الاتحاد الاشتراكي 1959-1975-2009
صفحة 1 من اصل 1
الاتحاد الاشتراكي 1959-1975-2009
مسار حزب القوات الشعبية
كان ميلاد الحركة الاتحادية في يناير 1959 إجابة عن الأسئلة، التي طرحها المجتمع المغربي بعيد الاستقلال، حول أي مجتمع نريد بناءه لمرحلة ما بعد الاستقلال. وكانت الفترة الممتدة من دجنبر 1955 الى 25 يناير 1959 زمن مخاض أنتج الحركة الاتحادية التي بصمت تاريخ المغرب الراهن.
> 25 يناير 1959
انطلقت انتفاضة 25 يناير بمؤتمرات جهوية أعلنت استقلالها عن اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، ترأس المهدي بن بركة مؤتمر جهة الرباط صباحاً، وجهة الدار البيضاء بعد الظهر، وتناقلت وكالات الأنباء خبر استقالته من اللجنة التنفيذية.
> 22 غشت 1959
انعقاد المؤتمر الرابع للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بأكادير، نشر البلاغ في جريدة التحرير، والذي طالب في بيانه العام بتطهير »الجيش« و »الأمن« من الخونة، مما أسفر عن احتداد علني في الأزمة بين الحركة الاتحادية وبعض مكونات القصر.
> 24/23 غشت 1959
اجتماع المجلس الوطني للجامعات المتحدة بمدينة طنجة، والذي أصدر بلاغاً استعرض فيه النتائج التي سجلتها حركة 25 يناير 1959، كما ساند الإصلاحات التي تقوم بها حكومة عبد الله ابراهيم.
> 6 شتنبر 1959
انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بسينما الكواكب بالدار البيضاء، بحضور وطنيين ومقاومين ونقابيين ونخبة من شباب المغرب.
نص المحاضرة التي ألقاها الشهيد المهدي بن بركة أمام مسيري فرع حزب الاستقلال بالدار البيضاء أبريل 1958
لم تكن انتفاضة 25 يناير1959 سوى التعبير التنظيمي لأزمة سياسية عرفها المغرب في بداية استقلاله ، حيث انفجرت دفعة واحدة تناقضات مكونات الحركة الوطنية المشكلة من الملك وحزب الاستقلال. وجاء عرض الشهيد المهدي بن بركة في ظرف دقيق وهام جدا، لأنه أتى بعد طلب وزراء حزب الاستقلال إعفائهم من مهامهم عبر الرسالة المؤرخة ب15 أبريل1958والتي بعث بها المناضل المرحوم عمر عبد الجليل-وزير الفلاحة- نيابة عن هؤلاء الوزراء المشاركين في حكومة لهبيل البكاي ، وهو وزير أول مستقل ، استعمل وجوده لإعادة بناء دار المخزن بإشراف ورعاية ومباركة ولي العهد وقتها ،الحسن بن محمد بن يوسف، وهو بناء مزدوج سياسي وأمني، تجلى في عملية انتقاص صريح لدور حزب الاستقلال بإنشاء قوى سياسية بزعامات مشبوهة لدورها إبان الحقبة الاستعمارية ،وفي تأطير البادية المغربية وقتئذ بقوات قمع جبارة مشكلة من الدرك الملكي باعتبار أن البادية شكلت دوما مجال تحرك القوى المناهضة للسلطان عبر العشرات من القرون.
ثم جاء عرض الشهيد ليلة تشكيل حكومة جديدة برآسة مناضل استقلالي، الراحل أحمد بلافريج ،والتي وجدت نفسها بعد أيام من تشكيلها مطوقة على أكثر من صعيد من عناصر دار المخزن في شكلها الجديد وبالتالي جعل منها حكومة ضعيفة جدا تابعة ، لم تعش إلا أياما محدودة وخلقت انعكاسات سلبية داخل حزب الاستقلال مابين من يريد المشاركة والبقاء في الحكومة ومن يريد الخروج من تلك الحكومة..وهكذا تحول ما كان صراعا بين مكونات حزب الاستقلال من صراع داخلي إلى صراع علني اصطفت فيه قواعد الحزب صفين متناقضين ومتصارعين.
وتحولت بفعل ذلك انتفاضة 25 يناير1959 من انتفاضة تنظيمية داخلية لحزب الاستقلال ضد صنف معين من قيادته، كما خطط لها زعماؤها، إلى انتفاضة سياسية على جزء من حزب الاستقلال ، أفضت في نهاية الأمر إلى تأسيس لإتحاد الوطني للقوات الشعبية في شهر سبتمبر1959.
ما عرفه المغرب السياسي في تلك الفترة كانت له عواقب وخيمة لا زلنا نعيش ضمن تداعياتها وتجلياتها، ولا زلنا بعد خمسين سنة نطرح نفس الأسئلة : ما دور الملك؟ ما دور لحكومة؟ ما دور دار المخزن ؟ما دور الأحزاب؟ مما يعني أن ما زلنا نتساءل عن أي نظام ديمقراطي نروم بناءه وعن أي نظام اقتصادي نرغب تشييده وعن أي نظام تعليم نريد إقراره.....
والصراع السياسي الذي بدأ مباشرة بعد تأسيس حزب القوات الشعبية يجسد جزءا من الجواب على تلك الأسئلة وتلك التساؤلات.
لقد ضحى المناضلون الاتحاديون بالكثير من أبناءه من أجل البحث والتنقيب لإخراج بلادنا وشعبنا من المحنة التي وضعا فيها بعيد الاستقلال وعبرت عنها تجارب مشتركة مع حزب الاستقلال وأخرى منفصلة عنه، وفي عرض الشهيد المهدي بن بركة خلاصة قيمة ما أحوجنا اليوم لقراءتها من جديد حتى لا نعيد ارتكاب نفس الأخطاء السابقة ، لا سيما أن الأوضاع السياسية اليوم تتشابه في خطوطها العريضة مع الأوضاع المشار إليها في هذا العرض القيم ، مما يرفعه إلى درجة الوثيقة التاريخية.
وإليكم نص العرض كما جاءت في كتيب من مطبوعات دار العلم للطباعة والنشر والتأليف تحت عنوان الأزمة الوزارية : أسبابها، نتائجها ضم نص العرض ونص رسالة استعفاء الوزراء الاستقلاليين التسعة وصورهم إضافة إلى بلاغ الديوان الملكي وبيان اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال بعد تقديم الرسالة :
الرأي العام والأزمة
لقد أصبح الآن موضوع الأزمة الحكومية المغربية هو الشغل الشاغل ومثار تعليقات الرأي العام المغربي والرأي العام الدولي حيث أن الأزمة الوزارية تشغل الصحافة في الخارج وتستأثر بأهم تعليقات ومحطات الإذاعة ، وتجعل الأنظار كلها متجهة نحو المغرب تنتظر ماذا ستسفر عنه هذه الأزمة التي حدثت في المغرب بوصفه الباب الرئيسي للقارة الإفريقية، ولهذا فان كل تطور في سياسة الشمال الإفريقي وكل حادث سياسي يرمي إلى التخلص من الأوضاع القديمة والأوضاع المؤقتة التي كان يعيش فيها المغرب يحدث له صدى في مجموعة القارة الإفريقية وفي السياسة الدولية على السواء ومن حق مسيري حزب الاستقلال ومن حق مسيري أهم فرع من فروعه أن يكونوا على بينة من هذه الأزمة التي ليست أزمة وزارية فحسب ولكنها أزمة المغرب.
الوضعية المؤقتة
فمنذ عودة صاحب الجلالة الملك المعظم، والمغرب يسير فيما كان يسمى بالمرحلة الانتقالية ويمكننا أن نعتقد أن هذه المرحلة ستنتهي بانتهاء الوزارة المستقيلة.
فالمرحلة التي مرت الآن كانت مرحلة مؤقتة لوضع الأسس لدولة حديثة العهد بحياة الحرية.
وبعد أن استرجعت البلاد كيانها واستقلالها ، وكونت جيشا وإدارة، كان عليها أن تبرز إلى الوجود كقوة ، كانت ترى وراء هذه الأعمال التي أنجزت خطوة نحو الوصول إلى الهدف الذي هو رفع قيمة المستوى الاجتماعي وهو رائد امة تريد اقتصادا متينا وسياسة رصينة حقه مبنية على الواقع ومستمدة من إرادة الشعب .
وهذه الأهداف وكانت ولا تزال أهم ما يشغل قادة حزب الاستقلال لأنها تستمد روحها من مبادئه القوية التي كافح من اجلها بشجاعة...... فالأزمة إذا أزمة تطور ورغبة في التحرر من الأوضاع الاستعمارية الموروثة، فالأزمة أزمة نمو المغرب وخروجه من عقد إلى عقد ومن مرحلة إلى أخرى كالطفل الذي يجتاز مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرجولة... وهذا النمو إذا أريد له التدرج الطبيعي كان لزاما أن يعتمد على المبادئ الصحيحة المتينة القوية المتولدة من عواطف الشعب ورغباته. وقد أوضح الحزب تعلقه بهذه الأهداف والمبادئ التي يريد أن يسير عليها المغرب. وقد خطت هذه الأهداف تصريحات جلالة الملك الراعي الأمين لمصالح هذه الأمة.. وتتلخص هذه الأهداف في تحقيق الوحدة المغربية ووحدة المغرب العربي وبناء اقتصاد متين وتوسيع نطاق هذا الاقتصاد في الفلاحة والتصنيع وبناء ديمقراطية حقيقية.
عدم استعداد الأداة
وكان الحزب ممثلا في الحكومة بالأعضاء الذين تعرفونهم .. وكان يريد دائما أن يسارع بتحقيق هذه الأهداف الا انه كان يدرك مدى عدم استعداد الأداة لتحقيق هذه الغايات .
فالمشكلة مشكلة أداة غير صالحة لبلوغ هذه الأهداف ، وإخواننا يعرفون أن ما حققه المغرب في الاقتصاد والعدل والفلاحة كان كله بفضل المجهودان الفردية لأعضاء الحزب وبتوجيهات جلالة الملك المعظم ، فكنا نعيش في شبه عزلة كفئة من المخلصين تسهر على مصالح الأمة متصلة على الدوام بجلالة الملك مستمدة منه العون والإرشاد والتوجيه .
وربما تساءل البعض عن السبب الذي جعل الحزب يقبل الدخول في الحكومة في هذه الفترة التي دامت أكثر من اللازم، وأنا اعتقد انه آن الأوان لأن يعرف رجال الحزب الضرورات القاسية التي فرضت هذا القبول.
لقد كان الحزب على الدوام يكون القوة الشعبية الثائرة التي يخشاها الاستعمار ويحسب لها حسابها ويسعى بكل العراقيل في طريقها.
لقد كان الاستعمار يدرك انه مع وجود حزب استقلال لا يمكنه مطلقا أن يصل إلى غاياته ، وقامت المعركة واستمرت سنين طوالا عرفنا فيها جميع ضروب المحن. فكنا نتحملها راضين في سبيل السعادة المنتظرة للتربة الطيبة التي تغذينا منها ودرجنا عليها وعرفنا الحياة عن طريقها، كانت معركة حامية الوطيس لها جانب مسلح وجانب يسلك السياسة للوصول إلى تحقيق أهدافه الوطنية.
الإئتلاف المؤقت
فكان لزاما عليها بعد أن شعرنا بإمكانية الدخول في المفاوضات بعد تطور كفاح الأمة ملكا وشعبا إلى كفاح مسلح وفعل ضغط حركة المقاومة وجيش التحرير مفعوله، حلت ساعة استخلاص حقوق الشعب عن طريق هذه المفاوضات .
فقام إخواننا في باريس بفتح باب هذا التفاوض الذي اكرر انه لم يتأت إلا تحت الضغط المسلح .
إلا أن هذه المفاوضات كانت تصطدم دائما بمعارضات وعراقيل كما هو الحال بالنسبة للجزائر اليوم ــ وكانت أصعب مهمة أمامنا هي أن نجعل الفرنسيين يجلسون أمامنا على مائدة التفاوض ، وبراعتنا هنا هي توصلنا إلى اختصار الطريق وخلق جو المفاوضة بين الفرنسيين وبين أولئك الذين كانوا يسمونهم بالأعداء وكانوا دائما يقفون شوكة في حلوقهم وكان كل ما يهابه ويخشاه الفرنسيون هو أن يتراجعوا في موقفهم أمام رأيهم العام مع أولئك الذين كانوا يتهمونهم بالشيوعية والتعصب والبغضاء والتطرف في الوطنية . فكان تنازلا منا ــ حتى نكسب المعركة السياسية ــ أن يفقد الجانب الآخر ما يعتقد فيه شرفه وهيبته أمام رأيه العام .
وهذا هو الذي جعل الحزب يأخذ بيد أولئك الذين يتآمرون ضده وضد مصلحة البلاد. وكان بينهم من خطب هنا مع بونيفاس ضد الملك وضد الشعب في أحرج المواقف سنة 1951 فسدد بذلك إلى صميم الوطنية طعنة خسيسة من الخلف .ورغم هذا الائتلاف المصطنع فان الجانب المتفاوض معنا كان يدرك أننا وحدنا الذين نمثل الشعب وأن قوة الحزب هي القوة الشعبية المحترمة فكان ينتظر منا دائما أن نقول كلمتنا الأخيرة في المشاكل المعروضة حتى يعتبرها القول الفصل في الموضوع .
ذلك هو التعبير الحقيقي عن معنى هذه الفترة الانتقالية، لقد كان هذا التنازل منا مجرد وسيلة إلى بلوغ غاية لم يكن غير هذا الطريق يوصل إليها . والواجب علينا أن نعرف بين الوسيلة والغاية. متى اتخذت الأولى طريقا للوصول إلى الثانية.
محمد عبد الله الخـــو/الاتحاد الاشترلكي
> 25 يناير 1959
انطلقت انتفاضة 25 يناير بمؤتمرات جهوية أعلنت استقلالها عن اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، ترأس المهدي بن بركة مؤتمر جهة الرباط صباحاً، وجهة الدار البيضاء بعد الظهر، وتناقلت وكالات الأنباء خبر استقالته من اللجنة التنفيذية.
> 22 غشت 1959
انعقاد المؤتمر الرابع للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بأكادير، نشر البلاغ في جريدة التحرير، والذي طالب في بيانه العام بتطهير »الجيش« و »الأمن« من الخونة، مما أسفر عن احتداد علني في الأزمة بين الحركة الاتحادية وبعض مكونات القصر.
> 24/23 غشت 1959
اجتماع المجلس الوطني للجامعات المتحدة بمدينة طنجة، والذي أصدر بلاغاً استعرض فيه النتائج التي سجلتها حركة 25 يناير 1959، كما ساند الإصلاحات التي تقوم بها حكومة عبد الله ابراهيم.
> 6 شتنبر 1959
انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بسينما الكواكب بالدار البيضاء، بحضور وطنيين ومقاومين ونقابيين ونخبة من شباب المغرب.
نص المحاضرة التي ألقاها الشهيد المهدي بن بركة أمام مسيري فرع حزب الاستقلال بالدار البيضاء أبريل 1958
لم تكن انتفاضة 25 يناير1959 سوى التعبير التنظيمي لأزمة سياسية عرفها المغرب في بداية استقلاله ، حيث انفجرت دفعة واحدة تناقضات مكونات الحركة الوطنية المشكلة من الملك وحزب الاستقلال. وجاء عرض الشهيد المهدي بن بركة في ظرف دقيق وهام جدا، لأنه أتى بعد طلب وزراء حزب الاستقلال إعفائهم من مهامهم عبر الرسالة المؤرخة ب15 أبريل1958والتي بعث بها المناضل المرحوم عمر عبد الجليل-وزير الفلاحة- نيابة عن هؤلاء الوزراء المشاركين في حكومة لهبيل البكاي ، وهو وزير أول مستقل ، استعمل وجوده لإعادة بناء دار المخزن بإشراف ورعاية ومباركة ولي العهد وقتها ،الحسن بن محمد بن يوسف، وهو بناء مزدوج سياسي وأمني، تجلى في عملية انتقاص صريح لدور حزب الاستقلال بإنشاء قوى سياسية بزعامات مشبوهة لدورها إبان الحقبة الاستعمارية ،وفي تأطير البادية المغربية وقتئذ بقوات قمع جبارة مشكلة من الدرك الملكي باعتبار أن البادية شكلت دوما مجال تحرك القوى المناهضة للسلطان عبر العشرات من القرون.
ثم جاء عرض الشهيد ليلة تشكيل حكومة جديدة برآسة مناضل استقلالي، الراحل أحمد بلافريج ،والتي وجدت نفسها بعد أيام من تشكيلها مطوقة على أكثر من صعيد من عناصر دار المخزن في شكلها الجديد وبالتالي جعل منها حكومة ضعيفة جدا تابعة ، لم تعش إلا أياما محدودة وخلقت انعكاسات سلبية داخل حزب الاستقلال مابين من يريد المشاركة والبقاء في الحكومة ومن يريد الخروج من تلك الحكومة..وهكذا تحول ما كان صراعا بين مكونات حزب الاستقلال من صراع داخلي إلى صراع علني اصطفت فيه قواعد الحزب صفين متناقضين ومتصارعين.
وتحولت بفعل ذلك انتفاضة 25 يناير1959 من انتفاضة تنظيمية داخلية لحزب الاستقلال ضد صنف معين من قيادته، كما خطط لها زعماؤها، إلى انتفاضة سياسية على جزء من حزب الاستقلال ، أفضت في نهاية الأمر إلى تأسيس لإتحاد الوطني للقوات الشعبية في شهر سبتمبر1959.
ما عرفه المغرب السياسي في تلك الفترة كانت له عواقب وخيمة لا زلنا نعيش ضمن تداعياتها وتجلياتها، ولا زلنا بعد خمسين سنة نطرح نفس الأسئلة : ما دور الملك؟ ما دور لحكومة؟ ما دور دار المخزن ؟ما دور الأحزاب؟ مما يعني أن ما زلنا نتساءل عن أي نظام ديمقراطي نروم بناءه وعن أي نظام اقتصادي نرغب تشييده وعن أي نظام تعليم نريد إقراره.....
والصراع السياسي الذي بدأ مباشرة بعد تأسيس حزب القوات الشعبية يجسد جزءا من الجواب على تلك الأسئلة وتلك التساؤلات.
لقد ضحى المناضلون الاتحاديون بالكثير من أبناءه من أجل البحث والتنقيب لإخراج بلادنا وشعبنا من المحنة التي وضعا فيها بعيد الاستقلال وعبرت عنها تجارب مشتركة مع حزب الاستقلال وأخرى منفصلة عنه، وفي عرض الشهيد المهدي بن بركة خلاصة قيمة ما أحوجنا اليوم لقراءتها من جديد حتى لا نعيد ارتكاب نفس الأخطاء السابقة ، لا سيما أن الأوضاع السياسية اليوم تتشابه في خطوطها العريضة مع الأوضاع المشار إليها في هذا العرض القيم ، مما يرفعه إلى درجة الوثيقة التاريخية.
وإليكم نص العرض كما جاءت في كتيب من مطبوعات دار العلم للطباعة والنشر والتأليف تحت عنوان الأزمة الوزارية : أسبابها، نتائجها ضم نص العرض ونص رسالة استعفاء الوزراء الاستقلاليين التسعة وصورهم إضافة إلى بلاغ الديوان الملكي وبيان اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال بعد تقديم الرسالة :
الرأي العام والأزمة
لقد أصبح الآن موضوع الأزمة الحكومية المغربية هو الشغل الشاغل ومثار تعليقات الرأي العام المغربي والرأي العام الدولي حيث أن الأزمة الوزارية تشغل الصحافة في الخارج وتستأثر بأهم تعليقات ومحطات الإذاعة ، وتجعل الأنظار كلها متجهة نحو المغرب تنتظر ماذا ستسفر عنه هذه الأزمة التي حدثت في المغرب بوصفه الباب الرئيسي للقارة الإفريقية، ولهذا فان كل تطور في سياسة الشمال الإفريقي وكل حادث سياسي يرمي إلى التخلص من الأوضاع القديمة والأوضاع المؤقتة التي كان يعيش فيها المغرب يحدث له صدى في مجموعة القارة الإفريقية وفي السياسة الدولية على السواء ومن حق مسيري حزب الاستقلال ومن حق مسيري أهم فرع من فروعه أن يكونوا على بينة من هذه الأزمة التي ليست أزمة وزارية فحسب ولكنها أزمة المغرب.
الوضعية المؤقتة
فمنذ عودة صاحب الجلالة الملك المعظم، والمغرب يسير فيما كان يسمى بالمرحلة الانتقالية ويمكننا أن نعتقد أن هذه المرحلة ستنتهي بانتهاء الوزارة المستقيلة.
فالمرحلة التي مرت الآن كانت مرحلة مؤقتة لوضع الأسس لدولة حديثة العهد بحياة الحرية.
وبعد أن استرجعت البلاد كيانها واستقلالها ، وكونت جيشا وإدارة، كان عليها أن تبرز إلى الوجود كقوة ، كانت ترى وراء هذه الأعمال التي أنجزت خطوة نحو الوصول إلى الهدف الذي هو رفع قيمة المستوى الاجتماعي وهو رائد امة تريد اقتصادا متينا وسياسة رصينة حقه مبنية على الواقع ومستمدة من إرادة الشعب .
وهذه الأهداف وكانت ولا تزال أهم ما يشغل قادة حزب الاستقلال لأنها تستمد روحها من مبادئه القوية التي كافح من اجلها بشجاعة...... فالأزمة إذا أزمة تطور ورغبة في التحرر من الأوضاع الاستعمارية الموروثة، فالأزمة أزمة نمو المغرب وخروجه من عقد إلى عقد ومن مرحلة إلى أخرى كالطفل الذي يجتاز مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرجولة... وهذا النمو إذا أريد له التدرج الطبيعي كان لزاما أن يعتمد على المبادئ الصحيحة المتينة القوية المتولدة من عواطف الشعب ورغباته. وقد أوضح الحزب تعلقه بهذه الأهداف والمبادئ التي يريد أن يسير عليها المغرب. وقد خطت هذه الأهداف تصريحات جلالة الملك الراعي الأمين لمصالح هذه الأمة.. وتتلخص هذه الأهداف في تحقيق الوحدة المغربية ووحدة المغرب العربي وبناء اقتصاد متين وتوسيع نطاق هذا الاقتصاد في الفلاحة والتصنيع وبناء ديمقراطية حقيقية.
عدم استعداد الأداة
وكان الحزب ممثلا في الحكومة بالأعضاء الذين تعرفونهم .. وكان يريد دائما أن يسارع بتحقيق هذه الأهداف الا انه كان يدرك مدى عدم استعداد الأداة لتحقيق هذه الغايات .
فالمشكلة مشكلة أداة غير صالحة لبلوغ هذه الأهداف ، وإخواننا يعرفون أن ما حققه المغرب في الاقتصاد والعدل والفلاحة كان كله بفضل المجهودان الفردية لأعضاء الحزب وبتوجيهات جلالة الملك المعظم ، فكنا نعيش في شبه عزلة كفئة من المخلصين تسهر على مصالح الأمة متصلة على الدوام بجلالة الملك مستمدة منه العون والإرشاد والتوجيه .
وربما تساءل البعض عن السبب الذي جعل الحزب يقبل الدخول في الحكومة في هذه الفترة التي دامت أكثر من اللازم، وأنا اعتقد انه آن الأوان لأن يعرف رجال الحزب الضرورات القاسية التي فرضت هذا القبول.
لقد كان الحزب على الدوام يكون القوة الشعبية الثائرة التي يخشاها الاستعمار ويحسب لها حسابها ويسعى بكل العراقيل في طريقها.
لقد كان الاستعمار يدرك انه مع وجود حزب استقلال لا يمكنه مطلقا أن يصل إلى غاياته ، وقامت المعركة واستمرت سنين طوالا عرفنا فيها جميع ضروب المحن. فكنا نتحملها راضين في سبيل السعادة المنتظرة للتربة الطيبة التي تغذينا منها ودرجنا عليها وعرفنا الحياة عن طريقها، كانت معركة حامية الوطيس لها جانب مسلح وجانب يسلك السياسة للوصول إلى تحقيق أهدافه الوطنية.
الإئتلاف المؤقت
فكان لزاما عليها بعد أن شعرنا بإمكانية الدخول في المفاوضات بعد تطور كفاح الأمة ملكا وشعبا إلى كفاح مسلح وفعل ضغط حركة المقاومة وجيش التحرير مفعوله، حلت ساعة استخلاص حقوق الشعب عن طريق هذه المفاوضات .
فقام إخواننا في باريس بفتح باب هذا التفاوض الذي اكرر انه لم يتأت إلا تحت الضغط المسلح .
إلا أن هذه المفاوضات كانت تصطدم دائما بمعارضات وعراقيل كما هو الحال بالنسبة للجزائر اليوم ــ وكانت أصعب مهمة أمامنا هي أن نجعل الفرنسيين يجلسون أمامنا على مائدة التفاوض ، وبراعتنا هنا هي توصلنا إلى اختصار الطريق وخلق جو المفاوضة بين الفرنسيين وبين أولئك الذين كانوا يسمونهم بالأعداء وكانوا دائما يقفون شوكة في حلوقهم وكان كل ما يهابه ويخشاه الفرنسيون هو أن يتراجعوا في موقفهم أمام رأيهم العام مع أولئك الذين كانوا يتهمونهم بالشيوعية والتعصب والبغضاء والتطرف في الوطنية . فكان تنازلا منا ــ حتى نكسب المعركة السياسية ــ أن يفقد الجانب الآخر ما يعتقد فيه شرفه وهيبته أمام رأيه العام .
وهذا هو الذي جعل الحزب يأخذ بيد أولئك الذين يتآمرون ضده وضد مصلحة البلاد. وكان بينهم من خطب هنا مع بونيفاس ضد الملك وضد الشعب في أحرج المواقف سنة 1951 فسدد بذلك إلى صميم الوطنية طعنة خسيسة من الخلف .ورغم هذا الائتلاف المصطنع فان الجانب المتفاوض معنا كان يدرك أننا وحدنا الذين نمثل الشعب وأن قوة الحزب هي القوة الشعبية المحترمة فكان ينتظر منا دائما أن نقول كلمتنا الأخيرة في المشاكل المعروضة حتى يعتبرها القول الفصل في الموضوع .
ذلك هو التعبير الحقيقي عن معنى هذه الفترة الانتقالية، لقد كان هذا التنازل منا مجرد وسيلة إلى بلوغ غاية لم يكن غير هذا الطريق يوصل إليها . والواجب علينا أن نعرف بين الوسيلة والغاية. متى اتخذت الأولى طريقا للوصول إلى الثانية.
محمد عبد الله الخـــو/الاتحاد الاشترلكي
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الاتحاد الاشتراكي 1959-1975-2009
طور البناء
انتقلت المرحلة من طورها الأول إلى طورها الثاني وطور العمل الجدي لبناء الاستقلال .. فأخذت تتعارض الوسائل والطرق وحتى الأهداف بين الائتلاف المصطنع. لأننا في الوقت الذي كنا نتجه كلية نحو البناء والتشييد ووضع الأسس المتينة لذلك كان غيرنا يسير إلى بناء نفسه وإقامة هيكل مبكر لشخصيته . وشتان بين من يريد بناء الاستقلال ومن يتخذ هذا الاستقلال وسيلة لبناء نفسه . فالوقت وقت رفع القناع عن أولئك الذين غلطوا في أنفسهم واعتبروا الضرورة المؤقتة التي سمحت بوجودهم ستظل ضرورة دائمة تحتم بقاءهم في المراكز التي تكبرهم والتي لن تكون قط صالحة لهم.
لقد ساهم الحزب في الحكومة راعيا لهذه الحيثيات فدخلها بعزائم رجاله التي يعرفها الجميع عنهم واتجهوا نحو تقويض الماضي لإقامة المستقبل الزاهر على أنقاضه. فاخطئوا وأصابوا كجميع البشر وكانوا دائما يهتدون بهدى صاحب الجلالة ويستنيرون بآرائه وتوجهاته. إلا أنهم كانوا يشعرون دائما بنقص كبير في لم الشعب وتوحيد الرأي. لقد كانوا يحسون أن الوزارة ينقصها الديناميو المحرك. ينقصها الرئيس الذي يقوم بمهمة التنسيق بين مسؤوليات الوزارة المختلفة وتقريب وجهات نظرها وتوجهها جميعا في صعيد واحد يكون هو المقاس الحقيقي لسياسة الحكومة الموحدة . وكان هذا الشعور بالنقص يؤدي حتما إلى نتيجة واحدة هي إضافة هذه المشاغل إلى مشاغل صاحب الجلالة التي تكثر عن الحصر ويحملون جلالته بذلك أعباء جديدة ، ما كان أغنى جلالته عن تحملها، لو كان على رأس حكومته من يستطيع القيام بها والوفاء بتعهداتها والسير بها في الطريق القويم الذي يجب أن تسير عليه سياسة دولة جديدة كدولة المغرب الفتية.
انتظار الفرصة
ذلك هو اللغز والسر الذي عشنا فيه وتكبدنا مرارته وتحملنا على الدوام خطورة الهفوات الناتجة عنه ، فكلنا ننتظر الفرصة السانحة للخروج من هذا الجو الذي لم يكن في الإمكان إصلاحه في مثل وزارة كهذه، يحارب بعض وزرائها أنفسهم ويحاولون تشكيك الشعب في قيمه ومثله العليا وقدرته على مواجهة مسؤوليات الحياة ومسؤوليات الاستقلال وتشكيكه في حقوقه ويسعون إلى تشتيت شمله وتفريق كلمته وكل ذلك يعرفه الخاص والعام.
وجاءت الفرصة عندما وقعت محاولة تكوين ما يسمى بكتلة الدفاع عن الحريات الديمقراطية ، فخطا الحزب هذه الخطوة وسحب وزرائه من هذه الحكومة المنحلة.
معركة الدفاع عن النفس
وأنا لا أريد أن أتحدث عن هذه الطائفة لأنه من الجائز أن يكون بينها من عمل عملا صالحا للبلاد إلا انه سيكون ألان مدفوعا من طرف آخرين ولا يعرف أين يسير وإنما المهم هو تسلسل الحوادث التي أدت إلى خروج هذه الفئة إلى الوجود. فمما لا شك فيه انه بقدر ما كانت تقترب الفترة الانتقالية من نهايتها وتدنو ساعة الحق وإحقاقه واضطرار الحكومة أن تسير في طريق الجد والبناء، تلك الحاجة التي كانت تبرز في الصف الأول رجال حزب الاستقلال الذين تتكون منهم القوة البناءة في الشعب المجسمة في حركة المقاومة والاتحاد المغربي للشغل والهيئات والمنظمات والجمعيات التابعة للحزب ، كلما اقتربت هذه الفترة من نهايتها كان أولئك الذين يخشون تلك الساعة التي يخلون فيها الأماكن للذين يخدمون مصلحة الشعب ويسهرون عليها، كانوا يخلقون جوا من الدفاع عن النفس ويعملون على خلق قوة توازي القوة التي يتوفر عليها أولئك الذين يمثلون قوة الشعب الحقيقية . فعشنا في هذه الفترة في معركة سميتها معركة الدفاع عن النفس ، وهي خلق قوة متوازية تجابه القوى الشعبية .
وهذا هو السر الذي جعل بعض الفئات يسمون أنفسهم أحزابا، وظهرت ما يسمى بالحركة الشعبية. وكل هذه الحركات لا تقصد سوى تطويل الفترة الانتقالية حتى تبحث لنفسها عمن يناصرها ويؤيدها . فكان من الطبيعي أن تجد أولئك الذين كان يطالب الشعب بالاقتصاص منهم على خيانتهم وأولئك الذين نبذهم لأنه عرف فيهم متعاونين متواطئين على مقدرات البلاد.وعندما بحثنا في صفوف الحركة الشعبية مثلا وجدناها ملجأ لكل مرشح للمتابعة من طرف الشعب في عملية التطهير المنتظرة.
حق تأسيس الأحزاب والجمعيات
ولذلك قررت الحكومة بالإجماع حل هذه الهيئة:هيئة الحركة الشعبية. وحلها ليس اعتداءا من طرف الحكومة أو الحزب وإنما هو دفاع عن حقوق الشعب من الذين يتآمرون ضده مثل عدى وبيهي وأنصاره وآنذاك بدأت معركة من نوع آخر . معركة الحرية عندما اتخذت قرار بمنع تأسيس هذه الحركات من طرف الحكومة بالإجماع وكنا نعلم أن رئيس الحكومة يتصل بهذه الحركات.
حرية الصحافة والاجتماع
لقد كانت الحكومة تضم طائفتين بقدر ما كانت إحداهما تتوجه نحو البناء كانت الأخرى تتجه نحو الهدم والتقويض.
وفي الوقت الذي اشتغلت طائفة في تخطيط أو تنفيذ المشاريع الكبرى للنهوض بالبلاد كانت الطائفة الأخرى تشتغل بتكوين الهيئات والأحزاب المصطنعة ، فكان من الواجب حماية الشعب من تفشي الآراء الهدامة التي تتولد عن التيارات الطائشة الصادرة عن هذه الهيئات وحمايته كذلك من دعاة الفتنة ، وهذا هو السر في القرارات التي اتخذتها الحكومة بالنسبة للصحافة والاجتماعات. فقيل إذ ذاك بان الحكومة تريد خنق الحريات والحقيقة تعرفونها جميعا. فالمغرب يجتاز مرحلة دقيقة من حياته حيث تتراكم أمامه سلسلة من المشاكل التي تتطلب الحل العاجل ، الجيوش الأجنبية لا تزال مرابطة في ارض الوطن ، وكثير من أجزاء البلاد لا تزال تئن تحت وطأة الأجنبي والإدارة لا تزال لم تستكمل بعد قوتها والاقتصاد المغربي لازال في أطوار النقاهة يتعثر في مشيته البطيئة إلى غير ذلك من المشاكل... ، لذلك طلبت الحكومة من مسيري الصحف والهيآت السياسية أن تكون رقيبة على نفسها وتحاسب نفسها فيما تريد أن تكتبه أو تقدم عليه نظرا للحوادث الحالية والمواقف الدقيقة التي يجتازها المغرب ، هذه الحوادث التي يتبناها الشعب بكامله كما تبناها جلالة الملك . كل هذا يلتزم بالخضوع لمقتضيات المصلحة الوطنية فطلبنا من الجميع أن يلتزم بالخضوع لمقتضيات المصلحة الوطنية، وإذا استطعنا أن نتفهم المعنى الحقيقي للحرية أمكننا أن نكتب عن جميع الحوادث من غير أن نهيج الرأي العام.
فالمعركة معركة دقيقة ينتظر الشعب من ورائها أداة لتحقيق الأهداف الوطنية، وهذه المعركة هي التي سميتها أزمة المغرب، أما الذين يريدون أن يسموها معركة الحرية فهذا تضليل.
النظام الديمقراطي
والاستعمار الذي لا يريد أن ينهض المغرب ويتبوأ المكان اللائق به سعى إلى وسيلة يشغل بها الموطن وذلك بخلق نوع من التهافت على أشكال الانتخابات والتشدق بالديمقراطية ،وحزب الاستقلال كان أول من عذب في سبيل الحرية وفقد أعز أبنائه وأصدقائه في معركتها ولذلك فهو لا يريد أن يأتي أولئك الذين كانوا يتفرجون على المعركة ليتبجحوا اليوم بالحديث عن الحرية .
إنن نريد إقرار نظام ديمقراطي في المغرب ولا ننتظر أن يأتي إذناب الاستعمار لمطالبتنا بذلك،ولقد أعلنا عن هذه الرغبات في برامجنا العامة خلال مؤتمراتنا الوطنية . وعلى ضوء هذه الحوادث كان لزاما علينا أن نكتب برامجنا من جديد.ولذلك فنحن نطالب أن تعقب الانتخابات البلدية انتخابات نيابية ولا نريد أن يلهينا الاستعمار عن أهدافنا أو جزء منها، هذه الأهداف التي تقتضي منا تأييد الجزائر وتجنيد الشعب وجمع قواه، وهذا ما يخشاه الاستعمار.
وأؤكد لكم أن المناورات الموجودة في المغرب والحركة التي قامت حولها من اجل الحريات المزعومة أنها هي من دسائس الاستعمار، وان الذين كتبوا الملتمس المقدم إلى جلالة الملك لم يكونوا ينتظرون استقالة الحزب بل كانوا يعتقدون أن الحكومة ستظل قائمة تسير كما كانت من قبل ويستمرون تحت ظلها في مناوراتهم .
فجاءت الاستقالة مخيبة لظنونهم ومحطمة لكل ما بنوه من صروح الأوهام والأباطيل ، فأقبلت الصحف الاستعمارية من جميع أنحاء العالم تصور حزب الاستقلال كالشبح المخيف الذي ينتظر أن يتولى الحكم والذي يجب الحذر منه.
ويكفي أن استشهد لكم بقول صحيفة(( يا )) الاسبانية التي يذهب بها التحيز لصالح المناوئين لحزب الاستقلال للإنذار بان : (( حكومة من حزب الاستقلال قد تؤدي إلى خطر حرب مدنية بالمغرب )) كأن الاستعمار الاسباني يقول لأذنابه إنني مستعد لإمدادكم لتفعلوا ما حاوله عدى وبيهي من قبل .
لقد دنت ساعة إحقاق الحق ونحن لسنا طلاب مناصب ولا جاه.وكما عرفنا الشعب جنودا مخلصين نقتحم ميادين النضال في إباء وشمم مضحين بحياتنا ودمائنا وأموالنا، فانه يعرفنا الآن الرعاة الأمناء بهذه الانتصارات المحققة بكفاحنا المرير ، فإذا تحققت لنا الوسائل فإننا سنقوم بمسؤولياتنا ، وإذا لم تتوفر فسنقوم بواجبنا خارج الحكومة ونكون في كلتا الحالتين في خدمة المصلحة العليا للوطن.
والواجب يقضي أن نكون صرحاء مع أنفسنا وان نقول بان فترة الانتقال قد انتهت ولنا من تاريخ الكفاح المشترك من حول جلالة الملك ما يجعل جلالته يعلم صدقنا وإخلاصنا لأنه لم يتعود منا غير ذلك.
كيف سيكون حل الأزمة
يجب إن ننظر إلى هذه الحالة بعين صريحة. فالمسالة تتعلق بالجواب عن سؤالين :
ما هي المهام التي تنتظر البلاد؟
ومن هم الرجال الذين سيقومون بهذه المهام؟
علينا إن نقوم بمسؤولياتنا ونقول للشعب هذه المهام التي تنتظرنا وعلينا ان نرى من هم الرجال الذين سيقومون بهذه المهام فالمسالة ليست مسالة تنافس على المناصب وإنما هو تحمل المسؤوليات وما عدى ذلك فما هو إلا إلهيات يلهون بها الشعب .
انه سؤال ملقى علينا كمسئولين في الحزب للبحث عن الرجال الصالحين للمكان الصالح. وإذا عرفتم أن هذه هي الخطة التي نتبعها في حل الأزمة علمتم إننا نسير في الطريق المستقيم والمصير الذي يحقق للبلاد العزة والكرامة والرفاهية والرخاء، ولنا الضمانة الكافية في حكمة صاحب الجلالة لإيجاد الحل الذي يقتضيه الموقف، وجلالته يعرف هذه المهام كما يعرف المغرب ككف يده الكريمة ، وهو وحده يستطيع أن يميز بين من يصلح للقيام بهذه المهام وبين من لا يصلح .ونحن نضع ثقتنا فيه بدون أي تملق لأنه يعلم أننا لا نتبجح بمحبة العرش بعد الاستقلال وإنما دافعنا عنه بدمائنا في الوقت الذي يئس الآخرون من رجوع صاحبه المفدى إليه فالعرش شيء مقدس وشيء سام لدينا .
فيجب أن ندرك من الآن أن البلاد مقبلة على مرحلة دقيقة، هي مرحلة الوضوح، فالمسالة مسالة صراحة واستعداد لتحمل مسؤولياتنا . فعلى الحزب أن يعلم أننا مقبلون على مرحلة دقيقة وأننا نعد الأمة لبناء الاستقلال لأننا بناءون سواء كنا داخل الحكم أو خارجه .
نشر على صفحات الملحق السياسي لجريدة الإتحاد الاشتراكي يوم الأربعاء 4فبراير2009 عدد9090
محمد عبدالله الخو /الاتحاد الاشتراكي
انتقلت المرحلة من طورها الأول إلى طورها الثاني وطور العمل الجدي لبناء الاستقلال .. فأخذت تتعارض الوسائل والطرق وحتى الأهداف بين الائتلاف المصطنع. لأننا في الوقت الذي كنا نتجه كلية نحو البناء والتشييد ووضع الأسس المتينة لذلك كان غيرنا يسير إلى بناء نفسه وإقامة هيكل مبكر لشخصيته . وشتان بين من يريد بناء الاستقلال ومن يتخذ هذا الاستقلال وسيلة لبناء نفسه . فالوقت وقت رفع القناع عن أولئك الذين غلطوا في أنفسهم واعتبروا الضرورة المؤقتة التي سمحت بوجودهم ستظل ضرورة دائمة تحتم بقاءهم في المراكز التي تكبرهم والتي لن تكون قط صالحة لهم.
لقد ساهم الحزب في الحكومة راعيا لهذه الحيثيات فدخلها بعزائم رجاله التي يعرفها الجميع عنهم واتجهوا نحو تقويض الماضي لإقامة المستقبل الزاهر على أنقاضه. فاخطئوا وأصابوا كجميع البشر وكانوا دائما يهتدون بهدى صاحب الجلالة ويستنيرون بآرائه وتوجهاته. إلا أنهم كانوا يشعرون دائما بنقص كبير في لم الشعب وتوحيد الرأي. لقد كانوا يحسون أن الوزارة ينقصها الديناميو المحرك. ينقصها الرئيس الذي يقوم بمهمة التنسيق بين مسؤوليات الوزارة المختلفة وتقريب وجهات نظرها وتوجهها جميعا في صعيد واحد يكون هو المقاس الحقيقي لسياسة الحكومة الموحدة . وكان هذا الشعور بالنقص يؤدي حتما إلى نتيجة واحدة هي إضافة هذه المشاغل إلى مشاغل صاحب الجلالة التي تكثر عن الحصر ويحملون جلالته بذلك أعباء جديدة ، ما كان أغنى جلالته عن تحملها، لو كان على رأس حكومته من يستطيع القيام بها والوفاء بتعهداتها والسير بها في الطريق القويم الذي يجب أن تسير عليه سياسة دولة جديدة كدولة المغرب الفتية.
انتظار الفرصة
ذلك هو اللغز والسر الذي عشنا فيه وتكبدنا مرارته وتحملنا على الدوام خطورة الهفوات الناتجة عنه ، فكلنا ننتظر الفرصة السانحة للخروج من هذا الجو الذي لم يكن في الإمكان إصلاحه في مثل وزارة كهذه، يحارب بعض وزرائها أنفسهم ويحاولون تشكيك الشعب في قيمه ومثله العليا وقدرته على مواجهة مسؤوليات الحياة ومسؤوليات الاستقلال وتشكيكه في حقوقه ويسعون إلى تشتيت شمله وتفريق كلمته وكل ذلك يعرفه الخاص والعام.
وجاءت الفرصة عندما وقعت محاولة تكوين ما يسمى بكتلة الدفاع عن الحريات الديمقراطية ، فخطا الحزب هذه الخطوة وسحب وزرائه من هذه الحكومة المنحلة.
معركة الدفاع عن النفس
وأنا لا أريد أن أتحدث عن هذه الطائفة لأنه من الجائز أن يكون بينها من عمل عملا صالحا للبلاد إلا انه سيكون ألان مدفوعا من طرف آخرين ولا يعرف أين يسير وإنما المهم هو تسلسل الحوادث التي أدت إلى خروج هذه الفئة إلى الوجود. فمما لا شك فيه انه بقدر ما كانت تقترب الفترة الانتقالية من نهايتها وتدنو ساعة الحق وإحقاقه واضطرار الحكومة أن تسير في طريق الجد والبناء، تلك الحاجة التي كانت تبرز في الصف الأول رجال حزب الاستقلال الذين تتكون منهم القوة البناءة في الشعب المجسمة في حركة المقاومة والاتحاد المغربي للشغل والهيئات والمنظمات والجمعيات التابعة للحزب ، كلما اقتربت هذه الفترة من نهايتها كان أولئك الذين يخشون تلك الساعة التي يخلون فيها الأماكن للذين يخدمون مصلحة الشعب ويسهرون عليها، كانوا يخلقون جوا من الدفاع عن النفس ويعملون على خلق قوة توازي القوة التي يتوفر عليها أولئك الذين يمثلون قوة الشعب الحقيقية . فعشنا في هذه الفترة في معركة سميتها معركة الدفاع عن النفس ، وهي خلق قوة متوازية تجابه القوى الشعبية .
وهذا هو السر الذي جعل بعض الفئات يسمون أنفسهم أحزابا، وظهرت ما يسمى بالحركة الشعبية. وكل هذه الحركات لا تقصد سوى تطويل الفترة الانتقالية حتى تبحث لنفسها عمن يناصرها ويؤيدها . فكان من الطبيعي أن تجد أولئك الذين كان يطالب الشعب بالاقتصاص منهم على خيانتهم وأولئك الذين نبذهم لأنه عرف فيهم متعاونين متواطئين على مقدرات البلاد.وعندما بحثنا في صفوف الحركة الشعبية مثلا وجدناها ملجأ لكل مرشح للمتابعة من طرف الشعب في عملية التطهير المنتظرة.
حق تأسيس الأحزاب والجمعيات
ولذلك قررت الحكومة بالإجماع حل هذه الهيئة:هيئة الحركة الشعبية. وحلها ليس اعتداءا من طرف الحكومة أو الحزب وإنما هو دفاع عن حقوق الشعب من الذين يتآمرون ضده مثل عدى وبيهي وأنصاره وآنذاك بدأت معركة من نوع آخر . معركة الحرية عندما اتخذت قرار بمنع تأسيس هذه الحركات من طرف الحكومة بالإجماع وكنا نعلم أن رئيس الحكومة يتصل بهذه الحركات.
حرية الصحافة والاجتماع
لقد كانت الحكومة تضم طائفتين بقدر ما كانت إحداهما تتوجه نحو البناء كانت الأخرى تتجه نحو الهدم والتقويض.
وفي الوقت الذي اشتغلت طائفة في تخطيط أو تنفيذ المشاريع الكبرى للنهوض بالبلاد كانت الطائفة الأخرى تشتغل بتكوين الهيئات والأحزاب المصطنعة ، فكان من الواجب حماية الشعب من تفشي الآراء الهدامة التي تتولد عن التيارات الطائشة الصادرة عن هذه الهيئات وحمايته كذلك من دعاة الفتنة ، وهذا هو السر في القرارات التي اتخذتها الحكومة بالنسبة للصحافة والاجتماعات. فقيل إذ ذاك بان الحكومة تريد خنق الحريات والحقيقة تعرفونها جميعا. فالمغرب يجتاز مرحلة دقيقة من حياته حيث تتراكم أمامه سلسلة من المشاكل التي تتطلب الحل العاجل ، الجيوش الأجنبية لا تزال مرابطة في ارض الوطن ، وكثير من أجزاء البلاد لا تزال تئن تحت وطأة الأجنبي والإدارة لا تزال لم تستكمل بعد قوتها والاقتصاد المغربي لازال في أطوار النقاهة يتعثر في مشيته البطيئة إلى غير ذلك من المشاكل... ، لذلك طلبت الحكومة من مسيري الصحف والهيآت السياسية أن تكون رقيبة على نفسها وتحاسب نفسها فيما تريد أن تكتبه أو تقدم عليه نظرا للحوادث الحالية والمواقف الدقيقة التي يجتازها المغرب ، هذه الحوادث التي يتبناها الشعب بكامله كما تبناها جلالة الملك . كل هذا يلتزم بالخضوع لمقتضيات المصلحة الوطنية فطلبنا من الجميع أن يلتزم بالخضوع لمقتضيات المصلحة الوطنية، وإذا استطعنا أن نتفهم المعنى الحقيقي للحرية أمكننا أن نكتب عن جميع الحوادث من غير أن نهيج الرأي العام.
فالمعركة معركة دقيقة ينتظر الشعب من ورائها أداة لتحقيق الأهداف الوطنية، وهذه المعركة هي التي سميتها أزمة المغرب، أما الذين يريدون أن يسموها معركة الحرية فهذا تضليل.
النظام الديمقراطي
والاستعمار الذي لا يريد أن ينهض المغرب ويتبوأ المكان اللائق به سعى إلى وسيلة يشغل بها الموطن وذلك بخلق نوع من التهافت على أشكال الانتخابات والتشدق بالديمقراطية ،وحزب الاستقلال كان أول من عذب في سبيل الحرية وفقد أعز أبنائه وأصدقائه في معركتها ولذلك فهو لا يريد أن يأتي أولئك الذين كانوا يتفرجون على المعركة ليتبجحوا اليوم بالحديث عن الحرية .
إنن نريد إقرار نظام ديمقراطي في المغرب ولا ننتظر أن يأتي إذناب الاستعمار لمطالبتنا بذلك،ولقد أعلنا عن هذه الرغبات في برامجنا العامة خلال مؤتمراتنا الوطنية . وعلى ضوء هذه الحوادث كان لزاما علينا أن نكتب برامجنا من جديد.ولذلك فنحن نطالب أن تعقب الانتخابات البلدية انتخابات نيابية ولا نريد أن يلهينا الاستعمار عن أهدافنا أو جزء منها، هذه الأهداف التي تقتضي منا تأييد الجزائر وتجنيد الشعب وجمع قواه، وهذا ما يخشاه الاستعمار.
وأؤكد لكم أن المناورات الموجودة في المغرب والحركة التي قامت حولها من اجل الحريات المزعومة أنها هي من دسائس الاستعمار، وان الذين كتبوا الملتمس المقدم إلى جلالة الملك لم يكونوا ينتظرون استقالة الحزب بل كانوا يعتقدون أن الحكومة ستظل قائمة تسير كما كانت من قبل ويستمرون تحت ظلها في مناوراتهم .
فجاءت الاستقالة مخيبة لظنونهم ومحطمة لكل ما بنوه من صروح الأوهام والأباطيل ، فأقبلت الصحف الاستعمارية من جميع أنحاء العالم تصور حزب الاستقلال كالشبح المخيف الذي ينتظر أن يتولى الحكم والذي يجب الحذر منه.
ويكفي أن استشهد لكم بقول صحيفة(( يا )) الاسبانية التي يذهب بها التحيز لصالح المناوئين لحزب الاستقلال للإنذار بان : (( حكومة من حزب الاستقلال قد تؤدي إلى خطر حرب مدنية بالمغرب )) كأن الاستعمار الاسباني يقول لأذنابه إنني مستعد لإمدادكم لتفعلوا ما حاوله عدى وبيهي من قبل .
لقد دنت ساعة إحقاق الحق ونحن لسنا طلاب مناصب ولا جاه.وكما عرفنا الشعب جنودا مخلصين نقتحم ميادين النضال في إباء وشمم مضحين بحياتنا ودمائنا وأموالنا، فانه يعرفنا الآن الرعاة الأمناء بهذه الانتصارات المحققة بكفاحنا المرير ، فإذا تحققت لنا الوسائل فإننا سنقوم بمسؤولياتنا ، وإذا لم تتوفر فسنقوم بواجبنا خارج الحكومة ونكون في كلتا الحالتين في خدمة المصلحة العليا للوطن.
والواجب يقضي أن نكون صرحاء مع أنفسنا وان نقول بان فترة الانتقال قد انتهت ولنا من تاريخ الكفاح المشترك من حول جلالة الملك ما يجعل جلالته يعلم صدقنا وإخلاصنا لأنه لم يتعود منا غير ذلك.
كيف سيكون حل الأزمة
يجب إن ننظر إلى هذه الحالة بعين صريحة. فالمسالة تتعلق بالجواب عن سؤالين :
ما هي المهام التي تنتظر البلاد؟
ومن هم الرجال الذين سيقومون بهذه المهام؟
علينا إن نقوم بمسؤولياتنا ونقول للشعب هذه المهام التي تنتظرنا وعلينا ان نرى من هم الرجال الذين سيقومون بهذه المهام فالمسالة ليست مسالة تنافس على المناصب وإنما هو تحمل المسؤوليات وما عدى ذلك فما هو إلا إلهيات يلهون بها الشعب .
انه سؤال ملقى علينا كمسئولين في الحزب للبحث عن الرجال الصالحين للمكان الصالح. وإذا عرفتم أن هذه هي الخطة التي نتبعها في حل الأزمة علمتم إننا نسير في الطريق المستقيم والمصير الذي يحقق للبلاد العزة والكرامة والرفاهية والرخاء، ولنا الضمانة الكافية في حكمة صاحب الجلالة لإيجاد الحل الذي يقتضيه الموقف، وجلالته يعرف هذه المهام كما يعرف المغرب ككف يده الكريمة ، وهو وحده يستطيع أن يميز بين من يصلح للقيام بهذه المهام وبين من لا يصلح .ونحن نضع ثقتنا فيه بدون أي تملق لأنه يعلم أننا لا نتبجح بمحبة العرش بعد الاستقلال وإنما دافعنا عنه بدمائنا في الوقت الذي يئس الآخرون من رجوع صاحبه المفدى إليه فالعرش شيء مقدس وشيء سام لدينا .
فيجب أن ندرك من الآن أن البلاد مقبلة على مرحلة دقيقة، هي مرحلة الوضوح، فالمسالة مسالة صراحة واستعداد لتحمل مسؤولياتنا . فعلى الحزب أن يعلم أننا مقبلون على مرحلة دقيقة وأننا نعد الأمة لبناء الاستقلال لأننا بناءون سواء كنا داخل الحكم أو خارجه .
نشر على صفحات الملحق السياسي لجريدة الإتحاد الاشتراكي يوم الأربعاء 4فبراير2009 عدد9090
محمد عبدالله الخو /الاتحاد الاشتراكي
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الاتحاد الاشتراكي 1959-1975-2009
من حركة 25 يناير 1959 إلى المؤتمر التأسيسي للاتحاد 6 شتنبر 1959
تمت اجتماعات 25 يناير 1959 في مختلف المدن والاقاليم، حيث أعلن عن سحب الثقة من اللجنة التنفيذية وتأسيس لجان جهوية للاشراف على ضمان سير الحزب وإعادة بعث الحماس في صفوفه.
المهدي ترأس اجتماع الرباط في الصباح بقاعة الغرفة التجارية التي كانت غاصة بأطر الحزب، الممثلة لمختلف فروع الاقليم وفي العشية ترأس اجتماع الدار البيضاء بقصر المعرض.
علق المهدي على حركة 25 يناير فقال:
"إن الأمر يتعلق بنقطة تحول في حياة الحركة الوطنية المغربية التي انطلقت نحو مرحلة جديدة من العمل المنظم الواعي ، المثمر الذي يلبي رغبة الجماهير الشعبية المتوثبة نحو مستقبل احسن، والذي يواجه مسؤوليات الاستقلال بعزم وحزم.
ان القاعدة اعلنت أنها لا تريد الجمود الذي خيم على رأس الحزب والانحلال الذي اخذ يدب في صفوفه.
لا تريد الفراغ الخطير في قيادة الحزب ولا فقدان الشعور عند بعض أعضاء اللجنة التنفيذية الذين أصبحوا يعتبرون تراث الحزب ملكا شخصيا.
لا تريد اللامسؤولية والتسامح الخطير الذي يقابل به بعض أعضاء الحزب وعلى اختلاف درجاتهم رغم ان سلوكهم في الحكومة او الادارة او الهيآت السياسية قد مس مسا كبيرا بالمصلحة الوطنية ، أو بحقوق الناس وبالتالي بسمعة الحزب.
... ان الحركة التي ابتدأت يوم 25 يناير 1959 والتي أعادت للوطنية المغربية وحدتها وفعاليتها، سائرة في طريقها معتمدة بعد الله على اتحاد القوات الشعبية المخلصة متسلحة بمبادئ الكفاح والتضحية التي هي سر التوفيق والنجاح...".
وأكد المهدي بن بركة بأن الاهداف هي:
- "بناء استقلال البلاد وتمتين وحدتها.
- تأسيس دستور ديمقراطي وحكومة شعبية .
- تربية الأمة تربية سياسية ديمقراطية
- تكوين نهضة اقتصادية تضمن اليسر لسائر أفراد الأمة.
- توجيه تطوير البلاد الاجتماعي والثقافي نحو حضارة وطنية عربية اسلامية".
كان الجو السياسي قبل 25 يناير قد عرف نوعا من الركود واللامبالاة. ولكن انفجار الازمة والاختيار الذي فرض على الوطنيين في أن يسيروا مع هذا الجناح أو ذاك، بعث الحماس في اتباع هذا الفريق أو ذاك، بينما اضطر البعض أمام الشعور بالخيبة الى الابتعاد نهائيا عن كل نشاط سياسي .
يوم الجمعة 6 مارس 1959 تمت لدى مقر عمالة الدار البيضاء والسلطات القضائية للعاصمة الاقتصادية (التي أصبحت هي المقر) عملية إيداع القوانين الاساسية لحزب جديد يحمل مؤقتا اسم "الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال".
وأصبحت إدارة الحزب تحت اشراف كتابة عامة تتألف من خمسة أعضاء هم :
كاتب في الشؤون السياسية : محمد البصري
كاتب في شؤون التنظيم : المهدي بن بركة
كاتب في شؤون التوجيه : عبد الرحمان اليوسفي
أمين المال : الدكتور محمد بن المختار
حافظ الوثائق : الحسين أحجبي .
الحزب الجديد أثار حماس الشباب، سواء أولئك الذين كانوا مناضلين داخل الحزب أو أولئك الذين كانوا فقط يزاولون نشاطات في جمعيات الشبيبة الموازية للحزب. ولعب الطلبة ومنظمتهم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب دورا كبيرا في هذه الفترة.
وطبعا وجد الحزب الجديد تجاوبا كبيرا مع جماهير العمال والمسؤولين من مختلف المستويات في الاتحاد المغربي للشغل. ووجد الجهاز النقابي في الحزب الجديد واجهة مهمة استغلها بعض أقطابه لتصفية بعض الحسابات في ما بينهم (تنحية الطيب بوعزة وإرساله سفيرا الى يوغسلافيا) وتحويل الانظار عن بعض مظاهر الاستياء التي بدأت تتجلى لدى كثير من القطاعات العمالية جراء تصرف بعض المسؤولين النقابيين .
« ... رغم عزم الحكومة واخلاصها وتجاوبها مع الجماهير الشعبية المستعدة من جهتها للتجنيد والتضحية في سبيل البناء، فإن كل ذلك لا يكون له مفعول ولا يخرج من طور النوايا والاستعدادات الى الواقع، إلا إذا كان كل موظف يشاطر الحكومة والشعب تلك النوايا وهذا الاستعداد، سواء كان من رجال السلطة أو من المسؤولين عن الامن أو من رجال القضاء أو من أصحاب المهام الفنية في شؤون الاقتصاد أو التعليم أو الصحة أو البريد أو غير ذلك... لم يعد لعناصر الفساد مجال في العبث بمصالح الامة ، وأصبح لزاما عليها إما أن تصلح نفسها وتقوم اعوجاجها إن كانت قابلة للإصلاح، وإما أن تزول من مناصب المسؤولية وترد الأمانة التي في عنقها والتي خانتها بعدم احترامها.
الاتحاد اعلاشتراكي
المهدي ترأس اجتماع الرباط في الصباح بقاعة الغرفة التجارية التي كانت غاصة بأطر الحزب، الممثلة لمختلف فروع الاقليم وفي العشية ترأس اجتماع الدار البيضاء بقصر المعرض.
علق المهدي على حركة 25 يناير فقال:
"إن الأمر يتعلق بنقطة تحول في حياة الحركة الوطنية المغربية التي انطلقت نحو مرحلة جديدة من العمل المنظم الواعي ، المثمر الذي يلبي رغبة الجماهير الشعبية المتوثبة نحو مستقبل احسن، والذي يواجه مسؤوليات الاستقلال بعزم وحزم.
ان القاعدة اعلنت أنها لا تريد الجمود الذي خيم على رأس الحزب والانحلال الذي اخذ يدب في صفوفه.
لا تريد الفراغ الخطير في قيادة الحزب ولا فقدان الشعور عند بعض أعضاء اللجنة التنفيذية الذين أصبحوا يعتبرون تراث الحزب ملكا شخصيا.
لا تريد اللامسؤولية والتسامح الخطير الذي يقابل به بعض أعضاء الحزب وعلى اختلاف درجاتهم رغم ان سلوكهم في الحكومة او الادارة او الهيآت السياسية قد مس مسا كبيرا بالمصلحة الوطنية ، أو بحقوق الناس وبالتالي بسمعة الحزب.
... ان الحركة التي ابتدأت يوم 25 يناير 1959 والتي أعادت للوطنية المغربية وحدتها وفعاليتها، سائرة في طريقها معتمدة بعد الله على اتحاد القوات الشعبية المخلصة متسلحة بمبادئ الكفاح والتضحية التي هي سر التوفيق والنجاح...".
وأكد المهدي بن بركة بأن الاهداف هي:
- "بناء استقلال البلاد وتمتين وحدتها.
- تأسيس دستور ديمقراطي وحكومة شعبية .
- تربية الأمة تربية سياسية ديمقراطية
- تكوين نهضة اقتصادية تضمن اليسر لسائر أفراد الأمة.
- توجيه تطوير البلاد الاجتماعي والثقافي نحو حضارة وطنية عربية اسلامية".
كان الجو السياسي قبل 25 يناير قد عرف نوعا من الركود واللامبالاة. ولكن انفجار الازمة والاختيار الذي فرض على الوطنيين في أن يسيروا مع هذا الجناح أو ذاك، بعث الحماس في اتباع هذا الفريق أو ذاك، بينما اضطر البعض أمام الشعور بالخيبة الى الابتعاد نهائيا عن كل نشاط سياسي .
يوم الجمعة 6 مارس 1959 تمت لدى مقر عمالة الدار البيضاء والسلطات القضائية للعاصمة الاقتصادية (التي أصبحت هي المقر) عملية إيداع القوانين الاساسية لحزب جديد يحمل مؤقتا اسم "الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال".
وأصبحت إدارة الحزب تحت اشراف كتابة عامة تتألف من خمسة أعضاء هم :
كاتب في الشؤون السياسية : محمد البصري
كاتب في شؤون التنظيم : المهدي بن بركة
كاتب في شؤون التوجيه : عبد الرحمان اليوسفي
أمين المال : الدكتور محمد بن المختار
حافظ الوثائق : الحسين أحجبي .
الحزب الجديد أثار حماس الشباب، سواء أولئك الذين كانوا مناضلين داخل الحزب أو أولئك الذين كانوا فقط يزاولون نشاطات في جمعيات الشبيبة الموازية للحزب. ولعب الطلبة ومنظمتهم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب دورا كبيرا في هذه الفترة.
وطبعا وجد الحزب الجديد تجاوبا كبيرا مع جماهير العمال والمسؤولين من مختلف المستويات في الاتحاد المغربي للشغل. ووجد الجهاز النقابي في الحزب الجديد واجهة مهمة استغلها بعض أقطابه لتصفية بعض الحسابات في ما بينهم (تنحية الطيب بوعزة وإرساله سفيرا الى يوغسلافيا) وتحويل الانظار عن بعض مظاهر الاستياء التي بدأت تتجلى لدى كثير من القطاعات العمالية جراء تصرف بعض المسؤولين النقابيين .
« ... رغم عزم الحكومة واخلاصها وتجاوبها مع الجماهير الشعبية المستعدة من جهتها للتجنيد والتضحية في سبيل البناء، فإن كل ذلك لا يكون له مفعول ولا يخرج من طور النوايا والاستعدادات الى الواقع، إلا إذا كان كل موظف يشاطر الحكومة والشعب تلك النوايا وهذا الاستعداد، سواء كان من رجال السلطة أو من المسؤولين عن الامن أو من رجال القضاء أو من أصحاب المهام الفنية في شؤون الاقتصاد أو التعليم أو الصحة أو البريد أو غير ذلك... لم يعد لعناصر الفساد مجال في العبث بمصالح الامة ، وأصبح لزاما عليها إما أن تصلح نفسها وتقوم اعوجاجها إن كانت قابلة للإصلاح، وإما أن تزول من مناصب المسؤولية وترد الأمانة التي في عنقها والتي خانتها بعدم احترامها.
الاتحاد اعلاشتراكي
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الاتحاد الاشتراكي 1959-1975-2009
... ويمكن تقسيم عناصر الفساد الى طبقات أهمها:
1- الخونة الذين لا يزالون مندسين في صفوف الإدارة او الشرطة أو القضاء، وهم لا يضمرون للشعب الا العداء بل انهم ينقمون على كل وطني وقف بجانب الشعب وقاوم الاستعمار، لأنه يذكرهم بماضيهم الأسود يوم كانوا أعوانا لأعداء الشعب وخداما لأغراضهم.
2- الانتهازيون الذين يصيبهم الغرور بالمناصب التي يصلون اليها من غير استحقاق بفضل تضحيات المخلصين من أبناء الشعب ، فيعتبرون تلك الوظائف غاية في حد ذاتها لا وسيلة لاستكمال تحرر البلاد وبناء استقلالها ويكون هؤلاء مستعدين لخدمة أي مصلحة خاصة أو عائلية أو لفائدة جماعة كانت سببا في وصولهم الى المناصب، بشرط أن يضمنوا الاستمرار في التمتع بمنافع ولو على حساب الوطن والمواطنين .
3- المتهاونون وهم بالرغم من حسن نيتهم أولئك الذين لا يقدرون مسؤوليتهم حق قدرها، فتدفعهم قلة الرقابة وعدم المحاسبة الى إهمال واجباتهم بل والاضرار بحقوق الناس عن قصد أو غير قصد.
ولا شك أن مظاهر الفساد التي تعرضنا لها على سبيل المثال من شأنها أن تستفحل إذا لم تقع المبادرة بمعالجة الداء من أصله، وإذا لم تتظافر جهود الحكومة والشعب على هذا العلاج.
وقد أضاع المغرب ثلاث شنوات في ما يرجع للصنف الاول وهم الخونة الذين تهاونت الحكومات في تطهير الدولة منهم بصفة جدية.
لقد تأسست لجنة للتطهير الإداري في 6 فبراير 1959 وهي ترمي الى البحث في الموظفين الذين صدرت منهم أعمال مقصودة ضد المصالحة الوطنية في ما بين 24 دجنبر 1950 و16 نوفمبر1955.
... ويتوقف الاصلاح على مقاييس يجب وضعها واحترامها حتى لا تبقى شؤون الدولة مرهونة ـ حتى عند محاولة اصلاحها ـ بالشهوات وتحكم العواطف وتضامن المصالح ، ما ظهر منها وما بطن .
... يجب أن توضع مقاييس تشمل سائر مرافق حياة الأمة وتنظم سلطتها، بعضها مع بعض، من تشريعية وتنفيذية وقضائية وتضبط علائق الحاكمين بالمحكومين وتضمن العدالة والمساواة في الفرص والاطمئنان على اليوم والغد، وتلك هي مميزات الدستور الذي ينشده الملك والشعب لإنشاء ديمقراطية واقعية صحيحة.
يتبين من هذا أن معركة اصلاح جهاز الدولة معركة حاسمة بالنسبة لسير أمتنا نحو استكمال تحررها وتقدمها وبالنسبة لتحقيق أهدافنا في بناء المغرب الجديد، وهي مرتبطة كل الارتباط بقضية الدستور الذي نفهمه فهما واقعيا لا مجرد وثيقة تبقى حبرا على ورق ، بل يكون مجموعة مقاييس موضوعية واضحة تنعدم معها الاعتبارات العاطفية والذاتية ، وتضمن قيام نظام ملكي دستوري صحيح البنيان.
وإن الخطوات الأولى لبعض الأمم الحديثة التحرر قد تعثرت بسبب إهمالها لقضية جهاز الدولة، لما تركت هذا الجهاز عرضة لإقطاعيات جديدة تكونت في عقلية بعض الموظفين في الإدارات أو المحاكم أو وحدات الأمن كالشرطة والدرك والجيش ، فأصبحت لا تخضع لمقاييس المصلحة الوطنية بل تسيرها الأهواء والمطامع الخاصة ..»
أصبح عبد الرحيم يرى ضرورة تأسيس حزب منظم يحول التيار الشعبي، وهذه المكانة التي تتمتع بها حركة 25 يناير، الى تنظيم سياسي يكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتق القوى التقدمية بالبلاد .. في حين أن المؤتمر المنعقد بقاعة سينما الكواكب بشارع السويسي بالدار البيضاء يوم الاحد 6 شتنبر 1959 .. دارت أشغاله تحت شعار أن " لا حزبية بعد اليوم "
كان الجو حارا في هذا اليوم الذي انعقد فيه المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بسينما الكواكب بالبيضاء بمحضر وفود جاءت من مختلف الأقاليم .
وفي جو من الحماس وتحت رئاسة عبد الرحمان اليوسفي، تولى الخطباء يشرح كل واحد منهم أهمية هذا الاجتماع.
وجاء دور المهدي بن بركة الذي قرأ النص الذي سيصبح ميثاق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
« ... إنه لا يوجد تناقص بين مصالح العناصر التي تؤلف الشعب الغربي وأن الاتحاد وحده كفيل بإحباط المطامع الاستعمارية وبتحقيق الأهداف الوطنية ـ يعلن المجتمعون تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حيث يجد كل مواطن مجالا للعمل الايجابي في جو من الوضوح والحماس، وذلك لتحقيق الأهداف الآتية:
- الدفاع عن الاستقلال والوحدة الكاملة للتراب الوطني.
- جلاء القوات الأجنبية وتصفية مخلفات الاستعمار من القيود العسكرية والاقتصادية والفنية.
- مواصلة سياسة التحرر الاقتصادي لضمان التشغيل الشامل والعدالة الاجتماعية .
- تحقيق الإصلاح الزراعي الذي هو شرط لرفع مستوى معيشة جماهير الفلاحين.
- انتهاج سياسة تصنيع وتأميم المرافق الحيوية للاقتصاد لضمان ارتفاع الدخل القومي ارتفاعا مطردا لفائدة جميع السكان.
- الإسراع بتحقيق إصلاحات جوهرية في الإدارة وتكوين الاطارات وفقا لمقتضيات بناء الاستقلال .
- اتباع سياسة منطقية في التعليم تطابق روح التطور العصري للمغرب وتحافظ على مقوماته الروحية .
- إقامة ديمقراطية واقعية تضمن لجميع المواطنين تسيير شؤونهم بأنفسهم، سواء في الصعيد الوطني أو المحلي في دائرة ملكية دستورية تحت رعاية صاحب الجلالة الملك محمد الخامس.
- مساعدة الشعب الجزائري المكافح من أجل تحرره وتحقيق وحدة المغرب العربي في نطاق الأخوة العربية والتضامن الافريقي.
- تطبيق سياسة خارجية مبنية على مبدأ عدم التبعية والتعاون الحر والتضامن مع الشعوب المناضلة من أجل التحرر، وعلى أساس تقوية دعائم السلام العالمي».
وقد أسفرت أشغال المؤتمر عن تكوين كتابة عامة للاتحاد تتركب من:
محمد البصري ، المهدي بن بركة ، عبد الرحمان اليوسفي ، الدكتور بلمختار، عبد الهادي بوطالب ،احمد بن سودة، التهامي الوزاني، محمد حجي العموري ، محمد عبد الرزاق، الحسين أحجبي، عبد الله الصنهاجي.
انتهى
الاتحاد الاشتراكي
1- الخونة الذين لا يزالون مندسين في صفوف الإدارة او الشرطة أو القضاء، وهم لا يضمرون للشعب الا العداء بل انهم ينقمون على كل وطني وقف بجانب الشعب وقاوم الاستعمار، لأنه يذكرهم بماضيهم الأسود يوم كانوا أعوانا لأعداء الشعب وخداما لأغراضهم.
2- الانتهازيون الذين يصيبهم الغرور بالمناصب التي يصلون اليها من غير استحقاق بفضل تضحيات المخلصين من أبناء الشعب ، فيعتبرون تلك الوظائف غاية في حد ذاتها لا وسيلة لاستكمال تحرر البلاد وبناء استقلالها ويكون هؤلاء مستعدين لخدمة أي مصلحة خاصة أو عائلية أو لفائدة جماعة كانت سببا في وصولهم الى المناصب، بشرط أن يضمنوا الاستمرار في التمتع بمنافع ولو على حساب الوطن والمواطنين .
3- المتهاونون وهم بالرغم من حسن نيتهم أولئك الذين لا يقدرون مسؤوليتهم حق قدرها، فتدفعهم قلة الرقابة وعدم المحاسبة الى إهمال واجباتهم بل والاضرار بحقوق الناس عن قصد أو غير قصد.
ولا شك أن مظاهر الفساد التي تعرضنا لها على سبيل المثال من شأنها أن تستفحل إذا لم تقع المبادرة بمعالجة الداء من أصله، وإذا لم تتظافر جهود الحكومة والشعب على هذا العلاج.
وقد أضاع المغرب ثلاث شنوات في ما يرجع للصنف الاول وهم الخونة الذين تهاونت الحكومات في تطهير الدولة منهم بصفة جدية.
لقد تأسست لجنة للتطهير الإداري في 6 فبراير 1959 وهي ترمي الى البحث في الموظفين الذين صدرت منهم أعمال مقصودة ضد المصالحة الوطنية في ما بين 24 دجنبر 1950 و16 نوفمبر1955.
... ويتوقف الاصلاح على مقاييس يجب وضعها واحترامها حتى لا تبقى شؤون الدولة مرهونة ـ حتى عند محاولة اصلاحها ـ بالشهوات وتحكم العواطف وتضامن المصالح ، ما ظهر منها وما بطن .
... يجب أن توضع مقاييس تشمل سائر مرافق حياة الأمة وتنظم سلطتها، بعضها مع بعض، من تشريعية وتنفيذية وقضائية وتضبط علائق الحاكمين بالمحكومين وتضمن العدالة والمساواة في الفرص والاطمئنان على اليوم والغد، وتلك هي مميزات الدستور الذي ينشده الملك والشعب لإنشاء ديمقراطية واقعية صحيحة.
يتبين من هذا أن معركة اصلاح جهاز الدولة معركة حاسمة بالنسبة لسير أمتنا نحو استكمال تحررها وتقدمها وبالنسبة لتحقيق أهدافنا في بناء المغرب الجديد، وهي مرتبطة كل الارتباط بقضية الدستور الذي نفهمه فهما واقعيا لا مجرد وثيقة تبقى حبرا على ورق ، بل يكون مجموعة مقاييس موضوعية واضحة تنعدم معها الاعتبارات العاطفية والذاتية ، وتضمن قيام نظام ملكي دستوري صحيح البنيان.
وإن الخطوات الأولى لبعض الأمم الحديثة التحرر قد تعثرت بسبب إهمالها لقضية جهاز الدولة، لما تركت هذا الجهاز عرضة لإقطاعيات جديدة تكونت في عقلية بعض الموظفين في الإدارات أو المحاكم أو وحدات الأمن كالشرطة والدرك والجيش ، فأصبحت لا تخضع لمقاييس المصلحة الوطنية بل تسيرها الأهواء والمطامع الخاصة ..»
أصبح عبد الرحيم يرى ضرورة تأسيس حزب منظم يحول التيار الشعبي، وهذه المكانة التي تتمتع بها حركة 25 يناير، الى تنظيم سياسي يكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتق القوى التقدمية بالبلاد .. في حين أن المؤتمر المنعقد بقاعة سينما الكواكب بشارع السويسي بالدار البيضاء يوم الاحد 6 شتنبر 1959 .. دارت أشغاله تحت شعار أن " لا حزبية بعد اليوم "
كان الجو حارا في هذا اليوم الذي انعقد فيه المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بسينما الكواكب بالبيضاء بمحضر وفود جاءت من مختلف الأقاليم .
وفي جو من الحماس وتحت رئاسة عبد الرحمان اليوسفي، تولى الخطباء يشرح كل واحد منهم أهمية هذا الاجتماع.
وجاء دور المهدي بن بركة الذي قرأ النص الذي سيصبح ميثاق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
« ... إنه لا يوجد تناقص بين مصالح العناصر التي تؤلف الشعب الغربي وأن الاتحاد وحده كفيل بإحباط المطامع الاستعمارية وبتحقيق الأهداف الوطنية ـ يعلن المجتمعون تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حيث يجد كل مواطن مجالا للعمل الايجابي في جو من الوضوح والحماس، وذلك لتحقيق الأهداف الآتية:
- الدفاع عن الاستقلال والوحدة الكاملة للتراب الوطني.
- جلاء القوات الأجنبية وتصفية مخلفات الاستعمار من القيود العسكرية والاقتصادية والفنية.
- مواصلة سياسة التحرر الاقتصادي لضمان التشغيل الشامل والعدالة الاجتماعية .
- تحقيق الإصلاح الزراعي الذي هو شرط لرفع مستوى معيشة جماهير الفلاحين.
- انتهاج سياسة تصنيع وتأميم المرافق الحيوية للاقتصاد لضمان ارتفاع الدخل القومي ارتفاعا مطردا لفائدة جميع السكان.
- الإسراع بتحقيق إصلاحات جوهرية في الإدارة وتكوين الاطارات وفقا لمقتضيات بناء الاستقلال .
- اتباع سياسة منطقية في التعليم تطابق روح التطور العصري للمغرب وتحافظ على مقوماته الروحية .
- إقامة ديمقراطية واقعية تضمن لجميع المواطنين تسيير شؤونهم بأنفسهم، سواء في الصعيد الوطني أو المحلي في دائرة ملكية دستورية تحت رعاية صاحب الجلالة الملك محمد الخامس.
- مساعدة الشعب الجزائري المكافح من أجل تحرره وتحقيق وحدة المغرب العربي في نطاق الأخوة العربية والتضامن الافريقي.
- تطبيق سياسة خارجية مبنية على مبدأ عدم التبعية والتعاون الحر والتضامن مع الشعوب المناضلة من أجل التحرر، وعلى أساس تقوية دعائم السلام العالمي».
وقد أسفرت أشغال المؤتمر عن تكوين كتابة عامة للاتحاد تتركب من:
محمد البصري ، المهدي بن بركة ، عبد الرحمان اليوسفي ، الدكتور بلمختار، عبد الهادي بوطالب ،احمد بن سودة، التهامي الوزاني، محمد حجي العموري ، محمد عبد الرزاق، الحسين أحجبي، عبد الله الصنهاجي.
انتهى
الاتحاد الاشتراكي
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الاتحاد الاشتراكي 1959-1975-2009
نص الكلمة التي قدم بها الشهيد عمر بنجلون التقرير الإيديولوجي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاستثنائي بالدار البيضاء 12-11-10 يناير 1975
هذه واحدة من أهم الوثائق السياسية، ليس في ذاكرة الإتحاد الإشتراكي، بل في تاريخ السياسة المغربية الحديثة.. لأنها ترجمان لتحول هائل في العملية السياسية المغربية برمتها خلال الخمسين سنة الأخيرة. وتكتسب أهميتها من أن صاحبها، الشهيد عمر بنجلون، هو مهندس تحول سياسي حزبي في المغرب سنة 1975، قاد صوب بلورة استراتيجية النضال الديمقراطي، التي دفعت نحو الخيار الديمقراطي الذي تعيش أجيال اليوم بعضا من نتائجه الإيجابية.
إن هذه الوثيقة اليوم، لا تزال تكتسب راهنيتها الأصيلة، ولا تزال نبراسا لكل الجسم السياسي المغربي وفي مقدمته العائلة الإتحادية. ذلك أنها تتضمن تفاصيل غاية في الأهمية حول صناعة القرار السياسي المغربي، لا تزال تفيد على أكثر من صعيد. وعملية اغتيال وتصفية الشهيد عمر بنجلون إما هي آتية من أن الرجل كان يصدر عن وعي سياسي واضح المعالم، منخرط في ترجمة التحول الديمقراطي والنضالي للقوى الحية بالبلاد، وممتلك لعزيمة صلبة لعدم التنازل عن التوابث في صنع الغد الأفضل للمغرب والمغاربة..
هي وثيقة حية إذن، لا تذبل فيها قيم الرونق السياسي والإتساق والوضوح والقوة، وهي بذلك كلمة لا تزال تعنينا مغربيا على أكثر من صعيد..
بقلم الشهيد عمر بنجلون
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
إن القرار بتحضير و عقد هذا المؤتمر الاستثنائي، كان تعبيرا عن اختيار جوهري و شامل. فبالرغم من القيود المفروضة على حزبنا، و من وجود مئات من المناضلين في المعتقلات المعروفة و المجهولة، قرر الاتحاديون بصفة جماعية استئناف العمل على تطبيق القرارات و الاختيارات التي سبق أن حددوها قبل حوادث مارس 1973.
و كانت الأعمال التحضيرية لهذا المؤتمر، انطلاقة فعلية في عملية توضيحية شاملة في المجال الإيديولوجي، و السياسي و التنظيمي، و يمكننا بكل اعتزاز أن نؤكد :
* بأن جميع المشاريع المطروحة على المؤتمر كانت ثمرة العمل الجماعي و النقاش الديمقراطي على مستوى القيادة و القاعدة.
* و بأن المؤتمرين ليس فقط منتدبين من القاعدة على أساس مقاييس نوقشت و حددت، و طبقت بصفة ديمقراطية، و إنما هم المعبرون عن آراء و ملاحظات جماعية كلفوا بتبليغها.
* و بأن مشروع التقرير المذهبي، الذي يحدد إطار استراتيجية الاتحاد و اختياراته الجوهرية، كان موضع نقاش في القاعدة منذ شهر.
يمكننا أن نؤكد بكل اعتزاز أن هذا المؤتمر، بالرغم من أنه مؤتمرا مؤتمر استثنائي حضر و عقد في ظروف استثنائية، هو مؤتمر القاعدة الاتحادية كلها، مؤتمر المناضلين الأوفياء كلهم، مؤتمر المناضلين الشاعرين بمسؤولياتهم التاريخية، مؤتمر استمرار حركة التحرير الشعبية ببلادنا.
إلا أن الاستمرار لا يعني الجمود في التفكير و الأساليب، انه استمرار النضال و جدلية النضال، في ظروف اقتصادية و اجتماعية و سياسية في تغيير دائم. و القوات الاجتماعية المتصارعة هي نفسها تغيير دائم مع ما يترتب عن ذلك من تقلبات في أشكال و ميادين الصراع اجتماعيا، و سياسيا، و إيديولوجيا.
إن الاتحاد الذي يعيش الصراع، بل و يشكل محور الصراع عاش منذ تأسيسه تغييرات جذرية من حيث قاعدته الاجتماعية، و تنظيماته، و اختياراته المذهبية، و هذا إن على شيء، فإنما يدل على أن الاتحاد يشكل تجسيدا حيا للتطورات التي طرأت على المجتمع المغربي، و على مطامع الجماهير الشعبية من عمال، و فلاحين، و حرفيين، و مثقفين.
و إذا كانت هناك تناقضات مازال الاتحاد يحملها في صفوفه، فإننا نعتز بها، لأنها تناقضات تحملها حركة تاريخية غير مختلقة، حركة تضمن استمرار و تقوية النضال التحريري الذي يخوضه شعبنا منذ 70 سنة، حركة يحضر مؤتمرها الفلاح الذي قاوم توغل جيوش الاحتلال في الربع الأول من القرن، و العامل الذي حمل السلاح للإطاحة بنظام الحماية، و الشباب الذي يناضل الآن من أجل التحرير و البناء الاشتراكي.
فالذي يجمع بين هؤلاء، ليس مجرد اندفاع عاطفي، و لا مجرد وفاء لماضي قريب أو بعيد. إن الذي يجمع بينهم هو النضال الملموس الذي لا يتحقق بالكلام و الشعارات، و إنما بالتعبئة مع قبول كل التضحيات التي يقتضيها النضال الفعلي الملموس.
إن الذي يجمع بين هؤلاء المناضلين، هو استمرار المسلسل الثوري الذي فجرته الجماهير، و الذي تم إجهاضه و تحريفه بحلول الاستعمار الجديد سنة 1956. إن الذي يجمع بينهم هو فكر و عزيمة مشتركة على أسس ثلاثة :
1- إرادة تصفية الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الشبه الاستعمارية التي أطلق عليها لقب "التخلف".
2- الوعي بأن تصفية هذه الهياكل لا يمكن أن تتم إلا بالحل الاشتراكي، هذا الحل الذي لا يمكن أن يطبق إلا بالاعتماد على الجماهير، و بالتالي لا يمكن أن يطبق إلا بالتصميم الاشتراكي مع ما يقتضيه من مؤسسات ديمقراطية شعبية تحدد الاختيارات، و تسهر على تنفيذها بتعبئة الجماهير، و بجهاز دولة خاضع لارادة الجماهير على المستوى المحلي، و الجهوي، و الوطني.
3- بلورة هذه الإرادة و هذا الوعي في تنظيمات حزبية فعالة، قادرة على تعبئة الجماهير، تعيش و تنمو بممارسة مبدأ المركزية الديمقراطية و بكيفية تجعل منها أداة لتحقيق الأهداف، و كذلك نموذجا و مثالا للمجتمع الذي نعمل من أجل تشييده ببلادنا.
هذه هي المنطلقات التي تجمع بين المناضلين بمختلف أصنافهم و سنهم. هذا الاتجاه هو الذي يعبر عنه مشروع التقرير المذهبي الذي ناقشته القاعدة منذ شهر، و تعبر عنه استراتيجية الاتحاد في المرحلة الراهنة، و تعبر عنه التغيرات المقترح إدخالها على القانون الأساسي للاتحاد و التطورات التي عرفتها تنظيمات الاتحاد، و تعبر عنه كذلك مختلف التقارير الفرعية المعروضة على لجان المؤتمر و التي تطرح الحلول كما يراها الاتحاد في المدى القريب، في الميدان الاقتصادي و الاجتماعي و الفلاحي، في ميدان الثقافة و التعليم و الشباب.
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
نعم، إن تحضير وعقد مؤتمرنا هذا، يشكلان انطلاقة حاسمة في عملية توضيحية تشمل جميع مجالات حياة شعبنا. عملية توضيحية شاملة تضع حدا لكثير من التساؤلات و تحبط كثيرا من مناورات التزييف و التضليل في هذا الظرف الدقيق الذي يعيشه شعبنا المهدد بالمجاعة في الشهور القليلة المقبلة، و الذي لم يبق لديه إلا الدعاء من أجل المطر.
و في إطار هذه العملية التوضيحية، حررت اللجنة التحضيرية للمؤتمر، مشروع التقرير المذهبي الذي ناقشته القاعدة و الذي سوف تناقشه اللجنة الإيديولوجية للمؤتمر على أساس الملاحظات و الاقتراحات الواردة من الخلايا، و الفروع و الأقاليم. لذلك فلا حاجة في قراءته أمامكم، خصوصا و أن اللجنة التحضيرية حضرت وثيقة توضيحية مطولة أخرى في شكل دروس مفصلة سوف يتوصل بها كل إقليم لإقامة مدرسة تكوينية بمساعدة الإطارات الحزبية.
إلا أن اللجنة التحضيرية ارتأت أن تكلف مقررها بأن يعرض أمام كافة المؤتمرين الاعتبارات التي وضعتها نصب أعينها عندما حررت مشروع التقرير المذهبي.
* فالاعتبار الأول : يتعلق بالأسباب و التساؤلات التي نحن ملزمون بالجواب الواضح عليها، كحركة اشتراكية تعمل من اجل تعبئة طاقات المستقبل في ظروف و في قطر يسود فيه انعدام المقاييس و تطغى عليه أساليب الخلط و التضليل.
* و الاعتبار الثاني : يهم منهجية و كيفية طرح المشاكل و الحلول، أي قضية المفاهيم و الأسلوب العلمي في التحليل، و نعني بذلك أسلوب التحليل التاريخي و الجدلي، الشيء الذي يلزمنا بتوضيح ما نسميه بالاشتراكية العلمية و التأكيد على أننا لا نرى تناقضا، بل نرى تكاملا مثمرا بينها و بين المبادئ و التقاليد التقدمية لحضارتنا العربية الإسلامية.
* و الاعتبار الثالث : المستخلص من الاعتبارين السابقين، يتعلق بضرورة رفع كل لبس و إبهام حول نوعية المجتمع الاشتراكي الذي نطمح إلى بنائه، و خصوصية هذا المجتمع، و الارتباط الوثيق بين التحرير، و النمو، و الديمقراطية، و البناء الاشتراكي كجوانب من استراتيجية واحدة شاملة، و كذلك الارتباط بين الأهداف و بين طرق و وسائل تحقيقها.
هذه هي الاعتبارات التي يجب توضيحها بإيجاز لأنها لا تفسر شكل و مضمون و مشروع التقرير المذهبي فقط، و إنما تشكل منطلق جميع التقارير و المقترحات المعروضة على المؤتمر.
الاعتبار الأول : ضرورة نظرة واضحة شاملة كمنطلق و إطار لجميع مخططاتنا الاستراتيجية و تصرفاتنا التكتيكية
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
إن الاتحاد لا يزعم الإتيان بإيديولوجية جديدة، أو باشتراكية خاصة قد يطلق عليها نعت من النعوت. إن الاشتراكية واحدة، كمنهجية و كهدف، قوامها الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج و التبادل، يتصرف فيها المنتجون بواسطة تنظيماتهم و جهاز الدولة الذي يكون في خدمتهم و تحت مراقبة تنظيماتهم الحزبية و المهنية.
و كل ما عدا ذلك، ما هو إلا تضليل و خلط، باعتبار أن التضليل و الخلط يشكلان نوع أساسيا من أنواع القمع الذي تمارسه الرجعية و الطبقات المستغلة. إن التضليل لسلاح فعال لديها في مواجهة حركات التحرير الشعبية، سلاح يمكنها أولا و قبل كل شيء من إخفاء هويتها الحقيقية و دورها الحقيقي و من إخفاء الأسباب العميقة و القارة في قمع و مطاردة المناضلين.
إن الاعتبار الأول هو، إذن، ضرورة التوضيح الشامل لطبيعة و خصوصية الصراع الاجتماعي و السياسي في ظروف ما يسمى بالتخلف، و محاربة التخلف، و النمو و غير ذلك من الشعارات التي فرضت نفسها على بلدنا مع الثقافة و المفاهيم التي غرسها، و مازال يغرسها، مفكرو الإمبريالية، فنيوها.
إن هؤلاء المستشارين هم الذين يزودون الرجعيات المحلية بالشعارات و الوسائل التضليلية المختلفة، و يملون عليها الحلول المناسبة لكل ظرف، ليضمنوا استمرار المصالح الاستعمارية و الأساسية، و إبقاء أقطارنا مندمجة في نظام الاستغلال العالمي.
و الآن، و قد دخل هذا النظام في طور الانهيار، بتفاقم أزمة الطاقة و التضخم المالي، و بفضل الضربات التي تلقاها من حركة التحرير الشعبية في القارات الثلاث، نرى المسؤولين في المغرب يدقون ناقوس الخطر، و ينبهون إلى عدم حرية التصرف الخارجي التي نسميها باسمها الحقيقي منذ 15 سنة، نسميها التبعية.
و لكن الحلول التي يلجؤون إليها، ما هي إلا تدابير تابعة لتقلبات السوق العالمية كما هو الشأن منذ 1960، منذ أن أجهضوا محاولة التحرير الاقتصادي و أوقفوا تغيير الهياكل الاقتصادية، و أجهزة الدولة. هناك إذن إصرار على الاستمرار في خطة ما يسمى بالليبرالية و بالمغربة، أي تركيز الهياكل الاقتصادية الاستعمارية بتركيز أو خلق طبقة مغربية تحل محل الرأسماليين و المعمرين الأجانب.
و في هذا الاتجاه، فإن التأميمات، و اتساع القطاع العمومي و الشبه العمومي، لا تعني رجوع قطاعات من الإنتاج و التبادل إلى الأمة. لأن جهاز الدولة ليس في خدمة الأمة، و إنما في خدمة الذين يركزون هياكل منافية لمصلحة و تحرير الأمة من الاستعمار الجديد. إن تولي الدولة قطاعات واسعة في الإنتاج، و التصرف، و المبادلات، يدل في الحقيقة عن عجز البورجوازية على تحمل مخاطرات الإنشاء و التصنيع و استعمالها الدولة و القطاع العمومي كأداة تسير تجارتها و منشآتها المتأخرة، و كوسيلة تضع رهن إشارتها أموال و ممتلكات الأمة.
لذلك، فإن مشروع التقرير المذهبي ركز الانتباه على كل المفاهيم المتعلقة بما يسمى بالتخلف، و حلل طبيعته و مصادره الحقيقية بكيفية تزيل اللبس و الإبهام حول الحلول التي يقترحها الآن فنيو الإمبريالية أنفسهم مثل الإصلاح الزراعي، و التأميمات و العدالة الاجتماعية، مادامت طبيعة الإنتاج لا تتغير، و مادامت دواليب الإدماج في النظام الاستغلالي العالمي تتعزز، لأن التبعية لا يمكن إلا أن تتعزز.
إن مشروع التقرير يهدف من خلال هذا التحليل إلى إبراز الوحدة الحتمية بين تعزيز دواليب التبعية، و بين تصاعد سرعة التدهور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي للجماهير الشعبية. و أمام هذه الحقيقة التي يعرفها و يعيشها الجميع، نرى المواقف منذ 15 سنة لا تعبر إلا عن الحسابات السياسية و التكتيكية.
* هناك من يسطر البرامج المتمثلة في قائمة الطلبات دون الربط بين الأهداف ببعضها و دون التعريف بالوسائل و الطرق التي يراها ناجعة لتحقيق هذه الأهداف.
* و هناك من لا يميز ببين الوطنية، و بين مغربة الاقتصاد، في حين أنه يطالب بالعدالة الاجتماعية.
* و هناك من يرفع منذ 10 سنوات شعار "التغيير الجذري للهياكل الاقتصادية و الاجتماعية لصالح الجماهير" دون أن يوضح المضمون العلمي هذا التغيير، لاسيما و أنه يرفض مسبقا أن تشارك الجماهير في انتخاب المؤسسات التي قد تحدد مضمون هذا التغيير و طبيعة الهياكل و الإصلاحات الجذرية المزعومة.
* و هناك من يكتفي بترديد نفس الشعار، و الإشادة بالدور الطلائعي التاريخي للطبقة العاملة، دون الكلام عن الكيفية العملية، و النضالات الفعلية التي قد تعطي مدلولا ملموسا لهذه الشعارات.
* و هناك من يدعو إلى الواقعية باسم الاشتراكية العلمية، واقعية تنتهي إلى تكرار نفس الشعارات و الخطط رغم تغيير الواقع و معه ظروف و معطيات الصراع الاجتماعي و السياسي.
هكذا استمرت المواقف و البرامج و الشعارات المبنية على التحليل المجرد، على تفكير و استراتيجيات سياسية تحاول التكيف مع تغيرات الأوضاع السياسية العابرة. و الحقيقة أن هذا الخلط راجع في الأصل إلى انعدام المقاييس، و تعود القيادات السياسية منذ بداية الاستقلال على ممارسة الصراع السياسي في شكل البلاغات و التجمعات الإخبارية، و الاكتفاء بالشعارات الدعائية على المستوى الجماهيري. و هكذا بقيت التوعية أسلوبا منعزلا عن النضال الفعلي بحيث ينتهي الأمر عمليا إلى تركيز أساليب برلمانية بدون برلمان، و إلى الكلام عن التمثيلية بدون مقاييس و مؤسسات تمثيلية.
لكن مخزنة أجهزة الدولة استمرت في نفس الوقت بجميع نتائجها، مع جدلية الصراع الطبقي، و جدلية الأحداث و الواقع المادي الملموس الذي تعيشه الجماهير الشعبية و الذي لا يقبل التحليلات المجردة كانت نزيهة أو مغرضة. و من جملة الجماهير الشعبية، هناك الشباب بصفة خاصة، الذي لا يهمه الماضي، و نضال الماضي، و إنما يهمه واقعه و مستقبله الذي يراه مظلما.
و الشباب بطبيعته، كان أميا أو مثقفا، يرفض التعقيد و الغموض و الالتواء، و يطمح إلى الوضوح و إلى فكرة شاملة و منسجمة، فكرة لا تبرر الواقع و الإخفاق، و إنما تعبر عن الواقع، و عن الحلول الضرورية من اجل تغييره. انه متعطش إلى الانسجام الفكري، و يبحث عنه، بحيث نرى طاقاته تتجه :
* إما نحو نماذج اشتراكية مجردة و تقليد تجارب الشباب الأوربي الثائر، و ذلك باسم الماركسية اللينينية.
* و إما نحو البحث عن نموذج المدينة الفاضلة في عهد عمر بن الخطاب و الانغماس في الطرقية و الصوفية التي يصرف فيها يأسه و طاقته.
* و إما نحو اللامبالاة و موقف المتفرج اليائس من جميع المنظمات الوطنية التقدمية التي لا يهمه ماضيها و مبرراتها، و إنما النتائج الملموسة التي ينتظرها من عملها.
إن موقف هذه الفئات من شبابنا، ما هو إلا التعبير الظاهر عن وضعية و رغبة عميقة تسود جماهير شعبنا، من عمال نسف الجهاز البيروقراطي تنظيماتهم النقابية، و مازال يشل و يجهض نضالاتهم، و من فلاحين تقمعهم أجهزة السلطة لتحقيق إصلاحها الزراعي لفائدة المعمرين المغاربة، و من موظفين صغار و تجار صغار ينتظرون إيجاد شغل فعلي بأجرة قارة.
هؤلاء جميعا متعطشون للوضوح، و للنظرة المنسجمة حول الأسباب و الحلول و الوسائل، إنهم جميعا يطمحون بشكل تلقائي إلى الاشتراكية كنظام اجتماعي، و لا يتخذون من الاشتراكية كفكر إلا جانبا النقدي، أما جانبها الإيجابي و العلمي فإنه يختلط بالتجارب الاشتراكية، و بالتجارب التي يطلق عليها نعت الاشتراكية، مع العلم أن الرجعية تركز دعايتها الدائمة على تشويه هذه التجارب و إبراز اخفاقاتها و جوانبها السلبية و طمس انتصاراتها و جوانبها الإيجابية. هذه الحقائق ككلها هي التي تجعل التوضيح الشامل ضرورة ملحة، لذلك كان الاعتبار الأول في وضع مشروع التقرير المذهبي هو تحديد هويتننا الإيديولوجية بدقة و وضوح، و على أساس تحليل شامل للواقع الحي منذ شهر في القاعدة و الذي سوف يحدد المؤتمر من خلاله الإطار المذهبي لجميع خططنا الاستراتيجية و تصرفاتنا التكتيكية.
إن وضوح الإطار الإيديولوجي و معه مسيرة النضال و التحرير و البناء يعني تحديد المقاييس للحكم على المواقف التكتيكية، و التمييز بين الانتصارات و الاخفاقات. إنه يجعلنا نطرح القضايا بعمق و هدوء، و نولي الأسبقية للمضمون على الشكل و الحماس.
إن طرح نظرتنا الشمولية للواقع و المستقبل، و تحديد هويتنا الإيديولوجية بدقة و وضوح، لا يعنيان رفض الحلول المرحلية و الأحلاف الاستراتيجية أو التكتيكية حول نقط و نضالات محددة، بل بالعكس، فإن وضوح الرؤيا و الأفق هو الذي يعطي مدلوله و مغزاه لكل موقف و إجراء، و يمكننا من معرفة التنازلات التي قد تعزز حركة التحرير أو قد تحطمها في المدى البعيد.
هذه بديهية من بديهيات الفكر الاشتراكي، الشيء الذي جعلنا، منذ البداية، نؤكد بأن الاشتراكية واحدة كمنهجية و كهدف. و بأننا لا نزعم الإتيان بإيديولوجية جديدة و لا باشتراكية خاصة و منفردة. و مع ذلك فإن الاكتفاء بالإعلان عن انتماء حزبنا للاشتراكية العلمية كمنهجية قد يؤدي إلى عكس ما نريده، قد يؤدي إلى عكس ما نريده، قد يؤدي إلى الزيادة في الخلط و إلى المساعدة على ترويج الشعارات المجردة و المفروغة من مدلولها.
لذلك يجب أن نعرض الاعتبار الثاني الذي انطلقنا منه في تحرير مشروع التقرير المذهبي، و هو رفع كل لبس حول معنى و مدلول الاشتراكية العلمية بالنسبة إلينا.
االاعتبار الثاني : اقتناء الاشتراكية العلمية كمنهجية للتحليل و النضال دون مركب، و مع رفض النماذج المجردة و تقليد التجارب الأجنبية
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
إن طرح النظرة الشمولية و المنسجمة من أجل التحرير و التغيير لصالح الكادحين، يبقى شعارا ديماغوجيا إذا ما انطلقت من نبذ المفاهيم المجردة التي ينبني عليها الفكر البورجوازي الرجعي، و ذلك يقتضي التفكير بأيديولوجية الكادحين و الانتباه إلى طبيعة الأساليب الجديدة التي تستعملها الرجعية في التضليل، و خاصة استعمالها الشعارات التقدمية و المصطلحات الاشتراكية المفروغة من محتواها العملي و الجدلي.
إن خدمة الجماهير الشعبية، و خدمة الحقيقة، و الحقيقة وحدها، مهما كانت الظروف و الاعتبارات الوقتية، كل ذلك يقتضي الاعتماد على الفكر الشمولي و العلمي، يقتضي الانطلاق من مبادئ الاشتراكية العلمية، علينا أن نأخذ بكل اعتبار و بكل وضوح، ودون مركب و دون التواء، نفوذ الفكر الرجعي، لا نرضخ له بل لنواجهه و نفضح أساليب النفاق و التضليل و التهديد، تلك الأساليب التي تعودت الطبقات المستغلة على استعمالها و فرضها.
إن هذه الوثيقة اليوم، لا تزال تكتسب راهنيتها الأصيلة، ولا تزال نبراسا لكل الجسم السياسي المغربي وفي مقدمته العائلة الإتحادية. ذلك أنها تتضمن تفاصيل غاية في الأهمية حول صناعة القرار السياسي المغربي، لا تزال تفيد على أكثر من صعيد. وعملية اغتيال وتصفية الشهيد عمر بنجلون إما هي آتية من أن الرجل كان يصدر عن وعي سياسي واضح المعالم، منخرط في ترجمة التحول الديمقراطي والنضالي للقوى الحية بالبلاد، وممتلك لعزيمة صلبة لعدم التنازل عن التوابث في صنع الغد الأفضل للمغرب والمغاربة..
هي وثيقة حية إذن، لا تذبل فيها قيم الرونق السياسي والإتساق والوضوح والقوة، وهي بذلك كلمة لا تزال تعنينا مغربيا على أكثر من صعيد..
بقلم الشهيد عمر بنجلون
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
إن القرار بتحضير و عقد هذا المؤتمر الاستثنائي، كان تعبيرا عن اختيار جوهري و شامل. فبالرغم من القيود المفروضة على حزبنا، و من وجود مئات من المناضلين في المعتقلات المعروفة و المجهولة، قرر الاتحاديون بصفة جماعية استئناف العمل على تطبيق القرارات و الاختيارات التي سبق أن حددوها قبل حوادث مارس 1973.
و كانت الأعمال التحضيرية لهذا المؤتمر، انطلاقة فعلية في عملية توضيحية شاملة في المجال الإيديولوجي، و السياسي و التنظيمي، و يمكننا بكل اعتزاز أن نؤكد :
* بأن جميع المشاريع المطروحة على المؤتمر كانت ثمرة العمل الجماعي و النقاش الديمقراطي على مستوى القيادة و القاعدة.
* و بأن المؤتمرين ليس فقط منتدبين من القاعدة على أساس مقاييس نوقشت و حددت، و طبقت بصفة ديمقراطية، و إنما هم المعبرون عن آراء و ملاحظات جماعية كلفوا بتبليغها.
* و بأن مشروع التقرير المذهبي، الذي يحدد إطار استراتيجية الاتحاد و اختياراته الجوهرية، كان موضع نقاش في القاعدة منذ شهر.
يمكننا أن نؤكد بكل اعتزاز أن هذا المؤتمر، بالرغم من أنه مؤتمرا مؤتمر استثنائي حضر و عقد في ظروف استثنائية، هو مؤتمر القاعدة الاتحادية كلها، مؤتمر المناضلين الأوفياء كلهم، مؤتمر المناضلين الشاعرين بمسؤولياتهم التاريخية، مؤتمر استمرار حركة التحرير الشعبية ببلادنا.
إلا أن الاستمرار لا يعني الجمود في التفكير و الأساليب، انه استمرار النضال و جدلية النضال، في ظروف اقتصادية و اجتماعية و سياسية في تغيير دائم. و القوات الاجتماعية المتصارعة هي نفسها تغيير دائم مع ما يترتب عن ذلك من تقلبات في أشكال و ميادين الصراع اجتماعيا، و سياسيا، و إيديولوجيا.
إن الاتحاد الذي يعيش الصراع، بل و يشكل محور الصراع عاش منذ تأسيسه تغييرات جذرية من حيث قاعدته الاجتماعية، و تنظيماته، و اختياراته المذهبية، و هذا إن على شيء، فإنما يدل على أن الاتحاد يشكل تجسيدا حيا للتطورات التي طرأت على المجتمع المغربي، و على مطامع الجماهير الشعبية من عمال، و فلاحين، و حرفيين، و مثقفين.
و إذا كانت هناك تناقضات مازال الاتحاد يحملها في صفوفه، فإننا نعتز بها، لأنها تناقضات تحملها حركة تاريخية غير مختلقة، حركة تضمن استمرار و تقوية النضال التحريري الذي يخوضه شعبنا منذ 70 سنة، حركة يحضر مؤتمرها الفلاح الذي قاوم توغل جيوش الاحتلال في الربع الأول من القرن، و العامل الذي حمل السلاح للإطاحة بنظام الحماية، و الشباب الذي يناضل الآن من أجل التحرير و البناء الاشتراكي.
فالذي يجمع بين هؤلاء، ليس مجرد اندفاع عاطفي، و لا مجرد وفاء لماضي قريب أو بعيد. إن الذي يجمع بينهم هو النضال الملموس الذي لا يتحقق بالكلام و الشعارات، و إنما بالتعبئة مع قبول كل التضحيات التي يقتضيها النضال الفعلي الملموس.
إن الذي يجمع بين هؤلاء المناضلين، هو استمرار المسلسل الثوري الذي فجرته الجماهير، و الذي تم إجهاضه و تحريفه بحلول الاستعمار الجديد سنة 1956. إن الذي يجمع بينهم هو فكر و عزيمة مشتركة على أسس ثلاثة :
1- إرادة تصفية الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الشبه الاستعمارية التي أطلق عليها لقب "التخلف".
2- الوعي بأن تصفية هذه الهياكل لا يمكن أن تتم إلا بالحل الاشتراكي، هذا الحل الذي لا يمكن أن يطبق إلا بالاعتماد على الجماهير، و بالتالي لا يمكن أن يطبق إلا بالتصميم الاشتراكي مع ما يقتضيه من مؤسسات ديمقراطية شعبية تحدد الاختيارات، و تسهر على تنفيذها بتعبئة الجماهير، و بجهاز دولة خاضع لارادة الجماهير على المستوى المحلي، و الجهوي، و الوطني.
3- بلورة هذه الإرادة و هذا الوعي في تنظيمات حزبية فعالة، قادرة على تعبئة الجماهير، تعيش و تنمو بممارسة مبدأ المركزية الديمقراطية و بكيفية تجعل منها أداة لتحقيق الأهداف، و كذلك نموذجا و مثالا للمجتمع الذي نعمل من أجل تشييده ببلادنا.
هذه هي المنطلقات التي تجمع بين المناضلين بمختلف أصنافهم و سنهم. هذا الاتجاه هو الذي يعبر عنه مشروع التقرير المذهبي الذي ناقشته القاعدة منذ شهر، و تعبر عنه استراتيجية الاتحاد في المرحلة الراهنة، و تعبر عنه التغيرات المقترح إدخالها على القانون الأساسي للاتحاد و التطورات التي عرفتها تنظيمات الاتحاد، و تعبر عنه كذلك مختلف التقارير الفرعية المعروضة على لجان المؤتمر و التي تطرح الحلول كما يراها الاتحاد في المدى القريب، في الميدان الاقتصادي و الاجتماعي و الفلاحي، في ميدان الثقافة و التعليم و الشباب.
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
نعم، إن تحضير وعقد مؤتمرنا هذا، يشكلان انطلاقة حاسمة في عملية توضيحية تشمل جميع مجالات حياة شعبنا. عملية توضيحية شاملة تضع حدا لكثير من التساؤلات و تحبط كثيرا من مناورات التزييف و التضليل في هذا الظرف الدقيق الذي يعيشه شعبنا المهدد بالمجاعة في الشهور القليلة المقبلة، و الذي لم يبق لديه إلا الدعاء من أجل المطر.
و في إطار هذه العملية التوضيحية، حررت اللجنة التحضيرية للمؤتمر، مشروع التقرير المذهبي الذي ناقشته القاعدة و الذي سوف تناقشه اللجنة الإيديولوجية للمؤتمر على أساس الملاحظات و الاقتراحات الواردة من الخلايا، و الفروع و الأقاليم. لذلك فلا حاجة في قراءته أمامكم، خصوصا و أن اللجنة التحضيرية حضرت وثيقة توضيحية مطولة أخرى في شكل دروس مفصلة سوف يتوصل بها كل إقليم لإقامة مدرسة تكوينية بمساعدة الإطارات الحزبية.
إلا أن اللجنة التحضيرية ارتأت أن تكلف مقررها بأن يعرض أمام كافة المؤتمرين الاعتبارات التي وضعتها نصب أعينها عندما حررت مشروع التقرير المذهبي.
* فالاعتبار الأول : يتعلق بالأسباب و التساؤلات التي نحن ملزمون بالجواب الواضح عليها، كحركة اشتراكية تعمل من اجل تعبئة طاقات المستقبل في ظروف و في قطر يسود فيه انعدام المقاييس و تطغى عليه أساليب الخلط و التضليل.
* و الاعتبار الثاني : يهم منهجية و كيفية طرح المشاكل و الحلول، أي قضية المفاهيم و الأسلوب العلمي في التحليل، و نعني بذلك أسلوب التحليل التاريخي و الجدلي، الشيء الذي يلزمنا بتوضيح ما نسميه بالاشتراكية العلمية و التأكيد على أننا لا نرى تناقضا، بل نرى تكاملا مثمرا بينها و بين المبادئ و التقاليد التقدمية لحضارتنا العربية الإسلامية.
* و الاعتبار الثالث : المستخلص من الاعتبارين السابقين، يتعلق بضرورة رفع كل لبس و إبهام حول نوعية المجتمع الاشتراكي الذي نطمح إلى بنائه، و خصوصية هذا المجتمع، و الارتباط الوثيق بين التحرير، و النمو، و الديمقراطية، و البناء الاشتراكي كجوانب من استراتيجية واحدة شاملة، و كذلك الارتباط بين الأهداف و بين طرق و وسائل تحقيقها.
هذه هي الاعتبارات التي يجب توضيحها بإيجاز لأنها لا تفسر شكل و مضمون و مشروع التقرير المذهبي فقط، و إنما تشكل منطلق جميع التقارير و المقترحات المعروضة على المؤتمر.
الاعتبار الأول : ضرورة نظرة واضحة شاملة كمنطلق و إطار لجميع مخططاتنا الاستراتيجية و تصرفاتنا التكتيكية
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
إن الاتحاد لا يزعم الإتيان بإيديولوجية جديدة، أو باشتراكية خاصة قد يطلق عليها نعت من النعوت. إن الاشتراكية واحدة، كمنهجية و كهدف، قوامها الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج و التبادل، يتصرف فيها المنتجون بواسطة تنظيماتهم و جهاز الدولة الذي يكون في خدمتهم و تحت مراقبة تنظيماتهم الحزبية و المهنية.
و كل ما عدا ذلك، ما هو إلا تضليل و خلط، باعتبار أن التضليل و الخلط يشكلان نوع أساسيا من أنواع القمع الذي تمارسه الرجعية و الطبقات المستغلة. إن التضليل لسلاح فعال لديها في مواجهة حركات التحرير الشعبية، سلاح يمكنها أولا و قبل كل شيء من إخفاء هويتها الحقيقية و دورها الحقيقي و من إخفاء الأسباب العميقة و القارة في قمع و مطاردة المناضلين.
إن الاعتبار الأول هو، إذن، ضرورة التوضيح الشامل لطبيعة و خصوصية الصراع الاجتماعي و السياسي في ظروف ما يسمى بالتخلف، و محاربة التخلف، و النمو و غير ذلك من الشعارات التي فرضت نفسها على بلدنا مع الثقافة و المفاهيم التي غرسها، و مازال يغرسها، مفكرو الإمبريالية، فنيوها.
إن هؤلاء المستشارين هم الذين يزودون الرجعيات المحلية بالشعارات و الوسائل التضليلية المختلفة، و يملون عليها الحلول المناسبة لكل ظرف، ليضمنوا استمرار المصالح الاستعمارية و الأساسية، و إبقاء أقطارنا مندمجة في نظام الاستغلال العالمي.
و الآن، و قد دخل هذا النظام في طور الانهيار، بتفاقم أزمة الطاقة و التضخم المالي، و بفضل الضربات التي تلقاها من حركة التحرير الشعبية في القارات الثلاث، نرى المسؤولين في المغرب يدقون ناقوس الخطر، و ينبهون إلى عدم حرية التصرف الخارجي التي نسميها باسمها الحقيقي منذ 15 سنة، نسميها التبعية.
و لكن الحلول التي يلجؤون إليها، ما هي إلا تدابير تابعة لتقلبات السوق العالمية كما هو الشأن منذ 1960، منذ أن أجهضوا محاولة التحرير الاقتصادي و أوقفوا تغيير الهياكل الاقتصادية، و أجهزة الدولة. هناك إذن إصرار على الاستمرار في خطة ما يسمى بالليبرالية و بالمغربة، أي تركيز الهياكل الاقتصادية الاستعمارية بتركيز أو خلق طبقة مغربية تحل محل الرأسماليين و المعمرين الأجانب.
و في هذا الاتجاه، فإن التأميمات، و اتساع القطاع العمومي و الشبه العمومي، لا تعني رجوع قطاعات من الإنتاج و التبادل إلى الأمة. لأن جهاز الدولة ليس في خدمة الأمة، و إنما في خدمة الذين يركزون هياكل منافية لمصلحة و تحرير الأمة من الاستعمار الجديد. إن تولي الدولة قطاعات واسعة في الإنتاج، و التصرف، و المبادلات، يدل في الحقيقة عن عجز البورجوازية على تحمل مخاطرات الإنشاء و التصنيع و استعمالها الدولة و القطاع العمومي كأداة تسير تجارتها و منشآتها المتأخرة، و كوسيلة تضع رهن إشارتها أموال و ممتلكات الأمة.
لذلك، فإن مشروع التقرير المذهبي ركز الانتباه على كل المفاهيم المتعلقة بما يسمى بالتخلف، و حلل طبيعته و مصادره الحقيقية بكيفية تزيل اللبس و الإبهام حول الحلول التي يقترحها الآن فنيو الإمبريالية أنفسهم مثل الإصلاح الزراعي، و التأميمات و العدالة الاجتماعية، مادامت طبيعة الإنتاج لا تتغير، و مادامت دواليب الإدماج في النظام الاستغلالي العالمي تتعزز، لأن التبعية لا يمكن إلا أن تتعزز.
إن مشروع التقرير يهدف من خلال هذا التحليل إلى إبراز الوحدة الحتمية بين تعزيز دواليب التبعية، و بين تصاعد سرعة التدهور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي للجماهير الشعبية. و أمام هذه الحقيقة التي يعرفها و يعيشها الجميع، نرى المواقف منذ 15 سنة لا تعبر إلا عن الحسابات السياسية و التكتيكية.
* هناك من يسطر البرامج المتمثلة في قائمة الطلبات دون الربط بين الأهداف ببعضها و دون التعريف بالوسائل و الطرق التي يراها ناجعة لتحقيق هذه الأهداف.
* و هناك من لا يميز ببين الوطنية، و بين مغربة الاقتصاد، في حين أنه يطالب بالعدالة الاجتماعية.
* و هناك من يرفع منذ 10 سنوات شعار "التغيير الجذري للهياكل الاقتصادية و الاجتماعية لصالح الجماهير" دون أن يوضح المضمون العلمي هذا التغيير، لاسيما و أنه يرفض مسبقا أن تشارك الجماهير في انتخاب المؤسسات التي قد تحدد مضمون هذا التغيير و طبيعة الهياكل و الإصلاحات الجذرية المزعومة.
* و هناك من يكتفي بترديد نفس الشعار، و الإشادة بالدور الطلائعي التاريخي للطبقة العاملة، دون الكلام عن الكيفية العملية، و النضالات الفعلية التي قد تعطي مدلولا ملموسا لهذه الشعارات.
* و هناك من يدعو إلى الواقعية باسم الاشتراكية العلمية، واقعية تنتهي إلى تكرار نفس الشعارات و الخطط رغم تغيير الواقع و معه ظروف و معطيات الصراع الاجتماعي و السياسي.
هكذا استمرت المواقف و البرامج و الشعارات المبنية على التحليل المجرد، على تفكير و استراتيجيات سياسية تحاول التكيف مع تغيرات الأوضاع السياسية العابرة. و الحقيقة أن هذا الخلط راجع في الأصل إلى انعدام المقاييس، و تعود القيادات السياسية منذ بداية الاستقلال على ممارسة الصراع السياسي في شكل البلاغات و التجمعات الإخبارية، و الاكتفاء بالشعارات الدعائية على المستوى الجماهيري. و هكذا بقيت التوعية أسلوبا منعزلا عن النضال الفعلي بحيث ينتهي الأمر عمليا إلى تركيز أساليب برلمانية بدون برلمان، و إلى الكلام عن التمثيلية بدون مقاييس و مؤسسات تمثيلية.
لكن مخزنة أجهزة الدولة استمرت في نفس الوقت بجميع نتائجها، مع جدلية الصراع الطبقي، و جدلية الأحداث و الواقع المادي الملموس الذي تعيشه الجماهير الشعبية و الذي لا يقبل التحليلات المجردة كانت نزيهة أو مغرضة. و من جملة الجماهير الشعبية، هناك الشباب بصفة خاصة، الذي لا يهمه الماضي، و نضال الماضي، و إنما يهمه واقعه و مستقبله الذي يراه مظلما.
و الشباب بطبيعته، كان أميا أو مثقفا، يرفض التعقيد و الغموض و الالتواء، و يطمح إلى الوضوح و إلى فكرة شاملة و منسجمة، فكرة لا تبرر الواقع و الإخفاق، و إنما تعبر عن الواقع، و عن الحلول الضرورية من اجل تغييره. انه متعطش إلى الانسجام الفكري، و يبحث عنه، بحيث نرى طاقاته تتجه :
* إما نحو نماذج اشتراكية مجردة و تقليد تجارب الشباب الأوربي الثائر، و ذلك باسم الماركسية اللينينية.
* و إما نحو البحث عن نموذج المدينة الفاضلة في عهد عمر بن الخطاب و الانغماس في الطرقية و الصوفية التي يصرف فيها يأسه و طاقته.
* و إما نحو اللامبالاة و موقف المتفرج اليائس من جميع المنظمات الوطنية التقدمية التي لا يهمه ماضيها و مبرراتها، و إنما النتائج الملموسة التي ينتظرها من عملها.
إن موقف هذه الفئات من شبابنا، ما هو إلا التعبير الظاهر عن وضعية و رغبة عميقة تسود جماهير شعبنا، من عمال نسف الجهاز البيروقراطي تنظيماتهم النقابية، و مازال يشل و يجهض نضالاتهم، و من فلاحين تقمعهم أجهزة السلطة لتحقيق إصلاحها الزراعي لفائدة المعمرين المغاربة، و من موظفين صغار و تجار صغار ينتظرون إيجاد شغل فعلي بأجرة قارة.
هؤلاء جميعا متعطشون للوضوح، و للنظرة المنسجمة حول الأسباب و الحلول و الوسائل، إنهم جميعا يطمحون بشكل تلقائي إلى الاشتراكية كنظام اجتماعي، و لا يتخذون من الاشتراكية كفكر إلا جانبا النقدي، أما جانبها الإيجابي و العلمي فإنه يختلط بالتجارب الاشتراكية، و بالتجارب التي يطلق عليها نعت الاشتراكية، مع العلم أن الرجعية تركز دعايتها الدائمة على تشويه هذه التجارب و إبراز اخفاقاتها و جوانبها السلبية و طمس انتصاراتها و جوانبها الإيجابية. هذه الحقائق ككلها هي التي تجعل التوضيح الشامل ضرورة ملحة، لذلك كان الاعتبار الأول في وضع مشروع التقرير المذهبي هو تحديد هويتننا الإيديولوجية بدقة و وضوح، و على أساس تحليل شامل للواقع الحي منذ شهر في القاعدة و الذي سوف يحدد المؤتمر من خلاله الإطار المذهبي لجميع خططنا الاستراتيجية و تصرفاتنا التكتيكية.
إن وضوح الإطار الإيديولوجي و معه مسيرة النضال و التحرير و البناء يعني تحديد المقاييس للحكم على المواقف التكتيكية، و التمييز بين الانتصارات و الاخفاقات. إنه يجعلنا نطرح القضايا بعمق و هدوء، و نولي الأسبقية للمضمون على الشكل و الحماس.
إن طرح نظرتنا الشمولية للواقع و المستقبل، و تحديد هويتنا الإيديولوجية بدقة و وضوح، لا يعنيان رفض الحلول المرحلية و الأحلاف الاستراتيجية أو التكتيكية حول نقط و نضالات محددة، بل بالعكس، فإن وضوح الرؤيا و الأفق هو الذي يعطي مدلوله و مغزاه لكل موقف و إجراء، و يمكننا من معرفة التنازلات التي قد تعزز حركة التحرير أو قد تحطمها في المدى البعيد.
هذه بديهية من بديهيات الفكر الاشتراكي، الشيء الذي جعلنا، منذ البداية، نؤكد بأن الاشتراكية واحدة كمنهجية و كهدف. و بأننا لا نزعم الإتيان بإيديولوجية جديدة و لا باشتراكية خاصة و منفردة. و مع ذلك فإن الاكتفاء بالإعلان عن انتماء حزبنا للاشتراكية العلمية كمنهجية قد يؤدي إلى عكس ما نريده، قد يؤدي إلى عكس ما نريده، قد يؤدي إلى الزيادة في الخلط و إلى المساعدة على ترويج الشعارات المجردة و المفروغة من مدلولها.
لذلك يجب أن نعرض الاعتبار الثاني الذي انطلقنا منه في تحرير مشروع التقرير المذهبي، و هو رفع كل لبس حول معنى و مدلول الاشتراكية العلمية بالنسبة إلينا.
االاعتبار الثاني : اقتناء الاشتراكية العلمية كمنهجية للتحليل و النضال دون مركب، و مع رفض النماذج المجردة و تقليد التجارب الأجنبية
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
إن طرح النظرة الشمولية و المنسجمة من أجل التحرير و التغيير لصالح الكادحين، يبقى شعارا ديماغوجيا إذا ما انطلقت من نبذ المفاهيم المجردة التي ينبني عليها الفكر البورجوازي الرجعي، و ذلك يقتضي التفكير بأيديولوجية الكادحين و الانتباه إلى طبيعة الأساليب الجديدة التي تستعملها الرجعية في التضليل، و خاصة استعمالها الشعارات التقدمية و المصطلحات الاشتراكية المفروغة من محتواها العملي و الجدلي.
إن خدمة الجماهير الشعبية، و خدمة الحقيقة، و الحقيقة وحدها، مهما كانت الظروف و الاعتبارات الوقتية، كل ذلك يقتضي الاعتماد على الفكر الشمولي و العلمي، يقتضي الانطلاق من مبادئ الاشتراكية العلمية، علينا أن نأخذ بكل اعتبار و بكل وضوح، ودون مركب و دون التواء، نفوذ الفكر الرجعي، لا نرضخ له بل لنواجهه و نفضح أساليب النفاق و التضليل و التهديد، تلك الأساليب التي تعودت الطبقات المستغلة على استعمالها و فرضها.
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
رد: الاتحاد الاشتراكي 1959-1975-2009
و لا طريقة لذلك إلا تحديد هوية أصحاب هذه الأساليب، هويتهم من حيث المصالح الملموسة و موقعهم في نظام الاستغلال محليا و عالميا، انهم يمنحون لأنفسهم دور المدافع عن التراث و التقاليد المزعومة و الناطق باسم عقيدة جماهير شعبنا المؤمن المسلم ? إلا أنهم في ذات الوقت لا يرون أشكالا في طموحهم و طموح البورجوازية إلى "مغربة الاقتصاد" أي إلى الحلول محل المعمرين الأجانب في استغلال الأرض و الجماهير التي يدعون حمايتها ضد الأفكار المستوردة من الخارج.
إن الرجعية ببلادنا تستورد و تتبنى دون حرج و أشكال مفاهيم و مقولات الفكر البورجوازي الأوربي، و تقلد مظاهر الحضارة الغربية باسم التقدم و المعاصرة. و لا تنظم هجوماتها ضد الأفكار و المفاهيم المستوردة من العالم الغربي نفسه، و الحضارة الغربية نفسها، إلا عندما تكون أفكار و مفاهيم إيديولوجية الكادحين، و تنظم هجوماتها هذه باسم الأصالة و القيم الدينية. إن شعبنا يعيش نتائج و ملابسات هذا النفاق و هذه الخطة المزدوجة منذ 30 سنة، و لقد جاء وقت إبراز الحقائق الملموسة، لأن المعرفة لم تبق احتكارا لخدام البورجوازية، فالقضية ليست قضية أصالة أو معاصرة، و لا قضية أفكار مستوردة أو مصدرة، و إنما هي قضية الصراع بين إيديولوجية المستغلين و بين إيديولوجية الكادحين في الداخل و الخارج.
و إيديولوجية الكادحين، هي الاشتراكية العلمية بوصفها منهجية التحليل و الدرس المنطلق من الواقع الحي و الملموس، إنها علم الحركة و التغيير الذي يرفض إخضاع الواقع الحي للنماذج الفكرية المسبقة و الجامدة. هذا ما نعنيه بالاشتراكية العلمية كمنهجية لتحليل المجتمع و تناقضاته و تغييراته لا كفسلفة و محاولة لتفسير الكون، و لا كمجموعة من النصوص التي تسرد حسب الظروف و تفسر كأنها نصوص من الفقه و القانون. فالاعتماد على الاشتراكية في التحليل و النضال يعني بالنسبة إلينا أن تجارب الدول الاشتراكية المختلفة تبقى مجرد تجارب ندرسها و نستفيد منها باعتبارها تجارب تمت في ظروف محلية و تاريخية معينة.
ذلك أننا نرفض النماذج المسبقة و تقليد التجارب التي لا صلة لها بظروفنا و واقعنا، كما نرفض كل تحديد لهويتنا الإيديولوجية و السياسية بالمقارنة أو الإشارة إلى تجربة معينة أو قطر اشتراكي معين. نرفض تلك المجادلات التي انتهت إلى تجزئة الحركات التقدمية.
و لا نكتفي بالرفض، و إنما اعتمدنا على المنهجية الاشتراكية للقيام بتحليل تاريخ التغييرات الخاصة ببلادنا و بمجتمعنا منذ بداية التوغل الاستعماري، و بذلك تمكنا من إبراز حقيقة و مصادر ما يسمى بالتخلف بكيفية تجعل من أعمال مؤتمرنا مساهمة في إغناء الفكر التحرري و الاشتراكي.
نعم، لقد أبرزنا :
* من جهة، حقيقة عدة مفاهيم رجعية مازالت مقبولة كبديهيات و مقولات علمية.
* و من جهة أخرى، عدم جدية بعض النماذج الثورية المزعومة، التي تردد باسم الاشتراكية العلمية، مثل شعار الثورة الديمقراطية و الوطنية.
إن الجماهير تريد الاشتراكية، لأن شعار الليبرالية الكاذب ظهرت حقيقته و نتائجه من خلال التجربة، كما اتضحت هوية أصحابه كخدام لنظام التبعية، و كمستفيدين من التبعية و كأعداء للتحرير الحقيقي الذي يعني عمليا تصفية مصالحهم. فاختيارنا الاشتراكي هو تعبير عن إرادة الجماهير المتبلورة من خلال جدلية النضال، و من خلال التغييرات التي طرأت على حركة التحرير الشعبية نفسها.
إن المناضلين الذين ضمنوا و يضمنون استمرار حركة التحرير الشعبية هم الممثلون الحقيقيون لأصالة شعبنا. و تقاليده الحقيقية، تقاليد اليقظة و المبادرة و التضحية ضد كل محاولات الاحتلال منذ قرون، تقاليد الدفاع عن كياننا كأمة و حضارة عربية إسلامية، ربطت دوما مواجهة الاحتلال الأجنبي بمواجهة أنواع الاستبداد. فبالنسبة للشعب ليس هناك أي تناقض بين الأصالة و المعاصرة، لأن الفكر الاشتراكي ينطلق من الوطنية التقدمية المتجهة نحو المستقبل، و ينبذ الوطنية الرجعية المتجهة نحو الماضي. إن التراث ليس مجموعة من المحفوظات المرتبة المتراكمة، و إنما هو الواقع الحالي، الواقع الحي الذي يجسد خلاصة حركة التاريخ. إن التراث هو ما تحمله جماهير شعبنا من طاقات متفجرة، و مطامح نحو العدل و الإنصاف و قيم سامية ترفض العبودية و الانحطاط. إن التراث هو طاقة التغيير و إرادة التحرير، هو تقاليد متمثلة في ردود الفعل الجماعية و اليقضة و المبادرة التي مازالت حية في صفوف شعبنا.
هذه هي الخلاصة الأولى التي ينتهي إليها الاعتماد على منهجية الاشتراكية العلمية دون مركب و دون التواء و خدمة الحقيقة و الحقيقة وحدها.
إلا أن هناك خلاصة أخرى نعتبرها أساسية و حاسمة، هي أن جميع التعقيدات و أسباب الخلط، راجعة إلى ازدواج الاستلاب الذي يعاني منه الإنسان المغربي، بل و الإنسان في جميع الأقطار المسماة بالمتخلفة. فزيادة على استلاب الفرد من جراء علاقات الإنتاج الرأسمالية، هناك الاستلاب الجماعي أمتنا ككيان و حضارة و ثقافة، استلاب المجتمع ككل منذ أن تم إخضاع الأرض و من عليها لمتطلبات إرساء و نمو الاقتصاد الاستعماري.
و بالتالي فإن التحرير لا معنى له عمليا إلا بالحلول الرامية إلى إنهاء هذين الاستلابين معا في استراتيجية واحدة و في مسلسل شامل واحد. هذا هو الاعتبار الثالث الذي وجه إعمال اللجنة التحضيرية لمشروع التقرير المذهبي، اعتبار الارتباط الجدلي بين النمو و التحرر و الديمقراطية و البناء الاشتراكي. إن النظرة إلى حلول المستقبل ما هي في الحقيقة إلا مجموعة النتائج المنطقية للتحليل التاريخي.
الاعتبار الثالث : استراتيجية شاملة معتمدة على الارتباط و التساوي بين التحرير و النمو و الديمقراطية و البناء الاشتراكي من أجل تشييد مجتمع و حضارة اشتراكية مطابقة لخصوصية شعبنا
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
إن إبراز حقيقة التخلف انتهى بنا إلى التأكيد على حقيقة أساسية تهم طبيعة و دور جهاز الدولة. و باختصار فإن جهاز الدولة ليس بنية فوقية، وليدة المجتمع المغربي و تطوراته، و إنما هو بالعكس جهاز التسيير و القمع الذي غرسته الدولة المستعمرة من الخارج لإخضاع الأرض و من عليها لمتطلبات إقامة الاقتصاد الاستعماري المسمى الآن بالقطاع العصري. بل و إن الدولة الوهمية التي احتفظت بها الحماية كواجهة انتهت في يوم واحد عند الإعلان عن الاستقلال. و رأينا جهاز الإدارة و القمع يتمغرب و يتضخم و يبحث عن قوانين 1935 و 1939 لمواجهة الحركة الوطنية و التقدمية، لأنه رجع إلى مهمته الأصيلة بأساليبه الأصلية.
و حدث ذلك منذ إجهاض التصميم الخماسي الأول، الذي كان محاولة في التحرير الاقتصادي الفعلي، و الذي ينص على ضرورة تغيير هياكل الدولة كشرط إلزامي لتغيير هياكل الاقتصاد. ذلك لأن جهاز الدولة ليس بنية فوقية، و إنما هو جزء لا يتجزأ من الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية الاستعمارية. هذا ما تؤكده التجارب الملموسة بحيث رأينا :
إن إقبار سياسة التحرير الاقتصادي اقترن بإقبار مشروع إقامة المؤسسات الديمقراطية. و إن سير الجهاز و مهمته لا يقبلان وجود مؤسسات تمثيلية، لا يقبلان النقاش و المراقبة، لأنه جهاز أقيم في الأصل لمراقبة المخزن و لإخضاع المجتمع المغربي لا لتمثيله و لخدمته.
إن مبادئ و مفاهيم الديمقراطية الأوربية تفقد معناها، لأنها ديمقراطية وليدة النظام الرأسمالي ككل، بقاعدته المادية و تكنولوجيته و قيمه الأخلاقية، و مؤسساته السياسية و الثقافية. إن النظام الرأسمالي، انطلق منذ البداية الصناعة الآلية و من صناعة وسائل الإنتاج.
فانعدام الصناعة السياسية في بلادنا، هو الذي يجب أن يكون منطلق التبعية الاقتصادية و التقنية بجميع نتائجها الاجتماعية و السياسية و الثقافية. فانعدام الصناعة الأساسية هو الذي يجعل كل قطاع من حياتنا مرتبطا مباشرة بالسوق الخارجية مع النتائج المعترف بها الآن رسميا.
إن هذه الحقيقة لا تنفصل عن طبيعة و دور جهاز الدولة و اتجاهه في كل قطر متخلف تسيره البورجوازية و الإقطاعية مهما كان شكل نظامه السياسي. لذلك فإن التحليل الشمولي، ينتهي حتما إلى الاستراتيجية الشمولية في التحرير و البناء المعروضة في مشروع التقرير المذهبي بجميع التفاصيل و التعليلات.
و لنكتف بالتنبيه إلى أن الوطنية الصادقة، يجب أن تقبل و تدعو على الأقل إلى الحلين اللذين لا مناص منهما في سياسة تحرير اقتصادي حقيقي : بناء الصناعة الأساسية التي سوف تكون محور الاقتصاد الوطني، و تحكم الدولة في جميع أصناف و دواليب التجارة الخارجية. و معنى ذلك أن التحرير الاقتصادي و النمو الاقتصادي هما شيء واحد.
لكن هذا النمو و التحرير يقتضيان اعتماد الشعب المغربي على نفسه أولا و قبل كل شيء، و قبول التضحيات التي يستلزمها بناء صناعة ثقيلة، و لا يمكن أن يقبل الشعب تضحيات إضافية إلا إذا علم مسبقا أنها لصالحه، الشيء الذي يقتضي إصلاحات جذرية من حيث توزيع الأرض و الخيرات، و علاقة جهاز الدولة بالسكان.
أضف إلى ذلك أن عدم الاعتماد على القروض الأجنبية يقتضي استعمل الطاقة المتوفرة محليا، و هي الطاقة البشرية، طاقة الجماهير الواجب تجنيدها في مهام البناء و التشييد و التغيير. و لا يمكن أن تتعبأ إلا إذا علمت مسبقا أنها تنجز تلك المهام لصالحها، الشيء الذي يقتضي إشراكها في اتخاذ القرارات و تنفيذها.
و هذا يعني استحالة الفصل بين التحرير و النمو و بين ضرورة الديمقراطية بشرط أن لا تقتصر عليا إقامة سلم من المؤسسات التمثيلية مواز لسلم جهاز الدولة كما هو الآن. إنها ديمقراطية المساهمة المباشرة للجماهير في مهام ملموسة ديمقراطية تقتضي تغيير هياكل الجهاز الإداري و علاقته بالمواطنين. و معنى ذلك تغيير طبيعة و مهمة جهاز التسيير و القمع و جعله أداة خاضعة للشعب على جميع المستويات، عوضا عن كونه جهازا يخضع المجتمع لحاجيات السوق الأجنبية.
و يبقى أن بناء الصناعة الأساسية، و تحك الدولة في التجارة الخارجية، و تغيير هياكل و طبيعة جهاز الدولة و علاقته بالمواطنين، و نهج ديمقراطية التعبئة مع الإجراءات و الإصلاحات التي تقتضيها، كل ذلك لا يمكن أن يتم تلقائيا. إن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالتصميم الاشتراكي الذي يوضع بالطرق الديمقراطية انطلاقا من اختيارات تساهم الجماهير في تحديدها كما تساهم عمليا في تنفيذها.
إن التقرير يوضح بدقة نظرتنا إلى أهداف و أساليب البناء الاشتراكي انطلاقا من المعادلة الثلاثية التي تشكل نظرة شاملة تجعل من التحرير و النمو و الديمقراطية و البناء الاشتراكي جوانب مرتبطة و متساوية من استراتيجية واحدة تنفذ ككل و بصفة تدريجية.
فالديمقراطية بالنسبة إلينا وسيلة و غاية بوصفها ديمقراطية التعبئة من أجل البناء الاشتراكي، إن شعار ديكتاتورية البرروليتاريا أكل عليه الدهر و شرب في أوربا نفسها، بالإضافة إلى أن مشكل التصنيع و خلق بروليتاريا.
و يبقى الهدف من البناء الاشتراكي نفسه هدف إنهاء استلاب الفرد، و استلاب كياننا كحضارة و ثقافة. فالنمو الاقتصادي على الشكل الذي نراه في الدول النامية الرأسمالية و الاشتراكية لا يضع حدا لهذا الاستلاب المزدوج. لذلك يجب منذ البداية، منذ انطلاق مسلسل التحرير و البناء أن نعتبر خصوصيات مجتمعنا، و عناصر التغيير التي يتضمنها، و تقاليد العمل الجماعي، كما يجب أن تعتبر ضرورة إغناء التراث الحقيقي الذي تحمله الجماهير.
هذا هو معنى رفضنا للنماذج المسبقة، و تقليد التجارب. إن الغاية النهائية من البناء الاشتراكي هي تشييد مجتمع اشتراكي و حضارة لهما خصوصيتهما، تشييد هذا المجتمع المغربي مع تحرير و تغيير الإنسان المغربي.
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
إننا نعبر عن آمالنا، و تفاؤلنا و ثقتنا بمستقبل القوات الثورية، و بحتمية البناء الاشتراكي. إن الفكر التقدمي منطلقه و منتهاه التفاؤل، و إلا فلن يبقى مبرر للنضال. و لن يبقى كذلك مبرر للنضال اذا ادعينا احتكار الحقيقة. لذلك فلزوما أن نعتبر مجهودنا هذا بداية في التوضيح، و أن تبقى عقيدتنا متفتحة و قابلة للتغيير و الاستفادة من الدروس و التجارب.
أما حكاية المثالية و الواقعية، فإنها جزء من أساليب التضليل، هناك واقعية الاستسلام أمام الواقعية التي يريد المستغلون غرسها في ذهن الشعوب. و هناك الواقعية الثورية التي تعتمد على تحليل الواقع الحي و الملموس من أجل تغييره لصالح الشعوب.
هذه هي واقعيتنا ? هذه نظرتنا للواقع- و منطلق نظرتنا إلى طريقة و وسائل تغييره في أفق التحرير و البناء الاشتراكي هذا هو الإطار المذهبي لاستراتيجيتنا الواضحة. و في الأخير يبقى علينا أن نؤكد على أن التحليل العلمي و المقاييس الموضوعية ليست وحدها الحافز للنضال و لقبول تضحيات النضال هناك الجانب الذاتي، الجانب الإنساني، جانب الوفاء و التشبع بالأخلاق الثورية، جانب الاخوة و عدم التخلي عن الإخوان مهما كانت الظروف. إنه الجانب الذاتي. و لكنه الظاهرة التي يعتز بها و يختص بها الاتحاديون الأوفياء الأحياء منهم و الشهداء، الحاضرون منهم و الغائبون، الاتحاديون الحاملون للتراث الحقيقي، تراث حركة التحرير الشعبية ببلادنا. من خلال ممثليهم، من خلالكم أيها الاخوة المؤتمرون.
سلام عليهم جميعا.
إن الرجعية ببلادنا تستورد و تتبنى دون حرج و أشكال مفاهيم و مقولات الفكر البورجوازي الأوربي، و تقلد مظاهر الحضارة الغربية باسم التقدم و المعاصرة. و لا تنظم هجوماتها ضد الأفكار و المفاهيم المستوردة من العالم الغربي نفسه، و الحضارة الغربية نفسها، إلا عندما تكون أفكار و مفاهيم إيديولوجية الكادحين، و تنظم هجوماتها هذه باسم الأصالة و القيم الدينية. إن شعبنا يعيش نتائج و ملابسات هذا النفاق و هذه الخطة المزدوجة منذ 30 سنة، و لقد جاء وقت إبراز الحقائق الملموسة، لأن المعرفة لم تبق احتكارا لخدام البورجوازية، فالقضية ليست قضية أصالة أو معاصرة، و لا قضية أفكار مستوردة أو مصدرة، و إنما هي قضية الصراع بين إيديولوجية المستغلين و بين إيديولوجية الكادحين في الداخل و الخارج.
و إيديولوجية الكادحين، هي الاشتراكية العلمية بوصفها منهجية التحليل و الدرس المنطلق من الواقع الحي و الملموس، إنها علم الحركة و التغيير الذي يرفض إخضاع الواقع الحي للنماذج الفكرية المسبقة و الجامدة. هذا ما نعنيه بالاشتراكية العلمية كمنهجية لتحليل المجتمع و تناقضاته و تغييراته لا كفسلفة و محاولة لتفسير الكون، و لا كمجموعة من النصوص التي تسرد حسب الظروف و تفسر كأنها نصوص من الفقه و القانون. فالاعتماد على الاشتراكية في التحليل و النضال يعني بالنسبة إلينا أن تجارب الدول الاشتراكية المختلفة تبقى مجرد تجارب ندرسها و نستفيد منها باعتبارها تجارب تمت في ظروف محلية و تاريخية معينة.
ذلك أننا نرفض النماذج المسبقة و تقليد التجارب التي لا صلة لها بظروفنا و واقعنا، كما نرفض كل تحديد لهويتنا الإيديولوجية و السياسية بالمقارنة أو الإشارة إلى تجربة معينة أو قطر اشتراكي معين. نرفض تلك المجادلات التي انتهت إلى تجزئة الحركات التقدمية.
و لا نكتفي بالرفض، و إنما اعتمدنا على المنهجية الاشتراكية للقيام بتحليل تاريخ التغييرات الخاصة ببلادنا و بمجتمعنا منذ بداية التوغل الاستعماري، و بذلك تمكنا من إبراز حقيقة و مصادر ما يسمى بالتخلف بكيفية تجعل من أعمال مؤتمرنا مساهمة في إغناء الفكر التحرري و الاشتراكي.
نعم، لقد أبرزنا :
* من جهة، حقيقة عدة مفاهيم رجعية مازالت مقبولة كبديهيات و مقولات علمية.
* و من جهة أخرى، عدم جدية بعض النماذج الثورية المزعومة، التي تردد باسم الاشتراكية العلمية، مثل شعار الثورة الديمقراطية و الوطنية.
إن الجماهير تريد الاشتراكية، لأن شعار الليبرالية الكاذب ظهرت حقيقته و نتائجه من خلال التجربة، كما اتضحت هوية أصحابه كخدام لنظام التبعية، و كمستفيدين من التبعية و كأعداء للتحرير الحقيقي الذي يعني عمليا تصفية مصالحهم. فاختيارنا الاشتراكي هو تعبير عن إرادة الجماهير المتبلورة من خلال جدلية النضال، و من خلال التغييرات التي طرأت على حركة التحرير الشعبية نفسها.
إن المناضلين الذين ضمنوا و يضمنون استمرار حركة التحرير الشعبية هم الممثلون الحقيقيون لأصالة شعبنا. و تقاليده الحقيقية، تقاليد اليقظة و المبادرة و التضحية ضد كل محاولات الاحتلال منذ قرون، تقاليد الدفاع عن كياننا كأمة و حضارة عربية إسلامية، ربطت دوما مواجهة الاحتلال الأجنبي بمواجهة أنواع الاستبداد. فبالنسبة للشعب ليس هناك أي تناقض بين الأصالة و المعاصرة، لأن الفكر الاشتراكي ينطلق من الوطنية التقدمية المتجهة نحو المستقبل، و ينبذ الوطنية الرجعية المتجهة نحو الماضي. إن التراث ليس مجموعة من المحفوظات المرتبة المتراكمة، و إنما هو الواقع الحالي، الواقع الحي الذي يجسد خلاصة حركة التاريخ. إن التراث هو ما تحمله جماهير شعبنا من طاقات متفجرة، و مطامح نحو العدل و الإنصاف و قيم سامية ترفض العبودية و الانحطاط. إن التراث هو طاقة التغيير و إرادة التحرير، هو تقاليد متمثلة في ردود الفعل الجماعية و اليقضة و المبادرة التي مازالت حية في صفوف شعبنا.
هذه هي الخلاصة الأولى التي ينتهي إليها الاعتماد على منهجية الاشتراكية العلمية دون مركب و دون التواء و خدمة الحقيقة و الحقيقة وحدها.
إلا أن هناك خلاصة أخرى نعتبرها أساسية و حاسمة، هي أن جميع التعقيدات و أسباب الخلط، راجعة إلى ازدواج الاستلاب الذي يعاني منه الإنسان المغربي، بل و الإنسان في جميع الأقطار المسماة بالمتخلفة. فزيادة على استلاب الفرد من جراء علاقات الإنتاج الرأسمالية، هناك الاستلاب الجماعي أمتنا ككيان و حضارة و ثقافة، استلاب المجتمع ككل منذ أن تم إخضاع الأرض و من عليها لمتطلبات إرساء و نمو الاقتصاد الاستعماري.
و بالتالي فإن التحرير لا معنى له عمليا إلا بالحلول الرامية إلى إنهاء هذين الاستلابين معا في استراتيجية واحدة و في مسلسل شامل واحد. هذا هو الاعتبار الثالث الذي وجه إعمال اللجنة التحضيرية لمشروع التقرير المذهبي، اعتبار الارتباط الجدلي بين النمو و التحرر و الديمقراطية و البناء الاشتراكي. إن النظرة إلى حلول المستقبل ما هي في الحقيقة إلا مجموعة النتائج المنطقية للتحليل التاريخي.
الاعتبار الثالث : استراتيجية شاملة معتمدة على الارتباط و التساوي بين التحرير و النمو و الديمقراطية و البناء الاشتراكي من أجل تشييد مجتمع و حضارة اشتراكية مطابقة لخصوصية شعبنا
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
إن إبراز حقيقة التخلف انتهى بنا إلى التأكيد على حقيقة أساسية تهم طبيعة و دور جهاز الدولة. و باختصار فإن جهاز الدولة ليس بنية فوقية، وليدة المجتمع المغربي و تطوراته، و إنما هو بالعكس جهاز التسيير و القمع الذي غرسته الدولة المستعمرة من الخارج لإخضاع الأرض و من عليها لمتطلبات إقامة الاقتصاد الاستعماري المسمى الآن بالقطاع العصري. بل و إن الدولة الوهمية التي احتفظت بها الحماية كواجهة انتهت في يوم واحد عند الإعلان عن الاستقلال. و رأينا جهاز الإدارة و القمع يتمغرب و يتضخم و يبحث عن قوانين 1935 و 1939 لمواجهة الحركة الوطنية و التقدمية، لأنه رجع إلى مهمته الأصيلة بأساليبه الأصلية.
و حدث ذلك منذ إجهاض التصميم الخماسي الأول، الذي كان محاولة في التحرير الاقتصادي الفعلي، و الذي ينص على ضرورة تغيير هياكل الدولة كشرط إلزامي لتغيير هياكل الاقتصاد. ذلك لأن جهاز الدولة ليس بنية فوقية، و إنما هو جزء لا يتجزأ من الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية الاستعمارية. هذا ما تؤكده التجارب الملموسة بحيث رأينا :
إن إقبار سياسة التحرير الاقتصادي اقترن بإقبار مشروع إقامة المؤسسات الديمقراطية. و إن سير الجهاز و مهمته لا يقبلان وجود مؤسسات تمثيلية، لا يقبلان النقاش و المراقبة، لأنه جهاز أقيم في الأصل لمراقبة المخزن و لإخضاع المجتمع المغربي لا لتمثيله و لخدمته.
إن مبادئ و مفاهيم الديمقراطية الأوربية تفقد معناها، لأنها ديمقراطية وليدة النظام الرأسمالي ككل، بقاعدته المادية و تكنولوجيته و قيمه الأخلاقية، و مؤسساته السياسية و الثقافية. إن النظام الرأسمالي، انطلق منذ البداية الصناعة الآلية و من صناعة وسائل الإنتاج.
فانعدام الصناعة السياسية في بلادنا، هو الذي يجب أن يكون منطلق التبعية الاقتصادية و التقنية بجميع نتائجها الاجتماعية و السياسية و الثقافية. فانعدام الصناعة الأساسية هو الذي يجعل كل قطاع من حياتنا مرتبطا مباشرة بالسوق الخارجية مع النتائج المعترف بها الآن رسميا.
إن هذه الحقيقة لا تنفصل عن طبيعة و دور جهاز الدولة و اتجاهه في كل قطر متخلف تسيره البورجوازية و الإقطاعية مهما كان شكل نظامه السياسي. لذلك فإن التحليل الشمولي، ينتهي حتما إلى الاستراتيجية الشمولية في التحرير و البناء المعروضة في مشروع التقرير المذهبي بجميع التفاصيل و التعليلات.
و لنكتف بالتنبيه إلى أن الوطنية الصادقة، يجب أن تقبل و تدعو على الأقل إلى الحلين اللذين لا مناص منهما في سياسة تحرير اقتصادي حقيقي : بناء الصناعة الأساسية التي سوف تكون محور الاقتصاد الوطني، و تحكم الدولة في جميع أصناف و دواليب التجارة الخارجية. و معنى ذلك أن التحرير الاقتصادي و النمو الاقتصادي هما شيء واحد.
لكن هذا النمو و التحرير يقتضيان اعتماد الشعب المغربي على نفسه أولا و قبل كل شيء، و قبول التضحيات التي يستلزمها بناء صناعة ثقيلة، و لا يمكن أن يقبل الشعب تضحيات إضافية إلا إذا علم مسبقا أنها لصالحه، الشيء الذي يقتضي إصلاحات جذرية من حيث توزيع الأرض و الخيرات، و علاقة جهاز الدولة بالسكان.
أضف إلى ذلك أن عدم الاعتماد على القروض الأجنبية يقتضي استعمل الطاقة المتوفرة محليا، و هي الطاقة البشرية، طاقة الجماهير الواجب تجنيدها في مهام البناء و التشييد و التغيير. و لا يمكن أن تتعبأ إلا إذا علمت مسبقا أنها تنجز تلك المهام لصالحها، الشيء الذي يقتضي إشراكها في اتخاذ القرارات و تنفيذها.
و هذا يعني استحالة الفصل بين التحرير و النمو و بين ضرورة الديمقراطية بشرط أن لا تقتصر عليا إقامة سلم من المؤسسات التمثيلية مواز لسلم جهاز الدولة كما هو الآن. إنها ديمقراطية المساهمة المباشرة للجماهير في مهام ملموسة ديمقراطية تقتضي تغيير هياكل الجهاز الإداري و علاقته بالمواطنين. و معنى ذلك تغيير طبيعة و مهمة جهاز التسيير و القمع و جعله أداة خاضعة للشعب على جميع المستويات، عوضا عن كونه جهازا يخضع المجتمع لحاجيات السوق الأجنبية.
و يبقى أن بناء الصناعة الأساسية، و تحك الدولة في التجارة الخارجية، و تغيير هياكل و طبيعة جهاز الدولة و علاقته بالمواطنين، و نهج ديمقراطية التعبئة مع الإجراءات و الإصلاحات التي تقتضيها، كل ذلك لا يمكن أن يتم تلقائيا. إن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالتصميم الاشتراكي الذي يوضع بالطرق الديمقراطية انطلاقا من اختيارات تساهم الجماهير في تحديدها كما تساهم عمليا في تنفيذها.
إن التقرير يوضح بدقة نظرتنا إلى أهداف و أساليب البناء الاشتراكي انطلاقا من المعادلة الثلاثية التي تشكل نظرة شاملة تجعل من التحرير و النمو و الديمقراطية و البناء الاشتراكي جوانب مرتبطة و متساوية من استراتيجية واحدة تنفذ ككل و بصفة تدريجية.
فالديمقراطية بالنسبة إلينا وسيلة و غاية بوصفها ديمقراطية التعبئة من أجل البناء الاشتراكي، إن شعار ديكتاتورية البرروليتاريا أكل عليه الدهر و شرب في أوربا نفسها، بالإضافة إلى أن مشكل التصنيع و خلق بروليتاريا.
و يبقى الهدف من البناء الاشتراكي نفسه هدف إنهاء استلاب الفرد، و استلاب كياننا كحضارة و ثقافة. فالنمو الاقتصادي على الشكل الذي نراه في الدول النامية الرأسمالية و الاشتراكية لا يضع حدا لهذا الاستلاب المزدوج. لذلك يجب منذ البداية، منذ انطلاق مسلسل التحرير و البناء أن نعتبر خصوصيات مجتمعنا، و عناصر التغيير التي يتضمنها، و تقاليد العمل الجماعي، كما يجب أن تعتبر ضرورة إغناء التراث الحقيقي الذي تحمله الجماهير.
هذا هو معنى رفضنا للنماذج المسبقة، و تقليد التجارب. إن الغاية النهائية من البناء الاشتراكي هي تشييد مجتمع اشتراكي و حضارة لهما خصوصيتهما، تشييد هذا المجتمع المغربي مع تحرير و تغيير الإنسان المغربي.
أيتها الأخوات، أيها الإخوان،
إننا نعبر عن آمالنا، و تفاؤلنا و ثقتنا بمستقبل القوات الثورية، و بحتمية البناء الاشتراكي. إن الفكر التقدمي منطلقه و منتهاه التفاؤل، و إلا فلن يبقى مبرر للنضال. و لن يبقى كذلك مبرر للنضال اذا ادعينا احتكار الحقيقة. لذلك فلزوما أن نعتبر مجهودنا هذا بداية في التوضيح، و أن تبقى عقيدتنا متفتحة و قابلة للتغيير و الاستفادة من الدروس و التجارب.
أما حكاية المثالية و الواقعية، فإنها جزء من أساليب التضليل، هناك واقعية الاستسلام أمام الواقعية التي يريد المستغلون غرسها في ذهن الشعوب. و هناك الواقعية الثورية التي تعتمد على تحليل الواقع الحي و الملموس من أجل تغييره لصالح الشعوب.
هذه هي واقعيتنا ? هذه نظرتنا للواقع- و منطلق نظرتنا إلى طريقة و وسائل تغييره في أفق التحرير و البناء الاشتراكي هذا هو الإطار المذهبي لاستراتيجيتنا الواضحة. و في الأخير يبقى علينا أن نؤكد على أن التحليل العلمي و المقاييس الموضوعية ليست وحدها الحافز للنضال و لقبول تضحيات النضال هناك الجانب الذاتي، الجانب الإنساني، جانب الوفاء و التشبع بالأخلاق الثورية، جانب الاخوة و عدم التخلي عن الإخوان مهما كانت الظروف. إنه الجانب الذاتي. و لكنه الظاهرة التي يعتز بها و يختص بها الاتحاديون الأوفياء الأحياء منهم و الشهداء، الحاضرون منهم و الغائبون، الاتحاديون الحاملون للتراث الحقيقي، تراث حركة التحرير الشعبية ببلادنا. من خلال ممثليهم، من خلالكم أيها الاخوة المؤتمرون.
سلام عليهم جميعا.
الاتحاد الاشتراكي
بنت جبالة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1428
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 11/07/2006
مواضيع مماثلة
» القصة الكاملة لميلاد «الاتحاد الاشتراكي» من رحم «الاتحاد الوطني»
» السحر بالمغرب!!!/ملف-الاتحاد الاشتراكي
» ملف حول التبغ..التدخين..(الاتحاد الاشتراكي)
» أسرار 50 سنة من تاريخ المغرب/ملف-الاتحاد الاشتراكي
» الملف الاسبوعي لجريدة الاتحاد الاشتراكي : التعديلات الدستورية والبروتوكول الملكي
» السحر بالمغرب!!!/ملف-الاتحاد الاشتراكي
» ملف حول التبغ..التدخين..(الاتحاد الاشتراكي)
» أسرار 50 سنة من تاريخ المغرب/ملف-الاتحاد الاشتراكي
» الملف الاسبوعي لجريدة الاتحاد الاشتراكي : التعديلات الدستورية والبروتوكول الملكي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى