الأمريكيون يحلون بالمغرب في عهد روزفلت ويبعثرون أوراق حكومة «فيشي»
صفحة 1 من اصل 1
الأمريكيون يحلون بالمغرب في عهد روزفلت ويبعثرون أوراق حكومة «فيشي»
يعتبر الـ8 من شهر نونبر 1942 تاريخا لا ينسى في ذاكرة المغاربة الذين
فوجئوا بالقوات الأمريكية ترسو في جميع موانئ البلاد، تاركة القوات
الفرنسية في حيرة من أمرها.
كان هذا التاريخ من أسعد أوقات المغاربة...
وبالنسبة إلى مغاربة الجيل القديم، تبقى كلمة «الماريكان» لصيقة بالأغنية
التي أداها الحسين السلاوي، والتي تحمل نفس الاسم والتي بقيت محفورة في
ذاكرة المغاربة منذ ذلك الإبان إلى يومنا هذا. كان هذا المغني الشهير يراقب
عن كثب العادات والأحداث الجارية وكان يرويها بطريقته الخاصة، من خلال
أغانيه التي كانت تترجم الواقع، والتي كان يؤديها بآلة «الڭنبري» أو الناي.
وقد نجح في إيصال مكنوناته من خلال كلمات قوية ومعبرة، غداة حلول
الأمريكيين بمدن الدار البيضاء، آسفي و المحمدية (فضالة آنذاك) والقنيطرة
(ميناء ليوطي).
كان المغاربة في صباح الـ8 من نونبر على موعد مع القوات الأمريكية، حيث كان
الجو باردا وممطرا ، كان ذلك حدثا عسكريا وجيو إستراتيجيا بامتياز بالنسبة
إلى الحلفاء، لأن الأمر يتعلق في المقام الأول بالجنرال الأمريكي دوايت
إزنهاور. كان هذا الحدث نقطة تحول محورية في حياة المغاربة ومستقبلهم. فقد
مضى المغاربة في المعركة ضد قوات التحالف إلى جانب الأمريكيين والإنجليز
وقوات فرنسا الحرة. أما سياسيا، فقد كان الحدث بمثابة إشارة واضحة على
التحولات الطارئة آنذاك في موازين القوى، والتي بدأت تطفو على الساحة
الدولية.
وهذا بالضبط ما استوعبه الوطنيون الشباب المغاربة، الذين نجوا من حملة
القمع التي مرت بها البلاد بعد اندلاع أحداث مكناس في شتنبر 1937، احتجاجا
على تحويل مياه «واد بوفكران» لصالح المستعمرات الفرنسية.
لم يفوت هؤلاء الوطنيون الفرصة لتأكيد مطالبهم، غداة أزمة ميونخ في 1938.
وهكذا، سارع وطنيو الرباط ـسلا إلى إنشاء «نادي روزفيلت» ليعبروا عن
تعاطفهم مع الأمريكان ولكي يحسسوهم بمطالب المغاربة وبتطلعهم نحو مغرب
مستقل.
الجهاد الأكبر
بين الـ7 والـ8 من نونبر، وفي ليلة مظلمة، وتفاديا للتعرض للضربات
القوات الجوية الألمانية، قامت القوات البحرية الأمريكية، بقيادة الجنرال
س. د. باطون، بالقدوم من جبل طارق إلى السواحل المغربية، رغم الظروف الصعبة
التي واجهوها ،حيث تعرضوا أثناء إبحارهم لإطلاق نار من طرف القوات
الفرنسية، بأمر من الجنرال نوڭيس، الذي كان مقيما في الرباط آنذاك، والذي
أراد أن يدفع الغزو الأنجلو سكسوني.
كانت خسائرهم ثقيلة، خصوصا بعد هجومهم على القاعدة البحرية في القنيطرة،
إلا أن صمودهم وآلياتهم، التي كانت أقوى بكثير من نظيرتها الفرنسية، أجبرت
المقيم الفرنسي على وضع حد لمقاومة هذا الإنزال. كما أن الجنرال نويس، الذي
كان الأمريكان يلقبونه بـ«نو يِس» أي «نعم، لا»، لكثرة تردده في اتخاذ
القرارات، كان يخشى من أن يفيق المغاربة من سباتهم ويهددوا نظام الحماية،
الذي فُرِض عليهم منذ 1912.
رسالة روزفلت
كانت المنشورات التي وزعتها الطائرات الأمريكية على مدينة الدار البيضاء
ومدن أخرى، فور دخولها المغرب، ترمي إقناع المغاربة ب»حسن نية» الأمريكان،
لكي يحظوا بمساندتهم. كما أنها استفزّت بشكل غير مباشر ممثلي نظام ڤيشي في
الرباط.
وقد تضمنت هذه المنشورات رسالة موقعة من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلث
باللغة العربية و الفرنسية وتقول: «الحمد لله وحده، الرحمن الرحيم... أنتم
يا أبناء المغرب، فليباركم الله... ها قد أتى هذا اليوم العظيم لكم ولنا
جميعا... نحن، من نحب الحرية، نحن الأمريكان، مقاتلي الحرب المقدسة... جئنا
إلى هنا لكي نخوض الجهاد الأكبر من أجل الحرية... لقد جئنا لنحرركم...
عبرنا المحيطات لنصل إليكم، فلترحبوا جميعا بإخوانكم... ولترحب نساؤكم
برجالنا بالزغاريد... نحن لا نشبه أولئك المسيحيين الذين عهدتموهم، والذين
يدوسون عليكم بأقدامهم... اعتبروا جنودنا إخوة لكم. إنهم مجاهدون أبرار
مستعدون لإتمام واجبهم.... ساعدونا لأننا، قدٍمنا لمساعدتكم»...
كانت هذه الرسالة بمثابة استفزاز واضح للقوات الفرنسية، كما أن المقيم
الفرنسي انتابه قلق شديد عندما تلقى جواب السلطان سيدي محمد بن يوسف
لروزفلت، علما أن السلطان رفض مغادرة الرباط واللجوء إلى فاس، كما طلب منه
ذلك الجنرال «نويس». وقد جاء جواب السلطان كالتالي: «عندما أكدت لنا قواتكم
أنهم جاؤوا إلى المغرب كمحررين لا كمستعمرين... رحب جميع المغاربة بهم،
كما يرحب بالأصدقاء. أضف إلى هذا أن المغرب ليست لديه أي خلافات مع الشعب
الأمريكي».
شوكولاطة وحلوى وكراميل...
لم يتأخر دوغول طويلا قبل أن ينحي نوڭيس ويعوضه بمقيم آخر هو غابرييل
بويو، الذي نجح بالفعل في إقناع الأمريكان بأن مصلحتهم تكمن في ابتعادهم عن
الساحة المغربية وعدم التدخل بأي شكل يمكنه أن يمس الوجود الفرنسي في
المغرب. كما أن هذا الجنرال نجح في زرع الشكوك داخل نفوس بعض الضباط
الأمريكيين، مع تأكيده على مسألة التعاطف الألماني مع الوطنيين وعلى تفاعل
الوطنيين مع كل ما يروج عن دول المحور.
وحرصا من إزنهاور على دفع قواته إلى تونس وإيطاليا، أخذ بعين الاعتبار ما
تقدم به المقيم غابرييل، ولكنْ ولتفادي العداء المغربي، عمد إزنهاور لدى
دخوله المغرب إلى الاستغناء عن مشاركة القوات البريطانية في عملية
«الشعلة». وحسب ما أفادت به المخابرات الأمريكية، التي كانت تجوب شوارع
المدن المغربية تحت غطاء «نواب القنصل»، فإن المغاربة المسلمين كانوا
يُكنّون العداء للإنجليز، بسبب سياستهم العدوانية في فلسطين، خصوصا بعد قمع
ثورة 1936 وإعلان خطة التقسيم 1937، أضف إلى ذلك تفجير بغداد في 1941 من
طرف القوات الجوية البريطانية، مما زاد من كراهية المغاربة للإنجليز.
كان لدخول الأمريكان المغرب دور هام في تطور الوضع في المغرب، فقد لعب
استعراض القوات العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة واعتمادها على آليات
عسكرية تفوق بكثير نظيرتها الفرنسية، زد على هذا معاملة الأمريكان
للمغاربة، حيث كانوا يوزعون عليهم الملابس ويقدمون الشوكولاطة والحلوى
والعلكة للأطفال الصغار، الشيء الذي لعب دورا كبيرا في اندحار التواجد
الفرنسية، التي ثبت في يونيو 1940 في مواجهته للألمان أن قوته كانت نسبية.
جزائريون احتلوا أرقى المناصب في المغرب إثر الاستعمارالعثماني لبلدهم
أدى سقوط الحكم العثماني في 1830 إلى هروب آلاف الجزائريين إلى المغرب. وقد
رحب المغاربة بهؤلاء النازحين وفتحوا لهم أبواب بيوتهم وقدموا تضحيات
هائلة لمساندة المقاومة البطولية للأمير عبد القادر. عرف المغرب فترة
مثيرة، حيث كان المغاربة والجزائريون يقتسمون ذلك الشعور المشترَك بشأن
مصيرهم ما بين 1830 و1962. ويبقى التميز الذي يطبع تلك الفترة وحاضرنا
مرتبطا، بالأساس، بالمد الأوربي، وخصوصا بدايات الغزو الفرنسي للإمبراطورية
العثمانية في الجزائر. وبسبب بطء المواصلات البرية، وصل خبر سقوط نظام
الداي في يوليوز 1830 من جبل طارق إلى السلطان مولاي عبد الرحمن، الذي كان
أول من وصلته المعلومة. وكانت المعلومة تقول إن القنصل الفرنسي العام في
طنجة أفزع «المورو» (البيض)، وزاد الطين بلة عندما أصبح آلاف «المورو»
يفرون من الجزائر. وكانت أول البواخر التي تجلب هؤلاء الجزائريين ترسو في
ميناء مارتيل. كان هؤلاء «المهاجرون» يلقون ترحيبا مميزا من السكان وعرض
السلطان على هؤلاء المهاجرين وظائف في الإدارات والجيش. لقد أمر السلطان
آنذاك بمنح هؤلاء المهاجرين وظائف في الإدارات والجيش، كما أعطاهم حق
الانتفاع من الأراضي، وأخذ شكل التضامن هذا منحى أكثر جدية عندما قام
المغاربة بمساندة الأمير عبد القادر، مما دفع الحكومة الفرنسية إلى تحذير
المغاربة من المخاطر التي قد يتعرضون لها بسبب مساعدتهم للأمير ولهذا السبب
أرسلوا إلى مكناس، في 1832، سفيرا إلى السلطان، مكلفا بإرسال تحذير مفاده
أن السلطان يتعين عليه التزام الحياد وإلا سيتم تفجير موانئه بالكامل.. إلا
أن السلطان تجاهل هذه التهديدات وسهّل عملية مرور الأسلحة والذخائر من
المغرب لتصل إلى الأمير عبد القادر، بل أكثر من ذلك، كان يزوده بالبنادق
والخيول والمؤونة الاحتياطية. وعندما تعقدت الأوضاع، بسبب دخول القوات
الفرنسية التراب المغربي، بدعوى البحث عن المقاومين المختبئين، اضطر
السلطان إلى التحرك ضد تطبيق ما أسماه الفرنسيون «حق المطاردة».
تاريخ ومصير مشتركات
بعد أن اشتد الصراع مع القوات الفرنسية، اضطر السلطان إلى إرسال قواته
إلى عين المكان، وانتهت هذه المواجهة بنكسة حقيقية على ضفاف نهر «إيسلي».
كانت هذه أول هزيمة عسكرية يمنى بها المغرب الحديث. وقد عرفت فرنسا كيف
تستغل هذه الهزيمة لتفرض على المغرب معاهدة طنجة (1844) ومعاهدة «لالة
مغنية» (1845). سوف تؤثر هذه المعاهدات «غير المتكافئة» سلبا على تطور
البلد ما بين 1844 و1912، حيث غزت فرنسا أراضي المغرب الشرقية الجنوبية
وتسبب، بعد ذلك (في 1962) في رهن علاقة المغرب بالجزائر المستقلة.
ولم يكن من الصعب اندماج هؤلاء المهاجرين في المجتمع المغربي، وتبقى أبرز
مظاهر هذا الاندماج انتزاعهم مناصب داخل جهاز الدولة، وأقوى مثال على ذلك
عائلة المقري، فقد كان أحد أفرادها يشغل منصب «الصدر الأكبر» آنذاك وكان
ابنه الطيب يشغل منصب وزير المالية. أما أخواه ادريس مختار فالأول كان
يشغل منصب باشا في طنجة والثاني منصب محتسب في فاس. لقد رفض العديد من
المهاجرين أن تغويهم تلك الحصانات القانونية والضريبية التي كانت تقدمها
لهم فرنسا بصفتهم «رعايا فرنسيين». وقد كتب إدوارد ميشيل بيلير، في هذا
الصدد، في أوائل القرن العشرين، أن «العديد من الجزائريين القاطنين بالمغرب
منذ زمن طويل نجوا من التأثير الفرنسي، أما أولئك الذين رأوا النور هنا
فهم مغاربة بمعنى الكلمة، فكل الجزائريين المغاربة يدخلون في خانة أولئك
الذين غادروا الجزائر، لأسباب دينية أو لغيرها من الأسباب... أقنع الحاج
عبد السلام المقري، الذي أتى من تلمسان الكثير من الجزائريين بتفضيل «سلطة
السلطان» على «سلطة فرنسا»، غير أن هناك من الجزائريين من سارعوا إلى قبول
الخضوع لسلطة فرنسا، للاستفادة من امتيازات المواطن الفرنسي. ويضيف ميشيل
بيلير أنهم كانوا يرون في الحماية الفرنسية نوعا من التفوق على إخوانهم،
إلا أن تصرفهم هذا لم يغير شيئا من نظرة المغاربة إلى الجزائريين، بشكل
عام.
كانت هذه أهم الوقائع التي طبعت الفترة الممتدة ما بين 1830 و1912. كما أن التطورات اللاحقة لم تكن أقل أهمية.
إعداد - محمد كنبيب
المساء
عبدالبارئ بوهالي- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1789
العمر : 68
تاريخ التسجيل : 23/08/2006
مواضيع مماثلة
» Fête américaine : Thanksgiving
» عائشة الخطابي تحكي...
» المغرب المنقرض / والتر هاريس
» أوراق مَــكِّـيـة
» شوف تشوف
» عائشة الخطابي تحكي...
» المغرب المنقرض / والتر هاريس
» أوراق مَــكِّـيـة
» شوف تشوف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى