الأدبية في أدب الغرب الإسلامي قراءة في كتاب «مديح الصدى» لأحمد زنيبر
صفحة 1 من اصل 1
الأدبية في أدب الغرب الإسلامي قراءة في كتاب «مديح الصدى» لأحمد زنيبر
أحمد زنيبر
غلاف الكتاب
أصدر
الباحث أحمد زنيبر كتابا نقديا جديدا أثرى به الخزانة المغربية، وعزز به
مكانة البحث العلمي، اتخذ له عنوانا رئيسا هو «مديح الصدى» وعنوانا فرعيا
حدده في «دراسات في أدب الغرب الإسلامي». وهو مؤلف يتكون من مقدمة وثلاثة
فصول وخاتمة، مع تقديم للأستاذ الدكتور سعيد علوش.
يتسم عمل وجهد
الباحث أحمد زنيبر بالغنى والثراء والتنوع، فهو يمزج بين حقول معرفية
وروافد فكرية وأجناس أدبية تحفر بمعولها في أرخبيل الكتابة الأدبية بالغرب
الإسلامي، حرصا منه على البحث والتنقيب في ذخائر ومكنونات الدرر الأدبية
النادرة التي تركت أصداء مدوية، لكن يد الزمن الغادر زجت بها في مجاهل
الإهمال والنسيان. لذلك جاء العنوان بصيغة المبالغة (مديح) ليروم إعادة
الاعتبار والألق لهذه النصوص المغيبة قسرا. ولعل من حسنات هذا الكتاب
إدخالنا إلى كنوز خزانة أدبية مغربية وأندلسية قلما فتحت أبوابها المغلقة
وأصدافها الخبيئة التي لا تصلها إلا الأيادي الرصينة والمنقبة والغائصة في
أعماق البحث.
الفصل الأول: في النثر
كرسه
الباحث للدراسة النثرية، حيث تناول نموذجين مغربيين أصيلين، يمكن
اعتبارهما آباء شرعيين للأدب المغربي وهما: محمد المختار السوسي وأبو علي
الحسن اليوسي.
1-استراتيجية الكتابة في مذكرات محمد المختار
السوسي:تتأسس كتابة المذكرات على فعل الذاكرة، وهي تمارس فعل الانتقاء
والترشيح، ومخضبة بألوان التخييل، وتحضر الكتابة عند محمد المختار السوسي
باعتبارها «أداة ووسيلة تعبير يتعايش داخلها الأدبي والتاريخي، فهي أداة
لمقاومة النفي والاغتراب والفراغ» (ص)1. وحصر الباحث استراتيجية الكتابة
عند محمد المختار السوسي في أربعة محاور:
أ- الكتابة بين الذاتي والغيري:
يترجم
هذا المستوى دواعي الكتابة ورصد لمحطات ألمت به كالنفي والحصار، وارتأى
إشراك القارئ في اقتسام لذة الألم، يقول: « كنت أحب أن أكتب في أسباب هذا
النفي جزءا خاصا، وبدأت بالفعل وحررت فيه بعض الصفحات، ولكنني ألقيته ظهريا
لأشغال أخرى أهم، ولكن لخوف أن تضيع من ذلك حقائق ينبغي أن لا تضيع بل يجب
أن أسطرها للمستقبل» (ص14).
ب- الكتابة بين النثري والشعري:
وجد
الباحث أن مادة التاريخ تشكل عنصرا مهيمنا في هذه المذكرات، لكن التاريخ
يذوب في ثنايا الإبداع، الذي يزاوج بين الشعر والنثر، وباختلاف دواعي
وأسباب القول، يرى الباحث أن هذا الإبداع الزاخر يجمع بين متع وخواطر
وزفرات حينا ومساجلات وردود أحيانا أخرى.
ج- الكتابة بين التاريخي والأدبي:
يحضر
الحدث التاريخي موجها أساسيا للفعل الأدبي، وتبقى الذاكرة تلك المصفاة
التي تعمل على ترشيح النص من حمولته التاريخية التوثيقية الجافة، وإسكابه
في قوالب أدبية إبداعية.
د- الكتابة بين الشكل والمحتوى:
في هذا
المستوى يستعيد محمد المختار السوسي لحظاته الجميلة والحميمة مع نخبة من
رجالات الفكر والأدب من قبيل أبي بكر التطواني السلاوي ومحمد الكانوني مؤرخ
أسفي، أو حديثه عن شاعر الحمراء. وما يثير الباحث في هذا السياق من شخصية
المختار السوسي تواضعها العلمي، وهذا مطلب أصيل في كل عالم.
وفي الرسالة
البونعمانية يغوص الأديب والمفكر محمد المختار السوسي في جملة من القضايا
الأدبية والنقدية كحديثه عن مفهوم الشعر ومقاييس النقد مما ينم عن تشكل وعي
نقدي مواكب للمتن المدروس.
ومن الخلاصات التي توصل إليها الباحث وهو
بصدد البحث عن استراتيجية الكتابة عند المختار السوسي، أنها تروم تحقيق
جملة أهداف تتمثل في «استحضار التاريخ كقيمة حضارية وفي مقاومة الذاكرة
للفراغ والنسيان ثم في دعوة الذات إلى التأمل واستخلاص العبر وكذا تفعيل
التواصل عبر وسيط اللغة وأخيرا الدخول في محاورة مفتوحة مع الذات والآخر»
(ص20).
ويبقى محمد المختار السوسي أحد أهرامات الثقافة المغربية، ومرجعا
علميا هاما،لا غنى للقارئ الباحث من الرجوع إليه والاغتراف من موارده.
2-
أدبية الكتابة في رسائل أبي علي الحسن اليوسي:للكشف عن أدبية الكتابة
الترسلية عند أبي الحسن اليوسي، كان لا بد من حصر عددها والذي بلغ اثنين
وستين رسالة، تتسم بغناها وغزارتها وتنوع حقولها «بين السياسة والفقه
والتوحيد والتصوف والنحو والبلاغة والأدب» (ص24).
والملاحظة الأولى التي
توصل إليها الباحث تتمثل في تباين حجم الرسائل. أما البنية الهيكلية
لكتابة الرسائل فقد التزم فيها الحسن اليوسي بالبناء المتعارف والمتواضع
عليه، بدءا باسم المرسل والمرسل إليه فتصدير الرسالة بالبسملة والحمدلة،
وهو تصدير يقول عنه الباحث «تم الالتزام به في سائر الرسائل المثبتة في
المتن المحقق» (ص25)، ثم يتم الانتقال إلى الغرض الأساس في الرسالة، وفيه
يفصح عن دواعي الكتابة والتحرير، وتختتم الرسالة بخاتمة تحمل توقيع كاتبها،
فالإشارة إلى زمان ومكان تحريرها، لكن اليوسي كما لاحظ الباحث «لم يتقيد
كل التقيد بالهيكل الثلاثي، فقد يستغني عن ذكر اسم الباعث أو يهمل تحديد
تاريخ الكتابة» (ص27). وقد تمثلت عناصر الأدبية في رسائل اليوسي من خلال
الأشكال التالية:
أ- في طبيعة اللغة:
كان اليوسي حريصا على انتقاء
مفردات لغته، وتنويعها بحسب سياقات ومقامات التداول والاستعمال، كما زاوجت
بين البساطة والتركيب والتفسير والتحليل.
ب- في نوعية الشواهد:
يمتلك
اليوسي قدرة عالية تبرز سعة مخزونيته في الاسترفاد والنهل من القرآن
والحديث والروايات والأمثال والأشعار، ومن الملاحظات التي سجلها الباحث في
هذا السياق الاستشهادي «إغفاله أحيانا لذكر القائل، فلا ينسب البيت الشعري
أو القطعة الشعرية لأحد» (ص31). وتسهم كل هذه الروافد من الشواهد في تحقيق
الإقناع وتعضيد حجج الرسالة.
ج- في جمالية التركيب:
يستهدف عنصر
التركيب مكون الصنعة التي شكلت جزءا من بنية النص الترسلي، فجمعت بين
المحسنات اللفظية من سجع وتجنيس وضروب من البديع والمحسنات المعنوية
القائمة على الانزياح الدلالي من استعارة وتشبيه ومجاز. والخلاصة التي
انتهى إليها الباحث في دراسته لهذا العنصر/ المكون الأساس في الرسالة
ابتعاد اليوسي عن التكلف «في سجعه وتجنيساته إلا ما جاء عفو الخاطر أو قصد
به دفع الملل عن القارئ المتلقي» (ص33).
د- في الحس النقدي:
تناولت
رسائل اليوسي قضايا وأمورا دينية ودنيوية، وتصدى للدفاع عنها مستثمرا
معرفته العميقة وتبحره بعلومها، فالرسالة اليوسية اتجهت لخدمة وظيفتين
أساسيتين هما وضيفتا التعليم والتثقيف.
وخلاصة القول، تبقى رسائل الحسن
اليوسي بتعبير الباحث أحمد زنيبر «وثائق هامة تضمنت العديد من الإشارات
التاريخية والجغرافية وكذا العديد من الإحالات الدينية والأدبية... ويبقى
صاحبها رمزا أدبيا شامخا» (ص35).
2- الفصل الثاني: في الشعر
كرس
الباحث هذا الفصل لدراسة متنين شعريين فصيحين وقصيدة زجلية في فن الترجما.
ففي المبحث الأول ثمة مقاربة لديوان «شموع» للشاعر المغربي محمد الحلوي،
وهو ديوان يضم بين دفتيه أكثر من مائة قصيدة تنوعت سياقات بوحها، وتعددت
أغراضها.
بعد توقف الباحث عند عتبة الديوان واستنطاق أهم الإحالات
المرجعية والرمزية التي قد يوحي بها، انتقل لرصد أهم الأغراض الواردة في
الديوان، ومن جملتها نجد:
-الدينيات: وجل قصائد هذا الغرض انصرفت للتغني
بطقوس الدعوة الإسلامية، والإشادة بشخص الرسول ومناقبه ونسبه، والملاحظ أن
الطابع الغالب على هذا الغرض هو المسحة الدينية التي ينهل من حياضها.
-الوطنيات:
وهي قصائد تتغنى بحب الوطن والتعلق به، وتندد بالعدوان والتسلط والطغيان،
وفي هذه القصائد استحضار لرموز وذاكرات بصمت التاريخ المغربي. وتحضر غنائية
الشاعر من خلال إظهار نبرات التحسر والتفجع لما آلت إليه أوضاع المغرب،
وانصرفت بعض القصائد الوطنية لمدح الحاكم والإشادة بخصاله وشرعيته المستمدة
من روابط الولاء والبيعة. ويتوج المسار الشعري بكتابة النشيد الوطني الذي
اعتمد رسميا للأكاديمية الملكية العسكرية.
-الطبيعيات: اتخاذه من
الطبيعة نواة شجرية لصياغة صوره وتشبيهاته واعتماده الوصف أداة لتقريب
المشاهد من المتلقي عن طريق التشخيص والأنسنة.
ومن الخلاصات التي انتهى
إليها الباحث في ما يتعلق بغرض الطبيعة، أنها اتسمت بالخصوصية والتفرد من
حيث اعتماد الوصف غرضا مستقلا بذاته، وليس مقدمة للغرض الشعري المطروق.
-القوميات:
اتجهت قصائد هذا الاتجاه إلى ترميم حالة الضعف والهوان التي آل إليها وضع
العرب، فكانت قصائد الشاعر دعوات متكررة لرأب الصدع واستعادة أمجاد السلف
عن طريق النضال بمختلف صوره المشروعة، وانصهار العرب في بوتقة العروبة،
ودعوتهم لمقاومة أعدائها.
-الاجتماعيات: تناولت قصائده بعض القضايا والظواهر المتفشية في المجتمع، ونجد الشاعر هنا يلبس لبوس المصلح الاجتماعي والمطهر المنقذ.
-المراثي:
لا حظ الباحث أن الشاعر محمد الحلوي لم يأت بجديد في هذا الغرض، فقصائده
هي امتداد لتاريخ شعر الرثاء العربي، حيث تتدفق حمم الفراق، وتنساب أودية
الحزن والألم.
ومن الخلاصات الهامة التي أقرها الباحث بعد دراسة عميقة ومستفيضة لديوان «شموع» لمحمد الحلوي ما يلي:
- حسن انتقاء المعجم وتطويع اللغة لخدمة الغرض الشعري.
- تشكيل الصور البيانية والمجازية بحسب اللحظة الشعرية والدفقة الشعورية.
- الالتزام بالبحور الخليلية وتنويعها بحسب الأغراض مع ما يستتبع ذلك من تنويع للأرواء.
- خلق تجانسات صوتية ومحسنات بديعية لإطراب أذن المتلقي.
- تنويع المضامين بحسب لحظات القول الشعري (الذات/الدين/الوطن/المجتمع).
- استغناؤه عن المقدمة الطللية والغزلية كمداخل استهلالية للقصيدة.
- اعتماده التدوير تقنية لصناعة البيت الشعري.
- تنظيم الفضاء النصي باعتباره مكونا شعريا.
في
المبحث الثاني، انطلق الباحث لرصد مفهوم الغربة باعتبارها مكونا أساسيا في
التجربة الذاتية للشاعر/الملك يوسف الثالث. لقد تشكل هذا المفهوم وتبلور
مع ضياع الأندلس/مما ساهم في تفجير لواعج الشعراء سواء كانوا ساسة أو أناسا
عاديين.
والملاحظة الأولى التي يسجلها الباحث تتجلى في ندرة المصادر
التي عرضت لذكر الشاعر، ليكون تحقيق الأستاذ عبد الله كنون معينه الوحيد في
دراسة هذا المتن الشعري. وتبقى تجربة الاعتقال المفجر لمواهب الشاعر، وبعد
خروجه من السجن سيتولى قيادة البلاد بحزم ويقظة وحب جارف للشعر، فهو كما
يرى الأستاذ محمد بنشريفة «أكبر شاعر ملك أنجبته الأندلس بعد المعتمد بن
عباد، وديوانه أكبر من ديوان المعتمد» (ص56).
- في المظاهر
والتجليات:إذا كان للشعر مداخل تسهل عملية ولوج فضاء القصيدة لاستنطاق
صمتها، فقد وجد الباحث أحمد زنيبر في مفهوم الغربة مدخلا مناسبا لمقاربة
التجربة الشعرية للشاعر. لكن السؤال الذي ظل هاجسا مقلقا للباحث وسعى جاهدا
للإجابة عليه هو «هل يمكن الحديث عن خصوصية تميز الشاعر مقارنة مع زمرة من
شعراء الأندلس الذين مروا بنفس التجربة الأليمة؟» (ص58). كان الجواب
بالإثبات، فتجربة الغربة تركت ندوبا غائرة، وخلقت توترا نفسيا عميقا، ساهم
في تشكيل مناخ القصائد التي شكلت علامات فارقة في الشعر الأندلسي.
ومن
خلال ما تقدم يمكن القول إن تجربة الغربة هي الوعاء العام الذي تتحرك في
فلكه كل القصائد المتنوعة الأغراض والسياقات، ومن تمظهراتها نجد:
أ-
شكوى الزمان: تتجه قصائد هذا النوع نحو التبرم من غدر الزمان والأحبة
والمقربين، الذين كانوا سببا في الزج به في غياهب السجن، مما ولد فيه نيران
الحنين والشوق.
ب- اللوم والعتاب: يلوم الشاعر في قصائده بني بلدته
الذين لم يكونوا سندا داعما لمحنته، كما يتوجه باللوم الشديد لأخيه الذي
غدر به وأزاحه من الحكم «فينعته بالخيانة والغدر والدسيسة» (ص61).
ج-
الحنين إلى المكان والأهل: تصطلي نيران قصائده بتذكر الأمكنة التي شكلت
حضنا آمنا للذات، وبخاصة غرناطة التي هي «مكان من لا مكان له، هي البدء وهي
المنتهى» (ص63).
د- بكاء الأحبة: تبلور هذا العنصر في قصائد الرثاء،
فالألم الدفين من فراق الأحبة، فجر كل ينابيع التفجع وحرقة الألم والإحساس
بالغربة والاغتراب.
و- غربة الذات: إن اغتراب الذات وليد توتر وقلق نفسي
جراء الخطوب التي تهاطلت عليه، فصارت عاطفته منكسرة مكلومة، تنطق لغة
الأسى والحزن،وتفتح لها كوة لامتصاص الأمل بعد امتداد اليأس وانطوائه على
نفسه.
- في الخصائص الفنية:
أ- المستوى اللغوي: نجد فيه احتفاء كبيرا باللغة الشعرية، وتنويعا للحقول المعجمية (الطبيعي/الديني/الإنساني).
ب-
المستوى التركيبي: لاحظ فيه الباحث تنويعا لأزمنة الأفعال، مع هيمنة
لكرنولوجيا الأحداث التي انطبعت في ذاكرة الشاعر، وسعى لتحويلها من بعدها
الواقعي إلى بعد تخييلي، بعد صهرها وتذويبها في كيمياء الإبداع الخلاق.
ج-
المستوى الأسلوبي: مزج الشاعر بين أسلوبي الخبر والإنشاء، وإن استأثر
الإنشاء بقسط وافر تجاوبا مع ما يقتضيه المقام وهول الحدث للتعبير عن
انكسارات الذات وتهشمها على إكسير الاغتراب، فجاءت أساليب الإنشاء متلونة
لخدمة الأغراض التي يخرج إليها الإنشاء.
د- المستوى الإيقاعي: اعتمد
الشاعر نظام البحور الخليلية، ونوع فيها بحسب سياقات الأغراض التي نظمها.
أما الإيقاع الداخلي فتشكل أساسا من التجانسات الصوتية والتكرارات التي
تصيب أذن المتلقي فيطرب لها.
ه- المستوى الفني: تسربلت معظم الصور
الشعرية بغلائل التشبيه والمجاز والاستعارة، وسارت بعض القصائد على النهج
التقليدي في بنيته الغرضية، كالابتداء بالنسيب فالمدح أو النسيب ثم الرثاء.
و-
المستوى الدلالي: كانت قصائد الشاعر يوسف الثالث صدى مدويا لما آلت إليه
أوضاع الأندلس من تشرذم وتفرقة، وكان الرهان والهاجس هو العودة إلى ينابيع
القيم الماضية والألفة الخالية وكل ما له صلة بالماضي الجميل» (ص74).
ويظل
الشاعر يوسف الثالث صوتا صادحا ومتفردا في سماء القصيدة الأندلسية التي
انتصر فيها لهيب الحرف الذي يسكن جوانح الشاعر على زمام السلطة التي يدير
دوالبها.
وخصص الباحث المبحث الثالث من فصله الثاني لفن الترجما،
وهو بصنيعه هذا يدخلنا إلى مغارات فن قلما تناولته الدراسة النقدية، باحثا
عن الصلات والوشائج الوثيقة بينه وبين فن الملحون. وفن الترجما كما يعرفه
الأستاذ عباس الجراري عبارة عن « قصائد ترجمها الخيال أي أنشاها وحبكها دون
أن يكون لها حدوث في الواقع» (ص78).
وبعد استعراضه لمفهوم «فن الترجما»
وتقديمه لأهم النصوص المؤسسة له، والتي صارت مرتعا خصبا للذاكرة الشفوية
الشعبية من قبيل قصيدة «الحجام» و»الحراز» وغيرهما، ينتقل الباحث للتوقف
عند نموذج شعري يحظى بميزة خاصة، وهو من» أروع وأبدع ما نظم في هذا المجال
لغة وأسلوبا، ويتعلق الأمر بقصيدة العجوزة والشابة» (ص79). وهي قصة حماة
تخاصمت مع عروسها، ثم تعصب الزوج لامرأته وأخيرا تصالحوا جميعا» (ص79).
ويبدو
أن موضوع الخصام أو المفاضلة منزع أدبي أصيل، وهو موضوع مستهلك في معظم
البيوت المغربية، لكن طريقة بناء الحدث وتوالده والمزاوجة بين الأفقين
التخييلي والواقعي هو ما منح لهذه القصيدة الزجلية قيمتها الفنية
/الجمالية، فهي قصة منحوتة من خيال الشاعر، وملونة بتلاوين أسرار الصنعة
الإبداعية الناهلة من حياض الذاكرة الشفوية المغربية في غناها
وثراها،وتعددها اللغوي والأصواتي، وقدرتها على الغوص العميق في تربة
المجتمع المغربي.
ومن خلاصات الباحث» أن القصة التركمانية تتيح
إمكانيتين متلازمتين للقراءة، قراءة الواقع في الحكاية وقراءة الحكاية في
الواقع، وهو ما يعكس بلاغة القصيدة وجماليتها، كانعكاس وتأمل من جهة ورؤية
وتخيل من جهة ثانية» (ص89).
كما أن القصة اعتمدت بنية خطية تسلسلية، جعلت الأحداث تتنامى وتتصاعد بشكل تدريجي.
ونلاحظ
في انفتاح الناقد أحمد زنيبر على دراسة «فن الترجما» للتركماني المدني
دعوة مستفزة لإعادة الاعتبار والألق لهذا الفن الذي أكلته أرضة النسيان،
وطوته رياح الإهمال، فلم يعد يحفل به أو يحتفى به، وهذه إشارة لبيبة يود
الباحث إرسالها لانتشال هذا الفن من وهاد الانقراض والتلاشي.
3- الفصل الثالث: في التأليف والتحقيق
خصص
الباحث جزأه الأول لمقاربة منهجية التأليف في كتابات محمد المنوني، هذا
الأخير الذي يعد معلمة تاريخية كبرى وخزانة علمية حوت كل كنوز المعرفة من
كتابات إسلامية وتعليم وتاريخ وسيرة نبوية ولغة وآداب وموسيقى وعمارة. وخلص
بعد العرض والتحليل إلى أن منهجية محمد المنوني في التأليف يمكن تصنيفها
إلى ثمان نقط وهي بمثابة المحدد الأساس في كتاباته، وقد رصدها على الشكل
التالي: 1 الحرص الشديد على توثيق مصادره ومخطوطاته. 2 دقته في ترصد وتصيد
المعلومة. 3 عرض الموضوعات والأفكار والآراء وفق نظام تسلسلي. 4 اعتماده
ذائقة أدبية رفيعة وحس تعبيري. 5 وقوفه على أهم الإحداث التي ميزت تاريخ
المغرب الثقافي والحضاري على مر العصور، وإضاءتها لتقريب المتلقي المغربي
منها. 6 اعتناؤه بترجمة زمرة من الأعلام والتعريف بسائر الكتب والتصنيفات. 7
اتصافه بأمانة علمية وذائقة نقدية. 8 تمثله للبعد التعليمي والبيداغوجي
أثناء عملية التأليف.
كما يجمل الباحث أحمد زنيبر الدوافع، التي حركت
فعل الكتابة لدى المنوني في ثلاثة عناصر أساسية، تتقاطع في نقطة مفصلية،
وهي الدفاع عن الهوية المغربية، وهذه العناصر هي: الوطنية والهوية
المغربية/الدفاع عن التراث المغربي العربي الإسلامي/ الرغبة البيداغوجية في
سد فراغات العمل المكتبي والببليوغرافي.
أما الجزء الثاني من هذا الفصل
فخصصه الباحث لعلم التحقيق وافتتحه بتقديم أولي حول بعض الشروط التي ينبغي
توفرها في المحقق الذي يقتحم نصا عاريا من كل شيء، فإذا كان التحقيق
صناعة، فما هي قواعده وأصوله؟
يجيبنا الباحث بطرح جملة من الشروط، في
مقدمتها الإلمام المعرفي بموضوع التحقيق، ثم الاستيعاب الجيد لأصول ومبادئ
التحقيق من دقة في التوثيق والعودة إلى المعاجم والتراجم والاستعانة بعلوم
النحو والبلاغة والعروض، ومن الخطوات والإجراءات العملية التي يستند إليها
المحقق لإضفاء طابع العلمية على تحقيقه»؛ البحث في الأصول والمقارنة بين
النسخ وقراءة المتن وشرحه والتعليق عليه، والتعريف بأعلامه وتخريج استشهادا
ته والإحالة على مصادره ومراجعه» (ص103). وسيقدم الباحث علمين مغربيين
بارزين اشتغلا على علم التحقيق وهما: الدكتور محمد مفتاح والدكتورة نجاة
المريني.
1 د محمد مفتاح وتحقيق «ديوان لسان الدين بن الخطيب»:يشكل
الأستاذ محمد مفتاح مدرسة نقدية مغربية قائمة الذات، لا غنى للباحث المغربي
والعربي عن الاغتراف من مواردها، واقتطاف ثمراتها المتعددة والمتنوعة، وقد
أفضى هذا التنوع والغنى إلى تأسيس مشروع علمي متكامل، من سماته الدقة
والضبط، ويأتي تحقيقه لديوان لسان الدين بن الخطيب في هذا السياق،حيث وقع
الاختيار على تحقيق الديوان نظرا لما يمثله من قيمة أدبية ورمزية في تاريخ
الأدب الأندلسي.
وانطلق محمد مفتاح في تحقيقه أولا بتعيين النسخ الأصلية
المعتمدة في الديوان، ثم تقسيم مراحل لسان الدين الشعرية، فالانتقال لأهم
الأغراض المهيمنة في ديوانه، فوجد أن الوصف والمدح قد حازا قصبا السبق إلى
جانب أغراض شعرية أخرى كالغزل والرثاء والهجاء.
واللافت للانتباه ضخامة
وشساعة المتن المشتغل عليه، إذ فاقت عدد الأبيات سبعة آلاف بيت، وتوخيا
للدقة والتوثيق فقد عمد إلى شكل كل الأبيات وشرح المستغلق منها، ويختم
تحقيقه بإعداد فهارس للمتن المدروس وترتيبها بحسب حروف المعجم.
ومن
خلاصات الباحث وهو يعيد تقليب المتن المحقق وفحصه ملاحظته لعدم ترقيم
الأبيات الشعرية، واعتماد الاختزال في التعريف ببعض الأعلام والأماكن،
وندرة الشروح اللغوية باعتبار أن الشرح لبنة أساسية في علم التحقيق، كما
لاحظ إغفالا لذكر البحر الشعري بالنسبة لنصوص الموشحات، وعلى مستوى الفضاء
النصي تم اقتصار المحقق على تقسيم الورقة إلى قسمين؛ قسم للمتن وآخر
للحاشية.
وبرغم كل هذه الإغفالات البسيطة والمسنودة بتبريرات علمية
أحيانا، فإنها لا تعدم قيمة المحقق ومكانة المحقَق، فقد كان الكتاب إبان
صدوره فتحا مبينا ومرجعا هاما في التوثيق والتحقيق ومرشدا ومعينا لكل طلاب
المعرفة والبحث العلمي.
2 تحقيق شعر أبي العباس أحمد بن القاضي لنجاة
المريني:انصب تحقيق الدكتورة نجاة المريني على أحد رواد الحركة الثقافية
الفكرية في العصر السعدي، ويتعلق الأمر بالشاعر أبي العباس أحمد بن القاضي.
ويرصد الباحث أحمد زنيبر الخطوات المنهجية التي اعتمدتها المحقِقة. وهي
خطوات لا شك قمينة بأن تضفي على التحقيق طابعا علميا يتسم بالدقة والتوثيق،
ومن هذه الخطوات استقصاء وتصحيح ما تم تجميعه وتوثيقه، واعتماد المقارنة
بين الروايات وإثبات الاختلافات الموجودة بينها.
وتجد قيمة المتن الشعري
المحقق صداها في محاولة الباحثة إلقاء الضوء على الحركة الثقافية
والإبداعية في عهد السعديين، وإطلاع القارئ المغربي على ذخائر وكنوز
المكتبة المغربية.
ويخلص الباحث أخيرا إلى اعتبار عمل الدكتورة نجاة
المريني إضافة نوعية أغنت بها المكتبة المغربية، نظرا لقيمته الأدبية
والعلمية التي تجمع بين دقة التوثيق وجودة التحقيق» (ص117).
تــركــيــب إجــمــالــي:
لقد
نجح الباحث أحمد زنيبر في هذا الكتاب في خلق مواءمة بين الثقافتين
المغربية والأندلسية، نظرا لعرى الترابط والاتصال بينهما. فالثقافة
والإبداع لا ينضبطان لحواجز وأسلاك التفتيش إلا من ذوي العقول المريضة التي
سعت لإقبار تراث أدبي زاخر برؤاه الفنية، وثري بعمق أفكاره.
ومن
الملاحظات التي استوقفتنا في تجربة الباحث النقدية، أنها وهي تحرص حرصا
شديدا على انتقاء الألفاظ والمصطلحات المناسبة في الوقت المناسب، تطمح
لإعادة طرح سؤال المعرفة الأدبية التواقة لاستجلاء أدبية الأدب المغربي
وخصوصيته، في فترة من فتراته المنسية، مع تشذيب هذه الكتابة النقدية إلا ما
بدا ضروريا، من ثقل المهاد النظري الابستمولوجي، وذلك بالاتجاه مباشرة إلى
المتن المدروس باعتباره قطبا للبحث وليس حقلا لتجريب أدوات منهجية دخيلة.
كما تحرص هذه الكتابة على خلق تفاعل انسيابي بين النقد والإبداع، وترك النص
الأدبي يتكلم دون وسيط مفتعل.
---------
الهوامش:
1- أحمد زنيبر. مديح الصدى دراسات في أدب الغرب الإسلامي. منشورات دار التنوخي.2011.
2-
نص المداخلة التي ألقيت خلال حفل تقديم وتوقيع كتاب «مديح الصدى» نظمه
المركز الجهوي للتوثيق والتنشيط والإنتاج والبحث التربوي التابع للأكاديمية
الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط سلا زمور زعير، وذلك يوم الأربعاء 4
ماي 2011
العلم الثقافيكرسه
الباحث للدراسة النثرية، حيث تناول نموذجين مغربيين أصيلين، يمكن
اعتبارهما آباء شرعيين للأدب المغربي وهما: محمد المختار السوسي وأبو علي
الحسن اليوسي.
1-استراتيجية الكتابة في مذكرات محمد المختار
السوسي:تتأسس كتابة المذكرات على فعل الذاكرة، وهي تمارس فعل الانتقاء
والترشيح، ومخضبة بألوان التخييل، وتحضر الكتابة عند محمد المختار السوسي
باعتبارها «أداة ووسيلة تعبير يتعايش داخلها الأدبي والتاريخي، فهي أداة
لمقاومة النفي والاغتراب والفراغ» (ص)1. وحصر الباحث استراتيجية الكتابة
عند محمد المختار السوسي في أربعة محاور:
أ- الكتابة بين الذاتي والغيري:
يترجم
هذا المستوى دواعي الكتابة ورصد لمحطات ألمت به كالنفي والحصار، وارتأى
إشراك القارئ في اقتسام لذة الألم، يقول: « كنت أحب أن أكتب في أسباب هذا
النفي جزءا خاصا، وبدأت بالفعل وحررت فيه بعض الصفحات، ولكنني ألقيته ظهريا
لأشغال أخرى أهم، ولكن لخوف أن تضيع من ذلك حقائق ينبغي أن لا تضيع بل يجب
أن أسطرها للمستقبل» (ص14).
ب- الكتابة بين النثري والشعري:
وجد
الباحث أن مادة التاريخ تشكل عنصرا مهيمنا في هذه المذكرات، لكن التاريخ
يذوب في ثنايا الإبداع، الذي يزاوج بين الشعر والنثر، وباختلاف دواعي
وأسباب القول، يرى الباحث أن هذا الإبداع الزاخر يجمع بين متع وخواطر
وزفرات حينا ومساجلات وردود أحيانا أخرى.
ج- الكتابة بين التاريخي والأدبي:
يحضر
الحدث التاريخي موجها أساسيا للفعل الأدبي، وتبقى الذاكرة تلك المصفاة
التي تعمل على ترشيح النص من حمولته التاريخية التوثيقية الجافة، وإسكابه
في قوالب أدبية إبداعية.
د- الكتابة بين الشكل والمحتوى:
في هذا
المستوى يستعيد محمد المختار السوسي لحظاته الجميلة والحميمة مع نخبة من
رجالات الفكر والأدب من قبيل أبي بكر التطواني السلاوي ومحمد الكانوني مؤرخ
أسفي، أو حديثه عن شاعر الحمراء. وما يثير الباحث في هذا السياق من شخصية
المختار السوسي تواضعها العلمي، وهذا مطلب أصيل في كل عالم.
وفي الرسالة
البونعمانية يغوص الأديب والمفكر محمد المختار السوسي في جملة من القضايا
الأدبية والنقدية كحديثه عن مفهوم الشعر ومقاييس النقد مما ينم عن تشكل وعي
نقدي مواكب للمتن المدروس.
ومن الخلاصات التي توصل إليها الباحث وهو
بصدد البحث عن استراتيجية الكتابة عند المختار السوسي، أنها تروم تحقيق
جملة أهداف تتمثل في «استحضار التاريخ كقيمة حضارية وفي مقاومة الذاكرة
للفراغ والنسيان ثم في دعوة الذات إلى التأمل واستخلاص العبر وكذا تفعيل
التواصل عبر وسيط اللغة وأخيرا الدخول في محاورة مفتوحة مع الذات والآخر»
(ص20).
ويبقى محمد المختار السوسي أحد أهرامات الثقافة المغربية، ومرجعا
علميا هاما،لا غنى للقارئ الباحث من الرجوع إليه والاغتراف من موارده.
2-
أدبية الكتابة في رسائل أبي علي الحسن اليوسي:للكشف عن أدبية الكتابة
الترسلية عند أبي الحسن اليوسي، كان لا بد من حصر عددها والذي بلغ اثنين
وستين رسالة، تتسم بغناها وغزارتها وتنوع حقولها «بين السياسة والفقه
والتوحيد والتصوف والنحو والبلاغة والأدب» (ص24).
والملاحظة الأولى التي
توصل إليها الباحث تتمثل في تباين حجم الرسائل. أما البنية الهيكلية
لكتابة الرسائل فقد التزم فيها الحسن اليوسي بالبناء المتعارف والمتواضع
عليه، بدءا باسم المرسل والمرسل إليه فتصدير الرسالة بالبسملة والحمدلة،
وهو تصدير يقول عنه الباحث «تم الالتزام به في سائر الرسائل المثبتة في
المتن المحقق» (ص25)، ثم يتم الانتقال إلى الغرض الأساس في الرسالة، وفيه
يفصح عن دواعي الكتابة والتحرير، وتختتم الرسالة بخاتمة تحمل توقيع كاتبها،
فالإشارة إلى زمان ومكان تحريرها، لكن اليوسي كما لاحظ الباحث «لم يتقيد
كل التقيد بالهيكل الثلاثي، فقد يستغني عن ذكر اسم الباعث أو يهمل تحديد
تاريخ الكتابة» (ص27). وقد تمثلت عناصر الأدبية في رسائل اليوسي من خلال
الأشكال التالية:
أ- في طبيعة اللغة:
كان اليوسي حريصا على انتقاء
مفردات لغته، وتنويعها بحسب سياقات ومقامات التداول والاستعمال، كما زاوجت
بين البساطة والتركيب والتفسير والتحليل.
ب- في نوعية الشواهد:
يمتلك
اليوسي قدرة عالية تبرز سعة مخزونيته في الاسترفاد والنهل من القرآن
والحديث والروايات والأمثال والأشعار، ومن الملاحظات التي سجلها الباحث في
هذا السياق الاستشهادي «إغفاله أحيانا لذكر القائل، فلا ينسب البيت الشعري
أو القطعة الشعرية لأحد» (ص31). وتسهم كل هذه الروافد من الشواهد في تحقيق
الإقناع وتعضيد حجج الرسالة.
ج- في جمالية التركيب:
يستهدف عنصر
التركيب مكون الصنعة التي شكلت جزءا من بنية النص الترسلي، فجمعت بين
المحسنات اللفظية من سجع وتجنيس وضروب من البديع والمحسنات المعنوية
القائمة على الانزياح الدلالي من استعارة وتشبيه ومجاز. والخلاصة التي
انتهى إليها الباحث في دراسته لهذا العنصر/ المكون الأساس في الرسالة
ابتعاد اليوسي عن التكلف «في سجعه وتجنيساته إلا ما جاء عفو الخاطر أو قصد
به دفع الملل عن القارئ المتلقي» (ص33).
د- في الحس النقدي:
تناولت
رسائل اليوسي قضايا وأمورا دينية ودنيوية، وتصدى للدفاع عنها مستثمرا
معرفته العميقة وتبحره بعلومها، فالرسالة اليوسية اتجهت لخدمة وظيفتين
أساسيتين هما وضيفتا التعليم والتثقيف.
وخلاصة القول، تبقى رسائل الحسن
اليوسي بتعبير الباحث أحمد زنيبر «وثائق هامة تضمنت العديد من الإشارات
التاريخية والجغرافية وكذا العديد من الإحالات الدينية والأدبية... ويبقى
صاحبها رمزا أدبيا شامخا» (ص35).
2- الفصل الثاني: في الشعر
كرس
الباحث هذا الفصل لدراسة متنين شعريين فصيحين وقصيدة زجلية في فن الترجما.
ففي المبحث الأول ثمة مقاربة لديوان «شموع» للشاعر المغربي محمد الحلوي،
وهو ديوان يضم بين دفتيه أكثر من مائة قصيدة تنوعت سياقات بوحها، وتعددت
أغراضها.
بعد توقف الباحث عند عتبة الديوان واستنطاق أهم الإحالات
المرجعية والرمزية التي قد يوحي بها، انتقل لرصد أهم الأغراض الواردة في
الديوان، ومن جملتها نجد:
-الدينيات: وجل قصائد هذا الغرض انصرفت للتغني
بطقوس الدعوة الإسلامية، والإشادة بشخص الرسول ومناقبه ونسبه، والملاحظ أن
الطابع الغالب على هذا الغرض هو المسحة الدينية التي ينهل من حياضها.
-الوطنيات:
وهي قصائد تتغنى بحب الوطن والتعلق به، وتندد بالعدوان والتسلط والطغيان،
وفي هذه القصائد استحضار لرموز وذاكرات بصمت التاريخ المغربي. وتحضر غنائية
الشاعر من خلال إظهار نبرات التحسر والتفجع لما آلت إليه أوضاع المغرب،
وانصرفت بعض القصائد الوطنية لمدح الحاكم والإشادة بخصاله وشرعيته المستمدة
من روابط الولاء والبيعة. ويتوج المسار الشعري بكتابة النشيد الوطني الذي
اعتمد رسميا للأكاديمية الملكية العسكرية.
-الطبيعيات: اتخاذه من
الطبيعة نواة شجرية لصياغة صوره وتشبيهاته واعتماده الوصف أداة لتقريب
المشاهد من المتلقي عن طريق التشخيص والأنسنة.
ومن الخلاصات التي انتهى
إليها الباحث في ما يتعلق بغرض الطبيعة، أنها اتسمت بالخصوصية والتفرد من
حيث اعتماد الوصف غرضا مستقلا بذاته، وليس مقدمة للغرض الشعري المطروق.
-القوميات:
اتجهت قصائد هذا الاتجاه إلى ترميم حالة الضعف والهوان التي آل إليها وضع
العرب، فكانت قصائد الشاعر دعوات متكررة لرأب الصدع واستعادة أمجاد السلف
عن طريق النضال بمختلف صوره المشروعة، وانصهار العرب في بوتقة العروبة،
ودعوتهم لمقاومة أعدائها.
-الاجتماعيات: تناولت قصائده بعض القضايا والظواهر المتفشية في المجتمع، ونجد الشاعر هنا يلبس لبوس المصلح الاجتماعي والمطهر المنقذ.
-المراثي:
لا حظ الباحث أن الشاعر محمد الحلوي لم يأت بجديد في هذا الغرض، فقصائده
هي امتداد لتاريخ شعر الرثاء العربي، حيث تتدفق حمم الفراق، وتنساب أودية
الحزن والألم.
ومن الخلاصات الهامة التي أقرها الباحث بعد دراسة عميقة ومستفيضة لديوان «شموع» لمحمد الحلوي ما يلي:
- حسن انتقاء المعجم وتطويع اللغة لخدمة الغرض الشعري.
- تشكيل الصور البيانية والمجازية بحسب اللحظة الشعرية والدفقة الشعورية.
- الالتزام بالبحور الخليلية وتنويعها بحسب الأغراض مع ما يستتبع ذلك من تنويع للأرواء.
- خلق تجانسات صوتية ومحسنات بديعية لإطراب أذن المتلقي.
- تنويع المضامين بحسب لحظات القول الشعري (الذات/الدين/الوطن/المجتمع).
- استغناؤه عن المقدمة الطللية والغزلية كمداخل استهلالية للقصيدة.
- اعتماده التدوير تقنية لصناعة البيت الشعري.
- تنظيم الفضاء النصي باعتباره مكونا شعريا.
في
المبحث الثاني، انطلق الباحث لرصد مفهوم الغربة باعتبارها مكونا أساسيا في
التجربة الذاتية للشاعر/الملك يوسف الثالث. لقد تشكل هذا المفهوم وتبلور
مع ضياع الأندلس/مما ساهم في تفجير لواعج الشعراء سواء كانوا ساسة أو أناسا
عاديين.
والملاحظة الأولى التي يسجلها الباحث تتجلى في ندرة المصادر
التي عرضت لذكر الشاعر، ليكون تحقيق الأستاذ عبد الله كنون معينه الوحيد في
دراسة هذا المتن الشعري. وتبقى تجربة الاعتقال المفجر لمواهب الشاعر، وبعد
خروجه من السجن سيتولى قيادة البلاد بحزم ويقظة وحب جارف للشعر، فهو كما
يرى الأستاذ محمد بنشريفة «أكبر شاعر ملك أنجبته الأندلس بعد المعتمد بن
عباد، وديوانه أكبر من ديوان المعتمد» (ص56).
- في المظاهر
والتجليات:إذا كان للشعر مداخل تسهل عملية ولوج فضاء القصيدة لاستنطاق
صمتها، فقد وجد الباحث أحمد زنيبر في مفهوم الغربة مدخلا مناسبا لمقاربة
التجربة الشعرية للشاعر. لكن السؤال الذي ظل هاجسا مقلقا للباحث وسعى جاهدا
للإجابة عليه هو «هل يمكن الحديث عن خصوصية تميز الشاعر مقارنة مع زمرة من
شعراء الأندلس الذين مروا بنفس التجربة الأليمة؟» (ص58). كان الجواب
بالإثبات، فتجربة الغربة تركت ندوبا غائرة، وخلقت توترا نفسيا عميقا، ساهم
في تشكيل مناخ القصائد التي شكلت علامات فارقة في الشعر الأندلسي.
ومن
خلال ما تقدم يمكن القول إن تجربة الغربة هي الوعاء العام الذي تتحرك في
فلكه كل القصائد المتنوعة الأغراض والسياقات، ومن تمظهراتها نجد:
أ-
شكوى الزمان: تتجه قصائد هذا النوع نحو التبرم من غدر الزمان والأحبة
والمقربين، الذين كانوا سببا في الزج به في غياهب السجن، مما ولد فيه نيران
الحنين والشوق.
ب- اللوم والعتاب: يلوم الشاعر في قصائده بني بلدته
الذين لم يكونوا سندا داعما لمحنته، كما يتوجه باللوم الشديد لأخيه الذي
غدر به وأزاحه من الحكم «فينعته بالخيانة والغدر والدسيسة» (ص61).
ج-
الحنين إلى المكان والأهل: تصطلي نيران قصائده بتذكر الأمكنة التي شكلت
حضنا آمنا للذات، وبخاصة غرناطة التي هي «مكان من لا مكان له، هي البدء وهي
المنتهى» (ص63).
د- بكاء الأحبة: تبلور هذا العنصر في قصائد الرثاء،
فالألم الدفين من فراق الأحبة، فجر كل ينابيع التفجع وحرقة الألم والإحساس
بالغربة والاغتراب.
و- غربة الذات: إن اغتراب الذات وليد توتر وقلق نفسي
جراء الخطوب التي تهاطلت عليه، فصارت عاطفته منكسرة مكلومة، تنطق لغة
الأسى والحزن،وتفتح لها كوة لامتصاص الأمل بعد امتداد اليأس وانطوائه على
نفسه.
- في الخصائص الفنية:
أ- المستوى اللغوي: نجد فيه احتفاء كبيرا باللغة الشعرية، وتنويعا للحقول المعجمية (الطبيعي/الديني/الإنساني).
ب-
المستوى التركيبي: لاحظ فيه الباحث تنويعا لأزمنة الأفعال، مع هيمنة
لكرنولوجيا الأحداث التي انطبعت في ذاكرة الشاعر، وسعى لتحويلها من بعدها
الواقعي إلى بعد تخييلي، بعد صهرها وتذويبها في كيمياء الإبداع الخلاق.
ج-
المستوى الأسلوبي: مزج الشاعر بين أسلوبي الخبر والإنشاء، وإن استأثر
الإنشاء بقسط وافر تجاوبا مع ما يقتضيه المقام وهول الحدث للتعبير عن
انكسارات الذات وتهشمها على إكسير الاغتراب، فجاءت أساليب الإنشاء متلونة
لخدمة الأغراض التي يخرج إليها الإنشاء.
د- المستوى الإيقاعي: اعتمد
الشاعر نظام البحور الخليلية، ونوع فيها بحسب سياقات الأغراض التي نظمها.
أما الإيقاع الداخلي فتشكل أساسا من التجانسات الصوتية والتكرارات التي
تصيب أذن المتلقي فيطرب لها.
ه- المستوى الفني: تسربلت معظم الصور
الشعرية بغلائل التشبيه والمجاز والاستعارة، وسارت بعض القصائد على النهج
التقليدي في بنيته الغرضية، كالابتداء بالنسيب فالمدح أو النسيب ثم الرثاء.
و-
المستوى الدلالي: كانت قصائد الشاعر يوسف الثالث صدى مدويا لما آلت إليه
أوضاع الأندلس من تشرذم وتفرقة، وكان الرهان والهاجس هو العودة إلى ينابيع
القيم الماضية والألفة الخالية وكل ما له صلة بالماضي الجميل» (ص74).
ويظل
الشاعر يوسف الثالث صوتا صادحا ومتفردا في سماء القصيدة الأندلسية التي
انتصر فيها لهيب الحرف الذي يسكن جوانح الشاعر على زمام السلطة التي يدير
دوالبها.
وخصص الباحث المبحث الثالث من فصله الثاني لفن الترجما،
وهو بصنيعه هذا يدخلنا إلى مغارات فن قلما تناولته الدراسة النقدية، باحثا
عن الصلات والوشائج الوثيقة بينه وبين فن الملحون. وفن الترجما كما يعرفه
الأستاذ عباس الجراري عبارة عن « قصائد ترجمها الخيال أي أنشاها وحبكها دون
أن يكون لها حدوث في الواقع» (ص78).
وبعد استعراضه لمفهوم «فن الترجما»
وتقديمه لأهم النصوص المؤسسة له، والتي صارت مرتعا خصبا للذاكرة الشفوية
الشعبية من قبيل قصيدة «الحجام» و»الحراز» وغيرهما، ينتقل الباحث للتوقف
عند نموذج شعري يحظى بميزة خاصة، وهو من» أروع وأبدع ما نظم في هذا المجال
لغة وأسلوبا، ويتعلق الأمر بقصيدة العجوزة والشابة» (ص79). وهي قصة حماة
تخاصمت مع عروسها، ثم تعصب الزوج لامرأته وأخيرا تصالحوا جميعا» (ص79).
ويبدو
أن موضوع الخصام أو المفاضلة منزع أدبي أصيل، وهو موضوع مستهلك في معظم
البيوت المغربية، لكن طريقة بناء الحدث وتوالده والمزاوجة بين الأفقين
التخييلي والواقعي هو ما منح لهذه القصيدة الزجلية قيمتها الفنية
/الجمالية، فهي قصة منحوتة من خيال الشاعر، وملونة بتلاوين أسرار الصنعة
الإبداعية الناهلة من حياض الذاكرة الشفوية المغربية في غناها
وثراها،وتعددها اللغوي والأصواتي، وقدرتها على الغوص العميق في تربة
المجتمع المغربي.
ومن خلاصات الباحث» أن القصة التركمانية تتيح
إمكانيتين متلازمتين للقراءة، قراءة الواقع في الحكاية وقراءة الحكاية في
الواقع، وهو ما يعكس بلاغة القصيدة وجماليتها، كانعكاس وتأمل من جهة ورؤية
وتخيل من جهة ثانية» (ص89).
كما أن القصة اعتمدت بنية خطية تسلسلية، جعلت الأحداث تتنامى وتتصاعد بشكل تدريجي.
ونلاحظ
في انفتاح الناقد أحمد زنيبر على دراسة «فن الترجما» للتركماني المدني
دعوة مستفزة لإعادة الاعتبار والألق لهذا الفن الذي أكلته أرضة النسيان،
وطوته رياح الإهمال، فلم يعد يحفل به أو يحتفى به، وهذه إشارة لبيبة يود
الباحث إرسالها لانتشال هذا الفن من وهاد الانقراض والتلاشي.
3- الفصل الثالث: في التأليف والتحقيق
خصص
الباحث جزأه الأول لمقاربة منهجية التأليف في كتابات محمد المنوني، هذا
الأخير الذي يعد معلمة تاريخية كبرى وخزانة علمية حوت كل كنوز المعرفة من
كتابات إسلامية وتعليم وتاريخ وسيرة نبوية ولغة وآداب وموسيقى وعمارة. وخلص
بعد العرض والتحليل إلى أن منهجية محمد المنوني في التأليف يمكن تصنيفها
إلى ثمان نقط وهي بمثابة المحدد الأساس في كتاباته، وقد رصدها على الشكل
التالي: 1 الحرص الشديد على توثيق مصادره ومخطوطاته. 2 دقته في ترصد وتصيد
المعلومة. 3 عرض الموضوعات والأفكار والآراء وفق نظام تسلسلي. 4 اعتماده
ذائقة أدبية رفيعة وحس تعبيري. 5 وقوفه على أهم الإحداث التي ميزت تاريخ
المغرب الثقافي والحضاري على مر العصور، وإضاءتها لتقريب المتلقي المغربي
منها. 6 اعتناؤه بترجمة زمرة من الأعلام والتعريف بسائر الكتب والتصنيفات. 7
اتصافه بأمانة علمية وذائقة نقدية. 8 تمثله للبعد التعليمي والبيداغوجي
أثناء عملية التأليف.
كما يجمل الباحث أحمد زنيبر الدوافع، التي حركت
فعل الكتابة لدى المنوني في ثلاثة عناصر أساسية، تتقاطع في نقطة مفصلية،
وهي الدفاع عن الهوية المغربية، وهذه العناصر هي: الوطنية والهوية
المغربية/الدفاع عن التراث المغربي العربي الإسلامي/ الرغبة البيداغوجية في
سد فراغات العمل المكتبي والببليوغرافي.
أما الجزء الثاني من هذا الفصل
فخصصه الباحث لعلم التحقيق وافتتحه بتقديم أولي حول بعض الشروط التي ينبغي
توفرها في المحقق الذي يقتحم نصا عاريا من كل شيء، فإذا كان التحقيق
صناعة، فما هي قواعده وأصوله؟
يجيبنا الباحث بطرح جملة من الشروط، في
مقدمتها الإلمام المعرفي بموضوع التحقيق، ثم الاستيعاب الجيد لأصول ومبادئ
التحقيق من دقة في التوثيق والعودة إلى المعاجم والتراجم والاستعانة بعلوم
النحو والبلاغة والعروض، ومن الخطوات والإجراءات العملية التي يستند إليها
المحقق لإضفاء طابع العلمية على تحقيقه»؛ البحث في الأصول والمقارنة بين
النسخ وقراءة المتن وشرحه والتعليق عليه، والتعريف بأعلامه وتخريج استشهادا
ته والإحالة على مصادره ومراجعه» (ص103). وسيقدم الباحث علمين مغربيين
بارزين اشتغلا على علم التحقيق وهما: الدكتور محمد مفتاح والدكتورة نجاة
المريني.
1 د محمد مفتاح وتحقيق «ديوان لسان الدين بن الخطيب»:يشكل
الأستاذ محمد مفتاح مدرسة نقدية مغربية قائمة الذات، لا غنى للباحث المغربي
والعربي عن الاغتراف من مواردها، واقتطاف ثمراتها المتعددة والمتنوعة، وقد
أفضى هذا التنوع والغنى إلى تأسيس مشروع علمي متكامل، من سماته الدقة
والضبط، ويأتي تحقيقه لديوان لسان الدين بن الخطيب في هذا السياق،حيث وقع
الاختيار على تحقيق الديوان نظرا لما يمثله من قيمة أدبية ورمزية في تاريخ
الأدب الأندلسي.
وانطلق محمد مفتاح في تحقيقه أولا بتعيين النسخ الأصلية
المعتمدة في الديوان، ثم تقسيم مراحل لسان الدين الشعرية، فالانتقال لأهم
الأغراض المهيمنة في ديوانه، فوجد أن الوصف والمدح قد حازا قصبا السبق إلى
جانب أغراض شعرية أخرى كالغزل والرثاء والهجاء.
واللافت للانتباه ضخامة
وشساعة المتن المشتغل عليه، إذ فاقت عدد الأبيات سبعة آلاف بيت، وتوخيا
للدقة والتوثيق فقد عمد إلى شكل كل الأبيات وشرح المستغلق منها، ويختم
تحقيقه بإعداد فهارس للمتن المدروس وترتيبها بحسب حروف المعجم.
ومن
خلاصات الباحث وهو يعيد تقليب المتن المحقق وفحصه ملاحظته لعدم ترقيم
الأبيات الشعرية، واعتماد الاختزال في التعريف ببعض الأعلام والأماكن،
وندرة الشروح اللغوية باعتبار أن الشرح لبنة أساسية في علم التحقيق، كما
لاحظ إغفالا لذكر البحر الشعري بالنسبة لنصوص الموشحات، وعلى مستوى الفضاء
النصي تم اقتصار المحقق على تقسيم الورقة إلى قسمين؛ قسم للمتن وآخر
للحاشية.
وبرغم كل هذه الإغفالات البسيطة والمسنودة بتبريرات علمية
أحيانا، فإنها لا تعدم قيمة المحقق ومكانة المحقَق، فقد كان الكتاب إبان
صدوره فتحا مبينا ومرجعا هاما في التوثيق والتحقيق ومرشدا ومعينا لكل طلاب
المعرفة والبحث العلمي.
2 تحقيق شعر أبي العباس أحمد بن القاضي لنجاة
المريني:انصب تحقيق الدكتورة نجاة المريني على أحد رواد الحركة الثقافية
الفكرية في العصر السعدي، ويتعلق الأمر بالشاعر أبي العباس أحمد بن القاضي.
ويرصد الباحث أحمد زنيبر الخطوات المنهجية التي اعتمدتها المحقِقة. وهي
خطوات لا شك قمينة بأن تضفي على التحقيق طابعا علميا يتسم بالدقة والتوثيق،
ومن هذه الخطوات استقصاء وتصحيح ما تم تجميعه وتوثيقه، واعتماد المقارنة
بين الروايات وإثبات الاختلافات الموجودة بينها.
وتجد قيمة المتن الشعري
المحقق صداها في محاولة الباحثة إلقاء الضوء على الحركة الثقافية
والإبداعية في عهد السعديين، وإطلاع القارئ المغربي على ذخائر وكنوز
المكتبة المغربية.
ويخلص الباحث أخيرا إلى اعتبار عمل الدكتورة نجاة
المريني إضافة نوعية أغنت بها المكتبة المغربية، نظرا لقيمته الأدبية
والعلمية التي تجمع بين دقة التوثيق وجودة التحقيق» (ص117).
تــركــيــب إجــمــالــي:
لقد
نجح الباحث أحمد زنيبر في هذا الكتاب في خلق مواءمة بين الثقافتين
المغربية والأندلسية، نظرا لعرى الترابط والاتصال بينهما. فالثقافة
والإبداع لا ينضبطان لحواجز وأسلاك التفتيش إلا من ذوي العقول المريضة التي
سعت لإقبار تراث أدبي زاخر برؤاه الفنية، وثري بعمق أفكاره.
ومن
الملاحظات التي استوقفتنا في تجربة الباحث النقدية، أنها وهي تحرص حرصا
شديدا على انتقاء الألفاظ والمصطلحات المناسبة في الوقت المناسب، تطمح
لإعادة طرح سؤال المعرفة الأدبية التواقة لاستجلاء أدبية الأدب المغربي
وخصوصيته، في فترة من فتراته المنسية، مع تشذيب هذه الكتابة النقدية إلا ما
بدا ضروريا، من ثقل المهاد النظري الابستمولوجي، وذلك بالاتجاه مباشرة إلى
المتن المدروس باعتباره قطبا للبحث وليس حقلا لتجريب أدوات منهجية دخيلة.
كما تحرص هذه الكتابة على خلق تفاعل انسيابي بين النقد والإبداع، وترك النص
الأدبي يتكلم دون وسيط مفتعل.
---------
الهوامش:
1- أحمد زنيبر. مديح الصدى دراسات في أدب الغرب الإسلامي. منشورات دار التنوخي.2011.
2-
نص المداخلة التي ألقيت خلال حفل تقديم وتوقيع كتاب «مديح الصدى» نظمه
المركز الجهوي للتوثيق والتنشيط والإنتاج والبحث التربوي التابع للأكاديمية
الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط سلا زمور زعير، وذلك يوم الأربعاء 4
ماي 2011
17/6/2011\
د عبد الخالق عمراوي |
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» قراءة في كتاب النضال الجبلي
» قراءة في كتاب: الثورة الديموقراطية
» في الحاجة إلى البلاغة قراءة في كتاب 'البلاغة والسرد' لمحمد مشبال
» قراءة في كتاب : القصة القصيرة جدا بالمغرب/ صبيحة شبر
» قراءة في كتاب الإعجاز العلمي في تشريع الزكاة
» قراءة في كتاب: الثورة الديموقراطية
» في الحاجة إلى البلاغة قراءة في كتاب 'البلاغة والسرد' لمحمد مشبال
» قراءة في كتاب : القصة القصيرة جدا بالمغرب/ صبيحة شبر
» قراءة في كتاب الإعجاز العلمي في تشريع الزكاة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى