قراءة نقدية للمرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات كما وقع تغييره وتتميمه
صفحة 1 من اصل 1
قراءة نقدية للمرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات كما وقع تغييره وتتميمه
أكد الأستاذ Leon Bertraud أن " الحكم – الإدارة "،
هما في كل الحالات سلطة صرف المال العام وبغية إحداث التوازن فان سلطة
استعمال المال العمومي يجب أن تقابلها بالضرورة سلطة مراقبة استعمال
الأموال العمومية. وقد أكد نفس الباحث " إن الرقابة لا يمكن أن تكون وسيلة
للحد من سلطة الحكم، بل وسيلة لمراقبة المتصرفين في المال العمومي ".
وبغية مراقبة كيفية استعمال المال العمومي
أوصى إعلان ليما حول الخطوط التوجيهية للرقابة على المال العام الصادر عن
المؤتمر التاسع للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة على ضرورة وجود الرقابة
المسبقة واعتبرها فعالة وضرورية للإدارة السليمة للأموال العمومية وتتوفر
فيها ميزة القدرة على الوقاية من الضرر قبل حدوثه وبالتالي تمكن من التدخل
في وقت تكون فيه النفقة ما زالت لم تأخذ بعد صفة الفعل القانوني ولم يتم
إنجاز العمل بعد. وهكذا فإن الرقابة القبلية تهدف إلى الكشف في الوقت
المناسب عن كل مخالفة للمعايير المعمول بها وكل مساس بمبادئ ومشروعية
الإدارة المالية وكفاءتها واقتصادها في وقت مبكر حتى يمكن في كل حالة من
الحالات اتخاذ الإجراءات التصحيحية أو جعل الأطراف المسؤولة تقبل مسؤوليتها
أو الحصول على تعويضات أو اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع اقتراف أعمال من
هذا القبيل أو على الأقل جعل هذا الاقتراف أكثر صعوبة مستقبلا, وحيث أن
التعديل الدستوري ليوم 14 شتنبر 1996 بتنصيصه من جهة على إحداث مجلس
المستشارين إلى جانب مجلس النواب وكذلك الارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات
إلى مستوى مؤسسة دستورية وإحداث مجالس جهوية. إحداث مجلس المستشارين إلى
جانب مجلس النواب كان يحتم القيام بتحيين القانون التنظيمي للمالية ليشمل
المقتضيات ذات العلاقة باختصاصات مجلس المستشارين فيما يتعلق بمناقشة قانون
المالية. أن القانون التنظيمي ما هو في حقيقة الأمر إلا قانون تطبيقي
للدستور يحدد ويوضح الضوابط والشروط التي يتم بها إعداد مشروع القانون
المالي ومناقشته والتصويت عليه وتنفيذه ومراقبة تنفيذه من قبل السلطة
التنفيذية, مما كان يحتم القيام بإجراءات فعلية لتحيين المنظومة المتعلقة
بمراقبة المال العام, ولهذا انتظر المتتبعون المستجدات التي سيأتي بها النص
القانوني المتعلق بالجهاز المكلف بالمراقبة القبلية للمال العام، أي جهاز
مراقبة الالتزام بالنفقات. وسنحاول في هذه الدراسة أن نقوم بقراءة نقدية
للمرسوم كما وقع تغييره وتتميمه.
1) القانون التنظيمي للمالية والمرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات :
تنص المادة الثالثة من القانون التنظيمي
للمالية " لا يمكن أن يتضمن قانون المالية إلا أحكاما تتعلق بالموارد
والتكاليف أو تهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل وكذلك مراقبة
استعمال الأموال العمومية، وبالعودة إلى المادة الأولى من نفس القانون
التي تنص " يتوقع قانون المالية لكل سنة مالية مجموع موارد وتكاليف الدولة
ويقيمها وبنص عليها ويأذن بها ضمن توازن اقتصادي ومالي يحدد له القانون
المذكور ". إذ انسجاما مع مبدأ توازي الشكليات فان المؤسسة التي ترخص وتأذن
هي التي يجب أن تمتلك سلطة كيفية تحديد استعمال الأموال العمومية و هو ما
يستخلص من محتوى الفصل الأول و الفصل الثالث من القانون التنظيمي للمالية,
إذا فان النصوص القانونية المتعلق موضوعها بكيفية استعمال الأموال العمومية
تدخل في مجال القانون، هذه الإرادة جسدها القانون التنظيمي للمالية الجديد
عندما عمل على سحب الترخيص الذي كان يمنحه القانون التنظيمي السابق في
مادته 26 للحكومة بإصدار النص المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات من خلال
مرسوم. وبالتالي استرجع سلطته، لهذا فإن اصدار المرسوم المتعلق بمراقبة
الالتزام دون ترخيص من القانون التنظيمي للمالية يعتبر خارج المرجعية
القانونية.
2) المرسوم المتعلق بكيفية تطبيق القانون التنظيمي للمالية والمرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات :
لم يمنح القانون التنظيمي للمالية أي
ترخيص للحكومة بإصدار المرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات, ولكن
الفصل السادس من المرسوم المتعلق موضوعه بكيفية تطبيق القانون التنظيمي
للمالية, ينص على أن النص المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات يصدر بمرسوم,
الشيء الذي يتناقض ومحتوى الفصل الثالث من القانون التنظيمي للمالية الذي
جعل كل ما يتعلق بكيفية استعمال الأموال العمومية مجالا للقانون وبالتالي
تكون الحكومة قد تجاوزت القانون من خلال محتوى الفصل السادس من المرسوم
التطبيقي للقانون التنظيمي للمالية.
3) حول مفهوم رقابة الجوهر :
يعدد إعلان ليما حول الخطوط التوجيهية
للرقابة على المال العام أهداف الرقابة في رقابة الشرعية ورقابة النظامية
ورقابة الكفاءة والفعالية والاقتصاد في التصرف المالي ويبقى كل جهاز
للرقابة أن يقوم بتحديد أولويته بالاعتماد على كل حالة بمفردها, ويعتمد
القانون التنظيمي المغربي على مبدأ الترخيص إذا الرقابة يجب أن تتيقن من أن
تنفيذ القانون المالي يحترم الترخيص البرلماني الشيء الذي لا يمكن أن يتم
إلا انطلاقا من جهاز يعمل على مراقبة مشروعية النفقة, وهو جهاز مراقبة
الالتزام بالنفقات كما هو مؤكد من خلال الفصل الأول من المرسوم المتعلق
بمراقبة الالتزام بالنفقات.
ضرورة احترام الإدارة للمشروعية أثناء
قيامها بصرف الاعتمادات هو مبدأ عام يحتم على الإدارة احترامه ويكفي
للاستدلال على ذلك العودة إلى الفصل الواحد والستون من الدستور عندما أكد "
تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين..." مما يعني أن الإدارة ملزمة باحترام
المشروعية أي أن تصرفاتها وإجراءاتها يجب أن تبقى مطابقة للنصوص والقوانين
الجاري بها العمل. إن الإدارة غير ملزمة فقط في إطار احترام المشروعية
باحترام القوانين الموضوعة من طرف مؤسسات دستورية تفوقها تراتبية بل كذلك
احترام القوانين التي تضعها لنفسها أثناء أدائها لوظيفتها على شكل مراسيم
وكذلك أحكام القضاء الإداري بالإضافة إلى إلزامها باحترام المصلحة العامة,
إذا ضرورة احترام المشروعية لا تتمتع فيها الإدارة بإمكانية اتخاذ موقف
المنزلة ما بين المنزلتين بل فقط ضرورة احترام النصوص القانونية. لهذا فان
ما جاء في الورقة التقديمية للسيد وزير الاقتصاد والمالية بخصوص تحيين
المرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات. عندما أكد أن مشروع إصلاح قطاع
مراقبة الالتزام بالنفقات يعتمد على ميكانيزمات جديدة في ميدان الرقابة
تنبني على مبدأ مراقبة الجوهر لا تجد له تأسيسا في التجارب الدولية ولا في
النصوص القانونية المعمول بها في المغرب.
4) التسرع في إصدار المرسوم المغير
والمتمم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات دون انتظار انتهاء البرلمان من
المصادقة على مدونة المحاكم المالية :
يقتضي مبدأ احترام تراتبية السلط بالإضافة إلى احترام
المشروعية، أن يعمل المرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات على احترام
ما سينص عليه القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية أي أن يصدر القانون
قبل المرسوم. لكن بالرجوع إلى تاريخ صدور المرسوم المغير و المتمم للمرسوم
المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات و الذي يصادف تاريخ 31 دجنبر 2001,
بينما الظهير الشريف رقم 1.02.124 بتاريخ 13 يونيو 2002 المتعلق بتنفيذ
القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم لم يتم نشره بالجريدة الرسمية
إلا بتاريخ 15 غشت 2002 مما يثبت التسرع في إصدار المرسوم المتعلق بمراقبة
الالتزام بالنفقات.
5) المرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات والقانون المتعلق بمسؤولية الأمر بالصرف المحاسب والمراقب :
عمل المشرع المغربي على إصدار قانون يحدد
مسؤولية كل من الأمر بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين للدولة
والمجتمع وهيئاتها وكذا المؤسسات والمقاولات العمومية الخاضعة للمراقبة
المالية بالنسبة للقرارات التي يتخذونها أو يؤشرون عليها أو ينفذونها خلال
ممارسة مهامهم. صدر هذا القانون بتاريخ 03/04/2002 ونشر بالجريدة الرسمية
بتاريخ 29/04/2002 أي أن قانونا مهما بالنسبة لعمل المراقبين ويحدد
مسؤوليتهم بشكل واضح لأول مرة. وكان يجري نقاشه بالبرلمان وكانت تتطلب
عملية احترام التراتبية وكذلك من أجل إصدار مرسوم للمراقبة جامع شامل.
انتظار صدور القانون المشار إليه أعلاه، والإشارة ضمن حيثيات المرسوم إلى
هذا القانون. وتخصيص فصل من المرسوم إلى التنصيص إلى أن تأشيرة المراقبين
تقع تحت مسؤوليتهم. ولكن السرعة في إصدار المرسوم الجديد تحتم الآن القيام
بإصلاح جديد يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الجديدة.
5) ميزة التصديق :
ابتكر الفصل الرابع من المرسوم المتعلق
بمراقبة الالتزام بالنفقات كما وقع تغييره وتتمة عملية ميزة التصديق وتنص
هذه العملية على أن مراقبة مقترحات الالتزام بالنفقات التي لا يتجاوز
مبلغها 5000 خمسة آلاف درهم تقتصر على التأكد من توفر الاعتماد وصحة
الانتساب المالي للمقترحات المذكورة، غير أن الحد المشار إليه أعلاه يخفض
إلى ألفين درهم فيما يخص مقترحات الالتزام بالنفقات الخاصة بالأجور
والتعويضات الممنوحة لموظفي وأعوان الدولة، هذا التغيير الذي استهدف تعزيز
سلطة صرف المال العام كان متناقضا مع مطالب المجتمع السياسي والمدني الذي
صُدِمَ أمام الاختلالات المالية التي تعرفها بعض المؤسسات المالية ودفعت
نواب الأمة إلى الإسراع بإخراج مدونة المحاكم المالية بصياغة تستهدف تعزيز
سلطة المراقبة القبلية على الأموال العمومية إذ لأول مرة تنص مدونة المحاكم
المالية على إخضاع مقترح الالتزام للمراقبة أي أن النص التشريعي سيهتم
لأول مرة بالرقابة القبلية. إذا يتضح أن السلطة التشريعية كانت تستهدف
تعزيز سلطة مراقبة استعمال الأموال العمومية بينما السلطة التنظيمية
استهدفت تعزيز سلطة صرف المال العام, وبالتالي يتضح تعارض الأهداف وعدم
احترام تراتبية السلط أي أن الحكومة لم تحترم إرادة الجهاز التشريعي.
أكد الأستاذ Fabre أن تقارير الرقابة أوصت بإلحاح على
تعزيز التعاون ما بين المصالح الإدارية من أجل تجميع الطلبيات العمومية من
أجل الاقتصاد في قيمة المشتريات عكس ما ذهب إليه المرسوم بإقرار ميزة
التصديق وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه الاجتهاد القضائي الفرنسي عندما أقر
عدم إجازة تقسيم الطلبية العمومية في إطار إنجاز نفس العملية، بينما شرعن
المرسوم الجديد المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات عملية تقسيم الطلبية
العمومية رغم كل الويلات التي يحملها هذا الإجراء على الاقتصاد في النفقة
بابتكاره لميزة التصديق.
6) المرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات وسلطة المراقب العام :
يحدد الفصل السابع أن المراقب العام يسير
مصالح مراقبة الالتزام بالنفقات وينسق أعمال المراقبين ويسهر على وحدة
تطبيق وتأويل النصوص من لدن المراقبين. إذا من خلال عملية التنسيق التي
يشرف عليه المراقب العام من خلال آليات لم يتم تحديدها والتي تستدعي
بالضرورة، هيكلية يحضرها المراقبين أو نوابهم للتداول في الاختلافات من أجل
العمل على توحيد التفسير والتأويل. ولكن بالعودة إلى الفصل الرابع عشر من
المرسوم الذي ينص " إذا رفض المراقب التأشير وتمسك الآمر بالصرف أو الآمر
المساعد بالصرف بمقترح الالتزام. أحال الوزير المعني بالأمر إلى المراقب
العام نفي أو تأكيد رفض التأشيرة.
وإذا نفى المراقب العام التأشيرة أمر
المراقب بالتأشيرة على مقترح الالتزام بالنفقات وذلك في إطار المهمة
المسندة إليه بمقتضيات الفصل السابع مما يجعلنا أمام تناقض صارخ ما بين
السلطة الممنوحة للمراقب فيما يخص تفسير النصوص وهي سلطة التنسيق. وما بين
لفظة الأمر التي هي مرتبطة بالسلطة الرئاسية، حيث أنه فيما يتعلق بالسلطة
المرتبطة بالتأشيرة. ينبغي الرجوع إلى ما نص عليه الفصل الأول الذي أكد :
تخضع الالتزامات بنفقات الدولة إلى مراقبة يجريها المراقب العام للالتزام
بالنفقات والمراقبون". حيث عمل المرسوم على إعطائهم نفس السلطة فيما يتعلق
بمهمة المراقبة. و كذلك الأمر بالنسبة للفصل الحادي عشر الذي نص " يتأكد
المراقب العام والمراقبون " حيث عمل هذا الفصل كذلك على جعل نوع من
المساواة في ممارسة المهمة، مما يتضح معه أن المرسوم فيما يتعلق بمهمة
المراقبة منح للمراقب العام فقط سلطة التنسيق التي تتيح للمراقب العام
العمل على توحيد التأويل. رغم أن هذا التوجيه و التأويل الذي يصدر عن
المراقب العام يتم من خلال آلية غير محددة وغير مقننة مما يوضح أن التغيير
الحاصل في الفصل الرابع عشر من المرسوم لم يحترم باقي فصول المرسوم وجاء
متناقضا معها عند استعماله لفظ "أمر".
7) سلطة تحديد مكان العمل :
كل ما يتعلق بالنظام الأساسي العام
للوظيفة العمومية يختص به القانون كما هو منصوص عليه في الفصل السادس
والأربعون من الدستور وعمل القانون المتعلق موضوعه بالنظام الأساسي العام
للوظيفة العمومية على حماية استقرار الموظفين مكانيا بشكل أساسي حيث خصص له
الباب الرابع وبالرجوع إلى الفصل الرابع والستون من القانون الذي نص :
للوزير حق مباشرة انتقالات الموظفين الموجودين تحت سلطته مما يعني أن
ممارسة سلطة الانتقال يمتلكها من يمتلك سلطة التعيين".
وبالعودة إلى الفقرة ما قبل الأخيرة من
الفصل السادس من المرسوم المتعلق بالمراقبة إلى أنه يحدد مكان عمل
المراقبين والموظفين المدعومين للنيابة عنهم أو تعويضهم بمقرر يصدر عن
المراقب العام للالتزام بالنفقات. وهي فقرة تتناقض مع ما ينص عليه قانون
الوظيفة العمومية الذي يلزم المرسوم باحترام مقتضياته, ولهذا فإن تحديد
مكان عمل المراقبين يجب أن يكون إما من طرف من يمتلك سلطة تعيين المراقبين
أي انطلاقا من مرسوم ، أخذا بعين الاعتبار أن سلطة نقل الموظفين يملكها من
يمتلك سلطة التعيين. وفي حالة ما إذا أراد المرسوم أن تبسيط مسطرة نقل
المراقبين ونوابهم فإن السلطة يجب أن تعود انسجاما مع ما نص عليه الفصل
الرابع والستون من قانون الوظيفة العمومية إلى وزير المالية أما ممارسة هذه
المهمة من طرف المراقب العام فتبقى متناقضة مع الترسانة القانونية المشار
إليها أعلاه.
8) استبدال مهمة التأكد من صحة تقدير النفقة إلى مهمة التأكد من العمليات الحسابية لمقترحات الالتزام بالنفقات :
عملت مراقبة الالتزام بالنفقات منذ نشأتها
أي لمدة تتجاوز الثمانين سنة على العمل على ممارسة مهمة التأكد من صحة
تقدير النفقة وهي مهمة ليست سهلة, ويقول عنها الأستاذ Jean Boutoux
(مدير الخزينة الفرنسية سابقا في كتابه 'دروس في قانون الموازنة')
إنها مهمة صعبة تتطلب خبرة وتجربة ودراية واسعة مرتبطة
بطبيعة عمل الرقابة، فالنفقة يجب أن لا تكون مرتفعة التقدير وبالتالي يكون
الأمر بالصرف أو الآمر بالصرف الثانوي لم يبحث عن أفضل الأثمان وبالتالي
لم يقتصد في صرف الاعتمادات أو أن يعمد هذا الأخير إلى التخفيض من تقدير
النفقة للبقاء ضمن حدود الاعتمادات المفتوحة وبالتالي العمل لاحقا على
القيام بمقترح تكميلي للنفقة من أجل استكمال العمل الذي أنجز منه شطر معين
فقط، بكل ما يعنيه ذلك من تجاوز سقف الاعتمادات المفتوحة وهو الأمر الغير
مسموح به انطلاقا من النصوص والقوانين الجاري بها العمل , إن تقدير النفقة
في مرحلة الالتزام يبقى تقريبي ولكن مهم بالنسبة لعمل المراقبة ومنصوص عليه
قانونيا وللاستدلال على ذلك يجب العودة إلى الفصل الأول من القانون
التنظيمي للمالية الذي ينص " يتوقع قانون المالية لكل سنة مالية مجموع
موارد وتكاليف الدولة ويقيمها وينص عليها ويأذن بها..." " إذن العبارة
واضحة يقيمها. لهذا أوكل إلى جهاز مراقبة الالتزام بالنفقات أمر التأكد من
صحة تقدير أو تقييم النفقة. ولكن الصياغة الجديدة بقيت بعيدة كل البعد عن
ما ينص عليه القانون وكنه العمل الرقابي. لتكلف المراقبين والعاملين
بالمراقبة بالتأكد فقط من صحة احتساب النفقة. كأنما مشكل صرف المال العام
بالمغرب يتحدد في عدم صحة احتساب النفقة.
9) مراقبة الالتزام بالنفقات وكيفية تدبير الزمن :
إذا كان ظهير 20 دجنبر 1921 قد حدد آجال
وضع التأشيرة في 24 ساعة وكذلك الأمر بالنسبة لظهير 5 شتنبر1959 لكن ظهير
21 شتنبر 1969 ومرسوم 30 دجنبر 1975 بشأن مراقبة الالتزام بالنفقات يحدد
هذه الآجال في خمسة أيام ونظرا للسرعة المطلوبة من طرف الأجهزة الإدارية
لمجابهة تحدي العولمة والانفتاح وتلبية طلبات المتعاملين معها فان آجال
خمسة أيام لمنح التأشيرة أو عدم منح التأشيرة لم تعد مقبولة في الوقت
الحاضر. لهذا انتظر المهتمون التغيير الجديد من خلال المرسوم رقم
2.01.2678 بتاريخ 2002.12.31 والذي يعمل بأحكامه ابتداءا من 2002.06.30.
ولكن هذا الأخير لم يقدم أي جديد فيما يتعلق بتدبير الزمن داخل المراقبة
اللهم محاولة الايهام بالجديد عند الحديث عن يومين فقط فيما
يتعلق بميزة التصديق مما يتضح معه أن مراقبة الالتزام بالنفقات لم تستطع
منذ ما يقرب من أربعة وثلاثون سنة على العمل على تقليص من مدة التأشير
وتطوير وتحسين كنه الرقابة التي تقوم به.
10) سلطة المراقب العام ما بين التنسيق و الأمر بالتأشير :
منح الفصل الرابع عشر من المرسوم كما وقع
تغييره وتتميمه سلطة دون حدود للمراقب العام فيما يتعلق بمنح التأشيرة أو
رفضها باستعمال لفظ "أمر" بالإضافة إلى أن الفصل بقي صامتا فيما يتعلق بشكل
تعريف هذا الأمر و آلياته حتى نحترم الهدف المتمثل في شرعية النفقة, ويكفي
الاستدلال على ذلك القيام بمقارنة بسيطة ما بين السلطة المقيدة شكلا و
مضمونا التي منحت للوزير الأول لإمكانية تجاوز رفض التأشيرة, بينما منحت
للمراقب العام سلطة تقديرية واسعة في التأشير أو الرفض. (نتحدث هنا عن
مرحلة التحكيم) واستعملت لفظ "أمر" الذي يتنافى ومهمة التأكد من شرعية
النفقة والمسؤولية المترتبة عن التأشير من خلال قانون المسؤولية.
والمسؤولية الجسيمة المتعلقة بحماية الأموال العمومية بل لم تحدد قط الشكل
القانوني لهذا الأمر. دون أن ننسى أن هذا الفصل حمل تناقضا صارخا ما بين
لفظ "أمر" والإحالة.
إلى الفصل السابع من المرسوم الذي ينص على مهمة التنسيق، ويوجد فرق شاسع ما بين "أمر" و"نسق" لفظا ومغزى.
11) المرسوم ما بين تقنين سلطة الوزير الأول، ومنح سلطة تقديرية واسعة للمراقب العام:
يحدد الفصل الرابع عشر من المرسوم رقم
839-75-2 بتاريخ 30-12-75 أنه إذا رفض المراقب التأشيرة وتمسك الأمر بالصرف
أو الأمر المساعد بالصرف الذي قدم مقترح الالتزام بالنفقات بهذا المقترح
أحال الوزير المعني بالأمر إلى المراقب العام لنفي أو تأكيد رفض التأشيرة
المذكورة، وإذا نفى المراقب العام رفض التأشيرة، أمر المراقب بالتأشير على
مقترح الالتزام بالنفقات وذلك في إطار المهمة المسندة إليه بمقتضى الفصل 7
أعلاه.
إذا منح المرسوم سلطة تقديرية واسعة
للمراقب العام من أجل شرعنة النفقات دون قيد أو شرط، بينما كان من المفروض
أن تتم الإشارة إلى أن هذه السلطة مقيدة بما ورد في الفصل الحادي عشر من
المرسوم، أن منح المراقب العام سلطة أمر المراقبين بالتأشير. رغم أن
التأشير مسؤولية حسب القوانين الجاري بها العمل وتقع تحت مسؤولية من يمنحها
يكون متناقضا إذا لم يتمم نفس الفصل بصيغة أن الأمر بالتأشير ينقل
المسؤولية المترتبة عن ذلك من المراقب إلى المراقب العام، مع التنصيص على
الشكل القانوني لهذا الأمر.
أما السيد الوزير الأول فقد قيده الفصل
الرابع عشر "يجوز للوزير الأول تجاوز رفض التأشيرة المذكورة بمقرر ماعدا
إذا كان هذا الرفض معللا بعدم توفر اعتمادات أو مناصب مالية أو بعدم التقيد
بنص تشريعي وأجاز له استشارة لجنة الصفقات ولجنة يرأسها الأمين العام"
بمجموعة من الشروط من الواجب توفرها قبل منحه سلطة تجاوز رفض التأشيرة.
مما يتضح معه أن الفصل الرابع عشر من
المرسوم منح للوزير الأول سلطة مُقَيّدَة وهو المسؤول الأول عن الإدارة حسب
الدستور، بينما منح سلطة تقديرية واسعة للمراقب العام وهو فقط سلطة
إدارية، يقرها وينظمها و يحدد كيفية اشتغالها نص تنظيمي.
12) السلطة الممنوحة للوزير الأول من خلال الفصل الرابع عشر من المرسوم والدستور :
يحدد الفصل الواحد والستون من الدستور أن
الحكومة تعمل على تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول والإدارة موضوعة
رهن تصرفها، وقد فسر الفقهاء القانونين، محتوى هذا الفصل الدستوري بضرورة
تنفيذ الإدارة للقانون بمفهومه العام، وبالتالي ضرورة تقيد الإدارة
بالمشروعية في تصرفاتها. وهكذا فإن الإدارة غير ملزمة فقط باحترام النصوص
التشريعية التي تصدر عن أجهزة تفوقها تراتبية بل كذلك على الإدارة أن تحترم
النصوص القانونية التي وضعتها بنفسها أي المراسيم.
ولكن بالعودة إلى الفصل الرابع عشر من
المرسوم يتضح أن الوزير الأول مطلوب منه فقط احترام النص التشريعي،
وبالتالي يجوز له تجاوز المراسيم التنظيمية، مما يجعل محتوى هذا الفصل
متناقض مع الفصل الواحد والستون من الدستور. (انظر في هذا العدد كتاب
القانون الإداري لمؤلفه georges vedal ص : 267)، مما يدفعنا إلى طرح السؤال
التالي : من المعلوم أن غالبية النصوص المتعلقة بصرف المال العام هي من
اختصاص السلطة التنظيمية على شكل مراسيم (المرسوم الملكي المتعلق بالمحاسبة
العمومية– المرسوم المتعلق بالصفقات- المرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام
بالنفقات....) فكيف يطمئن المواطن الذي يدفع الضرائب على شرعية صرف المال
العام ؟
13) جهاز مراقبة الالتزام بالنفقات يجب أن يتحول من إدارة تقليدية إلى إدارة للمهمات:
رفعت كل القوى السياسية مطلب تحديث
الإدارة بالمغرب، والرفع من قدرة الأجهزة الإدارية على بلوغ الأهداف
المسطرة لها وذلك لن يتم إلا بالانتقال بهذه الأجهزة من الدور التقليدي إلى
دور جديد انسجاما مع ما أكدت عليه البحوث الإدارية حيث فصلت ما بين إدارة
التسيير وإدارة المهمات ابتداءً من 1956 من طرف الباحث Edgard PISANI وحسب
هذا الأخير فإن إدارة المهمات يمكن تعريفها باعتبارها إدارة تستهدف بلوغ
هدف معين من خلال زمن محدود وتتعلق هذه المهمة بتصحيح أو تقويم الأعمال
التي تقوم بها إدارة التسيير وهو ما ينطبق على جهاز مراقبة الالتزام
بالنفقات. وحدد الباحث مميزات هذه الإدارة أنها خفيفة التكاليف، متحركة،
وغير ثقيلة المساطير، وتتميز بسرعة الأداء، وغير متشعبة الهياكل. إذا كان
من المفروض على المرسوم المتعلق بالمراقبة أن يعمل على تجسيد دور إدارة
المهمات لجهاز مراقبة الالتزام بالنفقات بدل العمل على تضخيم هياكله
وبالتالي رفع التكاليف. وثقل المساطير مما يؤدي إلى فقدان سرعة الأداء. إن
المرسوم الجديد ومشروع الهيكلة المصاحب له يعود بجهاز المراقبة إلى دور
الإدارة التقليدية، المنوط بها دور المهام التقليدية، بدل القيام بمجهود
لتحويلها إلى جهاز خاصيته إدارة للمهمات كباقي أجهزة الرقابة في باقي
المعمور.
14) المراقبين وسلطة التأديب:
يمتلك المراقبون سلطة مهمة من خلال
التأشير، وبالتالي كان من المفروض أن يتعرض المرسوم إلى كيفية معاقبة
المراقبين أثناء أداءهم لواجبات أداء وظيفتهم من أجل العمل على تقويم
المخالفين وزجرهم والحرص على حسن شرعية النفقات العمومية، وذلك بالإشارة
إلى كيفية ممارسة سلطة التأديب.
وحيث أن لا عقوبة إلا بنص احتراما لمبدأ
شرعية العقوبة وبالرجوع إلى الفصل الخامس والستون من القانون المتعلق
بالوظيفة العمومية الذي ينص على أن "تختص بسلطة التأديب السلطة التي لها حق
التسمية". وحسب الفقرة الثانية من الفصل السادس من المرسوم المتعلق
بمراقبة الالتزام بالنفقات فإن المراقبون يعينون بمرسوم من طرف الوزير
الأول ولهذا كان من المفروض التنصيص كذلك على كيفية ممارسة سلطة التأديب من
طرف السلطة التي لها حق التسمية أي الوزير الأول.
15) غياب نص خاص بالمراقبين:
لممارسة مهامهم بكل حرية، ودون ضغوط،
ونظرا لطبيعة مهامهم، كان من المفروض أن يتم وضع قانون خاص يحدد كيفية
الترقي انطلاقا من مسطرة واضحة. وخصوصا أن القيام بمهمة التأكد من شرعية
النفقة، حسب المرسوم، قد تضع بعض المراقبين في خلاف حول تفسير النصوص مع
المراقب العام. أو الولاة والعمال أو باقي الجهاز التنفيذي وحتى لا تؤثر
طريقة ممارستهم لمهامهم على مستقبلهم المهني. من خلال الترقية أو التنقل
صار من المفروض تمتيعهم باستقلالية من خلال مرسوم خاص. كما هو الشأن في
فرنسا حيث يتمتع المراقبين بمرسوم خاص (المرسوم رقم 56-81 بتاريخ
23-01-1956 المتعلق بالنظام الخاص بالمراقبين الماليين.
-إن صدور قانون المسؤولية بالنسبة
للمراقبين يحتم على المُشَرع أن يمتع المراقبين باستقلالية أثناء أدائهم
لوظيفتهم وذلك بالعمل على إصدار النص المتعلق بالمراقبين.
16) المراقبات المركزية وعدم تقنين مقرات العمل :
كان من المفروض أن يقنن المرسوم المتعلق
بمراقبة الالتزام بالنفقات المقرات التي تشتغل بها المراقبات المركزية، من
حيث التنصيص على أن المقرات التي تشتغل بها المراقبات المركزية والتابعة
لوزارات غير وزارة المالية تكون موضوع اتفاق ما بين وزير المالية والوزير
المعني بالأمر بدل التزام المرسوم الصمت حول المقرات الغير تابعة لوزارة
المالية.
17) مراقبة الالتزام بالنفقات والموظفين والأعوان المعارين:
لأداء مهامها عملت مراقبة الالتزام
بالنفقات للاستعانة بموظفين وأعوان معارين، وبقيت وضعية هؤلاء غامضة ولا
ينظمها أي نص قانوني، لهذا كان من الضروري أن يعمل المرسوم المتعلق بمراقبة
الالتزام بالنفقات على تقنين وضعية هؤلاء الموظفين والأعوان. و خصوصا أنهم
صاروا مسؤولين عن المهام التي يقومون بها داخل المراقبة من خلال قانون
المسؤولية.
18) شكل تأشيرة مراقبة الالتزام بالنفقات :
يعتبر المراقبون مسؤولون عن التأشير على
مقترحات الالتزام المعروضة على أنظارهم. وكان بالتالي من المفروض أن يحدد
المرسوم المتعلق بمراقبة الالتزام بالنفقات شكل هذه التأشيرة. حتى يتم
تقنين وتوحيد هذا الشكل المفترض لتأشيرة. ولكن المرسوم بقي صامتا فيما
يتعلق بشكل التأشيرة.
الخلاصة:
إن مسألة الحفاظ على المال العام وكيفية
مراقبته تأخذ الأولوية في الانشغالات الوطنية لهذا صار من الضروري والحتمي
أن يترك الباب مفتوحا أمام التقنقراط العاملين بالإدارة لتمرير تصورهم
لكيفية اشتغال أجهزة الرقابة بل صار من المفروض أن يفتح نقاش وطني حول
أجهزة الرقابة، تكلفتها، أداءها، طبيعة الخروقات التي يتعرض لها صرف المال
العام ثم بالتالي متطلبات الإصلاح. إن السرعة الني هيئ بها المرسوم الجديد
لمراقبة الالتزام بالنفقات تتطلب إعادة صياغة المرسوم بشكل جديد و تصور
قادر على حماية المال العام من أي استعمال خارج المرجعية القانونية.
المنتصر السويني
باحث في المالية العمومية
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مواضيع مماثلة
» محمد الدريج: بيداغوجيا الإدماج لا يفهمها إلا المُوكَل له بتنزيلها
» الالتزام بقواعد المرور.. واجب شرعي
» مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وإجراءات ممارسة حق الإضراب
» قيمة الالتزام بالدستور الإلهي/عبدالمنصف إسماعيل
» أشلاء نقدية / خليل الدمون
» الالتزام بقواعد المرور.. واجب شرعي
» مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وإجراءات ممارسة حق الإضراب
» قيمة الالتزام بالدستور الإلهي/عبدالمنصف إسماعيل
» أشلاء نقدية / خليل الدمون
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى