الملف الاسبوعي لجريدة الاتحاد الاشتراكي : التعديلات الدستورية والبروتوكول الملكي
صفحة 1 من اصل 1
الملف الاسبوعي لجريدة الاتحاد الاشتراكي : التعديلات الدستورية والبروتوكول الملكي
عدل سابقا من قبل said في الأحد 3 أبريل 2011 - 19:23 عدل 1 مرات
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
روح التعديلات الدستورية تؤثر في البروتوكول الملكي؟
يرى الاستاذ
الباحث عز الدين العلام أنه« مع تولية الملك محمد السادس عرش المملكة
المغربية، دخل القاموس السياسي والصحفي مفهوم «العهد الجديد»، تمييزا له
عمّا سبقه. وإذا كان هذا العهد، كما جاء في خطابات الملك الجديد، يندرج في
إطار استمرارية لا «قطيعة» لها مع أسس النظام المغربي، فإنّه يصعب بالمقابل
اعتباره استنساخا لما سبقه. و ما بين «القطيعة» غير المعلنة،
و«الاستمرارية» الملحوظة، تتجلى صعوبة البحث في نظام سياسي لم يكمل انتقاله
بعد. يتفق الباحثون و المتتبعون للوضع السياسي بالمغرب، وإن اختلفوا في
تقييمهم وتأويلهم، على تأكيد عدد من التغيّرات التي شهدها المغرب خلال
السنوات الأخيرة و التي ما تزال تواصل لحد الآن تفاعلاتها».
ويضيف الاستاذ الباحث أنه بوفاة الملك الحسن الثاني، وتولية ابنه محمد
السادس عرش المملكة المغربية، رأى عدد من الباحثين و المتتبعين للشأن
السياسي المغربي في بعض الوقائع علامات دالة على الرغبة في تجديد الثقافة
السياسية. و أوّل هذه العلامات اتّخذت طابعا رمزيا يحمل معه أكثر من دلالة،
و تجلّت في مراسيم «البيعة»، والتخفيف من حدّة «البروتوكول»، وشكل «الخطب
الملكية» وإحداث «ناطق رسمي باسم القصر الملكي»، وهي كلها عناصر غدّت أذهان
المتتبعين بتقديم صورة جديدة عن ملك جديد».
الى ذلك اعتبر محمد اليازغي أن الملكية اليوم بحاجة إلى بروتوكول أكثر
بساطة ومرونة، ورأى أنه لا ضير اليوم في أن يتقدم مدير التشريفات والقصور
والأوسمة الحالي بمشروع جديد للبرتوكول يحظى بقبول جلالة الملك والمجتمع
المغربي يكون أكثر بساطة ومرونة مع الاعفاء من تقبيل اليد.
وبالنسبة لاسماعيل العلوي، فإن البرتوكول الملكي يخضع الى تطور المجتمع،
مشيرا إلى أنه من الأفيد إصدار بلاغ يضبط هذا الأمر من أجل وضع حد لهذه
الأشياء التي يعتبر الكثير أنها أصبحت متجاوزة، مع التأكيد على الاحترام
الضروري من طرف الأمة لشخص الملك.
بدوره شدد علال بلعربي القيادي الكونفدرالي على ضرورة أن يتطور البرتوكول
الملكي، إلا أن هذه القضية تبقى بالنسبة إليه ليست هي الأساس، مطالبا بأن
تتطور الأشياء لترقى إلى مستوى اللحظة التي يعيشها المغرب، والخروج من هذه
الطقوس إلى الحداثة. أما علي بوعبيد فأكد أن بعض الطقوس في المغرب مرتبطة
بالثقافة المخزنية المهينة، وتصل إلى حد العبودية.
واعتبر عبد الرحمان العزوزي أن المغرب يجب أن يمشي وفق منطق العصر والحداثة
واحترام حرية وكرامة الانسان، في حين يرى عبد الكريم بنعتيق ان الارتباط
الذي يجمع بين الملك والشعب يؤكد أن هذه الممارسات تنتمي إلى عهود قديمة،
وأن الملكية ليست في حاجة إليها.
ويرى العروي في كتابه «المغرب والحسن الثاني» بدأ العمل من جهته على عودة
التقليدانية في الحياة العامة. واحيانا تم بأشكال مدروسة, حيث أن
«الاصلاحات» التي تم ادخالها بواسطة الحضور الاجنبي، تم محوها الواحدة تلو
الاخرى. فتم إلغاء اللباس الاروبي من الحفلات الرسمية بدعوى مساندة
الصناعة التقليدية المغربية, وعوض اعتماد اللباس الوطني، اللباس الذي اعطاه
محمد الخامس الشعبية المعروفة, تمت العودة الى اللباس الذي عرفه المخزن
في القرن 19. وهو اللباس الذي كان يلبسه المبعوثون من طرف السلطان الى
نابليون أو الملكة فيكتوريا، امام دهشة الرسامين الذين رسموهم ،وخلدوا
لباسهم.
خلال المعركة الوطنية وحرب الريف، كان الوطنيون قد اطلقوا تقليد الجلباب الريفي، جلباب عبد الكريم ، القصير بالاكمام الطويلة.
وفي هذاالسياق انكب المؤرخون و خبراء الارشيف على الوثائق القديمة
والعتيقة ،من أجل اعادة بناء البروتوكل القديم كما وصف تفاصيله العديد من
السفراء ومن الرحالة الاوربيين. كمثال على ذلك كتاب اوجين اوبان، مغرب
اليوم الصادر في 1904 .
وبلمسات متتابعة, تمت اعادة بناء المغرب الذي كان، وهو المغرب الذي كانت
الادارة الاستعمارية نفسها تحرص على استعراضه, لكي تبرر و تظهر عملها
الاصلاحي والتحديثي أو مهمتها التنويرية.. وقد تطلب هذا المسلسل الذي بدأ
بعيد وفاة محمد الخامس بسنوات ,لكي يتخذ شكله الحديث، وهو ما يجعل العروي
يقول بأن ذلك كان هو السبب الذي لم يجعله يثير الانظار والانتباه ولا يكون
محط رفض.
ويضيف العروي« اذا كان الرمز قد تمت اعادة مأسسته بسهولة أو حتى بقسوة،
فذلك لأن المخزن كان قد تشكل في الستينيات، بحيث أن كل الذين كانوا ضد
اليسار التحديثي- الثوري في قولهم- تحلقوا حول ولي العهد, المرحوم الحسن
الثاني.
الباحث عز الدين العلام أنه« مع تولية الملك محمد السادس عرش المملكة
المغربية، دخل القاموس السياسي والصحفي مفهوم «العهد الجديد»، تمييزا له
عمّا سبقه. وإذا كان هذا العهد، كما جاء في خطابات الملك الجديد، يندرج في
إطار استمرارية لا «قطيعة» لها مع أسس النظام المغربي، فإنّه يصعب بالمقابل
اعتباره استنساخا لما سبقه. و ما بين «القطيعة» غير المعلنة،
و«الاستمرارية» الملحوظة، تتجلى صعوبة البحث في نظام سياسي لم يكمل انتقاله
بعد. يتفق الباحثون و المتتبعون للوضع السياسي بالمغرب، وإن اختلفوا في
تقييمهم وتأويلهم، على تأكيد عدد من التغيّرات التي شهدها المغرب خلال
السنوات الأخيرة و التي ما تزال تواصل لحد الآن تفاعلاتها».
ويضيف الاستاذ الباحث أنه بوفاة الملك الحسن الثاني، وتولية ابنه محمد
السادس عرش المملكة المغربية، رأى عدد من الباحثين و المتتبعين للشأن
السياسي المغربي في بعض الوقائع علامات دالة على الرغبة في تجديد الثقافة
السياسية. و أوّل هذه العلامات اتّخذت طابعا رمزيا يحمل معه أكثر من دلالة،
و تجلّت في مراسيم «البيعة»، والتخفيف من حدّة «البروتوكول»، وشكل «الخطب
الملكية» وإحداث «ناطق رسمي باسم القصر الملكي»، وهي كلها عناصر غدّت أذهان
المتتبعين بتقديم صورة جديدة عن ملك جديد».
الى ذلك اعتبر محمد اليازغي أن الملكية اليوم بحاجة إلى بروتوكول أكثر
بساطة ومرونة، ورأى أنه لا ضير اليوم في أن يتقدم مدير التشريفات والقصور
والأوسمة الحالي بمشروع جديد للبرتوكول يحظى بقبول جلالة الملك والمجتمع
المغربي يكون أكثر بساطة ومرونة مع الاعفاء من تقبيل اليد.
وبالنسبة لاسماعيل العلوي، فإن البرتوكول الملكي يخضع الى تطور المجتمع،
مشيرا إلى أنه من الأفيد إصدار بلاغ يضبط هذا الأمر من أجل وضع حد لهذه
الأشياء التي يعتبر الكثير أنها أصبحت متجاوزة، مع التأكيد على الاحترام
الضروري من طرف الأمة لشخص الملك.
بدوره شدد علال بلعربي القيادي الكونفدرالي على ضرورة أن يتطور البرتوكول
الملكي، إلا أن هذه القضية تبقى بالنسبة إليه ليست هي الأساس، مطالبا بأن
تتطور الأشياء لترقى إلى مستوى اللحظة التي يعيشها المغرب، والخروج من هذه
الطقوس إلى الحداثة. أما علي بوعبيد فأكد أن بعض الطقوس في المغرب مرتبطة
بالثقافة المخزنية المهينة، وتصل إلى حد العبودية.
واعتبر عبد الرحمان العزوزي أن المغرب يجب أن يمشي وفق منطق العصر والحداثة
واحترام حرية وكرامة الانسان، في حين يرى عبد الكريم بنعتيق ان الارتباط
الذي يجمع بين الملك والشعب يؤكد أن هذه الممارسات تنتمي إلى عهود قديمة،
وأن الملكية ليست في حاجة إليها.
ويرى العروي في كتابه «المغرب والحسن الثاني» بدأ العمل من جهته على عودة
التقليدانية في الحياة العامة. واحيانا تم بأشكال مدروسة, حيث أن
«الاصلاحات» التي تم ادخالها بواسطة الحضور الاجنبي، تم محوها الواحدة تلو
الاخرى. فتم إلغاء اللباس الاروبي من الحفلات الرسمية بدعوى مساندة
الصناعة التقليدية المغربية, وعوض اعتماد اللباس الوطني، اللباس الذي اعطاه
محمد الخامس الشعبية المعروفة, تمت العودة الى اللباس الذي عرفه المخزن
في القرن 19. وهو اللباس الذي كان يلبسه المبعوثون من طرف السلطان الى
نابليون أو الملكة فيكتوريا، امام دهشة الرسامين الذين رسموهم ،وخلدوا
لباسهم.
خلال المعركة الوطنية وحرب الريف، كان الوطنيون قد اطلقوا تقليد الجلباب الريفي، جلباب عبد الكريم ، القصير بالاكمام الطويلة.
وفي هذاالسياق انكب المؤرخون و خبراء الارشيف على الوثائق القديمة
والعتيقة ،من أجل اعادة بناء البروتوكل القديم كما وصف تفاصيله العديد من
السفراء ومن الرحالة الاوربيين. كمثال على ذلك كتاب اوجين اوبان، مغرب
اليوم الصادر في 1904 .
وبلمسات متتابعة, تمت اعادة بناء المغرب الذي كان، وهو المغرب الذي كانت
الادارة الاستعمارية نفسها تحرص على استعراضه, لكي تبرر و تظهر عملها
الاصلاحي والتحديثي أو مهمتها التنويرية.. وقد تطلب هذا المسلسل الذي بدأ
بعيد وفاة محمد الخامس بسنوات ,لكي يتخذ شكله الحديث، وهو ما يجعل العروي
يقول بأن ذلك كان هو السبب الذي لم يجعله يثير الانظار والانتباه ولا يكون
محط رفض.
ويضيف العروي« اذا كان الرمز قد تمت اعادة مأسسته بسهولة أو حتى بقسوة،
فذلك لأن المخزن كان قد تشكل في الستينيات، بحيث أن كل الذين كانوا ضد
اليسار التحديثي- الثوري في قولهم- تحلقوا حول ولي العهد, المرحوم الحسن
الثاني.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
السّلطة الملكية - عزالدين العلام
كل المعطيات
التاريخية و السياسية تؤكّد الدور المركزي للسلطة «الملكية» و هي سلطة
تتجاوز المجال القانوني الدستوري لتجد جذورها في عمق تاريخ المغرب. يتّضح
ذلك في عدد كبير من الدراسات التي جعلت من النظام السياسي المغربي موضوعا
لها، سواء تعلق الأمر بالنظام التقليدي «السلطاني» ما قبل الحماية، أو
النظام السياسي ما بعد الاستقلال . و يتضح ذلك اليوم في المغرب الراهن،
قانونيا من خلال منطوق «الدستور، وعمليا من خلال النفوذ القوي لهذه السلطة
على مجموع المشهد السياسي.
من أين تستمدّ هذه السلطة قوّتها و مشروعيتها؟ لو عنينا بمجال السؤال
النظام السياسي السلطاني، لتيسرّ الجواب. تكمن القوّة في «العصبية» و تكمن
المشروعية في «البيعة» و هو جواب يمكن الرجوع إلى مختلف تفاصيله باستقصاء
ما كتبه «ابن خلدون»، و ما نظّر له الفقه السياسي الإسلامي.
لقد تحدّث الكثير، مغاربة و أجانب، عن «البيعة» كعقد و حقوق و واجبات...
فهل كانت السلطة السياسية في المغرب التقليدي تعاقدا و توافقا و بيعة راضية
مرضية ، كما حلم بها الفقهاء، أم أنها لم تعد أن تكون شوكة و قوة وعصبية،
ولا بأس في إلباسها رداء البيعة .
إن السؤال الحقيقي، و نحن نتحدث عن السلطة السياسية هو هل نصدق أحلام
الفقهاء في «أحكامهم»، و هم يتحدثون عن عقد «الإمامة» في تفاصيله و
«الولاية» في مختلف أشكالها، أم نتساءل عن أسباب قيام الدول و سقوطها ؟ هل
نرفع وهم «الأدلوجة» إلى مقام «الحقيقة» أم ننظر إلى سير «الوقائع» في
تاريخيتها ؟
لم تكن «البيعة» حسب وقائع التاريخ ، تعاقدا اجتماعيا بالمعنى الذي يمكن أن
يتلاءم مع أسس «الدولة الحديثة»، و كل المحاولات لجعلها في تلاؤم مع
مقتضيات هذه الدولة هي مجرد تمرين ذهني، و إنشاء جمل» كيف لنا أن نزيل عن
«البيعة» جوهرها «الديني»، و الدولة الحديثة في أساسها «لا دينية»، إذ
قامت، و التاريخ شاهد على ذلك، على الفصل بين الدين و الدولة، بين المقدس و
الدنيوي. ألا يظلّ الفارق بين النظام السلطاني التقليدي و النظام السياسي
الحديث قائما، و التعارض بينهما موجودا؟ كيف لنا أن نوافق بين مبدأ .تحريم
الخروج عن السلطان الموجود في أساس الدولة السلطانية، و مبدأ «الحق في
المقاومة» الذي أسّس عليه جون لوك عقده السياسي؟ الدولة الحديثة كما أكدت
نفسها عبر التاريخ «تعاقد اجتماعي»، و الدولة المغربية التقليدية كما
قدّمها لنا تاريخها «استبداد سياسي». ل»تعاقد» الدولة الحديثة مرجعه النظري
المتمثل أساسا في كون مستودع «السيادة» و مصدر «السلطة» هو المجتمع
«الأمة، الشعب « ، و ل»استبداد» الدولة التقليدية مرجعه النظري أو بالأحرى
مسوّغه «الشرعي» المتمثّل في مسألة «البيعة»
.. و لكن ما علاقة كل هذا «الماضي» ب»حاضرنا» السياسي الراهن؟ لقد ناقش
الكثيرون الفصل الدستوري الشهير رقم 19... و مع ذلك ظلّ السؤال قائما ، هل
نحن أمام دولة حديثة بدستور حديث، أم لازلنا نعيش دولة سلطانية استبدادية ؟
هل نحن أمام «حكومة» فعلية مسؤولة أمام ممثلي الأمة، أم أننا نعيش حكم
«حاشية سلطانية» تأتمر بأوامر حاكمها ؟ بل و أيضا، هل نحن أمام أمّة
«مدنية» للمواطن فيها قيمته، أم لا زلنا أمام جمع من الرعايا تنتظر» بركة»
الراعي ؟
ليس الأمر معادلة حسابية، وما أسهل «الجواب» ب»نعم» أو «لا»، فألا يتحدث
الجميع ، حاكمين و محكومين ، عن «مرحلة انتقالية» و عن «مسلسل ديمقراطي» و
مخاض سياسي ... إن الجواب عن هذا «السؤال» يتجاوز بكثير القدرة «التنظيرية»
أو الذكاء «المعرفي» لأي كان، و يبدو أن السنوات المقبلة، و ما يخبئه
«التاريخ» القريب ، هما وحدهما يملكان «جوابا» عن سؤال مرهون بحركة التاريخ
و صيرورته أكثر مما هو مرتبط بعلم أو تنظير هذا «العبقري» أو ذاك . لقد
تضاربت الآراء حول الحضور القوي للسلطة الملكية. فمن قائل بكونها أكبر
علامة على استمرارية استبداد الدولة، و تهميش العمل الحكومي، كما هناك من
يجد لها أكثر من مبرّر باعتبارها ضمان الاستقرار و التوازن الاجتماعي، بل و
باعتبارها أداة فعالة لتدارك التخلف الحاصل في أغلب الميادين، و الخيار
الوحيد لتجاوز ضعف و تثاقل أداء الفعل الحكومي... و لكن، ألا تجد هذه
«السلطة الملكية» جوابا لها داخل نسيج مجتمعي هش لم تسعفه كثيرا حركية
التاريخ، كما يؤكّد ذلك واقعه القريب و الراهن. و ألا تكون هذه السلطة
مدعوة، إن لم تكن ملزمة، بالتدخل عبر كل «المشاريع» الممكنة لتعويض ضعف
القوى الاجتماعية، ومعالجة الهشاشة الفادحة في عدد من المجالات من أجل
صيانة الاستقرار الاجتماعي، و من خلاله تحقيق استمرارية النظام السياسي، و
هما معا هدفان مرهونان بمدى سرعة الإنجاز في ظل «انتظارات» أصبح متعذرا
تأجيل الجواب عنها.
مع تولية الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، دخل القاموس السياسي و
الصحفي مفهوم «العهد الجديد»، تمييزا له عمّا سبقه. وإذا كان هذا العهد،
كما جاء في خطابات الملك الجديد، يندرج في إطار استمرارية لا «قطيعة» لها
مع أسس النظام المغربي، فإنّه يصعب بالمقابل اعتباره استنساخا لما سبقه. و
ما بين «القطيعة» غير المعلنة،
و»الاستمرارية» الملحوظة، تتجلى صعوبة البحث في نظام سياسي لم يكمل انتقاله
بعد. يتفق الباحثون و المتتبعون للوضع السياسي بالمغرب، و إن اختلفوا في
تقييمهم و تأويلهم، على تأكيد عدد من التغيّرات التي شهدها المغرب خلال
السنوات الأخيرة و التي ما تزال تواصل لحد الآن تفاعلاتها.
ا- دلالة الرمز
بوفاة الملك الحسن الثاني، و تولية ابنه محمد السادس عرش المملكة المغربية،
رأى عدد من الباحثين و المتتبعين للشأن السياسي المغربي في بعض الوقائع
علامات دالة على الرغبة في تجديد الثقافة السياسية. و أوّل هذه العلامات
اتّخذت طابعا رمزيا يحمل معه أكثر من دلالة، و تجلّت في مراسيم «البيعة»، و
التخفيف من حدّة «البروتوكول»،
وشكل «الخطب الملكية» وإحداث «ناطق رسمي باسم القصر الملكي»،
وهي كلها عناصر غدّت أذهان المتتبعين بتقديم صورة جديدة عن ملك جديد.
ساعات قليلة بعد الإعلان الرسمي عن وفاة الملك الحسن الثاني، شاهد المغاربة
على شاشة التلفزة مباشرة مراسيم «مبايعة» ولي العهد الأمير سيدي محمد الذي
سيصبح بمقتضى عقد «البيعة» ملك المغرب محمد السادس. و فيما عدا الحفاظ على
الطابع التقليدي السلطاني لهذه المراسيم و قواعدها المرعية، لاحظ
المتتبّعون للشأن السياسي تواجد عدد من الإشارات تترجم في دلالاتها مستجدات
الحياة السياسية المغربية، كما تشير إلى الرغبة في تأكيد ثقافة سياسية
جديدة. و تتجلّى هذه الإشارات في «نص» البيعة الموجز، و ان احتفظ بلغته
التقليدية، و تقليص عدد الموقعين، و خاصة تراتبيتهم، حيث كان الوزير الأول،
في أول سابقة من نوعها، أوّل الموقعين بعد الأسرة الملكية، و الحضور غير
المعهود لامرأتين وزيرتين، و العدد القليل فيما يخصّ تمثيلية «العلماء» على
الرغم من الطابع الديني الملازم لمبدأ «البيعة» نفسه.
وفي نفس السياق الرامي إلى تثبيت هذه «الصورة» الجديدة، لوحظ نوع من
التخفيف من حدّة البروتوكول، و هو ما تجلى بدءا في الأشكال التي اتخذتها
استقبالات ملكية في مناسبات مختلفة لبعض رجال الفكر و الثقافة، أو لبعض
أعضاء الجالية المغربية بالخارج. كما كان أمرا محسوسا نهج تواصل سياسي جديد
يتوخى القرب والحضور، و هو ما تجلّى في الإحداث غير المسبوق ل»ناطق رسمي
باسم القصر الملكي» الذي رأى فيه البعض تجاوزا للعالم المغلق الذي يحيط
بالقصر الملكي، و طريقا نحو تحقيق شفافية و تواصل يتطلبهما السلوك السياسي
الحديث، كما توضّح ذلك أيضا في علنية مراسيم الزواج الملكي، وفي تعدّد
الزيارات الميدانية، و ما تخلّلها من لقاءات مباشرة مع مواطنين من مختلف
المستويات و الآفاق.
ومن بين علامات هذا التجديد «الخطب الملكية» التي لمس فيها العديد، مواطنون
و باحثون، بداية تحديث سياسي باحترامها موعد البث دونما انتظار، وبنصوصها
الموجزة و المقروءة دونما ارتجال ، ناهيك طبعا عن مضامينها التي تمحورت
بشكل أساسي حول مفهوم «الحداثة»،
وما يستتبعه من تصورات أخرى لا تقل أهمية، وعلى رأسها مبدأ «المواطنة» و دور «النخبة» و نقد «السياسوية» الضيقة».
و مع ذلك يظلّ السؤال الأساسي مطروحا، هل يمكن الاعتماد على مثل هذه
المؤشرات «الشكلية أو الظاهرية» للإقرار بحدوث تغيير في «الثقافة السياسية»
للمؤسسة الملكية؟
تباينت الآراء بين من يرى في هذه العلامات تدشينا لعهد جديد، أو على الأقل
تجديدا في إطار الاستمرارية، و نوعا من المزاوجة بين «التقليد» و
«التحديث»، و بين من يرى فيها اعتبارات شكلية، أو»دوالا» دون «مدلول»، و
أنّ السلطة الملكية هي هي، و أنّ الاستمرارية هي ما يميز عهد الملك الجديد.
وإذا كان الرأي الأول يستبطن تصورا تفاؤليا مستقبليا، فإنّه يحتاج لأبحاث
تضبط التقاطعات و التشابكات بين ما مضى و ما يحدث اليوم، أمّا التصور
الثاني فيبدو مشدودا لثقل الوقائع، متعجلا في أحكامه، كما يصعب تبنّيه جملة
و تفصيلا اعتبارا لعدد من الوقائع الفعلية التي لا مجال لإنكارها...
ب- من الدّال إلى المدلول
بغضّ النظر عن العلامات المذكورة، يمكننا استقراء مضامين الخطب الملكية
«للعهد الجديد» و النهج السياسي الذي رسمته للتأكّد من دخول المغرب، حقّا و
فعلا، مرحلة جديدة، ودونما وقوف على تفاصيل هذه الخطب و تاريخيتها، يمكننا
الحديث عن عدد من المحاور الكبرى التي أعلنت عنها كما يلي:
- تأكيد الانفتاح السياسي بتفعيل إجراءات طي ملف «الاعتقال السياسي» أو ما أصبح يعرف ب»سنوات الرصاص».
- العمل على التقليص من الفوارق الاجتماعية بمحاربة مواطن الفقر و الهشاشة.
- تثبيت حقوق المرأة بإقرار مدونة جديدة للأسرة.
- إرساء قواعد «دولة الحق و القانون» عبر أجرأة «المفهوم الجديد للسلطة».
- تبنّي «الحداثة السياسية» بمحاربة كل أوجه الظلامية الفكرية
والسياسية، والتصدي لظاهرة استغلال الدين وذلك عبر إعادة هيكلة «الحقل الديني».
- تأكيد «التعدد الثقافي» الذي يطبع النسيج المجتمعي بإعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية.
- المناداة بتخليق الحياة العامة ومحاربة أوجه الرشوة و الفساد.
لم نعد هنا أمام عناصر حبيسة رموز، قد يرى فيها البعض شكلا بدون مضمون.
فمنطوق الخطاب واضح و صريح، و مضمونه يمتحّ أهميته من كونه صادر عن أعلى
سلطة في الدولة... و مع ذلك هناك مرّة أخرى من رأى في مجموع هذه العناصر
أقوالا ليس من ورائها أفعال، و أنّ المشكل العميق يكمن في تفعيل النقط
المذكورة. و بالمقابل، هناك من رأى في كل هذه العناصر مجتمعة صورة جديدة
ل»ثقافة سياسية» جديدة، إذ وراء كل عنصر فكرة يتأسّس عليها تصور جديد
للمجال السياسي، و وراءه أجهزة و مؤسسات ترمي تفعيل هذه الثقافة السياسية
الجديدة وجعلها أمرا معيشا.
ويضيف الاستاذ الباحث أنه بوفاة الملك الحسن الثاني، وتولية ابنه محمد
السادس عرش المملكة المغربية، رأى عدد من الباحثين و المتتبعين للشأن
السياسي المغربي في بعض الوقائع علامات دالة على الرغبة في تجديد الثقافة
السياسية. و أوّل هذه العلامات اتّخذت طابعا رمزيا يحمل معه أكثر من دلالة،
و تجلّت في مراسيم «البيعة»، والتخفيف من حدّة «البروتوكول»، وشكل «الخطب
الملكية» وإحداث «ناطق رسمي باسم القصر الملكي»، وهي كلها عناصر غدّت أذهان
المتتبعين بتقديم صورة جديدة عن ملك جديد».
الى ذلك اعتبر محمد اليازغي أن الملكية اليوم بحاجة إلى بروتوكول أكثر
بساطة ومرونة، ورأى أنه لا ضير اليوم في أن يتقدم مدير التشريفات والقصور
والأوسمة الحالي بمشروع جديد للبرتوكول يحظى بقبول جلالة الملك والمجتمع
المغربي يكون أكثر بساطة ومرونة مع الاعفاء من تقبيل اليد.
وبالنسبة لاسماعيل العلوي، فإن البرتوكول الملكي يخضع الى تطور المجتمع،
مشيرا إلى أنه من الأفيد إصدار بلاغ يضبط هذا الأمر من أجل وضع حد لهذه
الأشياء التي يعتبر الكثير أنها أصبحت متجاوزة، مع التأكيد على الاحترام
الضروري من طرف الأمة لشخص الملك.
بدوره شدد علال بلعربي القيادي الكونفدرالي على ضرورة أن يتطور البرتوكول
الملكي، إلا أن هذه القضية تبقى بالنسبة إليه ليست هي الأساس، مطالبا بأن
تتطور الأشياء لترقى إلى مستوى اللحظة التي يعيشها المغرب، والخروج من هذه
الطقوس إلى الحداثة. أما علي بوعبيد فأكد أن بعض الطقوس في المغرب مرتبطة
بالثقافة المخزنية المهينة، وتصل إلى حد العبودية.
واعتبر عبد الرحمان العزوزي أن المغرب يجب أن يمشي وفق منطق العصر والحداثة
واحترام حرية وكرامة الانسان، في حين يرى عبد الكريم بنعتيق ان الارتباط
الذي يجمع بين الملك والشعب يؤكد أن هذه الممارسات تنتمي إلى عهود قديمة،
وأن الملكية ليست في حاجة إليها.
ويرى العروي في كتابه «المغرب والحسن الثاني» بدأ العمل من جهته على عودة
التقليدانية في الحياة العامة. واحيانا تم بأشكال مدروسة, حيث أن
«الاصلاحات» التي تم ادخالها بواسطة الحضور الاجنبي، تم محوها الواحدة تلو
الاخرى. فتم إلغاء اللباس الاروبي من الحفلات الرسمية بدعوى مساندة
الصناعة التقليدية المغربية, وعوض اعتماد اللباس الوطني، اللباس الذي اعطاه
محمد الخامس الشعبية المعروفة, تمت العودة الى اللباس الذي عرفه المخزن
في القرن 19. وهو اللباس الذي كان يلبسه المبعوثون من طرف السلطان الى
نابليون أو الملكة فيكتوريا، امام دهشة الرسامين الذين رسموهم ،وخلدوا
لباسهم.
خلال المعركة الوطنية وحرب الريف، كان الوطنيون قد اطلقوا تقليد الجلباب الريفي، جلباب عبد الكريم ، القصير بالاكمام الطويلة.
وفي هذاالسياق انكب المؤرخون و خبراء الارشيف على الوثائق القديمة
والعتيقة ،من أجل اعادة بناء البروتوكل القديم كما وصف تفاصيله العديد من
السفراء ومن الرحالة الاوربيين. كمثال على ذلك كتاب اوجين اوبان، مغرب
اليوم الصادر في 1904 .
وبلمسات متتابعة, تمت اعادة بناء المغرب الذي كان، وهو المغرب الذي كانت
الادارة الاستعمارية نفسها تحرص على استعراضه, لكي تبرر و تظهر عملها
الاصلاحي والتحديثي أو مهمتها التنويرية.. وقد تطلب هذا المسلسل الذي بدأ
بعيد وفاة محمد الخامس بسنوات ,لكي يتخذ شكله الحديث، وهو ما يجعل العروي
يقول بأن ذلك كان هو السبب الذي لم يجعله يثير الانظار والانتباه ولا يكون
محط رفض.
ويضيف العروي« اذا كان الرمز قد تمت اعادة مأسسته بسهولة أو حتى بقسوة،
فذلك لأن المخزن كان قد تشكل في الستينيات، بحيث أن كل الذين كانوا ضد
اليسار التحديثي- الثوري في قولهم- تحلقوا حول ولي العهد, المرحوم الحسن
الثاني.
جوانب سياسية
الانتقال من ثقافة سياسية مبنية على «الحقد و الضغائن» إلى ثقافة أخرى تتأسس على «التسامح و الإنصاف» ، و تجاوز ثقافة «الترغيب
والترهيب» التي ولّى زمانها لتحقيق ثقافة ترتكز على «الاحتكام إلى القانون»
مع ما يتطلب ذلك من تضميد جراح الماضي والتصالح مع التاريخ وتثمين روح
المواطنة الإيجابية وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان... تلك هي النقط المركزية
التي أكّد عليها الملك الجديد في كل خطاباته
ورسائله التي صاحبت تأسيس «هيئة التحكيم المستقلة» و»هيئة الإنصاف و المصالحة».
و بالموازاة مع العمل على تصفية ملفات «سنوات الرصاص»، و حتى لا تتكرر مآسي
الماضي، كان التركيز الملكي واضحا في عدد من الخطب والرسائل على ضرورة
إرساء قواعد دولة الحق والقانون بإطلاق «المفهوم الجديد للسلطة»، والحثّ
على تخليق الإدارة المغربية، و الحدّ من فساد بعض أجهزتها، و محاربة كافة
مظاهر الرشوة، و هو ما تجسّد عمليا في تأسيس «الهيئة المركزية للوقاية من
الرشوة»، و تفعيل الدور المنوط ب»المجلس الأعلى للحسابات»، كما كانت الرغبة
الملكية واضحة في عقلنة المشهد السياسي المغربي وترشيد العمل السياسي ووضع
حدّ للبلقنة السياسية بتأكيده على مبدأ «الحداثة السياسية» الذي أصبح
لازمة تكاد تتخلّل كلّ الخطب الملكية، و هو ما ترجم عمليا بسنّ قانون جديد
ينظّم العمل الحزبي.
جوانب اجتماعية
أساس الاستقرار السياسي هو السلم الاجتماعي، و أساس السلم الاجتماعي هو
ضمان الأمن الاجتماعي المشروط بالحدّ من الفوارق الاجتماعية، ونبذ كل أشكال
التمييز، تلك هي المعادلة التي استأثرت باهتمامات الملك الجديد بإعلانه في
شهر ماي من سنة 2005 «للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية» بهدف خلق حيوية
اجتماعية استثمارية ترمي القضاء على مواطن التهميش والفقر والهشاشة
الاجتماعية، وحثه على ضرورة الاهتمام بأوضاع «الطبقات الوسطى» باعتبارها
شرطا لازما لتحقيق التوافق الاجتماعي. كما كان نفس التوجه الملكي واضح
العزم في القضاء على كل أوجه التمييز و مظاهر الحيف ضد النساء و هو ما
تجلّى في «التحكيم الملكي» وما نتج عنه من إقرار «مدونة الأسرة» التي وضعت
حدّا لخصام سياسي كاد أن يخلق أزمة مجتمعية .
جوانب دينية
أصبح للمسألة الدينية حساسية كبرى خلال السنوات الأخيرة، فعلى المستوى
الوطني تداخل العاملان الديني والسياسي: توظيف الدين في السياسة، تناسل
الفتاوى، ارتباط بعض الحركات الرافضة
و الاحتجاجية باسم الدين....، و على المستوى الدولي أصبح للعامل الديني
تأثير على الساحة الدولية: قضايا الإرهاب و «صراع» الحضارات.... في هذا
السياق وجدت «المؤسسة الملكية» نفسها ملزمة أكثر من أي وقت مضى بالتدخل
لتوجيه «الفعل» الديني و»إصلاح» فضاءاته. وهو توجّه تنبني أسسه على ثقافة
سياسية تحاول المزاوجة بين الاستمرارية في علاقة الدين بالدولة من جهة،
والتجديد في الفضاءات المرتبطة به بالتشديد على قيم «الانفتاح» و نبذ كل
أوجه التعصب.
تجلّى هذا التجديد في سياسة إعادة هيكلة الحقل الديني كجواب على كل هذه
المستجدات. و هي السياسة التي تتوخى تحقيق ثلاثة أهداف، يتمثّل أولها في
إشراف عام يحول دون وقوع انزلاقات،
وهو ما تمّ عبر إصلاح وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بإعادة هيكلتها
واستحداث «مديريات» جديدة لمراقبة أمكنة العبادة وما يروج فيها، والإشراف
على عمليات «الوعظ والإرشاد»، وتتبّع مسار «القيمين الدينيين». ويتمثّل
الثاني في ضمان «الأمن الروحي» للمغاربة و صيانة ثوابتهم الدينية، و هي
المهمة المنوطة ب»المجلس العلمي الأعلى»، و»المجالس العلمية المحلية»
المتواجدة بمختلف جهات المملكة، و»الهيئة العلمية» المكلفة بالإفتاء، ناهيك
عن الدور الموكول لـ»الرابطة المحمدية لعلماء المغرب» التي حلّت محل
«رابطة علماء المغرب»، على إثر الخطاب الملكي في أكتوبر 2003، مما يطرح
توجيها جديدا لنوعية العلاقة التي يمكن أن تجمع بين الفقيه العالم والملك
الحاكم. و يتمثّل الهدف الثالث في التربية على قيم الانفتاح والتسامح
الديني، وهو ما تجلّى في مشاريع إصلاح «التعليم الديني» بمختلف مستوياته،
ونذكر منها على الخصوص إصلاح «دار الحديث الحسنية» ناهيك عن استحداث محطات
تلفزية وإذاعية تهتم بالتثقيف الديني.
جوانب ثقافية
بقدر ما أصبحت «العولمة» واقعا معيشا يسود مختلف مناطق العالم، بقدر ما علت أصوات «محلية» عدّة مطالبة باحترام «خصوصيتها»،
وحقّها الوجودي اللغوي والإثني و»الثقافي». تلك هي «المفارقة» التي يشهدها
«عالم اليوم». ليس غريبا إذن ولا استثنائيا أن يعرف المغرب في هذا السياق، و
منذ فترة ليست بالقصيرة، ارتفاع أصوات عدّة مطالبة بإعادة الاعتبار
«للثقافة الأمازيغية».
لا يسمح المجال هنا للحديث عن الوقائع في تفاصيلها (حركات جمعوية أمازيغية، لقاءات و مؤتمرات داخل المغرب و خارجه، بيانات
واحتجاجات)، ولا الخوض في المواقف المتباينة، داخل الحركة الأمازيغية نفسها، حول مفهوم «الأمازيغية» وعلاقة الحركة بمجالات السياسة
والإعلام والتعليم، ومدى الحاجة إلى التقنين الدستوري... ما يهمّنا بالأساس هو الإشارة إلى التصور الملكي لموضوع «الأمازيغية».
من الأكيد أنّ موضوع الثقافة الأمازيغية، و لمدة غير قصيرة، طاله الإهمال لأسباب عدّة تتعلّق بمتطلّبات استقلال المغرب ووحدة مجاله،
وتقعيد أسس الدولة الوليدة، وضعف المطالبات الاجتماعية، والوضع السياسي
العام... و لم يحدث نوع من الانفتاح في طرح الموضوع إلا في أواخر عهد الملك
الراحل الحسن الثاني، وتحديدا في خطاب 20 غشت 1994 بمناسبة ذكرى «ثورة
الملك والشعب» الذي أقرّ بالمكونات الثلاث للثقافة الأمازيغية كرافد من
روافد الأمة المغربية. غير أنّ الموضوع سيأخذ أبعادا جديدة مع مجيء الملك
محمد السادس الذي أقرّ بشكل واضح ب»التعدد الثقافي» الذي يطبع النسيج
المجتمعي المغربي.
وهو الأمر الذي وجد تتويجا له في خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2001، و خاصة
في خطاب «أجدير» بتاريخ 17 أكتوبر 2001 الذي أعلن تأسيس المعهد الملكي
للثقافة الأمازيغية، بهدف الحفاظ على التراث الأمازيغي و تطويره، و تقعيد
اللغة الأمازيغية وإغناء ثقافتها،
وما نتج عن كل هذه المعطيات من انتعاش ملحوظ تجلّى في وضع اللبنات الأولى
لتدريس اللغة الأمازيغية، و اتساع الفضاءات الجمعوية المعنية، كما توضّحت
معالمه في المجال الإعلامي بتعدد المنشورات والمنابر الصحفية، وإعداد
البرامج الإذاعية والتلفزية.
تساؤلات ختامية
كل المعطيات المذكورة ترسم لنا صورة ملك مغربي حداثي،
وتصبّ كلها نحو تأسيس «ثقافة سياسية» جديدة تقوم على دولة الحق
والقانون، وتعطي الأولوية للملف الاجتماعي، وتميّز بين الشأنين الديني
والسياسي، و تؤمن بالتعدد الثقافي... ومع ذلك، من حقّنا أن نختم هذه المقالة بطرح سؤالين يبدوان لي أساسيين.
- ما هي العوامل التي ساعدت على ميلاد هذا التوجه الجديد الذي ساهم، رغم
بعض العوائق السياسية، في تحقيق نوع من الانفتاح «الملكي» على قضايا سياسية
واجتماعية ظلّت مغلقة إلى عهد قريب؟
- ما حدود تفعيل هذه «الثقافة السياسية» الجديدة؟
هناك من المتتبّعين من عزا هذه التطورات لشخص الملك الجديد باعتباره ملكا
شابا، يتنمي لجيل جديد مشبع بثقافة حديثة... والواقع أنّه مهما كانت أهمية
هذا العامل، فإنّه يصعب الأخذ به حصرا دونما اعتبار لعدد من العوامل
المحيطة به التي سهّلت، أو على الأقل سمحت، بتفعيل هذه التغيرات. ذلك أنّه
من التبسيط أن نعزو تطورات من هذا الحجم في السلوك والخطاب الملكيين إلى
عامل واحد مهما كبرت أهميته. ولكن يمكن الحديث عن تآلف عوامل عدّة كانت
وراء هذا التحوّل.
أول هذه العوامل تجاوز ذلك التعارض وانعدام الثقة الذي ميّز علاقة القصر
الملكي بما يسمّيه البعض ب»الأحزاب التاريخية»، سليلة الحركة الوطنية، وهو
التجاوز الذي تمّ بشكل واضح غداة تأسيس حكومة «التناوب التوافقي» كنتيجة
لمسلسل من المفاوضات والمشاورات بدأ تدشينها منذ أوائل التسعينيات إلى غاية
التصويت الإيجابي على دستور سنة 1996. و هذا التجاوز طبعا هو ما سهّل
عملية إدماج فاعلين سياسيين مؤثّرين في المشهد السياسي، كانوا إلى عهد قريب
من رواد معارضة ظلّت تتأرجح بين التطرف والصلابة ومحاولات التوافق
والاندماج .
وثاني العوامل الذي يمكن به تفسير هذه التحولات هو البروز التدريجي والحضور
المتزايد لما أصبح يطلق عليه «المجتمع المدني»، وما نتج عن هذا البروز من
غليان وحركية وانتظارات اجتماعية، كلها تدفع السلطة السياسية، طوعا أو
كرها، إلى عقلنة سلوكها وتجاوز بعض الأنماط التقليدية التي تختبئ وراءها
بعض القوى المحافظة و المناهضة لأي تغيير يمسّ النسيج السياسي و الاجتماعي .
ثالث هذه العوامل هو متطلبات المحيط الدولي و»العولمة» التي عمّقت انغراس
عدد من القيم الكونية العالمية المتعلقة بالحقوق والمواطنة ودولة الحق
والقانون، وما يفرض كل ذلك من العمل على تكييف القيم المجتمعية والثقافية
المحلية مع هذه القيم الكونية.
تلك بعض العوامل التي يمكن أن نفسّر بها المسار الذي اتخذته الثقافة
السياسية للعهد الجديد، و هو مسار يؤكّد، مرّة أخرى، أنّ السلطة الملكية
توجد دائما في مركز النظام السياسي، بمنطوق الدستور أوّلا وبوقائع الممارسة
السياسية التي تبرز كيف أنّ وراء كل فكرة ملكية جهاز خاص يعمل على
تفعيلها، وهنا السؤال الكبير.
وراء الطموح لطي صفحات الاستبداد السياسي، و إقرار حقوق الإنسان، توجد
«هيئة الإنصاف و المصالحة»، ومن أجل محاربة التهميش الاجتماعي والفقر
الاقتصادي، استحدثت «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» و»صناديق» خاصة.
وبغاية ردّ الاعتبار للتنوع الثقافي تأسّس «المعهد الملكي للثقافة
الأمازيغية». و لمحاربة الفساد والرشوة ظهرت للوجود «الهيئة المركزية
للوقاية من الرشوة». ولضبط المجال الديني أُنشأ «المجلس العلمي الأعلى»
و»هيئة الإقتاء». وللتعجيل بإصلاح حال التعليم تكلّف «مجلس أعلى» . ولأجرأة
«المفهوم الجديد للسلطة» تمّ جمع الولاة
والعمّال الذين يعود أمر تعيينهم وعزلهم لجلالة الملك. و لإصدار قانون يحرّر نساء المغرب كان «التحكيم الملكي»...
إذا كانت هذه الهيئات والمجالس، التي يعود أمرها ومنتهاها للسلطة الملكية،
تغطّي مجالات عدّة تشمل ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي وديني...
فمن حقّنا أن نتساءل، خاصة و أنّ الخطاب الملكي ينصّ على «المشروع
الديمقراطي الحداثي»، عن موقع «الحكومة» من الإعراب؟ و كيف لها في مثل هذا
السياق أن تكون مسؤولة عن السياسة العامة للبلاد؟
إذا كان الاستفسار حول مدى قيام هذه الأجهزة «الملكية» بمهامها
ونجاحها الكامل أو النسبي في معالجة المهام المنوطة بها، يظلّ مشروعا، فإنّ
سؤالا آخر يفرض نفسه، وإن كان غالبا ما يبقى في طي الكتمان،
وهو ذاك المتعلّق بما يجمع العمل الحكومي بهذه الأجهزة «الملكية»، هل تقوم
العلاقة بين الطرفين على التنسيق التّام دونما أدنى تنازع في الاختصاصات
كما أكّد ذلك مرارا عدد من وزراء هذه العشرية الأخيرة؟ هل تقوم هذه العلاقة
على نوع من التعويض عن تثاقل ونقص الأداء الحكومي أمام ملفات تفرض سرعة
الإنجاز كما يدّعي البعض؟ ألا تؤدي هذه العلاقة إلى تنازع في الاختصاصات
وعدم الوضوح في المسؤوليات، كما ترى بعض القوى السياسية التي تنادي اليوم
بإصلاحات دستورية؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها على مغرب يعيش اليوم مخاضا محسوسا بإيقاع متسارع
لا مجال فيه لتأجيل الجواب على انتظارات المواطنين... ولعلّ الخطاب الملكي
الأخير يوم 09 مارس أكبر دليل.
التاريخية و السياسية تؤكّد الدور المركزي للسلطة «الملكية» و هي سلطة
تتجاوز المجال القانوني الدستوري لتجد جذورها في عمق تاريخ المغرب. يتّضح
ذلك في عدد كبير من الدراسات التي جعلت من النظام السياسي المغربي موضوعا
لها، سواء تعلق الأمر بالنظام التقليدي «السلطاني» ما قبل الحماية، أو
النظام السياسي ما بعد الاستقلال . و يتضح ذلك اليوم في المغرب الراهن،
قانونيا من خلال منطوق «الدستور، وعمليا من خلال النفوذ القوي لهذه السلطة
على مجموع المشهد السياسي.
من أين تستمدّ هذه السلطة قوّتها و مشروعيتها؟ لو عنينا بمجال السؤال
النظام السياسي السلطاني، لتيسرّ الجواب. تكمن القوّة في «العصبية» و تكمن
المشروعية في «البيعة» و هو جواب يمكن الرجوع إلى مختلف تفاصيله باستقصاء
ما كتبه «ابن خلدون»، و ما نظّر له الفقه السياسي الإسلامي.
لقد تحدّث الكثير، مغاربة و أجانب، عن «البيعة» كعقد و حقوق و واجبات...
فهل كانت السلطة السياسية في المغرب التقليدي تعاقدا و توافقا و بيعة راضية
مرضية ، كما حلم بها الفقهاء، أم أنها لم تعد أن تكون شوكة و قوة وعصبية،
ولا بأس في إلباسها رداء البيعة .
إن السؤال الحقيقي، و نحن نتحدث عن السلطة السياسية هو هل نصدق أحلام
الفقهاء في «أحكامهم»، و هم يتحدثون عن عقد «الإمامة» في تفاصيله و
«الولاية» في مختلف أشكالها، أم نتساءل عن أسباب قيام الدول و سقوطها ؟ هل
نرفع وهم «الأدلوجة» إلى مقام «الحقيقة» أم ننظر إلى سير «الوقائع» في
تاريخيتها ؟
لم تكن «البيعة» حسب وقائع التاريخ ، تعاقدا اجتماعيا بالمعنى الذي يمكن أن
يتلاءم مع أسس «الدولة الحديثة»، و كل المحاولات لجعلها في تلاؤم مع
مقتضيات هذه الدولة هي مجرد تمرين ذهني، و إنشاء جمل» كيف لنا أن نزيل عن
«البيعة» جوهرها «الديني»، و الدولة الحديثة في أساسها «لا دينية»، إذ
قامت، و التاريخ شاهد على ذلك، على الفصل بين الدين و الدولة، بين المقدس و
الدنيوي. ألا يظلّ الفارق بين النظام السلطاني التقليدي و النظام السياسي
الحديث قائما، و التعارض بينهما موجودا؟ كيف لنا أن نوافق بين مبدأ .تحريم
الخروج عن السلطان الموجود في أساس الدولة السلطانية، و مبدأ «الحق في
المقاومة» الذي أسّس عليه جون لوك عقده السياسي؟ الدولة الحديثة كما أكدت
نفسها عبر التاريخ «تعاقد اجتماعي»، و الدولة المغربية التقليدية كما
قدّمها لنا تاريخها «استبداد سياسي». ل»تعاقد» الدولة الحديثة مرجعه النظري
المتمثل أساسا في كون مستودع «السيادة» و مصدر «السلطة» هو المجتمع
«الأمة، الشعب « ، و ل»استبداد» الدولة التقليدية مرجعه النظري أو بالأحرى
مسوّغه «الشرعي» المتمثّل في مسألة «البيعة»
.. و لكن ما علاقة كل هذا «الماضي» ب»حاضرنا» السياسي الراهن؟ لقد ناقش
الكثيرون الفصل الدستوري الشهير رقم 19... و مع ذلك ظلّ السؤال قائما ، هل
نحن أمام دولة حديثة بدستور حديث، أم لازلنا نعيش دولة سلطانية استبدادية ؟
هل نحن أمام «حكومة» فعلية مسؤولة أمام ممثلي الأمة، أم أننا نعيش حكم
«حاشية سلطانية» تأتمر بأوامر حاكمها ؟ بل و أيضا، هل نحن أمام أمّة
«مدنية» للمواطن فيها قيمته، أم لا زلنا أمام جمع من الرعايا تنتظر» بركة»
الراعي ؟
ليس الأمر معادلة حسابية، وما أسهل «الجواب» ب»نعم» أو «لا»، فألا يتحدث
الجميع ، حاكمين و محكومين ، عن «مرحلة انتقالية» و عن «مسلسل ديمقراطي» و
مخاض سياسي ... إن الجواب عن هذا «السؤال» يتجاوز بكثير القدرة «التنظيرية»
أو الذكاء «المعرفي» لأي كان، و يبدو أن السنوات المقبلة، و ما يخبئه
«التاريخ» القريب ، هما وحدهما يملكان «جوابا» عن سؤال مرهون بحركة التاريخ
و صيرورته أكثر مما هو مرتبط بعلم أو تنظير هذا «العبقري» أو ذاك . لقد
تضاربت الآراء حول الحضور القوي للسلطة الملكية. فمن قائل بكونها أكبر
علامة على استمرارية استبداد الدولة، و تهميش العمل الحكومي، كما هناك من
يجد لها أكثر من مبرّر باعتبارها ضمان الاستقرار و التوازن الاجتماعي، بل و
باعتبارها أداة فعالة لتدارك التخلف الحاصل في أغلب الميادين، و الخيار
الوحيد لتجاوز ضعف و تثاقل أداء الفعل الحكومي... و لكن، ألا تجد هذه
«السلطة الملكية» جوابا لها داخل نسيج مجتمعي هش لم تسعفه كثيرا حركية
التاريخ، كما يؤكّد ذلك واقعه القريب و الراهن. و ألا تكون هذه السلطة
مدعوة، إن لم تكن ملزمة، بالتدخل عبر كل «المشاريع» الممكنة لتعويض ضعف
القوى الاجتماعية، ومعالجة الهشاشة الفادحة في عدد من المجالات من أجل
صيانة الاستقرار الاجتماعي، و من خلاله تحقيق استمرارية النظام السياسي، و
هما معا هدفان مرهونان بمدى سرعة الإنجاز في ظل «انتظارات» أصبح متعذرا
تأجيل الجواب عنها.
مع تولية الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، دخل القاموس السياسي و
الصحفي مفهوم «العهد الجديد»، تمييزا له عمّا سبقه. وإذا كان هذا العهد،
كما جاء في خطابات الملك الجديد، يندرج في إطار استمرارية لا «قطيعة» لها
مع أسس النظام المغربي، فإنّه يصعب بالمقابل اعتباره استنساخا لما سبقه. و
ما بين «القطيعة» غير المعلنة،
و»الاستمرارية» الملحوظة، تتجلى صعوبة البحث في نظام سياسي لم يكمل انتقاله
بعد. يتفق الباحثون و المتتبعون للوضع السياسي بالمغرب، و إن اختلفوا في
تقييمهم و تأويلهم، على تأكيد عدد من التغيّرات التي شهدها المغرب خلال
السنوات الأخيرة و التي ما تزال تواصل لحد الآن تفاعلاتها.
ا- دلالة الرمز
بوفاة الملك الحسن الثاني، و تولية ابنه محمد السادس عرش المملكة المغربية،
رأى عدد من الباحثين و المتتبعين للشأن السياسي المغربي في بعض الوقائع
علامات دالة على الرغبة في تجديد الثقافة السياسية. و أوّل هذه العلامات
اتّخذت طابعا رمزيا يحمل معه أكثر من دلالة، و تجلّت في مراسيم «البيعة»، و
التخفيف من حدّة «البروتوكول»،
وشكل «الخطب الملكية» وإحداث «ناطق رسمي باسم القصر الملكي»،
وهي كلها عناصر غدّت أذهان المتتبعين بتقديم صورة جديدة عن ملك جديد.
ساعات قليلة بعد الإعلان الرسمي عن وفاة الملك الحسن الثاني، شاهد المغاربة
على شاشة التلفزة مباشرة مراسيم «مبايعة» ولي العهد الأمير سيدي محمد الذي
سيصبح بمقتضى عقد «البيعة» ملك المغرب محمد السادس. و فيما عدا الحفاظ على
الطابع التقليدي السلطاني لهذه المراسيم و قواعدها المرعية، لاحظ
المتتبّعون للشأن السياسي تواجد عدد من الإشارات تترجم في دلالاتها مستجدات
الحياة السياسية المغربية، كما تشير إلى الرغبة في تأكيد ثقافة سياسية
جديدة. و تتجلّى هذه الإشارات في «نص» البيعة الموجز، و ان احتفظ بلغته
التقليدية، و تقليص عدد الموقعين، و خاصة تراتبيتهم، حيث كان الوزير الأول،
في أول سابقة من نوعها، أوّل الموقعين بعد الأسرة الملكية، و الحضور غير
المعهود لامرأتين وزيرتين، و العدد القليل فيما يخصّ تمثيلية «العلماء» على
الرغم من الطابع الديني الملازم لمبدأ «البيعة» نفسه.
وفي نفس السياق الرامي إلى تثبيت هذه «الصورة» الجديدة، لوحظ نوع من
التخفيف من حدّة البروتوكول، و هو ما تجلى بدءا في الأشكال التي اتخذتها
استقبالات ملكية في مناسبات مختلفة لبعض رجال الفكر و الثقافة، أو لبعض
أعضاء الجالية المغربية بالخارج. كما كان أمرا محسوسا نهج تواصل سياسي جديد
يتوخى القرب والحضور، و هو ما تجلّى في الإحداث غير المسبوق ل»ناطق رسمي
باسم القصر الملكي» الذي رأى فيه البعض تجاوزا للعالم المغلق الذي يحيط
بالقصر الملكي، و طريقا نحو تحقيق شفافية و تواصل يتطلبهما السلوك السياسي
الحديث، كما توضّح ذلك أيضا في علنية مراسيم الزواج الملكي، وفي تعدّد
الزيارات الميدانية، و ما تخلّلها من لقاءات مباشرة مع مواطنين من مختلف
المستويات و الآفاق.
ومن بين علامات هذا التجديد «الخطب الملكية» التي لمس فيها العديد، مواطنون
و باحثون، بداية تحديث سياسي باحترامها موعد البث دونما انتظار، وبنصوصها
الموجزة و المقروءة دونما ارتجال ، ناهيك طبعا عن مضامينها التي تمحورت
بشكل أساسي حول مفهوم «الحداثة»،
وما يستتبعه من تصورات أخرى لا تقل أهمية، وعلى رأسها مبدأ «المواطنة» و دور «النخبة» و نقد «السياسوية» الضيقة».
و مع ذلك يظلّ السؤال الأساسي مطروحا، هل يمكن الاعتماد على مثل هذه
المؤشرات «الشكلية أو الظاهرية» للإقرار بحدوث تغيير في «الثقافة السياسية»
للمؤسسة الملكية؟
تباينت الآراء بين من يرى في هذه العلامات تدشينا لعهد جديد، أو على الأقل
تجديدا في إطار الاستمرارية، و نوعا من المزاوجة بين «التقليد» و
«التحديث»، و بين من يرى فيها اعتبارات شكلية، أو»دوالا» دون «مدلول»، و
أنّ السلطة الملكية هي هي، و أنّ الاستمرارية هي ما يميز عهد الملك الجديد.
وإذا كان الرأي الأول يستبطن تصورا تفاؤليا مستقبليا، فإنّه يحتاج لأبحاث
تضبط التقاطعات و التشابكات بين ما مضى و ما يحدث اليوم، أمّا التصور
الثاني فيبدو مشدودا لثقل الوقائع، متعجلا في أحكامه، كما يصعب تبنّيه جملة
و تفصيلا اعتبارا لعدد من الوقائع الفعلية التي لا مجال لإنكارها...
ب- من الدّال إلى المدلول
بغضّ النظر عن العلامات المذكورة، يمكننا استقراء مضامين الخطب الملكية
«للعهد الجديد» و النهج السياسي الذي رسمته للتأكّد من دخول المغرب، حقّا و
فعلا، مرحلة جديدة، ودونما وقوف على تفاصيل هذه الخطب و تاريخيتها، يمكننا
الحديث عن عدد من المحاور الكبرى التي أعلنت عنها كما يلي:
- تأكيد الانفتاح السياسي بتفعيل إجراءات طي ملف «الاعتقال السياسي» أو ما أصبح يعرف ب»سنوات الرصاص».
- العمل على التقليص من الفوارق الاجتماعية بمحاربة مواطن الفقر و الهشاشة.
- تثبيت حقوق المرأة بإقرار مدونة جديدة للأسرة.
- إرساء قواعد «دولة الحق و القانون» عبر أجرأة «المفهوم الجديد للسلطة».
- تبنّي «الحداثة السياسية» بمحاربة كل أوجه الظلامية الفكرية
والسياسية، والتصدي لظاهرة استغلال الدين وذلك عبر إعادة هيكلة «الحقل الديني».
- تأكيد «التعدد الثقافي» الذي يطبع النسيج المجتمعي بإعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية.
- المناداة بتخليق الحياة العامة ومحاربة أوجه الرشوة و الفساد.
لم نعد هنا أمام عناصر حبيسة رموز، قد يرى فيها البعض شكلا بدون مضمون.
فمنطوق الخطاب واضح و صريح، و مضمونه يمتحّ أهميته من كونه صادر عن أعلى
سلطة في الدولة... و مع ذلك هناك مرّة أخرى من رأى في مجموع هذه العناصر
أقوالا ليس من ورائها أفعال، و أنّ المشكل العميق يكمن في تفعيل النقط
المذكورة. و بالمقابل، هناك من رأى في كل هذه العناصر مجتمعة صورة جديدة
ل»ثقافة سياسية» جديدة، إذ وراء كل عنصر فكرة يتأسّس عليها تصور جديد
للمجال السياسي، و وراءه أجهزة و مؤسسات ترمي تفعيل هذه الثقافة السياسية
الجديدة وجعلها أمرا معيشا.
ويضيف الاستاذ الباحث أنه بوفاة الملك الحسن الثاني، وتولية ابنه محمد
السادس عرش المملكة المغربية، رأى عدد من الباحثين و المتتبعين للشأن
السياسي المغربي في بعض الوقائع علامات دالة على الرغبة في تجديد الثقافة
السياسية. و أوّل هذه العلامات اتّخذت طابعا رمزيا يحمل معه أكثر من دلالة،
و تجلّت في مراسيم «البيعة»، والتخفيف من حدّة «البروتوكول»، وشكل «الخطب
الملكية» وإحداث «ناطق رسمي باسم القصر الملكي»، وهي كلها عناصر غدّت أذهان
المتتبعين بتقديم صورة جديدة عن ملك جديد».
الى ذلك اعتبر محمد اليازغي أن الملكية اليوم بحاجة إلى بروتوكول أكثر
بساطة ومرونة، ورأى أنه لا ضير اليوم في أن يتقدم مدير التشريفات والقصور
والأوسمة الحالي بمشروع جديد للبرتوكول يحظى بقبول جلالة الملك والمجتمع
المغربي يكون أكثر بساطة ومرونة مع الاعفاء من تقبيل اليد.
وبالنسبة لاسماعيل العلوي، فإن البرتوكول الملكي يخضع الى تطور المجتمع،
مشيرا إلى أنه من الأفيد إصدار بلاغ يضبط هذا الأمر من أجل وضع حد لهذه
الأشياء التي يعتبر الكثير أنها أصبحت متجاوزة، مع التأكيد على الاحترام
الضروري من طرف الأمة لشخص الملك.
بدوره شدد علال بلعربي القيادي الكونفدرالي على ضرورة أن يتطور البرتوكول
الملكي، إلا أن هذه القضية تبقى بالنسبة إليه ليست هي الأساس، مطالبا بأن
تتطور الأشياء لترقى إلى مستوى اللحظة التي يعيشها المغرب، والخروج من هذه
الطقوس إلى الحداثة. أما علي بوعبيد فأكد أن بعض الطقوس في المغرب مرتبطة
بالثقافة المخزنية المهينة، وتصل إلى حد العبودية.
واعتبر عبد الرحمان العزوزي أن المغرب يجب أن يمشي وفق منطق العصر والحداثة
واحترام حرية وكرامة الانسان، في حين يرى عبد الكريم بنعتيق ان الارتباط
الذي يجمع بين الملك والشعب يؤكد أن هذه الممارسات تنتمي إلى عهود قديمة،
وأن الملكية ليست في حاجة إليها.
ويرى العروي في كتابه «المغرب والحسن الثاني» بدأ العمل من جهته على عودة
التقليدانية في الحياة العامة. واحيانا تم بأشكال مدروسة, حيث أن
«الاصلاحات» التي تم ادخالها بواسطة الحضور الاجنبي، تم محوها الواحدة تلو
الاخرى. فتم إلغاء اللباس الاروبي من الحفلات الرسمية بدعوى مساندة
الصناعة التقليدية المغربية, وعوض اعتماد اللباس الوطني، اللباس الذي اعطاه
محمد الخامس الشعبية المعروفة, تمت العودة الى اللباس الذي عرفه المخزن
في القرن 19. وهو اللباس الذي كان يلبسه المبعوثون من طرف السلطان الى
نابليون أو الملكة فيكتوريا، امام دهشة الرسامين الذين رسموهم ،وخلدوا
لباسهم.
خلال المعركة الوطنية وحرب الريف، كان الوطنيون قد اطلقوا تقليد الجلباب الريفي، جلباب عبد الكريم ، القصير بالاكمام الطويلة.
وفي هذاالسياق انكب المؤرخون و خبراء الارشيف على الوثائق القديمة
والعتيقة ،من أجل اعادة بناء البروتوكل القديم كما وصف تفاصيله العديد من
السفراء ومن الرحالة الاوربيين. كمثال على ذلك كتاب اوجين اوبان، مغرب
اليوم الصادر في 1904 .
وبلمسات متتابعة, تمت اعادة بناء المغرب الذي كان، وهو المغرب الذي كانت
الادارة الاستعمارية نفسها تحرص على استعراضه, لكي تبرر و تظهر عملها
الاصلاحي والتحديثي أو مهمتها التنويرية.. وقد تطلب هذا المسلسل الذي بدأ
بعيد وفاة محمد الخامس بسنوات ,لكي يتخذ شكله الحديث، وهو ما يجعل العروي
يقول بأن ذلك كان هو السبب الذي لم يجعله يثير الانظار والانتباه ولا يكون
محط رفض.
ويضيف العروي« اذا كان الرمز قد تمت اعادة مأسسته بسهولة أو حتى بقسوة،
فذلك لأن المخزن كان قد تشكل في الستينيات، بحيث أن كل الذين كانوا ضد
اليسار التحديثي- الثوري في قولهم- تحلقوا حول ولي العهد, المرحوم الحسن
الثاني.
جوانب سياسية
الانتقال من ثقافة سياسية مبنية على «الحقد و الضغائن» إلى ثقافة أخرى تتأسس على «التسامح و الإنصاف» ، و تجاوز ثقافة «الترغيب
والترهيب» التي ولّى زمانها لتحقيق ثقافة ترتكز على «الاحتكام إلى القانون»
مع ما يتطلب ذلك من تضميد جراح الماضي والتصالح مع التاريخ وتثمين روح
المواطنة الإيجابية وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان... تلك هي النقط المركزية
التي أكّد عليها الملك الجديد في كل خطاباته
ورسائله التي صاحبت تأسيس «هيئة التحكيم المستقلة» و»هيئة الإنصاف و المصالحة».
و بالموازاة مع العمل على تصفية ملفات «سنوات الرصاص»، و حتى لا تتكرر مآسي
الماضي، كان التركيز الملكي واضحا في عدد من الخطب والرسائل على ضرورة
إرساء قواعد دولة الحق والقانون بإطلاق «المفهوم الجديد للسلطة»، والحثّ
على تخليق الإدارة المغربية، و الحدّ من فساد بعض أجهزتها، و محاربة كافة
مظاهر الرشوة، و هو ما تجسّد عمليا في تأسيس «الهيئة المركزية للوقاية من
الرشوة»، و تفعيل الدور المنوط ب»المجلس الأعلى للحسابات»، كما كانت الرغبة
الملكية واضحة في عقلنة المشهد السياسي المغربي وترشيد العمل السياسي ووضع
حدّ للبلقنة السياسية بتأكيده على مبدأ «الحداثة السياسية» الذي أصبح
لازمة تكاد تتخلّل كلّ الخطب الملكية، و هو ما ترجم عمليا بسنّ قانون جديد
ينظّم العمل الحزبي.
جوانب اجتماعية
أساس الاستقرار السياسي هو السلم الاجتماعي، و أساس السلم الاجتماعي هو
ضمان الأمن الاجتماعي المشروط بالحدّ من الفوارق الاجتماعية، ونبذ كل أشكال
التمييز، تلك هي المعادلة التي استأثرت باهتمامات الملك الجديد بإعلانه في
شهر ماي من سنة 2005 «للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية» بهدف خلق حيوية
اجتماعية استثمارية ترمي القضاء على مواطن التهميش والفقر والهشاشة
الاجتماعية، وحثه على ضرورة الاهتمام بأوضاع «الطبقات الوسطى» باعتبارها
شرطا لازما لتحقيق التوافق الاجتماعي. كما كان نفس التوجه الملكي واضح
العزم في القضاء على كل أوجه التمييز و مظاهر الحيف ضد النساء و هو ما
تجلّى في «التحكيم الملكي» وما نتج عنه من إقرار «مدونة الأسرة» التي وضعت
حدّا لخصام سياسي كاد أن يخلق أزمة مجتمعية .
جوانب دينية
أصبح للمسألة الدينية حساسية كبرى خلال السنوات الأخيرة، فعلى المستوى
الوطني تداخل العاملان الديني والسياسي: توظيف الدين في السياسة، تناسل
الفتاوى، ارتباط بعض الحركات الرافضة
و الاحتجاجية باسم الدين....، و على المستوى الدولي أصبح للعامل الديني
تأثير على الساحة الدولية: قضايا الإرهاب و «صراع» الحضارات.... في هذا
السياق وجدت «المؤسسة الملكية» نفسها ملزمة أكثر من أي وقت مضى بالتدخل
لتوجيه «الفعل» الديني و»إصلاح» فضاءاته. وهو توجّه تنبني أسسه على ثقافة
سياسية تحاول المزاوجة بين الاستمرارية في علاقة الدين بالدولة من جهة،
والتجديد في الفضاءات المرتبطة به بالتشديد على قيم «الانفتاح» و نبذ كل
أوجه التعصب.
تجلّى هذا التجديد في سياسة إعادة هيكلة الحقل الديني كجواب على كل هذه
المستجدات. و هي السياسة التي تتوخى تحقيق ثلاثة أهداف، يتمثّل أولها في
إشراف عام يحول دون وقوع انزلاقات،
وهو ما تمّ عبر إصلاح وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بإعادة هيكلتها
واستحداث «مديريات» جديدة لمراقبة أمكنة العبادة وما يروج فيها، والإشراف
على عمليات «الوعظ والإرشاد»، وتتبّع مسار «القيمين الدينيين». ويتمثّل
الثاني في ضمان «الأمن الروحي» للمغاربة و صيانة ثوابتهم الدينية، و هي
المهمة المنوطة ب»المجلس العلمي الأعلى»، و»المجالس العلمية المحلية»
المتواجدة بمختلف جهات المملكة، و»الهيئة العلمية» المكلفة بالإفتاء، ناهيك
عن الدور الموكول لـ»الرابطة المحمدية لعلماء المغرب» التي حلّت محل
«رابطة علماء المغرب»، على إثر الخطاب الملكي في أكتوبر 2003، مما يطرح
توجيها جديدا لنوعية العلاقة التي يمكن أن تجمع بين الفقيه العالم والملك
الحاكم. و يتمثّل الهدف الثالث في التربية على قيم الانفتاح والتسامح
الديني، وهو ما تجلّى في مشاريع إصلاح «التعليم الديني» بمختلف مستوياته،
ونذكر منها على الخصوص إصلاح «دار الحديث الحسنية» ناهيك عن استحداث محطات
تلفزية وإذاعية تهتم بالتثقيف الديني.
جوانب ثقافية
بقدر ما أصبحت «العولمة» واقعا معيشا يسود مختلف مناطق العالم، بقدر ما علت أصوات «محلية» عدّة مطالبة باحترام «خصوصيتها»،
وحقّها الوجودي اللغوي والإثني و»الثقافي». تلك هي «المفارقة» التي يشهدها
«عالم اليوم». ليس غريبا إذن ولا استثنائيا أن يعرف المغرب في هذا السياق، و
منذ فترة ليست بالقصيرة، ارتفاع أصوات عدّة مطالبة بإعادة الاعتبار
«للثقافة الأمازيغية».
لا يسمح المجال هنا للحديث عن الوقائع في تفاصيلها (حركات جمعوية أمازيغية، لقاءات و مؤتمرات داخل المغرب و خارجه، بيانات
واحتجاجات)، ولا الخوض في المواقف المتباينة، داخل الحركة الأمازيغية نفسها، حول مفهوم «الأمازيغية» وعلاقة الحركة بمجالات السياسة
والإعلام والتعليم، ومدى الحاجة إلى التقنين الدستوري... ما يهمّنا بالأساس هو الإشارة إلى التصور الملكي لموضوع «الأمازيغية».
من الأكيد أنّ موضوع الثقافة الأمازيغية، و لمدة غير قصيرة، طاله الإهمال لأسباب عدّة تتعلّق بمتطلّبات استقلال المغرب ووحدة مجاله،
وتقعيد أسس الدولة الوليدة، وضعف المطالبات الاجتماعية، والوضع السياسي
العام... و لم يحدث نوع من الانفتاح في طرح الموضوع إلا في أواخر عهد الملك
الراحل الحسن الثاني، وتحديدا في خطاب 20 غشت 1994 بمناسبة ذكرى «ثورة
الملك والشعب» الذي أقرّ بالمكونات الثلاث للثقافة الأمازيغية كرافد من
روافد الأمة المغربية. غير أنّ الموضوع سيأخذ أبعادا جديدة مع مجيء الملك
محمد السادس الذي أقرّ بشكل واضح ب»التعدد الثقافي» الذي يطبع النسيج
المجتمعي المغربي.
وهو الأمر الذي وجد تتويجا له في خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2001، و خاصة
في خطاب «أجدير» بتاريخ 17 أكتوبر 2001 الذي أعلن تأسيس المعهد الملكي
للثقافة الأمازيغية، بهدف الحفاظ على التراث الأمازيغي و تطويره، و تقعيد
اللغة الأمازيغية وإغناء ثقافتها،
وما نتج عن كل هذه المعطيات من انتعاش ملحوظ تجلّى في وضع اللبنات الأولى
لتدريس اللغة الأمازيغية، و اتساع الفضاءات الجمعوية المعنية، كما توضّحت
معالمه في المجال الإعلامي بتعدد المنشورات والمنابر الصحفية، وإعداد
البرامج الإذاعية والتلفزية.
تساؤلات ختامية
كل المعطيات المذكورة ترسم لنا صورة ملك مغربي حداثي،
وتصبّ كلها نحو تأسيس «ثقافة سياسية» جديدة تقوم على دولة الحق
والقانون، وتعطي الأولوية للملف الاجتماعي، وتميّز بين الشأنين الديني
والسياسي، و تؤمن بالتعدد الثقافي... ومع ذلك، من حقّنا أن نختم هذه المقالة بطرح سؤالين يبدوان لي أساسيين.
- ما هي العوامل التي ساعدت على ميلاد هذا التوجه الجديد الذي ساهم، رغم
بعض العوائق السياسية، في تحقيق نوع من الانفتاح «الملكي» على قضايا سياسية
واجتماعية ظلّت مغلقة إلى عهد قريب؟
- ما حدود تفعيل هذه «الثقافة السياسية» الجديدة؟
هناك من المتتبّعين من عزا هذه التطورات لشخص الملك الجديد باعتباره ملكا
شابا، يتنمي لجيل جديد مشبع بثقافة حديثة... والواقع أنّه مهما كانت أهمية
هذا العامل، فإنّه يصعب الأخذ به حصرا دونما اعتبار لعدد من العوامل
المحيطة به التي سهّلت، أو على الأقل سمحت، بتفعيل هذه التغيرات. ذلك أنّه
من التبسيط أن نعزو تطورات من هذا الحجم في السلوك والخطاب الملكيين إلى
عامل واحد مهما كبرت أهميته. ولكن يمكن الحديث عن تآلف عوامل عدّة كانت
وراء هذا التحوّل.
أول هذه العوامل تجاوز ذلك التعارض وانعدام الثقة الذي ميّز علاقة القصر
الملكي بما يسمّيه البعض ب»الأحزاب التاريخية»، سليلة الحركة الوطنية، وهو
التجاوز الذي تمّ بشكل واضح غداة تأسيس حكومة «التناوب التوافقي» كنتيجة
لمسلسل من المفاوضات والمشاورات بدأ تدشينها منذ أوائل التسعينيات إلى غاية
التصويت الإيجابي على دستور سنة 1996. و هذا التجاوز طبعا هو ما سهّل
عملية إدماج فاعلين سياسيين مؤثّرين في المشهد السياسي، كانوا إلى عهد قريب
من رواد معارضة ظلّت تتأرجح بين التطرف والصلابة ومحاولات التوافق
والاندماج .
وثاني العوامل الذي يمكن به تفسير هذه التحولات هو البروز التدريجي والحضور
المتزايد لما أصبح يطلق عليه «المجتمع المدني»، وما نتج عن هذا البروز من
غليان وحركية وانتظارات اجتماعية، كلها تدفع السلطة السياسية، طوعا أو
كرها، إلى عقلنة سلوكها وتجاوز بعض الأنماط التقليدية التي تختبئ وراءها
بعض القوى المحافظة و المناهضة لأي تغيير يمسّ النسيج السياسي و الاجتماعي .
ثالث هذه العوامل هو متطلبات المحيط الدولي و»العولمة» التي عمّقت انغراس
عدد من القيم الكونية العالمية المتعلقة بالحقوق والمواطنة ودولة الحق
والقانون، وما يفرض كل ذلك من العمل على تكييف القيم المجتمعية والثقافية
المحلية مع هذه القيم الكونية.
تلك بعض العوامل التي يمكن أن نفسّر بها المسار الذي اتخذته الثقافة
السياسية للعهد الجديد، و هو مسار يؤكّد، مرّة أخرى، أنّ السلطة الملكية
توجد دائما في مركز النظام السياسي، بمنطوق الدستور أوّلا وبوقائع الممارسة
السياسية التي تبرز كيف أنّ وراء كل فكرة ملكية جهاز خاص يعمل على
تفعيلها، وهنا السؤال الكبير.
وراء الطموح لطي صفحات الاستبداد السياسي، و إقرار حقوق الإنسان، توجد
«هيئة الإنصاف و المصالحة»، ومن أجل محاربة التهميش الاجتماعي والفقر
الاقتصادي، استحدثت «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» و»صناديق» خاصة.
وبغاية ردّ الاعتبار للتنوع الثقافي تأسّس «المعهد الملكي للثقافة
الأمازيغية». و لمحاربة الفساد والرشوة ظهرت للوجود «الهيئة المركزية
للوقاية من الرشوة». ولضبط المجال الديني أُنشأ «المجلس العلمي الأعلى»
و»هيئة الإقتاء». وللتعجيل بإصلاح حال التعليم تكلّف «مجلس أعلى» . ولأجرأة
«المفهوم الجديد للسلطة» تمّ جمع الولاة
والعمّال الذين يعود أمر تعيينهم وعزلهم لجلالة الملك. و لإصدار قانون يحرّر نساء المغرب كان «التحكيم الملكي»...
إذا كانت هذه الهيئات والمجالس، التي يعود أمرها ومنتهاها للسلطة الملكية،
تغطّي مجالات عدّة تشمل ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي وديني...
فمن حقّنا أن نتساءل، خاصة و أنّ الخطاب الملكي ينصّ على «المشروع
الديمقراطي الحداثي»، عن موقع «الحكومة» من الإعراب؟ و كيف لها في مثل هذا
السياق أن تكون مسؤولة عن السياسة العامة للبلاد؟
إذا كان الاستفسار حول مدى قيام هذه الأجهزة «الملكية» بمهامها
ونجاحها الكامل أو النسبي في معالجة المهام المنوطة بها، يظلّ مشروعا، فإنّ
سؤالا آخر يفرض نفسه، وإن كان غالبا ما يبقى في طي الكتمان،
وهو ذاك المتعلّق بما يجمع العمل الحكومي بهذه الأجهزة «الملكية»، هل تقوم
العلاقة بين الطرفين على التنسيق التّام دونما أدنى تنازع في الاختصاصات
كما أكّد ذلك مرارا عدد من وزراء هذه العشرية الأخيرة؟ هل تقوم هذه العلاقة
على نوع من التعويض عن تثاقل ونقص الأداء الحكومي أمام ملفات تفرض سرعة
الإنجاز كما يدّعي البعض؟ ألا تؤدي هذه العلاقة إلى تنازع في الاختصاصات
وعدم الوضوح في المسؤوليات، كما ترى بعض القوى السياسية التي تنادي اليوم
بإصلاحات دستورية؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها على مغرب يعيش اليوم مخاضا محسوسا بإيقاع متسارع
لا مجال فيه لتأجيل الجواب على انتظارات المواطنين... ولعلّ الخطاب الملكي
الأخير يوم 09 مارس أكبر دليل.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
عبد الله العروي في كتاب «المغرب والحسن الثاني» تاريخ تقبيل اليد، واللباس المخزني والبيعة
لقد
كان الحسن الثاني ، وهو ولي العهد، متأثرا بالمثال المناهض للثورة. فبعد
رحيل محمد الخامس, يرى العروي في كتابه «المغرب و الحسن الثاني» بدأ العمل
من جهته على عودة التقليدانية في الحياة العامة. و احيانا تم بأشكال
مدروسة, حيث أن « الاصلاحات« التي تم ادخالها بواسطة الحضور الاجنبي ،
تم محوها الواحدة تلو الاخرى. فتم إلغاء اللباس الاروبي من الحفلات الرسمية
بدعوى مساندة الصناعة التقليدية المغربية, وعوض اعتماد اللباس الوطني،
اللباس الذي اعطاه محمد الخامس الشعبية المعروفة , تمت العودة الى اللباس
الذي عرفه المخزن في القرن 19. وهو اللباس الذي كان يلبسه المبعوثون من
طرف السلطان الى نابليون أو الملكة فيكتوريا ، امام دهشة الرسامين الذين
رسموهم ،وخلدوا لباسهم.
خلال المعركة الوطنية وحرب الريف ، كان الوطنيون قد اطلقوا تقليد الجلباب الريفي ، جلباب عبد الكريم ، القصير بالاكمام الطويلة .
وفي هذاالسياق انكب المؤرخون و خبراء الارشيف على الوثائق القديمة
والعتيقة ،من أجل اعادة بناء البروتوكل القديم كما وصف تفاصيله العديد من
السفراء ومن الرحالة الاوربيين. كمثال على ذلك كتاب اوجين اوبان، مغرب
اليوم الصادر في 1904 .
وبلمسات متتابعة تمت اعادة بناء المغرب الذي كان، وهو المغرب الذي كانت
الادارة الاستعمارية نفسها تحرص على استعراضه, لكي تبرر و تظهر عملها
الاصلاحي والتحديثي أو مهمتها التنويرية.. وقد تطلب هذا المسلسل الذي بدأ
بعيد وفاة محمد الخامس بسنوات ,لكي يتخذ شكله الحديث ، وهو ما يجعل
العروي يقول بأن ذلك كان هو السبب الذي لم يجعله يثير الانظار والانتباه
ولا يكون محط رفض.
ويضيف العروي« اذا كان الرمز قد تمت اعادة مأسسته بسهولة أو حتى بقسوة،
فذلك لأن المخزن كان قد تشكل في الستينيات، بحيث أن كل الذين كانوا ضد
اليسار التحديثي- الثوري في قولهم- تحلقوا حول ولي العهد, المرحوم الحسن
الثاني.
تقبيل اليد
تقبيل اليد ليس لا بالممارسة العربية ، مادام غير معروف في المشرق، حتى في
الاردن, حيث الاسرة الحاكمة تنحدر من الهاشميين ، وبالتالي فهي شريفة ،
ولا بالاسلامية , لأنه يمكن أن تعد شركا . والقرآن يحيل على البيعة للرسول
عليه الصلاة والسلام بدون تحديد شكلها . والحال أنه يقدم لها، لتبرير
تقبيل اليد بالذات، تأويل محل نقاش.
من المحتمل جدا أن تكون ممارسة فارسية ، وبالتالي فهي احيائية جاءت في زمن
العباسيين وبررتها النظرية الإمامية. وتقول هذه النظرية أن تبجيل شخص
الخليفة أي الإمام ، وارث سر الامام علي ابن عم الرسول وصهره هو الذي يتم
في هذه الممارسة وليس العاهل أو القائد السياسي. ومثل هذا التبرير يرفضه
السنة.
يمكن القول اذن أن تقبيل اليد انتشر في شمال افريقيا ،حيث مورس في تونس
الى حدود سنة 1942 ، تاريخ الغائه من طرف الباي الوطني منصف . ونجد بعض
آثاره لدى الأدارسة ومن انحدر منهم والسعديين وزعماء التمردات مثل
بوحمارة.
وواضح أن الانتماء الشريفي يؤثر بقدر أو بآخر في الطرقية وحركة الاولياء
الصالحين بشكل عام ، وقد انتشرت هذه الاخيرة في القرون الاخيرة ووصلت
الى كل الوسط المتعلم الحصري, وبما أن العلوم التاريخية واللاهوتية قد
غابت عن المدارس المغربية, فإن الايديولوجية نصف شيعية ، التي لن ترفض
ابدا بشكل واضح ، قد اصبحت جزءا من الايمان الشعبي. فاصبح تقبيل اليد
نتيجة طبيعية وحركة ميكانيكية في كل مناسبة وفي كل الطبقات الشعبية ،
حيث يقبل الولد يد أبيه، والمتعلم يد المعلم والتمليذ يد الاستاذ
والمريد يد الشيخ وهكذا دواليك الى حيث بلوغ قمة الهرم.
وسيذهب الانتروبولوجيون الى ابعد ويرون في تقبيل اليد مجرد خصوصية لظاهرة مسجلة في كل مكان وفي كل الازمنة ..
ويبقى أن تقبيل اليد الملكية في المغرب اليوم ، في زمن التلفزيون يكتسي
وظيفة اساسا سياسية ، حيث يميز علانية الى اي درجة هذا الشخص أو ذاك قريب
من السلطة. ولهذا السبب يبقى مطلوبا ، أو مرفوضا حتى. لهذا السبب فهو ليس
واحدا بحيث يكون بسيطا و مزدوجا أو ثلاثيا.
ولكون تقبيل اليد مرتبط بالبيعة الإمامة والنسب الشريف فهو يبقى غامضا ما دامت هذه المفاهيم غامضة تندرج في اطار ما لا يقال.
البيعة
يتعلق الأمر نظريا بعقد بين الملك والشعب ممثلا في الأعيان، وهنا علينا أن
نتحدث عن «مبايعة»، كما جاء في القرآن [الاية 48 - 10 ] . بما أن هذه
الصيغة النحوية تعني المعاملة بالمثل. ولكن منذ مدة طويلة لا تستعمل سوى
كلمة «بيعة» التي تعني فعل الولاء الذي يتجسد رمزيا من خلال حفل سنوي، يمكن
تحيينه في كل لحظة، في إطار الدستور المكتوب, من خلال اسلوب الاستفتاء.
فالملك يتوفر على امكانية أن يطلب من الشعب موافقته حول اي موضوع، من
استغلال الفرصة لتذكيره بواجب الطاعة والولاء، واي نتيجة سلبية او فقط
مشكوك فيها، تأخذ طابع تنصل، قطيعة مع التقاليد.
ويتعلق الامر هنا بتفسير ينسي ان لمفهوم البيعة ايضا تاريخ.
هذا التفسير ليس جديدا، فالسنيون يرجعونه دون تمييز بقيصرية الامويين
وبالامامة الفارسية التي اثرت عميقا في العلويين والعباسيين، فهم يزعمون
العودة الى المفهوم الأولي، مفهوم الرسول [ص] الذي يفترض وجود ضامن، في هذه
الحالة طبقة العلماء التي تمثل جماعة المؤمنين والبيعة السياسية، يجب، في
نظرهم، ان تفصل بعناية عن التبجيل الواجب لسلالة النبي والتي تعبر عن
نفسها بأشكال اخرى.
هذا التفسير المعتدل تم تحريفه فيما بعد، من طرف العلماء انفسهم، عندما
اضطر الاسلام، الذي تعرض لهجمات الصليبيين، للاستنجاد بالمحاربين الاتراك.
وفي ظل الخلافة ولدت السلطنة. والبيعة، تحت ضغط الضرورة, اصبحت مزدوجة
وبنفس المناسبة، تقلصت الى طقس الطاعة ل «اميرالجهاد الذي يباركه الخليفة».
في المغرب بيعة ادريس الاول، مختلف عن بيعة ابن تومرت، المنصور او اسماعيل،
وفي التاريخ الأول كان يسمى «إمام» والثاني «امام» و»مهدي» والثالث
«خليفة» والرابعة «مولاي» و»سلطان»، الشكل يبدو ثابتا ,بينما المحتوى يتغير
باستمرار. وفي عهد الاصلاح الذي دشنه محمد الثالث في القرن 18 وواصله ابنه
سليمان في القرن 19 قرر العلماء تجاهل هذه التطورات، والارتباط مباشرة
بالتفسير السني السابق على مجيء السلطنة التركية. واستلهم زعماء الحركة
الدستورية لسنة 1908 تصورهم النظري، من بينهم علال الفاسي الذي يعتبر نفسه
وريثهم، والتي عبر عنها ابن زيدان ِمؤرخ سلالة العلويين، مع بعض التحفظات.
وعلى اساس تفسير هذا الأخير, قام الوطنيون بقراءة روسوية [نسبة الى جان
جاك روسو] للبيعة [عقد تفويض وشرعية سياسية] وتم تجاهل الطابع الإمامي
تماما، ضد الفقهاء القانونيين للحماية الذين كانوا يزعمون الدفاع عن
التقاليد الحقيقية للمخزن. كانوا متشبعين بالاحكام المسبقة للقرون الوسطى,
حريصين على حماية ادارة الامور, هذه التي فوضها السلطان لمواطنيهم
وبالتالي عرفوا كيف يعطون للنظام الشريفي لبوسا عصريا، كملكية مطلقة على
طريقة طوماس هوبس. بالنسبة لهم البيعة هي مراسيم تقليدية لفعل
بدائي أسلمت من خلاله الجماعة روحها وجسدها، وإلى الأبد[ وهكذا كانوا
يفهمون كلمة »إسلام« ]للنبي وسلالته, وهكذا يكون المسلمون قد تخلوا طواعية
ونهائيا عن جميع حقوقهم الطبيعية بتخليهم لفائدة الحاكم، عن كل مسؤولية في
تدبير شؤونهم العامة، في هذه الشروط، فإن البيعة طقس للوفاء للأسلاف
وللتقاليد وللذات.
وهذا التفسير منسجم في نفس الوقت، في إطار السلطنة المرتبطة بالامامة وفي
إطار ملكية مطلقة على طريقة هوبس، هذه السهولة في الانتقال من مفهوم لغوي
إلى آخر جعلها مغرية بشكل خاص بالنسبة لرجل كالحسن الثاني.
اللباس
لدينا اتنوغرافيا وليس تاريخ للباس المغربي الذكوري أو الأنثوي, وبالنظر إلى فقر علم الأيقنة، فسيكون من الصعب كتابة هذا التاريخ.
لكن الشيء الأكيد هو أن اللباس المغربي تطور بتطابق مع التوجه السياسي
للبلد. عندما كان البلد ينفتح بشكل واسع على التأثيرات الخارجية, كان
اللباس متوسطيا بشكل كبير، اندلسيا ثم عثمانيا، وعندما كان المغرب ينطوي
على نفسه، كان يفضل أن يتميز بلباس خاص. في بداية القرن 19 كان السلطان
سليمان الذي كان معروفا بكونه حاكما فقيها ,لكنه كان ضعيفا وبالأخص كان حظه
عاثرا, أعاد اللباس الذي كان يعتقد أنه لباس النبي إلى حد أنه كان مقتنعا
بأن ممارسة السنة ليست فعليه, إلا إذا كانت تمس كل مناحي الحياة.
في بداية القرن 20 وفي عهد السلطان عبد العزيز, لاحظنا محاولة محتشمة
للإصلاح ومرة أخرى تحت تأثير العثمانيين, كان الوطنيون قد اختاروا الجلباب
الريفي كإشارة إعجاب بمقاومة عبد الكريم. لبسوا اللباس البورجوازي العصري،
الذي تقلص إلى جلباب طويل مستقيم وقريب أكثر من الجسد، وهو اللباس الذي
حوله محمد الخامس إلى لباس شعبي، بينما كان الوطنيون مثل أشقائهم في الشرق
يميلون تدريجيا نحو اللباس الأوربي.
عند الاستقلال, بدأ الاتجاه يميل بوضوح نحو التمييز بوضوح أكثر فأكثر بين
وظيفتين تتميز كل واحدة بلباس وميزة خاصين، وظيفة »شريف « امام» ووظيفة
«الملك الدستوري» ووضع الحسن الثاني حد لهذا المسلسل. وأعاد فرض اللباس
المخزني الصارم الذي أصبح يستعمل, سواء في تقبيل اليد أو لتمييز الأشخاص,
وانتهى في النهاية بالتفوق على تحفظات آخر الوطنيين العصريين.
واللباس «»الوطني»« المغربي ينظر إليه اليوم كرمز للوحدة ,للاجماع للتطابق
المتفق عليه بحرية. وهذا ما يفسر بدون شك ظهور اللباس الشرقي كمؤثر على
رغبة في القطيعة.
كان الحسن الثاني ، وهو ولي العهد، متأثرا بالمثال المناهض للثورة. فبعد
رحيل محمد الخامس, يرى العروي في كتابه «المغرب و الحسن الثاني» بدأ العمل
من جهته على عودة التقليدانية في الحياة العامة. و احيانا تم بأشكال
مدروسة, حيث أن « الاصلاحات« التي تم ادخالها بواسطة الحضور الاجنبي ،
تم محوها الواحدة تلو الاخرى. فتم إلغاء اللباس الاروبي من الحفلات الرسمية
بدعوى مساندة الصناعة التقليدية المغربية, وعوض اعتماد اللباس الوطني،
اللباس الذي اعطاه محمد الخامس الشعبية المعروفة , تمت العودة الى اللباس
الذي عرفه المخزن في القرن 19. وهو اللباس الذي كان يلبسه المبعوثون من
طرف السلطان الى نابليون أو الملكة فيكتوريا ، امام دهشة الرسامين الذين
رسموهم ،وخلدوا لباسهم.
خلال المعركة الوطنية وحرب الريف ، كان الوطنيون قد اطلقوا تقليد الجلباب الريفي ، جلباب عبد الكريم ، القصير بالاكمام الطويلة .
وفي هذاالسياق انكب المؤرخون و خبراء الارشيف على الوثائق القديمة
والعتيقة ،من أجل اعادة بناء البروتوكل القديم كما وصف تفاصيله العديد من
السفراء ومن الرحالة الاوربيين. كمثال على ذلك كتاب اوجين اوبان، مغرب
اليوم الصادر في 1904 .
وبلمسات متتابعة تمت اعادة بناء المغرب الذي كان، وهو المغرب الذي كانت
الادارة الاستعمارية نفسها تحرص على استعراضه, لكي تبرر و تظهر عملها
الاصلاحي والتحديثي أو مهمتها التنويرية.. وقد تطلب هذا المسلسل الذي بدأ
بعيد وفاة محمد الخامس بسنوات ,لكي يتخذ شكله الحديث ، وهو ما يجعل
العروي يقول بأن ذلك كان هو السبب الذي لم يجعله يثير الانظار والانتباه
ولا يكون محط رفض.
ويضيف العروي« اذا كان الرمز قد تمت اعادة مأسسته بسهولة أو حتى بقسوة،
فذلك لأن المخزن كان قد تشكل في الستينيات، بحيث أن كل الذين كانوا ضد
اليسار التحديثي- الثوري في قولهم- تحلقوا حول ولي العهد, المرحوم الحسن
الثاني.
تقبيل اليد
تقبيل اليد ليس لا بالممارسة العربية ، مادام غير معروف في المشرق، حتى في
الاردن, حيث الاسرة الحاكمة تنحدر من الهاشميين ، وبالتالي فهي شريفة ،
ولا بالاسلامية , لأنه يمكن أن تعد شركا . والقرآن يحيل على البيعة للرسول
عليه الصلاة والسلام بدون تحديد شكلها . والحال أنه يقدم لها، لتبرير
تقبيل اليد بالذات، تأويل محل نقاش.
من المحتمل جدا أن تكون ممارسة فارسية ، وبالتالي فهي احيائية جاءت في زمن
العباسيين وبررتها النظرية الإمامية. وتقول هذه النظرية أن تبجيل شخص
الخليفة أي الإمام ، وارث سر الامام علي ابن عم الرسول وصهره هو الذي يتم
في هذه الممارسة وليس العاهل أو القائد السياسي. ومثل هذا التبرير يرفضه
السنة.
يمكن القول اذن أن تقبيل اليد انتشر في شمال افريقيا ،حيث مورس في تونس
الى حدود سنة 1942 ، تاريخ الغائه من طرف الباي الوطني منصف . ونجد بعض
آثاره لدى الأدارسة ومن انحدر منهم والسعديين وزعماء التمردات مثل
بوحمارة.
وواضح أن الانتماء الشريفي يؤثر بقدر أو بآخر في الطرقية وحركة الاولياء
الصالحين بشكل عام ، وقد انتشرت هذه الاخيرة في القرون الاخيرة ووصلت
الى كل الوسط المتعلم الحصري, وبما أن العلوم التاريخية واللاهوتية قد
غابت عن المدارس المغربية, فإن الايديولوجية نصف شيعية ، التي لن ترفض
ابدا بشكل واضح ، قد اصبحت جزءا من الايمان الشعبي. فاصبح تقبيل اليد
نتيجة طبيعية وحركة ميكانيكية في كل مناسبة وفي كل الطبقات الشعبية ،
حيث يقبل الولد يد أبيه، والمتعلم يد المعلم والتمليذ يد الاستاذ
والمريد يد الشيخ وهكذا دواليك الى حيث بلوغ قمة الهرم.
وسيذهب الانتروبولوجيون الى ابعد ويرون في تقبيل اليد مجرد خصوصية لظاهرة مسجلة في كل مكان وفي كل الازمنة ..
ويبقى أن تقبيل اليد الملكية في المغرب اليوم ، في زمن التلفزيون يكتسي
وظيفة اساسا سياسية ، حيث يميز علانية الى اي درجة هذا الشخص أو ذاك قريب
من السلطة. ولهذا السبب يبقى مطلوبا ، أو مرفوضا حتى. لهذا السبب فهو ليس
واحدا بحيث يكون بسيطا و مزدوجا أو ثلاثيا.
ولكون تقبيل اليد مرتبط بالبيعة الإمامة والنسب الشريف فهو يبقى غامضا ما دامت هذه المفاهيم غامضة تندرج في اطار ما لا يقال.
البيعة
يتعلق الأمر نظريا بعقد بين الملك والشعب ممثلا في الأعيان، وهنا علينا أن
نتحدث عن «مبايعة»، كما جاء في القرآن [الاية 48 - 10 ] . بما أن هذه
الصيغة النحوية تعني المعاملة بالمثل. ولكن منذ مدة طويلة لا تستعمل سوى
كلمة «بيعة» التي تعني فعل الولاء الذي يتجسد رمزيا من خلال حفل سنوي، يمكن
تحيينه في كل لحظة، في إطار الدستور المكتوب, من خلال اسلوب الاستفتاء.
فالملك يتوفر على امكانية أن يطلب من الشعب موافقته حول اي موضوع، من
استغلال الفرصة لتذكيره بواجب الطاعة والولاء، واي نتيجة سلبية او فقط
مشكوك فيها، تأخذ طابع تنصل، قطيعة مع التقاليد.
ويتعلق الامر هنا بتفسير ينسي ان لمفهوم البيعة ايضا تاريخ.
هذا التفسير ليس جديدا، فالسنيون يرجعونه دون تمييز بقيصرية الامويين
وبالامامة الفارسية التي اثرت عميقا في العلويين والعباسيين، فهم يزعمون
العودة الى المفهوم الأولي، مفهوم الرسول [ص] الذي يفترض وجود ضامن، في هذه
الحالة طبقة العلماء التي تمثل جماعة المؤمنين والبيعة السياسية، يجب، في
نظرهم، ان تفصل بعناية عن التبجيل الواجب لسلالة النبي والتي تعبر عن
نفسها بأشكال اخرى.
هذا التفسير المعتدل تم تحريفه فيما بعد، من طرف العلماء انفسهم، عندما
اضطر الاسلام، الذي تعرض لهجمات الصليبيين، للاستنجاد بالمحاربين الاتراك.
وفي ظل الخلافة ولدت السلطنة. والبيعة، تحت ضغط الضرورة, اصبحت مزدوجة
وبنفس المناسبة، تقلصت الى طقس الطاعة ل «اميرالجهاد الذي يباركه الخليفة».
في المغرب بيعة ادريس الاول، مختلف عن بيعة ابن تومرت، المنصور او اسماعيل،
وفي التاريخ الأول كان يسمى «إمام» والثاني «امام» و»مهدي» والثالث
«خليفة» والرابعة «مولاي» و»سلطان»، الشكل يبدو ثابتا ,بينما المحتوى يتغير
باستمرار. وفي عهد الاصلاح الذي دشنه محمد الثالث في القرن 18 وواصله ابنه
سليمان في القرن 19 قرر العلماء تجاهل هذه التطورات، والارتباط مباشرة
بالتفسير السني السابق على مجيء السلطنة التركية. واستلهم زعماء الحركة
الدستورية لسنة 1908 تصورهم النظري، من بينهم علال الفاسي الذي يعتبر نفسه
وريثهم، والتي عبر عنها ابن زيدان ِمؤرخ سلالة العلويين، مع بعض التحفظات.
وعلى اساس تفسير هذا الأخير, قام الوطنيون بقراءة روسوية [نسبة الى جان
جاك روسو] للبيعة [عقد تفويض وشرعية سياسية] وتم تجاهل الطابع الإمامي
تماما، ضد الفقهاء القانونيين للحماية الذين كانوا يزعمون الدفاع عن
التقاليد الحقيقية للمخزن. كانوا متشبعين بالاحكام المسبقة للقرون الوسطى,
حريصين على حماية ادارة الامور, هذه التي فوضها السلطان لمواطنيهم
وبالتالي عرفوا كيف يعطون للنظام الشريفي لبوسا عصريا، كملكية مطلقة على
طريقة طوماس هوبس. بالنسبة لهم البيعة هي مراسيم تقليدية لفعل
بدائي أسلمت من خلاله الجماعة روحها وجسدها، وإلى الأبد[ وهكذا كانوا
يفهمون كلمة »إسلام« ]للنبي وسلالته, وهكذا يكون المسلمون قد تخلوا طواعية
ونهائيا عن جميع حقوقهم الطبيعية بتخليهم لفائدة الحاكم، عن كل مسؤولية في
تدبير شؤونهم العامة، في هذه الشروط، فإن البيعة طقس للوفاء للأسلاف
وللتقاليد وللذات.
وهذا التفسير منسجم في نفس الوقت، في إطار السلطنة المرتبطة بالامامة وفي
إطار ملكية مطلقة على طريقة هوبس، هذه السهولة في الانتقال من مفهوم لغوي
إلى آخر جعلها مغرية بشكل خاص بالنسبة لرجل كالحسن الثاني.
اللباس
لدينا اتنوغرافيا وليس تاريخ للباس المغربي الذكوري أو الأنثوي, وبالنظر إلى فقر علم الأيقنة، فسيكون من الصعب كتابة هذا التاريخ.
لكن الشيء الأكيد هو أن اللباس المغربي تطور بتطابق مع التوجه السياسي
للبلد. عندما كان البلد ينفتح بشكل واسع على التأثيرات الخارجية, كان
اللباس متوسطيا بشكل كبير، اندلسيا ثم عثمانيا، وعندما كان المغرب ينطوي
على نفسه، كان يفضل أن يتميز بلباس خاص. في بداية القرن 19 كان السلطان
سليمان الذي كان معروفا بكونه حاكما فقيها ,لكنه كان ضعيفا وبالأخص كان حظه
عاثرا, أعاد اللباس الذي كان يعتقد أنه لباس النبي إلى حد أنه كان مقتنعا
بأن ممارسة السنة ليست فعليه, إلا إذا كانت تمس كل مناحي الحياة.
في بداية القرن 20 وفي عهد السلطان عبد العزيز, لاحظنا محاولة محتشمة
للإصلاح ومرة أخرى تحت تأثير العثمانيين, كان الوطنيون قد اختاروا الجلباب
الريفي كإشارة إعجاب بمقاومة عبد الكريم. لبسوا اللباس البورجوازي العصري،
الذي تقلص إلى جلباب طويل مستقيم وقريب أكثر من الجسد، وهو اللباس الذي
حوله محمد الخامس إلى لباس شعبي، بينما كان الوطنيون مثل أشقائهم في الشرق
يميلون تدريجيا نحو اللباس الأوربي.
عند الاستقلال, بدأ الاتجاه يميل بوضوح نحو التمييز بوضوح أكثر فأكثر بين
وظيفتين تتميز كل واحدة بلباس وميزة خاصين، وظيفة »شريف « امام» ووظيفة
«الملك الدستوري» ووضع الحسن الثاني حد لهذا المسلسل. وأعاد فرض اللباس
المخزني الصارم الذي أصبح يستعمل, سواء في تقبيل اليد أو لتمييز الأشخاص,
وانتهى في النهاية بالتفوق على تحفظات آخر الوطنيين العصريين.
واللباس «»الوطني»« المغربي ينظر إليه اليوم كرمز للوحدة ,للاجماع للتطابق
المتفق عليه بحرية. وهذا ما يفسر بدون شك ظهور اللباس الشرقي كمؤثر على
رغبة في القطيعة.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مولاي حفيظ العلوي.. رجل المداخل المعتمة
ولد مولاي حفيظ العلوي سنة 1910 بمنطقة الدويرات، غير بعيد عن مدينة الراشيدية. وفي مستهل الثلاثينات، انتقل إلى مكناس، حيث التحق ب «الدار البيضاء» العسكرية، التي أسسها الجنرال ليوطي سنة 1918 لتكوين ضباط مغاربة لفائدة الجيش الفرنسي. وبعد تخرجه، لم يحاول استكمال تكوينه في إسبانيا، على غرار باقي زملائه المتفوقين، واكتفى بدلا من ذلك بمنصب محلي بمنصب ليوطنان كولونيل، حيث تكلف بمهمة تهدئة الأجواء في مناطق كانت تعرف اضطرابات مناهضة لفرنسا. وفي منتصف الأربعينات، انتقل إلى سلك الإدارة، حيث تولى منصب خليفة السلطان بمدينة الدار البيضاء. وتولى في ما بعد منصب باشا على مدينة سطات، حيث جرت اصطدامات بينه وبين بعض تجار المدينة، أسفرت عن محاولة اغتياله التي نجا منها، لكن بعد إصابته بجرح غائر على مستوى الكتف، وهو الجرح الذي ظل يقول عنه إنه أصيب به خلال إحدى الحروب. وبعد عودة السلطان محمد الخامس من المنفى، تم تنصيب مولاي حفيظ العلوي كوالي على مدينة مراكش، لكن لم تمض سوى فترة قصيرة على هذا التعيين حتى تخلى عنه محمد الخامس بعد شكاية من أهالي منطقة الرحامنة. هذا الإبعاد لم يستمر بدوره طويلا، إذ سرعان ما أعاده ولي العهد حينها مولاي الحسن إلى البلاط الملكي، إذ كانت تربطهما علاقة مقربة في الفترة التي كان فيها مولاي حفيظ خليفة للسلطان بمدينة الدار البيضاء. وترجح بعض الروايات أن مولاي الحسن تعرف على مولاي حفيظ خلال زيارة محمد الخامس لمدينة طنجة وإلقائه لخطابه الشهير بها يوم 9 أبريل 1947، حيث قدمه عبد الرحمان الحجوي لولي العهد. وبعد وفاة محمد الخامس، وتولي الحسن الثاني الحكم، ضمه إلى حكومته بجعله على رأس وزارة التشريفات والأوسمة. وتمكن مولاي حفيظ العلوي من خلال هذا المنصب من التقرب أكثر من الحسن الثاني، حيث أضحى أحد أبرز مساعديه، ولم يكن فقط مكلفا بضمان احترام العادات والتقاليد التي تحيط بالبروتوكول الملكي، بل كان أيضا رجل الثقة بالنسبة للحسن الثاني، حتى أن البعض اعتبره بمثابة «المصفاة» التي لا بد من المرور عبرها قبل الوصول إلى الملك، كما كان في نفس الوقت عين الحسن الثاني على ما يجري حوله، سيما في صفوف الجيش، حيث كان ينقل إليه كل كبيرة وصغيرة تحدث، بل إن البعض اعتبر أنه كان يقف وراء الملاحقات التي تعرض لها أفراد عائلة أوفقير بعد محاولة اغتيال الحسن وهو على متن طائرة البوينغ في السادس عشر من غشت سنة 1972. وحسب ما ذكره الدكتور بلقاسم البلعشي في كتابه «بورتريهات رجال سياسة مغاربة» الصادر باللغة الفرنسية عن دار النشر إفرقيا الشرق، فإن مولاي حفيظ العلوي: «كانت لديه سحنة أحد أشخاص الإيس الإيس (أي ضباط المخابرات الألمان أيام هتلر) بجمجمة صلعاء ووجه أملط وعينين دائريتين، خلف عدستي نظارة سميكتين، وصوت كهفي كأنه قادم من العدم، كان يتحرك مثل شبح، ساهرا مثل عفريت على كل ما يُقال ويُفعل. (...) إنه شخص بارد، وبذهن متوقد ينتبه للشاذة والفاذة، كائن خارج للتو من عالم ميكيافيلي للمؤامرات الشيطانية. كل الاستقبالات وكل اللقاءات وكل الاستشارات تمر عبره، وإذا ما نفذ أمرا فقد كان يفعل ذلك على طريقته (...) كل الوزراء كانوا يخشونه (...). كان يعطي الأوامر في كل شيء، ويقحم أنفه في كل شيء، (...) لقد كان رجل المداخل المعتمة. كما أن مجموعة حاشية الملك كانت تتصرف حسب مشيئته. ولا شيء كان يُمكن أن يصل إلى الملك بدون موافقته (...) كل القرارات مرت عبره...» وفي يوم 14 دجنبر من سنة 1989 توفي حفيظ العلوي، تاركا وصية استغرب لها الكثيرون من رجال البلاط، بخصوص الثروة الهائلة التي خلفها وراءه، و كانت وصيته هي أن لا يوضع جثمانه في صندوق، وأن لا يقام له ذكرى وفاة لا في اليوم الثالث ولا في اليوم الأربعين. ترك الرجل منذ وفاته منصبه فارغا إلى جانب الحسن الثاني، حيث لم يتول منصبه بعده أي احد، وتم الاكتفاء بأقرب مساعديه، وهو عبد الحق لمريني، الذي تولى مديرية البروتوكول. | ||
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
عبد الحق المريني.. لمسات أدبية على بروتوكول صارم
عبد الحق المريني، من مواليد مدينة الرباط سنة 1934، تلقى دراسته الثانوية بثانوية مولاي يوسف بالرباط، حاز على دبلوم معهد الدراسات العليا المغربية سنة 1960، وعلى الإجازة في الآداب من كلية الآداب بالرباط سنة 1962، وعلى دبلوم الدراسات العليا من معهد الدراسات العربية والإسلامية العليا التابع لجامعة «ستراسبورغ» الفرنسية سنة 1966، كما حصل على دكتوراه الجامعة من نفس المعهد سنة 1973، وعلى دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة محمد بن عبد الله بفاس سنة 1989 وكان موضوعها « شعر الجهاد في الأدب المغربي « بإشراف الدكتور «عباس الجراري». وفي حوار أجرته «الاتحاد الشتراكي» مع عبد الحق المريني سنة 2007، يسترجع هذا الأخير لحظات التحاقه بإدارة التشريفات الملكية في عهد الجترال الراحل مولاي حفيظ العلوي . يقول المريني: «كنت عام 1965 قد غادرت على التو منصبي، كرئيس لديوان نائب كاتب الدولة في التعليم التقني وتكوين الأطر، وذلك بعد أن عرف المغرب تشكيل حكومة جديدة، فعدت إلى استئناف العمل ضمن السلك الأصلي الذي أنتسب إليه كأستاذ، حيث جرى تعييني بثانوية للاعائشة بالرباط. وبموازاة مع ذلك كنت أقدم برنامجا في التلفزة المغربية حول تاريخ الجيوش المغربية، معززا بصور وخرائط من الأرشيف، لأنني في هذه الفترة بالذات، كنت منهمكا أيضا في إعداد مادة كتابي «الجيش المغربي عبر التاريخ»، الذي صدر فيما بعد. وكان أن توقفت ضمن إحدى حلقات البرنامج التلفزي المذكور، عند كفاح الجنود المغاربة لنصرة الحلفاء، وخاصة إبان الحرب العالمية الثانية، وأظهرت بما يكفي من التوضيح والإشارات، أن هؤلاء الجنود لم يذهبوا للقتال إلى جانب جيوش دول استعمارية، وإنما هبوا لنصرة الحرية والتحرر، ولمقاومة المد الزاحف للدكتاتورية النازية والفاشية، ورغبتهما المجنونة في الإستبداد والهيمنة على العالم أجمع. ويبدو أن هذه الرسالة، التي كانت ذات دلالات قوية من الناحية السياسية، قد التقطت جيدا، وتركت شعورا بالإنصاف في حق ما قام به الضباط والجنود المغاربة في معارك الحرب العالمية الثانية ضمن جيوش الحلفاء. وهكذا تسارعت التطورات، حيث أبلغني الأستاذ أحمد بنسودة، وكان وقتئذ مديرا للإذاعة والتلفزة، بأن الجنيرال المرحوم مولاي حفيظ العلوي، وكان حينئذ مديرا للتشريفات الملكية والأوسمة، يطلبني باستعجال، فكان أن ذهبت لمقابلته، لأفاجأ بعد جلسة تعارف، أنه يقترح علي الالتحاق للعمل بإدارة التشريفات الملكية والأوسمة، فكان ذلك هو بداية عملي بالقصر الملكي، ومعه بدأت تجربة جديدة في حياتي ومساري، منحتها الوفاء والإخلاص والثبات وتقدير المسؤولية، ومنحتني هي بدورها من الخبرة والتجربة والمعارف الجديدة، فوق ما كنت أتصور. إنها مدرستي الحقيقية. ولله الحمد على كل حال». ولعل ما منح لذلك المنصب ذلك البعد التواصلي والديبلوماسي أكثر، في عهد الأستاذ المريني، نزوعه الفكري الأدبي والإنساني، وهو القادم أصلا من عائلة سلاوية كان الوالد فيها يتحمل مسؤولية ناظر أوقاف الرباط وسلا، بما كان لتلك المهمة من دور كبير في القرب من «دار المخزن». حياة عبد الحق المريني كانت أيضا حافلة بالعديد من الإبداعات الأدبية والأبحاث من جملتها: «قضايا مغربية بين الأخذ والرد» (2006)، و»قضايا ووجوه نظرات وتأملات» (2007)، وكتاب «دليل المرأة المغربية» في ثلاثة أجزاء، وبحث «مسيرة المرأة المغربية من الاستقلال إلى الآن» تم فيه جرد أعمال أكثر من 5000 امرأة مغربية سنة 1991، وكتاب «شعر الجهاد في الأدب المغربي» (جزآن) طبع بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 1996، وكتاب «الجيش المغربي عبر التاريخ» سنة 1968 (خمس طبعات)، كما صدر في طبعة جديدة ومنقحة سنة 1997 مع ترجمة للكتاب بالفرنسية سنة 2000، وكتاب «الشاي في الأدب المغربي» (سلسلة شراع عدد 57- 1999)، كما أنجز كتاب «محمد الخامس دراسات وشهادات»، وديوان «الحسنيات» في ثلاثة أجزاء، وكتاب «جلالة الملك الحسن الثاني الإنسان والملك»، وكتاب «قال جلالة الملك الحسن الثاني» في ثلاثة أجزاء، وكتاب «مدخل إلى تاريخ المغرب الحديث من عهد الحسن الأول إلى عهد الحسن الثاني»، وكتاب «مجموعة الخطب الملكية والرسائل المولوية والأوامر اليومية الموجهة إلى وحدات القوات المسلحة الملكية» في ثلاثة أجزاء...... | ||
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
سياسيون يطالبون بتعديل البروتوكول - جلال كندالي
اعتبر محمد اليازغي أن مظاهر وطقوس البروتوكول الملكي، تاريخيا على عهد المرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين، كانت تتسم بكثير من البساطة واللاصرامة، بحيث لم تكن هناك قيود أو ضوابط آمرة في هذا المجال. وبعد مجيء السعديين شرع ما اصطلح عليه بالمخزن منذ هذا التاريخ في المحاولات الأولى لتنظيم البروتوكول وفرض نوع من الطقوس التي لا قبل للمغرب بها. و سيعرف البروتوكول الملكي تطورا على مستوى التنظيم والطقوس والقيود المفروضة، بعد أن عاد الأميران أحمد وعبد المالك السعديين من عاصمة تركيا العثمانية إسطمبول, حيث استقر ثلاث سنوات عند أخوالهم العثمانيين بتوصية من أبيهما الملك محمد الشيخ الذي كان متزوجا بتركية وبعث بابنيه لزيارة العثمانيين و طمأنتهم على حسن العلاقات المغربية العثمانية. وبعد عودتهما شرعا تحت الثأثير القوي لما عايشاه في استنبات البروتوكول العثماني بكل طقوسه و إجراءاته وصرامته, سواء على مستوى مسطرة السلام على الملك أو استقبال السفراء و الشخصيات وأعضاء الحكومة أو تنظيم الأعياد أو خروج الملك إلى الصلاة على صهوة الفرس و المظلة الكبيرة ترافقه، و الحرس الملكي و طقوس الشاي و الوضوء و موسيقى 55 ...، وقد استمر الأمر على ماهو عليه, بل وازداد حدة و صرامة خلال القرن 19 بحيث صار تقبيل رجل الملك وهو واقف أو ركبته وهو جالس أحد الطقوس الملزمة في عهد الملكين محمد الرابع و الحسن الأول. و هناك من استمر في هذا التقليد و تحضرني هنا صورة تعود لمنتصف القرن العشرين وهي التي تؤرخ لزيارة الباشا لكلاوي للمرحوم محمد الخامس بعد عودته من مدغشقر إلى باريس لأجل طلب السماح على ما اقترفه، حيث يظهر لكلاوي جاثما يحاول تقبيل رجل أو ركبة الملك. مع مجيء الاستعمار خفت نوعا ما العديد من طقوس وإجراءات البرتوكول الملكي، لكن بعد اعتلاء المرحوم الحسن الثاني العرش عاد تنظيم البروتوكول ليحتل مكانة مرموقة ضمن اهتمامات الملك. و في هذا الإطار لابد من التذكير بأن البروتوكول الحالي هو اجتهاد خاص بالملك الراحل الملك الحسن الثاني الذي استعان بخبراء أجانب اشتغلوا على هذا الموضوع مع الملكيات الأوروبية، وبأخصائيين اشتغلوا عليه كذلك مع عدة دول مشرقية، ليخلصوا إلى بروتوكول ملكي مغربي جمع بين البروتوكول التقليدي و بروتوكولات أخرى، وقد أشرف على تنفيذه أول مدير للتشريفات و الأوسمة الجنرال مولاي حفيظ. فيما يخصني شخصيا, فإنني أعتبر أن البروتوكول الملكي هو نتاج بيئته، و مرحلته التاريخية، و مدى تقبل المجتمع لطقوسه و إجراءاته، مثلما هو مرتبط في بعض جوانبه « تقبيل اليد على سبيل المثال» بالشخص نفسه و ليس بغيره. فأنا مثلا، و منذ أن قبلت يد المرحوم محمد الخامس في شهر نونبر 1955 - لأول وآخر مرة , بعد عودته من المنفى واستقباله لنا نحن خمسة طلبة من كلية الحقوق من الرباط، لم يحدث أن استفسرني أو نبهني أي أحد لأنني لم أكن أقبل يد الملك, سواء المرحوم الحسن الثاني أو جلالة الملك محمد السادس، هذا مع التأكيد على أن تقبيل اليد من عدمه لا يمس بالإحترام الواجب للملك. وتحضرني هنا واقعة الافتتاحية التي كانت قد أصدرتها مجلة الشبيبة الاستقلالية « الشباب» أواخر 1957 أو بداية 1958، وكنت من ضمن هيئة تحريرها إلى جانب مدير التحرير عبد الرحيم اكديرة و رئيس التحرير عبد الرحمان السايح، و الإخوة عبد اللطيف خالص و عبد الفتاح سباطة، وكان موضوع هذه الافتتاحية «تقبيل اليد»، مما جر علينا غضب الأمين العام للحزب الحاج أحمد بلافريج الذي استدعانا ليطلعنا على ما عبر له عنه من غضب شديد المرحوم محمد الخامس. كما قلت سلفا فإن الأمر في هذا المجال يتعلق بالدرجة الأولى بالتطور الذي عرفته و تعرفه الملكية ببلادنا، و بنظرة المجتمع و جاهزيته لتقبل البروتوكول وطقوسه، و الوعي المتزايد بأن الجوهر هو الأساس و ليس الشكليات و بالتالي فأنا أعتقد بأن ما عرفته بلادنا من مبادرات جريئة وتحديثية لصاحب الجلالة لا بد وأنها ستأخذ حاجة ملكيتنا إلى بعد أكثر حداثة و بساطة و قابلية للبروتوكول الملكي, وأنا لا أرى ضيرا اليوم في أن يتقدم مدير التشريفات و القصور و الأوسمة الحالي بمشروع جديد للبروتوكول يحظى بقبول جلالة الملك و المجتمع المغربي يكون أكثر بساطة و مرونة مع الإعفاء من تقبيل اليد. من جانبه يرى مولاى اسماعيل العلوي ان البروتوكول الملكي يخضع الى تطور المجتمع، واستدل على ذلك في تصريحه لجريدة الاتحاد الاشتراكي, بالبرتوكول الذي كان سائدا في الفترات الماضية، كما بسط ذلك عبد الرحمان بن زيدان من خلال مؤلف خاص به. و من ثمة يضيف زعيم حزب التقدم والاشتراكية, ان البرتوكول الملكي الحالي مقارنة مع ما كان الوضع عليه سابقا، عرف تغييرا كبيرا، ومن ثمة يخلص ان هناك تطورات حصلت في هذا الميدان منذ مولى اسماعيل ومرورا بالسلاطين الذين تعاقبوا عل فترة حكمه.و بالتالي فإن هذه النقطة ستستمر في التطور. واضاف ان اللباس الذي كان يرتديه في الماضي الاعيان ورجال المخزن لم يعد قائما الآن، كما أن اللباس التقليدي نفسه لم يعد له الرونق الذي كان يتميز به سابقا. وبالتالي يجب ان نأخذ هذه الاشياء بعين الاعتبار. هذا التطور في البرتوكول الملكي المغربي يقول مولى اسماعيل العلوي, عرفه ايضا البلاط البريطاني والبلاط الاسباني. ففي الوقت الذي سجل فيه هذا التطور الخاص بهذا الموضوع, يضيف, لا غرابة اذا تقرر بشكل رسمي او تلقائي تجاوز هذه الاشياء. وسجل مولى اسماعيل العلوي التطور الحاصل في البرتوكول الملكي من خلال مراسيم تحية الملك. ففي الوقت الذي نجد فيه ان هناك من يقبل يد الملك، هناك من يقبل الكتف او الوجه. وهذا معناه ان هناك مخاضا في أفق التطور, وشدد على أنه يكون من الافيد اصدار بلاغ يضبط هذه الاشياء على مستوى مديرية القصور الملكية من أجل وضع حد لهذه الاشياء التي يعتبرها الكثير انها اصبحت متجاوزة. مع التأكيد على الاحترام الضروري من طرف الأمة لشخص جلالة الملك. القيادي في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل, علال بلعربي, شدد على ضرورة ان يتطور البرتوكول الملكي, الا ان هذه القضية تبقى بالنسبة اليه ليست هي الاساس, مطالبا ان تتطور الاشياء لترقى الى مستوى اللحظة التي يعيشها المغرب والخروج من هذه الطقوس الى الحداثة. معربا عن اسفه أن هناك من «يبوس» يد الملك, لكنهم في قرارات انفسهم لا يؤمنون بأي شيء. واعتبر أن الوقت سيجعل هذه الامور متجاوزة, لكن في نفس الآن طرح الاشكاليات المركزية الكبرى المرتبطة بماهو حداثي وديمقراطي. اذ كلنا نتحدث عن الحداثة, وهو ما يتنافى مع المحظور والمقدس، والحداثة لا يحكمها الا العقل والحرية والعدل والتعليم، من خلال طرح الاسئلة العقلانية اتجاه القضايا المطروحة. فالممنوعات يضيف علال بلعربي تقيد الحداثة. فالتغيير يرى انه يجب ان يكون سقفه غير محدود. ففي النظام السياسي المغربي تظل اي حكومة معينة مقيدة بالنظام السياسي، ولا تقدر ان تحقق التغيير، وان ارادت، وبالنسبة للوضع الحالي يقول بلعربي. هناك مراجعة للدستور. و نحن الان نؤسس للحظة تاريخية واذ نجحت سنضع اسسا وشروطا لبناء الدولة الحديثة المؤسساتية. فالتعاقد في ارقى تجلياته مرتبط بالدستور، ولكي نتحدث عن عهد جديد، فالعنصر المركزي الحاسم ينطلق أساسا من الدستور، لبناء الدولة الحديثة, وكمغربي تمنى علال بلعربي ان لا يتم تضييع هذه اللحظة باعتبارها فرصة تاريخية. فالملك تقدم بمبادرة ايجابية، تدعو الى المراجعة الشاملة للدستور. والاجتهاد والابتكار، وهو ما يعني ان هذه المراجعة يجب أن تتم بروح العصر. من جهته أكد علي بوعبيد, عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية, على أن البروتوكول موجود في كل الانظمة وخاصة الملكيات, مشيرا الى أن البروتوكول له وظيفة رمزية وطبيعي أن يحاول كل نظام أن يتميز بطقوسه. لكن في الواقع المغربي فالطقوس مرتبطة بالثقافة المخزنية التي تلغي الاشخاص وتصبح مهينة وترتبط بنوع من العبودية. فالشاشية مثلا ترمز الى أكثر من الطاعة, بل العبودية والغاء كرامة الشخص. وأوضح عضو المكتب السياسي بأن الامور اليوم تغيرت بشكل كبير, ففي عهد الراحل الحسن الثاني كان مولاي عبد الحفيظ يحرص على تنفيذ الطقوس بطريقة تصل الى ضرب الناس واستعمال العنف. وكانت الملاحظة ان الاتحاديين لم ينضبطوا ولم يلبسوا الشاشية, واليوم حسب نجل الراحل عبد الرحيم بوعبيد, الاشياء تغيرت الى ما نراه من بعض الاشخاص الذين يظهرون تملقا مبالغا فيه. والاساس ان التعامل مع الطقوس يعود لطبيعة الاشخاص, بحيث لكل فرد حرية التصرف. واعتبر عبد الرحمان العزوزي, كاتب عام الفيدرالية الديمقراطية للشغل, بأن الطقوس يجب ان تضمن الاحترام الواجب للملك, لكن يجب ان تضمن كذلك كرامة الضيوف والمستقبلين وان تبتعد عن مظاهر العبودية التي لم تعد لائقة بالمغرب الذي يتوجه نحو الاصلاح, وشدد العزوزي على أن المغرب يجب ان يمشي وفق منطق العصر والحداثة واحترام كرامة وحرية الانسان. واضاف كاتب عام الفيدرالية بأن العديد من الطقوس لم تعد مقبولة ويجب تجاوزها بدون ان نعطي لهذه القضية اكثر مما تستحق, لان الاشياء المتجاوزة متجاوزة ويجب ان نطوي هذه الصفحة وفتح صفحة جديدة من البروتوكول تضمن تناغما جديدا وتكون ذات رمزية جديدة للعلاقات بين الملك والشعب. واعتبر عبد الكريم بنعتيق ,أمين عام الحزب العمالي, بالنسبة للطقوس, فإن هناك جزءا مرتبطا بالتقاليد المغربية وهو يؤشر على الهوية, وهناك جزء لا يتماشى مع الدولة العصرية وليس له مكان في البناء الذي نطمح له جميعا, و اضاف بنعتيق ,لا اعتقد ان المؤسسة الملكية في حاجة اليه مادام أن الملك محمد السادس يعتبر نفسه جزءا من الشعب, وبالتالي هذا الارتباط الوثيق في غنى عن ممارسات تنتمي الى عهود قديمة. وخلص بنعتيق الى ضرورة أن يطال التغيير هذه الطقوس. | ||
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» القصة الكاملة لميلاد «الاتحاد الاشتراكي» من رحم «الاتحاد الوطني»
» التعديلات الأخيرة التي أدخلت على الوثيقة الدستورية التي أعدتها لجنة المانوني
» الاتحاد الاشتراكي 1959-1975-2009
» السحر بالمغرب!!!/ملف-الاتحاد الاشتراكي
» ستراوس /ملف الملحق الثقافي -الاتحاد الاشتراكي
» التعديلات الأخيرة التي أدخلت على الوثيقة الدستورية التي أعدتها لجنة المانوني
» الاتحاد الاشتراكي 1959-1975-2009
» السحر بالمغرب!!!/ملف-الاتحاد الاشتراكي
» ستراوس /ملف الملحق الثقافي -الاتحاد الاشتراكي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى