لأن النبي هو الداعي . والخضر كان مطلوباً ولم يكن داعياً طالباً.
ونستكمل الحديث العدد القادم بمشيئة الله
بقلم الكاتب السوري:
فؤاد الدقس
يقول الله تعالي في محكم تنزيله مخاطباً حبيبه المصطفي صلي الله عليه وسلم : 44.. "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" "الحجر:88"
يقول ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز : "واخفض " لهم "جناحك " هذه استعارة بمعني ليِّنْ جناحك ووطيءْ أكنافك وفي لسان العرب : الكنف :جانب الشيء . وكَنَفا الطائر: جناحاه والجناح : الجانب والجنب . ومنه"وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَي جَنَاحِكَ".. طه:22
فهو أمر بالميل إليهم . والجنوح : الميل
ويقول ابن عجيبة في تفسيره البحر المديد "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" أي : تواضع وألن جانبك للمؤمنين . وارفق بهم
ويقول أبو حيان في تفسيره البحر المحيط : الخفض مقابل الرفع . وهو كناية عن الإلانة والرفق 0ويقول الشيخ محمد علي الصابوني في صفوة التفاسير : أي : تواضع لمن آمن بك من المؤمنين وضعفائهم
لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم صاحب المثل الأكمل في التواضع مع علو مقامه . وشرف جنابه . وعِظَم مرتبته . ويتجلي تواضعه صلي الله عليه وسلم في سائر أحواله الخاصة والعامة . وفي مختلف أموره الخارجية والداخلية.
يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين في كتابه : سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم : إن من أعظم ما يدل علي تواضعه صلي الله عليه وسلم : أنه لما خيَّره الله تعالي بين أن يكون نبياً عبداً . أو نبياً ملكاً . اختار مع النبوة مقام العبودية تواضعاً لله تعالي . فقد أورد الإمام المنذري في ترغيبه ما رواه الإمام الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل عليه السلام علي الصفا . فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : يا جبريل والذي بعثك بالحق ما أمسي لآل محمد سفة من دقيق . ولا كف من سويق.
فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدَّة من السماء أفزعته.
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : أمر الله القيامة أن تقوم؟
فقال جبريل عليه السلام : لا. ولكن أمر إسرافيل فنزل إليك حين سمع كلامك.
فأتاه إسرافيل فقال : إن الله تعالي سمع ما ذكرت . فبعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض . وأمرني أن أعرض عليك أن أُسَيِّرَ معك جبال تِهامة زمرداً وياقوتاً وذهباً وفضة !فإن شئت نبياً ملكاً . وإن شئت نبياً عبداً ؟
فأومأ إليه جبريل عليه السلام أن تواضع.
فقال صلي الله عليه وسلم : بل نبياً عبداً قالها ثلاث مرات.
ولا ريب أن هناك فرقاً بين مقام الملكية والعبودية . فإن مقام الملكية يتطلب اتخاذ الجنود . واتخاذ الحُجَّاب والخيول . واتخاذ الخدم والقصور . ويتطلب الانتقام لمن يتعرض بالأذي لنفس الملك.
وأما مقام العبودية فإنه يقتضي أن يخدم نفسه بنفسه . وأن يكون في معونة أهله . تواضعاً منه صلي الله عليه وسلم . ويقتضي العفو والصفح عمن آذاه في نفسه صلي الله عليه وسلم . أما إذا انتهكت حرمات الله تعالي فينتقم لله
ولذلك كان يقول : آكل كما يأكل العبد.
أي : في القعود وهيئة التناول . والرضا بما حضر تواضعاً لله تعالي وأدباً معه . فلا يأكل متكئاً كما يفعل أهل الرفاهية والانبساط في الدنيا ونعيمها . وكان صلي الله عليه وسلم يقول : ..وأجلس كما يجلس العبد
يقول العلامة المناوي : المراد بالعبد هنا : الإنسان المتذلل المتواضع لربه تعالي
إن العبادة هي الخضوع والذل . وسمي الدين عبادة لأن العبد يؤديه بخضوع لله . وذل بين يديه . ولهذا قيل للإسلام عبادة.
والعبد هو : الذليل المنقاد لله المعظم لحرماته . وكلما كان العبد أكمل معرفة بالله وأكمل إيماناً به . صار أكمل عبادة . ولهذا كان الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أكمل الناس عبادة . لأنهم أكملهم معرفة وعلماً بالله تعالي . و أتمهم تعظيماً له.
وقد ورد ذكر العبودية بمختلف حروفها وألفاظها مشتركاً بين الرسل والأنبياء وعلي رأسهم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في عدة مواضع في القرآن الكريم فورد لفظ "عبد" فقال سبحانه :"إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدى أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ" "الزخرف:59" وهو هنا سيدنا عيسي عليه السلام .
يقول الإمام الألوسي في تفسيره :"إِنْ هُوَ " أي ما عيسي ابن مريم" إِلاَّ عَبْدى أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ " بالنبوة وروادفها فهو مرفوع المنزلة علي القدر لكن ليس له من استحقاق المعبودية من نصيب0وورد لفظ "العبد " في قوله تعالي :"وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابى" "صّ:30" وهو هنا سيدنا سليمان عليه السلام.
يقول الإمام الطبري في تفسيره :" نِعْمَ الْعَبْدُ " سليمان عليه السلام " إِنَّهُ أَوَّابى " إنه رجَّاع إلي طاعة الله توّاب إليه مما يكرهه منه وقيل: إنه عُنِي به أنه كثير الذكر لله والطاعة0
وورد في قوله تعالي :"وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابى""صّ:44" وهو هنا سيدنا أيوب عليه السلام .
يقول أبو السعود في تفسيره إرشاد العقل السليم إلي مزايا الكتاب الكريم 000نِعْمَ العبد " أي أيُّوبُ" إِنَّهُ أَوَّابى " تعليلى لمدحِه أي :رجَّاعى إلي الله تعالي
وورد لفظ"عبداً "في قوله تعالي :"لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً" "النساء:172" وهو هنا سيدنا عيسي عليه السلام
وورد في قوله تعالي :"ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحي إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً" "الإسراء:3" وهو هنا سيدنا نوح عليه السلام.
يقول الإمام ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير : ..إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً""الإسراء:3"
كان سيدنا نوح عليه السلام إِذا أَكل قال : الحمد لله . وإِذا شرب قال : الحمد لله" . وقال غيره : كان إِذا لبس ثوباً قال : الحمد لله . فسمَّاه الله عبداً شكوراً.
وأورد الإمام الرازي في تفسيره لقول الله تعالي : .. إِنه كان عبداً شكوراً ": كان نوح عليه السلام إذا أراد الإفطار عرض طعامه علي من آمن به فمن وجده محتاجاً آثره به.
وقال الإمام السمرقندي في تفسيره بحر العلوم : ثم أثني علي نوح فقال تعالي : .. إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا " أي : كان يحمد الله إذا شرب . وأكل . واكتسي.
ويقال : الشكور هو المبالغ في الشكر . أي : كان شاكراً لله تعالي في الأحوال كلها.
وورد في قوله تعالي :"فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً""الكهف:65" وهو هنا سيدنا الخضر عليه السلام.
يقول الإمام الماوردي قي تفسيره النكت والعيون :"فَوَجدا عبْداً من عبادنا.
هو الخضر عليه السلام . قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما اقتفي موسي أثر الحوت انتهي إلي رجل راقد وقد سجي عليه ثوبه . فسلم عليه موسي . فكشف ثوبه عن وجهه وردّ عليه السلام وقال : من أنت؟ قال : موسي
قال : صاحب بني إسرائيل؟
قال : نعم.
قال : وما لك في بني إسرائيل شغل؟
قال : أمرت أن آتيك وأصحبك.
ويردف الإمام الماوردي قائلاً: ... واختلفوا في الخضر هل كان مَلَكاً أو بشراً علي قولين :
أحدهما : أنه كان ملكاً أمر الله تعالي موسي أن يأخذ عنه مما حمّله إياه من علم الباطن
الثاني : أنه كان بشراً من الإنس
واختلف من قال هذا علي قولين :
أحدهما : كان نبياً لأن الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من هو فوقه» ولا يجوز أن يكون فوق النبي من ليس بنبي.
الثاني : أنه لم يكن نبياً وإنما كان عبداً صالحاً أودعه الله تعالي مِن علْم باطن الأمور ما لم يودع غيره . لأن النبي هو الداعي . والخضر كان مطلوباً ولم يكن داعياً طالباً.
ونستكمل الحديث العدد القادم بمشيئة الله
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: مقام العبودية /فؤاد الدقس
مقام العبودية [أخيرة]
بقلم الكاتب السوري:
فؤاد الدقس
ذُكِر أن سبب تسمية الخضر بهذا الاسم لأنه كان إذا صلي في مكان اخضرّ ما حوله . وقيل غير ذلك.
وورد لفظ"عبداً "في قوله تعالي :"أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَي"9" عَبْداً إِذَا صَلَّي""العلق:10" هو هنا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
يقول أبو السعود في تفسيره :"أَرَءَيْتَ الذي ينهي * عَبْداً إِذَا صلي " تقبيحى وتشنيعى لحالهِ وتعجيبى منهَا وإيذانى بأنَّها منَ الشناعةِ والغرابةِ بحيثُ يجبُ أنْ يَراهَا كُلُّ منْ يتأتي منْهُ الرؤيةُ ويقضي منهَا العجبَ رُوي أن أبَا جهلي عمرو بن هشام قالَ في ملأي من طُغاةِ قريشي: لئِنْ رأيتُ محمداً يُصلي لأطأنَّ عنقَهُ فرأي رسول الله صلي الله عليه وسلم في الصَّلاةِ فجاءَهُ ثُمَّ نكصَ عَلي عقبيهِ فقالوا : ما لكَ؟ قال : إن بيني وبينهُ لخندقاً منْ ناري وهولاً وأجنحةً فنزلتْ0
ولفظُ العبدِ وتنكيرُه لتفخيمِه عليهِ السَّلامُ واستعظامِ النَّهي وتأكيدِ التعجبِ منْهُ والرؤيةُ هَهُنا بصريةى.
وورد لفظ"عبده" في قوله تعالي :"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَي عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا""الكهف:1" وهو هنا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
وورد في قوله تعالي :"ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا""مريم:2" وهو هنا سيدنا زكريا عليه السلام .
وورد في قوله تعالي :"تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَي عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً""الفرقان:1" وهو هنا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم .
وورد في قوله تعالي :"أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافي عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادي""الزمر:36" وهو هنا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
وورد في قوله تعالي :"فَأَوْحَي إِلَي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي" "النجم:10" وهو هنا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
وورد في قوله تعالي :"هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَي عَبْدِهِ آيَاتي بَيِّنَاتي لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَي النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفى رَحِيمى" "الحديد:9" وهو هنا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
وورد لفظ "عبدنا" في قوله تعالي :"وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبي مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَي عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةي مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" "البقرة:23" وهو هنا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم .
وورد في قوله تعالي :"وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءي فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَي عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْءي قَدِيرى" "لأنفال:41" وهو هنا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم 0
وورد في قوله تعالي : "اصْبِرْ عَلَي مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابى" "صّ:17" وهو هنا سيدنا داود عليه السلام 0
وفي قوله تعالي :"وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَي رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبي وَعَذَابي" "صّ:41" وهو هنا سيدنا أيوب عليه السلا
وورد في قوله تعالي :"كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحي فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونى وَازْدُجِرَ" القمر:9" وهو هنا سيدنا نوح عليه السلام
وورد لفظ"عبدين " في قوله تعالي" ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحي وَامْرَأَتَ لُوطي كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ" "التحريم:10" وهما هنا سيدنا نوح وسيدنا لوط عليهما السلام
يقول صاحب صفوة التفاسير في تفسير"صالِحَيْن " وصفهما الله تعالي بالعبودية تشريفاً وتكريماً لهما بإضافتهما إليه تعالي
وورد لفظ "عبادنا "في قوله تعالي :"وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأي بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ""يوسف:24" وهو هنا سيدنا يوسف عليه السلام.
يقول الإمام البغوي في تفسيره معالم التنزيل :" الْمُخْلَصِينَ " أي : المختارين للنبوة.
ويقول الإمام الألوسي في تفسيره : ومن نظر في قوله سبحانه :" إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين " رآه أفصح شاهد علي براءته عليه السلام . ومن ضم إليه قول إبليس" إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين " وجد إبليس مقراً بأنه لم يغوه ولم يضله عن سبيل الهدي كيف وهو عليه السلام من عباد الله تعالي المخلصين بشهادة الله تعالي . وقد تم استثناءهم من العموم:"قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ"82"إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ""صّ:83" وفي ذلك يقول صاحب صفوة التفاسير : أي يقول إبليس : إلا من استخلصته من عبادك لطاعتك ومرضاتك فلا قدرة لي علي إغوائه
وورد في قوله تعالي :"إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ""الصافات:81"وهو هنا سيدنا نوح عليه السلام.
أي : كان مخلصاً في العبودية لله تعالي . كامل الإيمان واليقين . وفي حاشية شيخ زادة علي البيضاوي : علل هذه التكرمة السنية بكونه من أولي الإحسان . ثم علل كونه محسناً بأنه كان عبداً مؤمناً . إظهاراً لجلالة قدر الإيمان وأصالة أمره
وورد في قوله تعالي :"إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ" "الصافات:111" وهو هنا سيدنا إبراهيم عليه السلام.
وورد في قوله تعالي :"إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ""الصافات:122" وهما هنا سيدنا موسي وسيدنا هارون عليهما السلام.
وورد في قوله تعالي :"إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ""الصافات:132" وهو هنا سيدنا سيدنا إلياس عليه السلام.
وورد في قوله تعالي :"وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ""صّ:45" وهم هنا أنبياء الله ورسله إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام .
وورد لفظ"لعبادنا " في قوله تعالي :"وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ""الصافات:171" وهم هنا جميع المرسلين عليهم السلام.
وورد لفظ"عبد الله" في قوله تعالي :"قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً""مريم:30" وهو هنا سيدنا عيسي عليه السلام.
وورد في قوله تعالي :"وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً""الجن:19" وهو هنا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
فالعبودية التي اتصفوا بها مقام عظيم وشريف . ثم زادهم الله فضلاً من عنده سبحانه بالرسالة التي أرسلهم بها . فاجتمع لهم فضلان : فضل الرسالة . وفضل العبودية الخاصة . فأكمل الناس في عبادتهم لله . وتقواهم له . هم الرسل ثم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وعلي رأس الرسل والأنبياء سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم .
ولقد تعدّدت المقامات الدالة علي اصطفاء الله سبحانه وتعالي لنبيه صلي الله عليه وسلم في منزلته ومكانته . وفي خصائصه وفضائله . وفي شمائله وصفاته ومن أعظم المقامات مقام العبودية . الذي يشترك فيه الرسل والأنبياء مع رسول الله صلي الله عليه وسلم . بينما يختص رسول الله صلي الله عليه وسلم وينفرد بمقام لا ينبغي لغيره سنتحدث عنه في مقالة قادمة بمشيئة الله تعالي ألا وهو المقام المحمود.
ومما يدلّ علي عِظَم مقام العبودية . وكون النبي صلي الله عليه وسلم في أعلي مراتبه . وصف الله تعالي لنبيه بالعبودية في مواطن التحدّي والمعجزة . وفي التشريف بالإسراء والتكريم بالمعراج . وعند ذكر نزول القرآن. وفي مقام الدعوة . وفي مقام الفرقان والنصر والبرهان.
والأنبياء أشرف الناس. ومع ذلك هم أعظم الناس عبودية لله. وهم الذين وفوا مقام العبودية حقها.
فالعبودية أمرها عظيم. فإذا وصفت رسول الله صلي الله عليه وسلم بأنه عبد الله ورسوله فقد وصفته بأخص أوصافه وأعظمها . ومع ذلك يُشعر هذا الوصف بأنك لا تتجاوز به حده. فهو عبد مهما ترقي صلي الله عليه وسلم فهو يترقي في مقام العبودية. وما أكرمه الله تعالي به من شيء. أو أطلعه علي شيء من الغيب. أو سخر له شيئاً مما في السماوات أو في الأرض. أو امتن عليه بأي أمر خارق عظيم. فهو بتحقيقه للعبودية ولبلوغه كمال العبودية.
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» أهلية البشر للرسالة بقلم : فؤاد الدقس- كاتب سوري
» سلوكياتنا بعد الشهر الفضيل/فؤاد الدقس
» لاإله إلا الله.. أسرار وأنوار / فؤاد الدقس *
» مشاهد التوحيد / بقلم: فؤاد الدقس الكاتب السوري
» خزائن رحمة الخالق/فؤاد الدقس - كّاتب سوري
» سلوكياتنا بعد الشهر الفضيل/فؤاد الدقس
» لاإله إلا الله.. أسرار وأنوار / فؤاد الدقس *
» مشاهد التوحيد / بقلم: فؤاد الدقس الكاتب السوري
» خزائن رحمة الخالق/فؤاد الدقس - كّاتب سوري
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى