ليلى طرابلسي في كتابها الجديد «حقيقتي»
صفحة 1 من اصل 1
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
1 - غادرت تونس وفي حقيبتي عبايات وزوج أحذية
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن
علي،تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقا ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي» الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ
14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها
برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة
نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها
في سيدي بوزيد، ومن ثمة تونس إنطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار
قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات
التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا
الكتاب أيضا، على كل ما وصفته إدعاءات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها
ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة. وان
كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجوه السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول
من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب الذي تنشر
القبس ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقا من مقابلات أجريت معها.
ماذا
وقع في الرابع عشر من يناير 2011؟ لقد لفّت هذا اليوم إشاعات كثيرة،
وادعاءات كاذبة وأدلة مصطنعة. ولذلك عليّ أن أبدأ بسرد الوقائع بدقة، مثلما
لاحظتها وعشتها، لقد كانت أحداثا ميّزت رحيلنا القسري من البلاد. في ذلك
الصباح، استيقظت في حدود الساعة الثامنة صباحا في بيتنا بسيدي بوزيد. كان
الجو جميلا والبحر أزرق اللون وهادئا، لكن رغم ذلك لم أكن قادرة على
الاستمتاع بمثل هذا المنظر، لأن الأخبار التي كانت تصل منذ بضعة أيام، غير
مطمئنة تماما.
كانت موجة من الاحتجاجات تعصف بالبلاد، وقد انطلقت في بعض
مناطق الجنوب والوسط، لتنتشر وتمتد الى العاصمة. في تلك الفترة بدأت
عائلاتنا بالقلق، فبيت الزوجة السابقة لأخي ناصر احترق، أما شقيقتي جليلة
فقد لجأت إليّ برفقة عائلتها منذ يوم الأربعاء، أي بعد يومين من ورود
معلومات إليها، تفيد بوجود عصابات، قررت الاعتداء على عائلة طرابلسي
وأملاكها. والأمر نفسه وقع مع أخي بلحسن، الذي قرر هو الآخر قضاء بضعة ليال
عند زوج والدته برفقة زوجته وأولاده.
كنا ندرك بالتأكيد أننا نعيش مرحلة صعبة، لكني لم أكن اعتقد بان الأوضاع ستتدهور بهذا الشكل ولا أننا سنغادر بعد بضع ساعات.
في
تلك الجمعة 14 يناير، فوجئت بتدفق أفراد أسرتي على بيتي، تقاطر الجميع على
بيتي، وكان من بينهم أخواتي وإخوتي وأبناء إخوتي وأولادهم وشقيقات زوجي،
بالإضافة إلى أقرباء لبن علي.
كان الجميع يتحدثون عن فوضى، وعن خطر
حقيقي بات قريبا، بعد أن أرسل لهم رئيس الأمن الرئاسي علي السرياطي سيارات
رباعية الدفع، حتى يجتمعوا عندي في سيدي بوزيد، لكني في الواقع لم اكتب أي
شكوى ولم أرسل أي رسالة إلى أفراد عائلتي عن طريق السرياطي.
لقد كلمهم
هذا الأخير وشجعهم على مغادرة البلاد، وكان يقول «إنها تحترق»، ثم تكفل
بتوفير حجوزات لهم على الرحلات المتوجهة إلى كل من ليون وطرابلس، على أن
يعودوا إلى تونس بعد أن يستتب الأمن وتعود الأوضاع إلى مجاريها.
استعد
الجميع للرحيل واتجهوا إلى مطار قرطاج التونسي، بينما انشغلت أنا بمن
سيغادرون متأخرين إلى طرابلس، وكان من بينهم الزوجة السابقة لأخي ناصر مع
ابنها حسام وزوجة ناصر مع أولادها الثلاثة. لم يكن الجميع ينتظرون أن تكون
المغادرة بهذه السرعة، لقد أتوا من دون حقائب، وكانت النساء يرتدين نعالا
منزلية، فيما كان الأطفال بلا معاطف، وقد أعرتهم القليل مما هو موجود
للسفر.
بن علي يطلب من ليلى أداء عمرة
في حدود الساعة
الثالثة والنصف عصرا تلقيت مكالمة هاتفية من قصر قرطاج، وكان زوجي هو
المتصل. لقد اقترح علي الذهاب لأداء عمرة برفقة ابني محمد وابنتي حليمة.
كان الطلب مفاجئا للغاية فسألته «لماذا نذهب فجأة هكذا للمملكة العربية
السعودية؟ فأجاب بن علي «فقط حتى تعود الأوضاع لحالتها العادية، ستعودون
بعد ثلاثة أيام او أربعة».
كان علي السرياطي هو من اقترح على بن علي
ذلك، كنت متأكدة من الأمر، لكني لم أفهم أهمية هذا الاقتراح ولا أسباب
استعجال رحيلي: كيف يمكن لي أن أصدق بأن بضعة آلاف من المتظاهرين يمكن أن
يشكلوا خطرا علينا، مما يجبرنا على الرحيل؟
كنت أثق في زوجي وفي قدرته
على استعادة الأمن وإخراج البلاد من الاضطرابات التي تهدد هدوءها، وكيف لا
أثق به، وهو الذي كان يلقب بـ«جنرال الأزمات»، قبلت الفكرة في الأخير لكن
من دون اقتناع.
في تلك الأثناء وصلت ابنتي حليمة، قادمة من قصر قرطاج،
حيث كانت هناك برفقة خطيبها، للاطلاع عن كثب على ما يحصل، لكنها وصلت وفي
جعبتها رسالة من والدها «علي أن أمرّ عليه في مكتبه، لأودعه وأسرع في
المغادرة». في حدود الساعة الرابعة عصرا غادرت البيت أنا وابني محمد البالغ
ست سنوات وابنتي حليمة وخطيبها، دون أن يكون أمامنا متسع من الوقت لترتيب
حقائبنا، لكني اكتفيت بحقيبة صغيرة وضعت فيها ملابس لمحمد الصغير، فيما
وضعت في الحقيبة الثانية زوجا من الأحذية وعبايات لأداء العمرة ومستلزمات
الحمام.
كانت حليمة ترتدي جينزا وأما كل متاعها فهو معطف لا غير، فلا
شيء يواسيها اليوم سوى أنها لم تنس ارتداء خاتم خطبتها.. هذا ما أقوله ردا
على بعض القصص التي أوردت أني غادرت محملة بعشرات الحقائب. لم آخذ أي
مجوهرات ولا ملابس ولا الملابس البسيطة التي تُرتدى يوميا، ولم يكن بحوزتي
لا مال ولا جواز سفر. وقد قيل اني ذهبت محملة بأطنان من الذهب، أخذتها من
البنك المركزي بعد أن سطوت عليه.
لقد كذبت إدارة البنك كل هذه
الافتراءات الكبيرة، وأخيرا قيل انهم عثروا على مبالغ مالية هائلة في قصر
سيدي بوزيد بعد رحيلنا. نعم كنا نملك سيولة وهذا أمر عادي في الصناديق
الشخصية لرؤساء الدول، لكنها مبالغ لا يمكن أن تصل قيمتها إلى 41 مليون
دينار تونسي مثلما قيل.
مغادرة على وقع نباح الكلاب
غادرنا
قصر قرطاج على وقع نباح الكلاب التي يبدو أنها اشتمت رائحة المأساة، وأما
في الخارج، فكان الشارع مهجورا ولا أثر لأي دبابة، لم تكن هناك سوى سيارة
شرطة متوقفة بمفردها أمام عمارة، وأما في الأسفل فكانت هناك مدرعتان
تابعتان للجيش التونسي فقط. لأول مرة شعرت بان هناك أمرا غير طبيعي يجري.
اتجهنا
نحو قصر قرطاج، حيث كان علي أن أودع زوجي قبل المغادرة مثلما كان متفقا
عليه، لكن لم يكن هناك أي حارس أمام المبنى الرسمي، فيما كانت الأبواب كلها
مشرعة، ولم تكن هناك سيارات للمرافقة ولا للخدمات، فيما لمحت دبابتين فقط
على الرصيف.
ذهلت مما رأيت وتصورت بأننا في زمن الحرب، فيما انتابني شعور بان الشر سيحيط بنا من كل صوب.
في
داخل القصر وأمام مكتب الرئيس، رأيت سيارات رباعية الدفع متوقفة، بالإضافة
إلى سيارة علي السرياطي، فيما كان هناك أفراد من الحرس الشخصي وسائقون،
اقترب مني احدهم وترجاني «أرجوك سيدتي، أخرجيه من هنا، على الرئيس أن
يرحل».
لم افهم معنى ما كان يقوله هذا الرجل واقتربت من المكتب للدخول.
كان زوجي محاطا بمدير التشريفات الرئاسية(البروتوكول ) محسن رحيم ومدير
مكتبه إياد اودرني ونجله مروان مبروك، زوج إحدى بناته من زواجه الأول،
والذي لم يتأخر في مغادرة المكان.
بن علي يرافق عائلته إلى المطار
كان
مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي قلقا ويتحدث عن أخطار كبيرة، حيث حاول
إقناعنا بضرورة أن ارحل برفقة الأولاد، وانتهى إلى إقناع الرئيس بمرافقتنا
إلى المطار، مثلما جرت عليه العادة.
بقينا خمس دقائق فقط، ثم طلب الرئيس
من أحدهم الذهاب إلى البيت لإحضار جوازات السفر، في تلك الأثناء صرخ
السرياطي «أي بيت؟ وأي جوازات سفر؟ ليس أمامنا أي وقت، علينا الرحيل فورا».
لم
يكن أمامنا متسع للتفكير منطقيا، ورغم ذلك رفض زوجي مغادرة مكتبه، وقال
للسرياطي «رافقهم، أنا سأبقى هنا»، لكن هذا الأخير أصر وقال ان القصر يمكن
أن يتعرض للتفجير، وان المروحيات تحيط بالمكان وخفر السواحل فيملأون البحر.
شخصيا
لم أر أي مروحية، ولم افهم كلام السرياطي الذي اعتبرته مجرد هذيان، لكني
لم أقل شيئا وإنما حليمة هي من أصر على أن يرافقنا والدها إلى المطار
وهددته بالقول «إن لم تأت، لن ارحل». حينها قرر بن علي الخروج من القصر.
تغيير الوجهة
أنا
من قاد السيارة فيما جلس زوجي إلى جانبي، وركب ابني محمد وحليمة وخطيبها
إلى الوراء. كان الموكب يتكون من سيارتي وسيارة تقل الحرس الشخصي وسيارتين
أو ثلاث كانت تتجاوز الموكب للحراسة، فيما كانت سيارة علي السرياطي تسير
أمامنا بسرعة فائقة لدرجة أنه اصطدم بسيارة مدنية في مفترق طرق قرطاج، لكنه
لم يتوقف، اعتقادا منه بأن الأمر ليس خطيرا ولا يستدعي التوقف.
وبدل أن
نتوجه نحو المطار الدولي لقرطاج، المكان الذي كنا نغادر منه في العادة،
اتجه السرياطي إلى مطار العونية المخصص فقط للطيران العسكري.
فوجئت من
تغيير الاتجاه، لكني لم اطرح أي سؤال، فالرجل يعرف جيدا الوضع وما علي سوى
السير وراءه وبسرعة كبيرة، في تلك الأثناء أنزل الرئيس المظلة الداخلية
للسيارة حتى لا يتم التعرف عليه وطلب مني تخفيض السرعة وقال «لا يوجد
حريق».
في الواقع لم يفهم الرئيس لم كان السرياطي يسرع لدرجة أننا بلغنا مطار العونية في ظرف ست دقائق.
في مطار العونية
رفض
الحرس العسكري في البداية فتح الأبواب لنا، وتطلّب دخولنا نزول السرياطي
من سيارته، وحين دخلنا لم تتم مرافقتنا إلى القاعة الشرفية مثل العادة،
ولكن إلى سرداب كانت به طائرة عسكرية.
رأيت من حولي، فانتبهت إلى أن
السرداب يعج بعشرات العسكريين، كانت هناك وحدات للتدخل من فرقة محاربة
الإرهاب، الذي كنا نطلق عليهم اسم «النينجا» وعناصر من الحرس الوطني
وموظفين في الأمن بلباس مدني وكان عناصر آخرون يرتدون زيا موحدا أخضر
اللون، لم أتمكن من معرفتهم.
وكان الحرس الشخصي التابع لنا يفصل بيننا وبين الآخرين.
رأيت
أيضا مدرعات تابعة للجيش، ولكن اعتقد أنها كانت موجودة في هذا المكان منذ
بدء التظاهرات بسبب حالة الطوارئ التي أُعلنت في البلاد.
المفاجأة
الثانية هي أن عددا من أفراد عائلتي الذين كانوا سيتوجهون إلى طرابلس
انطلاقا من مطار قرطاج لحقوا بنا، لقد سمعوا بأني ذاهبة إلى المملكة
العربية السعودية، فجاءوا أملا في العثور على مكان في الطائرة التي كانت
ستقلنا، لكن السرياطي حاول ثنيهم بالقول انهم مسجلون في رحلة تنطلق عند
الساعة السابعة مساء باتجاه ليبيا، وأن عليهم الرحيل فورا حتى لا تفوتهم
الرحلة، وأما أنا فلم يسمح لي الوقت إلا بإبقاء أخت زوجي سعاد إلى جانبي.
في
السرداب انشغل زوجي بالحديث إلى السرياطي، وكانا يتجهان نحو الطائرة وأما
أنا فكنت اتبعهما مثل الروبوت ولكني لمست شيئا من العدائية، فقلت في نفسي،
لو أراد احدهم إطلاق النار على بن علي، لأصابني أنا وهذا للأسف حلم حلمت به
سابقا وكنت أتذكره دوما.
مفاوضات في الطائرة
عمّ ذعر كبير، حين
أعلن السرياطي أن فرقة مكافحة الإرهاب استولت على برج المراقبة وهناك
تحدثت لأول مرة، ووجهت كلامي لقائد الطائرة شيخ روحو، حيث طلبت منه إطلاعي
على ما يحدث بالضبط «هل نحن فعلا غير قادرين على المغادرة»؟
أجرى قائد الطائرة اتصالا هاتفيا ثم ردّ علي «لا تنشغلي سيدتي، لا أحد استولى على برج المراقبة، وسنغادر».
هل
كان علي السرياطي يكذب أم كان ضحية معلومات مغلوطة؟ على كل حال ها هو يلعب
مرة اخرى، لأنه اقترح على زوجي هذه المرة شيئا آخر «سيدي الرئيس، لا نعرف
الوضع، لذا عليك أن ترافق شخصيا عائلتك إلى المملكة العربية السعودية، لن
تخسر شيئا إن فعلت ذلك، غدا ستعود الأمور إلى مجاريها وستعود».
رأيت زوجي وقد تملكه الذهول والدهشة، لم سيغادر هو الآخر؟ كيف سيغادر فيما يتطلب الوضع الاستعجالي الذي تعيشه البلاد وجوده؟
في
تلك الأثناء كان السرياطي يسرد السيناريو المحتمل الذي رسمه بنفسه «تفجير
القصر وحمام دم واغتيال محتمل للرئيس من قبل أحد حراسه الشخصيين.
بن علي يركب الطائرة
انتهى
بن علي في الأخير بقبول فكرة المغادرة بسبب إصرار السرياطي وليس بسبب دموع
ابني مثلما قيل، فالصغير محمد، لم يكن يعي ما يحصل، وكان قد ركب الطائرة
بمجرد وصولنا إلى مطار العوينة. في تلك الأثناء وفي حضور مدير التشريفات
الرئاسية (البروتوكول )محسن رحيم، استدعى الرئيس قائد الطائرة ليخبره
بقراره «سأرافقكم، إلى غاية وصول العائلة ثم نعود بعدها مباشرة، ثم استدار
نحو رحيم وطلب منه اطلاع الوزير الأول بالقرار».
كان السرياطي يدفع
الرئيس باتجاه مصعد الطائرة خوفا من أن يغير رأيه، وحين صعدا استمر في
حديثه وقال «أنا أيضا سأغادر معكم، أغراضي موجودة هنا».
فوجئ بن علي
وتساءل «كيف هذا، كيف تذهب معنا؟ هل أنا من يرافق العائلة ام أنت، لكن على
احدنا أن يبقى هنا، على الأقل لضمان أمن قصر قرطاج».
حينها طلب السرياطي من مضيفة الطيران أن تناوله أغراضه وكانت عبارة عن محفظة ومعطف وقبعة ثم نزل.
فيما
بعد وخلال التحقيق الأول معه في السجن، زعم السرياطي أنه اتفق مع الرئيس
على المغادرة وان الرئيس طلب منه مرافقته. لكن هذا لم يحصل كان اقتراح
السرياطي ويبدو أنه شعر بالراحة لان الرئيس لم يسمح له بالسفر.
وحتى
خلال التحقيقات التالية التي جرت معه، وحين سئل عما إذا كانت لدى الرئيس
نية الهروب، أجاب «نعم، اعتقد ذلك» وهذا كذب وافتراء حقيقي.
فمن دون
إصرار السرياطي لم يكن الرئيس سيصعد الطائرة على الإطلاق، ولم يكن يود أبدا
مرافقتنا إلى المطار، وحين قرر المغادرة إلى المملكة العربية السعودية
معنا، كان عازما على العودة في اليوم التالي.
بن علي المغرم ابدا بليلاه والواقع تحت سحرها
علي،تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقا ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي» الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ
14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها
برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة
نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها
في سيدي بوزيد، ومن ثمة تونس إنطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار
قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات
التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا
الكتاب أيضا، على كل ما وصفته إدعاءات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها
ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة. وان
كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجوه السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول
من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب الذي تنشر
القبس ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقا من مقابلات أجريت معها.
ماذا
وقع في الرابع عشر من يناير 2011؟ لقد لفّت هذا اليوم إشاعات كثيرة،
وادعاءات كاذبة وأدلة مصطنعة. ولذلك عليّ أن أبدأ بسرد الوقائع بدقة، مثلما
لاحظتها وعشتها، لقد كانت أحداثا ميّزت رحيلنا القسري من البلاد. في ذلك
الصباح، استيقظت في حدود الساعة الثامنة صباحا في بيتنا بسيدي بوزيد. كان
الجو جميلا والبحر أزرق اللون وهادئا، لكن رغم ذلك لم أكن قادرة على
الاستمتاع بمثل هذا المنظر، لأن الأخبار التي كانت تصل منذ بضعة أيام، غير
مطمئنة تماما.
كانت موجة من الاحتجاجات تعصف بالبلاد، وقد انطلقت في بعض
مناطق الجنوب والوسط، لتنتشر وتمتد الى العاصمة. في تلك الفترة بدأت
عائلاتنا بالقلق، فبيت الزوجة السابقة لأخي ناصر احترق، أما شقيقتي جليلة
فقد لجأت إليّ برفقة عائلتها منذ يوم الأربعاء، أي بعد يومين من ورود
معلومات إليها، تفيد بوجود عصابات، قررت الاعتداء على عائلة طرابلسي
وأملاكها. والأمر نفسه وقع مع أخي بلحسن، الذي قرر هو الآخر قضاء بضعة ليال
عند زوج والدته برفقة زوجته وأولاده.
كنا ندرك بالتأكيد أننا نعيش مرحلة صعبة، لكني لم أكن اعتقد بان الأوضاع ستتدهور بهذا الشكل ولا أننا سنغادر بعد بضع ساعات.
في
تلك الجمعة 14 يناير، فوجئت بتدفق أفراد أسرتي على بيتي، تقاطر الجميع على
بيتي، وكان من بينهم أخواتي وإخوتي وأبناء إخوتي وأولادهم وشقيقات زوجي،
بالإضافة إلى أقرباء لبن علي.
كان الجميع يتحدثون عن فوضى، وعن خطر
حقيقي بات قريبا، بعد أن أرسل لهم رئيس الأمن الرئاسي علي السرياطي سيارات
رباعية الدفع، حتى يجتمعوا عندي في سيدي بوزيد، لكني في الواقع لم اكتب أي
شكوى ولم أرسل أي رسالة إلى أفراد عائلتي عن طريق السرياطي.
لقد كلمهم
هذا الأخير وشجعهم على مغادرة البلاد، وكان يقول «إنها تحترق»، ثم تكفل
بتوفير حجوزات لهم على الرحلات المتوجهة إلى كل من ليون وطرابلس، على أن
يعودوا إلى تونس بعد أن يستتب الأمن وتعود الأوضاع إلى مجاريها.
استعد
الجميع للرحيل واتجهوا إلى مطار قرطاج التونسي، بينما انشغلت أنا بمن
سيغادرون متأخرين إلى طرابلس، وكان من بينهم الزوجة السابقة لأخي ناصر مع
ابنها حسام وزوجة ناصر مع أولادها الثلاثة. لم يكن الجميع ينتظرون أن تكون
المغادرة بهذه السرعة، لقد أتوا من دون حقائب، وكانت النساء يرتدين نعالا
منزلية، فيما كان الأطفال بلا معاطف، وقد أعرتهم القليل مما هو موجود
للسفر.
بن علي يطلب من ليلى أداء عمرة
في حدود الساعة
الثالثة والنصف عصرا تلقيت مكالمة هاتفية من قصر قرطاج، وكان زوجي هو
المتصل. لقد اقترح علي الذهاب لأداء عمرة برفقة ابني محمد وابنتي حليمة.
كان الطلب مفاجئا للغاية فسألته «لماذا نذهب فجأة هكذا للمملكة العربية
السعودية؟ فأجاب بن علي «فقط حتى تعود الأوضاع لحالتها العادية، ستعودون
بعد ثلاثة أيام او أربعة».
كان علي السرياطي هو من اقترح على بن علي
ذلك، كنت متأكدة من الأمر، لكني لم أفهم أهمية هذا الاقتراح ولا أسباب
استعجال رحيلي: كيف يمكن لي أن أصدق بأن بضعة آلاف من المتظاهرين يمكن أن
يشكلوا خطرا علينا، مما يجبرنا على الرحيل؟
كنت أثق في زوجي وفي قدرته
على استعادة الأمن وإخراج البلاد من الاضطرابات التي تهدد هدوءها، وكيف لا
أثق به، وهو الذي كان يلقب بـ«جنرال الأزمات»، قبلت الفكرة في الأخير لكن
من دون اقتناع.
في تلك الأثناء وصلت ابنتي حليمة، قادمة من قصر قرطاج،
حيث كانت هناك برفقة خطيبها، للاطلاع عن كثب على ما يحصل، لكنها وصلت وفي
جعبتها رسالة من والدها «علي أن أمرّ عليه في مكتبه، لأودعه وأسرع في
المغادرة». في حدود الساعة الرابعة عصرا غادرت البيت أنا وابني محمد البالغ
ست سنوات وابنتي حليمة وخطيبها، دون أن يكون أمامنا متسع من الوقت لترتيب
حقائبنا، لكني اكتفيت بحقيبة صغيرة وضعت فيها ملابس لمحمد الصغير، فيما
وضعت في الحقيبة الثانية زوجا من الأحذية وعبايات لأداء العمرة ومستلزمات
الحمام.
كانت حليمة ترتدي جينزا وأما كل متاعها فهو معطف لا غير، فلا
شيء يواسيها اليوم سوى أنها لم تنس ارتداء خاتم خطبتها.. هذا ما أقوله ردا
على بعض القصص التي أوردت أني غادرت محملة بعشرات الحقائب. لم آخذ أي
مجوهرات ولا ملابس ولا الملابس البسيطة التي تُرتدى يوميا، ولم يكن بحوزتي
لا مال ولا جواز سفر. وقد قيل اني ذهبت محملة بأطنان من الذهب، أخذتها من
البنك المركزي بعد أن سطوت عليه.
لقد كذبت إدارة البنك كل هذه
الافتراءات الكبيرة، وأخيرا قيل انهم عثروا على مبالغ مالية هائلة في قصر
سيدي بوزيد بعد رحيلنا. نعم كنا نملك سيولة وهذا أمر عادي في الصناديق
الشخصية لرؤساء الدول، لكنها مبالغ لا يمكن أن تصل قيمتها إلى 41 مليون
دينار تونسي مثلما قيل.
مغادرة على وقع نباح الكلاب
غادرنا
قصر قرطاج على وقع نباح الكلاب التي يبدو أنها اشتمت رائحة المأساة، وأما
في الخارج، فكان الشارع مهجورا ولا أثر لأي دبابة، لم تكن هناك سوى سيارة
شرطة متوقفة بمفردها أمام عمارة، وأما في الأسفل فكانت هناك مدرعتان
تابعتان للجيش التونسي فقط. لأول مرة شعرت بان هناك أمرا غير طبيعي يجري.
اتجهنا
نحو قصر قرطاج، حيث كان علي أن أودع زوجي قبل المغادرة مثلما كان متفقا
عليه، لكن لم يكن هناك أي حارس أمام المبنى الرسمي، فيما كانت الأبواب كلها
مشرعة، ولم تكن هناك سيارات للمرافقة ولا للخدمات، فيما لمحت دبابتين فقط
على الرصيف.
ذهلت مما رأيت وتصورت بأننا في زمن الحرب، فيما انتابني شعور بان الشر سيحيط بنا من كل صوب.
في
داخل القصر وأمام مكتب الرئيس، رأيت سيارات رباعية الدفع متوقفة، بالإضافة
إلى سيارة علي السرياطي، فيما كان هناك أفراد من الحرس الشخصي وسائقون،
اقترب مني احدهم وترجاني «أرجوك سيدتي، أخرجيه من هنا، على الرئيس أن
يرحل».
لم افهم معنى ما كان يقوله هذا الرجل واقتربت من المكتب للدخول.
كان زوجي محاطا بمدير التشريفات الرئاسية(البروتوكول ) محسن رحيم ومدير
مكتبه إياد اودرني ونجله مروان مبروك، زوج إحدى بناته من زواجه الأول،
والذي لم يتأخر في مغادرة المكان.
بن علي يرافق عائلته إلى المطار
كان
مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي قلقا ويتحدث عن أخطار كبيرة، حيث حاول
إقناعنا بضرورة أن ارحل برفقة الأولاد، وانتهى إلى إقناع الرئيس بمرافقتنا
إلى المطار، مثلما جرت عليه العادة.
بقينا خمس دقائق فقط، ثم طلب الرئيس
من أحدهم الذهاب إلى البيت لإحضار جوازات السفر، في تلك الأثناء صرخ
السرياطي «أي بيت؟ وأي جوازات سفر؟ ليس أمامنا أي وقت، علينا الرحيل فورا».
لم
يكن أمامنا متسع للتفكير منطقيا، ورغم ذلك رفض زوجي مغادرة مكتبه، وقال
للسرياطي «رافقهم، أنا سأبقى هنا»، لكن هذا الأخير أصر وقال ان القصر يمكن
أن يتعرض للتفجير، وان المروحيات تحيط بالمكان وخفر السواحل فيملأون البحر.
شخصيا
لم أر أي مروحية، ولم افهم كلام السرياطي الذي اعتبرته مجرد هذيان، لكني
لم أقل شيئا وإنما حليمة هي من أصر على أن يرافقنا والدها إلى المطار
وهددته بالقول «إن لم تأت، لن ارحل». حينها قرر بن علي الخروج من القصر.
تغيير الوجهة
أنا
من قاد السيارة فيما جلس زوجي إلى جانبي، وركب ابني محمد وحليمة وخطيبها
إلى الوراء. كان الموكب يتكون من سيارتي وسيارة تقل الحرس الشخصي وسيارتين
أو ثلاث كانت تتجاوز الموكب للحراسة، فيما كانت سيارة علي السرياطي تسير
أمامنا بسرعة فائقة لدرجة أنه اصطدم بسيارة مدنية في مفترق طرق قرطاج، لكنه
لم يتوقف، اعتقادا منه بأن الأمر ليس خطيرا ولا يستدعي التوقف.
وبدل أن
نتوجه نحو المطار الدولي لقرطاج، المكان الذي كنا نغادر منه في العادة،
اتجه السرياطي إلى مطار العونية المخصص فقط للطيران العسكري.
فوجئت من
تغيير الاتجاه، لكني لم اطرح أي سؤال، فالرجل يعرف جيدا الوضع وما علي سوى
السير وراءه وبسرعة كبيرة، في تلك الأثناء أنزل الرئيس المظلة الداخلية
للسيارة حتى لا يتم التعرف عليه وطلب مني تخفيض السرعة وقال «لا يوجد
حريق».
في الواقع لم يفهم الرئيس لم كان السرياطي يسرع لدرجة أننا بلغنا مطار العونية في ظرف ست دقائق.
في مطار العونية
رفض
الحرس العسكري في البداية فتح الأبواب لنا، وتطلّب دخولنا نزول السرياطي
من سيارته، وحين دخلنا لم تتم مرافقتنا إلى القاعة الشرفية مثل العادة،
ولكن إلى سرداب كانت به طائرة عسكرية.
رأيت من حولي، فانتبهت إلى أن
السرداب يعج بعشرات العسكريين، كانت هناك وحدات للتدخل من فرقة محاربة
الإرهاب، الذي كنا نطلق عليهم اسم «النينجا» وعناصر من الحرس الوطني
وموظفين في الأمن بلباس مدني وكان عناصر آخرون يرتدون زيا موحدا أخضر
اللون، لم أتمكن من معرفتهم.
وكان الحرس الشخصي التابع لنا يفصل بيننا وبين الآخرين.
رأيت
أيضا مدرعات تابعة للجيش، ولكن اعتقد أنها كانت موجودة في هذا المكان منذ
بدء التظاهرات بسبب حالة الطوارئ التي أُعلنت في البلاد.
المفاجأة
الثانية هي أن عددا من أفراد عائلتي الذين كانوا سيتوجهون إلى طرابلس
انطلاقا من مطار قرطاج لحقوا بنا، لقد سمعوا بأني ذاهبة إلى المملكة
العربية السعودية، فجاءوا أملا في العثور على مكان في الطائرة التي كانت
ستقلنا، لكن السرياطي حاول ثنيهم بالقول انهم مسجلون في رحلة تنطلق عند
الساعة السابعة مساء باتجاه ليبيا، وأن عليهم الرحيل فورا حتى لا تفوتهم
الرحلة، وأما أنا فلم يسمح لي الوقت إلا بإبقاء أخت زوجي سعاد إلى جانبي.
في
السرداب انشغل زوجي بالحديث إلى السرياطي، وكانا يتجهان نحو الطائرة وأما
أنا فكنت اتبعهما مثل الروبوت ولكني لمست شيئا من العدائية، فقلت في نفسي،
لو أراد احدهم إطلاق النار على بن علي، لأصابني أنا وهذا للأسف حلم حلمت به
سابقا وكنت أتذكره دوما.
مفاوضات في الطائرة
عمّ ذعر كبير، حين
أعلن السرياطي أن فرقة مكافحة الإرهاب استولت على برج المراقبة وهناك
تحدثت لأول مرة، ووجهت كلامي لقائد الطائرة شيخ روحو، حيث طلبت منه إطلاعي
على ما يحدث بالضبط «هل نحن فعلا غير قادرين على المغادرة»؟
أجرى قائد الطائرة اتصالا هاتفيا ثم ردّ علي «لا تنشغلي سيدتي، لا أحد استولى على برج المراقبة، وسنغادر».
هل
كان علي السرياطي يكذب أم كان ضحية معلومات مغلوطة؟ على كل حال ها هو يلعب
مرة اخرى، لأنه اقترح على زوجي هذه المرة شيئا آخر «سيدي الرئيس، لا نعرف
الوضع، لذا عليك أن ترافق شخصيا عائلتك إلى المملكة العربية السعودية، لن
تخسر شيئا إن فعلت ذلك، غدا ستعود الأمور إلى مجاريها وستعود».
رأيت زوجي وقد تملكه الذهول والدهشة، لم سيغادر هو الآخر؟ كيف سيغادر فيما يتطلب الوضع الاستعجالي الذي تعيشه البلاد وجوده؟
في
تلك الأثناء كان السرياطي يسرد السيناريو المحتمل الذي رسمه بنفسه «تفجير
القصر وحمام دم واغتيال محتمل للرئيس من قبل أحد حراسه الشخصيين.
بن علي يركب الطائرة
انتهى
بن علي في الأخير بقبول فكرة المغادرة بسبب إصرار السرياطي وليس بسبب دموع
ابني مثلما قيل، فالصغير محمد، لم يكن يعي ما يحصل، وكان قد ركب الطائرة
بمجرد وصولنا إلى مطار العوينة. في تلك الأثناء وفي حضور مدير التشريفات
الرئاسية (البروتوكول )محسن رحيم، استدعى الرئيس قائد الطائرة ليخبره
بقراره «سأرافقكم، إلى غاية وصول العائلة ثم نعود بعدها مباشرة، ثم استدار
نحو رحيم وطلب منه اطلاع الوزير الأول بالقرار».
كان السرياطي يدفع
الرئيس باتجاه مصعد الطائرة خوفا من أن يغير رأيه، وحين صعدا استمر في
حديثه وقال «أنا أيضا سأغادر معكم، أغراضي موجودة هنا».
فوجئ بن علي
وتساءل «كيف هذا، كيف تذهب معنا؟ هل أنا من يرافق العائلة ام أنت، لكن على
احدنا أن يبقى هنا، على الأقل لضمان أمن قصر قرطاج».
حينها طلب السرياطي من مضيفة الطيران أن تناوله أغراضه وكانت عبارة عن محفظة ومعطف وقبعة ثم نزل.
فيما
بعد وخلال التحقيق الأول معه في السجن، زعم السرياطي أنه اتفق مع الرئيس
على المغادرة وان الرئيس طلب منه مرافقته. لكن هذا لم يحصل كان اقتراح
السرياطي ويبدو أنه شعر بالراحة لان الرئيس لم يسمح له بالسفر.
وحتى
خلال التحقيقات التالية التي جرت معه، وحين سئل عما إذا كانت لدى الرئيس
نية الهروب، أجاب «نعم، اعتقد ذلك» وهذا كذب وافتراء حقيقي.
فمن دون
إصرار السرياطي لم يكن الرئيس سيصعد الطائرة على الإطلاق، ولم يكن يود أبدا
مرافقتنا إلى المطار، وحين قرر المغادرة إلى المملكة العربية السعودية
معنا، كان عازما على العودة في اليوم التالي.
بن علي المغرم ابدا بليلاه والواقع تحت سحرها
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
2 - والدة البوعزيزي كذبت حين قالت إنها رمت المال بوجه بن علي
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن
علي،تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقا ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي» الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ
14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها
برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة
نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها
في سيدي بوزيد، ومن ثمة تونس إنطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار
قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات
التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا
الكتاب أيضا، على كل ما وصفته إدعاءات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها
ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة. وان
كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجوه السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول
من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب الذي تنشر
القبس ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقا من مقابلات أجريت معها. مع
الإشارة الى أن الحقيقة هي غالبا في مكان آخر.
كانت حليمة ابنة الرئيس
التونسي السابق زين العابدين بن علي آخر من ركب الطائرة، بعد أن طلبت من
أحد أفراد الحرس الشخصي، ان كان بمقدورها تقبيل والدها، ذلك أن الظروف يمكن
ألا تسمح بلقائهما قريبا، لكن الرجل اكتفى بالقول «لا أعرف».
ما أن
صعدت حليمة الى الطائرة، حتى اكتشفت أن والدها سيغادر مثلها... كان الأمر
مفاجئا ليس فقط لنا، وانما أيضا لمدبرة بيتنا ايمان، خصوصا حين طلبت منها
مضيفة الطيران أدوية الرئيس، حيث سألتها «لماذا تريدين الأدوية؟ هل الرئيس
مسافر؟».
لم نكن نرى عبر النافذة سوى أربع سيارات كبيرة، كانت تشكل ما
يشبه الحاجز. اصطفاف هذه السيارات جعلني أفكر في وجود خطر داهم، يتهدد مدرج
الطائرة، خصوصا بعدما حذرنا السرياطي وأخبرنا بسيطرة البعض على برج
المراقبة، ما قد يحول دون سفر الرئيس أو ما قد يؤدي الى اغتياله.
هل
كانت التهديدات حقيقية أم كانت مجرد سيناريو أخرجه السرياطي؟ هل كان هناك
خطر يتهدد الرئيس فعلا؟ أم كانوا يريدون رحيله حتى لا يتم توقيفه أو
محاكمته؟ هل كانوا يريدون اعتماد فرضية الهروب دون السقوط في أي تناقض؟.
السفر
أقلعت الطائرة في حدود الساعة الخامسة والنصف عصرا وكنت على متنها، أنا وزوجي وابني محمد وحليمة وخطيبها، بالاضافة الى طاقم الطائرة.
في
الواقع، بعد بضع دقائق من الاقلاع،جاء قائد الطائرة واطلع بن علي على أمر
تلقاه من الرئيس المدير العام للخطوط الجوية التونسية نبيل شتاوي، لقد طلب
منه هذا الأخير العودة فورا الى تونس بعد أن يُنزل جميع الركاب في المملكة
العربية السعودية.
لم يفهم بن علي ان كان الأمر يتعلق بغلطة أو نكتة،
لذلك قام من مقعده واتجه نحو الكابينة، حيث كان الطيار والميكانيكي وقال
لهما «أبنائي، اذا ما كنتم في حاجة الى فسحة للراحة أو الى وقت اضافي
للتزود بالكيروزين، لا يوجد أي مشكل، سنغادر في وقت متأخر من الصباح».
لكن الطائرة غادرت بسرعة، فمن أعطى الأمر؟.
اتصل
زوجي هاتفيا بالوزير الأول محمد الغنوشي ليخبره بأنه سيغادر ويعود في
الغد، وعليه أن يخلفه في ممارسة مهامه، ثم أعاد الاتصال به، لكن العنوشي رد
عليه بالقول «نحن في قصر قرطاج سيدي الرئيس» فتساءل الرئيس: ماذا تفعل في
القصر في هذه الساعة؟ فرد الوزير الأول «لا أعرف، لقد حضر حرس ملثمون الى
بيتي وجاءوا بي بالقوة».
حين كان الغنوشي يرد على الرئيس، كان يتوجه
بكلامه الى شخص آخر، كان يحاول ابعاده، لقد كان يقول له «اخرج من هنا،
اخرج، ألا ترى أني بصدد الحديث مع السيد الرئيس».
تساءل بن علي: مع من تتحدث؟ فرد الغنوشي: «انه أحد الحراس ولا يريد الخروج، لقد حبسونا هنا ولا نعرف لمَ؟
كان
الوزير الأول يشعر بالخوف، وقد شعر الرئيس بذلك من نبرة صوته، واعتقد أن
زوجي فهم كل شيء في هذه اللحظة، فحاول الاتصال بالسرياطي، لكنه لم ينجح في
ذلك، لان مدير الأمن الرئاسي لم يرد. مباشرة بعد ذلك طلب الرئيس التحدث إلى
فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب، الذي كرر له كلام الغنوشي نفسه «لقد اقتيد
من قبل رجال ملثمين إلى الصالون الأزرق في قصر قرطاج من دون أي تفسير»
والأمر نفسه بالنسبة لرئيس غرفة المستشارين وزير الداخلية السابق عبد الله
قلال الذي لم يتوقف عن تكرار «سيدي الرئيس ما يحدث خطير للغاية، عليك أن
تبقى حيث أنت».
ويبدو أن المحاولة ذاتها استهدفت رئيس المجلس الدستوري
فتحي عبد الناظر، لكن هذا الأخير أغلق هاتفه، فلم يتمكن الملثمون من
الإمساك به.
بدا جليا الآن أن الاشخاص الذين أجبروا أبرز أعضاء الحكومة
على التنقل إلى قصر قرطاج، هم أنفسهم الذين حضّروا مقلب الطائرة لإبعادنا
من البلد وعدم عودة بن علي.
اتصل بن علي هاتفيا بوزير الدفاع رضا قريرة،
فوصف هذا الأخير الوضع في قوله «إنها كارثة، وقعت مجزرة هذا المساء
والحصيلة ثقيلة جدا، عليك أن تبقى في المملكة العربية السعودية ليومين او
ثلاثة ولا تعد أبدا قبل أن نتصل بك».
وأخيراً اتصل الرئيس بكمال لطيف،
صديقه السابق الذي تحول إلى خصمه، لكن هذا الأخير اكتفى بالتعبير التونسي
«لقد تقاسمنا الماء والملح واعتبارا لهذه الصداقة، أنصحك بعدم العودة».
أعاد
بن علي الاتصال بوزير الدفاع كي يسأله عن الأسباب التي منعته من الحديث
إلى السرياطي، لكنه فوجئ برضا قريرة يخبره بتوقيف مدير الأمن الرئاسي علي
السرياطي بسبب تورطه في الأحداث.
تحول مكتب الطائرة إلى خلية أزمة، حيث
حاولت أنا وزوجي فهم الوضع وكنت أعرف من خلال المعلومات التي كانت ترد إلى
بن علي بان أفراد عائلتي وجزءا من أفراد عائلته تم اعتقالهم، شعرت بالقلق
وخفت من أن يكون القتل مآلهم فيما كان أبنائي قلقين، لكننا تجنبنا اطلاعهم
على حقيقة الوضع.
في تلك الأثناء، انشغل خطيب حليمة بشد انتباه محمد
بسرد قصص له، واللعب معه، كانا جائعين، ولكن لم يكن هناك أي شيء على متن
الطائرة سوى بعض زجاجات المياه المعدنية التي جيء بها في آخر دقيقة.. وهما
منهمكان في اللعب خرج زوجي من مكتبه وأعطاهما قطعة شوكولاتة.
الوصول
حطت
الطائرة في المملكة العربية السعودية بعد خمس ساعات من الطيران من دون
توقف. كان مخطط الطيران مباشرا، ولم تكن لنا وجهة أخرى منذ الانطلاق، عكس
ما قيل، فلا جربة ولا إيطاليا ولا ليبيا، كانت مبرمجة كمحطات للتزود
بالمؤونة أو الكيروسين ولا حتى فرنسا لنستقر فيها.
كل الفرضيات التي طرحت، لم تكن سوى إشاعات فقط، استعملت لتكتمل عملية إخراج «فيلم» إبعادنا من تونس.
كانت
الساعة تشير إلى منتصف الليل بالتوقيت المحلي والعاشرة والنصف بتوقيت
تونس، حين وصلنا. وقد تم استقبالنا مثلما يستقبل أي رئيس دولة، مررنا
بالقاعة الشرفية وكان هناك موكب وسيارات رسمية لنقلنا.
بعد ساعة ونصف
الساعة فقط، غادرت الطائرة من دون أن تنتظر زوجي.. لقد أُبعد الرئيس بن علي
من تونس فيما اجتمعت شروط شغور منصب الرئيس، وقد تبين لنا ذلك بعد 24 ساعة
من خلال تطبيق المادة 57 من الدستور التونسي، حيث عوض برئيس مجلس النواب
فؤاد المبزع.
لم نستطع تصديق السيناريو الذي رسم لنا بعناية، فخلال عدة
أيام كنّا نعتقد بأن الأمر يتعلق بتضليل من جهة ما، أو بفترة سيئة ستمر،
وأننا سنعود من جديد إلى بلدنا.
حاول زوجي السيطرة على الأوضاع من جديد،
فاتصل بوزرائه، الذين بدا بأن الأحداث قد تجاوزتهم، بما في ذلك الوزير
الأول محمد الغنوشي، الذي بقي على اتصال ببن علي طيلة الأسبوع التالي.
كان
الغنوشي، يكرر الجملة نفسها في الهاتف «لا نعرف من أعطى أمر ترحيلك، ولا
نعرف لحد الآن هوية من جاء بنا بالقوة إلى القصر الرئاسي وليس لدينا أي
فكرة عما سيحصل في البلاد».
بعد التساؤل والشك، دخلنا مرحلة الحزن
والألم، لقد بقينا مصدومين طيلة الأيام التالية، كما ابتعدنا عن شاشات
التلفزيون حتى لا نصدم أكثر من كم الاتهامات والشهادات المزورة.
بن علي يزور البوعزيزي
اشتدت
الإشاعة منذ أكتوبر 2010، لكننا لم نأخذها بجدية، فمنذ تاريخ السابع عشر
ديسمبر 2010، التاريخ الذي أقدم فيه محمد البوعزيزي على حرق نفسه، بدأت
التظاهرات، لقد انطلقت في سيدي بوزيد وكانت المؤشرات تشير إلى أنها ستمتد
إلى مناطق اخرى من البلاد. لم يكن بن علي يغادر مكتبه وكان يقضي أياما في
التشاور مع وزيري الدفاع والداخلية، وأما أجزاء من الليل فكان يقضيها في
الهاتف معهما أيضا.
أصر الرئيس على زيارة البوعزيزي حين أدخل إلى
المستشارين عكس ما نصح به مستشاروه. ففي 28 ديسمبر التقط له كاميرات
التلفزيون صورا إلى جانب سرير الرجل الشاب، الذي كان على قيد الحياة، عكس
الاشاعات التي ترددت، وجاء فيها أن الرئيس كان يقف إلى جانب جثمان
البوعزيزي.
كان الرجل يعاني كثيرا ولكن كان يعي ما يجري من حوله، حتى
أن الرئيس اقترح نقله للعلاج في الخارج ويمكن أن يؤكد الأطباء، الذين كانوا
حينها هناك هذا الأمر، لكن وضعيته كانت حرجة.
ولكن علينا في المقابل
أن نطرح السؤال التالي: لماذا أدت وفاة محمد البوعزيزي نتيجة إحراق نفسه،
إلى اشتعال الوضع في تونس وانتشار موجة التظاهرات تلك؟وليس الشابان اللذان
احرقا نفسيهما قبل أسبوعين في الموناستير؟
هل كان التوقيت غير مناسب لمن
كانوا يدبرون المؤامرة. كانوا ينوون إشعال فتيل التظاهرات في منتصف ديسمبر
حتى تستمر شهرا كاملا، كان البرنامج معدا من قبل، وكان تاريخ الرابع عشر
من يناير مضبوطا كذلك.
أعتقد شخصيا أنه كان ينبغي التحقيق بدقة في قضية البوعزيزي، كان ذلك سيوضح لنا العديد من الحقائق، لكن ما وقع، قد وقع.
وُصف
تنقل بن علي إلى المستشفى للاطمئنان على صحة البوعزيزي باعتراف بالضعف،
فيما استعملت هذه المأساة الإنسانية كفتيل لإشعال تونس، على الرغم من أن
الرئيس وبعد الزيارة استقبل والدة وشقيقة محمد البوعزيزي، اللذين سلمهما
مبلغا ماليا معتبرا، قبلاه وشكراه عليه.
وهذه الأم نفسها ظهرت على شاشات الفضائيات، زاعمة أنها رمت المال في وجه الرئيس. . . بدون تعليق.
الضوء الأخضر في ديسمبر
في
نهاية ديسمبر، بدأت أياد خفية في إثارة الاضطرابات، وقد وصل إلى مسامع
الرئيس بأن سيارة مؤجرة وسيارات أجرة وسيارات أجرة جماعية تستعمل في
المسافات الطويلة، تجوب المناطق الداخلية وتقوم بتوزيع المال والقنابل
المسيلة للدموع وأقراص مضادة للاكتئاب.
كانت النية مبيتة إذا ما أخذنا
بعين الاعتبار المكالمات الهاتفية التي التقطتها أجهزة الاستخبارات
الداخلية وجاء فيها «استمروا في ارتكاب أعمال عنف، ازرعوا الفوضى بمهاجمة
أقسام الشرطة، وإحراق المقرات العمومية والبنوك والمحاكم وإطلاق سراح
المساجين، الذين غادر البعض منهم إلى لامبيدوزا الايطالية، وقد روت مجموعة
منهم كيف أنهم أُجبروا على مغادرة السجون عبر فتحات حُفرت لهم وقال هؤلاء
إن العسكر من حرروهم استنادا إلى نوعية الأحذية التي كانوا يرتدونها.
امتدت
الاحتجاجات إلى العاصمة تونس بتاريخ الحادي عشر من يناير، حيث انتشرت
عصابات في الأحياء الحساسة وفي الضواحي الشمالية في الكرم وسلامبو، وبدأت
في مهاجمة البيوت الخاصة وفي السيطرة على الطرق الفرعية للمدينة وبخاصة في
الأحياء الفقيرة كحي التحرير وابن خلدون، حيث كانوا يشجعون الناس على
التظاهر والقتل.
لجأ وزير الداخلية إلى نشر قوات كبيرة من الشرطة، لكن
من دون فائدة، فيما تم الاعتداء على مقر التجمع الدستوري الديموقراطي،
الحزب الحاكم. حينذاك لم يكن محمد الغرياني وكان أمينا عاما للتجمع، يملك
ما يرد به الأذى عن نفسه، وقد اتُّهم لاحقا باستعمال مقرات الحزب لتخزين
العصي والأسلحة البيضاء الموجهة لضرب المتظاهرين وزرع الذعر بعد مغادرة
الرئيس، وألقي به في السجن.
وليس الغرياني الوحيد الذي عومل بهذه الطريقة.
استمرت
الخطة منذ الرابع عشر من يناير، فكلما تأزم الوضع وتظاهر المواطنون ارتفعت
أصوات ضد قرار الفريق الجديد الموجود في السلطة، من خلال الإعلان عن
إضرابات وتحطيم مبان والإعلان عن اكتشاف مخابئ للسلاح، وكانوا يرددون «رجال
بن علي» و«عصابة الطرابلسية» او «حلفاء التجمع الدستوري».
كل هذه الأوضاع غذت الكراهية والشعور بضرورة الانتقام حتى ينعم البلد بالهدوء من جديد.
في
المناطق الداخلية للبلاد مثل القصرين وتالة، أُعلن عن وجود جماعات غير
معروفة في المنطقة، أحيانا كان يرتدي عناصرها زيا موحدا وكانوا يوزعون
الأسلحة البيضاء والمال وكانوا يطاردون أفراد الشرطة لسرقة أسلحتهم.
في تلك الفترة التي كانت تونس تعيش خلالها الدمار، عيّن كمال لطيف، أحمد الفريعة كرجل للمرحلة.
بن علي يزور البو عزيزي
علي،تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقا ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي» الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ
14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها
برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة
نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها
في سيدي بوزيد، ومن ثمة تونس إنطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار
قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات
التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا
الكتاب أيضا، على كل ما وصفته إدعاءات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها
ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة. وان
كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجوه السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول
من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب الذي تنشر
القبس ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقا من مقابلات أجريت معها. مع
الإشارة الى أن الحقيقة هي غالبا في مكان آخر.
كانت حليمة ابنة الرئيس
التونسي السابق زين العابدين بن علي آخر من ركب الطائرة، بعد أن طلبت من
أحد أفراد الحرس الشخصي، ان كان بمقدورها تقبيل والدها، ذلك أن الظروف يمكن
ألا تسمح بلقائهما قريبا، لكن الرجل اكتفى بالقول «لا أعرف».
ما أن
صعدت حليمة الى الطائرة، حتى اكتشفت أن والدها سيغادر مثلها... كان الأمر
مفاجئا ليس فقط لنا، وانما أيضا لمدبرة بيتنا ايمان، خصوصا حين طلبت منها
مضيفة الطيران أدوية الرئيس، حيث سألتها «لماذا تريدين الأدوية؟ هل الرئيس
مسافر؟».
لم نكن نرى عبر النافذة سوى أربع سيارات كبيرة، كانت تشكل ما
يشبه الحاجز. اصطفاف هذه السيارات جعلني أفكر في وجود خطر داهم، يتهدد مدرج
الطائرة، خصوصا بعدما حذرنا السرياطي وأخبرنا بسيطرة البعض على برج
المراقبة، ما قد يحول دون سفر الرئيس أو ما قد يؤدي الى اغتياله.
هل
كانت التهديدات حقيقية أم كانت مجرد سيناريو أخرجه السرياطي؟ هل كان هناك
خطر يتهدد الرئيس فعلا؟ أم كانوا يريدون رحيله حتى لا يتم توقيفه أو
محاكمته؟ هل كانوا يريدون اعتماد فرضية الهروب دون السقوط في أي تناقض؟.
السفر
أقلعت الطائرة في حدود الساعة الخامسة والنصف عصرا وكنت على متنها، أنا وزوجي وابني محمد وحليمة وخطيبها، بالاضافة الى طاقم الطائرة.
في
الواقع، بعد بضع دقائق من الاقلاع،جاء قائد الطائرة واطلع بن علي على أمر
تلقاه من الرئيس المدير العام للخطوط الجوية التونسية نبيل شتاوي، لقد طلب
منه هذا الأخير العودة فورا الى تونس بعد أن يُنزل جميع الركاب في المملكة
العربية السعودية.
لم يفهم بن علي ان كان الأمر يتعلق بغلطة أو نكتة،
لذلك قام من مقعده واتجه نحو الكابينة، حيث كان الطيار والميكانيكي وقال
لهما «أبنائي، اذا ما كنتم في حاجة الى فسحة للراحة أو الى وقت اضافي
للتزود بالكيروزين، لا يوجد أي مشكل، سنغادر في وقت متأخر من الصباح».
لكن الطائرة غادرت بسرعة، فمن أعطى الأمر؟.
اتصل
زوجي هاتفيا بالوزير الأول محمد الغنوشي ليخبره بأنه سيغادر ويعود في
الغد، وعليه أن يخلفه في ممارسة مهامه، ثم أعاد الاتصال به، لكن العنوشي رد
عليه بالقول «نحن في قصر قرطاج سيدي الرئيس» فتساءل الرئيس: ماذا تفعل في
القصر في هذه الساعة؟ فرد الوزير الأول «لا أعرف، لقد حضر حرس ملثمون الى
بيتي وجاءوا بي بالقوة».
حين كان الغنوشي يرد على الرئيس، كان يتوجه
بكلامه الى شخص آخر، كان يحاول ابعاده، لقد كان يقول له «اخرج من هنا،
اخرج، ألا ترى أني بصدد الحديث مع السيد الرئيس».
تساءل بن علي: مع من تتحدث؟ فرد الغنوشي: «انه أحد الحراس ولا يريد الخروج، لقد حبسونا هنا ولا نعرف لمَ؟
كان
الوزير الأول يشعر بالخوف، وقد شعر الرئيس بذلك من نبرة صوته، واعتقد أن
زوجي فهم كل شيء في هذه اللحظة، فحاول الاتصال بالسرياطي، لكنه لم ينجح في
ذلك، لان مدير الأمن الرئاسي لم يرد. مباشرة بعد ذلك طلب الرئيس التحدث إلى
فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب، الذي كرر له كلام الغنوشي نفسه «لقد اقتيد
من قبل رجال ملثمين إلى الصالون الأزرق في قصر قرطاج من دون أي تفسير»
والأمر نفسه بالنسبة لرئيس غرفة المستشارين وزير الداخلية السابق عبد الله
قلال الذي لم يتوقف عن تكرار «سيدي الرئيس ما يحدث خطير للغاية، عليك أن
تبقى حيث أنت».
ويبدو أن المحاولة ذاتها استهدفت رئيس المجلس الدستوري
فتحي عبد الناظر، لكن هذا الأخير أغلق هاتفه، فلم يتمكن الملثمون من
الإمساك به.
بدا جليا الآن أن الاشخاص الذين أجبروا أبرز أعضاء الحكومة
على التنقل إلى قصر قرطاج، هم أنفسهم الذين حضّروا مقلب الطائرة لإبعادنا
من البلد وعدم عودة بن علي.
اتصل بن علي هاتفيا بوزير الدفاع رضا قريرة،
فوصف هذا الأخير الوضع في قوله «إنها كارثة، وقعت مجزرة هذا المساء
والحصيلة ثقيلة جدا، عليك أن تبقى في المملكة العربية السعودية ليومين او
ثلاثة ولا تعد أبدا قبل أن نتصل بك».
وأخيراً اتصل الرئيس بكمال لطيف،
صديقه السابق الذي تحول إلى خصمه، لكن هذا الأخير اكتفى بالتعبير التونسي
«لقد تقاسمنا الماء والملح واعتبارا لهذه الصداقة، أنصحك بعدم العودة».
أعاد
بن علي الاتصال بوزير الدفاع كي يسأله عن الأسباب التي منعته من الحديث
إلى السرياطي، لكنه فوجئ برضا قريرة يخبره بتوقيف مدير الأمن الرئاسي علي
السرياطي بسبب تورطه في الأحداث.
تحول مكتب الطائرة إلى خلية أزمة، حيث
حاولت أنا وزوجي فهم الوضع وكنت أعرف من خلال المعلومات التي كانت ترد إلى
بن علي بان أفراد عائلتي وجزءا من أفراد عائلته تم اعتقالهم، شعرت بالقلق
وخفت من أن يكون القتل مآلهم فيما كان أبنائي قلقين، لكننا تجنبنا اطلاعهم
على حقيقة الوضع.
في تلك الأثناء، انشغل خطيب حليمة بشد انتباه محمد
بسرد قصص له، واللعب معه، كانا جائعين، ولكن لم يكن هناك أي شيء على متن
الطائرة سوى بعض زجاجات المياه المعدنية التي جيء بها في آخر دقيقة.. وهما
منهمكان في اللعب خرج زوجي من مكتبه وأعطاهما قطعة شوكولاتة.
الوصول
حطت
الطائرة في المملكة العربية السعودية بعد خمس ساعات من الطيران من دون
توقف. كان مخطط الطيران مباشرا، ولم تكن لنا وجهة أخرى منذ الانطلاق، عكس
ما قيل، فلا جربة ولا إيطاليا ولا ليبيا، كانت مبرمجة كمحطات للتزود
بالمؤونة أو الكيروسين ولا حتى فرنسا لنستقر فيها.
كل الفرضيات التي طرحت، لم تكن سوى إشاعات فقط، استعملت لتكتمل عملية إخراج «فيلم» إبعادنا من تونس.
كانت
الساعة تشير إلى منتصف الليل بالتوقيت المحلي والعاشرة والنصف بتوقيت
تونس، حين وصلنا. وقد تم استقبالنا مثلما يستقبل أي رئيس دولة، مررنا
بالقاعة الشرفية وكان هناك موكب وسيارات رسمية لنقلنا.
بعد ساعة ونصف
الساعة فقط، غادرت الطائرة من دون أن تنتظر زوجي.. لقد أُبعد الرئيس بن علي
من تونس فيما اجتمعت شروط شغور منصب الرئيس، وقد تبين لنا ذلك بعد 24 ساعة
من خلال تطبيق المادة 57 من الدستور التونسي، حيث عوض برئيس مجلس النواب
فؤاد المبزع.
لم نستطع تصديق السيناريو الذي رسم لنا بعناية، فخلال عدة
أيام كنّا نعتقد بأن الأمر يتعلق بتضليل من جهة ما، أو بفترة سيئة ستمر،
وأننا سنعود من جديد إلى بلدنا.
حاول زوجي السيطرة على الأوضاع من جديد،
فاتصل بوزرائه، الذين بدا بأن الأحداث قد تجاوزتهم، بما في ذلك الوزير
الأول محمد الغنوشي، الذي بقي على اتصال ببن علي طيلة الأسبوع التالي.
كان
الغنوشي، يكرر الجملة نفسها في الهاتف «لا نعرف من أعطى أمر ترحيلك، ولا
نعرف لحد الآن هوية من جاء بنا بالقوة إلى القصر الرئاسي وليس لدينا أي
فكرة عما سيحصل في البلاد».
بعد التساؤل والشك، دخلنا مرحلة الحزن
والألم، لقد بقينا مصدومين طيلة الأيام التالية، كما ابتعدنا عن شاشات
التلفزيون حتى لا نصدم أكثر من كم الاتهامات والشهادات المزورة.
بن علي يزور البوعزيزي
اشتدت
الإشاعة منذ أكتوبر 2010، لكننا لم نأخذها بجدية، فمنذ تاريخ السابع عشر
ديسمبر 2010، التاريخ الذي أقدم فيه محمد البوعزيزي على حرق نفسه، بدأت
التظاهرات، لقد انطلقت في سيدي بوزيد وكانت المؤشرات تشير إلى أنها ستمتد
إلى مناطق اخرى من البلاد. لم يكن بن علي يغادر مكتبه وكان يقضي أياما في
التشاور مع وزيري الدفاع والداخلية، وأما أجزاء من الليل فكان يقضيها في
الهاتف معهما أيضا.
أصر الرئيس على زيارة البوعزيزي حين أدخل إلى
المستشارين عكس ما نصح به مستشاروه. ففي 28 ديسمبر التقط له كاميرات
التلفزيون صورا إلى جانب سرير الرجل الشاب، الذي كان على قيد الحياة، عكس
الاشاعات التي ترددت، وجاء فيها أن الرئيس كان يقف إلى جانب جثمان
البوعزيزي.
كان الرجل يعاني كثيرا ولكن كان يعي ما يجري من حوله، حتى
أن الرئيس اقترح نقله للعلاج في الخارج ويمكن أن يؤكد الأطباء، الذين كانوا
حينها هناك هذا الأمر، لكن وضعيته كانت حرجة.
ولكن علينا في المقابل
أن نطرح السؤال التالي: لماذا أدت وفاة محمد البوعزيزي نتيجة إحراق نفسه،
إلى اشتعال الوضع في تونس وانتشار موجة التظاهرات تلك؟وليس الشابان اللذان
احرقا نفسيهما قبل أسبوعين في الموناستير؟
هل كان التوقيت غير مناسب لمن
كانوا يدبرون المؤامرة. كانوا ينوون إشعال فتيل التظاهرات في منتصف ديسمبر
حتى تستمر شهرا كاملا، كان البرنامج معدا من قبل، وكان تاريخ الرابع عشر
من يناير مضبوطا كذلك.
أعتقد شخصيا أنه كان ينبغي التحقيق بدقة في قضية البوعزيزي، كان ذلك سيوضح لنا العديد من الحقائق، لكن ما وقع، قد وقع.
وُصف
تنقل بن علي إلى المستشفى للاطمئنان على صحة البوعزيزي باعتراف بالضعف،
فيما استعملت هذه المأساة الإنسانية كفتيل لإشعال تونس، على الرغم من أن
الرئيس وبعد الزيارة استقبل والدة وشقيقة محمد البوعزيزي، اللذين سلمهما
مبلغا ماليا معتبرا، قبلاه وشكراه عليه.
وهذه الأم نفسها ظهرت على شاشات الفضائيات، زاعمة أنها رمت المال في وجه الرئيس. . . بدون تعليق.
الضوء الأخضر في ديسمبر
في
نهاية ديسمبر، بدأت أياد خفية في إثارة الاضطرابات، وقد وصل إلى مسامع
الرئيس بأن سيارة مؤجرة وسيارات أجرة وسيارات أجرة جماعية تستعمل في
المسافات الطويلة، تجوب المناطق الداخلية وتقوم بتوزيع المال والقنابل
المسيلة للدموع وأقراص مضادة للاكتئاب.
كانت النية مبيتة إذا ما أخذنا
بعين الاعتبار المكالمات الهاتفية التي التقطتها أجهزة الاستخبارات
الداخلية وجاء فيها «استمروا في ارتكاب أعمال عنف، ازرعوا الفوضى بمهاجمة
أقسام الشرطة، وإحراق المقرات العمومية والبنوك والمحاكم وإطلاق سراح
المساجين، الذين غادر البعض منهم إلى لامبيدوزا الايطالية، وقد روت مجموعة
منهم كيف أنهم أُجبروا على مغادرة السجون عبر فتحات حُفرت لهم وقال هؤلاء
إن العسكر من حرروهم استنادا إلى نوعية الأحذية التي كانوا يرتدونها.
امتدت
الاحتجاجات إلى العاصمة تونس بتاريخ الحادي عشر من يناير، حيث انتشرت
عصابات في الأحياء الحساسة وفي الضواحي الشمالية في الكرم وسلامبو، وبدأت
في مهاجمة البيوت الخاصة وفي السيطرة على الطرق الفرعية للمدينة وبخاصة في
الأحياء الفقيرة كحي التحرير وابن خلدون، حيث كانوا يشجعون الناس على
التظاهر والقتل.
لجأ وزير الداخلية إلى نشر قوات كبيرة من الشرطة، لكن
من دون فائدة، فيما تم الاعتداء على مقر التجمع الدستوري الديموقراطي،
الحزب الحاكم. حينذاك لم يكن محمد الغرياني وكان أمينا عاما للتجمع، يملك
ما يرد به الأذى عن نفسه، وقد اتُّهم لاحقا باستعمال مقرات الحزب لتخزين
العصي والأسلحة البيضاء الموجهة لضرب المتظاهرين وزرع الذعر بعد مغادرة
الرئيس، وألقي به في السجن.
وليس الغرياني الوحيد الذي عومل بهذه الطريقة.
استمرت
الخطة منذ الرابع عشر من يناير، فكلما تأزم الوضع وتظاهر المواطنون ارتفعت
أصوات ضد قرار الفريق الجديد الموجود في السلطة، من خلال الإعلان عن
إضرابات وتحطيم مبان والإعلان عن اكتشاف مخابئ للسلاح، وكانوا يرددون «رجال
بن علي» و«عصابة الطرابلسية» او «حلفاء التجمع الدستوري».
كل هذه الأوضاع غذت الكراهية والشعور بضرورة الانتقام حتى ينعم البلد بالهدوء من جديد.
في
المناطق الداخلية للبلاد مثل القصرين وتالة، أُعلن عن وجود جماعات غير
معروفة في المنطقة، أحيانا كان يرتدي عناصرها زيا موحدا وكانوا يوزعون
الأسلحة البيضاء والمال وكانوا يطاردون أفراد الشرطة لسرقة أسلحتهم.
في تلك الفترة التي كانت تونس تعيش خلالها الدمار، عيّن كمال لطيف، أحمد الفريعة كرجل للمرحلة.
بن علي يزور البو عزيزي
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
3 - بن علي غادر إلى السعودية من دون نظارات ولا جواز سفر ولا أدوية
ليلى
لأول مرة منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، تتحدث
السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت
مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»،
الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير
2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة
الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها
ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في
سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار
قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات
التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا
الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها
ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة.
وان
كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول
من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر
ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في
الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها
الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث
عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر
عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
في الثالث
عشر من يناير 2011، قرر بن علي التوجه بخطاب للشعب التونسي، على أمل أن
يعود الهدوء إلى تونس. في مساء ذلك الخميس اكتشفت مثل جميع المشاهدين محتوى
خطاب الرئيس، الذي دعا إلى المصالحة، وطالب بالعودة إلى المنطق، كما وعد
أيضا بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية، التي كان من المزمع تنظيمها في عام
2014، وباحترام التعددية الحزبية، وما تفرزه صناديق الاقتراع وحرية التعبير
أيضا.
أوضّح أني لم أؤثر أبدا على مبادرة الرئيس، ولا أوحيت له بكلمة
من الكلمات التي جاءت في خطابه، الذي أعده برفقة مستشاريه عبدالعزيز بن
دحية وإياد اودرني ومستشاره السياسي عبدالوهاب عبدالله.
لقد تحدثوا عن
تدخل رجل أعمال فرنسي من أصل تونسي يدعى كريم القروي وقيل انه لعب دور رجل
الإطفاء في القضية، وأنه هو من صاغ الخطاب الرسمي كله، لكن زوجي لم يلتق
هذا الرجل أبدا ولم يطلب خدماته على الإطلاق.
لم يساعد بن علي في صياغة الخطاب، سوى المستشارين الذين ذكرت أسماءهم قبل أن تتم ترجمته إلى اللغة العربية المحكية.
في
هذا الخطاب الذي أُلقي في الثالث عشر من يناير، قال الرئيس «يجب عدم
استعمال الرصاص الحي»، وقد اعتقد البعض أن الرئيس، كان قد أمر في البداية
بإطلاق النار ضد المتظاهرين، ثم تراجع بعد ذلك، وكان تفسيرا مسيئا جدا.
في
البداية، ليس الرئيس من يقرر حركة القوات العسكرية في فترة الاضطرابات،
لأن ذلك ليس دوره ولا دور وزير الدفاع ولا وزير الداخلية، بل دور لجنة
مكلفة بذلك، ومكونة من مسؤولين في وزارة الداخلية، وفي حالة الطوارئ ينضم
إليها جنرالات من مؤسسة الجيش.
وقد استدعى علي السرياطي هذه اللجنة وكل
القرارات والاتصالات مسجلة في قاعات العمليات المخصصة لهذا الأمر، وكل حركة
وكل عملية مهما كان مكانها، تمّ تسجيلها، حيث توجد ثلاث قاعات عمليات: في
قصر قرطاج وفي وزارة الدفاع وفي مقر وزارة الداخلية.
وتقع على عاتق
مسؤولي هذه القاعات مسؤولية تسجيل كل الاتصالات بين الرئاسة ووزارتي
الداخلية والدفاع، سواء كانت عن طريق الهاتف الثابت أو النقال او الراديو.
ومنطقيا
ما علينا سوى أن نعود إلى هذه التسجيلات لنطلع على كل المحادثات وكل
التعليمات والأوامر التي تم إصدارها بما في ذلك تلك التي أصدرها الرئيس.
ومن
المصادفات الغريبة، أن يقال اليوم بان نظام التسجيل كان معطلا في فترة
الرابع عشر من يناير وهذا أمر مستحيل، لأن قاعات العمليات مصممة للاحتفاظ
بكل الاتصالات، وحين يتعطل أي نظام، هناك تجهيزات ملائمة لتجاوز أي مشكلة،
حتى في حالة العطل العام، التي تعتبر أمرا مستحيلا. على مسؤولي قاعات
العمليات أن يمثلوا أمام المحاكم، لأن الأمر لا يتعلق إلا بمحاولة تخريب من
أعلى مستوى، وهذا يعني أن القضاء الحالي سيكسب الكثير من المصداقية لو
استمع إلى مديري قاعات العمليات، لأنهم يعتبرون مفاتيح ما جرى، وسنرى ما
إذا كان أمر إطلاق النار أعطي من قبل الرئيس أو غيره.
الشرطة تدافع عن نفسها
تكفي
فقط إعادة الاستماع إلى آخر اتصال بين بن علي ووزير دفاعه رفيق حاج قاسم
قبل مغادرته، لقد قال له بن علي باللغة الفرنسية وفق ما قال لي «الشرطة
تستسهل الأمور، لقد قيل لي بان هناك قتلى وهذا الأمر غير مقبول»، فأجاب
الوزير «كان أفراد الشرطة التابعون لي في حالة دفاع عن النفس» سيدي الرئيس،
ضع نفسك في مكانهم، إنهم يعتدون على مكاتبهم ويسرقون أسلحتهم ويريدون
اغتيالهم، إنهم مجبرون على الدفاع عن أنفسهم»، أعجبت بمحتوى خطاب الرئيس
مثل كل أولئك الذين خرجوا مساء ذلك اليوم أي الثالث عشر من يناير في
المحافظات للتعبير عن سعادتهم.
لقد قيل ان التجمع الدستوري هو من خطط
وأخرج تلك الجموع التي كانت تملأ المكان بالزغاريد ومشاعر الفرح، وهذا
الأمر غير صحيح، إنهم الناس الذين عبروا عن شعورهم من تلقاء أنفسهم وليس
التجمع الدستوري، الذي كان غير قادر على تحريك أيّ كان في تلك الليلة.
في فجر الغد
في
صبيحة الرابع عشر من يناير تلقى زوجي في مكتبه معلومة في غاية الأهمية من
قبل مروان مبروك، لقد أخبره أحد مستشاري قصر الاليزيه أن احد حراسه
الشخصيين (أي حراس بن علي) مكلف باغتياله).
هل كان الأمر صحيحا أم يدخل
هذا الاتصال الهاتفي ضمن السيناريو الذي كان يهدف إلى إبعاد بن علي بسرعة
بالاتفاق مع علي السرياطي، الذي أجرى اتصالا في ذلك اليوم مع بارنارد
سكارسيني مدير الإدارة العامة للاستخبارات الداخلية الفرنسية؟.
كان
واضحا أنهم خططوا للانقلاب مع فجر يوم الرابع عشر من يناير، لقد أُفرغ قصر
قرطاج ممن كانوا فيه، ثم تمّ البدء في تحريض سكان الأحياء الفقيرة على
الخروج للشارع، بينما كان شارع بورقيبة يعجّ بالمتظاهرين، ووسائل الإعلام
مستعدة والإذاعات لبث البيان ذاته، حول ما سمي بهروب الرئيس، فيما كُتب على
الأعلام واللافتات كلها عبارة «ارحل» ....كان على الجميع أن يتحركوا في
الوقت ذاته.
ومثلما قلت سابقا فإن لجنة الأزمة، التي كانت مجتمعة منذ
بداية الاحتجاجات تتكون من ممثلين عن الداخلية والدفاع، وكان ممثلو
الداخلية مكلفين بالأمن العام، فيما كان ممثلو الدفاع مكلفين بحماية
الأماكن الحساسة، مثل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الوطنية والوزارات والبنك
المركزي والمؤسسة التونسية للكهرباء والغاز..الخ.
في الأيام التي سبقت
الرابع عشر من يناير، وحين عجزت الداخلية عن السيطرة على الوضع، تم
الاستنجاد بالجيش لضمان امن البلاد ومساندة أفراد الشرطة، وهنا يجب أن
تُفتح ملفات التحاليل البالستية التي ما تزال سرية، حتى نتمكن من معرفة من
قتل من الشرطة او الجيش المتظاهرين، فنوعية الرصاص ستكشف ذلك بسهولة.
وأخيرا
قيل في تونس ان الجنرال رشيد عمار رفض إطلاق النار على المتظاهرين ما أغضب
الرئيس الذي استدعاه لإقالته، ولكن ليس لهذا الخبر أي أساس من الصحة. ذلك
أن بن علي كان يتعامل مع وزير الدفاع وكان يتشاور معه بشأن كل القرارات
التي يتخذها.
وأما بالنسبة للبقية، فلقد كان الرئيس على علاقة جيدة بهذا
العسكري، الذي كان سيحال للتقاعد منذ فترة طويلة، لكن الرئيس احتفظ به
لضرورة وجوده في الخدمة إلى أن عينه جنرالا. وخلال تلك الفترة كله لم
يستدعه ولم تتم إقالته.
وأعتقد أن من خططوا للانقلاب ليسوا موظفين في
وزارة الداخلية باستثناء بعض الأشخاص الذين تم تضليلهم ولا أستطيع قول
المزيد في هذا الشأن.
السرياطي اللغز
ذات مساء حلمت بعلي
السرياطي جالسا في المعقد الأمامي للسيارة مع بن علي وأنا في المعقد
الخلفي، وفجأة أخرج أي السرياطي مسدسا، ووجهه نحو زوجي، فصرخت بأعلى صوتي
«لماذا تفعل هذا؟ لا تقتله،أرجوك،لا تقتله» وقد عاودت رؤية هذا الحلم عدة
مرات في ذلك اليوم أي 14 يناير.
هل كان هذا الحلم إنذارا لي؟ وهل كان السرياطي متورطا في الأحداث؟ وهل كان ينوي إبعاد بن علي إلى الأبد؟ لكن لفائدة من؟ وما المقابل؟
كان
لمدير الأمن الرئاسي عيب كبير، حيث كان ثرثارا ويحب الظهور في ثوب السيد
«الذي يعرف كل شيء»، وكان يزعم معرفة كل أسرار وكواليس السلطة، وهو الأمر
الذي نقله البعض للرئيس، ما أزعجه وجعله يفكر خلال الأشهر الأخيرة بفصله.
لكن
الأمر المؤكد هو أن ردود فعل السرياطي، أصبحت غريبة منذ فترة، ففي ذلك
اليوم 14 يناير وعلاوة على سلوكه الغريب مع عائلتي، كانت العديد من
المؤشرات توحي بأنه أحد المشتبه فيهم، ففي مطار العوينة العسكري لم يقفل
خطه الهاتفي أبدا، وفجأة قطع مكالمته واتجه نحو زوجي متسائلا هل تسمع سيدي
الرئيس، لقد تجرأ على شتمي «فرد بن علي: لكن من؟، لكن السرياطي لم يجب
ويبدو دون شك بأن الأمر يتعلق بمساعد له رفض تنفيذ أوامره أو اعطاه تعليمات
غير مقبولة.
إصرار السرياطي على إبعاد بن علي تبقى النقطة الأكثر غموضا
بالنسبة لي، فهل كان يخاف على حياة الرئيس حبا فيه؟ أو كان يحضر المكان
لآخر، وكان يقوم بذلك على مضض؟ هل كان يريد ترحيلنا جميعا لأنه تنبأ بوجود
خطر وكان يخاف فعلا على حياتنا؟
هل كان السرياطي ينتظر تعويضا حُرم منه؟
حين كنا في السرداب، تلقى السرياطي مكالمة هاتفية أخرى، لقد سأله احدهم عن الأسباب التي أخرت إقلاع الطائرة.
من
المؤكد أن المتصل إما الجنرال رشيد عمار أو رضا قريرة وزير الدفاع، على كل
حال كان واضحا بان السرياطي كان مكلفا بحملنا على ركوب الطائرة ومن ثم
مغادرة تونس، والآن يمكن أن نتساءل لم فعل السرياطي ذلك؟ والإجابة تكمن في
فرضيتين الأولى هي أن السرياطي كان ينتظر تعويضا، حُرم منه أو تم توقيفه
بقرار متسرع وأخرق.
وبعبارة اخرى، إما أن السرياطي أدى دوره، كما كان
متفقا عليه ثم انقلبوا عليه، أو أن توقيفه يعود إلى خطأ في إخراج
السيناريو، ومهما يكن، نجح السرياطي في تطبيق سياسة المراحل، حيث أقنع
الرئيس بإبعاد الطرابلسية في البداية، ثم اقترح عليه أن أذهب برفقة الأولاد
في المملكة العربية السعودية، ثم نصحه بمرافقتنا إلى غاية المطار، ليفاجئه
بضرورة المغادرة بسبب سيناريو كارثي، تخوّف من وقوعه.
لقد وقع بن علي في الفخ، صعد إلى الطائرة من دون نظارات ومن دون أمتعته ولا جواز سفره ولا أدويته.
ويزيد
الغموض أيضا بالنسبة للسرياطي، حين نعرف بأنه هو من حمل عائلتي من سيدي
بوسعيد صبيحة الرابع عشر من يناير على المغادرة وان السائقين شهود على ذلك،
إذن كانت النية مبيتة وهي تجميع الجميع في بيتي، حتى يبدو بأن هناك مغادرة
قد تمت فعلا.
ومرة أخرى لماذا لم يعترف لنا السرياطي حين وصلنا إلى
المطار، بتوقيف أفراد عائلتي او بعبارة أدق أنهم اخذوا كرهائن. لو أطلعنا
على ذلك، لكان بن علي فعل شيئا، ولكنّا تجنبنا المأساة التي كانوا يحضرون
لها. ولماذا أخفى السرياطي نبأ هروب الحرس الرئاسي كلهم من قصر قرطاج فجر
الرابع عشر من يناير؟
الآن يمكن أن نشرب نخبكم .. لقد غادر الرئيس
اتصل
احد الشهود، لا استطيع ذكر اسمه بعلي السرياطي بعد أن أقلعت الطائرة
الرئاسية وقال له هذا الأخير «لقد وضعته في الطائرة للتو».كان يتحدث عن
الرئيس، لكنه واصل كلامه معتقدا بأنه اقفل الخط وقال لمن كانوا معه «هيا
أيها الأولاد، الآن يمكن أن نشرب نخبكم، لقد غادر الرئيس»
منطقيا يكون
رئيس الأمن الرئاسي قد عاد إلى القصر الرئاسي فور إقلاع الطائرة للدفاع
عنه، لكن السرياطي توجه إلى القاعة الشرفية للمطار، حيث تم توقيفه بعد
دقائق، بأمر من وزير الدفاع رضا قريرة، بينما كان عليه أن يأمر وبصفة
استعجالية بإلقاء القبض على سمير ترهوني.
دور سمير ترهوني
هذا
الرجل الغامض، وهو عضو بسيط في فرقة مكافحة الإرهاب، لعب دور البطولة بعد
الرابع عشر من يناير، لقد أكد أنه هو من قرر توقيف أفراد عائلتينا، وسمح
لنفسه بعقد مؤتمر صحفي في مقر الحكومة، وحين سألته إحدى الصحافيات عن الجهة
التي كانت تصدر له الأوامر أجاب «انه الله» و«أنه هو من بادر بذلك»، ودون
شك تم استخدام سمير ترهوني للتستر على أسماء المسؤولين الحقيقيين.
لقد أوقف سمير ترهوني إحدى بنات الرئيس من زوجته الأولى، وقبل أن يطلق سراحها، قال لها «لو كنت نسرين ابنة ليلى، لكنت أوقفتك».
لو كنا في دولة قانون، كان سمير ترهوني توبع قضائيا بسبب مثل هذه التصريحات الفضائحية.
في
الحقيقة كان السرياطي يتحدث إلى ترهوني، حين كنا في السرداب في المطار،
وهو من كان يوجه له الشتائم، ويبدو أن السرياطي وترهوني لم يكونا يتلقيان
الأوامر من الجهة ذاتها وإلا ما الذي يبرر خلافهما.
في الواقع كان
معروفا بأن الرجلين يكرهان بعضهما، فسمير ترهوني غير مثقف، ومصاب بجنون
العظمة وثرثار في هيئة قطاع طرق، وكان يعمل في الحرس الرئاسي تحت أوامر
السرياطي، الذي لم يكن يستسيغه، لكن تمت إقالته فيما بعد، ليلتحق بفرقة
مكافحة الإرهاب.
السرياطي
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
4 - في المطار فتَّشونا .. وضربوا بعضنا وصادروا الأموال
لأول مرة منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، تتحدث
السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت
مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»،
الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير
2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة
الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها
ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في
سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار
قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات
التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا
الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها
ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة.
وان
كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول
من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر
ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في
الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها
الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث
عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر
عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
بتاريخ
الخامس عشر من يناير، اتصل الوزير الأول محمد غنوشي هاتفيا ببن علي، لكنه
تحدث اليه بصفته رئيسا لتونس، وكأن شيئا لم يقع، ولكن حين أخبره زوجي
بعودته الى البلاد، ترجاه الوزير الأول ألا يعود، وقال له «ليس الآن سيدي،
عليك أن تصبر بعض الوقت».
في اليوم التالي، عاود الرئيس الاتصال بالوزير
الأول، ليطلب منه أدويته وجوازات سفرنا.. وفيما بعد كتب رسالة الى فؤاد
المبزع، الذي كان قد خلفه على رأس الدولة، ليعبر له عن سخطه ومفاجأته. لقد
كان الرئيس واضحا جدا: لقد غادر مرغما بعد أن سقط ضحية فخ وخداع، وبما أن
الدستور التونسي لم يتغير، فقد أكد له بأنه ما يزال هو الرئيس.
لم تصل
الأدوية التي طلبها الرئيس من تونس، لكن أصدقاءنا السعوديين استقدموها له
من الخارج، أما بالنسبة لجوازات سفرنا، فقد كان الرئيس حادا، ذلك أنه مهما
كانت الظروف، يحق له ولأولاده ولزوجته الحصول على أوراق ثبوتية كمواطنين
تونسيين.
بعد بضعة أسابيع أرسل لنا وزير الشؤون الخارجية كمال مرجان جوازات سفرنا عن طريق القنصلية التونسية في جدة.
وقد
انشغلت خلال الأيام الأولى لاقامتنا في المملكة العربية السعودية، بمعرفة
ما أصبح عليه أفراد عائلتينا، لقد كانوا مهددين بالسجن وبالتعرض للذل
والمهانة.
عائلة تعيش الرعب
صبيحة الرابع عشر من يناير مثلما
قلت، جمع علي السرياطي العائلة عندي في سيدي بوسعيد، وقد استعمل كل مواهبه
لاجبارهم على مغادرة البلاد، بعد أن وعدهم بارسال سيارات لتوصلهم الى
المطار، وقد انتظروا طويلا لكنهم انتهوا الى التنقل بوسائلهم الخاصة.
غادرتنا
أختي جليلة وعائلتها في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا، وكانت ستتوجه
برفقة زوجها وأولادها الى ايطاليا، لكنها أول من تم توقيفهم من عائلتي في
مطار قرطاج، أما أختي سميرة وزوجها وابنتها، فقد قرروا الذهاب الى ليون
الفرنسية، وكان مقررا أن يغادر في الرحلة نفسها أبناء شقيقي وهما عماد
وشقيقه حسام ووالداتهما، بالاضافة الى شقيقة زوجي وأولادها وحفيد زوجي
سفيان بن علي وأولاده الثلاثة.
حين خرجت من بيتي في حدود الساعة الرابعة
عصرا، شاهدت وصول أحد المستخدمين فاقترب مني وقال ان أفراد العائلة
موقوفون في المطار من دون أن يضيف أي توضيحات.
اتصلت بالسرياطي حتى
أتبين الحقيقة، لكنه أكد لي أن أفراد عائلتي غادروا تونس، ورغم ذلك طلبت من
موزع الهاتف في القصر أن يتصل باحدى شقيقاتي، لكن هواتفهن كانت مغلقة،
فاستنتجت بأنهن على متن الطائرة، لذلك لم أحقق في الموضوع كما كان ذهني
منشغلا بأمور اخرى، حيث كان علي أن أغادر أنا أيضا وكانت هنا تظاهرات
ومخاطر كثيرة.
لو صدقت في أي لحظة من اللحظات ما كان ينقل الي من
معلومات لكنت تعاملت مع الوضع على الفور. كان زوجي ما يزال رئيسا وكنت
قادرة على أن اطلب رؤية أفراد عائلتي وأسافر معهم في الطائرة ذاتها او كنت
سأبقى في تونس ببساطة. لم أتصور أبدا هذا السيناريو، حتى في آخر النهار،
وإلا لما كنت دفعت أحفادي وأفراد عائلة بن علي الى الرحيل، معتقدة بأنهم
سيغادرون التراب التونسي على الفور، وكان هناك أيضا شقيقاي مراد وحسام مع
زوجتيهما وأطفالهما الذين كانوا يتوسلون إلي «خذينا معك، سيقتلوننا».
لقد
دعوتهم إلى عدم القلق، و قلت بأن السرياطي أكد لي بأنهم سيغادرون في
الساعة السابعة مساء على متن الرحلة المتوجهة إلى طرابلس، فيما كان
المتوجهون إلى ليون الفرنسية قد غادروا.
كنت أثق في السرياطي وكان آخر واحد يمكن أن أشك في اخلاصه لنا.
30 من عائلة الطرابلسي رهن الاعتقال
كنت
ما أزال في العونية حين اتصل بي ابن أخي عماد، كان يود الذهاب إلى المطار،
لكنه حين وصل نصحته إحدى معارفه بالعودة للحيلولة دون توقيفه، فقلت له
سأبعث لك بسائق حتى تلتحق بالعونية.
لكن عماد ارتكب حماقة حين اتصل بمكتبه، التقطت المكالمة وبسرعة تم تحديد مكانه ومن ثمة توقيفه.
في
الساعة التي كنت سأغادر فيها تونس، كان حوالي 30 شخصا على الأقل، غالبيتهم
من أفراد عائلتي، يعيشون كابوسا هو الأسوأ في حياتهم، بعد أن تم توقيفهم
وتوثيق أيديهم، وما كنت اعرف.
في الواقع تم إلقاء القبض عليهم كرهائن،
حيث كان بالإمكان التضحية بهم في أي وقت لمساومة بن علي، ولو رفض الرئيس
المغادرة، لكانوا قتلوهم.
البعض الآخر من عائلتي حاول الهرب مثلما هو
حال شقيقي مراد، الذي أوقف في اليوم التالي، أما أخي بلحسن فقد اتصل
بالسرياطي بعد الظهر طالبا منه أن يحجز له أماكن له ولزوجته وأولاده على
الرحلة المغادرة إلى ليون، لكن السرياطي قال له بأن الطائرة مكتظة، ولا
وجود لاماكن، لذلك قرر بلحسن مغارة البلاد عن طريق البحر.
حين وصل بلحسن إلى الميناء رفضوا منحه ترخيص المغادرة فاتصل بالسرياطي، الذي اتصل بدوره بخفر السواحل، الذين تركوه يغادر.
عند
الساعة الرابعة عصرا، وبينما كان بلحسن في عرض البحر، اتصل به السرياطي
مقترحا عليه السفر عبر الطائرة إلى ليون، بعد أن توافرت 7 مقاعد.
وإذا
ما كنت أتذكر جيدا، فقد سمعت السرياطي وهو يبيع هذه المقاعد السبعة في
الرحلة المتوجهة إلى ليون، لباقي أفراد عائلتي في الرابع عشر من يناير.
شقيق ليلى يهرب بحراً إلى ايطاليا
رفض
أخي العرض كما رفض أيضا العودة، وقد بقي برفقة زوجته وأولاده في عرض البحر
من دون ماء ولا أكل من أجل رحلة عبور استمرت 10 ساعات، أما ربان السفينة
فقد حكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أشهر بعد عودته إلى تونس.
خلال هذه
الرحلة اتصل بلحسن بحارس بيته، الذي أخبره بأن الشرطة وبالتواطؤ مع بعض
اللصوص دمروا البيت، وقد قادوا سيارة رباعية الدفع إلى غاية غرفة النوم
محطمين بذلك أجزاء من المنزل، كما قاموا بتفكيك الأثاث وتخريب السقف
والخزائن قبل أن يتقاسموا ما فيها.
لقد سرق أفراد الشرطة كل مدخرات الحارس خلال الأشهر الأخيرة، وكان هذا الرجل المغربي الأصل يبكي بحرقة.
هذه
القصة أثرت في كثيرا، لقد كانت هناك خطة تحاك ضد أفراد عائلتينا، فقد صدرت
أوامر بإحراق ممتلكاتهم منذ مساء الأربعاء. وقد بدأت أولى هذه الأعمال
العدائية بحرق منزلي ابن شقيقي حسام ووالدته.
وتؤكد قصة أخرى فرضياتي،
فبعد أن نقل السائق الذي أرسله السرياطي، سعاد في سيدي بوسعيد، عاد لنهب
بيتها بمساعدة عشرات الأشخاص المعروفين في الحي.
فالسائق مثل أفراد
الشرطة الذين اعتدوا على حارس بيت بلحسن، كانوا يعرفون من قبل ما الذي يخطط
له، وكانوا يملكون الضوء الأخضر للاستيلاء على الأشياء الثمينة قبل
الآخرين.
نسرين في العاصفة
بلغني بسرعة أن أخي بلحسن وصل
برفقة عائلته الصغيرة إلى إيطاليا، وقد نجحوا في المغادرة إلى كندا، لكن لم
يبلغني أي نبأ بشأن ابنتي الكبرى نسرين، ولا زوجها صخر ولا أولادهما.كنت
أعرف أن العائلة ستقضي إجازة في كندا بداية يناير قبل أن تتوجه إلى باريس.
في
الثاني عشر من يناير سافر صخر إلى تونس وغادرها يوم الخميس برفقة ابنه
إبراهيم، وحين اتصلت بي نسرين هاتفيا بعد يومين من وصولنا إلى المملكة
العربية السعودية، اعتقدت بأنها ستقيم مع زوجها وأولادها في المغرب لكنها
أخبرتني بأنها في قطر.
بتاريخ الرابع عشر من يناير وبسبب خوفها من
مستجدات الوضع في تونس، اتصلت ابنتي نسرين بشقيقتها حليمة لتنصحها بنقل
شقيقها إلى قصر قرطاج والبقاء إلى جانب والدها. وافقت حليمة هذا الرأي
وذهبت إلى قصر قرطاج برفقة خطيبها، لكنها لم تر ضرورة في اصطحاب شقيقها
محمد الذي كان يلعب كرة القدم مع رفاقه. لقد عادت بسرعة إلى سيدي بوسعيد
وغادرنا سوية إلى مطار العونية مثلما ذكرت سابقا.
خلال ذلك الوقت، استمرت نسرين بالاتصال من باريس، وكانت مذهولة لأن حليمة لم تكن ترد إطلاقا على الهاتف بسبب وجودها على متن الطائرة.
قالت نسرين بأنها كانت متأكدة من أن والدها تعرض لعملية اغتيال، وأن شقيقتها الكبرى وشقيقها محمد، ألقي القبض عليهما كرهائن.
المخابرات الفرنسية على الخط
في
ذلك اليوم وفي الليل وبينما كانت ابنتي في باريس، اتصلت بها الاستخبارات
السرية الفرنسية وقد بلغها برنارد سكارسيني مدير الاستخبارات الداخلية
الفرنسية برحيل والدها الوشيك عن الأراضي التونسية، لقد قال لها بأن بن علي
يستعد لركوب الطائرة ثم قال لها بان الطائرة أقلعت، وبدا أنه على اطلاع
بكامل مراحل الرحلة، فردت عليه نسرين قائلة «غير معقول، أنا اعرف والدي،
ليس من النوع الذي يغادر البلاد من دون سبب، من المؤكد أن الأمر يتعلق
بعملية اغتيال».
وقال سكارسيني في حديثه مع نسرين ان الرئيس بمقدوره طلب
اللجوء إلى فرنسا ان كانت له أملاك فيها، فأجابت بأنه أكثر اطلاعا منها
بخصوص هذا الموضوع، وأن والدها لا يعتزم اللجوء إلى بلد أصبح مقر القيادة
العامة للهجومات ضد نظامه.
لقد أشار محدث ابنتي إلى أن فرنسا يمكن أن
تضمن سلامتها وسلامة زوجها وأولادها لكنها لا تستطيع استقبال والدها، وكأن
طائرة بن علي كانت ستحط على الأراضي الفرنسية أو أن الرئيس كان يعتزم فعل
ذلك.
بعد بضع دقائق، أعلن التلفزيون الفرنسي أن الرئيس التونسي يتجه نحو
باريس وأن الحكومة الفرنسية تتجه نحو رفض دخوله البلاد. لقد كان ذلك
تضليلا، ذلك أن وجهتنا كانت منذ البداية السعودية لأداء عمرة مثلما اقترح
زوجي بإيعاز من السرياطي، ولم نفكر أبدا في تغييرها نحو باريس.
في
باريس، وجدت نسرين نفسها في الفندق محاطة بعشرة حراس شخصيين، وقد كانت
الشرطة تتخوف من وصول متظاهرين تونسيين أو صحافيين أو مصورين باباراتزي،
ولهذا تم تغيير مكان إقامتها.
قررت ابنتي مع زوجها المكوث في فندق قريب
من المطار في انتظار العثور على وجهة للاستقرار فيها، وبدآ الاتصال بالدول
الشقيقة، وكان المغرب أول بلد يطلبان اللجوء إليه، لكن السلطات في الرباط
ماطلت في الرد ثم رفضت وحجتها في ذلك سلسلة الاحتجاجات التي بدأت في
الانتشار في المملكة المغربية، وأخيرا استجاب أمير قطر لطلبهما وقبل
استقبالهما، لقد كانت قطر الدولة الوحيدة التي تشجعت لاستضافة عائلة ابنتي.
حافلة العار
في
مطار قرطاج التونسي، بدأ الحرس الذين أوقفوا أفراد عائلتي بتفتيشهم، حيث
صادروا الهواتف النقالة والأمتعة وافرغوا محتويات حقائب النساء، واستولوا
على العملة الصعبة التي كانوا يحملونها، وزعموا فيما بعد بان كل واحد منهم
كان يحمل معه 4500 يورو.
لقد أدخلوا الجميع في حافلة وجابوا بهم المكان
لمدة ساعة ونصف الساعة وكان سمير ترهوني يقول لهم «انتم ترون كيف أن ليلى
غير آبهة بكم، لقد تركتكم حتى تنقذ نفسها».
فجأة صرخ احد الحراس «لا يمكننا قتلهم جميعا، غير ممكن، هناك أطفال ورضع، لا نستطيع».
تصوروا حجم ما خلفه هذا الكلام؟
حين
نزل الجميع من الحافلة بدأ الضرب، حيث ضرب حفيد زوجي سفيان بن علي بعصا
أمام أعين زوجته وأولاده، فيما تم إرهاب ابن شقيقتي جليلة، حيث وضع أحد
الحراس ماسورة سلاحه على ظهره، فيما كانت والدته تتوسل الرجال لقتلها بدل
ولدها.. باختصار كان الجميع يصرخون من هول ما رأوا.
وراء الجدران
في
السجن العسكري في العوينة، وفي الجزء الذي خصص لعائلتي الطرابلسي وبن علي
بعيدا عن الأعين وعن العقاب، تم اللجوء إلى أسوأ طرق التعامل مع المسجونين،
حيث كان الحرس مسلحين وملثمين، ولم يكتفوا بسجنهم، فقد قام البعض بضربهم
وإذلالهم.
كان أشقائي وشقيقاتي وشقيقات زوجي مع أطفالهم وأحفادي في ظروف
سيئة للغاية، فلقد قضوا أسبوعا كاملا بالملابس ذاتها، ولم يكن لديهم
الصابون ولا المناشف فيما أجبرت الأمهات على إعادة استعمال الحفاظات نفسها.
أما
الأطفال الصغار، فكانوا يتناولون وجبات قليلة جدا، وأما شقيق زوجي محمد
المصاب بالسكري وداء القلب فقد رفض الذهاب للمستشفى رغم معاناته الصحية،
حيث كان مع زوجته جليلة وابنه وبناته وكانت أسماء حاملا في الشهر الخامس،
فيما كانت أميرة برفقة رضيعها، الذي لم يتجاوز عمره ثلاثة اشهر، وأما ريم
فكانت مع ابنها ذي التسعة اعوام، وكانت هناك أيضا شقيقتي سميرة وزوجها
منتصر وابنتهما نور، وأما شقيقاي منصف وناصر فقد أُلقي القبض عليهما في
اليوم التالي.
من محاكمة علي السرياطي
السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت
مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»،
الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير
2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة
الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها
ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في
سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار
قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات
التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا
الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها
ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة.
وان
كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول
من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر
ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في
الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها
الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث
عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر
عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
بتاريخ
الخامس عشر من يناير، اتصل الوزير الأول محمد غنوشي هاتفيا ببن علي، لكنه
تحدث اليه بصفته رئيسا لتونس، وكأن شيئا لم يقع، ولكن حين أخبره زوجي
بعودته الى البلاد، ترجاه الوزير الأول ألا يعود، وقال له «ليس الآن سيدي،
عليك أن تصبر بعض الوقت».
في اليوم التالي، عاود الرئيس الاتصال بالوزير
الأول، ليطلب منه أدويته وجوازات سفرنا.. وفيما بعد كتب رسالة الى فؤاد
المبزع، الذي كان قد خلفه على رأس الدولة، ليعبر له عن سخطه ومفاجأته. لقد
كان الرئيس واضحا جدا: لقد غادر مرغما بعد أن سقط ضحية فخ وخداع، وبما أن
الدستور التونسي لم يتغير، فقد أكد له بأنه ما يزال هو الرئيس.
لم تصل
الأدوية التي طلبها الرئيس من تونس، لكن أصدقاءنا السعوديين استقدموها له
من الخارج، أما بالنسبة لجوازات سفرنا، فقد كان الرئيس حادا، ذلك أنه مهما
كانت الظروف، يحق له ولأولاده ولزوجته الحصول على أوراق ثبوتية كمواطنين
تونسيين.
بعد بضعة أسابيع أرسل لنا وزير الشؤون الخارجية كمال مرجان جوازات سفرنا عن طريق القنصلية التونسية في جدة.
وقد
انشغلت خلال الأيام الأولى لاقامتنا في المملكة العربية السعودية، بمعرفة
ما أصبح عليه أفراد عائلتينا، لقد كانوا مهددين بالسجن وبالتعرض للذل
والمهانة.
عائلة تعيش الرعب
صبيحة الرابع عشر من يناير مثلما
قلت، جمع علي السرياطي العائلة عندي في سيدي بوسعيد، وقد استعمل كل مواهبه
لاجبارهم على مغادرة البلاد، بعد أن وعدهم بارسال سيارات لتوصلهم الى
المطار، وقد انتظروا طويلا لكنهم انتهوا الى التنقل بوسائلهم الخاصة.
غادرتنا
أختي جليلة وعائلتها في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا، وكانت ستتوجه
برفقة زوجها وأولادها الى ايطاليا، لكنها أول من تم توقيفهم من عائلتي في
مطار قرطاج، أما أختي سميرة وزوجها وابنتها، فقد قرروا الذهاب الى ليون
الفرنسية، وكان مقررا أن يغادر في الرحلة نفسها أبناء شقيقي وهما عماد
وشقيقه حسام ووالداتهما، بالاضافة الى شقيقة زوجي وأولادها وحفيد زوجي
سفيان بن علي وأولاده الثلاثة.
حين خرجت من بيتي في حدود الساعة الرابعة
عصرا، شاهدت وصول أحد المستخدمين فاقترب مني وقال ان أفراد العائلة
موقوفون في المطار من دون أن يضيف أي توضيحات.
اتصلت بالسرياطي حتى
أتبين الحقيقة، لكنه أكد لي أن أفراد عائلتي غادروا تونس، ورغم ذلك طلبت من
موزع الهاتف في القصر أن يتصل باحدى شقيقاتي، لكن هواتفهن كانت مغلقة،
فاستنتجت بأنهن على متن الطائرة، لذلك لم أحقق في الموضوع كما كان ذهني
منشغلا بأمور اخرى، حيث كان علي أن أغادر أنا أيضا وكانت هنا تظاهرات
ومخاطر كثيرة.
لو صدقت في أي لحظة من اللحظات ما كان ينقل الي من
معلومات لكنت تعاملت مع الوضع على الفور. كان زوجي ما يزال رئيسا وكنت
قادرة على أن اطلب رؤية أفراد عائلتي وأسافر معهم في الطائرة ذاتها او كنت
سأبقى في تونس ببساطة. لم أتصور أبدا هذا السيناريو، حتى في آخر النهار،
وإلا لما كنت دفعت أحفادي وأفراد عائلة بن علي الى الرحيل، معتقدة بأنهم
سيغادرون التراب التونسي على الفور، وكان هناك أيضا شقيقاي مراد وحسام مع
زوجتيهما وأطفالهما الذين كانوا يتوسلون إلي «خذينا معك، سيقتلوننا».
لقد
دعوتهم إلى عدم القلق، و قلت بأن السرياطي أكد لي بأنهم سيغادرون في
الساعة السابعة مساء على متن الرحلة المتوجهة إلى طرابلس، فيما كان
المتوجهون إلى ليون الفرنسية قد غادروا.
كنت أثق في السرياطي وكان آخر واحد يمكن أن أشك في اخلاصه لنا.
30 من عائلة الطرابلسي رهن الاعتقال
كنت
ما أزال في العونية حين اتصل بي ابن أخي عماد، كان يود الذهاب إلى المطار،
لكنه حين وصل نصحته إحدى معارفه بالعودة للحيلولة دون توقيفه، فقلت له
سأبعث لك بسائق حتى تلتحق بالعونية.
لكن عماد ارتكب حماقة حين اتصل بمكتبه، التقطت المكالمة وبسرعة تم تحديد مكانه ومن ثمة توقيفه.
في
الساعة التي كنت سأغادر فيها تونس، كان حوالي 30 شخصا على الأقل، غالبيتهم
من أفراد عائلتي، يعيشون كابوسا هو الأسوأ في حياتهم، بعد أن تم توقيفهم
وتوثيق أيديهم، وما كنت اعرف.
في الواقع تم إلقاء القبض عليهم كرهائن،
حيث كان بالإمكان التضحية بهم في أي وقت لمساومة بن علي، ولو رفض الرئيس
المغادرة، لكانوا قتلوهم.
البعض الآخر من عائلتي حاول الهرب مثلما هو
حال شقيقي مراد، الذي أوقف في اليوم التالي، أما أخي بلحسن فقد اتصل
بالسرياطي بعد الظهر طالبا منه أن يحجز له أماكن له ولزوجته وأولاده على
الرحلة المغادرة إلى ليون، لكن السرياطي قال له بأن الطائرة مكتظة، ولا
وجود لاماكن، لذلك قرر بلحسن مغارة البلاد عن طريق البحر.
حين وصل بلحسن إلى الميناء رفضوا منحه ترخيص المغادرة فاتصل بالسرياطي، الذي اتصل بدوره بخفر السواحل، الذين تركوه يغادر.
عند
الساعة الرابعة عصرا، وبينما كان بلحسن في عرض البحر، اتصل به السرياطي
مقترحا عليه السفر عبر الطائرة إلى ليون، بعد أن توافرت 7 مقاعد.
وإذا
ما كنت أتذكر جيدا، فقد سمعت السرياطي وهو يبيع هذه المقاعد السبعة في
الرحلة المتوجهة إلى ليون، لباقي أفراد عائلتي في الرابع عشر من يناير.
شقيق ليلى يهرب بحراً إلى ايطاليا
رفض
أخي العرض كما رفض أيضا العودة، وقد بقي برفقة زوجته وأولاده في عرض البحر
من دون ماء ولا أكل من أجل رحلة عبور استمرت 10 ساعات، أما ربان السفينة
فقد حكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أشهر بعد عودته إلى تونس.
خلال هذه
الرحلة اتصل بلحسن بحارس بيته، الذي أخبره بأن الشرطة وبالتواطؤ مع بعض
اللصوص دمروا البيت، وقد قادوا سيارة رباعية الدفع إلى غاية غرفة النوم
محطمين بذلك أجزاء من المنزل، كما قاموا بتفكيك الأثاث وتخريب السقف
والخزائن قبل أن يتقاسموا ما فيها.
لقد سرق أفراد الشرطة كل مدخرات الحارس خلال الأشهر الأخيرة، وكان هذا الرجل المغربي الأصل يبكي بحرقة.
هذه
القصة أثرت في كثيرا، لقد كانت هناك خطة تحاك ضد أفراد عائلتينا، فقد صدرت
أوامر بإحراق ممتلكاتهم منذ مساء الأربعاء. وقد بدأت أولى هذه الأعمال
العدائية بحرق منزلي ابن شقيقي حسام ووالدته.
وتؤكد قصة أخرى فرضياتي،
فبعد أن نقل السائق الذي أرسله السرياطي، سعاد في سيدي بوسعيد، عاد لنهب
بيتها بمساعدة عشرات الأشخاص المعروفين في الحي.
فالسائق مثل أفراد
الشرطة الذين اعتدوا على حارس بيت بلحسن، كانوا يعرفون من قبل ما الذي يخطط
له، وكانوا يملكون الضوء الأخضر للاستيلاء على الأشياء الثمينة قبل
الآخرين.
نسرين في العاصفة
بلغني بسرعة أن أخي بلحسن وصل
برفقة عائلته الصغيرة إلى إيطاليا، وقد نجحوا في المغادرة إلى كندا، لكن لم
يبلغني أي نبأ بشأن ابنتي الكبرى نسرين، ولا زوجها صخر ولا أولادهما.كنت
أعرف أن العائلة ستقضي إجازة في كندا بداية يناير قبل أن تتوجه إلى باريس.
في
الثاني عشر من يناير سافر صخر إلى تونس وغادرها يوم الخميس برفقة ابنه
إبراهيم، وحين اتصلت بي نسرين هاتفيا بعد يومين من وصولنا إلى المملكة
العربية السعودية، اعتقدت بأنها ستقيم مع زوجها وأولادها في المغرب لكنها
أخبرتني بأنها في قطر.
بتاريخ الرابع عشر من يناير وبسبب خوفها من
مستجدات الوضع في تونس، اتصلت ابنتي نسرين بشقيقتها حليمة لتنصحها بنقل
شقيقها إلى قصر قرطاج والبقاء إلى جانب والدها. وافقت حليمة هذا الرأي
وذهبت إلى قصر قرطاج برفقة خطيبها، لكنها لم تر ضرورة في اصطحاب شقيقها
محمد الذي كان يلعب كرة القدم مع رفاقه. لقد عادت بسرعة إلى سيدي بوسعيد
وغادرنا سوية إلى مطار العونية مثلما ذكرت سابقا.
خلال ذلك الوقت، استمرت نسرين بالاتصال من باريس، وكانت مذهولة لأن حليمة لم تكن ترد إطلاقا على الهاتف بسبب وجودها على متن الطائرة.
قالت نسرين بأنها كانت متأكدة من أن والدها تعرض لعملية اغتيال، وأن شقيقتها الكبرى وشقيقها محمد، ألقي القبض عليهما كرهائن.
المخابرات الفرنسية على الخط
في
ذلك اليوم وفي الليل وبينما كانت ابنتي في باريس، اتصلت بها الاستخبارات
السرية الفرنسية وقد بلغها برنارد سكارسيني مدير الاستخبارات الداخلية
الفرنسية برحيل والدها الوشيك عن الأراضي التونسية، لقد قال لها بأن بن علي
يستعد لركوب الطائرة ثم قال لها بان الطائرة أقلعت، وبدا أنه على اطلاع
بكامل مراحل الرحلة، فردت عليه نسرين قائلة «غير معقول، أنا اعرف والدي،
ليس من النوع الذي يغادر البلاد من دون سبب، من المؤكد أن الأمر يتعلق
بعملية اغتيال».
وقال سكارسيني في حديثه مع نسرين ان الرئيس بمقدوره طلب
اللجوء إلى فرنسا ان كانت له أملاك فيها، فأجابت بأنه أكثر اطلاعا منها
بخصوص هذا الموضوع، وأن والدها لا يعتزم اللجوء إلى بلد أصبح مقر القيادة
العامة للهجومات ضد نظامه.
لقد أشار محدث ابنتي إلى أن فرنسا يمكن أن
تضمن سلامتها وسلامة زوجها وأولادها لكنها لا تستطيع استقبال والدها، وكأن
طائرة بن علي كانت ستحط على الأراضي الفرنسية أو أن الرئيس كان يعتزم فعل
ذلك.
بعد بضع دقائق، أعلن التلفزيون الفرنسي أن الرئيس التونسي يتجه نحو
باريس وأن الحكومة الفرنسية تتجه نحو رفض دخوله البلاد. لقد كان ذلك
تضليلا، ذلك أن وجهتنا كانت منذ البداية السعودية لأداء عمرة مثلما اقترح
زوجي بإيعاز من السرياطي، ولم نفكر أبدا في تغييرها نحو باريس.
في
باريس، وجدت نسرين نفسها في الفندق محاطة بعشرة حراس شخصيين، وقد كانت
الشرطة تتخوف من وصول متظاهرين تونسيين أو صحافيين أو مصورين باباراتزي،
ولهذا تم تغيير مكان إقامتها.
قررت ابنتي مع زوجها المكوث في فندق قريب
من المطار في انتظار العثور على وجهة للاستقرار فيها، وبدآ الاتصال بالدول
الشقيقة، وكان المغرب أول بلد يطلبان اللجوء إليه، لكن السلطات في الرباط
ماطلت في الرد ثم رفضت وحجتها في ذلك سلسلة الاحتجاجات التي بدأت في
الانتشار في المملكة المغربية، وأخيرا استجاب أمير قطر لطلبهما وقبل
استقبالهما، لقد كانت قطر الدولة الوحيدة التي تشجعت لاستضافة عائلة ابنتي.
حافلة العار
في
مطار قرطاج التونسي، بدأ الحرس الذين أوقفوا أفراد عائلتي بتفتيشهم، حيث
صادروا الهواتف النقالة والأمتعة وافرغوا محتويات حقائب النساء، واستولوا
على العملة الصعبة التي كانوا يحملونها، وزعموا فيما بعد بان كل واحد منهم
كان يحمل معه 4500 يورو.
لقد أدخلوا الجميع في حافلة وجابوا بهم المكان
لمدة ساعة ونصف الساعة وكان سمير ترهوني يقول لهم «انتم ترون كيف أن ليلى
غير آبهة بكم، لقد تركتكم حتى تنقذ نفسها».
فجأة صرخ احد الحراس «لا يمكننا قتلهم جميعا، غير ممكن، هناك أطفال ورضع، لا نستطيع».
تصوروا حجم ما خلفه هذا الكلام؟
حين
نزل الجميع من الحافلة بدأ الضرب، حيث ضرب حفيد زوجي سفيان بن علي بعصا
أمام أعين زوجته وأولاده، فيما تم إرهاب ابن شقيقتي جليلة، حيث وضع أحد
الحراس ماسورة سلاحه على ظهره، فيما كانت والدته تتوسل الرجال لقتلها بدل
ولدها.. باختصار كان الجميع يصرخون من هول ما رأوا.
وراء الجدران
في
السجن العسكري في العوينة، وفي الجزء الذي خصص لعائلتي الطرابلسي وبن علي
بعيدا عن الأعين وعن العقاب، تم اللجوء إلى أسوأ طرق التعامل مع المسجونين،
حيث كان الحرس مسلحين وملثمين، ولم يكتفوا بسجنهم، فقد قام البعض بضربهم
وإذلالهم.
كان أشقائي وشقيقاتي وشقيقات زوجي مع أطفالهم وأحفادي في ظروف
سيئة للغاية، فلقد قضوا أسبوعا كاملا بالملابس ذاتها، ولم يكن لديهم
الصابون ولا المناشف فيما أجبرت الأمهات على إعادة استعمال الحفاظات نفسها.
أما
الأطفال الصغار، فكانوا يتناولون وجبات قليلة جدا، وأما شقيق زوجي محمد
المصاب بالسكري وداء القلب فقد رفض الذهاب للمستشفى رغم معاناته الصحية،
حيث كان مع زوجته جليلة وابنه وبناته وكانت أسماء حاملا في الشهر الخامس،
فيما كانت أميرة برفقة رضيعها، الذي لم يتجاوز عمره ثلاثة اشهر، وأما ريم
فكانت مع ابنها ذي التسعة اعوام، وكانت هناك أيضا شقيقتي سميرة وزوجها
منتصر وابنتهما نور، وأما شقيقاي منصف وناصر فقد أُلقي القبض عليهما في
اليوم التالي.
من محاكمة علي السرياطي
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
5 - أجبرونا على النوم على بطوننا
لأول مرة منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، تتحدث
السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت
مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»،
الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير
2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة
الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها
ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في
سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار
قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات
التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا
الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها
ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة.
وان
كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول
من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر
ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في
الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها
الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث
عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر
عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
كان علينا أن
ننتظر شهرين، لإطلاق سراح الأطفال القصّر، فيما كان الكبار من أعضاء عائلتي
وعائلة بن علي يجبرون على النوم على البطن في أي لحظة من اليوم، وعلى
الأرض من دون أي تفسير.
كان أفراد عائلتينا معزولين تماماً وممنوعين من
تبادل الحديث مع السجانين، ولقد قضوا شهوراً عدة من دون معرفة ما يحصل
حولهم في البلاد.
وحين بدأ السجانون يتحدثون إليهم، بدأت الأكاذيب تنهال
عليهم، في شكل تعذيب معنوي، لقد قالوا لهم إن الرئيس وأنا كنا نعرف أنهم
موقوفون وأننا بعناهم مقابل حريتنا.
ماذا أفعل لأعلمهم ألا علاقة لهم
بالموضوع؟ وأني لم أتخل أبداً عنهم، خصوصاً في حالة الخطر؟ كيف أشرح لهم
أني لم أتصور أبداً تطور الأحداث، وكنت أعتقد بأني سأغيب لبضعة أيام فقط؟
وكيف لم أحاول نجدتهم، لو كنت أعرف ما كان ينتظرهم؟ هذه الأسئلة طاردتني
طيلة ليال عدة، بعد رحيلنا وما زالت تطاردني إلى اليوم.
حين أوشكت أسماء
ابنة شقيقي على الوضع، تم نقلها إلى المستشفى العسكري، حيث ولدت إثر عملية
قيصرية، لكنها أعيدت إلى الزنزانة بعد ثلاثة أيام، وكان جرحها ما زال
مفتوحاً، ثم حوّلت إلى سجن النساء في المانوبة، لكنها لم تشأ الاحتفاظ
برضيعها خوفاً من أن تأكله الجرذان، وبطلب وإصرار منها، انتقلت حضانته إلى
حماتها.
والأمر نفسه بالنسبة لأميرة التي نقلت ابنتها ذات الأعوام
الثلاثة إلى خارج السجن، قبل أن يتم إطلاق سراحها. أما شقيقتي سميرة فكان
تزن أربعين كيلوغراماً، ولم تكن قادرة حتى على الوقوف على رجليها، فيما كان
عماد ابن شقيقي منهكاً من كثرة التهم التي كيلت إليه، حيث أضرب عن الطعام
في شهر نوفمبر، ففقد 18 كيلوغراماً في ظرف أسبوعين فقط.
وبدل الاهتمام
بحالته الصحية، وضعوه رهن الحبس الانفرادي طيلة شهور، فأين هي منظمات حقوق
الإنسان، حين يتعلق الأمر بنا وبعائلتنا؟ لماذا يغيب أولئك الذين يتهموننا
عن مثل هذه الأوضاع المأساوية؟
محاكمات وهمية
في ذلك الوقت
عادت الاعتصامات والتظاهرات إلى القصبة، وكان عليهم أن يجدوا قضية ليسكتوا
بها الشارع، ولم يكن أمامهم سوى ملف رهائن العوينة الذين تعاقب أفراد الجيش
والداخلية والقضاء على التحقيق معهم.
كانوا ينقلون المعتقلين كل مرة من
السجن إلى دار القضاء على وقع التهكم والسخرية. وأما في قاعات الجلسات،
فكانوا يتعرضون للإهانة والبصق، ما أجبر النساء على حماية أنفسهن بارتداء
السافساري وهو خمار تقليدي تونسي.
لم يكن يمر يوم واحد، من دون محاكمة
بتهمة ارتكاب جريمة أو بخصوص قضية يتم نسج تفاصيلها بدقة، وبما أن الجميع
كان يصفقون لهذه المسرحية، فلم يكن هناك أي مجال للتراجع، وقد تم انتزاع
اعترافات من المعتقلين بالقوة، فيما تم وضع المال والمخدرات في منازل
المسجونين التي تم تدميرها حتى يتم إرباكهم.
فعلى سبيل المثال، لقد
أجبروا أحد أشقاء بن علي على التوقيع على وثيقة اعترف فيها بأنه يتاجر
بالمخدرات والأمر نفسه بالنسبة لابن شقيقي سفيان، الذي اتهم بتناول
المخدرات بحجة أنه كان مضطرباً يوم ألقي عليه القبض في المطار.
ابن
شقيقي حسام وجهت إليه تهمة تهريب العملات، بعد أن عثروا بحوزته على 10 آلاف
دولار، والتهمة نفسها وجهت إلى بلحسن، بعد أن أوقف ربان سفينته، الذي
أرسله إلى إيطاليا بعد أن عثروا بحوزته على 1800 يورو. لكن عماد، كان ضحية
محاكمة قاسية، حيث وجهت اليه تهمة امتلاك حسابات بنكية في الخارج، وهذا أمر
لا صحة له، كما قدموا شيكات باسمه واتهموه بعدم الدفع وبإصدار شيكات من
دون رصيد، بينما كانت حساباته البنكية مجمدة، وقد أدين بسبب هذه التهمة
وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات والمعاملة ذاتها، حظي بها شقيقي مراد
الذي حكم عليه بالحبس لمدة عشر سنوات، بسبب شيك ببضع مليارات من الدنانير،
وقّعه محاسبه بيده، أثناء تواجده رهن الاعتقال، وأما شقيقتي جليلة فقد
اتهمت بتلقي رشوة، وفي الحقيقة هذه الرشوة ليست سوى باقة ورد أهداها لها
رئيس مدير عام لإحدى الشركات بمناسبة ولادة ابنتها.
أين هي منظمات حقوق الإنسان؟
ورغم أن التهم غير مؤسسة والملفات تخلو من الإثباتات والأدلة الدامغة، لم يقبل أي محام الدفاع في البداية الدفاع عن أفراد عائلتي.
كانت
هذه الفترة قاسية جدا لأقاربي، فالبعض منهم أصيب بانهيار عصبي والبعض
الآخر استسلم للبكاء في السجن، وأحيانا كان البعض منهم يتبادل التهم
والصراخ مثل المجانين.
لا أحد ندّد بخروقات حقوق الإنسان هذه، التي ميزت
تونس الجديدة، ولا أحد امتلك الشجاعة للتنديد بالاتهامات الباطلة، ولا أحد
طالب بأن يحاكم أفراد عائلتي وفق القانون التونسي، هذا ما نريده لا أكثر
ولا أقل.
سيسجل التاريخ هذه الجرائم المخجلة، التي ارتكبها أولئك الذين
يقولون بأنهم ثوريون، يحمون المبادئ العالمية، لكنهم في الواقع ألحقوا
الأذى بالإنسانية وأدانوا نساء وأطفالا أبرياء، وعاقبوا أناسا ومواطنين
بسبب حملهم لاسم طرابلسي لا غير،
سأعود لهذا الموضوع، لكني اعتقد بان
ليس علي في هذا الفصل أن أتحدث أكثر بشان القضاء في بلادي، لأني أريد أن
استمر في الإيمان بعدالته.
وإذا ما كان لدي الحق في التعبير عن سخطي من
بعض القضاة والمحامين الذين أصبحوا ضدنا، من واجبي أن أنحني أمام أولئك
الذين قبلوا اليوم الدفاع عنا وأحياناً على حساب حياتهم.
لقد فهمنا بان
حكومة الظل تعمل حاليا على تحويل انتباه الشعب من خلال إخراج الملفات
الصغيرة والكبيرة، أكانت حقيقية أو مفبركة عن أفراد عائلة الطرابلسي، حتى
يظهروا في صورة المجرمين .ولان عائلتي لم تكف ، واصلوا استهدافنا أنا وبن
علي بفبركة قصة جديدة كل صباح، خاصة حين دخلت البلاد في دوامة، وذلك بهدف
لفت انتباه الناس إلى قضايا اخرى. وعلاوة على القضاء ، ساهمت وسائل الإعلام
بقدر كبير في تنويم الشعب.
فبركات إعلامية
انقطعت القنوات
غداة رحيلنا، وبدأت الاشاعات المغرضة في الانتشار والريبورتاجات المزيفة
تبث وأفلام مرحلة بورقيبة تخرج من أرشيف التلفزيون لتستعمل في إظهار معاناة
الناس من الفقر المدقع أثناء فترة حكم بن علي. انه سيل من الافتراءات، بدأ
يتدفق عن طريق موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وشتائم واتهامات وجهت إلى
أفراد عائلتي على الخصوص .
نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وثائق قيل
انهم عثروا عليها في منازل وفيديوهات تعدّوا فيها على حياتنا الخاصة وعلى
أبنائنا دون اعتراض من أحد.
أما المعارضون والصحافيون مثل سهام بن سدرين
او راضية سدراوي وكل أولئك الذين اعتاشوا من معارضتهم لبن علي بدعم من
الصناديق الأوروبية لحقوق الإنسان، شاركوا جميعهم في إعدامنا خارج نطاق
القانون .
الآن وبعد أن غادرنا، عليهم أن يتهمونا أيضا بالاستمرار في
إغراق البلد، وإذكاء الاضطرابات ولعب دور في العنف الذي لاتزال تعيشه تونس،
بالتواطؤ مع عصابات منظمة وميليشيات سرية وجواسيس وأفراد شرطة وعليهم أيضا
اتهامنا بأننا وراء ما حصل في بلادنا بعد الرابع عشر من يناير أو أن ذلك
نتيجة حكم بن علي.
أما كل الذين أرادوا إسقاطهم، فلا لشيء سوى لأنهم
مزعجون ومتحفظون، لذلك وجهوا لهم تهمة إقامة علاقات مشبوهة إلى اليوم مع
النظام السابق، ويتعلق الأمر بوزراء ورجال أعمال شرفاء وصحافيين أكفاء
ومسؤولين لامعين، كلهم سُجنوا لأنهم عملوا معنا، لقد أصبحنا مسؤولين عما
وقع ما بعد بن علي والسبب المثالي لإقصاء أفضل العناصر في البلد .
في
الواقع إنه مسلسل حقيقي تم إخراجه وإعداده لتحويل أنظار التونسيين عن
المشاكل الحقيقية التي كان البلد سيواجهها، وهاجس العائلة هذا ليس صدفة
لأنه ساهم في إسقاط النظام ومنع الشعب من معرفة حقيقة ما جرى، وساهم أيضا
في التعتيم على مستقبل تونس. وعليه لا نشك أبدا بأن الفريق الذي استلم
السلطة سيواصل استعمال هذا الأمر للتستر على مشاكله في المستقبل. وفي سبيل
ذلك، اعتمد هذا الفريق على بعض وسائل الاعلام التي كالت الاتهامات، او نشرت
الإشاعات التي روج لها الصحفي الفرنسي نيكولاس بو، في كتابه حاكمة قرطاج،
الذي ألفه مع كاترين غراسييه، وتحدث فيه عن حالة الانعاش المزعومة التي
عانى منها الرئيس، ومحاولتي الانتحار، مرورا بما قيل إنه طلاق وقع بيني
وبين بن علي.
لم أشعر بأن من ألف كتاب «حاكمة قرطاج» الذي حمل انتقادات
لابن علي، يكن حبا حقيقيا لتونس، فهل كان هذا الصحفي بحاجة الى أن يثبت
باني امرأة سيئة من غرفته في الفندق ذي الخمس نجوم الذي يقع وسط تونس، حتى
يناضل من أجل حقوق الانسان في تونس؟ وأما محاربة نظام بالتهجم على سمعة
السيدة الأولى، فيعني أننا أمام طبيعة ذكورية، كارهة للنساء.
عودة المعارضين
هكذا
صدفة عاد أعداء النظام الى تونس فور رحيلنا، وكأنهم كانوا يعرفون ما كان
يحاك ضد الرئيس، وعلى اطلاع بالتفاصيل الدقيقة لمجريات الأحداث، لقد كان في
استقبالهم السيد لطيف، الذي ماانفك يغذي الوضع بالأكاذيب والأخبار
المسيئة، وهو الذي قال على شاشة تلفزيون نسمة التونسي إنه لن يتوقف عن
محاربة الطرابلسية، وبعبارة اخرى هو يقول إنه صاحب استراتيجية الاساءة الى
عائلتي والأحداث التي تلتها.
من جهتها تبعت الصحف العالمية هذا التيار،
وبدأت في توجيه سهامها عن طريق تضخيم ونشر الإشاعات. لقد أصبحنا وحوشا، ولا
أحد تجرأ على التحقيق في الموضوع بدقة، ولا التحقيق في سلسلة المحاكمات
التي تمت من دون أدلة قطعية.
كان الانقلاب مدعوما من قبل وسائل الاعلام التي فهمت أن أفضل طريقة لاسقاط نظام السابع من نوفمبر هي أن تصبح عائلتي مصدر كل الآلام.
لقد
انقضى الأمر، لكن ما الذي سيحتفظ به التاريخ عن هؤلاء الرجال الذين جهزوا
لوصفة الثورة، انطلاقا من شتم العائلة وتحويلي الى امرأة شيطانة.
أعتقد
بأن هذا لا يشرف البلد ولا الثورة، وأفهم أن التونسيين يشعرون بالعار
اليوم، وهم يستمعون الى آخرين يتحدثون عن أرض قرطاج من خلال روايات غواص أو
صحافي بلا شرف، ويشعرون بالعار أيضا لأن تاريخ بلادهم الذي يعود لآلاف
السنين يستبدل بقصص مزورة ومفبركة عن حياتي الخاصة، وعن قائمة طعامي، او
عدد أزواج الأحذية التي أملك...تونس تستحق اعلاما أكثر توازنا وجديرا
بماضيها المرموق.
ليس لي النية ولا الصلاحيات لوضع حد للإشاعات التي
تروج عني، وعن عائلتي، ولا اطمح الى ارباك أعدائي بأي ثمن، ولا أريد أيضا
أن اظهر في ثوب الضحية، واعتقد أن أفضل طريقة للوصول الى الحقيقة هي العودة
الى الوقائع، ولأبدأ سأروي ببساطة حياتي، حياة الفتاة التي أصبحت سيدة
أولى، وأما ما قيل عن زوجي وعائلته وممارسته للسلطة وشؤون الدولة، فأعتقد
بأن هذه المهمة مهمته وسيتحدث عنها حتما، في يوم من الأيام، وحينها ستتضح
الصورة للتونسيين حول وجوه النظام القديم، بالاضافة الى وجوه النظام
الحالي، والذين يعرف بن علي ملفاتهم جدا.
متظاهرون تونسيون يلوحون بالعلم الوطني خلال تظاهرة أمام وزارة الداخلية للمطالبة برحيل الرئيس التونسي بن علي من السلطة
السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت
مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»،
الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير
2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة
الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها
ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في
سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار
قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات
التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا
الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها
ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة.
وان
كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول
من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر
ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في
الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها
الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث
عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر
عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
كان علينا أن
ننتظر شهرين، لإطلاق سراح الأطفال القصّر، فيما كان الكبار من أعضاء عائلتي
وعائلة بن علي يجبرون على النوم على البطن في أي لحظة من اليوم، وعلى
الأرض من دون أي تفسير.
كان أفراد عائلتينا معزولين تماماً وممنوعين من
تبادل الحديث مع السجانين، ولقد قضوا شهوراً عدة من دون معرفة ما يحصل
حولهم في البلاد.
وحين بدأ السجانون يتحدثون إليهم، بدأت الأكاذيب تنهال
عليهم، في شكل تعذيب معنوي، لقد قالوا لهم إن الرئيس وأنا كنا نعرف أنهم
موقوفون وأننا بعناهم مقابل حريتنا.
ماذا أفعل لأعلمهم ألا علاقة لهم
بالموضوع؟ وأني لم أتخل أبداً عنهم، خصوصاً في حالة الخطر؟ كيف أشرح لهم
أني لم أتصور أبداً تطور الأحداث، وكنت أعتقد بأني سأغيب لبضعة أيام فقط؟
وكيف لم أحاول نجدتهم، لو كنت أعرف ما كان ينتظرهم؟ هذه الأسئلة طاردتني
طيلة ليال عدة، بعد رحيلنا وما زالت تطاردني إلى اليوم.
حين أوشكت أسماء
ابنة شقيقي على الوضع، تم نقلها إلى المستشفى العسكري، حيث ولدت إثر عملية
قيصرية، لكنها أعيدت إلى الزنزانة بعد ثلاثة أيام، وكان جرحها ما زال
مفتوحاً، ثم حوّلت إلى سجن النساء في المانوبة، لكنها لم تشأ الاحتفاظ
برضيعها خوفاً من أن تأكله الجرذان، وبطلب وإصرار منها، انتقلت حضانته إلى
حماتها.
والأمر نفسه بالنسبة لأميرة التي نقلت ابنتها ذات الأعوام
الثلاثة إلى خارج السجن، قبل أن يتم إطلاق سراحها. أما شقيقتي سميرة فكان
تزن أربعين كيلوغراماً، ولم تكن قادرة حتى على الوقوف على رجليها، فيما كان
عماد ابن شقيقي منهكاً من كثرة التهم التي كيلت إليه، حيث أضرب عن الطعام
في شهر نوفمبر، ففقد 18 كيلوغراماً في ظرف أسبوعين فقط.
وبدل الاهتمام
بحالته الصحية، وضعوه رهن الحبس الانفرادي طيلة شهور، فأين هي منظمات حقوق
الإنسان، حين يتعلق الأمر بنا وبعائلتنا؟ لماذا يغيب أولئك الذين يتهموننا
عن مثل هذه الأوضاع المأساوية؟
محاكمات وهمية
في ذلك الوقت
عادت الاعتصامات والتظاهرات إلى القصبة، وكان عليهم أن يجدوا قضية ليسكتوا
بها الشارع، ولم يكن أمامهم سوى ملف رهائن العوينة الذين تعاقب أفراد الجيش
والداخلية والقضاء على التحقيق معهم.
كانوا ينقلون المعتقلين كل مرة من
السجن إلى دار القضاء على وقع التهكم والسخرية. وأما في قاعات الجلسات،
فكانوا يتعرضون للإهانة والبصق، ما أجبر النساء على حماية أنفسهن بارتداء
السافساري وهو خمار تقليدي تونسي.
لم يكن يمر يوم واحد، من دون محاكمة
بتهمة ارتكاب جريمة أو بخصوص قضية يتم نسج تفاصيلها بدقة، وبما أن الجميع
كان يصفقون لهذه المسرحية، فلم يكن هناك أي مجال للتراجع، وقد تم انتزاع
اعترافات من المعتقلين بالقوة، فيما تم وضع المال والمخدرات في منازل
المسجونين التي تم تدميرها حتى يتم إرباكهم.
فعلى سبيل المثال، لقد
أجبروا أحد أشقاء بن علي على التوقيع على وثيقة اعترف فيها بأنه يتاجر
بالمخدرات والأمر نفسه بالنسبة لابن شقيقي سفيان، الذي اتهم بتناول
المخدرات بحجة أنه كان مضطرباً يوم ألقي عليه القبض في المطار.
ابن
شقيقي حسام وجهت إليه تهمة تهريب العملات، بعد أن عثروا بحوزته على 10 آلاف
دولار، والتهمة نفسها وجهت إلى بلحسن، بعد أن أوقف ربان سفينته، الذي
أرسله إلى إيطاليا بعد أن عثروا بحوزته على 1800 يورو. لكن عماد، كان ضحية
محاكمة قاسية، حيث وجهت اليه تهمة امتلاك حسابات بنكية في الخارج، وهذا أمر
لا صحة له، كما قدموا شيكات باسمه واتهموه بعدم الدفع وبإصدار شيكات من
دون رصيد، بينما كانت حساباته البنكية مجمدة، وقد أدين بسبب هذه التهمة
وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات والمعاملة ذاتها، حظي بها شقيقي مراد
الذي حكم عليه بالحبس لمدة عشر سنوات، بسبب شيك ببضع مليارات من الدنانير،
وقّعه محاسبه بيده، أثناء تواجده رهن الاعتقال، وأما شقيقتي جليلة فقد
اتهمت بتلقي رشوة، وفي الحقيقة هذه الرشوة ليست سوى باقة ورد أهداها لها
رئيس مدير عام لإحدى الشركات بمناسبة ولادة ابنتها.
أين هي منظمات حقوق الإنسان؟
ورغم أن التهم غير مؤسسة والملفات تخلو من الإثباتات والأدلة الدامغة، لم يقبل أي محام الدفاع في البداية الدفاع عن أفراد عائلتي.
كانت
هذه الفترة قاسية جدا لأقاربي، فالبعض منهم أصيب بانهيار عصبي والبعض
الآخر استسلم للبكاء في السجن، وأحيانا كان البعض منهم يتبادل التهم
والصراخ مثل المجانين.
لا أحد ندّد بخروقات حقوق الإنسان هذه، التي ميزت
تونس الجديدة، ولا أحد امتلك الشجاعة للتنديد بالاتهامات الباطلة، ولا أحد
طالب بأن يحاكم أفراد عائلتي وفق القانون التونسي، هذا ما نريده لا أكثر
ولا أقل.
سيسجل التاريخ هذه الجرائم المخجلة، التي ارتكبها أولئك الذين
يقولون بأنهم ثوريون، يحمون المبادئ العالمية، لكنهم في الواقع ألحقوا
الأذى بالإنسانية وأدانوا نساء وأطفالا أبرياء، وعاقبوا أناسا ومواطنين
بسبب حملهم لاسم طرابلسي لا غير،
سأعود لهذا الموضوع، لكني اعتقد بان
ليس علي في هذا الفصل أن أتحدث أكثر بشان القضاء في بلادي، لأني أريد أن
استمر في الإيمان بعدالته.
وإذا ما كان لدي الحق في التعبير عن سخطي من
بعض القضاة والمحامين الذين أصبحوا ضدنا، من واجبي أن أنحني أمام أولئك
الذين قبلوا اليوم الدفاع عنا وأحياناً على حساب حياتهم.
لقد فهمنا بان
حكومة الظل تعمل حاليا على تحويل انتباه الشعب من خلال إخراج الملفات
الصغيرة والكبيرة، أكانت حقيقية أو مفبركة عن أفراد عائلة الطرابلسي، حتى
يظهروا في صورة المجرمين .ولان عائلتي لم تكف ، واصلوا استهدافنا أنا وبن
علي بفبركة قصة جديدة كل صباح، خاصة حين دخلت البلاد في دوامة، وذلك بهدف
لفت انتباه الناس إلى قضايا اخرى. وعلاوة على القضاء ، ساهمت وسائل الإعلام
بقدر كبير في تنويم الشعب.
فبركات إعلامية
انقطعت القنوات
غداة رحيلنا، وبدأت الاشاعات المغرضة في الانتشار والريبورتاجات المزيفة
تبث وأفلام مرحلة بورقيبة تخرج من أرشيف التلفزيون لتستعمل في إظهار معاناة
الناس من الفقر المدقع أثناء فترة حكم بن علي. انه سيل من الافتراءات، بدأ
يتدفق عن طريق موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وشتائم واتهامات وجهت إلى
أفراد عائلتي على الخصوص .
نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وثائق قيل
انهم عثروا عليها في منازل وفيديوهات تعدّوا فيها على حياتنا الخاصة وعلى
أبنائنا دون اعتراض من أحد.
أما المعارضون والصحافيون مثل سهام بن سدرين
او راضية سدراوي وكل أولئك الذين اعتاشوا من معارضتهم لبن علي بدعم من
الصناديق الأوروبية لحقوق الإنسان، شاركوا جميعهم في إعدامنا خارج نطاق
القانون .
الآن وبعد أن غادرنا، عليهم أن يتهمونا أيضا بالاستمرار في
إغراق البلد، وإذكاء الاضطرابات ولعب دور في العنف الذي لاتزال تعيشه تونس،
بالتواطؤ مع عصابات منظمة وميليشيات سرية وجواسيس وأفراد شرطة وعليهم أيضا
اتهامنا بأننا وراء ما حصل في بلادنا بعد الرابع عشر من يناير أو أن ذلك
نتيجة حكم بن علي.
أما كل الذين أرادوا إسقاطهم، فلا لشيء سوى لأنهم
مزعجون ومتحفظون، لذلك وجهوا لهم تهمة إقامة علاقات مشبوهة إلى اليوم مع
النظام السابق، ويتعلق الأمر بوزراء ورجال أعمال شرفاء وصحافيين أكفاء
ومسؤولين لامعين، كلهم سُجنوا لأنهم عملوا معنا، لقد أصبحنا مسؤولين عما
وقع ما بعد بن علي والسبب المثالي لإقصاء أفضل العناصر في البلد .
في
الواقع إنه مسلسل حقيقي تم إخراجه وإعداده لتحويل أنظار التونسيين عن
المشاكل الحقيقية التي كان البلد سيواجهها، وهاجس العائلة هذا ليس صدفة
لأنه ساهم في إسقاط النظام ومنع الشعب من معرفة حقيقة ما جرى، وساهم أيضا
في التعتيم على مستقبل تونس. وعليه لا نشك أبدا بأن الفريق الذي استلم
السلطة سيواصل استعمال هذا الأمر للتستر على مشاكله في المستقبل. وفي سبيل
ذلك، اعتمد هذا الفريق على بعض وسائل الاعلام التي كالت الاتهامات، او نشرت
الإشاعات التي روج لها الصحفي الفرنسي نيكولاس بو، في كتابه حاكمة قرطاج،
الذي ألفه مع كاترين غراسييه، وتحدث فيه عن حالة الانعاش المزعومة التي
عانى منها الرئيس، ومحاولتي الانتحار، مرورا بما قيل إنه طلاق وقع بيني
وبين بن علي.
لم أشعر بأن من ألف كتاب «حاكمة قرطاج» الذي حمل انتقادات
لابن علي، يكن حبا حقيقيا لتونس، فهل كان هذا الصحفي بحاجة الى أن يثبت
باني امرأة سيئة من غرفته في الفندق ذي الخمس نجوم الذي يقع وسط تونس، حتى
يناضل من أجل حقوق الانسان في تونس؟ وأما محاربة نظام بالتهجم على سمعة
السيدة الأولى، فيعني أننا أمام طبيعة ذكورية، كارهة للنساء.
عودة المعارضين
هكذا
صدفة عاد أعداء النظام الى تونس فور رحيلنا، وكأنهم كانوا يعرفون ما كان
يحاك ضد الرئيس، وعلى اطلاع بالتفاصيل الدقيقة لمجريات الأحداث، لقد كان في
استقبالهم السيد لطيف، الذي ماانفك يغذي الوضع بالأكاذيب والأخبار
المسيئة، وهو الذي قال على شاشة تلفزيون نسمة التونسي إنه لن يتوقف عن
محاربة الطرابلسية، وبعبارة اخرى هو يقول إنه صاحب استراتيجية الاساءة الى
عائلتي والأحداث التي تلتها.
من جهتها تبعت الصحف العالمية هذا التيار،
وبدأت في توجيه سهامها عن طريق تضخيم ونشر الإشاعات. لقد أصبحنا وحوشا، ولا
أحد تجرأ على التحقيق في الموضوع بدقة، ولا التحقيق في سلسلة المحاكمات
التي تمت من دون أدلة قطعية.
كان الانقلاب مدعوما من قبل وسائل الاعلام التي فهمت أن أفضل طريقة لاسقاط نظام السابع من نوفمبر هي أن تصبح عائلتي مصدر كل الآلام.
لقد
انقضى الأمر، لكن ما الذي سيحتفظ به التاريخ عن هؤلاء الرجال الذين جهزوا
لوصفة الثورة، انطلاقا من شتم العائلة وتحويلي الى امرأة شيطانة.
أعتقد
بأن هذا لا يشرف البلد ولا الثورة، وأفهم أن التونسيين يشعرون بالعار
اليوم، وهم يستمعون الى آخرين يتحدثون عن أرض قرطاج من خلال روايات غواص أو
صحافي بلا شرف، ويشعرون بالعار أيضا لأن تاريخ بلادهم الذي يعود لآلاف
السنين يستبدل بقصص مزورة ومفبركة عن حياتي الخاصة، وعن قائمة طعامي، او
عدد أزواج الأحذية التي أملك...تونس تستحق اعلاما أكثر توازنا وجديرا
بماضيها المرموق.
ليس لي النية ولا الصلاحيات لوضع حد للإشاعات التي
تروج عني، وعن عائلتي، ولا اطمح الى ارباك أعدائي بأي ثمن، ولا أريد أيضا
أن اظهر في ثوب الضحية، واعتقد أن أفضل طريقة للوصول الى الحقيقة هي العودة
الى الوقائع، ولأبدأ سأروي ببساطة حياتي، حياة الفتاة التي أصبحت سيدة
أولى، وأما ما قيل عن زوجي وعائلته وممارسته للسلطة وشؤون الدولة، فأعتقد
بأن هذه المهمة مهمته وسيتحدث عنها حتما، في يوم من الأيام، وحينها ستتضح
الصورة للتونسيين حول وجوه النظام القديم، بالاضافة الى وجوه النظام
الحالي، والذين يعرف بن علي ملفاتهم جدا.
متظاهرون تونسيون يلوحون بالعلم الوطني خلال تظاهرة أمام وزارة الداخلية للمطالبة برحيل الرئيس التونسي بن علي من السلطة
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
6 - فشلت في البكالوريا ثلاث مرات ولم أحصل على الليسانس ولا الدكتوراه
ولدتُ في تونس في الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1956، بعد بضعة شهور فقط
من الاستقلال، وكنت أنتمي الى أول جيل من النساء التونسيات، اللواتي فُتحت
لهنّ أبواب التعليم والحرية.
كنا نسكن في بيت يقع في شارع الباشا في
المدينة العربية، وأما والدي محمد، فكان يملك محلا يقع مقابل مسجد
الزيتونة. والدي من جربة وأما أجدادي فينحدرون من قرية جبلية قريبة من
بنغازي الليبية، لكنهما ولدا في تونس وترعرعا فيها.
ورث أبي عن والده،
مجموعة محلات كان يبيع فيها الفواكه المجففة والبهارات ومستلزمات الحمام
ومستحضرات التجميل، وما تحتاج إليه العائلات لإحياء حفلات الزفاف والختان.
كان رجلا تقيا ومستقيما ومتواضعا ويميل الى المزاح، وكما كانت تجمعه علاقات
جيدة بجيرانه.
كنا خمسة أشقاء وخمس شقيقات، لكني كنت مدللة لدى والدي.
كان هذا الأمر نادرا في مجتمعاتنا العربية الاسلامية، حيث كان الآباء
يهتمون بالذكور. لقد كان والدي يحبني وكنت فخورة بذلك، حيث كنت غالبا ما
أرافقه الى محله، فكان يملأ جيوبي بالحلوى والفواكه المجففة، ولدى العودة
الى البيت، كان يحرص على أن أتناول غدائي ثم يغسل يدي ويمسح فمي، مما أثار
غيرة بقية أخوتي وأجبر والدتي على أن تكون حيادية تجاهي.
وحين يتساءل
البعض عن سر العلاقة بيني وبين أبي، كانت والدتي تجيب بالقول «إن زوجي ضعيف
تجاه ليلى الصغيرة، لأنها تشبهه، وكأنهما حبة فول، انقسمت الى نصفين،
«إنها بيضاء البشرة وشعرها أسود، مثله تماما» لكن حنان والدي وعطفه لم
يؤثرا في دوره كرب للعائلة، حيث كان يجبر الجميع على احترام القواعد العامة
وكان يحرص على أن نأكل مع بعض على الطاولة نفسها، وعلى توزيع الطعام الذي
كانت تطهوه والدتي علينا.
زواج والدتي
والدتي تنتمي الى عائلة
بني خيار من مدينة الرأس الطيب، وكانت محظوظة لأنها درست على يد أخوات شارع
الكنيسة في تونس، حيث تعلمت هناك اللغة الفرنسية والتطريز والكروشيه. في
تلك الفترة لم يكن يسمح للبنات المسلمات بالذهاب للمدرسة، لذلك تعتبر
والدتي من القليلات اللواتي كان يُسمح لهن بالخروج والتردد على راهبات
مسيحيات.
للأسف، فاجأها ذات مرة وهي بصدد كتابة رسالة، فظن أن لها
عشيقا، وكان هذا الأمر فضيحة بالنسبة له، فقرر ألا تطأ قدماها خارج البيت
منذ ذلك اليوم، لكن لا تعتقدوا أن والدتي خضعت، لأنها ليست من النوع الذي
يترك الأمور تجري على هواها.
كان لوالدتي واسمها سعيدة صديقة تُدعى اسيا
مذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها، وكانتا تترددان على المدرسة الدينية
نفسها. كانت فتاة جميلة جدا وهادئة، وكانت والدتي تذهب لنجدتها وحمايتها من
الشتائم والضرب الذي كان ينهال عليها أحيانا.
كانت سعيدة في الصف
السادس، حين ذهبت ذات اليوم الى الحمام، حيث التقت صديقتها آسيا ووالدتها
التي كانت حاملا. همست اسيا في أذن والدتها لتقول لها أمرا، بينما كانت هذه
الأخيرة تقترب من سعيدة لتقبلها وتضمها قائلة «أعرف الى أي مدى أحببت
ابنتي وحميتها، آملة أن تفعلي ذلك باستمرار، استودعتك اياها، اهتمي بها».
بعد
شهر بالضبط توفيت والدة آسيا أثناء الولادة. وبعد بضعة أسابيع سمعت سعيدة
أحد اخوالها يتحدث عن أحدهم ويدعى السيد الطرابلسي، لقد قال إنه تاجر في
السوق، وقد فقد زوجته بعد أن أنجبت له أربعة أطفال من بينهم مراهقة تدعى
آسيا.
بسرعة ربطت سعيدة الاخبار ببعضها، وطلبت التحدث الى خالها، فدار بينهما هذا الحوار:
«اريد الزواج بالسيد الطرابلسي.....
هل جننت، ان عمره ضعف عمرك...
ليس من اجله وانما لاني وعدت شخصا اخر بذلك...
بماذا وعدت؟
انا اسهر على رعاية اسيا، لقد كلفتني بذلك والدتها، اريد ان ارى والدها»
في
اليوم الموالي، ارتدت سعيدة سافساري وذهبت الى المدينة برفقة خالها، حيث
دخلت الى المحل وتظاهرت بتفحص منتج ما، فيما كانت تراقب بالعين الاخرى والد
اسيا، كان رجلا يقترب من العقد الرابع وكان ابيض البشرة كذلك.
اسرع
الخال الى محمد الطرابلسي واخبره بأن شابة ترغب في الزواج منه، وهي ابنة
شقيقته، لتصبح سعيدة بعد سبعة اشهر زوجة والد صديقتها اسيا، والاثنتان في
العمر ذاته تقريباً.
ليلة الزواج سمعت سعيدة بكاء رضيع، فسألت زوجها، الذي اجاب بأن الامر يتعلق باخر العنقود، ابنته جليلة وانها تعودت على النوم معه.
ابتداء
من ذلك اليوم رتبت سعيدة مكانا للطفلة جليلة، في الغرفة المقابلة وبدأت
بالاهتمام بأطفال الارمل الثلاثة ومن بينهم اسيا، لكن جليلة توفيت حين بلغت
السادسة بعد ان لازمها المرض.
14 ابناً في بيت واحد
كان اخوتنا
من والدنا يعيشون معنا في البيت ذاته في منطقة رادس في تونس، ثم انتقلنا
الى حي الباشا، حيث اقمنا نحن الاربعة عشر اخا مع بعض.
ومثل باقي زوجات
ذلك الوقت، كانت سعيدة تهتم بشؤون البيت والتطريز والخياطة، ماسمح لها وفي
وقت مبكر بتحضير جهاز العرس لبناتها وبنات زوجها، وكل ما تعلق بشراشف
السرير او الطاولات.
في ذلك الوقت كنت اتردد انا واخواتي على المدرسة
الحكومية، وكنا نشكل اول مجموعة تتخلص من الانزواء والانعزال في تاريخ
تونس، لكننا لم نكن متأكدات من اننا ربحنا بعد، رهان الحرية، لقد كنا
مهددين بالتوقف عن الدراسة والمكوث في البيت نهائياً في حال ارتكاب اي خطأ،
لنواجه مرة اخرى مصير والدتي.
مأساة والدي
هذه الطفولة السعيدة
انتهت مع المأساة التي واجهها ابي، كنت في الحادية عشرة من عمري فقط، حين
احضر والدي على نقالة، كان ذلك في عام 1967 في فترة الاشتراكية
«والتعاونيات» التي وضعها بورقيبة ووزير الاقتصاد في حكومته احمد بن صالح،
لقد اقرا في ذلك العام قانونا يقضي بمصادرة الاملاك العقارية للتجار بغرض
تأميمها.
حين وصل والدي الى متجره، شاهد الة تدمر صفا من المحلات
المجاورة، ثم تقدمت باتجاه محله، ففقد وعيه من شدة الصدمة، نقل الى البيت،
لكنه استيقظ فيما بعد مشلولاً.
بعد سنتين وبعد معاناة في المستشفيات
ومراكز العلاج، اسلم والدي الروح الى بارئها، فتحولت مسؤولية البيت ومراقبة
اخواتي، الى اخوتي الذكور، انا واخواتي نذهب الى المدرسة تحت اعينهم، وكان
اخي الاكبر عادل، اكثر تشددا، لكنه هو من ضحى لاجلنا، حيث توقف عن
الدراسة، واكتفى بمنصب معلم حتى يتمكن من توفير كل حاجيات ومستلزمات البيت.
كانت
علاقة الاخوة بالاخوات قوية جداً، وكنا نحاول مساعدة اي كان منا حين يخطئ،
حتى يتمكن من ادراك الطريق الصحيح، مثلما حصل مع اخي ناصر حين قرر
الانفصال عن زوجته الاولى، لقد فعلنا ما في وسعنا للحفاظ على هذه العلاقة.
اشاعة عماد
في
تلك الفترة زاد اهتمامنا بأبنائه حسام وسيف وعماد، الذين انتقلوا للعيش
معنا، لقد ترعرعوا في الواقع معنا، وكنا نعاملهم مثل اخوتنا الصغار دون ان
نفضل احدهم على الاخر.
كان عماد طبيبا، مستفزا لكنه حساس بعض الشيء
للمظاهر، لكنه كان يعرف كيف يخدم الاخرين، فخلال كل السنوات التي كنت اعاني
خلالها من تحرش وتجسس عائلة بن علي وحلفائها علي، كان هو الى جانبي يدافع
عني.
لقد انتشرت إشاعة مفادها أن عماد هو ابني، وقد سمعتها قبل زواجي من بن علي، لكن هذا الاخير لم يلتفت اليها.
هذت الإشاعة، جعلتني أتساءل ما الذي يدفعني إلى عدم الاعتراف بابني قبل أن أصبح السيدة بن علي؟
في
الواقع كان عماد محل اهتمام ورعاية كل اخوتي، لكنه لم يستفد من امتيازات
خاصة، وشخصيا لم اكن ادلّله أكثر من الآخرين، بينما كان بن علي نادرا ما
يراه.
على العموم، كان زوجي لاحقا، يرفض أن يزوره أحد من دون إبلاغه،
وكان يتعين على أفراد عائلتي أن يكونوا مدعوين حتى يأتوا لزيارتنا،
باستثناء شقيقي عادل الذي كان يأتي بانتظام، ليتناول فطور الصباح معي. وأما
علاقتي الوثيقة بعماد، فتكشف في البداية عن التضامن العائلي الذي يميز
الطرابلسية، منذ كنا نعيش مجتمعين.
في المدرسة
دخلت المدرسة
الابتدائية في حي الباشا، وأنا في السادسة من عمري، ثم انتقلت إلى مدرسة
الدكتور كساب، قبل أن أسجل في المرحلة الثانوية في ثانوية مونتفلوري، لكني
وللأسف اجتزت امتحان البكالوريا ثلاث مرات، من دون أن أحظى بالنجاح، فلم
يكن أمامي سوى أن أتوقف عن الدراسة، وأدخل عالم الشغل.
حصلت على دبلوم
في الكتابة على الآلة الراقنة، وعثرت على منصب عمل كسكرتيرة في شركة تابعة
لمجموعة.le Batiment، وأريد بهذه المناسبة أن أُكذّب كل الإشاعات التي تم
الترويج لها، سواء تعلق الأمر بتلك الشهادات التي منحتُها إلى نفسي، إلى
اطروحات الدكتوراه التي قمت بمناقشتها في جامعات متواطئة معي، إلى الالقاب
الجامعية التي منحت لي من دون وجه حق. لم أحصل إطلاقا على شهادة
البكالوريا، ولا أملك شهادة ليسانس ولا دكتوراه، ولم أطلب من أحد أي دبلوم
أو شهادة.
فبعضهم فبركوا لي أساتذة وتهنئات من لجان وهيئات لا وجود لها،
وزعموا أن المستشار الأول لزوجي عبد العزيز بن ضياء، درّسني وسمح لي
باستكمال دراسات في الحقوق، وهذا الامر غير صحيح على الإطلاق. ليس فقط لان
عبد العزيز بن ضياء لم يدرسني قط، وإنما أيضا لأن لا علاقة شخصية، تربطني
به ولا بآخرين.
كنت أحيانا أقوم بتحيته حين ألتقيه في المناسبات
الرسمية، وقد صافحته مرة أو مرتين خلال لقاءات خاصة مثله مثل باقي اعضاء
الحكومة، وعكس ما كانوا يلمحون إليه في الغالب، كنت دوما أحرص على أن أكون
بعيدة.
لكني اعترف بأني كنت أحبذ أن أكمل تعليمي، كنت أحصل على علامات
جيدة في اللغة العربية وأحلم بأن أصبح أستاذة في يوم من الايام. لقد كانت
القراءة، أحد نشاطاتي المفضلة، وكنت أحب مؤلفات جبران خليل جبران وميخائيل
نعيمة اللذين ساهما في إثراء مكتبتي الصغيرة التي رفضت الانفصال عنها، ولقد
رافقتني إلى كل وجهاتي لاحقا. حين بلغت العام السادس عشر من عمري، أدركت
بأن والدتي تريد تزويجي، كان والدي قد توفي، وكنت شغلها الشاغل، لم يكن
هناك أي مجال للرفض، لذلك كان علي أن أختار عريسا من بين من تقدّموا
لخطبتي، وقد اخترت بالفعل من دون أي تفكير قريبا لي، هاجر إلى فرنسا وكان
يعمل فني كهرباء في مدينة ليون الفرنسية.لم يكن الاختيار عن حب ولا عن
اعجاب، ولكن لانه كان علي أن أهدئ من روع أمي بشأن مستقبلي.
خطبني هذا
الرجل خلال إجازته التي قضاها في تونس في فصل الصيف، وكنت ألتقيه كلما زار
تونس، لكني لم أجد في نفسي أي شيء يشدني إليه، كان شكلا من أشكال الزواج
الابيض، لذلك تعبت وطلبت إنهاء الزواج قبل الدخول.
كنت في العام التاسع عشر من عمري حين التقيت زوجي الاول
أول زواج
كان زوجي «م»يسكن قبالة ثانوية مونتفلوري، وكنت أراه يوميا أثناء دخوله وخروجه من بيته، وتزوجته بعد عامين من ذلك.
هل
كان زوجا مثاليا؟ كنت أعتقد ذلك في البداية، لكن كل ما أستطيع قوله من دون
السقوط في التحليل النفسي العشوائي، أن الحب الذي أحاطني به والدي، جعلني
أبحث عن «الحب الكبير». كنت أبحث عن مشاعر من دون شروط، ومهما كان الرجال
مرتبطين بي، كنت أشعر بأنهم لا يحبونني بالقدر الكافي، ولا يحبونني حقيقة،
لذلك لم أتوقف عن الانتظار، رغم أني كنت أشك في أن يتحول حلمي إلى حقيقة
وواقع.
لقد فعل زوجي الحالي كل شيء ليبعد عن فكري هذه الشكوك، وأنا
راضية على ذلك، لكن اليوم وفي هذه الظروف التي أعيشها، ما عدت أثق في مشاعر
المقربين وعلى الخصوص، أولئك، الذين كانوا يحيطون بي، ليس سوى للتقرب من
السيدة الاولى التي كنت. وأولئك الذين يستهزئون بوصفي «حاكمة قرطاج»، ولم
أكن كذلك، وأولئك الذين، لم يكن أمامهم أي هدف سوى الاستفادة من موقعي،
أولئك الذين لم يكونوا يفوتوا أي فرصة للتعبير عن إخلاصهم، ولكنهم في
الحقيقة، لا يترددون في اللجوء إلى الحيلة والدجل للحصول على ما يريدون.
إنها واحدة من الاشياء التي تؤلمني في هذه الفترة بالذات، ولا أشعر بالخجل من قول هذا.
الطلاق بعد أربع سنوات
تزوجت
حين بلغت الثانية والعشرين من عمري، وكان «م»رجلا جيدا ومخلصا، لم أشعر
أبدا بأي إذلال معه، حاولنا خلال أربع سنوات الانجاب من دون نتيجة إيجابية،
حيث كنت أجهض كل مرة، أحمل فيها، لكنه كان يساندني ويقف إلى جانبي في تلك
المرحلة العصيبة.، وأعتقد أنه أحبني، لكني لم أدرك كيف أرد له ذلك. لقد كنا
شابين صغيرين ولم يكن بمقدورنا مقاومة مشاكل الحياة الزوجية.كان الاولاد
من شأنهم تقوية هذه العلاقة، لكنهم لم يأتوا، مما دفعنا إلى الانفصال.
ترجمة وإعداد سليمة لبال - القبس
وثيقة مسربة بخط ليلى الطرابلسي تكشف طلبها من ضياء تعيين احد معارفها
من الاستقلال، وكنت أنتمي الى أول جيل من النساء التونسيات، اللواتي فُتحت
لهنّ أبواب التعليم والحرية.
كنا نسكن في بيت يقع في شارع الباشا في
المدينة العربية، وأما والدي محمد، فكان يملك محلا يقع مقابل مسجد
الزيتونة. والدي من جربة وأما أجدادي فينحدرون من قرية جبلية قريبة من
بنغازي الليبية، لكنهما ولدا في تونس وترعرعا فيها.
ورث أبي عن والده،
مجموعة محلات كان يبيع فيها الفواكه المجففة والبهارات ومستلزمات الحمام
ومستحضرات التجميل، وما تحتاج إليه العائلات لإحياء حفلات الزفاف والختان.
كان رجلا تقيا ومستقيما ومتواضعا ويميل الى المزاح، وكما كانت تجمعه علاقات
جيدة بجيرانه.
كنا خمسة أشقاء وخمس شقيقات، لكني كنت مدللة لدى والدي.
كان هذا الأمر نادرا في مجتمعاتنا العربية الاسلامية، حيث كان الآباء
يهتمون بالذكور. لقد كان والدي يحبني وكنت فخورة بذلك، حيث كنت غالبا ما
أرافقه الى محله، فكان يملأ جيوبي بالحلوى والفواكه المجففة، ولدى العودة
الى البيت، كان يحرص على أن أتناول غدائي ثم يغسل يدي ويمسح فمي، مما أثار
غيرة بقية أخوتي وأجبر والدتي على أن تكون حيادية تجاهي.
وحين يتساءل
البعض عن سر العلاقة بيني وبين أبي، كانت والدتي تجيب بالقول «إن زوجي ضعيف
تجاه ليلى الصغيرة، لأنها تشبهه، وكأنهما حبة فول، انقسمت الى نصفين،
«إنها بيضاء البشرة وشعرها أسود، مثله تماما» لكن حنان والدي وعطفه لم
يؤثرا في دوره كرب للعائلة، حيث كان يجبر الجميع على احترام القواعد العامة
وكان يحرص على أن نأكل مع بعض على الطاولة نفسها، وعلى توزيع الطعام الذي
كانت تطهوه والدتي علينا.
زواج والدتي
والدتي تنتمي الى عائلة
بني خيار من مدينة الرأس الطيب، وكانت محظوظة لأنها درست على يد أخوات شارع
الكنيسة في تونس، حيث تعلمت هناك اللغة الفرنسية والتطريز والكروشيه. في
تلك الفترة لم يكن يسمح للبنات المسلمات بالذهاب للمدرسة، لذلك تعتبر
والدتي من القليلات اللواتي كان يُسمح لهن بالخروج والتردد على راهبات
مسيحيات.
للأسف، فاجأها ذات مرة وهي بصدد كتابة رسالة، فظن أن لها
عشيقا، وكان هذا الأمر فضيحة بالنسبة له، فقرر ألا تطأ قدماها خارج البيت
منذ ذلك اليوم، لكن لا تعتقدوا أن والدتي خضعت، لأنها ليست من النوع الذي
يترك الأمور تجري على هواها.
كان لوالدتي واسمها سعيدة صديقة تُدعى اسيا
مذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها، وكانتا تترددان على المدرسة الدينية
نفسها. كانت فتاة جميلة جدا وهادئة، وكانت والدتي تذهب لنجدتها وحمايتها من
الشتائم والضرب الذي كان ينهال عليها أحيانا.
كانت سعيدة في الصف
السادس، حين ذهبت ذات اليوم الى الحمام، حيث التقت صديقتها آسيا ووالدتها
التي كانت حاملا. همست اسيا في أذن والدتها لتقول لها أمرا، بينما كانت هذه
الأخيرة تقترب من سعيدة لتقبلها وتضمها قائلة «أعرف الى أي مدى أحببت
ابنتي وحميتها، آملة أن تفعلي ذلك باستمرار، استودعتك اياها، اهتمي بها».
بعد
شهر بالضبط توفيت والدة آسيا أثناء الولادة. وبعد بضعة أسابيع سمعت سعيدة
أحد اخوالها يتحدث عن أحدهم ويدعى السيد الطرابلسي، لقد قال إنه تاجر في
السوق، وقد فقد زوجته بعد أن أنجبت له أربعة أطفال من بينهم مراهقة تدعى
آسيا.
بسرعة ربطت سعيدة الاخبار ببعضها، وطلبت التحدث الى خالها، فدار بينهما هذا الحوار:
«اريد الزواج بالسيد الطرابلسي.....
هل جننت، ان عمره ضعف عمرك...
ليس من اجله وانما لاني وعدت شخصا اخر بذلك...
بماذا وعدت؟
انا اسهر على رعاية اسيا، لقد كلفتني بذلك والدتها، اريد ان ارى والدها»
في
اليوم الموالي، ارتدت سعيدة سافساري وذهبت الى المدينة برفقة خالها، حيث
دخلت الى المحل وتظاهرت بتفحص منتج ما، فيما كانت تراقب بالعين الاخرى والد
اسيا، كان رجلا يقترب من العقد الرابع وكان ابيض البشرة كذلك.
اسرع
الخال الى محمد الطرابلسي واخبره بأن شابة ترغب في الزواج منه، وهي ابنة
شقيقته، لتصبح سعيدة بعد سبعة اشهر زوجة والد صديقتها اسيا، والاثنتان في
العمر ذاته تقريباً.
ليلة الزواج سمعت سعيدة بكاء رضيع، فسألت زوجها، الذي اجاب بأن الامر يتعلق باخر العنقود، ابنته جليلة وانها تعودت على النوم معه.
ابتداء
من ذلك اليوم رتبت سعيدة مكانا للطفلة جليلة، في الغرفة المقابلة وبدأت
بالاهتمام بأطفال الارمل الثلاثة ومن بينهم اسيا، لكن جليلة توفيت حين بلغت
السادسة بعد ان لازمها المرض.
14 ابناً في بيت واحد
كان اخوتنا
من والدنا يعيشون معنا في البيت ذاته في منطقة رادس في تونس، ثم انتقلنا
الى حي الباشا، حيث اقمنا نحن الاربعة عشر اخا مع بعض.
ومثل باقي زوجات
ذلك الوقت، كانت سعيدة تهتم بشؤون البيت والتطريز والخياطة، ماسمح لها وفي
وقت مبكر بتحضير جهاز العرس لبناتها وبنات زوجها، وكل ما تعلق بشراشف
السرير او الطاولات.
في ذلك الوقت كنت اتردد انا واخواتي على المدرسة
الحكومية، وكنا نشكل اول مجموعة تتخلص من الانزواء والانعزال في تاريخ
تونس، لكننا لم نكن متأكدات من اننا ربحنا بعد، رهان الحرية، لقد كنا
مهددين بالتوقف عن الدراسة والمكوث في البيت نهائياً في حال ارتكاب اي خطأ،
لنواجه مرة اخرى مصير والدتي.
مأساة والدي
هذه الطفولة السعيدة
انتهت مع المأساة التي واجهها ابي، كنت في الحادية عشرة من عمري فقط، حين
احضر والدي على نقالة، كان ذلك في عام 1967 في فترة الاشتراكية
«والتعاونيات» التي وضعها بورقيبة ووزير الاقتصاد في حكومته احمد بن صالح،
لقد اقرا في ذلك العام قانونا يقضي بمصادرة الاملاك العقارية للتجار بغرض
تأميمها.
حين وصل والدي الى متجره، شاهد الة تدمر صفا من المحلات
المجاورة، ثم تقدمت باتجاه محله، ففقد وعيه من شدة الصدمة، نقل الى البيت،
لكنه استيقظ فيما بعد مشلولاً.
بعد سنتين وبعد معاناة في المستشفيات
ومراكز العلاج، اسلم والدي الروح الى بارئها، فتحولت مسؤولية البيت ومراقبة
اخواتي، الى اخوتي الذكور، انا واخواتي نذهب الى المدرسة تحت اعينهم، وكان
اخي الاكبر عادل، اكثر تشددا، لكنه هو من ضحى لاجلنا، حيث توقف عن
الدراسة، واكتفى بمنصب معلم حتى يتمكن من توفير كل حاجيات ومستلزمات البيت.
كانت
علاقة الاخوة بالاخوات قوية جداً، وكنا نحاول مساعدة اي كان منا حين يخطئ،
حتى يتمكن من ادراك الطريق الصحيح، مثلما حصل مع اخي ناصر حين قرر
الانفصال عن زوجته الاولى، لقد فعلنا ما في وسعنا للحفاظ على هذه العلاقة.
اشاعة عماد
في
تلك الفترة زاد اهتمامنا بأبنائه حسام وسيف وعماد، الذين انتقلوا للعيش
معنا، لقد ترعرعوا في الواقع معنا، وكنا نعاملهم مثل اخوتنا الصغار دون ان
نفضل احدهم على الاخر.
كان عماد طبيبا، مستفزا لكنه حساس بعض الشيء
للمظاهر، لكنه كان يعرف كيف يخدم الاخرين، فخلال كل السنوات التي كنت اعاني
خلالها من تحرش وتجسس عائلة بن علي وحلفائها علي، كان هو الى جانبي يدافع
عني.
لقد انتشرت إشاعة مفادها أن عماد هو ابني، وقد سمعتها قبل زواجي من بن علي، لكن هذا الاخير لم يلتفت اليها.
هذت الإشاعة، جعلتني أتساءل ما الذي يدفعني إلى عدم الاعتراف بابني قبل أن أصبح السيدة بن علي؟
في
الواقع كان عماد محل اهتمام ورعاية كل اخوتي، لكنه لم يستفد من امتيازات
خاصة، وشخصيا لم اكن ادلّله أكثر من الآخرين، بينما كان بن علي نادرا ما
يراه.
على العموم، كان زوجي لاحقا، يرفض أن يزوره أحد من دون إبلاغه،
وكان يتعين على أفراد عائلتي أن يكونوا مدعوين حتى يأتوا لزيارتنا،
باستثناء شقيقي عادل الذي كان يأتي بانتظام، ليتناول فطور الصباح معي. وأما
علاقتي الوثيقة بعماد، فتكشف في البداية عن التضامن العائلي الذي يميز
الطرابلسية، منذ كنا نعيش مجتمعين.
في المدرسة
دخلت المدرسة
الابتدائية في حي الباشا، وأنا في السادسة من عمري، ثم انتقلت إلى مدرسة
الدكتور كساب، قبل أن أسجل في المرحلة الثانوية في ثانوية مونتفلوري، لكني
وللأسف اجتزت امتحان البكالوريا ثلاث مرات، من دون أن أحظى بالنجاح، فلم
يكن أمامي سوى أن أتوقف عن الدراسة، وأدخل عالم الشغل.
حصلت على دبلوم
في الكتابة على الآلة الراقنة، وعثرت على منصب عمل كسكرتيرة في شركة تابعة
لمجموعة.le Batiment، وأريد بهذه المناسبة أن أُكذّب كل الإشاعات التي تم
الترويج لها، سواء تعلق الأمر بتلك الشهادات التي منحتُها إلى نفسي، إلى
اطروحات الدكتوراه التي قمت بمناقشتها في جامعات متواطئة معي، إلى الالقاب
الجامعية التي منحت لي من دون وجه حق. لم أحصل إطلاقا على شهادة
البكالوريا، ولا أملك شهادة ليسانس ولا دكتوراه، ولم أطلب من أحد أي دبلوم
أو شهادة.
فبعضهم فبركوا لي أساتذة وتهنئات من لجان وهيئات لا وجود لها،
وزعموا أن المستشار الأول لزوجي عبد العزيز بن ضياء، درّسني وسمح لي
باستكمال دراسات في الحقوق، وهذا الامر غير صحيح على الإطلاق. ليس فقط لان
عبد العزيز بن ضياء لم يدرسني قط، وإنما أيضا لأن لا علاقة شخصية، تربطني
به ولا بآخرين.
كنت أحيانا أقوم بتحيته حين ألتقيه في المناسبات
الرسمية، وقد صافحته مرة أو مرتين خلال لقاءات خاصة مثله مثل باقي اعضاء
الحكومة، وعكس ما كانوا يلمحون إليه في الغالب، كنت دوما أحرص على أن أكون
بعيدة.
لكني اعترف بأني كنت أحبذ أن أكمل تعليمي، كنت أحصل على علامات
جيدة في اللغة العربية وأحلم بأن أصبح أستاذة في يوم من الايام. لقد كانت
القراءة، أحد نشاطاتي المفضلة، وكنت أحب مؤلفات جبران خليل جبران وميخائيل
نعيمة اللذين ساهما في إثراء مكتبتي الصغيرة التي رفضت الانفصال عنها، ولقد
رافقتني إلى كل وجهاتي لاحقا. حين بلغت العام السادس عشر من عمري، أدركت
بأن والدتي تريد تزويجي، كان والدي قد توفي، وكنت شغلها الشاغل، لم يكن
هناك أي مجال للرفض، لذلك كان علي أن أختار عريسا من بين من تقدّموا
لخطبتي، وقد اخترت بالفعل من دون أي تفكير قريبا لي، هاجر إلى فرنسا وكان
يعمل فني كهرباء في مدينة ليون الفرنسية.لم يكن الاختيار عن حب ولا عن
اعجاب، ولكن لانه كان علي أن أهدئ من روع أمي بشأن مستقبلي.
خطبني هذا
الرجل خلال إجازته التي قضاها في تونس في فصل الصيف، وكنت ألتقيه كلما زار
تونس، لكني لم أجد في نفسي أي شيء يشدني إليه، كان شكلا من أشكال الزواج
الابيض، لذلك تعبت وطلبت إنهاء الزواج قبل الدخول.
كنت في العام التاسع عشر من عمري حين التقيت زوجي الاول
أول زواج
كان زوجي «م»يسكن قبالة ثانوية مونتفلوري، وكنت أراه يوميا أثناء دخوله وخروجه من بيته، وتزوجته بعد عامين من ذلك.
هل
كان زوجا مثاليا؟ كنت أعتقد ذلك في البداية، لكن كل ما أستطيع قوله من دون
السقوط في التحليل النفسي العشوائي، أن الحب الذي أحاطني به والدي، جعلني
أبحث عن «الحب الكبير». كنت أبحث عن مشاعر من دون شروط، ومهما كان الرجال
مرتبطين بي، كنت أشعر بأنهم لا يحبونني بالقدر الكافي، ولا يحبونني حقيقة،
لذلك لم أتوقف عن الانتظار، رغم أني كنت أشك في أن يتحول حلمي إلى حقيقة
وواقع.
لقد فعل زوجي الحالي كل شيء ليبعد عن فكري هذه الشكوك، وأنا
راضية على ذلك، لكن اليوم وفي هذه الظروف التي أعيشها، ما عدت أثق في مشاعر
المقربين وعلى الخصوص، أولئك، الذين كانوا يحيطون بي، ليس سوى للتقرب من
السيدة الاولى التي كنت. وأولئك الذين يستهزئون بوصفي «حاكمة قرطاج»، ولم
أكن كذلك، وأولئك الذين، لم يكن أمامهم أي هدف سوى الاستفادة من موقعي،
أولئك الذين لم يكونوا يفوتوا أي فرصة للتعبير عن إخلاصهم، ولكنهم في
الحقيقة، لا يترددون في اللجوء إلى الحيلة والدجل للحصول على ما يريدون.
إنها واحدة من الاشياء التي تؤلمني في هذه الفترة بالذات، ولا أشعر بالخجل من قول هذا.
الطلاق بعد أربع سنوات
تزوجت
حين بلغت الثانية والعشرين من عمري، وكان «م»رجلا جيدا ومخلصا، لم أشعر
أبدا بأي إذلال معه، حاولنا خلال أربع سنوات الانجاب من دون نتيجة إيجابية،
حيث كنت أجهض كل مرة، أحمل فيها، لكنه كان يساندني ويقف إلى جانبي في تلك
المرحلة العصيبة.، وأعتقد أنه أحبني، لكني لم أدرك كيف أرد له ذلك. لقد كنا
شابين صغيرين ولم يكن بمقدورنا مقاومة مشاكل الحياة الزوجية.كان الاولاد
من شأنهم تقوية هذه العلاقة، لكنهم لم يأتوا، مما دفعنا إلى الانفصال.
ترجمة وإعداد سليمة لبال - القبس
وثيقة مسربة بخط ليلى الطرابلسي تكشف طلبها من ضياء تعيين احد معارفها
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
7 - أفراد عائلة بن علي أحاطوا بيتي بالجواسيس وكادوا يقتلونني
ترجمة وإعداد سليمة لبال
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي
السابق زين العابدين بن علي، تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى
طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود
ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية
باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار
النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية
السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة
الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس
انطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير
الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها،
ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته
إدعات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت
بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي
السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات
الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص
اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها
بعض الوجود السياسية التونسية والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية
في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر
وكتب عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته
انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى
مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى،
فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا
يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما
تراها وتقول إنها عايشتها.
أتذكر جيدا أول لقاء جمعني ببن علي، الذي
أصبح زوجي لاحقا، كان ذلك على طريق الصخرة في تونس، ذات يوم من أيام شهر
فبراير من عام 1984.كنت أقود سيارتي، وفجأة تجاوزتني سيارة تابعة للشرطة
وأجبرتني على التوقف، على حافة الطريق.
نزل من السيارة رجل طويل وشعره
أسود كالفحم، ثم طلب مني وبهدوء وثائقي، وقال لي «هل تعرفين لم أوقفتك؟»،
فأجبته «نعم لأني كنت مسرعة»، تبادلنا النظرات ويبدو أن هذه النظرات هي ما
رسم قدرنا مع بعض، لأني شعرت فجأة بأن أمرا ما حصل يتجاوز الظروف، إنه
ببساطة «المكتوب «أو القدر».
تركني الرجل وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة قائلا «أنا مجبر على الاحتفاظ برخصة القيادة، تعالي لأخذها حين تستطيعين ذلك».
ذهبت لاسترجاع رخصة القيادة بالطبع، وتبادلت مع هذا الرجل رقم الهاتف بصفة عادية.
في
الواقع لم أكن اعرف هوية هذا الرجل الذي يعمل في وزارة الداخلية، لكني
سمعت من أحد أقاربي بأنه يعتلي منصب المدير العام للأمن الوطني، وأنه معروف
بانضباطه وحدته.
بالنسبة لي كان هذا الشخص، الرجل الذي كنت أنتظر، لقد
كان يبدو لي مختلفا تماما عن الآخرين، كان يتميز بالرجولة والرقة.. فقلت
إنه الرجل الذي قد تفاجئني الحياة به.
العناية الإلهية
مرت
شهور من دون أن نلتقي مجددا، لكن العناية الإلهية جمعتنا، وتمكنت من رؤيته
مرة أخرى، لكني في هذه المرة، سقطت في حبه، من دون أن أفكر حقيقة في البحث
عن مكان في قلبه وحياته، بينما هو كان يحرص على القول، بأن علاقتنا ليست
على كل حال علاقة عابرة «أنا جدّي، ولست من النوع الذي يتسلّى».
كان
متزوجا وأبا لثلاث بنات، وكان يقول لي بأنه لم يعرف الحب أبدا وأنه عزم على
عدم الاستمرار مع زوجته، وتطليقها للزواج من أخرى، حتى وان لم يكن قد
التقاني من قبل.. كان يقسم «لقد أراد القدر أن تكوني أنت، وهذا أفضل
بكثير».
لقاءات سرية
اعتدنا على لقاء بعضنا في سرّية لدى
الأصدقاء، وكنت في ذلك الوقت أتردد على قاعة رياضة، تقع في شارع محمد
الخامس مع صديقة طفولتي سميرة، وكان هو يأتي لاصطحابي عند خروجي.
كنت
أعشق الرياضة وكل أنواعها من الإيروبيك إلى التنس، مرورا بالكرة الطائرة
التي كنت ألعبها أيام الثانوية، بالإضافة إلى كرة اليد والجمباز الذي كنت
أمارسه حين كنت شابة، في قاعة تقع في حي باردو.
قدّمتُ بن علي إلى
عائلتي. كان ذلك في فصل الصيف وكنا نؤجر بيتا على البحر، تحدثت إلى أمي
عنه، وقلت لها بأنه بصدد إنهاء أوراق الطلاق، وقد جاء بضع مرات عندنا،
لتناول الغذاء معنا.
كنا نخرج مع بعض، وكان غالبا ما يكلمني في الهاتف، لقد كان هو من يوقظني كل صباح.
كان بن علي آنذاك ما يزال مع زوجته، لكنه كان يفكر في عدم استكمال إجراءات الطلاق حتى تتزوج ابنتاه الكبرى والصغرى.
لقد
شعرت بالاطمئنان كثيرا، لاهتمام هذا الرجل بعائلته، انه أب مسؤول وحنون،
يحب أطفاله ويعتني كثيرا بمشاعرهم، لذلك لا يمكن أن يكون رجلا سيئا أبدا.
كان
يروي لي كيف كان يهتم ببناته، فهو من كان يشرف عليهن أثناء الاستحمام، ومن
يُسرّح شعرهن، ومن يرافقهن إلى المدرسة أيضا، وقد سنحت لي الفرصة للتأكد
من ذلك فيما بعد، حيث كن يتصلن به هاتفيا باستمرار... هذا القلب المعطاء هو
ما أسرني، فرغم أن الرجل يبدو محافظا وحادا إلا انه إنساني وخدوم ومسؤول
أيضا.
كان بن علي يحترم زوجته الأولى لكنه كان كل مرة يؤكد لي بان الأمر
يتعلق بزواج مرتب وليس علاقة حب، في ذلك الوقت أي فترة ما قبل الزواج، كان
بن علي قد تخرج للتو من أكاديمية سانت سير الفرنسية.. كان شابا، جميلا
وطموحا، لذلك لم يجد الجنرال كيفي أفضل منه للارتباط بابنته نعيمة، وقد تم
الاحتفال بهذا الزواج في عام 1961.
فترة الصبر
في عام 1980،
عين بن علي سفيرا لتونس لدى بولندا، فانتقل إلى هناك برفقة زوجته وأولاده.
وكانت وسيلة زوجة الحبيب بورقيبة وراء هذا القرار.
كانت وسيلة قد كلّفت
بن علي، وكان حينها مديرا للأمن، بالتحقق من أن وزير التجهيز محمد سايح،
لا يملك ميليشيا، مثلما نُقل لها، وقد اكتشف بن علي صحة هذه المعلومات،
لكنه رفض خيانة الوزير، فردت السيدة الأولى بإبعاده.
غير أن بورقيبة أرجعه إلى البلاد بعد بضع سنوات، في أعقاب «تظاهرات الخبز» التي بدأت تهدد أمن تونس واستقرارها.
في
تلك الفترة، كنا نلتقي باستمرار، وكنا نتحدث كثيرا عبر الهاتف كما كنت
أتحدث إلى صديقتي سميرة عنه، كنت أحكي لها عن المشاعر والعراقيل والسعادة،
كما أخبرتها بأن بن علي لا يريد أن يفاجئ زوجته وأولاده بطلب الطلاق.
وعلاوة
على مسؤوليته العائلية، كان بن علي مكلفا أيضا بأمن البلاد، لذلك لم يكن
لديه الوقت الكافي لتسوية العالق من الأمور في حياته الخاصة.. فقررت الصبر.
حين أصبحت السيدة بن علي
كان
على بن علي أن ينتظر ثلاث سنوات حتى ينفصل عن زوجته، بعد أن أعاد تزويج
ابنته الثانية، في تلك الفترة كنت قد قدمته إلى أفراد عائلتي الكبيرة، وكنا
ندرك في تلك المرحلة بأن لا أحد ضد علاقتنا، لكن أخي الكبير عادل كان
الاستثناء، حيث قال بأنه من غير المناسب أن تتزوج أخته من رجل متزوج، لكن
اعتراض عدد من أفراد عائلتي لم يستمر طويلا ولم يبلغ درجة حدة اعتراض عائلة
بن علي.
في الواقع كان زواجنا كارثة بالنسبة لأفراد عائلة بن علي،
الذين لجأوا إلى كل الوسائل من أجل التفريق بيننا. ولوضع حد لهذه الحالة،
قرر بن علي الطلاق والارتباط بي، حيث أصبحت عائلته منذ ذلك الحين، تعرف بأن
امرأة أخرى في حياته.
وبتعليمات من محيط بن علي وعلى الخصوص صديقه
كمال لطيف، بات الجواسيس يحيطون بمقر بيتي، كانوا يراقبونني أربعا وعشرين
ساعة، وكانوا يسجلون أي حركة لي، وكان يكفي أن أخرج إلى الشرفة،حتى يركضوا
إلى بن علي لإخباره بأني أتطلع إلى الرجال. في يوم من الأيام كانت سيارة
أخي متوقفة أمام البيت، فقالوا له بأن لها عشيقا وكان بن علي أحيانا يبادر
إلى إخباري بما يحصل معي خلال اليوم «إذا قضيت يومك في الشرفة، كنت ترتدين
روب دي شامبر اخضر اللون» أو «كنت على شاطئ البحر ترتدين برمودا وكانت
ساقاك مكشوفتان».
وبسبب هذه التلميحات، كان زوجي لا يكلمني لبضعة أيام.
كان
وزير الداخلية حبيب عمار الشخص الوحيد، الذي يدافع عني، وقد تعاطف معي منذ
اليوم الذي رآني فيه وكنت حاملا، حيث أصبح منذ ذلك الحين يسأل عن ابنتي
نسرين.
هذا التصرف كلّفه معاداة الطرف الثاني له، هذا الطرف الثاني أي
أفراد عائلة بن علي الذين لم يتوقفوا عن تهديد حياته والحيلولة دون شغله
المناصب العليا التي يستحق.
فضل الصلاة
كان ذلك مسلسلا
حقيقيا، تهدف كل حلقة منه إلى زرع الخلافات، بيني وبين بن علي. كانوا
يقولون بأن أحد إخوتي دهس أحد المشاة بسيارته وتباهى بذلك، وأن أختي أزعجت
الجيران عند الفجر بصوت «دربُكّتها» أي طبلها، وأن ابن شقيقي سجل في دروس
التنس من دون أن يدفع الاشتراك.. كل هذه المزاعم سيقت ضدي، حتى يدفعوا بن
علي إلى التخلي عني.
لا شيء كان يدفعني إلى الصبر والمقاومة سوى الصلاة،
التي بدأت الالتزام بها في مرحلة الشباب وكنت أحرص على أن يتضمن منزلاي في
سوسة وسيدي بوسعيد على قاعة مخصصة للصلاة.
بعد ذلك خضعت للمساومة، وقد
قالوا على لساني بأني قبلت التخلي عن بن علي شريطة الاستفادة من مبالغ
مالية كبيرة، ومن وظائف وأملاك عقارية.
ولقد وصلت سفاهة كمال لطيف إلى
درجة أنه اقترح على زوجي السابق إرجاعي، مقابل أراض فلاحية ومبالغ مالية
معتبرة، كما اقترح على بن علي أيضا حرماني من ابنتي.
كنت مستعدة لأنتزع
منهم أعينهم، على أن يحرموني من ابنتي نسرين، وقد حاولوا إيقاعي في الفخ عن
طريق الهاتف، واستمروا في ذلك، لكنهم لم يجدوا أبدا ما يسيء إلي، على
مستوى سلوكياتي وإلا لنشروا كل شيء في الساعة التالية.
كنت أعرف بأن
حياتي مهددة، مثل ذلك اليوم الذي كنت أستعد فيه للخروج من عيادة ماجنتا
بالقرب من ساحة باستور. كنت أحمل ابنتي، حين رأيت سيارة تتبعني، وقد أسرع
قائدها بنية دهسي، قبل أن يتوقف على بعد بضعة سنتمترات عني.
هذا الرجل
سيعرف نفسه بالتأكيد حين يقرأ هذه الأسطر، لكن رغم كل شيء أسامحه اليوم..
لقد ركضت لأوقف سيارة أجرة، وبقيت أجوب الشوارع لساعات دون أن أعرف كيف
أتعامل مع الوضع أو أين أذهب. منذ ذلك اليوم سكن الخوف قلبي وأصبحت غير
قادرة على التخلص من الشعور بأني مطاردة، وحين كنت أخبر بن علي، لم يكن
يصدق، ذلك أنه لم يكن يتصور بأن كراهية أفراد عائلته لي تدفعهم إلى فعل كل
هذا لإبعادي عن هذا الرجل، هذا الرجل الذي أصبح في السابع من نوفمبر 1987
رئيسا للدولة.
السابع من نوفمبر
لم يخف بن علي أبدا، أنه هو
من دبّر وخطّط للسابع من نوفمبر، لقد كان يعتقد بأن بورقيبة أُصيب بالخرف،
وأن البلاد تواجه خطر الغرق في الفوضى، إن لم يتم فعل أي شيء لإنقاذها..
كانت
المجموعة التي حضّرت الانقلاب على الرئيس الأول لتونس المستقلة، تتكون من
35 شخصا وقد كان همّهم الأول، هو ألاّ تسيل قطرة دم واحدة، في تلك الفترة.
لم يتسرب أي شيء عن العملية، ولم أكن أنا استثناء، لأني سمعت بها مثل بقية التونسيين في الوقت ذاته..
لقد رن هاتف بيتي في الساعة السادسة صباحا، وكانت صديقتي المتصلة.. كانت تصرخ «افتحي الراديو، افتحي الراديو».
أدرت
زر الراديو، وسمعت صوت بن علي وهو يعلن السيطرة على السلطة والتزامه أمام
تونس والشعب. تدفق كل أفراد العائلة، عائلة الرئيس وعائلتي على بيتي
للتهنئة، فيما اختبأت وراء السلالم وبدأت في البكاء.
بدت لي المسؤولية كبيرة ولم أكن مستعدة لمثل هذا القدر.
وللتاريخ
أذكر بأن بن علي كان معجبا ببورقيبة ويحترمه وأعتقد أن الشعور بالندم لا
يفارقه لأنه أزاحه عن السلطة، رغم أن الظروف كانت تقتضي ذلك. إنه يعترف
بقامة الرجل الذي حرّر البلد وبنى قواعد تونس المستقلة.
وحتى بعد أن
أزاحه، عن السلطة كان بن علي يعوده بانتظام، حاملا إليه اليوغورت المصنوع
في فرنسا، وكان يحبه، والملابس الداخلية المصنوعة في سويسرا والتي كان لا
يستغني عنها أبدا.
وقد حرص بن علي على أن تحمل الزوجة السابقة لبورقيبة،
وإن كانت مطلقة، جواز سفر دبلوماسيا، وحين جاءه البعض، وقالوا له بأن
عائلة السيدة الأولى سابقا، عائلة بن عمار سلبوا العديد من الأراضي، رد بن
علي «لقد طويت صفحة المرحلة الماضية، ما أعتدُّ به هو ما سيحصل من الآن
فصاعدا، كل من ارتكب جريمة بعد السابع من نوفمبر، عرضة للمحاكمة، لكني لن
انتقم من الذين حكموا قبلي».
في الواقع لا أحد من أعضاء عائلة المرحوم
بورقيبة ولا أصهاره، شعروا بالخوف على حريتهم، ولا انتهكت او سلبت بيوتهم
ولا حساباتهم ولا أملاكم في الخارج ولا مؤسساتهم المالية المهمة.
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي
السابق زين العابدين بن علي، تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى
طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود
ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية
باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار
النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية
السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة
الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس
انطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير
الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها،
ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته
إدعات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت
بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي
السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات
الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص
اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها
بعض الوجود السياسية التونسية والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية
في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر
وكتب عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته
انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى
مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى،
فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا
يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما
تراها وتقول إنها عايشتها.
أتذكر جيدا أول لقاء جمعني ببن علي، الذي
أصبح زوجي لاحقا، كان ذلك على طريق الصخرة في تونس، ذات يوم من أيام شهر
فبراير من عام 1984.كنت أقود سيارتي، وفجأة تجاوزتني سيارة تابعة للشرطة
وأجبرتني على التوقف، على حافة الطريق.
نزل من السيارة رجل طويل وشعره
أسود كالفحم، ثم طلب مني وبهدوء وثائقي، وقال لي «هل تعرفين لم أوقفتك؟»،
فأجبته «نعم لأني كنت مسرعة»، تبادلنا النظرات ويبدو أن هذه النظرات هي ما
رسم قدرنا مع بعض، لأني شعرت فجأة بأن أمرا ما حصل يتجاوز الظروف، إنه
ببساطة «المكتوب «أو القدر».
تركني الرجل وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة قائلا «أنا مجبر على الاحتفاظ برخصة القيادة، تعالي لأخذها حين تستطيعين ذلك».
ذهبت لاسترجاع رخصة القيادة بالطبع، وتبادلت مع هذا الرجل رقم الهاتف بصفة عادية.
في
الواقع لم أكن اعرف هوية هذا الرجل الذي يعمل في وزارة الداخلية، لكني
سمعت من أحد أقاربي بأنه يعتلي منصب المدير العام للأمن الوطني، وأنه معروف
بانضباطه وحدته.
بالنسبة لي كان هذا الشخص، الرجل الذي كنت أنتظر، لقد
كان يبدو لي مختلفا تماما عن الآخرين، كان يتميز بالرجولة والرقة.. فقلت
إنه الرجل الذي قد تفاجئني الحياة به.
العناية الإلهية
مرت
شهور من دون أن نلتقي مجددا، لكن العناية الإلهية جمعتنا، وتمكنت من رؤيته
مرة أخرى، لكني في هذه المرة، سقطت في حبه، من دون أن أفكر حقيقة في البحث
عن مكان في قلبه وحياته، بينما هو كان يحرص على القول، بأن علاقتنا ليست
على كل حال علاقة عابرة «أنا جدّي، ولست من النوع الذي يتسلّى».
كان
متزوجا وأبا لثلاث بنات، وكان يقول لي بأنه لم يعرف الحب أبدا وأنه عزم على
عدم الاستمرار مع زوجته، وتطليقها للزواج من أخرى، حتى وان لم يكن قد
التقاني من قبل.. كان يقسم «لقد أراد القدر أن تكوني أنت، وهذا أفضل
بكثير».
لقاءات سرية
اعتدنا على لقاء بعضنا في سرّية لدى
الأصدقاء، وكنت في ذلك الوقت أتردد على قاعة رياضة، تقع في شارع محمد
الخامس مع صديقة طفولتي سميرة، وكان هو يأتي لاصطحابي عند خروجي.
كنت
أعشق الرياضة وكل أنواعها من الإيروبيك إلى التنس، مرورا بالكرة الطائرة
التي كنت ألعبها أيام الثانوية، بالإضافة إلى كرة اليد والجمباز الذي كنت
أمارسه حين كنت شابة، في قاعة تقع في حي باردو.
قدّمتُ بن علي إلى
عائلتي. كان ذلك في فصل الصيف وكنا نؤجر بيتا على البحر، تحدثت إلى أمي
عنه، وقلت لها بأنه بصدد إنهاء أوراق الطلاق، وقد جاء بضع مرات عندنا،
لتناول الغذاء معنا.
كنا نخرج مع بعض، وكان غالبا ما يكلمني في الهاتف، لقد كان هو من يوقظني كل صباح.
كان بن علي آنذاك ما يزال مع زوجته، لكنه كان يفكر في عدم استكمال إجراءات الطلاق حتى تتزوج ابنتاه الكبرى والصغرى.
لقد
شعرت بالاطمئنان كثيرا، لاهتمام هذا الرجل بعائلته، انه أب مسؤول وحنون،
يحب أطفاله ويعتني كثيرا بمشاعرهم، لذلك لا يمكن أن يكون رجلا سيئا أبدا.
كان
يروي لي كيف كان يهتم ببناته، فهو من كان يشرف عليهن أثناء الاستحمام، ومن
يُسرّح شعرهن، ومن يرافقهن إلى المدرسة أيضا، وقد سنحت لي الفرصة للتأكد
من ذلك فيما بعد، حيث كن يتصلن به هاتفيا باستمرار... هذا القلب المعطاء هو
ما أسرني، فرغم أن الرجل يبدو محافظا وحادا إلا انه إنساني وخدوم ومسؤول
أيضا.
كان بن علي يحترم زوجته الأولى لكنه كان كل مرة يؤكد لي بان الأمر
يتعلق بزواج مرتب وليس علاقة حب، في ذلك الوقت أي فترة ما قبل الزواج، كان
بن علي قد تخرج للتو من أكاديمية سانت سير الفرنسية.. كان شابا، جميلا
وطموحا، لذلك لم يجد الجنرال كيفي أفضل منه للارتباط بابنته نعيمة، وقد تم
الاحتفال بهذا الزواج في عام 1961.
فترة الصبر
في عام 1980،
عين بن علي سفيرا لتونس لدى بولندا، فانتقل إلى هناك برفقة زوجته وأولاده.
وكانت وسيلة زوجة الحبيب بورقيبة وراء هذا القرار.
كانت وسيلة قد كلّفت
بن علي، وكان حينها مديرا للأمن، بالتحقق من أن وزير التجهيز محمد سايح،
لا يملك ميليشيا، مثلما نُقل لها، وقد اكتشف بن علي صحة هذه المعلومات،
لكنه رفض خيانة الوزير، فردت السيدة الأولى بإبعاده.
غير أن بورقيبة أرجعه إلى البلاد بعد بضع سنوات، في أعقاب «تظاهرات الخبز» التي بدأت تهدد أمن تونس واستقرارها.
في
تلك الفترة، كنا نلتقي باستمرار، وكنا نتحدث كثيرا عبر الهاتف كما كنت
أتحدث إلى صديقتي سميرة عنه، كنت أحكي لها عن المشاعر والعراقيل والسعادة،
كما أخبرتها بأن بن علي لا يريد أن يفاجئ زوجته وأولاده بطلب الطلاق.
وعلاوة
على مسؤوليته العائلية، كان بن علي مكلفا أيضا بأمن البلاد، لذلك لم يكن
لديه الوقت الكافي لتسوية العالق من الأمور في حياته الخاصة.. فقررت الصبر.
حين أصبحت السيدة بن علي
كان
على بن علي أن ينتظر ثلاث سنوات حتى ينفصل عن زوجته، بعد أن أعاد تزويج
ابنته الثانية، في تلك الفترة كنت قد قدمته إلى أفراد عائلتي الكبيرة، وكنا
ندرك في تلك المرحلة بأن لا أحد ضد علاقتنا، لكن أخي الكبير عادل كان
الاستثناء، حيث قال بأنه من غير المناسب أن تتزوج أخته من رجل متزوج، لكن
اعتراض عدد من أفراد عائلتي لم يستمر طويلا ولم يبلغ درجة حدة اعتراض عائلة
بن علي.
في الواقع كان زواجنا كارثة بالنسبة لأفراد عائلة بن علي،
الذين لجأوا إلى كل الوسائل من أجل التفريق بيننا. ولوضع حد لهذه الحالة،
قرر بن علي الطلاق والارتباط بي، حيث أصبحت عائلته منذ ذلك الحين، تعرف بأن
امرأة أخرى في حياته.
وبتعليمات من محيط بن علي وعلى الخصوص صديقه
كمال لطيف، بات الجواسيس يحيطون بمقر بيتي، كانوا يراقبونني أربعا وعشرين
ساعة، وكانوا يسجلون أي حركة لي، وكان يكفي أن أخرج إلى الشرفة،حتى يركضوا
إلى بن علي لإخباره بأني أتطلع إلى الرجال. في يوم من الأيام كانت سيارة
أخي متوقفة أمام البيت، فقالوا له بأن لها عشيقا وكان بن علي أحيانا يبادر
إلى إخباري بما يحصل معي خلال اليوم «إذا قضيت يومك في الشرفة، كنت ترتدين
روب دي شامبر اخضر اللون» أو «كنت على شاطئ البحر ترتدين برمودا وكانت
ساقاك مكشوفتان».
وبسبب هذه التلميحات، كان زوجي لا يكلمني لبضعة أيام.
كان
وزير الداخلية حبيب عمار الشخص الوحيد، الذي يدافع عني، وقد تعاطف معي منذ
اليوم الذي رآني فيه وكنت حاملا، حيث أصبح منذ ذلك الحين يسأل عن ابنتي
نسرين.
هذا التصرف كلّفه معاداة الطرف الثاني له، هذا الطرف الثاني أي
أفراد عائلة بن علي الذين لم يتوقفوا عن تهديد حياته والحيلولة دون شغله
المناصب العليا التي يستحق.
فضل الصلاة
كان ذلك مسلسلا
حقيقيا، تهدف كل حلقة منه إلى زرع الخلافات، بيني وبين بن علي. كانوا
يقولون بأن أحد إخوتي دهس أحد المشاة بسيارته وتباهى بذلك، وأن أختي أزعجت
الجيران عند الفجر بصوت «دربُكّتها» أي طبلها، وأن ابن شقيقي سجل في دروس
التنس من دون أن يدفع الاشتراك.. كل هذه المزاعم سيقت ضدي، حتى يدفعوا بن
علي إلى التخلي عني.
لا شيء كان يدفعني إلى الصبر والمقاومة سوى الصلاة،
التي بدأت الالتزام بها في مرحلة الشباب وكنت أحرص على أن يتضمن منزلاي في
سوسة وسيدي بوسعيد على قاعة مخصصة للصلاة.
بعد ذلك خضعت للمساومة، وقد
قالوا على لساني بأني قبلت التخلي عن بن علي شريطة الاستفادة من مبالغ
مالية كبيرة، ومن وظائف وأملاك عقارية.
ولقد وصلت سفاهة كمال لطيف إلى
درجة أنه اقترح على زوجي السابق إرجاعي، مقابل أراض فلاحية ومبالغ مالية
معتبرة، كما اقترح على بن علي أيضا حرماني من ابنتي.
كنت مستعدة لأنتزع
منهم أعينهم، على أن يحرموني من ابنتي نسرين، وقد حاولوا إيقاعي في الفخ عن
طريق الهاتف، واستمروا في ذلك، لكنهم لم يجدوا أبدا ما يسيء إلي، على
مستوى سلوكياتي وإلا لنشروا كل شيء في الساعة التالية.
كنت أعرف بأن
حياتي مهددة، مثل ذلك اليوم الذي كنت أستعد فيه للخروج من عيادة ماجنتا
بالقرب من ساحة باستور. كنت أحمل ابنتي، حين رأيت سيارة تتبعني، وقد أسرع
قائدها بنية دهسي، قبل أن يتوقف على بعد بضعة سنتمترات عني.
هذا الرجل
سيعرف نفسه بالتأكيد حين يقرأ هذه الأسطر، لكن رغم كل شيء أسامحه اليوم..
لقد ركضت لأوقف سيارة أجرة، وبقيت أجوب الشوارع لساعات دون أن أعرف كيف
أتعامل مع الوضع أو أين أذهب. منذ ذلك اليوم سكن الخوف قلبي وأصبحت غير
قادرة على التخلص من الشعور بأني مطاردة، وحين كنت أخبر بن علي، لم يكن
يصدق، ذلك أنه لم يكن يتصور بأن كراهية أفراد عائلته لي تدفعهم إلى فعل كل
هذا لإبعادي عن هذا الرجل، هذا الرجل الذي أصبح في السابع من نوفمبر 1987
رئيسا للدولة.
السابع من نوفمبر
لم يخف بن علي أبدا، أنه هو
من دبّر وخطّط للسابع من نوفمبر، لقد كان يعتقد بأن بورقيبة أُصيب بالخرف،
وأن البلاد تواجه خطر الغرق في الفوضى، إن لم يتم فعل أي شيء لإنقاذها..
كانت
المجموعة التي حضّرت الانقلاب على الرئيس الأول لتونس المستقلة، تتكون من
35 شخصا وقد كان همّهم الأول، هو ألاّ تسيل قطرة دم واحدة، في تلك الفترة.
لم يتسرب أي شيء عن العملية، ولم أكن أنا استثناء، لأني سمعت بها مثل بقية التونسيين في الوقت ذاته..
لقد رن هاتف بيتي في الساعة السادسة صباحا، وكانت صديقتي المتصلة.. كانت تصرخ «افتحي الراديو، افتحي الراديو».
أدرت
زر الراديو، وسمعت صوت بن علي وهو يعلن السيطرة على السلطة والتزامه أمام
تونس والشعب. تدفق كل أفراد العائلة، عائلة الرئيس وعائلتي على بيتي
للتهنئة، فيما اختبأت وراء السلالم وبدأت في البكاء.
بدت لي المسؤولية كبيرة ولم أكن مستعدة لمثل هذا القدر.
وللتاريخ
أذكر بأن بن علي كان معجبا ببورقيبة ويحترمه وأعتقد أن الشعور بالندم لا
يفارقه لأنه أزاحه عن السلطة، رغم أن الظروف كانت تقتضي ذلك. إنه يعترف
بقامة الرجل الذي حرّر البلد وبنى قواعد تونس المستقلة.
وحتى بعد أن
أزاحه، عن السلطة كان بن علي يعوده بانتظام، حاملا إليه اليوغورت المصنوع
في فرنسا، وكان يحبه، والملابس الداخلية المصنوعة في سويسرا والتي كان لا
يستغني عنها أبدا.
وقد حرص بن علي على أن تحمل الزوجة السابقة لبورقيبة،
وإن كانت مطلقة، جواز سفر دبلوماسيا، وحين جاءه البعض، وقالوا له بأن
عائلة السيدة الأولى سابقا، عائلة بن عمار سلبوا العديد من الأراضي، رد بن
علي «لقد طويت صفحة المرحلة الماضية، ما أعتدُّ به هو ما سيحصل من الآن
فصاعدا، كل من ارتكب جريمة بعد السابع من نوفمبر، عرضة للمحاكمة، لكني لن
انتقم من الذين حكموا قبلي».
في الواقع لا أحد من أعضاء عائلة المرحوم
بورقيبة ولا أصهاره، شعروا بالخوف على حريتهم، ولا انتهكت او سلبت بيوتهم
ولا حساباتهم ولا أملاكم في الخارج ولا مؤسساتهم المالية المهمة.
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
8 - لستُ حلاقة.. ورضوى الماجري استغلت اسمي
هل كانت ليلى تسيّر حقاً بن علي ؟
ترجمة وإعداد سليمة لبال
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي
السابق زين العابدين بن علي، تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى
طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود
ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية
باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار
النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية
السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة
الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس
انطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير
الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها،
ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته
إدعات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت
بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي
السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات
الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص
اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها
بعض الوجود السياسية التونسية والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية
في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر
وكتب عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته
انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى
مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى،
فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا
يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما
تراها وتقول إنها عايشتها.
أتذكر أن زواجنا تمّ من دون أُبّهة، في حضور
عائلتينا وبعض الأصدقاء والشهود، ومن بينهم المحامي عبادة كيفي، ورغم ذلك
لم تتوقف النميمة، ولا سعي البعض لإنهاء علاقتي ببن علي.
كانوا يقولون للرئيس الجديد إنه أساء الاختيار، وكان عليه أكثر من ذي قبل، أن ينتقي من «تُشرّفه».
اعتقد أنه لولا حب زوجي ولولا الله، لكنت واجهت مشاكل كبيرة في حياتي مع الرئيس خلال الشهور الأولى، بسبب هذه الأقاويل.
في البداية، أقمنا في جناح في قصر قرطاج، يدعى دار السلام، بينما استمرت زوجته السابقة في الإقامة في المبنى الرئيسي.
كان بن علي يفضل البقاء بالقرب من بناته، لذلك اختار هذه الصورة، التي استمرت لعدة سنوات بعد زواجنا.
لم
ألتق أبدا الزوجة السابقة لبن علي، بينما بناتي كنّ يطلبن أحيانا زيارة
أخواتهن، غير الشقيقات، اللواتي كنّ يأتين لزيارتنا بين فترة وأخرى.
كانت
زوجة بن علي الأولى تعتقد أني أخذت مكانها، لذلك كانت تشعر بأنها طُعنت في
كرامتها، وكان علي أن أتوقع ألا تتقبل هذا الوضع أبدا.
وقد حذرني أحد
أشقاء كمال لطيف، حين أتى لتهنئتي بمناسبة عيد ميلاد نسرين الأول، وقال لي
«أنت لا تعرفين نعيمة، ستعلن عليك الحرب إلى النهاية».
حرب نعيمة
كان
محقا والدليل على ذلك الأحداث التي وقعت مؤخرا، فمنذ وطئت أقدامنا
السعودية، راجت اشاعات عن وفاة بن علي سريريا، وأما المصدر فلم يكن سوى
نيكولاس بو، الذي ما يزال يشد قرّاءه بالمسلسل الذي يواصل كتابته عنا.
لقد اتصلت الزوجة السابقة لبن علي، وقد عرفت صوتها بمجرد أن رفعت السماعة، كانت مضطربة وتود أن تعرف ما الذي جرى للرئيس.
لم
يكن أمامي متسع لقول أي كلمة، لكني قلت لها حين أكملت وبصوت هادئ، فيه
نبرة مصالحة «لا تقلقي، الرئيس لا يعاني شيئا وصحته جيدة، الله سيعاقب
الكذابين وسيحيطنا برعايته في هذه المرحلة العصيبة، وسيقربنا من بعضنا
ويدفعنا إلى نسيان عداءاتنا القديمة حتى يعم قلوبنا بالعفو والتسامح»،
وفجأة عرفت نعيمة صوتي وبدأت بالصراخ «اه هذه أنت، ليلى الطرابلسي، سبب كل
ويلاتي». حينها فهمت نهائيا بأنها لن تسامحني وأنها تكرهني إلى آخر نفس
لها.
كمال لطيف المتعطش للسلطة
في تلك الفترة بالذات، بدأت
موهبة كمال لطيف في التضليل تنكشف، وهو الذي لم يقبل أبدا بزواج بن علي بي،
ولم يتوقف عن متابعتي إلى يوم الرابع عشر من يناير 2011. تعرفت إلى كمال
لطيف في بداية علاقتي ببن علي، وحين وقعت مشكلة بينه وبين زوجته بعد
عودتهما من شهر العسل انتقلنا إلى شقتهما في المنزه، حيث لعب الرئيس دور
الوسيط لتستقر العائلة، وفي هذه المناسبة تعرفت عليه. بقيت نصف ساعة فقط
معهما ثم غادرت وتركتهما لوحدهما.
لا أحد كان يأخذ هذا الرجل على محمل
الجد، ذلك أنه لم يكن يملك أي ثقافة وكانوا ينادونه «كمال أي أي»، كونه
أخطأ ذات مرة، في قراءة اسم ملك المغرب الحسن الثاني، حيث قرأ الرقم
الروماني «أي أي»، لكن لا أحد تصور بأن يتحول هذا الرجل إلى رجل مهم وضروري
في السلطة وبالنسبة لبن علي، حيث تحول إلى الرجل السياسي لنظام السابع من
نوفمبر وأصبح يلازم الرئيس مثل ظله إلى غاية عام 1992، العام الذي حدثت فيه
قطيعة بين الرجلي .
نجح هذا الرجل، رغم عدم كفاءته، وعدم امتلاكه لأي
مؤهلات في نسج علاقات صداقة قوية مع الأوساط المؤثرة في القطاع المصرفي وفي
الساحة السياسية أيضا، وقد امتدت شبكته لتضم وزراء سابقين من عهد الحبيب
بورقيبة مثل الباجي قايد السبسي، أحد وجوه المعارضة، وسفراء أجانب معتمدين
في تونس، إلى أن أصبح مطلعا ومقربا من كواليس النظام.
كان لطيف مقربا من
بن علي، لذلك من الطبيعي أن يكون ملما بعلاقتي وزواجي ببن علي. ولأنه كان
يتخوف من أن يحدّ وجودي، من الامتيازات التي كان يحظى بها وأن تُكشف خدعه
السياسية لمصلحة جماعته، فقد أصبح هدفه الرئيسي هو إبعادي.
لمَ يكرهني لطيف؟
كنت
أعتقد أحيانا أن من يغذي كراهيته لي، هو حبه الزائد لبن علي، وأن جريمتي
هي أني أخذت الرجل الذي كان يحبه، لكن أي نوع من الحب هذا ؟هل هو حب
انتهازي؟ أم حقيقي؟ أو مرضي؟
لم أتمكن أبدا من تحديد طبيعة هذا الشعور التملكي الذي يسيء لسمعة بلاده.
ويبدو أن والده كان يعرف ذلك، فقد توفي من دون أن يسامحه، وكان يتوقع أن يتسبب في تعاسة كبيرة، وهذا ما وقع، لنا ولتونس كلها .
لقد
أدت عدوانتيه تجاهي إلى فقدانه حظوته، ففي عام 1992، قام بشتم الرئيس وقد
سجن لبضعة أيام، عكس ما يقول اليوم من أنه يجهل أي شيء عن فترة السجن هذه.
تم إطلاق سراح لطيف لكن فقدانه حظوته لم يؤثر في عائلته، كان بن علي مخلصا
ولم يمنع أبدا إخوانه وأخواته من الاستفادة من حقوقهم ومن إدارة شؤونهم، بل
ساعدهم وقد حصلت مؤسسات لطيف على غالبية الصفقات في مجال البناء في تونس.
بعد
أن أُبعد من القصر، حاول كمال التقرب من الرئيس عدة مرات بإرسال رسائل
إليه، عبر له فيها عن حبه وصداقته، وقد استمر هذا الأمر إلى غاية السنتين
الأخيرتين، اللتين سبقتا رحيلنا، ويكفي الاستماع إلى الأشرطة، التي عُثر
عليها بعد الرابع عشر يناير، وتم نشرها على الانترنت وفي إحداها كان يبكي
تعلقه بالرئيس وبزوجته على أمل أن يستعيد مكانه.
وإذا ما كنت لا أصدق أي
كلمة من الكلمات التي كان يرسلها إلينا، إلا أني لا اشك في أنها أصلية،
رغم أن لطيف يحاول اليوم التشكيك في هذه الأشرطة وأقول أنا العكس واشهد
بأنها صحيحة وقد تسلمها بن علي ويتعلق الأمر بصوت لطيف وبكلامه.
تآمر لطيف على الرئيس وأسرتي
حين
اقتنع كمال لطيف بان بن علي لن يتخلي عني وعن أولاده الثلاثة، قرر
إغراقنا، لقد أصبح كل الوزراء المخلوعين والغيورين ومنتقدي الرئيس، أصدقاءه
وقد وقع اتفاقية مع الشيوعيين والمعارضين من كل حدب، ولعب دور جاسوس
لفائدة السفراء الغربيين، وهو من نشر في كل مكان فكرة أن الطرابلسية يقومون
بفعل الكثير، وهي الفكرة التي همس بها إلى مقربين من بن علي من أمثال مدير
الأمن الرئاسي علي السرياطي وحفيده مروان مبروك.
وكان هو أيضا من يسرب المعلومات الهادفة إلى اهانتنا، لنصبح القطعة الرئيسية في الجهاز، الذي صمم لزعزعة نظام بن علي.
استمر
لطيف إلى غاية الرابع عشر يناير في التآمر والاتصال بالرئيس، كما أنه هو
من اقترح عليه اسم احمد الفريعة لتعيينه على رأس وزارة الداخلية في الثالث
عشر من يناير 2011.
أما غداة رحيلنا، فكان يختال ويقول بأنه هو من صنع بن علي في السابع من نوفمبر وهو من أطاحه.
وقد
شاهدنا كمال لطيف في موكب الوجوه السياسية الجديدة في تونس، وهو من أشار
إلى الباجي قايد السبسي الوزير الأول في الحكومة المؤقتة الأولى، بالطريقة
التي ينبغي وفقها أن يوزع عناصره ويسجن وزراء النظام السابق ويتهجم على
أفراد عائلتي.
كيف أصبحت حلاقة.. وأكاذيب أخرى
لقد وضعت
مجموعة لطيف وبتحريض منه، استراتيجية جديدة بعد أن تحرشوا بي بنميمتهم،
وابتزازهم، وتقوم هذه الاستراتيجية على دفع زوجي إلى تطليقي، بإيقاعه في فخ
علاقات نسائية أخرى
والمجموعة هذه نفسها هي من أبلغتني بذلك، عن طريق
رسالة في بداية عام 2000 جاء فيها: «سننتهي إلى تطليقك مهما كان الثمن،
سنعثر له على سيدة جميلة وستنتهين إلى تركه لوحدك».
وقد أجبت بالصيغة
التالية «اليوم الذي سيعثر فيه زوجي على امرأة مثلي، ويحبها مثلما يحبني،
أنا من سأتخلى عنه، شريطة أن يطلب مني ذلك».
ليلى الطرابلسي الأخرى
استمر
الخلط وبذكاء بين اثنتين تحملان الاسم نفسه «ليلى بن علي»، وقد قدمهما
الصحافيون في صورة شخص واحد هو أنا، لذلك ولدت اشاعة أني مارست مهنة
الحلاقة، من سوء الفهم هذا.
والقصة هي كالآتي: «كانت هناك سيدة تدعى
رضوى الماجري، تلقب نفسها بليلى الطرابلسي. لقد عاشت هذه السيدة في طرابلس،
بعد أن تزوجت بأحد أبناء عمومة معمر القذافي يدعى قذاف الدم ورزقت منه
بولدين، لكنها انفصلت عنه وعادت إلى تونس، حيث فتحت أول صالون حلاقة لها في
حي باردو.
أصبحت هذه السيدة فيما بعد صديقة الشاذلي حامي الذي كان يشغل
منصب سكرتير الدولة للأمن الوطني، وكانت سيدة مغامرة، أدخلت إلى السجن بعد
أن سلبت عدة أشخاص ممتلكاتهم.
كانت الماجري تود فتح صالون حلاقة ثان،
لذلك طلبت من الشاذلي حامي أن يتوسط لها، حيث كان يشبه جسديا بن علي، كما
يملك صوتا قريبا من صوته.
في يوم من الأيام وقبل 15 عاما، تلقى زوجي مكالمة هاتفية من مدير فندق أبو نواس جاء فيها: «سيدي الرئيس، الصالون جاهز للسيدة ليلى».
تفاجأ
زوجي ورد عليه «عن أي صالون تتحدث، أنا لم أطلب منك أبدا شيئا من هذا
القبيل» ثم أضاف «انتظر حتى يأتيك الشخص الذي طلب منك هذا وأخبرني من
يكون»، حين رأى صاحب مدير الفندق السيد حامي قادما برفقة محظيته لتسلم
المقر، فهم الأمر واتصل بالرئاسة للاعتذار، والتبليغ عن هوية القادمين
الجديدين.
في الواقع قدم الشاذلي حامي نفسه على أساس أنه الرئيس، ما
مكّنه من الحصول على صالون حلاقة لليلى، واسمها الحقيقي رضوى، وهكذا بلغ
الرئيس بأن هناك من استغل اسمه ووظيفته.
وصلت هذه الطرفة إلى مسمع كمال
لطيف وأفراد مجموعته، الذين لم يتأخروا في اختراع قصة ليلى بن علي الحلاقة،
التي نشروها في كل مكان في البلاد.
عشيقة الرئيس وعشيقي
ولكن
كيف سمعت بالقضية؟ في أحد الأيام، زارتني صديقتي سميرة وكان بالها منشغلا،
حيث قالت لي «تعرفين جيدا أني لا أريد أن أخفي شيئا عنك، أعتقد أن لزوجك
عشيقة، إنها حلاقة وتقيم في باردو»
لم أصدق ذلك، لكني قررت مراقبة
سلوكيات زوجي وبدأت في تسجيل كل شيء أثناء دخوله وخروجه، والتنصت عليه حين
يتصل هاتفيا، لكن لم يتبين لي أن للرجل علاقة خارج إطار علاقتنا الزوجية.
لم
أنبس ببنت شفة عن القصة إلا اليوم، الذي أطلعني فيه بن علي على مقال، ثم
روى لي مغامرات رضوى الماجري، التي كانت تلقب نفسها بليلى الطرابلسي، وقد
أدينت بتهمة الاحتيال، وكان كمال لطيف وصديقه محمد شكري وآخرون من اكتشفوا
قصة الحلاقة، ومن يحميها.
إلى جانب هذه القصة، كانت هناك اشاعة أخرى
مفادها أن لي عشيقا ليبيا، حيث زعموا إني كنت على علاقة مع قذاف الدم،
الزوج السابق لرضوى الماجري التي لا اعرفها. كان محمد شكري وكمال لطيف
ومحمد علي غنزوي وكان حينئذ الرجل القوي في الداخلية، كان الجميع متعودين
على عرض أشرطة تتضمن حفلات خاصة لفتيات وهن يتمايلن على بن علي وكانوا
يهمسون في أذنه «أنْ بإمكانه اختيار التي يرغب فيها، وما عليه سوى أن يشير
بإصبعه الى إحداهن لأنه الرئيس».
حشد للجميلات
كان المحامي
«أ» من المجموعة. بدأ هذا الرجل في حشد النساء الجميلات لزوجي بضغط من لطيف
وفي أحد الأيام، فاجأته وهو يتفاوض على نوع خاص مع بن علي. كنا آنذاك ما
نزال نقيم في دار السلام، وحين خرجت إلى الحديقة، أخبرني المستخدمون بأن
الرئيس استقبل أحد المعارف في الخيمة المنصوبة في الخارج، فتوجهت إليها حين
بدأ الحديث في الموضوع. توقفت خلف سياج كان يخفيني عن أعينهم وسمعت الحوار
التالي: همس «أ» «سأحضر لك المرأة الشابة، في اليوم والوقت الذي يناسبك،
إنها متحمسة».
• كيف تبدو؟
ــــ خمسة على خمسة، جميلة جدا، قنبلة
حقيقية، إنها مطلقة وعلى أتم الاستعداد، خالتها محامية وتطالب بان يكون
عشيق ابنة أختها، رئيس الجمهورية شخصيا
ــــ إنها مجنونة؟ علينا أن نستدعيها فورا، حتى توقع على تصريح تلتزم فيه بعدم نشر مثل هذا النوع من الاشاعات.
ــــ لا على العكس، بمثل هذه الطريقة نواجه خطر انتشار الاشاعة، اقترح عليك بدل ذلك أن نستقدم الفتاة الشابة
ــــ متى؟
ــــ يوم الأربعاء سآتي بها بالتأكيد.
غادرت
مخبئي ودخلت الخيمة،وسط ذهول ودهشة الرجلين، وتوجهت بكلامي إلى المحامي
«إذا سيدي، أنت تلعب دور مستشار زواج، هل تعتقد بأني غبية؟ أنتم الأربعة
اتفقتم على العثور على بنات لزوجي».
احمر المحامي وتمتم ثم حاول أن يبرر فعلته فقلت له «لا أريد أبدا أن تطأ قدماك هذا المكان، اخرج من هنا»
كنت أعرف كيف أصبح صارمة وغير موقرة حين يتطلب الامر ذلك.
هذا
المحامي نفسه هو المحامي ذاته، الذي رد حين اقترح عليه مؤخرا الدفاع عن
زوجي، بالقول «أنا لا أدافع عن الطغاة» ولكن يبدو بأنه جيد لأداء دور
«القواد».
(يتبع)
ليلى بن علي تطلب الصفح
قالت ليلى بن علي
زوجة الرئيس التونسي السابق في مقابلة نشرتها امس صحيفة لو باريزيان إنها
تسعى الى «العدالة» في بلادها، ناقلة عن زوجها انه يريد ان ينصفه التونسيون
على ما قام به.
وفي هذه المقابلة، وهي الأولى معها منذ فرارها من تونس
في 14 يناير 2011 مع زوجها الرئيس السابق زين العابدين بن علي تحت وطأة
ثورة شعبية، طلبت ليلى بن علي «الصفح» عن اخطاء قد تكون ارتكبتها، لكنها
رفضت كل الاتهامات الموجهة إليها.
وقالت «لم أكن أتعاطى السياسة. كنت أخصص يومي للأعمال الخيرية والاجتماعية. اضافة الى ذلك، سعيت الى تحسين حياة عائلتي، هذا صحيح».
وأضافت «أردت القيام بأمور جيدة. اذا كنت قد اخطأت بحق شخص ما فإنني اطلب منه الصفح».
وعلى
غرار ما تضمنه كتابها «حقيقتي» الذي نشر في فرنسا في نهاية يونيو، نددت
ليلى بن علي بــ «مؤامرة» عسكرية ادت الى الاطاحة بنظام زوجها، مؤكدة
استعدادها لمواجهة القضاء في بلادها ضمن شروط معينة.
وقالت ايضا «حتى الآن ليس هناك سوى الكره والثأر»، آملة في ان تحظى عائلتها بــ «قضاء عادل».
وفي
يونيو 2011 حكم القضاء التونسي على ليلى الطرابلسي غيابيا بالسجن 35 عاما
بتهمة اختلاس اموال، ثم حكم عليها بالسجن 15 عاما بتهمة حيازة اسلحة
ومخدرات وقطع اثرية.
كذلك، حوكم الرئيس التونسي السابق لمسؤوليته عن القمع الدامي للمتظاهرين في يناير 2011 وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وفي
رسالة كتبها بن علي وسلمها لزوجته، قال «آسف لكونهم (التونسيون) نسوا ان
الدولة في ظل ادارتي قامت بتحسين المستوى المعيشي لكل فرد في شكل ملحوظ
وجعلت من تونس بلدا عصريا (..) آمل ان ينصفني مواطني عبر استعادتهم الدرب
الذي عبرناه معا».
وأوضحت ليلى بن علي ان المسؤولين الفرنسيين «دعمونا دائما»، خصوصا الرئيسين السابقين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي.
لكنها
تداركت «الوحيد الذي دعمنا حتى النهاية هو فريديريك ميتران»، وزير الثقافة
السابق الذي اعد العديد من الاشرطة الوثائقية عن تونس.
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
9 - اشترينا بيتنا وأثّثناه بمالنا الخاص والمرزوقي يود الآن بيعه
البيت الذي تقول ليلى إنها وزوجها دفعا ثمنه بعد إحراقه
ترجمة وإعداد سليمة لبال
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي
السابق زين العابدين بن علي، تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى
طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود
ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية
باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار
النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية
السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة
الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس
انطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير
الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها،
ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته
إدعات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت
بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي
السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات
الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص
اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها
بعض الوجود السياسية التونسية والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية
في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر
وكتب عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته
انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى
مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى،
فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا
يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما
تراها وتقول إنها عايشتها.
علاوة على المؤامرات والمناورات التي كانت
تهدف الى تحطيم أسرتي، كان عليّ أن أواجه تأثيرات السحر، الذي كان ينوي
أصحابه من خلاله ابعاد بن علي عني، بعد أن أتحول الى شخص غير مرغوب فيه، في
حياته.
في الواقع،اكتشفت أنهم يُتْخمونه بخليط من المواد الغريبة، كلحم
مختلف الحيوانات وجرعات مختلفة أخرى، حتى أنه أضحى لا يتذكرني تماما في
بعض الأيام، فيما أصبح لا يتعرّف صوتي في الهاتف. وكان يتغيب لأسابيع كاملة
وفي احدى المرات ولدى عودته، رفض الاقتراب مني أو رؤيتي وصرخ في وجهي
«انزعي يدك» وكأني الشيطان.
أما في يوم آخر، ووفق أحد رجاله الموثوق
فيهم، فقد قطع خيوط الهاتف الأحمر، الذي كان مخصصا لمكالماتنا الخاصة
انطلاقا من مكتبه، ورماها، ثم صرخ «فيمَ يستخدم هذا الهاتف؟ أنا لا أتذكر
شيئا».
كانت زوجته السابقة وحلفاؤها، يسعون الى أن يقطع بن علي علاقته مع ابنة الشعب هذه، وكانوا يقولون له كل مرة بأني لا أستحقه.
مشعوذون من المغرب وجربة
كان
الجميع يركضون وراء المشعوذين في أعماق تونس والمغرب، مرورا بجربة
المعروفة بمشعوذيها، ولم يتنبه بن علي، الا بعد أن حذّره أحد أصدقائه
المقربين من أن يسقط ضحية السحر، فتسوء صحته، حيث قال له «هذه المواد سامة
ويمكن أن تقتلك».
أعرف أنهم قالوا الشيء نفسه بالنسبة لي، واتهموني
بالممارسات نفسها، لكني أدافع عن نفسي بقوة، فأنا لم أزر المغرب أبدا
وشخصيا لم أستقدم أي «عزام» (مشعوذ) من بلاد بعيدة حتى أستفيد من سحره،
بالاضافة الى ذلك فقد كنت مراقبة وغير قادرة على ادخال أناس غير معروفين
للقصر، واذا ما كان هناك ساحر واحد يدّعي بأني لجأت الى خدماته، فأنا
مستعدة لمواجهته.
لم أكن بحاجة الى اجبار رجل اختارني زوجة، على حبي..
لقد كنت أرد دوما على هذه الاتهامات بالقول «الغيب الوحيد الذي أؤمن به هو
الله، القادر دوما على اعادة زوجي لي».
نقطة ضعف بن علي
ولأنهم
كانوا يودون استبدالي بزوجة اخرى، أرادوا اثارة غيرة بن علي من خلال
اختلاق عشاق لي، كانت الغالبية منهم، حراسا شخصيين وليبيين. وأؤكد في هذه
المناسبة أني لم أزر ليبيا قط ولم التق أبدا القذافي وليس لي أصدقاء ولا
معارف في هذا البلد، ما عدا أن شقيقيَّ أقاما هناك لفترة، فمنصف كان مصورا
وأما ناصر فكان يدير مقهى في طرابلس.
كانت هذه الادعاءات تغيظ بن علي،
لكن كل من كان يزورني، كان اسمه يسجل ولم يكن بمقدوري اطلاقا استقبال أي
رجل أجنبي عن العائلة، لكن هذا لا يمنع من أن خصومي وجدوا نقطة ضعف بن علي،
ألا وهي شرف زوجته. لقد كانوا يروّجون في دوائر الحكم ويهمسون في أذن بن
علي، بأنه كان لي عشاق قبل أن أتعرف عليه، وبعد أن ارتبطت به ما زلت على
علاقة بهم، الى درجة أن أحد المقربين من الرئيس قال له في احد الأيام «لكن
كم يبلغ عمر هذه السيدة، حتى تكون لها كل هذه المغامرات؟يجب أن تكون كبيرة
في السن حتى تتوافر على هذه القائمة الطويلة من العشاق».
كذبة لطيف
كنت
حاملا بحليمة في عام 1991، حين أخذني زوجي لزيارة الأرض التي بني عليها
بيتنا الجديد، كانت أرضا مطلة على البحر، وتقع بجوار مقبرة. وخلال زيارتنا،
رأينا رجلا يصلي على قبر، سألناه، فأجاب بأنه قبر جده. فقلنا له، اذا ما
أردنا البناء، سننقل الضريح الى المقبرة.
وبطبيعة الحال، هذا النوع من
الأحداث، هو ما يترصده كمال لطيف، ليضيفه الى رواياته السوداء: لقد زعم
بأننا هدمنا قبر ولي صالح، ظهر لبن علي في أحلامه، ليعبر له عن سخطه وغضبه
مما فعل وأنه وعده بالانتقام منه وهزمه وطرده خارج البلاد.. لكن لطيف يفتقد
في الواقع أحيانا للأفكار، لذلك اكتفى بنسخ ولصق قصة كانت تُروى في زمن
بورقيبة ومفادها أن الرئيس الأول لتونس، أثار غضب الولي الصالح سيدي
عبدالغني، بعد أن حطم ضريحه ليقيم في مكانه فندق حياة ريجنسي.
عشر سنوات في بناء البيت
قمنا
بشراء الأرض بأموالنا، وكان سعر المتر المربع في السوق آنذاك أي قبل 20
عاما حوالي 100 دينار، والأمر نفسه بالنسبة للأثاث، الذي طلبناه من المقاول
نيجي مهيري وبحوزتنا كل الفواتير. وللتاريخ فقد قامت شركة البناء التابعة
لعائلة يوسف لطيف والد كمال ببناء البيت.
شيدنا هذا البيت صخرة صخرة،
طيلة عشرة أعوام كاملة، ومن الطبيعي أن نُصدم اليوم حين نرى الرئيس التونسي
المنصف المرزوقي يعلن عن نيته بيع بيتنا. بأي حق؟ من حق الرئيس أن يقرر
مصير قصر قرطاج وباقي المباني الرسمية، انه شأنه، لكن لا يوجد أبدا قانون
يسمح له بمصادرة أملاكنا ولا التعامل بهذه الطريقة مع أي مواطن تونسي.
عليهم
ألاّ ينسوا بأن لنا أبناء نحن أيضا وأطفالنا لا يمكن أن تسلب منهم أملاك
مسجلة باسمهم، وأُوضّح هنا بان 80 في المائة من التونسيين يملكون الشقق
التي يقيمون فيها.
مسؤولية الأبناء
بينما اهتم الناس بحياتي
الخاصة، لا أحد تحدث عن الأم التي كنت، ولا المسؤوليات التي كانت على
عاتقي. بدأت مواجهة المتاعب خلال مراهقة ابنتي الكبرى، لم تولد نسرين لتكون
ابنة رئيس، لقد كانت تمقت القيود وكانت تلجأ إلى استراتيجيات عدة للهروب
من البروتوكول، لقد كانت متمردة وهو ما لم يكن يعجبني أنا ووالدها.
كانت تحب الحيوانات وتملك كل الأنواع من القط إلى الكلب مرورا بالثعبان ولم يكن هذا نزوة من نزوات الأغنياء وإنما حلم طفلة.
أما
البقية، فكانت نسرين تعشق الحرية، ولم تكن تجد وسيلة للتعبير عن سلوكياتها
المتوحشة سوى تسريحات الشعر المرعبة وثقب الأنف والأذن وتزيينهما، لقد
كانت تفضل حياة الحقول على حياة القصر، وقد فهمت رغبتها في الاستقلالية حين
كانت في الثانية عشرة من عمرها.
كنا في جولة في المدينة، وقبل الإفطار
في رمضان، لاحظنا على حافة الطريق فتاة تبيع الخبز المصنوع في البيت. توقفت
وتوجهت نحو الفتاة لشراء «طابونة» أي الخبز التقليدي التونسي، دائري
الشكل، لكن خروج أحد الحراس الشخصيين مسرعا من سيارته، أثار رعب الفتاة
فابتعدت.
تركت هذه الفتاة قفة خبزها من شدة خوفها، وهنا قالت لي حليمة
«المسكينة، حاولنا مساعدتها فخافت»، لكن نسرين ردت بالقول «أي حظ تملك هذه
الفتاة، هي على الأقل حرة، وتركض في الشارع، وتفعل أي شيء في حياتها، ما
معنى السعادة إذا»؟
كانت نسرين ذكية، لكنها تحب التناقض، وكانت عادة ما
تهرب من دروسها في الثانوية، لكنها حصلت على البكالوريا بعد أسبوع واحد من
التحضير، وعلي أن أقول بأنها نجحت بشق الأنفس.
كانت نسرين في الرابعة
عشرة من عمرها فقط، حين التقت صخر، الذي أصبح لاحقا زوجها، في تلك الفترة
كذبت عليه وأخبرته بأنها في السابعة عشرة، ما دفعني لأخبر والدة صخر بأن
ابنتي قاصر وعلينا أن نكون حذرين، وإن كان ابنها في الثامنة عشرة من عمره.
خطرت
لوالدة صخر فكرة تسجيله في كلية بلندن، حيث ذهب لمتابعة دراساته دون
محبوبته نسرين، التي استمرت في ارتكاب حماقات، حيث كانت لا تحضر الدروس
وكانوا كل مرة يحذرونني، حين أتردد على اجتماعات أولياء التلاميذ في محاولة
لإنقاذ الموقف.
وحين كنت أخبر والدتي بتصرفاتها، كانت ترد «أنا اعرف من هي، اذهبي».
ذكريات المراهقة
حقيقة،
أنا أتذكر أنه كانت لي نزعة الهروب من المدرسة نفسها، لقد كنت أحب التردد
على شارع شارل ديغول في وسط المدينة ثم النزول إلى شارع بورقيبة برفقة
صديقتي سميرة.
كنا نمر على الأسواق، وعلى باب فرنسا، ونصعد السلالم
الميكانيكية للمتجر الكبير، ونتناول جبن الماعز، الذي لم يكن يتوافر إلا في
هذا المكان، كما كنا نتفرج على الواجهات ونختار منها النظارات الشمسية..
كانت حياة جميلة، لكني كنت اعرف ما الذي كان ينتظرني من إخواني، وأعرف بأني
سأعيدها مرة اخرى.
كنت أفبرك أنا وسميرة قصصا للتغيب عن المدرسة، فكنا
مرة نقول بأن في بيتنا عزاء ومرة حفلة زفاف، وكنا نستغل الفرصة لركوب
القطار باتجاه سيدي بوسعيد او أميلكار وكنت حين أعود إلى البيت أسرع إلى
فراشي، حيث أتظاهر بالنوم حتى لا يسألني أحد عن يومي.
كنت أثق في أخواتي، فلا واحدة منهن كانت تخونني باستثناء منيرة، التي كانت تطلع والدتي على كل شيء.
أما
أختي جليلة فلم تكن تغضب، إلا حين كنت أرتدي ملابسها الجميلة التي كان
خطيبها يهديها إياها، وكنت كثيرا ما أُجبر على إرسال زميلاتي للبيت، حتى
أعلم إن كانت جليلة قد وصلت أم لا.
منذ ذلك الحين، حرصت شقيقتي على
إخفاء فساتينها ومجوهراتها ومعطفها الجلدي الأحمر تحت فراشها، حتى لا
ارتديها أثناء دراستي في الثانوية.
معاناة حليمة
كان يكفي
أن يعود صخر إلى تونس، حتى تولد علاقة الحب بينه وبين نسرين من جديد. فجأة
تغيرت ابنتي تماما وأصبحت هادئة ومتواضعة، كما ارتدت الحجاب لعدة سنوات،
رغبة منها في إرضاء زوجها. لقد حوّل الزواج نسرين، التي أصبحت اليوم سيدة
بيت وأمّا مطيعة أكثر من أي وقت مضى.
حليمة عكس نسرين التي تكبرها بخمسة
أعوام، فهي تعمل بكد ومنظمة ومتكتمة، إنها تشبه والدها في صمتها وتحفظها.
لقد تأثرت صحة حليمة بعد ميلاد شقيقتها ثم شقيقها، لقد أصبحت تميل إلى
الصمت والانزواء وكانت تنحف بشكل لافت للانتباه.
بعد بضعة أسابيع من
ولادة ابني محمد في عام 2005، حذرتني إحدى صديقاتي بشأنها، وقالت لي بأن
حليمة تعاني دون شك، خاصة أنها ترفض الأكل.
في الواقع كانت حليمة مصابة
بداء فقدان الشهية ولم نكن نعرف ذلك، لقد كنا نعتقد بكل سذاجة بأنها تتبع
حمية غذائية. اطلعت كثيرا على مرضها واستشرت أطباء ومختصين وقد تطلب تشخيص
مرضها عاما كاملا فيما تطلب شفاؤها خمسة أعوام.
ترددت حليمة على المستشفيات طيلة أربع سنوات وكانت محل متابعة طبية دقيقة وحازمة.
ويبدو
أن لقاءها في عام 2008 بالشخص الذي أصبح لاحقا خطيبها، هو ما أنقذ حياتها،
فقد أصبحت تأكل حين يدعوها لتناول الغذاء أو العشاء معه في المطاعم، حيث
كانت تأكل حتى لا يخيب أمله في شفائها، فاستعادت بذلك ثقتها في نفسها
وأصبحت اجتماعية أكثر.
إنها قصة حب حقيقية، تلك التي جمعت هذا الولد
الخلوق والمحافظ الذي ينتمي إلى أسرة طيبة، بابنتي. لقد كان يفكر في إكمال
دراساته في الخارج، فيما كان الاثنان يفكران في بناء بيت صغير مع حديقة.
كانت
حليمة تتهرب من الكاميرات ولا تطلب شيئا من والدها حتى ترضي خطيبها، أما
اليوم الذي اضطرت فيه لمغادرة البلاد في 14 يناير فقد غادر معها، لقد اتصل
بوالديه ليهدئ من روعهما من دون أن يشرح لهما ما يجري وبقي معنا لمدة شهر
ونصف الشهر، ثم عاد إلى تونس.
هل تتصورون الحالة التي ترك عليها حليمة، التي تحاول التمسك بأي أمل لبناء حياة بسيطة، لطالما حلمت بها معه؟.
آخر العنقود
ولكن
ما الذي لم يتم قوله عن آخر العنقود محمد، وكأنه لم يكن من حقي إنجاب طفل
ثالث لأني ليلى بن علي؟كنت أرغب أنا وزوجي في إنجاب ابن ثالث مهما كان
جنسه، وقد رزقني الله به في فبراير من عام 2005.
كانت ولادته، حدثا
سعيدا بالنسبة لوالدين بلغا العمر الذي كنا عليه، لم يكن متاحا لي أن احمل
وأنا اقترب من الخمسين، وقد فعلت ذلك مثلي مثل العديد من الأمهات ولجأت إلى
المساعدة الطبية. لم يكن ذلك في الخارج مثلما قيل وإنما جرى كل شيء في
تونس، حيث نملك أكفأ الأطباء.
(يتبع)
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
10 - بأي حق.. وبأي شهادة.. وعلى أساس أي كفاءات.. أحكم تونس؟
ترجمة وإعداد سليمة لبال
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي،
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة
الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد
انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية
السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي
أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من
مطار العوينة العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي
علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة
وافتراءات غير مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة
المتكالبة على المال والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب
عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته
انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى
مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى،
فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا
يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما
تراها وتقول إنها عايشتها.
بمجرد أن وطئت قدماي قصر قرطاج، انتشرت رواية تقول بأني من يتخذ القرارات
في كل شيء، وباني كنت أُعيّن كل موظفي الجمهورية من حاجب الإدارة إلى
الوزير، وكنت أهمس في أذن زوجي بالترقيات والإقالات، وأؤمّن للبعض نجاح
مسيرتهم المهنية، فيما أحطم مسيرة البعض، لكني في الواقع لم أُعيّن أبدا،
ولم أقم بإقالة أي مسؤول مهما كان منصبه، كما لم أكن على اتصال بأي مسؤول،
لان هذا الأمر من الصلاحيات الأصيلة لرئيس الجمهورية، وأما زعْم البعض بأني
كنت أؤثر في قرارات زوجي، فهذا يعني أني كنت أتدخل في شؤونه الشخصية،
وأنهم تناسوا من هو الجنرال بن علي، المعروف بقوة شخصيته، وهو الذي لم يكن
يترك المجال لأي كان، لاتخاذ أي قرار سياسي بدلا عنه، فما بالكم بزوجته!
كيف أؤثر عليه وأتخذ قرارات تخص شؤون الدولة، وأنا التي لم يكن مرخصا لي
ارتداء الملابس التي أريد، ولا الخروج بحرية؟كنت امرأة مطيعة وسعيدة بذلك،
وكان المحيطون بي يدركون ذلك ويلاحظونه.
ليست سوى نميمة
في الواقع كنت بعيدة عن السياسة التونسية، لذلك فمن المضحك والسخيف أن أكون
وراء هذه المناورات، كإقالة مدير عام شركة أو الضغط على المعلمين لإنجاح
بناتي.. وإذا كان الأمر مثلما يقولون، فلم لم أتدخل لفائدة ابنة شقيقتي
المرحومة منيرة، التي حصلت على شهادة البكالوريا بعد ثلاث محاولات؟
حين أردت الاحتجاج على هذه الادعاءات، منعني مستشارو زوجي «ليس عليك خصوصا
أن تستمعي إلى هذه النميمة «وكان هذا رأي نيكولا ساركوزي أيضا، والدليل على
ذلك أن ساركوزي، اتصل هاتفيا ببن علي لردعه، حين علم ومن دون شك من خلال
المحكمة بأننا نود تحريك دعوى بعد صدور كتاب نيكولاس بو، والغريب في الأمر
أن ساركوزي هو أكثر رؤساء الجمهورية الفرنسية الخامسة لجوءا لعدالة بلاده.
لكن الأكثر خطورة هو زعمهم بأني أتجه تدريجيا نحو ممارسة السياسة، بعد أن
أثّرت في قرارات بن علي، وذلك على خلفية الكلمات التي كنت أُلقيها في
المناسبات الرسمية، وكانوا يطرحون السؤال التالي: لماذا يترأس شخص حفلات
تدشين أو يلقي خطابات وهو يؤكد بأنه لا يهتم بالسياسة؟
يمكن أن أتهرب بالقول بأن لا شيء يمنع زوجة رئيس الجمهورية من المشاركة في الحياة العامة لبلادها.
وهنا يمكن أن أذكر بأني لم أظهر أبدا علنا خلال الثلاث عشرة سنة الأولى
التي قضيتها إلى جانب الرئيس، وأعترف بأني كنت أشعر بأني أزعج المحافظين،
لأني امرأة عصرية وأناضل من أجل الدفاع عن قضايا المرأة، بالإضافة إلى كوني
ابنة من الشعب وأصبحت سيدة أولى.
بدأت في الظهور أثناء الإعلان عن إنشاء منظمة النساء العربيات، لكني في
الواقع لم أكن أحب على الإطلاق الحياة العامة، وكانت الحفلات الرسمية أشد
ما أكره.
كنت أقبل دعوة واحدة من أصل عشر، وكان مستشارو بن علي يدفعونني كل مرة
لأكون في المقدمة على المنصة، ولم يكن هذا لجمال عيوني ولكنهم وجدوا في
إظهاري للجمهور، فرصة للتملق ومجاملة الرئيس، وقد أكد اتحاد النساء
والوزارات والجمعيات بأنه من الطبيعي أن تظهر السيدة الأولى إلى جانب
زوجها.
في الحملة الانتخابية
بهذا الشكل تم «اخراجي» أثناء الحملة الانتخابية لبن علي، وقد تم تكليف
رئيس الأمن الرئاسي علي السرياطي ورئيس البروتوكول ومستشاري الرئيس
بالتنظيم.
لقد شعرت بأني أموت من الخوف، حين طُلب مني القاء خطاب للمرة الأولى. لم
يأبه المستشارون لحالتي وكانوا قد اختاروا وحضّروا الخطاب وما كان علي سوى
أن أقرأ.
يمكن أن يقولوا هنا أيضا، بأني استسلمت لارادة أولئك الذين كانوا يدفعون بي الى المنصة وما كان علي سوى أن أعارض.
دون شك، ولكن استطيع أن أؤكد أنها لم تكن ارادتي الخالصة. كنت أفضل أن أهتم
بالجمعيات بعيدا عن الكاميرات، وكنت قد بدأت بجرد حاجياتها والبحث عن
أغلفة مالية وهبات بدل أن يصفق لي الجمهور.
كان عليّ أن أرفض
تسارع ايقاع الأحداث خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2011 ، وأنا أدرك الآن
أني ظهرت كثيرا، وان تعلق الأمر بمؤتمرات منظمة النساء العربية التي
احتضنتها تونس خلال السنوات الأخيرة.
لقد أصبحت صوري منذ ذلك التاريخ تملأ الصحف، وكانت افتتاحية بعضها تنسب لي
كلاما لم أتلفظ به اطلاقا، وقد حدّثت زوجي في الأمر، وذات مساء كلّمت شخصيا
مستشارنا عبد الوهاب عبد الله، وكانت المرة الأولى في حياتي التي أسأل
فيها عن سبب نشر الصحف لصوري بصفة يومية وعلى صفحاتها الأولى، فتخلص من
مدير الوكالة التونسية للاعلام الخارجي أسامة رمضاني، الذي أصبح لاحقا وزير
الاعلام.
ما أدركه اليوم، هو انه كان علي رفض القاء خطابات، وكان علي أن أتساءل عن
الوتيرة التي مرت بها تلك السنة التي سبقت الثورة، لقد أظهروني للعلن بشكل
كبير، ويبدو أن هذا جزء من «مخططاتهم».
إشاعة سرطان البروستات
ورغم الاشاعات التي كانت تُروّج ضد عائلتي، زعم أعداء النظام، أن بن علي
عاجز ومصاب بسرطان البروستات، لكن زوجي لم يصب على الاطلاق بهذا الداء،
ويتناول مثل آلاف البشر ،بعض الأدوية ليستقر ايقاع قلبه.
كان علينا أن ننشر حالته الصحية لكن خطأنا، هو أننا لم نتعامل مع ما كان
يتردد بجدية، بينما كانت هناك استراتيجية حقيقية ومؤامرة تُحاك ضد الرئيس
وحكومته.
وبطبيعة الحال،ان الحجة التي يستند اليها هؤلاء هي أن الرئيس مريض، وعليهم
أن يخترعوا خليفة له، ومن الأفضل أن يكون الخليفة من العائلة، في هذه
الحالة،إما قريبه كمال مرجان وإما زوجته.
وهكذا بدأت المعلومة تتسرّب ومفادها أن عائلة الطرابلسي تستعد لحكم تونس عن
طريقي. وقد زعموا أني غادرت سرا الى الامارات وأني أساوم بن علي على ابني،
وتحدثوا عن طلاق وعن وفود سرية تزور الرئيس لحثه على رمي ليلى وقبيلتها
الى الشعب حتى يحتفظ بالسلطة. هكذا أصبحت متعطشة للسلطة ومستعدة لذبح زوجي
لأستولي على مكانه.
نعم، كنت لا أتصور أنهم قادرون على اقناع الناس بأني أرغب في تعويض بن علي
على رأس الدولة، ولو سألوني التفكير في الأمر لأجبت بالقول «بأي حق؟ وبأي
شهادة؟ وعلى أساس أي كفاءات؟.
لم أختر أن أكون زوجة رئيس، وكنت سأكون الأخيرة التي ستطلب تقلّد هذا المنصب.
ويعرف المقربون منا، أني لم أدفع بن علي أبدا الى التمسك بالسلطة مهما كان،
بل على العكس من ذلك، نصحته برمي المنشفة خلال ولايته الأخيرة، وقلت له
«لنهْتمّ بأبنائنا، ولنعش بهدوء مثل جميع الناس».
ما يُعرف قليل جدا، لكن ما أستطيع الكشف عنه اليوم، هو أن بن علي كانت تدور
برأسه فكرة التحضير لخليفة له. وقد عثر فعلا على الشخص المناسب وبدأ في
تحضيره لتقلد وظائف عليا بالاتفاق معه. هذا «الدلفين» لم يكن سوى آخر وزير
للخارجية في عهد بن علي: انه كمال مرجان.
خليفة الرئيس
لم يكن صدفة أبدا، أن يعيّن بن علي، مرجان على رأس وزارات مهمة، كان يرغب
في أن تشتد تجربته في السياسة الخارجية، وان تسبّب هذا الخيار بمتاعب كبيرة
للمرشح بسبب غيرة المحيطين به. كان مرجان يقسم بولائه ووفائه لبن علي وكان
يغرقنا بالهدايا الثمينة، بمناسبة أعياد ميلادنا أو احتفاليات السابع من
نوفمبر، واليوم كمال مرجان الذي أسس حزبا خاصا به، لم يجد وسيلة أفضل
لنسيان التزامه إلى جانب بن علي، سوى اتهامي شخصيا باشتهاء الرئاسة والسعي
وراءها.
وإذا ما كنت نادمة على مغامرتي في دواليب السياسة رغما عني، إلا أني فخورة بانخراطي في قطاع العمل الخيري وفي قضايا المرأة.
وقد يعترف التاريخ لي يوما بمساهماتي لفائدة التونسيات ونساء المنطقة
العربية على العموم، خاصة من خلال العمل الذي أنجزناه من خلال منظمة النساء
العربيات، لأني كنت أسعى لان تكون تجربة بلادي مثالا يحتذى، من حيث
القوانين العصرية وتحسن ظروف حياة النساء.
الشعب وأنا
لم تُنْسني أبدا حياتي كسيدة أولى، الشعب. وإن كنت قد عشت في قصر قرطاج،
وبين حدائقه، إلا أن الأحياء الشعبية التي ولدت وترعرعت فيها، كانت لا
تفارق ذاكرتي أبدا. لقد كنت على دراية بالفقر في تونس لأني لم ابتعد أبدا
عن الشعب، وكنت بصدد تأمين مشروع اجتماعي في إطار العمل الخيري.
لقد اقترح بن علي علي يوما، أن أؤسس جمعية لذوي الاحتياجات الخاصة، لذلك
أطلقت مشروع بسمة، قبل أن أؤسس جمعية سعيدة لمكافحة السرطان، وقد أطلقت
عليها اسم سعيدة نسبة لوالدتي، ذلك أنها توفيت بسبب هذا المرض.
كانت هناك جمعية ثالثة كانت سترى النور ليلة رحيلنا، وكانت مخصصة لإعادة
إدماج قدامى المساجين. كان دور هذه الجمعيات يتركّز على مساعدة ذوي
الاحتياجات الخاصة والمرضى وأولئك الذين جرحتهم الحياة، ويعيشون على
هامشها، تلك هي القضايا التي كانت تهمني فعلا، فأنا لم أفكر أبدا في تأسيس
قاعة للفن أو مكتبة، ولم أنشغل بتسليم الجوائز لمنظمات أنشئت لإجراء أبحاث تكنولوجية أو عن الجو.
كان من الطبيعي بالنسبة لي أن أمد قطعة نقدية لمتسول، وأن أمسح دموع طفل أو
أشد على يد مريض. وقد شغلت هذه القضايا كل وقتي، وكنت أطلب من زوجي قروضا
بنكية للمعدمين وكنت أزور أحياء الفقراء وأستمع إلى جميع الناس، كما كنت
أسجل دوما ما كان علي فعله وإعطاؤه، ومن ضمن ذلك جزء من مداخيل زوجي، حتى
أتمكن من إرسال حوالات مالية، لدفع تكاليف محامي أرملة أو دعم يتيم.
الأمهات العازبات
وقد بنيت دارا للأمهات العازبات، لأني أعي وأدرك معاناة هذه الفئة من
النساء، وكانت الغالبية منهن يقمن في منطقة العقلاء، وهي بيوت قديمة تقع في
مدينة تونس لكنها مهجورة بسبب نزاعات بين الورثة، وقد خصص بن علي 50 مليون
دينار سنويا للدار ومنحة شهرية تقدر بـ 70 دينارا شهريا لكل واحدة من
المقيمات فيها.
وهناك ثلاث فئات منهن: الطالبات اللواتي أنجبن وتخلى عنهن رفاقهن، وأخريات
استغلهن مسؤولوهن في الشركات أو ضحايا الاغتصاب أو زنا المحارم.
كنت أقوم بجولات عدة وأتوقف بالسيارة لأقلّ نساء متقدمات في السن أو
أخريات يعانين أمراضا، حين أراهن جالسات على حافة الطريق، لقد كنت أُقلّهن
إلى بيوتهن وأدفع لهن الإيجار وأمنحهن مصروف الجيب وحتى خروف العيد.
وأتذكر سيدة عجوزا كانت تعيش بفضل تبرعات عاهرات شارع جون جوريس في وسط
البلاد، كنت أدفع لها الإيجار ومنحة شهرية. وأتذكر أيضا كل زوجات وبنات
الإسلاميين اللواتي كان أزواجهن أو اباؤهن في السجن، حيث لم أكن أتردد أبدا
في مساعدتهن، وكنت أرسل الخدم الخاصين بي لتأثيث أو تنظيف سكنات السيدات
العاجزات أو المعدمات.
لقد كنت أنتهز الفرصة حين يكون مزاج بن علي جيدا، لأطلب منه التوقيع على الطلبات التي كانت على مكتبي
وتحتاج إلى توقيعه، وبهذه الطريقة تمكنت في أحد الأيام من حل مشكلة سيدة
مصابة بالسرطان. هذه السيدة لم يتخل عنها زوجها فقط وإنما سلبها الدفتر
الصحي أيضا. هذه القضية سمحت بإقرار قانون جديد في تونس يمنع الرجل من طرد
زوجته خارج البيت الزوجي في حالة الطلاق، بل ويلزمه بالاستمرار في دفع
التأمين الصحي وتوفير نسخة من الدفتر الصحي.
على حساب حياتي
كنت أحيانا أذهب وأقف خلسة أمام مبنى جمعية بسمة لأسأل النساء إن كن راضيات على ما يتلقينه من مساعدات.
كانت الطلبات كثيرة ومتنوعة، فعلاوة على التعليم والبحث عن عمل والمساعدات
المادية، بعض الأولياء كانوا يطلبون منّا البحث عن أزواج لبناتهن، معتقدين
بأننا وكالة تزويج أيضا.
لقد خصصت الدولة مبلغا ماليا لتمويل أولئك الذين يأتون من المناطق الداخلية
حتى يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم، باختصار كنا صندوقا يفي بحاجة الشعب
البسيط طيلة أيام السنة، سواء أثناء الدخول المدرسي أو خلال فترة امتحانات
البكالوريا والتوجيه الجامعي، أو بمناسبة العيد او رمضان أو خلال أيام
الشتاء. لم تكن هناك أبدا فترة راحة، لقد تأثرت حياتي الخاصة، لكني لم أوصد
أبدا الأبواب أمام المحتاجين.
(يتبع)
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي،
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة
الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد
انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية
السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي
أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من
مطار العوينة العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي
علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة
وافتراءات غير مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة
المتكالبة على المال والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب
عنها في هذا الكتاب، الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته
انطلاقاً من مقابلات أجريت معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى
مرتبة الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى،
فليلى بن علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا
يملك بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما
تراها وتقول إنها عايشتها.
بمجرد أن وطئت قدماي قصر قرطاج، انتشرت رواية تقول بأني من يتخذ القرارات
في كل شيء، وباني كنت أُعيّن كل موظفي الجمهورية من حاجب الإدارة إلى
الوزير، وكنت أهمس في أذن زوجي بالترقيات والإقالات، وأؤمّن للبعض نجاح
مسيرتهم المهنية، فيما أحطم مسيرة البعض، لكني في الواقع لم أُعيّن أبدا،
ولم أقم بإقالة أي مسؤول مهما كان منصبه، كما لم أكن على اتصال بأي مسؤول،
لان هذا الأمر من الصلاحيات الأصيلة لرئيس الجمهورية، وأما زعْم البعض بأني
كنت أؤثر في قرارات زوجي، فهذا يعني أني كنت أتدخل في شؤونه الشخصية،
وأنهم تناسوا من هو الجنرال بن علي، المعروف بقوة شخصيته، وهو الذي لم يكن
يترك المجال لأي كان، لاتخاذ أي قرار سياسي بدلا عنه، فما بالكم بزوجته!
كيف أؤثر عليه وأتخذ قرارات تخص شؤون الدولة، وأنا التي لم يكن مرخصا لي
ارتداء الملابس التي أريد، ولا الخروج بحرية؟كنت امرأة مطيعة وسعيدة بذلك،
وكان المحيطون بي يدركون ذلك ويلاحظونه.
ليست سوى نميمة
في الواقع كنت بعيدة عن السياسة التونسية، لذلك فمن المضحك والسخيف أن أكون
وراء هذه المناورات، كإقالة مدير عام شركة أو الضغط على المعلمين لإنجاح
بناتي.. وإذا كان الأمر مثلما يقولون، فلم لم أتدخل لفائدة ابنة شقيقتي
المرحومة منيرة، التي حصلت على شهادة البكالوريا بعد ثلاث محاولات؟
حين أردت الاحتجاج على هذه الادعاءات، منعني مستشارو زوجي «ليس عليك خصوصا
أن تستمعي إلى هذه النميمة «وكان هذا رأي نيكولا ساركوزي أيضا، والدليل على
ذلك أن ساركوزي، اتصل هاتفيا ببن علي لردعه، حين علم ومن دون شك من خلال
المحكمة بأننا نود تحريك دعوى بعد صدور كتاب نيكولاس بو، والغريب في الأمر
أن ساركوزي هو أكثر رؤساء الجمهورية الفرنسية الخامسة لجوءا لعدالة بلاده.
لكن الأكثر خطورة هو زعمهم بأني أتجه تدريجيا نحو ممارسة السياسة، بعد أن
أثّرت في قرارات بن علي، وذلك على خلفية الكلمات التي كنت أُلقيها في
المناسبات الرسمية، وكانوا يطرحون السؤال التالي: لماذا يترأس شخص حفلات
تدشين أو يلقي خطابات وهو يؤكد بأنه لا يهتم بالسياسة؟
يمكن أن أتهرب بالقول بأن لا شيء يمنع زوجة رئيس الجمهورية من المشاركة في الحياة العامة لبلادها.
وهنا يمكن أن أذكر بأني لم أظهر أبدا علنا خلال الثلاث عشرة سنة الأولى
التي قضيتها إلى جانب الرئيس، وأعترف بأني كنت أشعر بأني أزعج المحافظين،
لأني امرأة عصرية وأناضل من أجل الدفاع عن قضايا المرأة، بالإضافة إلى كوني
ابنة من الشعب وأصبحت سيدة أولى.
بدأت في الظهور أثناء الإعلان عن إنشاء منظمة النساء العربيات، لكني في
الواقع لم أكن أحب على الإطلاق الحياة العامة، وكانت الحفلات الرسمية أشد
ما أكره.
كنت أقبل دعوة واحدة من أصل عشر، وكان مستشارو بن علي يدفعونني كل مرة
لأكون في المقدمة على المنصة، ولم يكن هذا لجمال عيوني ولكنهم وجدوا في
إظهاري للجمهور، فرصة للتملق ومجاملة الرئيس، وقد أكد اتحاد النساء
والوزارات والجمعيات بأنه من الطبيعي أن تظهر السيدة الأولى إلى جانب
زوجها.
في الحملة الانتخابية
بهذا الشكل تم «اخراجي» أثناء الحملة الانتخابية لبن علي، وقد تم تكليف
رئيس الأمن الرئاسي علي السرياطي ورئيس البروتوكول ومستشاري الرئيس
بالتنظيم.
لقد شعرت بأني أموت من الخوف، حين طُلب مني القاء خطاب للمرة الأولى. لم
يأبه المستشارون لحالتي وكانوا قد اختاروا وحضّروا الخطاب وما كان علي سوى
أن أقرأ.
يمكن أن يقولوا هنا أيضا، بأني استسلمت لارادة أولئك الذين كانوا يدفعون بي الى المنصة وما كان علي سوى أن أعارض.
دون شك، ولكن استطيع أن أؤكد أنها لم تكن ارادتي الخالصة. كنت أفضل أن أهتم
بالجمعيات بعيدا عن الكاميرات، وكنت قد بدأت بجرد حاجياتها والبحث عن
أغلفة مالية وهبات بدل أن يصفق لي الجمهور.
كان عليّ أن أرفض
تسارع ايقاع الأحداث خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2011 ، وأنا أدرك الآن
أني ظهرت كثيرا، وان تعلق الأمر بمؤتمرات منظمة النساء العربية التي
احتضنتها تونس خلال السنوات الأخيرة.
لقد أصبحت صوري منذ ذلك التاريخ تملأ الصحف، وكانت افتتاحية بعضها تنسب لي
كلاما لم أتلفظ به اطلاقا، وقد حدّثت زوجي في الأمر، وذات مساء كلّمت شخصيا
مستشارنا عبد الوهاب عبد الله، وكانت المرة الأولى في حياتي التي أسأل
فيها عن سبب نشر الصحف لصوري بصفة يومية وعلى صفحاتها الأولى، فتخلص من
مدير الوكالة التونسية للاعلام الخارجي أسامة رمضاني، الذي أصبح لاحقا وزير
الاعلام.
ما أدركه اليوم، هو انه كان علي رفض القاء خطابات، وكان علي أن أتساءل عن
الوتيرة التي مرت بها تلك السنة التي سبقت الثورة، لقد أظهروني للعلن بشكل
كبير، ويبدو أن هذا جزء من «مخططاتهم».
إشاعة سرطان البروستات
ورغم الاشاعات التي كانت تُروّج ضد عائلتي، زعم أعداء النظام، أن بن علي
عاجز ومصاب بسرطان البروستات، لكن زوجي لم يصب على الاطلاق بهذا الداء،
ويتناول مثل آلاف البشر ،بعض الأدوية ليستقر ايقاع قلبه.
كان علينا أن ننشر حالته الصحية لكن خطأنا، هو أننا لم نتعامل مع ما كان
يتردد بجدية، بينما كانت هناك استراتيجية حقيقية ومؤامرة تُحاك ضد الرئيس
وحكومته.
وبطبيعة الحال،ان الحجة التي يستند اليها هؤلاء هي أن الرئيس مريض، وعليهم
أن يخترعوا خليفة له، ومن الأفضل أن يكون الخليفة من العائلة، في هذه
الحالة،إما قريبه كمال مرجان وإما زوجته.
وهكذا بدأت المعلومة تتسرّب ومفادها أن عائلة الطرابلسي تستعد لحكم تونس عن
طريقي. وقد زعموا أني غادرت سرا الى الامارات وأني أساوم بن علي على ابني،
وتحدثوا عن طلاق وعن وفود سرية تزور الرئيس لحثه على رمي ليلى وقبيلتها
الى الشعب حتى يحتفظ بالسلطة. هكذا أصبحت متعطشة للسلطة ومستعدة لذبح زوجي
لأستولي على مكانه.
نعم، كنت لا أتصور أنهم قادرون على اقناع الناس بأني أرغب في تعويض بن علي
على رأس الدولة، ولو سألوني التفكير في الأمر لأجبت بالقول «بأي حق؟ وبأي
شهادة؟ وعلى أساس أي كفاءات؟.
لم أختر أن أكون زوجة رئيس، وكنت سأكون الأخيرة التي ستطلب تقلّد هذا المنصب.
ويعرف المقربون منا، أني لم أدفع بن علي أبدا الى التمسك بالسلطة مهما كان،
بل على العكس من ذلك، نصحته برمي المنشفة خلال ولايته الأخيرة، وقلت له
«لنهْتمّ بأبنائنا، ولنعش بهدوء مثل جميع الناس».
ما يُعرف قليل جدا، لكن ما أستطيع الكشف عنه اليوم، هو أن بن علي كانت تدور
برأسه فكرة التحضير لخليفة له. وقد عثر فعلا على الشخص المناسب وبدأ في
تحضيره لتقلد وظائف عليا بالاتفاق معه. هذا «الدلفين» لم يكن سوى آخر وزير
للخارجية في عهد بن علي: انه كمال مرجان.
خليفة الرئيس
لم يكن صدفة أبدا، أن يعيّن بن علي، مرجان على رأس وزارات مهمة، كان يرغب
في أن تشتد تجربته في السياسة الخارجية، وان تسبّب هذا الخيار بمتاعب كبيرة
للمرشح بسبب غيرة المحيطين به. كان مرجان يقسم بولائه ووفائه لبن علي وكان
يغرقنا بالهدايا الثمينة، بمناسبة أعياد ميلادنا أو احتفاليات السابع من
نوفمبر، واليوم كمال مرجان الذي أسس حزبا خاصا به، لم يجد وسيلة أفضل
لنسيان التزامه إلى جانب بن علي، سوى اتهامي شخصيا باشتهاء الرئاسة والسعي
وراءها.
وإذا ما كنت نادمة على مغامرتي في دواليب السياسة رغما عني، إلا أني فخورة بانخراطي في قطاع العمل الخيري وفي قضايا المرأة.
وقد يعترف التاريخ لي يوما بمساهماتي لفائدة التونسيات ونساء المنطقة
العربية على العموم، خاصة من خلال العمل الذي أنجزناه من خلال منظمة النساء
العربيات، لأني كنت أسعى لان تكون تجربة بلادي مثالا يحتذى، من حيث
القوانين العصرية وتحسن ظروف حياة النساء.
الشعب وأنا
لم تُنْسني أبدا حياتي كسيدة أولى، الشعب. وإن كنت قد عشت في قصر قرطاج،
وبين حدائقه، إلا أن الأحياء الشعبية التي ولدت وترعرعت فيها، كانت لا
تفارق ذاكرتي أبدا. لقد كنت على دراية بالفقر في تونس لأني لم ابتعد أبدا
عن الشعب، وكنت بصدد تأمين مشروع اجتماعي في إطار العمل الخيري.
لقد اقترح بن علي علي يوما، أن أؤسس جمعية لذوي الاحتياجات الخاصة، لذلك
أطلقت مشروع بسمة، قبل أن أؤسس جمعية سعيدة لمكافحة السرطان، وقد أطلقت
عليها اسم سعيدة نسبة لوالدتي، ذلك أنها توفيت بسبب هذا المرض.
كانت هناك جمعية ثالثة كانت سترى النور ليلة رحيلنا، وكانت مخصصة لإعادة
إدماج قدامى المساجين. كان دور هذه الجمعيات يتركّز على مساعدة ذوي
الاحتياجات الخاصة والمرضى وأولئك الذين جرحتهم الحياة، ويعيشون على
هامشها، تلك هي القضايا التي كانت تهمني فعلا، فأنا لم أفكر أبدا في تأسيس
قاعة للفن أو مكتبة، ولم أنشغل بتسليم الجوائز لمنظمات أنشئت لإجراء أبحاث تكنولوجية أو عن الجو.
كان من الطبيعي بالنسبة لي أن أمد قطعة نقدية لمتسول، وأن أمسح دموع طفل أو
أشد على يد مريض. وقد شغلت هذه القضايا كل وقتي، وكنت أطلب من زوجي قروضا
بنكية للمعدمين وكنت أزور أحياء الفقراء وأستمع إلى جميع الناس، كما كنت
أسجل دوما ما كان علي فعله وإعطاؤه، ومن ضمن ذلك جزء من مداخيل زوجي، حتى
أتمكن من إرسال حوالات مالية، لدفع تكاليف محامي أرملة أو دعم يتيم.
الأمهات العازبات
وقد بنيت دارا للأمهات العازبات، لأني أعي وأدرك معاناة هذه الفئة من
النساء، وكانت الغالبية منهن يقمن في منطقة العقلاء، وهي بيوت قديمة تقع في
مدينة تونس لكنها مهجورة بسبب نزاعات بين الورثة، وقد خصص بن علي 50 مليون
دينار سنويا للدار ومنحة شهرية تقدر بـ 70 دينارا شهريا لكل واحدة من
المقيمات فيها.
وهناك ثلاث فئات منهن: الطالبات اللواتي أنجبن وتخلى عنهن رفاقهن، وأخريات
استغلهن مسؤولوهن في الشركات أو ضحايا الاغتصاب أو زنا المحارم.
كنت أقوم بجولات عدة وأتوقف بالسيارة لأقلّ نساء متقدمات في السن أو
أخريات يعانين أمراضا، حين أراهن جالسات على حافة الطريق، لقد كنت أُقلّهن
إلى بيوتهن وأدفع لهن الإيجار وأمنحهن مصروف الجيب وحتى خروف العيد.
وأتذكر سيدة عجوزا كانت تعيش بفضل تبرعات عاهرات شارع جون جوريس في وسط
البلاد، كنت أدفع لها الإيجار ومنحة شهرية. وأتذكر أيضا كل زوجات وبنات
الإسلاميين اللواتي كان أزواجهن أو اباؤهن في السجن، حيث لم أكن أتردد أبدا
في مساعدتهن، وكنت أرسل الخدم الخاصين بي لتأثيث أو تنظيف سكنات السيدات
العاجزات أو المعدمات.
لقد كنت أنتهز الفرصة حين يكون مزاج بن علي جيدا، لأطلب منه التوقيع على الطلبات التي كانت على مكتبي
وتحتاج إلى توقيعه، وبهذه الطريقة تمكنت في أحد الأيام من حل مشكلة سيدة
مصابة بالسرطان. هذه السيدة لم يتخل عنها زوجها فقط وإنما سلبها الدفتر
الصحي أيضا. هذه القضية سمحت بإقرار قانون جديد في تونس يمنع الرجل من طرد
زوجته خارج البيت الزوجي في حالة الطلاق، بل ويلزمه بالاستمرار في دفع
التأمين الصحي وتوفير نسخة من الدفتر الصحي.
على حساب حياتي
كنت أحيانا أذهب وأقف خلسة أمام مبنى جمعية بسمة لأسأل النساء إن كن راضيات على ما يتلقينه من مساعدات.
كانت الطلبات كثيرة ومتنوعة، فعلاوة على التعليم والبحث عن عمل والمساعدات
المادية، بعض الأولياء كانوا يطلبون منّا البحث عن أزواج لبناتهن، معتقدين
بأننا وكالة تزويج أيضا.
لقد خصصت الدولة مبلغا ماليا لتمويل أولئك الذين يأتون من المناطق الداخلية
حتى يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم، باختصار كنا صندوقا يفي بحاجة الشعب
البسيط طيلة أيام السنة، سواء أثناء الدخول المدرسي أو خلال فترة امتحانات
البكالوريا والتوجيه الجامعي، أو بمناسبة العيد او رمضان أو خلال أيام
الشتاء. لم تكن هناك أبدا فترة راحة، لقد تأثرت حياتي الخاصة، لكني لم أوصد
أبدا الأبواب أمام المحتاجين.
(يتبع)
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
11 - زعموا أني قتلت مضيفة طيران في جزر المالديف لأن عشيقي أعجب بها
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي،
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى
تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة
عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي
من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على
مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة
العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي،
إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى
بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير
مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال
والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد
عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها
تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا،
إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية
والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل
عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب،
الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت
معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية
التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل
المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح
الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
كانت
والدتي تستقبل هي الأخرى النساء المحتاجات، اللواتي كُنّ يتوافدن عليها،
بحثا عن الدعم، وكان من بينهن مُطلّقات، ومريضات وأخريات يعانين من تدهور
ظروف إقامتهن، ورغم أنها عانت خلال سنواتها الأربع الأخيرة من السرطان،
فإنها لم تتوقف عن نجدة من تستطيع من النساء.
أعتقد أن الصفات التي
أتميز بها هي الصفات نفسها التي كانت تتميز بها والدتي، وإن كنت أشبه والدي
من الناحية الجسمانية، فمبادراتي ليست موجهة ولا مبنية على المصلحة، هذه
هي طبيعتي، التي تبتعد كثيرا عن البورتريهات التي تُرسم اليوم عني، من قبل
أناس لم يعرفوني أبدا.
وبينما كنت قادرة عن طريق جمعيات على رؤية
الوضعية الحقيقية للناس، لم يكن الأمر مُتاحا بالنسبة لبن علي، حيث لم يكن
مستشاروه ووزراؤه يرون الصورة الحقيقية للبلاد.
كان مستشارو الرئيس
يحدثونه عن الأرقام، وليس الواقع وعن المشاريع وليس مواطن القصور، فعلى
سبيل المثال كانوا يطلعونه على عدد بيوت الشباب المنتشرة عبر التراب
الوطني، لكنهم كانوا لا يوضّحون له، ما إذا كانت تحتوي على التجهيزات
الضرورية أم لا.
كانوا يضعون على مكتبه قائمة المؤسسات التعليمية في
الأرياف، لكن ما كان أحد منهم يُبلّغه ما إذا كانت عملية التعليم تتم في
ظروف جيدة أم لا.
مع ذلك كانوا ينددون بحصيلة بن علي بعد رحيله، لكن علي
أن أقول ان التونسيين لم يموتوا من الجوع، ولم يغرقوا في الفقر، عكس ما
يقال اليوم، فتونس لم تعرف أبدا ظاهرة المشردين، وليس علي أن أؤكد ذلك بل
على خبراء الاقتصاد والمالية وعلم الاجتماع أن يدلوا بدلوهم في ذلك.
الهروب من الدنيويات
فضلت
الانخراط في العمل الاجتماعي، لأني لا أحب الدنيويات، فبدل الصالونات كنت
أفضل البيت، وبدل السهرات الرنانة، كنت أفضل تناول الغداء مع الصديقات.أحب
الطبخ وأحب أن يحيط بي المقربون، وأفضل حرارة البيت ويومياتي البعيدة عن
البروتوكول.
لم أكن ألتقي إلا نادرا زوجات الوزراء، باستثناء زوجة حامد
القروي، الذي كان يتبوأ آنذاك منصب الوزير الأول لزوجي، وكنت أستقبلها
بانتظام وأعتبرها صديقة لي وأمّا البقية، فكنت أفضل الجلوس إلى أفراد
العائلة من بنات عمومتي إلى بنات أشقائي وشقيقاتي وصديقات الطفولة والناس
البسطاء الذين يحيطون بي.
أما زوجات الوزراء والدبلوماسيين الأجانب
وكبار المسؤولين والفنانات ومناضلات الجمعيات، فكنت ألتقيهم خلال المناسبات
الرسمية، فيما كنت أحضر بين الفترة والأخرى اجتماعات نادي إليسا.
لم يكن لدي الكثير من الصديقات الحقيقيات، ولكني كنت أفضل ألا تكون الاجتماعات مختلطة، حتى تكون النساء أكثر راحة.
وأما
الهدف منها، فكان ترقية ثقافة النوادي، غير المنتشرة في تونس، وكان نادي
أليسا فضاء للثقافة والترفيه، مع برامج للطبخ أيضا. لم يكن هذا النادي
مفتوحا للجميع وكان يجب أن تضمن عرابة منه انخراط أي عضوة جديدة.
لم تكن
المنخرطات في النادي عاطلات عن العمل أو غير متعلمات، بل على العكس من
ذلك، فكل أسبوع كانت تدعونا زوجة سفير للتعرف على الطبخ في بلادها، فيما
كانت رئيسات الجمعيات يستعرضن نشاطاتهن بحثا عن الدعم.
وكان البرنامج
يتضمن فقرات يعدها أطباء وعلماء، كما كانت هناك جلسات لبيع الكتب بالاهداء
وعرض أفلام تعلق عليها مخرجات، بالاضافة الى قطع موسيقية وأخرى مسرحية.
بن علي والفنانون
وعلي
هنا أن أذكر أن بن علي لم يتخل أبدا عن دعم الفنانين التونسيين ماليا، فهو
الذي أمر بمساعدة الكثير من الفنانين، مثل رضا قلاي وصفية شامية ونعمة
والعديد من كبار وجوه الأغنية التونسية.
وقد اشترط علاج الفنانين
والمبدعين المرضى في المستشفى العسكري، وتكفل بتكاليف علاجهم في الخارج عند
الضرورة، وحتى المتمردون منهم، كانوا يستفيدون من تعاطفه، مثل الصغير ولد
أحمد وهو شاعر متمرد وغير موقر، طلب منحة من وزارة الثقافة لمساعدته في
العلاج فكان له ذلك.
ومثل زوجي، كنت أتكفل ببعض الفنانين الذين يدعوهم
نادي أليسا مثل مونيا بجاوي، حيث كنا ندعو الممثلين الشباب مثل لطفي عبدلي،
الذي قبل العمل معنا شريطة ألا نتدخل في نصوصه باستثناء ما تعلق بانتقاد
النظام.
وقد سمعت أن الصحافي سليم بقة، لقب المنخرطات في نادي أليسا بعد
رحيلنا بــ«يتيمات سميرة» نسبة الى شقيقتي سميرة التي كانت تدير النادي.
في الواقع لم يتردد بقة في ارهاب بعض من المنخرطات بعد الرابع عشر من
يناير، وتهديدهن بنشر أسمائهن في الصحف، ان لم يحولن له مبالغ مالية معينة.
رفضت
عدد من هؤلاء النسوة ممن يتمتعن بالشجاعة بشكل قاطع ابتزاز بقة، لكنه نجح
في جمع مبالغ مالية كبيرة من اللواتي كن يخشين من أن تنشر الصحف أسماءهن.
هذا الصحافي الذي لم يجد سوى التهجم على هؤلاء الضحايا، يطبق هذه الطريقة
الآن مع رجال الأعمال، الذين يهددهم بتسريب أخبار عن علاقات كانت تجمعهم
ببن علي أو الطرابلسية، ان لم يستجيبوا لمطالبه.. لكنه في الواقع لا يلتزم
بكلمته وكثيرا ما يضحي بهم فور ما يستلم المال.
شخصيتي
في
الواقع لو تركوني لسبيل حالي لكنت عشت حياة بسيطة، ولكنت انشغلت بزوجي
وأطفالي بعيدا عن الصخب، وعن ضراوة السياسة، ولكنت أدرت بيتي كزوجة وأم.
جميع من كانوا في القصر يعرفون بساطتي في التعامل مع المستخدمين من الطباخ
الى المدلكة.
وكنت أحيانا أرتدي في القصر جوربا مثقوبا أو فستانا ملطخا
بالمرق لأني بقيت ابنة الشعب وأنا فخورة بأني لا أعاني من أي عقدة، ومن
القول كل مرة بأني ولدت في بيئة بسيطة، وأقبل جبهة كل الكبار الذين أراهم
في دور المتقاعدين، وأمزح مع الجميع، وأقيم علاقات صداقة مع النساء اللواتي
يقول البعض انهن لا يناسبنني، ولم ارغب أبدا في مخالطة البرجوازيين، الذين
يعتقدون بأنهم ولدوا من فخذ جوبيتر.
لقد زعموا بأني همشت وطردت، ولم لا
قتلت البعض وسأعود لاحقا خلال هذه الحلقة، لموضوع وفاة مضيفة طيران. كنت
لا أنام الليل حين أوبخ أحدا وفي كل الأحيان، كانت والدتي تسهر على ألا
يعاني أحد في البيت.
كل المستخدمين كانوا يعرفون هذه السيدة الخدومة
التي كانت لا تحتفظ أبدا بما يهدى لها، وكانت توزع المال يمينا ويسارا على
من يطرق الباب، كان سلوكها هو سلوكها ذاته حين كنا أطفالا صغارا، لقد كان
تفرغ الثلاجة كلها أو محفظتها لتعطي ما فيهما للمحتاجين.
بعد رحيلنا
وبدافع ايذائنا، طلب البعض شهادة بعض المستخدمين، وقد دفعوا لهم مقابل
رواية أكاذيب مثلما حصل مع لطفي بن شرودة الذي وقع أو زعم توقيع كتاب عني.
في
البداية هذا الرجل لم يكن أبدا طباخي، وقد تم توظيفه كغطاس، لذلك لم يكن
أبدا يتجاوز المكان المحدد له، ألا وهو المطبخ وكان مكلفا بتنظيف السمك،
وذبح خروف العيد، وعليه لم يكن بمقدوره الدخول الى شققنا الخاصة، التي لم
يصل اليها أبدا.
وقد حصلنا له رخصة قيادة بهدف ارساله للتبضع هنا وهناك، وها هو اليوم أصبح الشاهد الرئيسي وكاتم أسراري وراوي حياتي.
لن
أطيل الحديث حول هذا الموضوع، ولكني استنكر أن تعاد كتابة تاريخ تونس، من
قبل أناس مرتشين ومصابين بجنون العظمة. فكيف يمكن لخادم مزعوم، أن ينشر
كتابا حررته كاتبته، وهي فرنسية يبدو بأنها تكره نظام بن علي.. هذا ما يبدو
لي غير مشرف تماما لتونس.
مضيفة الطيران
لم يزعموا فقط بأني
أعيّن وأقيل وأتآمر من أجل السلطة فقط، وأجمع الثروة وأفكك الأسر، ولكن أن
لي سلطة على حياة التونسيين. لقد قيل اني قتلت مضيفة طيران، رافقتنا خلال
رحلة إلى جزر المالديف لسبب مقتبس من قصص ألف ليلة وليلة وهي أنها أعجبت
عشيقي؟؟ وكان عليّ في المقابل التخلّص منها.
كانوا يقولون دوما ان لي
عشاقا، وتناسوا أني المرأة الأكثر خضوعا للمراقبة في تونس، واني ارتبطت
برجل غيور جدا. لكن الأمر لا يصدق تماما لأني كنت بصحبة ابنتي وأولادها،
وحماتها وصديقة خلال رحلة المالديف.
وهذه هي الوقائع: ذهبنا إلى جزر
المالديف في زيارة تدوم أسبوعا واحدا، وفي اليوم الثالث وبينما كنا في شرفة
الفندق لمتابعة غروب الشمس، تلقت صديقتي سميرة مكالمة هاتفية من تونس، حيث
كان أحد المقربين منها يسأل إن كنا نستعد للعودة، فتساءلت سميرة «لماذا
إذا، لقد وصلنا للتو؟» فرد صديقها «نعم، لكن المضيفة؟ أي مضيفة؟... يبدو أن
مضيفة ماتت».
اتصلنا مباشرة بمدير الأمن الذي كان يرافقنا، والمضيفة
التي كانت تشرف على خدمتنا، فقالوا لنا ان إحدى زميلاتهم استيقظت في
الصبيحة وكانت تشكو من الشّقيقة.
لم أكن اعرف شخصيا هذه المضيفة، ذلك
أنها كانت تخدم الجهة الخلفية من الطائرة، لكنها كانت ضمن الطاقم وكانت
تقيم مثل زملائها في الفندق الذي كنا نقيم فيه نحن أيضا.
ارتدت ملابسها
ووضعت ميكياجها قبل أن تلتحق بزملائها لأخذ صور تذكارية عن الرحلة، لكنها
فجأة بدأت بالصراخ، بسبب صداع على مستوى الرأس.
استُدعي طبيب الفندق،
الذي أعطاها مهدئات، لكن الألم لم يتوقف، فقرر تحويلها بالباخرة إلى مستشفى
يقع في الجزيرة المقابلة.لكن للأسف توفيت هناك أي في المستشفى، وقد تم غسل
الجثمان وفق الشعائر الإسلامية قبل مغادرتنا.كنت قادرة على مواصلة الرحلة،
لكن لم يكن من طبعي ذلك، فقررت حزم الحقائب وقطع السفر والعودة مع جثمان
المضيفة في الطائرة نفسها لأني لم أشأ أن ينقل من طائرة إلى اخرى.
كانت
رحلة العودة حزينة للغاية بالنسبة لكل المسافرين على متن الطائرة، وقد
وجدنا في انتظارنا والدة المرحومة وزوجها وشقيقتيها، وقد استقبلتهم لتقديم
واجب العزاء وقد فعلنا ما يجب حتى تتلقى عائلتها تعويض الوفاة ومنح
التأمينات.
واليوم بمقدورنا أن نبحث عن أسباب هذه الوفاة اذا ما كانت
الشكوك لا تزال قائمة، فملفها في المستشفى، حيث توفيت وتشريح جثتها يسمحان
بتأكيد روايتي للأحداث.لقد توفيت هذه المرأة نتيجة نزيف في المخ لا غير.
السيدات الأُول
حين
قدمت كارلا بروني ساركوزي إلى تونس في أبريل 2008 في إطار زيارة رسمية، لم
استطع استقبالها لدى نزولها من الطائرة، تُرى ماذا فبركوا لتفسير غيابي عن
المطار في ذلك اليوم؟
لقد قيل اني تجنبت كارلا الجميلة، لأني غيورة
منها، وقد قال البعض ان السيدة الفرنسية الأولى لم تتدخل لدى زوجها الرئيس
الفرنسي، لمصلحة ابن أخي عماد في قضية اليخت.
الادعاء الأول خاطئ لأني
معجبة بكارلا ولم أذهب للقائها أمام الكاميرات، لأني ببساطة كنت قد دفنت
والدتي ليلة مجيئها، وكنت غير مستعدة لهذا النوع من الظهور العلني في فترة
حداد، وأي زوجة رئيسة كانت ستتصرف على هذا النحو، وأعتقد أن كارلا، لو فقدت
أحد أبويها، لما كانت ستصافحني على شرفة الاليزيه.
مهما يكن، فقد قدم لي الزوجان ساركوزي التعازي عن طريق زوجي ومن جانبي، أهديت كارلا باعتبارها موسيقية، عودا تونسيا جميلا.
واعترف
مثل زوجي بأننا كنا نكن معزة كبيرة للزوجين شيراك، فبرناديت امرأة جدية
ومنخرطة في الحياة المدنية، كما كان الزوجان على علاقة جيدة مع رؤساء الدول
العربية وعلى الخصوص الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وعلي أن أشير
هنا، الى أن زياراتي الرسمية إلى فرنسا كانت نادرة لكني كنت أتردد بصفة
شخصية على هذا البلد مرة كل سنتين او ثلاث سنوات.
فرنسا ونحن
إنها
مناسبة لأتحدث عن علاقتنا بفرنسا، ما اعرفه شخصيا هو أن حكومتنا كانت على
علاقة ممتازة مع آخر رئيسين فرنسيين، جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، فالأول لم
يكن يتردد في التباهي بـ«المعجزة التونسية» والثاني كان يعترف بـ «تقدم»
البلد.
لم يكن يمر شهر إلا ويجري خلاله ساركوزي اتصالين أو ثلاثة مع بن علي وكان يصر على أن يناديه الأخير باسمه.
ولتونس
العديد من الأصدقاء الفرنسيين كبرتراند دولانويه عمدة باريس الحالي، الذي
كان مقربا جدا من مستشار الرئيس عبد العزيز بن دحية أو وزير الثقافة
الفرنسي السابق فريديريك ميتيران الذي منحه بن علي الجنسية وجواز السفر
التونسي، اللذين كان يأمل الحصول عليهما، وأما فيليب سيغان رئيس الجمعية
الفرنسية، فكان يتردد كثيرا قبل وفاته على تونس وكانت الدولة تتكفل بتكاليف
إقامته في الفندق وتنقلاته.
رغم كل هذا، أدارت الحكومة الفرنسية ظهرها
بسرعة لنا فور رحيلنا، هذه الحكومة هي نفسها التي أساءت لوزيرة خارجيتها
ميشال أليوت ماري وزعمت أيضا بأنها رفضت منحها حق اللجوء السياسي إلى
فرنسا، حتى لا تبدو صديقة لبن علي، وفي المقابل هذه الحكومة نفسها، رفضت أن
تشير إلى أني لا أملك، لا أنا ولا زوجي، لا أملاكا ولا حسابات بنكية في
فرنسا، وان اللبس تمخض عن خلط مع أملاك بن علي آخر، لا يمت بأي صلة للرئيس.
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى
تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة
عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي
من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على
مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة
العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي،
إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى
بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير
مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال
والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد
عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها
تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا،
إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية
والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل
عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب،
الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت
معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية
التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل
المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح
الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
كانت
والدتي تستقبل هي الأخرى النساء المحتاجات، اللواتي كُنّ يتوافدن عليها،
بحثا عن الدعم، وكان من بينهن مُطلّقات، ومريضات وأخريات يعانين من تدهور
ظروف إقامتهن، ورغم أنها عانت خلال سنواتها الأربع الأخيرة من السرطان،
فإنها لم تتوقف عن نجدة من تستطيع من النساء.
أعتقد أن الصفات التي
أتميز بها هي الصفات نفسها التي كانت تتميز بها والدتي، وإن كنت أشبه والدي
من الناحية الجسمانية، فمبادراتي ليست موجهة ولا مبنية على المصلحة، هذه
هي طبيعتي، التي تبتعد كثيرا عن البورتريهات التي تُرسم اليوم عني، من قبل
أناس لم يعرفوني أبدا.
وبينما كنت قادرة عن طريق جمعيات على رؤية
الوضعية الحقيقية للناس، لم يكن الأمر مُتاحا بالنسبة لبن علي، حيث لم يكن
مستشاروه ووزراؤه يرون الصورة الحقيقية للبلاد.
كان مستشارو الرئيس
يحدثونه عن الأرقام، وليس الواقع وعن المشاريع وليس مواطن القصور، فعلى
سبيل المثال كانوا يطلعونه على عدد بيوت الشباب المنتشرة عبر التراب
الوطني، لكنهم كانوا لا يوضّحون له، ما إذا كانت تحتوي على التجهيزات
الضرورية أم لا.
كانوا يضعون على مكتبه قائمة المؤسسات التعليمية في
الأرياف، لكن ما كان أحد منهم يُبلّغه ما إذا كانت عملية التعليم تتم في
ظروف جيدة أم لا.
مع ذلك كانوا ينددون بحصيلة بن علي بعد رحيله، لكن علي
أن أقول ان التونسيين لم يموتوا من الجوع، ولم يغرقوا في الفقر، عكس ما
يقال اليوم، فتونس لم تعرف أبدا ظاهرة المشردين، وليس علي أن أؤكد ذلك بل
على خبراء الاقتصاد والمالية وعلم الاجتماع أن يدلوا بدلوهم في ذلك.
الهروب من الدنيويات
فضلت
الانخراط في العمل الاجتماعي، لأني لا أحب الدنيويات، فبدل الصالونات كنت
أفضل البيت، وبدل السهرات الرنانة، كنت أفضل تناول الغداء مع الصديقات.أحب
الطبخ وأحب أن يحيط بي المقربون، وأفضل حرارة البيت ويومياتي البعيدة عن
البروتوكول.
لم أكن ألتقي إلا نادرا زوجات الوزراء، باستثناء زوجة حامد
القروي، الذي كان يتبوأ آنذاك منصب الوزير الأول لزوجي، وكنت أستقبلها
بانتظام وأعتبرها صديقة لي وأمّا البقية، فكنت أفضل الجلوس إلى أفراد
العائلة من بنات عمومتي إلى بنات أشقائي وشقيقاتي وصديقات الطفولة والناس
البسطاء الذين يحيطون بي.
أما زوجات الوزراء والدبلوماسيين الأجانب
وكبار المسؤولين والفنانات ومناضلات الجمعيات، فكنت ألتقيهم خلال المناسبات
الرسمية، فيما كنت أحضر بين الفترة والأخرى اجتماعات نادي إليسا.
لم يكن لدي الكثير من الصديقات الحقيقيات، ولكني كنت أفضل ألا تكون الاجتماعات مختلطة، حتى تكون النساء أكثر راحة.
وأما
الهدف منها، فكان ترقية ثقافة النوادي، غير المنتشرة في تونس، وكان نادي
أليسا فضاء للثقافة والترفيه، مع برامج للطبخ أيضا. لم يكن هذا النادي
مفتوحا للجميع وكان يجب أن تضمن عرابة منه انخراط أي عضوة جديدة.
لم تكن
المنخرطات في النادي عاطلات عن العمل أو غير متعلمات، بل على العكس من
ذلك، فكل أسبوع كانت تدعونا زوجة سفير للتعرف على الطبخ في بلادها، فيما
كانت رئيسات الجمعيات يستعرضن نشاطاتهن بحثا عن الدعم.
وكان البرنامج
يتضمن فقرات يعدها أطباء وعلماء، كما كانت هناك جلسات لبيع الكتب بالاهداء
وعرض أفلام تعلق عليها مخرجات، بالاضافة الى قطع موسيقية وأخرى مسرحية.
بن علي والفنانون
وعلي
هنا أن أذكر أن بن علي لم يتخل أبدا عن دعم الفنانين التونسيين ماليا، فهو
الذي أمر بمساعدة الكثير من الفنانين، مثل رضا قلاي وصفية شامية ونعمة
والعديد من كبار وجوه الأغنية التونسية.
وقد اشترط علاج الفنانين
والمبدعين المرضى في المستشفى العسكري، وتكفل بتكاليف علاجهم في الخارج عند
الضرورة، وحتى المتمردون منهم، كانوا يستفيدون من تعاطفه، مثل الصغير ولد
أحمد وهو شاعر متمرد وغير موقر، طلب منحة من وزارة الثقافة لمساعدته في
العلاج فكان له ذلك.
ومثل زوجي، كنت أتكفل ببعض الفنانين الذين يدعوهم
نادي أليسا مثل مونيا بجاوي، حيث كنا ندعو الممثلين الشباب مثل لطفي عبدلي،
الذي قبل العمل معنا شريطة ألا نتدخل في نصوصه باستثناء ما تعلق بانتقاد
النظام.
وقد سمعت أن الصحافي سليم بقة، لقب المنخرطات في نادي أليسا بعد
رحيلنا بــ«يتيمات سميرة» نسبة الى شقيقتي سميرة التي كانت تدير النادي.
في الواقع لم يتردد بقة في ارهاب بعض من المنخرطات بعد الرابع عشر من
يناير، وتهديدهن بنشر أسمائهن في الصحف، ان لم يحولن له مبالغ مالية معينة.
رفضت
عدد من هؤلاء النسوة ممن يتمتعن بالشجاعة بشكل قاطع ابتزاز بقة، لكنه نجح
في جمع مبالغ مالية كبيرة من اللواتي كن يخشين من أن تنشر الصحف أسماءهن.
هذا الصحافي الذي لم يجد سوى التهجم على هؤلاء الضحايا، يطبق هذه الطريقة
الآن مع رجال الأعمال، الذين يهددهم بتسريب أخبار عن علاقات كانت تجمعهم
ببن علي أو الطرابلسية، ان لم يستجيبوا لمطالبه.. لكنه في الواقع لا يلتزم
بكلمته وكثيرا ما يضحي بهم فور ما يستلم المال.
شخصيتي
في
الواقع لو تركوني لسبيل حالي لكنت عشت حياة بسيطة، ولكنت انشغلت بزوجي
وأطفالي بعيدا عن الصخب، وعن ضراوة السياسة، ولكنت أدرت بيتي كزوجة وأم.
جميع من كانوا في القصر يعرفون بساطتي في التعامل مع المستخدمين من الطباخ
الى المدلكة.
وكنت أحيانا أرتدي في القصر جوربا مثقوبا أو فستانا ملطخا
بالمرق لأني بقيت ابنة الشعب وأنا فخورة بأني لا أعاني من أي عقدة، ومن
القول كل مرة بأني ولدت في بيئة بسيطة، وأقبل جبهة كل الكبار الذين أراهم
في دور المتقاعدين، وأمزح مع الجميع، وأقيم علاقات صداقة مع النساء اللواتي
يقول البعض انهن لا يناسبنني، ولم ارغب أبدا في مخالطة البرجوازيين، الذين
يعتقدون بأنهم ولدوا من فخذ جوبيتر.
لقد زعموا بأني همشت وطردت، ولم لا
قتلت البعض وسأعود لاحقا خلال هذه الحلقة، لموضوع وفاة مضيفة طيران. كنت
لا أنام الليل حين أوبخ أحدا وفي كل الأحيان، كانت والدتي تسهر على ألا
يعاني أحد في البيت.
كل المستخدمين كانوا يعرفون هذه السيدة الخدومة
التي كانت لا تحتفظ أبدا بما يهدى لها، وكانت توزع المال يمينا ويسارا على
من يطرق الباب، كان سلوكها هو سلوكها ذاته حين كنا أطفالا صغارا، لقد كان
تفرغ الثلاجة كلها أو محفظتها لتعطي ما فيهما للمحتاجين.
بعد رحيلنا
وبدافع ايذائنا، طلب البعض شهادة بعض المستخدمين، وقد دفعوا لهم مقابل
رواية أكاذيب مثلما حصل مع لطفي بن شرودة الذي وقع أو زعم توقيع كتاب عني.
في
البداية هذا الرجل لم يكن أبدا طباخي، وقد تم توظيفه كغطاس، لذلك لم يكن
أبدا يتجاوز المكان المحدد له، ألا وهو المطبخ وكان مكلفا بتنظيف السمك،
وذبح خروف العيد، وعليه لم يكن بمقدوره الدخول الى شققنا الخاصة، التي لم
يصل اليها أبدا.
وقد حصلنا له رخصة قيادة بهدف ارساله للتبضع هنا وهناك، وها هو اليوم أصبح الشاهد الرئيسي وكاتم أسراري وراوي حياتي.
لن
أطيل الحديث حول هذا الموضوع، ولكني استنكر أن تعاد كتابة تاريخ تونس، من
قبل أناس مرتشين ومصابين بجنون العظمة. فكيف يمكن لخادم مزعوم، أن ينشر
كتابا حررته كاتبته، وهي فرنسية يبدو بأنها تكره نظام بن علي.. هذا ما يبدو
لي غير مشرف تماما لتونس.
مضيفة الطيران
لم يزعموا فقط بأني
أعيّن وأقيل وأتآمر من أجل السلطة فقط، وأجمع الثروة وأفكك الأسر، ولكن أن
لي سلطة على حياة التونسيين. لقد قيل اني قتلت مضيفة طيران، رافقتنا خلال
رحلة إلى جزر المالديف لسبب مقتبس من قصص ألف ليلة وليلة وهي أنها أعجبت
عشيقي؟؟ وكان عليّ في المقابل التخلّص منها.
كانوا يقولون دوما ان لي
عشاقا، وتناسوا أني المرأة الأكثر خضوعا للمراقبة في تونس، واني ارتبطت
برجل غيور جدا. لكن الأمر لا يصدق تماما لأني كنت بصحبة ابنتي وأولادها،
وحماتها وصديقة خلال رحلة المالديف.
وهذه هي الوقائع: ذهبنا إلى جزر
المالديف في زيارة تدوم أسبوعا واحدا، وفي اليوم الثالث وبينما كنا في شرفة
الفندق لمتابعة غروب الشمس، تلقت صديقتي سميرة مكالمة هاتفية من تونس، حيث
كان أحد المقربين منها يسأل إن كنا نستعد للعودة، فتساءلت سميرة «لماذا
إذا، لقد وصلنا للتو؟» فرد صديقها «نعم، لكن المضيفة؟ أي مضيفة؟... يبدو أن
مضيفة ماتت».
اتصلنا مباشرة بمدير الأمن الذي كان يرافقنا، والمضيفة
التي كانت تشرف على خدمتنا، فقالوا لنا ان إحدى زميلاتهم استيقظت في
الصبيحة وكانت تشكو من الشّقيقة.
لم أكن اعرف شخصيا هذه المضيفة، ذلك
أنها كانت تخدم الجهة الخلفية من الطائرة، لكنها كانت ضمن الطاقم وكانت
تقيم مثل زملائها في الفندق الذي كنا نقيم فيه نحن أيضا.
ارتدت ملابسها
ووضعت ميكياجها قبل أن تلتحق بزملائها لأخذ صور تذكارية عن الرحلة، لكنها
فجأة بدأت بالصراخ، بسبب صداع على مستوى الرأس.
استُدعي طبيب الفندق،
الذي أعطاها مهدئات، لكن الألم لم يتوقف، فقرر تحويلها بالباخرة إلى مستشفى
يقع في الجزيرة المقابلة.لكن للأسف توفيت هناك أي في المستشفى، وقد تم غسل
الجثمان وفق الشعائر الإسلامية قبل مغادرتنا.كنت قادرة على مواصلة الرحلة،
لكن لم يكن من طبعي ذلك، فقررت حزم الحقائب وقطع السفر والعودة مع جثمان
المضيفة في الطائرة نفسها لأني لم أشأ أن ينقل من طائرة إلى اخرى.
كانت
رحلة العودة حزينة للغاية بالنسبة لكل المسافرين على متن الطائرة، وقد
وجدنا في انتظارنا والدة المرحومة وزوجها وشقيقتيها، وقد استقبلتهم لتقديم
واجب العزاء وقد فعلنا ما يجب حتى تتلقى عائلتها تعويض الوفاة ومنح
التأمينات.
واليوم بمقدورنا أن نبحث عن أسباب هذه الوفاة اذا ما كانت
الشكوك لا تزال قائمة، فملفها في المستشفى، حيث توفيت وتشريح جثتها يسمحان
بتأكيد روايتي للأحداث.لقد توفيت هذه المرأة نتيجة نزيف في المخ لا غير.
السيدات الأُول
حين
قدمت كارلا بروني ساركوزي إلى تونس في أبريل 2008 في إطار زيارة رسمية، لم
استطع استقبالها لدى نزولها من الطائرة، تُرى ماذا فبركوا لتفسير غيابي عن
المطار في ذلك اليوم؟
لقد قيل اني تجنبت كارلا الجميلة، لأني غيورة
منها، وقد قال البعض ان السيدة الفرنسية الأولى لم تتدخل لدى زوجها الرئيس
الفرنسي، لمصلحة ابن أخي عماد في قضية اليخت.
الادعاء الأول خاطئ لأني
معجبة بكارلا ولم أذهب للقائها أمام الكاميرات، لأني ببساطة كنت قد دفنت
والدتي ليلة مجيئها، وكنت غير مستعدة لهذا النوع من الظهور العلني في فترة
حداد، وأي زوجة رئيسة كانت ستتصرف على هذا النحو، وأعتقد أن كارلا، لو فقدت
أحد أبويها، لما كانت ستصافحني على شرفة الاليزيه.
مهما يكن، فقد قدم لي الزوجان ساركوزي التعازي عن طريق زوجي ومن جانبي، أهديت كارلا باعتبارها موسيقية، عودا تونسيا جميلا.
واعترف
مثل زوجي بأننا كنا نكن معزة كبيرة للزوجين شيراك، فبرناديت امرأة جدية
ومنخرطة في الحياة المدنية، كما كان الزوجان على علاقة جيدة مع رؤساء الدول
العربية وعلى الخصوص الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وعلي أن أشير
هنا، الى أن زياراتي الرسمية إلى فرنسا كانت نادرة لكني كنت أتردد بصفة
شخصية على هذا البلد مرة كل سنتين او ثلاث سنوات.
فرنسا ونحن
إنها
مناسبة لأتحدث عن علاقتنا بفرنسا، ما اعرفه شخصيا هو أن حكومتنا كانت على
علاقة ممتازة مع آخر رئيسين فرنسيين، جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، فالأول لم
يكن يتردد في التباهي بـ«المعجزة التونسية» والثاني كان يعترف بـ «تقدم»
البلد.
لم يكن يمر شهر إلا ويجري خلاله ساركوزي اتصالين أو ثلاثة مع بن علي وكان يصر على أن يناديه الأخير باسمه.
ولتونس
العديد من الأصدقاء الفرنسيين كبرتراند دولانويه عمدة باريس الحالي، الذي
كان مقربا جدا من مستشار الرئيس عبد العزيز بن دحية أو وزير الثقافة
الفرنسي السابق فريديريك ميتيران الذي منحه بن علي الجنسية وجواز السفر
التونسي، اللذين كان يأمل الحصول عليهما، وأما فيليب سيغان رئيس الجمعية
الفرنسية، فكان يتردد كثيرا قبل وفاته على تونس وكانت الدولة تتكفل بتكاليف
إقامته في الفندق وتنقلاته.
رغم كل هذا، أدارت الحكومة الفرنسية ظهرها
بسرعة لنا فور رحيلنا، هذه الحكومة هي نفسها التي أساءت لوزيرة خارجيتها
ميشال أليوت ماري وزعمت أيضا بأنها رفضت منحها حق اللجوء السياسي إلى
فرنسا، حتى لا تبدو صديقة لبن علي، وفي المقابل هذه الحكومة نفسها، رفضت أن
تشير إلى أني لا أملك، لا أنا ولا زوجي، لا أملاكا ولا حسابات بنكية في
فرنسا، وان اللبس تمخض عن خلط مع أملاك بن علي آخر، لا يمت بأي صلة للرئيس.
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
12 - سهى عرفات بعد سنوات من الاستضافة قالت لي: «طز فيكم وفي جواز سفركم»
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي،
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة
الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد
انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية
السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي
أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من
مطار العوينة العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي
علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة
وافتراءات غير مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة
المتكالبة على المال والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا
الكتاب، الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من
مقابلات أجريت معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة
الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن
علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك
بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها
وتقول إنها عايشتها.
كان من الأفضل أن أهتم بجمعياتي وأواصل نشاطاتي الخيرية، على أن أشارك سهى
عرفات في مشروع كانت هي المستفيدة الأولى منه، ورغم ذلك حاولت تحطيمه.
هذه هي قصتي مع أرملة القائد التاريخي لحركة التحرير الوطني الفلسطيني، الذي أكن له كلّ الاحترام.
وصلت سهى إلى تونس في تسعينات القرن الماضي، بعد وقت طويل من لجوء ياسر
عرفات إلى بلادنا. فأمها ريموندا طويل هي التي وظفتها سكرتيرة لدى رئيس
فتح، وفعلت المستحيل لتزوّجه ابنتها، وهذه المعلومة أكدتها لي طويل نعناعة
الصحفية السورية المقربة من العائلة.
لقد روت لي أن محيط عرفات وريموندا أصروا بشكل كبير على القائد الفلسطيني
حتى يتزوج بسهى، وانتهى الأمر إلى ذلك، وأنه كان لا يتوقف عن القول «إنها
غلطة حياتي، أنْ تزوجت بهذه المرأة، كان علي أن أبقى مرتبطا بالقضية
الفلسطينية وحدها».
لم يكن الزوجان يلتقيان كثيرا بعد زواجهما، فقد التقيا ذات مرة في باريس،
ما سمح لهما بإنجاب طفلة، ثم بعد ذلك في فلسطين بعد أن عاد ياسر عرفات.
وفاة عرفات
كنت حاملا حين توفي ياسر عرفات في باريس، بينما كانت سهى في مصر، وقد
انتقلت إلى العاصمة الفرنسية مباشرة دون المرور بتونس، فيما أخذت على عاتقي
مهمة مرافقة ابنتها من تونس إلى باريس، رغم أن الأطباء منعوني من السفر
بسبب خطورة وضعي واحتمال فقداني للجنين.
بقيت معظم الوقت إلى جانب سهى في باريس، وكانت لا تتوقف عن الصراخ والقول
إن قائد المقاومة الفلسطينية مات مسموما «لقد اغتالوه، لقد سمّموه».. لم
تكن تتوقف عن تكرار ذلك، فهل كانت تملك أدلة؟ من المحتمل إذا ما صدّقتُ
المعلومات التي أسرّت لي بها، لكن صوتها خفت وهدأت بعد ذلك، ولم تتحدث
مجددا عن الموضوع بعد ثلاث أو أربع زيارات قادتها لباريس.
سهى سيدة ذكية وماكرة وموهوبة، وامرأة تملك ذاكرة قوية جدا وانتهازية
للغاية، ولها علاقات عديدة عبر العالم، واتصالات مع رؤساء عدة دول. وسهى هي
أيضا من النوع المتملص، إنها شيطان في الجيب مثلما يقول التعبير التونسي،
لها أفكار مسبقة ومخطط ثان للجوء إليه عند الضرورة.
إنها كالآلة الحاسبة، تلتصق بك متى احتاجت إليك، وتدير لك الظهر حين تحصل
على ما تريد دون أن تفهم ماذا تريد فعله، وقد اتضحت قدرتها على التضليل
وخداع الجميع من خلال قضية المدرسة الدولية لقرطاج.
قصتي مع سهى
كانت سهى تتصل بي وتزورني كلما احتاجت إلى خدمة، بصحبة ابنتها ووالدتها أو
إحدى شقيقاتي اللواتي كن معها في تونس، ومن جانبي فقد زرتها في بيتها في
قمرت بعد وفاة زوجها. وفي أحد الأيام، خطرت على بالها فكرة بناء مدرسة
امتياز، فحدثتني عنها. كانت تبحث عن شخص جدي وكفء يقبل مشاركتها في هذا
المشروع، فاقترحت عليها اسم أسماء تيبورني، التي كانت تأمل العمل في مثل
هذا المشروع.
اتفقت السيدتان وانطلقتا في مشروع المدرسة، وقد ساعدتهما بإقراضهما المال، وليس بالدخول في شراكة معهما بنسبة %50، مثلما تزعم سهى.
كان المشروع في طور البناء، حين بدأت سهى في تشكيل لوبيات، وبدأت بتشجيع
الأغنياء على تسجيل أولادهم ومنع الفقراء من ذلك، ولقد أرسلت مبعوثيها إلى
الممثليات الدبلوماسية الفرنسية والأميركية لاقتراح شراكة مع المدرسة
لاحقا. وإذا ما كان الفرنسيون قد استقبلوا مبعوثها، فقد طرد مدير المدرسة
الأميركية مبعوثها على الرغم من كونه أميركياً مثله.
كانت سهى تزور الورشة يومياً، أما أنا، فقد ذهبت مرة واحدة، لقد فاوضت هي
على كل شيء ودرست المخططات مع المهندسين، وقامت برهن مزرعة تمتد على مساحة
تصل إلى مئات الهكتارات، كانت الدولة قد منحتها إياها لاستغلالها لمدة 20
عاماً، من أجل الحصول على حصة شخصية في المدرسة مقابل 350 ألف دينار.
وفي يوليو 2005، تلقت أول إشعار بالدفع، بقيمة 20 ألف دينار تونسي، طلبت من أسماء تسويته.
بداية الخلاف
في ذلك الوقت كانت تنقل إليّ معلومات عن صولاتها وجولاتها لدى الوزراء
والمسؤولين الكبار، بهدف الحصول على المال والصفقات بمساعدة محاميها ويدعى
عويديدي.
بدأت لا أثق فيها، في اليوم الذي سمعت فيه أنها تود إبرام صفقة جديدة مع
مالك فندق لالة باية في الحمامات وزوجته، وقد بلغتها بصراحة بأني أرفض
كفالة مشاريعها، لم تستسغ سهى قراري، فبدأت في إبراز مخالبها.
في ذلك الوقت، فهمت ما كانت تقوله لي بعض السيدات العربيات الأول اللواتي
عرفنها، كن يقلن لي «لقد أدخلت فضولية إلى تونس من دون معرفة منك «..» أنت
لا تعرفين سهى، وإلا لما كنت السيدة العربية الأولى، الوحيدة التي تعرض
استضافتها».
بدأ الخلاف بيني وبينها في يوليو من عام 2009، أي قبل شهرين من مغادرتها
تونس، وكانت رجاء إسماعيل مفتشة الحسابات المكلفة بالمدرسة، وكانت مكلفة،
أيضاً، بحسابات جمعيتي بسمة وسعيدة»، قد أكدت لي أن تمويل المشروع مصدره
قروض بنكية، وأن المقاولين تلقوا أتعابهم كلها.
قامت رجاء بتعويض سهى كل الأموال التي دفعتها، ولكن هذه الأخيرة باعت أسهمها للبلدية، في وقت لم تكن الثانوية قد فتحت أبوابها بعد.
للأسف رجاء غير موجودة، الآن، لتشهد على ذلك. فبعد رحيلنا ضايقها القضاء
وأرهبوها، حيث كانوا يودون إجبارها على التوقيع على تصريحات كاذبة تتعلق
بإدارة جمعيتي بسمة وسعيدة، وقد منعت من السفر، ما حال دون ذهابها إلى
باريس، حيث كان عليها متابعة جلسات في العلاج الكيميائي، فانطفأت شمعتها
إلى الأبد، بسبب عدم توافر العلاج.
أكاذيب سهى
من الأفضل أن أرد نقطة بنقطة على التصريحات التي أدلت بها سهى عرفات،
أخيراً، على شاشة إحدى القنوات التلفزيونية التونسية. لقد اتهمتني بتوجيه
تعليمات لطردها من بيتها، وأوضح هنا أنها أدلت بتصريحات متباينة لثلاث
قنوات تلفزيونية عربية، وسردت ثلاث روايات مختلفة عن الأحداث. في الرواية
الأولى، اعترفت بأنها غادرت برضاها بعد شجار معي في الهاتف، وتباهت، أيضاً،
بأنها قطعت الخط في وجهي، واعترفت، أيضاً، بأنها باعت أسهمها لشريكتها
بإدراك منها، ولكن على قنوات أخرى، اتهمتني بطردها من بيتها، وبأني سلبتها
عملها والمدرسة أيضاً، ولكن الحقيقة تكمن في الرواية الأولى. كما اتهمت،
أيضاً، علي السرياطي ومحمود بلالونة مسؤول السكنات الرسمية في قمرت، بجمع
أغراضها الشخصية في علب كرتونية، لكن لا شيء من هذا وقع، بالإضافة إلى ذلك
لم يكن الرجلان هناك حين غادرت.
في ذلك اليوم، كان السفير الفلسطيني في تونس أحمد الحباسي حاضراً، والقائم
بالأعمال التونسي لدى السلطة الفلسطينية، وكان إلى جانبه آخر يدعى مروان،
بالإضافة إلى محضر قضائي تونسي.
لقد زعمت سهى أني أصدرت تعليمات لعلي السرياطي، كي يطلب من الدول الأوروبية
«إساءة معاملتها»، وفي الواقع استعملت هي كلمة «قتلها»، والا ستوقف تونس
عن التعاون معها في ما يخص مكافحة الإرهاب.
وقد زعمت سهى، أيضاً، أني اقتربت من الصحافي ياسر هراوي وابنه، اللذين
يملكان مجلة آرابيز، حتى أطلب منهما نشر مقالات ضدها، وإني اقترحت عليهما
في المقابل مساعدة مالية لتباع مجلتهما في تونس. أنا لا أعرف هذين الشخصين،
ولا علاقة لي بالمقال الذي نشر في الصحيفة الإيطالية كورير ديلا سيرا،
ووصف سهى عرفات بالمرأة المجنونة والخطيرة التي ينبغي حرمانها في الحال من
حضانة ابنتها.
هذه الاتهامات تحتاج إلى تعليق ليس فقط لأنها غير حقيقية، ولكن لأنها،
أيضاً، بعيدة تمام البعد عن آلية سير السياسة والعلاقات الدبلوماسية، من
دون أن نأخذ بعين الاعتبار، أنه لم يكن لدينا أي تأثير على الصحافة
الدولية. ويكفي أن تطلبوا تأكيد ذلك او نفيه من وزارة العدل ومن علي
السرياطي ومن رؤساء تحرير المجلة المذكورة حتى تعرفوا الحقيقة.
القطيعة
والحقيقة هي حقيقة أخرى كذلك، فحين اتصلت هاتفيا بأرملة عرفات لألومها على
انتهازيتها واستخفافها بالأمور، وأُذكّرها بأن لتونس قوانين وأنها لا
تستطيع أن تفتح شركة لمصلحتها، انتفضت وردت بالحرف «طز فيكم، أنتم وتونس،
هل تعتقدون بأنكم تضايقونني، سأرمي لكم جواز سفركم على وجوهكم، وسأعقد
مؤتمرا صحفيا لأقول فيه انني لا أريد جنسيتكم التونسية» وقطعت الخط.
هذا هو شكر سهى عرفات للدولة التي استضافتها، ووفرت لخدمتها كل شيء، إنه
بلد استفادت منه كثيرا هي وعائلتها، وجنت منه الكثير من الثروة. لقد غادرت
تونس وتركت وراءها ديونا بقيمة 750 ألف دينار تونسي ما بين مطعم le grand
bleu في قمرت، وأشغال البذخ التي قررت إضافتها لفيلتها، كما أنها لم تف.
بمساهمتها الشخصية في المدرسة.
وعلاوة على ذلك ما تزال تتلقى إلى اليوم فوائد المزرعة التي يشاركها في ملكيتها مواطن فلسطيني في تونس.
حقيقة حرمت سهى من جنسيتها التونسية، لكن ابنتها ما تزال تحتفظ بها، وهذا
لذكرى ياسر عرفات ودليل على دعم تونس للقضية الفلسطينية، حيث قرر بن علي
حماية الصغيرة من مخاطر اللجوء السياسي، وتمكينها بفضل جواز السفر التونسي
من أن تكون الوريثة الشرعية لبيت آخر مُنح لوالدتها ويقع في الحمامات.
عصابة الطرابلسية
لقد اتهم أفراد عائلة الطرابلسي بنهب البلاد واقتسام خيراتها وثرواتها،
وقيل انه لا يوجد مصنع ولا مجمع فندقي ولا مؤسسة إلا وتعود ملكيته إلينا.
هذه الاتهامات تعني أن تونس دولة بلا قوانين ولا مسؤولين يقومون بتنفيذها،
وتعني أيضا نسيان، أن بن علي ترك البلاد في حالة اقتصادية تثير غيرة
المنطقة، وهذا يدل على أننا لم نُركّع البلاد.
وعلينا ألا ننسى أيضا البنى التحتية والتعليم ودعم الفقراء والنساء والأمن
والاستقرار الذي كان يعم تونس وأمورا اخرى، يعرفها جيدا خبراء الاقتصاد في
العالم والنتائج واضحة.
لا أنوي الترويج لحصيلة بن علي، ولا أن أكون في مكان المحامين الذين
يدافعون عن أفراد عائلتي، أريد فقط ألا يعمي الانتقام عيوننا، فنقع في فخ
الظلم والجور.
من المؤكد أني ساعدت عائلتي لتعيش في مستوى أفضل، ومن كان سيفعل غير ذلك،
لو كان مكاني؟ بالفعل البعض من أفراد عائلتي تمادوا، والغالبية منهم هم من
فئة الشباب الذين كانوا يرفضون ان توضع لهم حدود، وقد جرت الكثير من
الحوارات بيني وبينهم، حيث عبرت لهم عن عدم رضاي على ما يجري.
لقد كانوا يلتفون على كلامي ويقولون «كلما تدعونا عمتنا، تكون الدعوة من أجل جلسة قسم او خطبة أخلاقية».
شدة بن علي
كنت أكرر دعوتهم بشكل فردي لدى والدتي، وكنت أدعو آباءهم أيضا مثل تلك
المرة، التي اندلع فيها شجار عنيف بين ابن أخ الرئيس ومسؤولين في الجمارك
حول قضية استيراد وتصدير، لقد دفع هذا النزاع الرئيس إلى حرمان ابن أخيه
من رخصة العمل لمدة عام كامل.
كنت أعتقد في البداية أن أفراد عائلتينا سيبنون شيئا، منزلا أو يطورون
نشاطا، يسمح لهم بالعيش براحة، لكن البعض منهم تمادى في حيازة مشاريع وتملك
السيارات والشركات، بالإضافة الى الخدمات التي كانوا يحصلون عليها من
الإدارات والبنوك.
اعترف بان الأبواب كانت تُفتح أمامهم، لأن هناك علاقة عائلية تربطهم بي،
وأنا متأكدة من أن المسؤولين كانوا يستقبلونهم جيدا، كلما طلبوا موعدا مع
أحد منهم، لكن كان يستحيل علي أن أراقب كل شيء.
أنا لا أعرف تفاصيل أعمال أخي بلحسن، لقد كان يكلمني عن بعض منها، وأحيانا يخبرني بأنه سيستثمر في مشروع ما.
كنت أعتقد أن الأمور تتم وفق القانون، وكنت أعرف بأنه ضاعف مجهوداته لإنشاء
مؤسسته، وأنه لم يستفد أبدا من خصخصة المؤسسات الوطنية، وانه كان يدفع
الضرائب، شأنه شأن أي مواطن تونسي.
كان بن علي لا يحب أن يتدخل في الشؤون العائلية، وكان لا يرغب أبدا في أن يتدخل أفراد عائلتينا في القرارات السياسية.
حتى أنه نادرا ما كان يجلس مطولا مع أحفاده أو إخوتي، وكان لا يسمح أبدا
بأن يزعجوه في بيته ولا في قصر قرطاج، حيث كان يستمع فقط الى أعضاء حكومته.
كما كان يستمع الى أي اقتراح يقدمه احد أفراد عائلتينا، لكنه لم يكن أبدا يتخذ القرار دون اللجوء إلى مستشاريه ووزرائه.
وحين يقترح عليه على سبيل المثال اسم وكالة إعلام أجنبية، كان يتحرّى عنها
وعن خبرائها المختصين في الصورة، وحين كان أحد أحفاده يطلب منه تشبيب
الحكومة يجيب «لدي فريق جدير بالثقة ويربح، لا أرى لماذا سأستبدله
بقوائمكم».
بن علي يقلد سهى عرفات وساما..
.. وويكيليكس تكشف أن ليلى صادرت ممتلكاتها وجواز سفرها التونسي
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة
الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد
انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية
السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي
أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من
مطار العوينة العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي
علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة
وافتراءات غير مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة
المتكالبة على المال والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من
الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن
الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما
سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية والدولية
وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا
الكتاب، الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من
مقابلات أجريت معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة
الوثيقة التاريخية التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن
علي، على عادة كل المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك
بالتأكيد كل مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها
وتقول إنها عايشتها.
كان من الأفضل أن أهتم بجمعياتي وأواصل نشاطاتي الخيرية، على أن أشارك سهى
عرفات في مشروع كانت هي المستفيدة الأولى منه، ورغم ذلك حاولت تحطيمه.
هذه هي قصتي مع أرملة القائد التاريخي لحركة التحرير الوطني الفلسطيني، الذي أكن له كلّ الاحترام.
وصلت سهى إلى تونس في تسعينات القرن الماضي، بعد وقت طويل من لجوء ياسر
عرفات إلى بلادنا. فأمها ريموندا طويل هي التي وظفتها سكرتيرة لدى رئيس
فتح، وفعلت المستحيل لتزوّجه ابنتها، وهذه المعلومة أكدتها لي طويل نعناعة
الصحفية السورية المقربة من العائلة.
لقد روت لي أن محيط عرفات وريموندا أصروا بشكل كبير على القائد الفلسطيني
حتى يتزوج بسهى، وانتهى الأمر إلى ذلك، وأنه كان لا يتوقف عن القول «إنها
غلطة حياتي، أنْ تزوجت بهذه المرأة، كان علي أن أبقى مرتبطا بالقضية
الفلسطينية وحدها».
لم يكن الزوجان يلتقيان كثيرا بعد زواجهما، فقد التقيا ذات مرة في باريس،
ما سمح لهما بإنجاب طفلة، ثم بعد ذلك في فلسطين بعد أن عاد ياسر عرفات.
وفاة عرفات
كنت حاملا حين توفي ياسر عرفات في باريس، بينما كانت سهى في مصر، وقد
انتقلت إلى العاصمة الفرنسية مباشرة دون المرور بتونس، فيما أخذت على عاتقي
مهمة مرافقة ابنتها من تونس إلى باريس، رغم أن الأطباء منعوني من السفر
بسبب خطورة وضعي واحتمال فقداني للجنين.
بقيت معظم الوقت إلى جانب سهى في باريس، وكانت لا تتوقف عن الصراخ والقول
إن قائد المقاومة الفلسطينية مات مسموما «لقد اغتالوه، لقد سمّموه».. لم
تكن تتوقف عن تكرار ذلك، فهل كانت تملك أدلة؟ من المحتمل إذا ما صدّقتُ
المعلومات التي أسرّت لي بها، لكن صوتها خفت وهدأت بعد ذلك، ولم تتحدث
مجددا عن الموضوع بعد ثلاث أو أربع زيارات قادتها لباريس.
سهى سيدة ذكية وماكرة وموهوبة، وامرأة تملك ذاكرة قوية جدا وانتهازية
للغاية، ولها علاقات عديدة عبر العالم، واتصالات مع رؤساء عدة دول. وسهى هي
أيضا من النوع المتملص، إنها شيطان في الجيب مثلما يقول التعبير التونسي،
لها أفكار مسبقة ومخطط ثان للجوء إليه عند الضرورة.
إنها كالآلة الحاسبة، تلتصق بك متى احتاجت إليك، وتدير لك الظهر حين تحصل
على ما تريد دون أن تفهم ماذا تريد فعله، وقد اتضحت قدرتها على التضليل
وخداع الجميع من خلال قضية المدرسة الدولية لقرطاج.
قصتي مع سهى
كانت سهى تتصل بي وتزورني كلما احتاجت إلى خدمة، بصحبة ابنتها ووالدتها أو
إحدى شقيقاتي اللواتي كن معها في تونس، ومن جانبي فقد زرتها في بيتها في
قمرت بعد وفاة زوجها. وفي أحد الأيام، خطرت على بالها فكرة بناء مدرسة
امتياز، فحدثتني عنها. كانت تبحث عن شخص جدي وكفء يقبل مشاركتها في هذا
المشروع، فاقترحت عليها اسم أسماء تيبورني، التي كانت تأمل العمل في مثل
هذا المشروع.
اتفقت السيدتان وانطلقتا في مشروع المدرسة، وقد ساعدتهما بإقراضهما المال، وليس بالدخول في شراكة معهما بنسبة %50، مثلما تزعم سهى.
كان المشروع في طور البناء، حين بدأت سهى في تشكيل لوبيات، وبدأت بتشجيع
الأغنياء على تسجيل أولادهم ومنع الفقراء من ذلك، ولقد أرسلت مبعوثيها إلى
الممثليات الدبلوماسية الفرنسية والأميركية لاقتراح شراكة مع المدرسة
لاحقا. وإذا ما كان الفرنسيون قد استقبلوا مبعوثها، فقد طرد مدير المدرسة
الأميركية مبعوثها على الرغم من كونه أميركياً مثله.
كانت سهى تزور الورشة يومياً، أما أنا، فقد ذهبت مرة واحدة، لقد فاوضت هي
على كل شيء ودرست المخططات مع المهندسين، وقامت برهن مزرعة تمتد على مساحة
تصل إلى مئات الهكتارات، كانت الدولة قد منحتها إياها لاستغلالها لمدة 20
عاماً، من أجل الحصول على حصة شخصية في المدرسة مقابل 350 ألف دينار.
وفي يوليو 2005، تلقت أول إشعار بالدفع، بقيمة 20 ألف دينار تونسي، طلبت من أسماء تسويته.
بداية الخلاف
في ذلك الوقت كانت تنقل إليّ معلومات عن صولاتها وجولاتها لدى الوزراء
والمسؤولين الكبار، بهدف الحصول على المال والصفقات بمساعدة محاميها ويدعى
عويديدي.
بدأت لا أثق فيها، في اليوم الذي سمعت فيه أنها تود إبرام صفقة جديدة مع
مالك فندق لالة باية في الحمامات وزوجته، وقد بلغتها بصراحة بأني أرفض
كفالة مشاريعها، لم تستسغ سهى قراري، فبدأت في إبراز مخالبها.
في ذلك الوقت، فهمت ما كانت تقوله لي بعض السيدات العربيات الأول اللواتي
عرفنها، كن يقلن لي «لقد أدخلت فضولية إلى تونس من دون معرفة منك «..» أنت
لا تعرفين سهى، وإلا لما كنت السيدة العربية الأولى، الوحيدة التي تعرض
استضافتها».
بدأ الخلاف بيني وبينها في يوليو من عام 2009، أي قبل شهرين من مغادرتها
تونس، وكانت رجاء إسماعيل مفتشة الحسابات المكلفة بالمدرسة، وكانت مكلفة،
أيضاً، بحسابات جمعيتي بسمة وسعيدة»، قد أكدت لي أن تمويل المشروع مصدره
قروض بنكية، وأن المقاولين تلقوا أتعابهم كلها.
قامت رجاء بتعويض سهى كل الأموال التي دفعتها، ولكن هذه الأخيرة باعت أسهمها للبلدية، في وقت لم تكن الثانوية قد فتحت أبوابها بعد.
للأسف رجاء غير موجودة، الآن، لتشهد على ذلك. فبعد رحيلنا ضايقها القضاء
وأرهبوها، حيث كانوا يودون إجبارها على التوقيع على تصريحات كاذبة تتعلق
بإدارة جمعيتي بسمة وسعيدة، وقد منعت من السفر، ما حال دون ذهابها إلى
باريس، حيث كان عليها متابعة جلسات في العلاج الكيميائي، فانطفأت شمعتها
إلى الأبد، بسبب عدم توافر العلاج.
أكاذيب سهى
من الأفضل أن أرد نقطة بنقطة على التصريحات التي أدلت بها سهى عرفات،
أخيراً، على شاشة إحدى القنوات التلفزيونية التونسية. لقد اتهمتني بتوجيه
تعليمات لطردها من بيتها، وأوضح هنا أنها أدلت بتصريحات متباينة لثلاث
قنوات تلفزيونية عربية، وسردت ثلاث روايات مختلفة عن الأحداث. في الرواية
الأولى، اعترفت بأنها غادرت برضاها بعد شجار معي في الهاتف، وتباهت، أيضاً،
بأنها قطعت الخط في وجهي، واعترفت، أيضاً، بأنها باعت أسهمها لشريكتها
بإدراك منها، ولكن على قنوات أخرى، اتهمتني بطردها من بيتها، وبأني سلبتها
عملها والمدرسة أيضاً، ولكن الحقيقة تكمن في الرواية الأولى. كما اتهمت،
أيضاً، علي السرياطي ومحمود بلالونة مسؤول السكنات الرسمية في قمرت، بجمع
أغراضها الشخصية في علب كرتونية، لكن لا شيء من هذا وقع، بالإضافة إلى ذلك
لم يكن الرجلان هناك حين غادرت.
في ذلك اليوم، كان السفير الفلسطيني في تونس أحمد الحباسي حاضراً، والقائم
بالأعمال التونسي لدى السلطة الفلسطينية، وكان إلى جانبه آخر يدعى مروان،
بالإضافة إلى محضر قضائي تونسي.
لقد زعمت سهى أني أصدرت تعليمات لعلي السرياطي، كي يطلب من الدول الأوروبية
«إساءة معاملتها»، وفي الواقع استعملت هي كلمة «قتلها»، والا ستوقف تونس
عن التعاون معها في ما يخص مكافحة الإرهاب.
وقد زعمت سهى، أيضاً، أني اقتربت من الصحافي ياسر هراوي وابنه، اللذين
يملكان مجلة آرابيز، حتى أطلب منهما نشر مقالات ضدها، وإني اقترحت عليهما
في المقابل مساعدة مالية لتباع مجلتهما في تونس. أنا لا أعرف هذين الشخصين،
ولا علاقة لي بالمقال الذي نشر في الصحيفة الإيطالية كورير ديلا سيرا،
ووصف سهى عرفات بالمرأة المجنونة والخطيرة التي ينبغي حرمانها في الحال من
حضانة ابنتها.
هذه الاتهامات تحتاج إلى تعليق ليس فقط لأنها غير حقيقية، ولكن لأنها،
أيضاً، بعيدة تمام البعد عن آلية سير السياسة والعلاقات الدبلوماسية، من
دون أن نأخذ بعين الاعتبار، أنه لم يكن لدينا أي تأثير على الصحافة
الدولية. ويكفي أن تطلبوا تأكيد ذلك او نفيه من وزارة العدل ومن علي
السرياطي ومن رؤساء تحرير المجلة المذكورة حتى تعرفوا الحقيقة.
القطيعة
والحقيقة هي حقيقة أخرى كذلك، فحين اتصلت هاتفيا بأرملة عرفات لألومها على
انتهازيتها واستخفافها بالأمور، وأُذكّرها بأن لتونس قوانين وأنها لا
تستطيع أن تفتح شركة لمصلحتها، انتفضت وردت بالحرف «طز فيكم، أنتم وتونس،
هل تعتقدون بأنكم تضايقونني، سأرمي لكم جواز سفركم على وجوهكم، وسأعقد
مؤتمرا صحفيا لأقول فيه انني لا أريد جنسيتكم التونسية» وقطعت الخط.
هذا هو شكر سهى عرفات للدولة التي استضافتها، ووفرت لخدمتها كل شيء، إنه
بلد استفادت منه كثيرا هي وعائلتها، وجنت منه الكثير من الثروة. لقد غادرت
تونس وتركت وراءها ديونا بقيمة 750 ألف دينار تونسي ما بين مطعم le grand
bleu في قمرت، وأشغال البذخ التي قررت إضافتها لفيلتها، كما أنها لم تف.
بمساهمتها الشخصية في المدرسة.
وعلاوة على ذلك ما تزال تتلقى إلى اليوم فوائد المزرعة التي يشاركها في ملكيتها مواطن فلسطيني في تونس.
حقيقة حرمت سهى من جنسيتها التونسية، لكن ابنتها ما تزال تحتفظ بها، وهذا
لذكرى ياسر عرفات ودليل على دعم تونس للقضية الفلسطينية، حيث قرر بن علي
حماية الصغيرة من مخاطر اللجوء السياسي، وتمكينها بفضل جواز السفر التونسي
من أن تكون الوريثة الشرعية لبيت آخر مُنح لوالدتها ويقع في الحمامات.
عصابة الطرابلسية
لقد اتهم أفراد عائلة الطرابلسي بنهب البلاد واقتسام خيراتها وثرواتها،
وقيل انه لا يوجد مصنع ولا مجمع فندقي ولا مؤسسة إلا وتعود ملكيته إلينا.
هذه الاتهامات تعني أن تونس دولة بلا قوانين ولا مسؤولين يقومون بتنفيذها،
وتعني أيضا نسيان، أن بن علي ترك البلاد في حالة اقتصادية تثير غيرة
المنطقة، وهذا يدل على أننا لم نُركّع البلاد.
وعلينا ألا ننسى أيضا البنى التحتية والتعليم ودعم الفقراء والنساء والأمن
والاستقرار الذي كان يعم تونس وأمورا اخرى، يعرفها جيدا خبراء الاقتصاد في
العالم والنتائج واضحة.
لا أنوي الترويج لحصيلة بن علي، ولا أن أكون في مكان المحامين الذين
يدافعون عن أفراد عائلتي، أريد فقط ألا يعمي الانتقام عيوننا، فنقع في فخ
الظلم والجور.
من المؤكد أني ساعدت عائلتي لتعيش في مستوى أفضل، ومن كان سيفعل غير ذلك،
لو كان مكاني؟ بالفعل البعض من أفراد عائلتي تمادوا، والغالبية منهم هم من
فئة الشباب الذين كانوا يرفضون ان توضع لهم حدود، وقد جرت الكثير من
الحوارات بيني وبينهم، حيث عبرت لهم عن عدم رضاي على ما يجري.
لقد كانوا يلتفون على كلامي ويقولون «كلما تدعونا عمتنا، تكون الدعوة من أجل جلسة قسم او خطبة أخلاقية».
شدة بن علي
كنت أكرر دعوتهم بشكل فردي لدى والدتي، وكنت أدعو آباءهم أيضا مثل تلك
المرة، التي اندلع فيها شجار عنيف بين ابن أخ الرئيس ومسؤولين في الجمارك
حول قضية استيراد وتصدير، لقد دفع هذا النزاع الرئيس إلى حرمان ابن أخيه
من رخصة العمل لمدة عام كامل.
كنت أعتقد في البداية أن أفراد عائلتينا سيبنون شيئا، منزلا أو يطورون
نشاطا، يسمح لهم بالعيش براحة، لكن البعض منهم تمادى في حيازة مشاريع وتملك
السيارات والشركات، بالإضافة الى الخدمات التي كانوا يحصلون عليها من
الإدارات والبنوك.
اعترف بان الأبواب كانت تُفتح أمامهم، لأن هناك علاقة عائلية تربطهم بي،
وأنا متأكدة من أن المسؤولين كانوا يستقبلونهم جيدا، كلما طلبوا موعدا مع
أحد منهم، لكن كان يستحيل علي أن أراقب كل شيء.
أنا لا أعرف تفاصيل أعمال أخي بلحسن، لقد كان يكلمني عن بعض منها، وأحيانا يخبرني بأنه سيستثمر في مشروع ما.
كنت أعتقد أن الأمور تتم وفق القانون، وكنت أعرف بأنه ضاعف مجهوداته لإنشاء
مؤسسته، وأنه لم يستفد أبدا من خصخصة المؤسسات الوطنية، وانه كان يدفع
الضرائب، شأنه شأن أي مواطن تونسي.
كان بن علي لا يحب أن يتدخل في الشؤون العائلية، وكان لا يرغب أبدا في أن يتدخل أفراد عائلتينا في القرارات السياسية.
حتى أنه نادرا ما كان يجلس مطولا مع أحفاده أو إخوتي، وكان لا يسمح أبدا
بأن يزعجوه في بيته ولا في قصر قرطاج، حيث كان يستمع فقط الى أعضاء حكومته.
كما كان يستمع الى أي اقتراح يقدمه احد أفراد عائلتينا، لكنه لم يكن أبدا يتخذ القرار دون اللجوء إلى مستشاريه ووزرائه.
وحين يقترح عليه على سبيل المثال اسم وكالة إعلام أجنبية، كان يتحرّى عنها
وعن خبرائها المختصين في الصورة، وحين كان أحد أحفاده يطلب منه تشبيب
الحكومة يجيب «لدي فريق جدير بالثقة ويربح، لا أرى لماذا سأستبدله
بقوائمكم».
بن علي يقلد سهى عرفات وساما..
.. وويكيليكس تكشف أن ليلى صادرت ممتلكاتها وجواز سفرها التونسي
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
13 - بن علي ينفي انه {الشمس}!
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي،
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى
تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة
عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي
من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على
مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة
العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي،
إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى
بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير
مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال
والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد
عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها
تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا،
إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية
والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل
عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب،
الذي تنشر القبس ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات
أجريت معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة
التاريخية التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على
عادة كل المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل
مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها
عايشتها.
لم أكن أعرف شيئا عن المشاريع التي مُنحت لأفراد عائلتينا،
لقد كانوا مُتكتّمين جدا على مشاريعهم، ولم يوفروا، لا لي أنا، ولا لبن
علي أي معلومات عن حياتهم الخاصة.لا أعرف أي واحد من هذه المشاريع، ولا ما
يملكون ولا ما فعلوا بالتفصيل، قد يُفاجئ هذا الأمر الكثيرين، من دون شك،
ولكنها الحقيقة.
لست أشعر بالعار من القول مجددا ان أخطاء كارثية،
ارتكبها بعض أفراد عائلتي، وأما أنا فقد أخطأت حين لم أكن يقظة اكثر، لكن
أريد أيضا ألاّ تنسوا العديد من المستفيدين، الذين كانوا يحيطون بنا.
وإذا
ما فشلت أنا شخصيا في منع بعض التجاوزات، فلم لم يرفع أي مسؤول سياسي شكوى
ضد تلك الانحرافات؟ لمَ لمْ يحتج أي قاض؟ ولم لم يفضح أي رجل اعمال ما كان
يجري؟
وإذا ما لم أنجح في التصدي لانحرافات بعض المقربين وإيقاف
تدخلاتهم، علي ألا أنسى حماسة المسؤولين الفائضة، والذين يقال انهم أصدقاء
الطرابلسية، لانه كان بمقدورهم وضع ضوابط وحدود للجميع.
لقد كانت بضع
دقائق كفيلة بترتيب كل الامور ووضع حد لما جرى، مثلما وقع مع شقيقي منصف،
حين أراد الاستثمار في نقل البترول، داخل مؤسسة نقل المحروقات، ففرض عليه
الوزير الوصي عبد الرحيم زوواري، المرور عبر مناقصة وهذا إجراء لم يتم
تطبيقه أبدا من قبل.
لم يكن أمام منصف سوى تقديم ملف، مثله مثل البقية وفاز بالمناقصة فقط لأن الاقتراح المنافس،كان يفتقر الى الضمانات.
إغراءات المسؤولين
وفي
المقابل ومن دون شك، كانت عائلتي دوما موضع التماس وإغراء،لقد كانوا
يفعلون أي شيء لمشاركة أفرادها في مشاريع من أي نوع، إلى درجة أنها أصبحت
علامة وضمانا.كانوا يستجيبون لرغبات الطرابلسية، الذين لم يكونوا بحاجة إلى
أن يطلبوا، وكانوا يُسهّلون لهم امتلاك أي شيء ويذلّلون لهم العقبات ايضا.
ومن
بين المستفيدين الذين يعدون بالمئات، ومنهم الكثيرون الذين أداروا لنا
ظهورهم اليوم، نجد العديد من المحامين والقضاة، الذين كانوا يُفصّلون
القوانين على المقاس، ويؤكدون أن ذلك مسموح به، والأمور غير ذلك تماما.
لم يكن أحد من أفراد عائلتي يعمل باسم آخر، لقد كانوا هم من يطرقون أبواب البنوك والمؤسسات والبلديات وفي الغالب دون معرفة مسبقة.
وأما
أنا، فكنت منخرطة في العالم النسائي، والنساء لسن استثناء، فكلما كنت أذهب
إلى نادي أليسا، كلما طلبت مني سيدة أو سيدات خدمة أو شكلاً من أشكال
«الشكاية»، حتى، أني لم أعد في الأخير أرغب في الخروج من بيتي.
عزائي
الوحيد اليوم في هذه الفترة بالذات، هو أني تمكنت من إيقاف مكنسة من كن
يطلبن مني خدمات، بمقدوري من اليوم فصاعداً أن أتهرب من أي طلب لأني أدرك
أن المستفيدين، الذين لم يعد لهم وجود، يحبونني من أجل ما أنا عليه، وأنهم
إلى جانبي من أجل وضعي. عليّ أن أتقبل بمرارة فكرة أني أستطيع عدّهم،
اليوم، على أصابع يدي.
عائلتي كبش فداء
استُغلّت أخطاء
عائلتي التي تفاقمت على الصعيد الخارجي في سبيل تحقيق هدف واحد هو إسقاط
نظام بن علي. لقد سقطنا في الفخ، وعلينا أن نفهم أن الحملة التي استهدفت
الطرابلسية كانت جزءاً من الانقلاب الذي كان يتم التحضير له، شيئاً فشيئاً.
لقد ركّزوا على مهاجمتي، وجعلوا من عائلتي كبش فداء، وشيطاناً، عن
طريق تلك الإشاعات والأكاذيب التي كان يتم الترويج لها، وعليّ أن أعترف
أيضاً، بأننا سهّلنا مهمة أعداء بن علي وخصومه.
أصبحنا بهذا الشكل محل انتقادات، ما خدم وساعد على التمرد، وفي هذا السياق لو كنت أعرف أن بن علي سيعاني لكنت تصرفت بحزم وصرامة.
دور الغرب
كان
بعض الغربيين اليد الطولى في عملية بناء هذه «المؤامرة الإعلامية»، وأتذكر
بمرارة تعليقات أحد الدبلوماسيين الغربيين الذي دعته في إحدى المرات ابنتي
نسرين وزوجها. لقد تحول الكسكسي والسلطة بقلمه إلى وليمة، والمُقبّلات إلى
أطباق، في جهل تام لتقاليدنا، فيما كتب بأننا استقدمنا الثلج من أوروبا
وكانت نسرين قد قالت ذلك على سبيل المزاح أمام المدعويين.
سلسلة أكاذيب
وافتراءات رسم من خلالها هذا الدبلوماسي بورتريهاً لصخر الماطري، فجعل منه
طاغية يزدري بمستخدميه، وهذا يناقض تماماً طبيعة هذا الرجل الشاب المعروف
بورعه وكرهه الشديد لأي محاولة لتهميش أي موظف صغير.
أتساءل بعد كل هذا،
هل كانوا سيوبخون ويؤنبون سياسة دولة أخرى بسبب عشاء لدى رئيس دولتها،
وعلي أن أذكر هنا التقارير التي نشرت على موقع ويكيليكس وكان واضحاً بأن
هناك من يرغب في تقديمنا في صورة «المافيا»؟
لقد اكتشف مستشارو الرئيس
حين طلب منهم بن علي تحليل المعلومات التي تسربت إلى موقع ويكيليكس بأنها
معلومات موجهة وبالترتيب ضد تونس ومصر والمغرب وسوريا، هل ترون الصدفة. لست
ضليعة في السياسة، ولكني لا أعتقد أن الأمر يتعلق بصدف ولا بحراك شعبي
بسيط.
قضية الباخرة
يعرف أصحاب وملاك البواخر، منذ سنوات
عديدة، أن شبكة من المهربين امتهنت وتخصصت في سرقة اليخوت لإعادة بيعها،
وهذا في تونس وفي غيرها من الشواطئ المتوسطية. في أحد الأيام أطلع صديق
جزائري لأحد أبناء أشقائي عماد (وهو ابن شقيقي أيضاً) عن صفقة جيدة، ويتعلق
الأمر بيخت يرسو في ميناء سيدي بوسعيد ومعروض للبيع لمن يدفع أكثر.
بمجرد
أن سمع عماد بالخبر ذهب برفقة صديقه، لاكتشاف الباخرة، وبالطبع رافقه
فضوليون آخرون وأفراد يرغبون في الشراء أيضاً، حيث تُظهر إحدى الصور الحشد
الذي كان يتفقّد الباخرة، ومن بينهم عماد وزوجته.
من هنا اتُّهم عماد
بالقيام بعملية السرقة، لكن لا شيء يؤكد أن الرجل كان هناك كمدبر للسرقة أو
كمشتر. ولو كان الامر كذلك لتستّر على اليخت، ولما كان استقبله في ميناء
سيدي بوسعيد، الذي تكثر الحركة فيه.
لقد أصيبت هذه الباخرة القادمة من
كوستاريكا بعطب تقني، بين باليرمو وتونس، مما دفع طاقمها الكوستاريكي إلى
طلب المساعدة من الدولة الأقرب، التي كانت ايطاليا، لكن أفراد الطاقم نجحوا
في إصلاح العطب قبل وصول الفريق التقني الإيطالي، وبطبيعة الحال طالب
الإيطاليون بتعويض تكاليف التنقل، وقد قدروها بــ20 ألف يورو.
رفض أصحاب
الباخرة الدفع واتجهوا مباشرة صوب تونس، وكان الأنتربول قد اصدر للتو
مذكرة للبحث عنها، مما دفع السلطات التونسية إلى اعتقال البحارين
الكورسيكيين بمجرد وصولهما.
هنا بدأت المعركة في باريس، ففي ذلك المساء،
اتصل نيكولا ساركوزي ببن علي، وطلب منه كخدمة، إطلاق سراح الرجلين، وقد تم
ذلك بالفعل فورا.. لكننا صدمنا ببقية القصة، ولم نعرف أبدا لمَ تصرف
الرئيس الفرنسي على هذا النحو؟
فُتح تحقيق أولي في تونس واتُّهم عماد
بتدبير سرقة اليخت، وللأسف الشديد، أمر وزير العدل بأن لا يتابع عماد في
تونس، كما رفض التعاون مع القضاء الفرنسي، رغم وجود اتفاقيات للتعاون
القضائي بين البلدين.
أنا أشجب طريقة التعامل هذه، وزوجي لم يتدخل أبدا
لحماية ابن شقيقي على حساب القانون من أجل إغلاق الملف، ولو تمّت متابعة
القضية في تونس لاستطعنا إثبات كل شيء، مثلما فعل القاضي الفرنسي، الذي أكد
أن عماد لم تكن له أي علاقة بالمهربين، لكني أطرح السؤال التالي اليوم:كيف
كنا سنحمي أنفسنا من أولئك الذين كانوا يزعمون حمايتنا ؟ماذا نقول لهؤلاء
المسؤولين الذين اعتقدوا بأنهم لبوا رغباتنا، مما أوحى للبعض بأن الأمر
يتعلق بتعليمة أو تأثير من الرئيس؟
حقوق الإنسان والصحافيون الأجانب
أراد
بن علي أن يرد على انتقادات وسائل الاعلام الغربية، فطلب من نظيريه
الفرنسي والاميركي، واللذين كانت تجمعه بهما علاقة جيدة، طلب منهما، ما
الذي يلومه عليه الصحافيون الأجانب بالضبط.
كان بن علي يدافع عن نفسه
بالقول ان البلاد تضم ثمانية أحزاب سياسية معارضة، وأن الترخيص للمزيد من
الأحزاب السياسية، سيثقل كاهل الدولة، ذلك أنها من يمول المعارضة الشرعية،
ومن الضروري هنا أن تطلبوا من المعارضين الشيوعيين، مثل محمد حرمل ومن
التقدميين من أمثال مصطفى بن جعفر المبالغ التي كانوا يتلقونها.
على حد
علمي، دافع أصدقاؤنا الفرنسي واعترفوا بالمجهودات التي بذلتها تونس بن علي
في مجال الصحة والتعليم وحقوق المرأة، لكن كان يبدو لنا في الوقت ذاته، ان
استقلالية المنظمات غير الحكومية ليست سوى خرافة، فالعديد من هذه المنظمات،
التي تقدم نفسها كمدافعة عن حقوق الانسان، موالية للقوى الكبرى التي تعطي
لها الضوء الأخضر للتهجم على نظام سياسي معين، والأمر ذاته بالنسبة للصحف،
التي تميل في عملها الى لعب دور المحقق.
الأمر هذا، كان يدركه جيدا
فرانسوا ميتيران الذي منع بعض الصحف من دخول قصر الاليزيه، وقد قال ذات مرة
لبن علي «إن وسائل الاعلام، لا تتجنب سوى الذين تضعهم تحت أقدامها»، لكن
لم يكن الأمر كذلك مع زوجي، الذي يبدو أنه فشل في التواصل معها، وفق الطرق
العصرية التي غالبا ما تكون مضللة ويطغى عليها النفاق.
دور الصحافة
لكن
حقيقة، كان بن علي سيربح لو ترك الصحافة تعبر عن رأيها بحرية أكثر، وما
كان الأمر سيستحيل تهديداً له، فالعديد من الدول نجحت بشكل كبير في إضعاف
أعدائها بهذه الطريقة.
وعليَّ أن أذكر هنا أن تونس لم تمنع أبداً
المراسلين الأجانب من الدخول والعمل، وكانوا يتوافدون عليها بأعداد كبيرة
ومن بينهم الفرنسيون الذين كانوا يشعرون على خلاف غيرهم بأن هناك من
«يتجسس» عليهم.
هذا الانطباع، المبرر أو لا، شجعهم على نشر أخبار
مغلوطة مقارنة بالواقع المعيش في تونس. وفي الواقع كانت الوكالة التونسية
للإعلام الخارجي هي من تمدهم بملخص عن الوضع، وكانت تحدد لهم المواعيد،
وتوفر لهم رخص التصوير، ولم تكن هناك أي تعليمات تحض على مراقبتهم
باستمرار.
وحين يحدث ذلك أي يراقب الصحافيون، فإنه لا يحصل بسبب
تعليمات، لكن في الغالب من قبل أفراد شرطة تعودوا على مثل هذا السلوك
المغروس في طبيعتهم كشرطة.
كان بعض الصحافيين يستغلون مسألة المراقبة
هذه، ويجدون فيها مادة دسمة لإثارة الشبهات حول الوجود الأمني الذي يفرضه
بن علي ليضمنوا سبقاً صحفياً أو لكتابة جزء من مقال، بينما في هذا المجال
وفي مجالات أخرى، تتخذ القرارات من دون أن يكون الرئيس على علم بها.
بن علي: لست الشمس
لقد كان الرئيس يردد دوماً: «لست الشمس، ولست على دراية بكل شيء»،حيث كان يسند المسؤولية عن هذا الملف أو ذاك إلى الحكومة.
ولنأخذ
على سبيل المثال صحيفة لوموند الفرنسية التي لم تمنع في تونس من دون سبب
وجيه، لقد قدر الرئيس أن مقالاتها تفتري على البلد، وكانت تحاليلها تؤكد أن
الصحيفة تضمر السوء وتنشر أكاذيب عن رئيس الدولة. وقد طلب مسؤولو الإعلام
التونسيون أكثر من مرة، من الجريدة منحهم حق الرد، لكن هذه الأخيرة، كانت
ترفض، لذلك اقترحوا شراء مساحات لنشر الردود وتم رفض الاقتراح هذا أيضاً،
ما دفع الدولة إلى منع هذه الصحيفة من دخول تونس، وهذا القرار سيادي ومبرر
قضائياً، ومن الطبيعي ألا نواصل بيع صحيفة نشتريها بالعملة الصعبة، لكنها
تشوه سمعتنا.
لقد استغلت لوموند التي كانت تروج دوماً بأنها ضحية نظام
بن علي حادثاً منعزلاً للهجوم على تونس ويتعلق الأمر بإحدى صحافياتها وتدعى
فلورانس التي تم إبعادها إلى فرنسا بعد وصولها إلى مطار قرطاج التونسي.
أخطرت
بهذا الحادث بعد أيام، وحين استفسرت، علمت أن القرار اتخذه وزير الإعلام،
لكن الحادث الذي وصف بأنه إجراء من إجراءات القمع السياسي، ليس سوى قضية
شخصية، فالوزير المعني كانت له مشكلات مع صحافية لوموند في تونس، وكان في
تلك الفترة يدير صحيفة le temps حيث كان الصحافية نفسها تتدرب، فهل كان يجب
الخلط بين رد فعل الرجل، وإجراء سياسي تتخذه حكومة بن علي؟
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى
تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة
عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي
من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على
مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة
العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي،
إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى
بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير
مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال
والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد
عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها
تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا،
إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية
والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل
عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب،
الذي تنشر القبس ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات
أجريت معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة
التاريخية التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على
عادة كل المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل
مفاتيح الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها
عايشتها.
لم أكن أعرف شيئا عن المشاريع التي مُنحت لأفراد عائلتينا،
لقد كانوا مُتكتّمين جدا على مشاريعهم، ولم يوفروا، لا لي أنا، ولا لبن
علي أي معلومات عن حياتهم الخاصة.لا أعرف أي واحد من هذه المشاريع، ولا ما
يملكون ولا ما فعلوا بالتفصيل، قد يُفاجئ هذا الأمر الكثيرين، من دون شك،
ولكنها الحقيقة.
لست أشعر بالعار من القول مجددا ان أخطاء كارثية،
ارتكبها بعض أفراد عائلتي، وأما أنا فقد أخطأت حين لم أكن يقظة اكثر، لكن
أريد أيضا ألاّ تنسوا العديد من المستفيدين، الذين كانوا يحيطون بنا.
وإذا
ما فشلت أنا شخصيا في منع بعض التجاوزات، فلم لم يرفع أي مسؤول سياسي شكوى
ضد تلك الانحرافات؟ لمَ لمْ يحتج أي قاض؟ ولم لم يفضح أي رجل اعمال ما كان
يجري؟
وإذا ما لم أنجح في التصدي لانحرافات بعض المقربين وإيقاف
تدخلاتهم، علي ألا أنسى حماسة المسؤولين الفائضة، والذين يقال انهم أصدقاء
الطرابلسية، لانه كان بمقدورهم وضع ضوابط وحدود للجميع.
لقد كانت بضع
دقائق كفيلة بترتيب كل الامور ووضع حد لما جرى، مثلما وقع مع شقيقي منصف،
حين أراد الاستثمار في نقل البترول، داخل مؤسسة نقل المحروقات، ففرض عليه
الوزير الوصي عبد الرحيم زوواري، المرور عبر مناقصة وهذا إجراء لم يتم
تطبيقه أبدا من قبل.
لم يكن أمام منصف سوى تقديم ملف، مثله مثل البقية وفاز بالمناقصة فقط لأن الاقتراح المنافس،كان يفتقر الى الضمانات.
إغراءات المسؤولين
وفي
المقابل ومن دون شك، كانت عائلتي دوما موضع التماس وإغراء،لقد كانوا
يفعلون أي شيء لمشاركة أفرادها في مشاريع من أي نوع، إلى درجة أنها أصبحت
علامة وضمانا.كانوا يستجيبون لرغبات الطرابلسية، الذين لم يكونوا بحاجة إلى
أن يطلبوا، وكانوا يُسهّلون لهم امتلاك أي شيء ويذلّلون لهم العقبات ايضا.
ومن
بين المستفيدين الذين يعدون بالمئات، ومنهم الكثيرون الذين أداروا لنا
ظهورهم اليوم، نجد العديد من المحامين والقضاة، الذين كانوا يُفصّلون
القوانين على المقاس، ويؤكدون أن ذلك مسموح به، والأمور غير ذلك تماما.
لم يكن أحد من أفراد عائلتي يعمل باسم آخر، لقد كانوا هم من يطرقون أبواب البنوك والمؤسسات والبلديات وفي الغالب دون معرفة مسبقة.
وأما
أنا، فكنت منخرطة في العالم النسائي، والنساء لسن استثناء، فكلما كنت أذهب
إلى نادي أليسا، كلما طلبت مني سيدة أو سيدات خدمة أو شكلاً من أشكال
«الشكاية»، حتى، أني لم أعد في الأخير أرغب في الخروج من بيتي.
عزائي
الوحيد اليوم في هذه الفترة بالذات، هو أني تمكنت من إيقاف مكنسة من كن
يطلبن مني خدمات، بمقدوري من اليوم فصاعداً أن أتهرب من أي طلب لأني أدرك
أن المستفيدين، الذين لم يعد لهم وجود، يحبونني من أجل ما أنا عليه، وأنهم
إلى جانبي من أجل وضعي. عليّ أن أتقبل بمرارة فكرة أني أستطيع عدّهم،
اليوم، على أصابع يدي.
عائلتي كبش فداء
استُغلّت أخطاء
عائلتي التي تفاقمت على الصعيد الخارجي في سبيل تحقيق هدف واحد هو إسقاط
نظام بن علي. لقد سقطنا في الفخ، وعلينا أن نفهم أن الحملة التي استهدفت
الطرابلسية كانت جزءاً من الانقلاب الذي كان يتم التحضير له، شيئاً فشيئاً.
لقد ركّزوا على مهاجمتي، وجعلوا من عائلتي كبش فداء، وشيطاناً، عن
طريق تلك الإشاعات والأكاذيب التي كان يتم الترويج لها، وعليّ أن أعترف
أيضاً، بأننا سهّلنا مهمة أعداء بن علي وخصومه.
أصبحنا بهذا الشكل محل انتقادات، ما خدم وساعد على التمرد، وفي هذا السياق لو كنت أعرف أن بن علي سيعاني لكنت تصرفت بحزم وصرامة.
دور الغرب
كان
بعض الغربيين اليد الطولى في عملية بناء هذه «المؤامرة الإعلامية»، وأتذكر
بمرارة تعليقات أحد الدبلوماسيين الغربيين الذي دعته في إحدى المرات ابنتي
نسرين وزوجها. لقد تحول الكسكسي والسلطة بقلمه إلى وليمة، والمُقبّلات إلى
أطباق، في جهل تام لتقاليدنا، فيما كتب بأننا استقدمنا الثلج من أوروبا
وكانت نسرين قد قالت ذلك على سبيل المزاح أمام المدعويين.
سلسلة أكاذيب
وافتراءات رسم من خلالها هذا الدبلوماسي بورتريهاً لصخر الماطري، فجعل منه
طاغية يزدري بمستخدميه، وهذا يناقض تماماً طبيعة هذا الرجل الشاب المعروف
بورعه وكرهه الشديد لأي محاولة لتهميش أي موظف صغير.
أتساءل بعد كل هذا،
هل كانوا سيوبخون ويؤنبون سياسة دولة أخرى بسبب عشاء لدى رئيس دولتها،
وعلي أن أذكر هنا التقارير التي نشرت على موقع ويكيليكس وكان واضحاً بأن
هناك من يرغب في تقديمنا في صورة «المافيا»؟
لقد اكتشف مستشارو الرئيس
حين طلب منهم بن علي تحليل المعلومات التي تسربت إلى موقع ويكيليكس بأنها
معلومات موجهة وبالترتيب ضد تونس ومصر والمغرب وسوريا، هل ترون الصدفة. لست
ضليعة في السياسة، ولكني لا أعتقد أن الأمر يتعلق بصدف ولا بحراك شعبي
بسيط.
قضية الباخرة
يعرف أصحاب وملاك البواخر، منذ سنوات
عديدة، أن شبكة من المهربين امتهنت وتخصصت في سرقة اليخوت لإعادة بيعها،
وهذا في تونس وفي غيرها من الشواطئ المتوسطية. في أحد الأيام أطلع صديق
جزائري لأحد أبناء أشقائي عماد (وهو ابن شقيقي أيضاً) عن صفقة جيدة، ويتعلق
الأمر بيخت يرسو في ميناء سيدي بوسعيد ومعروض للبيع لمن يدفع أكثر.
بمجرد
أن سمع عماد بالخبر ذهب برفقة صديقه، لاكتشاف الباخرة، وبالطبع رافقه
فضوليون آخرون وأفراد يرغبون في الشراء أيضاً، حيث تُظهر إحدى الصور الحشد
الذي كان يتفقّد الباخرة، ومن بينهم عماد وزوجته.
من هنا اتُّهم عماد
بالقيام بعملية السرقة، لكن لا شيء يؤكد أن الرجل كان هناك كمدبر للسرقة أو
كمشتر. ولو كان الامر كذلك لتستّر على اليخت، ولما كان استقبله في ميناء
سيدي بوسعيد، الذي تكثر الحركة فيه.
لقد أصيبت هذه الباخرة القادمة من
كوستاريكا بعطب تقني، بين باليرمو وتونس، مما دفع طاقمها الكوستاريكي إلى
طلب المساعدة من الدولة الأقرب، التي كانت ايطاليا، لكن أفراد الطاقم نجحوا
في إصلاح العطب قبل وصول الفريق التقني الإيطالي، وبطبيعة الحال طالب
الإيطاليون بتعويض تكاليف التنقل، وقد قدروها بــ20 ألف يورو.
رفض أصحاب
الباخرة الدفع واتجهوا مباشرة صوب تونس، وكان الأنتربول قد اصدر للتو
مذكرة للبحث عنها، مما دفع السلطات التونسية إلى اعتقال البحارين
الكورسيكيين بمجرد وصولهما.
هنا بدأت المعركة في باريس، ففي ذلك المساء،
اتصل نيكولا ساركوزي ببن علي، وطلب منه كخدمة، إطلاق سراح الرجلين، وقد تم
ذلك بالفعل فورا.. لكننا صدمنا ببقية القصة، ولم نعرف أبدا لمَ تصرف
الرئيس الفرنسي على هذا النحو؟
فُتح تحقيق أولي في تونس واتُّهم عماد
بتدبير سرقة اليخت، وللأسف الشديد، أمر وزير العدل بأن لا يتابع عماد في
تونس، كما رفض التعاون مع القضاء الفرنسي، رغم وجود اتفاقيات للتعاون
القضائي بين البلدين.
أنا أشجب طريقة التعامل هذه، وزوجي لم يتدخل أبدا
لحماية ابن شقيقي على حساب القانون من أجل إغلاق الملف، ولو تمّت متابعة
القضية في تونس لاستطعنا إثبات كل شيء، مثلما فعل القاضي الفرنسي، الذي أكد
أن عماد لم تكن له أي علاقة بالمهربين، لكني أطرح السؤال التالي اليوم:كيف
كنا سنحمي أنفسنا من أولئك الذين كانوا يزعمون حمايتنا ؟ماذا نقول لهؤلاء
المسؤولين الذين اعتقدوا بأنهم لبوا رغباتنا، مما أوحى للبعض بأن الأمر
يتعلق بتعليمة أو تأثير من الرئيس؟
حقوق الإنسان والصحافيون الأجانب
أراد
بن علي أن يرد على انتقادات وسائل الاعلام الغربية، فطلب من نظيريه
الفرنسي والاميركي، واللذين كانت تجمعه بهما علاقة جيدة، طلب منهما، ما
الذي يلومه عليه الصحافيون الأجانب بالضبط.
كان بن علي يدافع عن نفسه
بالقول ان البلاد تضم ثمانية أحزاب سياسية معارضة، وأن الترخيص للمزيد من
الأحزاب السياسية، سيثقل كاهل الدولة، ذلك أنها من يمول المعارضة الشرعية،
ومن الضروري هنا أن تطلبوا من المعارضين الشيوعيين، مثل محمد حرمل ومن
التقدميين من أمثال مصطفى بن جعفر المبالغ التي كانوا يتلقونها.
على حد
علمي، دافع أصدقاؤنا الفرنسي واعترفوا بالمجهودات التي بذلتها تونس بن علي
في مجال الصحة والتعليم وحقوق المرأة، لكن كان يبدو لنا في الوقت ذاته، ان
استقلالية المنظمات غير الحكومية ليست سوى خرافة، فالعديد من هذه المنظمات،
التي تقدم نفسها كمدافعة عن حقوق الانسان، موالية للقوى الكبرى التي تعطي
لها الضوء الأخضر للتهجم على نظام سياسي معين، والأمر ذاته بالنسبة للصحف،
التي تميل في عملها الى لعب دور المحقق.
الأمر هذا، كان يدركه جيدا
فرانسوا ميتيران الذي منع بعض الصحف من دخول قصر الاليزيه، وقد قال ذات مرة
لبن علي «إن وسائل الاعلام، لا تتجنب سوى الذين تضعهم تحت أقدامها»، لكن
لم يكن الأمر كذلك مع زوجي، الذي يبدو أنه فشل في التواصل معها، وفق الطرق
العصرية التي غالبا ما تكون مضللة ويطغى عليها النفاق.
دور الصحافة
لكن
حقيقة، كان بن علي سيربح لو ترك الصحافة تعبر عن رأيها بحرية أكثر، وما
كان الأمر سيستحيل تهديداً له، فالعديد من الدول نجحت بشكل كبير في إضعاف
أعدائها بهذه الطريقة.
وعليَّ أن أذكر هنا أن تونس لم تمنع أبداً
المراسلين الأجانب من الدخول والعمل، وكانوا يتوافدون عليها بأعداد كبيرة
ومن بينهم الفرنسيون الذين كانوا يشعرون على خلاف غيرهم بأن هناك من
«يتجسس» عليهم.
هذا الانطباع، المبرر أو لا، شجعهم على نشر أخبار
مغلوطة مقارنة بالواقع المعيش في تونس. وفي الواقع كانت الوكالة التونسية
للإعلام الخارجي هي من تمدهم بملخص عن الوضع، وكانت تحدد لهم المواعيد،
وتوفر لهم رخص التصوير، ولم تكن هناك أي تعليمات تحض على مراقبتهم
باستمرار.
وحين يحدث ذلك أي يراقب الصحافيون، فإنه لا يحصل بسبب
تعليمات، لكن في الغالب من قبل أفراد شرطة تعودوا على مثل هذا السلوك
المغروس في طبيعتهم كشرطة.
كان بعض الصحافيين يستغلون مسألة المراقبة
هذه، ويجدون فيها مادة دسمة لإثارة الشبهات حول الوجود الأمني الذي يفرضه
بن علي ليضمنوا سبقاً صحفياً أو لكتابة جزء من مقال، بينما في هذا المجال
وفي مجالات أخرى، تتخذ القرارات من دون أن يكون الرئيس على علم بها.
بن علي: لست الشمس
لقد كان الرئيس يردد دوماً: «لست الشمس، ولست على دراية بكل شيء»،حيث كان يسند المسؤولية عن هذا الملف أو ذاك إلى الحكومة.
ولنأخذ
على سبيل المثال صحيفة لوموند الفرنسية التي لم تمنع في تونس من دون سبب
وجيه، لقد قدر الرئيس أن مقالاتها تفتري على البلد، وكانت تحاليلها تؤكد أن
الصحيفة تضمر السوء وتنشر أكاذيب عن رئيس الدولة. وقد طلب مسؤولو الإعلام
التونسيون أكثر من مرة، من الجريدة منحهم حق الرد، لكن هذه الأخيرة، كانت
ترفض، لذلك اقترحوا شراء مساحات لنشر الردود وتم رفض الاقتراح هذا أيضاً،
ما دفع الدولة إلى منع هذه الصحيفة من دخول تونس، وهذا القرار سيادي ومبرر
قضائياً، ومن الطبيعي ألا نواصل بيع صحيفة نشتريها بالعملة الصعبة، لكنها
تشوه سمعتنا.
لقد استغلت لوموند التي كانت تروج دوماً بأنها ضحية نظام
بن علي حادثاً منعزلاً للهجوم على تونس ويتعلق الأمر بإحدى صحافياتها وتدعى
فلورانس التي تم إبعادها إلى فرنسا بعد وصولها إلى مطار قرطاج التونسي.
أخطرت
بهذا الحادث بعد أيام، وحين استفسرت، علمت أن القرار اتخذه وزير الإعلام،
لكن الحادث الذي وصف بأنه إجراء من إجراءات القمع السياسي، ليس سوى قضية
شخصية، فالوزير المعني كانت له مشكلات مع صحافية لوموند في تونس، وكان في
تلك الفترة يدير صحيفة le temps حيث كان الصحافية نفسها تتدرب، فهل كان يجب
الخلط بين رد فعل الرجل، وإجراء سياسي تتخذه حكومة بن علي؟
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
14 - بورقيبة كان يردد دوماً: أريد رأس الغنوشي على طبق
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي،
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى
تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة
عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي
من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على
مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة
العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي،
إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى
بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير
مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال
والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد
عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها
تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا،
إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية
والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل
عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب،
الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت
معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية
التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل
المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح
الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
لو
أردنا وضع قائمة لأولئك الذين يصولون ويجولون اليوم، ويقولون إنهم أبطال
الثورة، وكانوا بالأمس من مرتادي قاعة الانتظار في قصر قرطاج، لحصلنا على
سجل كامل. خذوا مثال عبدالسلام جراد، الذي كان آنذاك رئيس الاتحاد العام
للعمال التونسيين، لقد ظهر كنجم حقيقي غداة الرابع عشر من يناير، بينما كان
قد خرج من مكتب بن علي قبل يومين، بعد أن أثنى عليه وأمطره بوابل من
الإطراء على شاكلة «نحن نحبك سيدي الرئيس، والدم الذي يجري في عروقنا هو
الدم ذاته الذي يجري في عروقك».
هل عليَّ أن أذكر، أيضاً، نقيب القضاة
الذي منحته الحكومة الجديدة منصب سكرتير دولة، لكنه كان من بين الأوائل
الذين اتصلوا ببن علي لتهنئته بعد خطاب الثالث عشر من يناير؟ وهل عليَّ أن
أعود إلى هؤلاء الدبلوماسيين مثل السيد أوسلاتي السفير السابق لدى بولندا،
الذي يقدم نفسه اليوم في صورة الفارس الأبيض، بينما كان قد بنى ثروة بفضل
الراتب الخيالي الذي كان يتقاضاه، واستولى على الثريات من السفارة والسجاد
وأطقم الطاولة، وحين خلفه بن علي في هذا المنصب، اضطر هذا الأخير إلى طلب
260 مليون دينار من الوزارة الوصية لتعويض السرقات والخسائر؟
هل يجب
عليَّ أن أندد بالمنتج السينمائي طارق بن عمار الذي لم يتردد في الاستفادة
من سخاء النظام ومن بن علي الذي كان يدخل إلى مكتبه مباشرة، ليعزز
استثماراته ذات اليمين وذات الشمال، لكنه وعشية رحيلنا، وما أن شعر بأن
اتجاه الرياح قد تغير، حتى نظَّم نقاشاً تلفزيونياً حول تظاهرات سيدي بوزيد
في قناة خاصة، يعد هو أحد مسؤوليها؟ أو عبد العزيز بلخوجة، الذي كان يمضي
كل وقته ملتصقاً بأشقائي، بحثاً عن طريقة ما لإتمام صفقة أو أخرى، لكنه وجه
للنظام يوم الرابع عشر من يناير كمَّاً هائلاً من الشتائم؟ وماذا أقول عن
بعض المحامين، الذين كانوا بالأمس مقربين من بن علي، لكنهم يفبركون لنا
اليوم قضايا؟
قضايا مفبركة
حتى جهاز الشرطة لم يتوقف عن
إبراز ملفات مفبركة عنا، ومن يعرف أفضل من بن علي تجاوزات زملائه السابقين
في الداخلية؟ خصوصاً أولئك المختصين في فبركة الأدلة وأبطال إخراج القصص
والقضايا، مثل تلك الحلقة التي تم تصويرها غداة رحيلنا، حيث ظهر فيها أعضاء
لجنة مكافحة الفساد وهم يتظاهرون بتشكيل الرقم السري لخزنة بيتنا في ساحة
سيدي بوسعيد بفضل جهاز الريموت كنترول، فيما كان أحد الأعضاء يأمر زميله
بالضغط.
في الواقع كانت الخزنة قد فتحت بالقوة من قبل، ولم يكن في
الإمكان فتحها عن طريق جهاز الريموت كنترول، لأني كنت الشخص الوحيد الذي
يعرف مكانه.
والآن أتساءل عن مصير مجوهراتي التي عرضت على شاشة التلفزيون، والتي ستشكل دليل إدانة للمحاكم التي ستعالج الملف.
والأمر
نفسه بالنسبة لعلماء الآثار المزيفين، الذين جابوا بيتنا وهم يذرفون دموع
التماسيح على السرقات التي زعموا أن عائلتنا ارتكبتها. إنهم هم أنفسهم،
الذين كانوا يزوروننا بانتظام لتقدير قيمة القطع القديمة، التي كانت تُزيّن
قصر قرطاج، أو تلك التي نعيد بيعها للدولة. وقد اتهموا زوج ابنتي صخر
الماطري بتأثيث بيته بتحف فنية، بينما كانت هذه القطع موجودة، حين اشترى
البيت من مواطنة فرنسية.
قتلى عائلتي لقد فعلوا الكثير، ومن بين ما
نشروه، تلك القائمة التي قالوا إنها تتضمن موقوفين أو متهمين في حالة فرار
من عائلتي الطرابلسي وبن علي، وتبيّن في ما بعد أنها تتضمن قائمة الموتى من
أمثال أخي عادل وأختي منيرة وأخوي غير الشقيقين عبدالرزاق وعبدالكريم
وشقيقة بن علي حورية.
لكن من تحدث عن هذه التجاوزات وعن الحقيقة، وعن
حقوق عائلة الطرابلسي في ذلك الوقت، الذي كانوا يتحدثون خلاله عن حقوق
الإنسان، حيث كان العالم كله يصفق لنموذج الثورة التونسية الديموقراطية
والعادلة؟ من يتجرأ على التأسف على موتى عائلتي الطرابلسي وبن علي؟ كيف
نروي ما وقع حقيقة لتوضيح الأمر للتونسيين، ليس فقط ما تعلق بالمؤامرة التي
حيكت ضد الرئيس ولكن، أيضاً، الظلم والجور اللذين طالا عائلتينا؟
بالفعل،
فكرنا في إخطار المنظمات الدولية غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان
أو من يزعمون ذلك، ولقد راسلنا منظمة أمنستي إنترناشيونال والفدرالية
الدولية لرابطات حقوق الإنسان وهيومان رايتس ووتش والسفراء الغربيين
المعتمدين في تونس والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن طريق محامينا. لقد
بعثنا لهم بقائمة المساجين ووصفنا لهم سوء المعاملة، لكن لا أحد منهم رفع
أصبعه، أطبق الصمت، مات الملك، عاش الملك.
تجاهل نشطاء حقوق الإنسان
وأما
التونسيون الذين انتحلوا صفة أبطال حقوق الإنسان بعد الثورة، والذين
استفادوا من الحماية في لندن ومدريد وباريس، فلن نسمعهم أبداً يدافعون عنا.
فلا أحد من أمثال سهام بن سدرين وراضية نصراوي وسهير بلحسن، بدر عنه
احتجاج على القمع الذي تعرض له أفراد عائلتينا، ولا القضايا المفبركة التي
لفقت لهم، إنهم يعتبروننا أعداء دوماً.
ولن أتحدث عن أولئك الذين أخذوا
زمام الأمور في البلاد، ويزعمون هم، أيضاً، أنهم في صف الصالحين. هل ترون
الرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي الذين كان يدافع عن تجاوزات حقوق
الإنسان بحق معارضي بن علي، وهو الادعاء الذي بنى عليه مشواره النضالي كله،
وحصل بفضله على بطاقة إقامة في فرنسا، هذا الرئيس لم يطرح أي تساؤل بشأن
الظلم الممارس ضد أفراد عائلتي الطرابلسي وبن علي.
لم يُحكم أبداً على
المنصف المرزوقي بالإعدام في عهد بن علي، عكس ما يزعم اليوم، إنه الرئيس
بورقيبة الذي سجنه في ربطة، ولم يتمكن من المغادرة إلى فرنسا إلا بعد أن
أطلق سراحه بعد وصول بن علي إلى السلطة في السابع من نوفمبر، ولقد استقبله
زوجي في القصر في بداية عام 2010.
في ذلك الوقت، لم يظهر المرزوقي أي
عداء للنظام، ولم يكن أبداً مهدداً بالمثول أمام أي محكمة، وقد غادر إلى
فرنسا برضاه التام، وكان في إمكانه العودة متى شاء، إلا أنه كان يقول إنه
لا يستطيع العودة إلى تونس لأنه لا يثق في بن علي.
بن علي والغنوشي
والأمر
نفسه بالنسبة لراشد الغنوشي، ففي سنة 1986، أراد بورقيبة الذي حولته
الشيخوخة إلى دكتاتور، التخلص من زعيم الحركة الإسلامية، وكان يحاول يومياً
فرض قرار قتله، وكان يكرر دوماً «أريد أن تحملوا لي رأسه على صحن».
في
عام 1987، لم يكن يمر يوم، إلا ويطلب فيه بورقيبة قتل الغنوشي. كان يستدعي
الوزير الأول، ولم يكن سوى بن علي للتحقق من أن أمره قد نفذ، وكان بن علي
يعرف أن بورقيبة يود استغلاله ضد الأصوليين، لذلك كان يلجأ إلى استراتيجيات
عدة لمعارضة الفكرة، وكان يقترح على الرئيس أن يتحدث في الأمر مع وزير
العدل.
حاول بن علي عبثاً ثني الرئيس، لكن بورقيبة كان مصراً على رأس
الغنوشي ويكرر ذلك، فيما كان بن علي يرد بالقول «حاضر سيدي، سأحضره لك».
أمر بورقيبة يوم الخميس الخامس من نوفمبر بإعدام خصمه الإسلامي، وكان ذلك يومين فقط قبل الانقلاب عليه.
كان
قد خُطّط للانقلاب على بورقيبة قبل فترة، ليكون في منتصف نوفمبر، لكن بن
علي قدم التاريخ إلى السابع من نوفمبر، حتى يتجنب إعدام الغنوشي، وبتعبير
آخر رئيس الحركة الإسلامية الحالي هو من كان وراء التعجيل بالانقلاب، وبن
علي هو من أنقذ حياته.
بن علي أصدر حكم إعدام واحد وفي المقابل، علينا
أن نذكر أن حكما واحدا بالإعدام صدر خلال الثلاث والعشرين سنة التي حكم
فيها بن علي تونس، ويتعلق الأمر برجل اغتصب وقتل 14 طفلا في ثمانينات القرن
الماضي، وقد خرج آنذاك سكان مدينة نابل، حيث وقعت الجريمة، إلى الشارع
للمطالبة برأسه. وكان بن علي يمنع دوما وزراء العدل من المجيء إليه لطلب
توقيع مراسيم الحكم بالإعدام، والنتيجة هي أن أقصى عقوبة كانت تُنفذ، هي
الحبس المؤبد التي غالبا ما كانت تنتهي بعد مرور 20 عاما. كما أنه لم تصدر
أي أحكام بالإعدام في حق أي معارض ولم يتم إعدام أي عسكري.
ضحايا بن علي
لم
يكن من يرأسون الأحزاب السياسية، مثل مصطفى بن جعفر، الذي يرأس المجلس
الدستوري، يترددون في مجاملة الرئيس حول مسار الدولة والترويج لتقدم تونس
مقارنة بالدول العربية. لقد كان بن علي يستقبلهم باستمرار في قصر قرطاج،
وأما شغلهم الشاغل فكان الوضع المالي، لذلك كانوا يطلبون إعانات مالية
لأحزابهم. ويبقى أن أقول ان المعارض الأكثر حدة وضراوة، كان نجيب شبي، فهذا
الرجل وإن كانت تجمعه علاقة محترمة مع الرئيس، فإنه تابع على الرغم من ذلك
نشر صحيفته «الموقف»، التي كان يعبر فيها عن رأيه، ويمارس من خلالها حريته
في الانتقاد، لدرجة فاجأت الأوروبيين أنفسهم، مثل ذلك الوزير الفرنسي الذي
كان ضمن وفد الرئيس نيكولا ساركوزي خلال زيارته لتونس، حين قال «أنا اعرف
دولا غربية، لا تسمح بمثل هذه الحرية».
في الواقع، تطول قائمة أولئك
الذين يزعمون بأنهم ضحايا بن علي كل يوم، إنهم يرغبون في أن يكونوا على
القائمة لاستعادة عذريتهم، أو للحصول على حقيبة وزارية أو بناء شرعية ما،
لقد أصبح التواجد ضمن هذه القائمة، مفتاح النجاح في تونس الحالية، فمهما
كان مستواك أو قدراتك الفكرية أو معارفك المهنية، ما عليك سوى أن تزعم بأنك
سجنت أو تظاهرت ضد نظام السابع من نوفمبر، أو أن أحد أبناء عمومة بن علي
اعتدى عليك، أو أن أحد أشقاء الطرابلسي صفعك، حتى تحصل على حقيبة وزارية أو
كتابة دولة أو تتبوأ منصبا إداريا كبيرا.
بن علي ترك الخزينة مملوءة
وأما
الوزير الأول السابق في الحكومة المؤقتة الباجي قايد السبسي، فلم يشعر
بالخوف من أن يثير السخرية، حين قال وهو يستعرض حصيلة التسعة أشهر التي تلت
سقوط نظام بن علي بأنه ألقى في السجن وزراء النظام السابق، الذي يعد هو
واحدا منهم.
أعتقد أن حصيلته الوحيدة هي أمة في حالة لااستقرار، ولا امن، أمة تعاني من البطالة والفقر وغلاء المعيشة.
عشية الرحيل القسري لبن علي، كانت هناك احتياطيات من العملة الصعبة لستة اشهر، وقد تم استنفادها، لتغرق تونس في الديون.
لقد
أعلن زوجي خلال خطابه الأخير في الثالث عشر من يناير 2011 عن برنامج يتكون
من 21 نقطة، بأرقامها ومصادر تمويلها إلى غاية 2012، حيث التزم خلاله،
بإنشاء 350 ألف منصب عمل، وتمكين العاطلين عن العمل من منح، إلى غاية
الحصول على عمل وتطوير القطاع الزراعي وتشييد الطرق السيارة، وبسبب نقص في
الأفكار الجديدة، أعادت الحكومة الحالية الخطوط العريضة لبرنامج بن علي،
لكن وفي غياب سياسات حقيقية واضحة وتكنوقراط حقيقيين، تجد تونس نفسها في
مواجهة مشاكل كبيرة جدا.
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى
تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة
عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي
من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على
مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة
العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي،
إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى
بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير
مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال
والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد
عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها
تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا،
إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية
والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل
عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب،
الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت
معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية
التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل
المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح
الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
لو
أردنا وضع قائمة لأولئك الذين يصولون ويجولون اليوم، ويقولون إنهم أبطال
الثورة، وكانوا بالأمس من مرتادي قاعة الانتظار في قصر قرطاج، لحصلنا على
سجل كامل. خذوا مثال عبدالسلام جراد، الذي كان آنذاك رئيس الاتحاد العام
للعمال التونسيين، لقد ظهر كنجم حقيقي غداة الرابع عشر من يناير، بينما كان
قد خرج من مكتب بن علي قبل يومين، بعد أن أثنى عليه وأمطره بوابل من
الإطراء على شاكلة «نحن نحبك سيدي الرئيس، والدم الذي يجري في عروقنا هو
الدم ذاته الذي يجري في عروقك».
هل عليَّ أن أذكر، أيضاً، نقيب القضاة
الذي منحته الحكومة الجديدة منصب سكرتير دولة، لكنه كان من بين الأوائل
الذين اتصلوا ببن علي لتهنئته بعد خطاب الثالث عشر من يناير؟ وهل عليَّ أن
أعود إلى هؤلاء الدبلوماسيين مثل السيد أوسلاتي السفير السابق لدى بولندا،
الذي يقدم نفسه اليوم في صورة الفارس الأبيض، بينما كان قد بنى ثروة بفضل
الراتب الخيالي الذي كان يتقاضاه، واستولى على الثريات من السفارة والسجاد
وأطقم الطاولة، وحين خلفه بن علي في هذا المنصب، اضطر هذا الأخير إلى طلب
260 مليون دينار من الوزارة الوصية لتعويض السرقات والخسائر؟
هل يجب
عليَّ أن أندد بالمنتج السينمائي طارق بن عمار الذي لم يتردد في الاستفادة
من سخاء النظام ومن بن علي الذي كان يدخل إلى مكتبه مباشرة، ليعزز
استثماراته ذات اليمين وذات الشمال، لكنه وعشية رحيلنا، وما أن شعر بأن
اتجاه الرياح قد تغير، حتى نظَّم نقاشاً تلفزيونياً حول تظاهرات سيدي بوزيد
في قناة خاصة، يعد هو أحد مسؤوليها؟ أو عبد العزيز بلخوجة، الذي كان يمضي
كل وقته ملتصقاً بأشقائي، بحثاً عن طريقة ما لإتمام صفقة أو أخرى، لكنه وجه
للنظام يوم الرابع عشر من يناير كمَّاً هائلاً من الشتائم؟ وماذا أقول عن
بعض المحامين، الذين كانوا بالأمس مقربين من بن علي، لكنهم يفبركون لنا
اليوم قضايا؟
قضايا مفبركة
حتى جهاز الشرطة لم يتوقف عن
إبراز ملفات مفبركة عنا، ومن يعرف أفضل من بن علي تجاوزات زملائه السابقين
في الداخلية؟ خصوصاً أولئك المختصين في فبركة الأدلة وأبطال إخراج القصص
والقضايا، مثل تلك الحلقة التي تم تصويرها غداة رحيلنا، حيث ظهر فيها أعضاء
لجنة مكافحة الفساد وهم يتظاهرون بتشكيل الرقم السري لخزنة بيتنا في ساحة
سيدي بوسعيد بفضل جهاز الريموت كنترول، فيما كان أحد الأعضاء يأمر زميله
بالضغط.
في الواقع كانت الخزنة قد فتحت بالقوة من قبل، ولم يكن في
الإمكان فتحها عن طريق جهاز الريموت كنترول، لأني كنت الشخص الوحيد الذي
يعرف مكانه.
والآن أتساءل عن مصير مجوهراتي التي عرضت على شاشة التلفزيون، والتي ستشكل دليل إدانة للمحاكم التي ستعالج الملف.
والأمر
نفسه بالنسبة لعلماء الآثار المزيفين، الذين جابوا بيتنا وهم يذرفون دموع
التماسيح على السرقات التي زعموا أن عائلتنا ارتكبتها. إنهم هم أنفسهم،
الذين كانوا يزوروننا بانتظام لتقدير قيمة القطع القديمة، التي كانت تُزيّن
قصر قرطاج، أو تلك التي نعيد بيعها للدولة. وقد اتهموا زوج ابنتي صخر
الماطري بتأثيث بيته بتحف فنية، بينما كانت هذه القطع موجودة، حين اشترى
البيت من مواطنة فرنسية.
قتلى عائلتي لقد فعلوا الكثير، ومن بين ما
نشروه، تلك القائمة التي قالوا إنها تتضمن موقوفين أو متهمين في حالة فرار
من عائلتي الطرابلسي وبن علي، وتبيّن في ما بعد أنها تتضمن قائمة الموتى من
أمثال أخي عادل وأختي منيرة وأخوي غير الشقيقين عبدالرزاق وعبدالكريم
وشقيقة بن علي حورية.
لكن من تحدث عن هذه التجاوزات وعن الحقيقة، وعن
حقوق عائلة الطرابلسي في ذلك الوقت، الذي كانوا يتحدثون خلاله عن حقوق
الإنسان، حيث كان العالم كله يصفق لنموذج الثورة التونسية الديموقراطية
والعادلة؟ من يتجرأ على التأسف على موتى عائلتي الطرابلسي وبن علي؟ كيف
نروي ما وقع حقيقة لتوضيح الأمر للتونسيين، ليس فقط ما تعلق بالمؤامرة التي
حيكت ضد الرئيس ولكن، أيضاً، الظلم والجور اللذين طالا عائلتينا؟
بالفعل،
فكرنا في إخطار المنظمات الدولية غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان
أو من يزعمون ذلك، ولقد راسلنا منظمة أمنستي إنترناشيونال والفدرالية
الدولية لرابطات حقوق الإنسان وهيومان رايتس ووتش والسفراء الغربيين
المعتمدين في تونس والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن طريق محامينا. لقد
بعثنا لهم بقائمة المساجين ووصفنا لهم سوء المعاملة، لكن لا أحد منهم رفع
أصبعه، أطبق الصمت، مات الملك، عاش الملك.
تجاهل نشطاء حقوق الإنسان
وأما
التونسيون الذين انتحلوا صفة أبطال حقوق الإنسان بعد الثورة، والذين
استفادوا من الحماية في لندن ومدريد وباريس، فلن نسمعهم أبداً يدافعون عنا.
فلا أحد من أمثال سهام بن سدرين وراضية نصراوي وسهير بلحسن، بدر عنه
احتجاج على القمع الذي تعرض له أفراد عائلتينا، ولا القضايا المفبركة التي
لفقت لهم، إنهم يعتبروننا أعداء دوماً.
ولن أتحدث عن أولئك الذين أخذوا
زمام الأمور في البلاد، ويزعمون هم، أيضاً، أنهم في صف الصالحين. هل ترون
الرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي الذين كان يدافع عن تجاوزات حقوق
الإنسان بحق معارضي بن علي، وهو الادعاء الذي بنى عليه مشواره النضالي كله،
وحصل بفضله على بطاقة إقامة في فرنسا، هذا الرئيس لم يطرح أي تساؤل بشأن
الظلم الممارس ضد أفراد عائلتي الطرابلسي وبن علي.
لم يُحكم أبداً على
المنصف المرزوقي بالإعدام في عهد بن علي، عكس ما يزعم اليوم، إنه الرئيس
بورقيبة الذي سجنه في ربطة، ولم يتمكن من المغادرة إلى فرنسا إلا بعد أن
أطلق سراحه بعد وصول بن علي إلى السلطة في السابع من نوفمبر، ولقد استقبله
زوجي في القصر في بداية عام 2010.
في ذلك الوقت، لم يظهر المرزوقي أي
عداء للنظام، ولم يكن أبداً مهدداً بالمثول أمام أي محكمة، وقد غادر إلى
فرنسا برضاه التام، وكان في إمكانه العودة متى شاء، إلا أنه كان يقول إنه
لا يستطيع العودة إلى تونس لأنه لا يثق في بن علي.
بن علي والغنوشي
والأمر
نفسه بالنسبة لراشد الغنوشي، ففي سنة 1986، أراد بورقيبة الذي حولته
الشيخوخة إلى دكتاتور، التخلص من زعيم الحركة الإسلامية، وكان يحاول يومياً
فرض قرار قتله، وكان يكرر دوماً «أريد أن تحملوا لي رأسه على صحن».
في
عام 1987، لم يكن يمر يوم، إلا ويطلب فيه بورقيبة قتل الغنوشي. كان يستدعي
الوزير الأول، ولم يكن سوى بن علي للتحقق من أن أمره قد نفذ، وكان بن علي
يعرف أن بورقيبة يود استغلاله ضد الأصوليين، لذلك كان يلجأ إلى استراتيجيات
عدة لمعارضة الفكرة، وكان يقترح على الرئيس أن يتحدث في الأمر مع وزير
العدل.
حاول بن علي عبثاً ثني الرئيس، لكن بورقيبة كان مصراً على رأس
الغنوشي ويكرر ذلك، فيما كان بن علي يرد بالقول «حاضر سيدي، سأحضره لك».
أمر بورقيبة يوم الخميس الخامس من نوفمبر بإعدام خصمه الإسلامي، وكان ذلك يومين فقط قبل الانقلاب عليه.
كان
قد خُطّط للانقلاب على بورقيبة قبل فترة، ليكون في منتصف نوفمبر، لكن بن
علي قدم التاريخ إلى السابع من نوفمبر، حتى يتجنب إعدام الغنوشي، وبتعبير
آخر رئيس الحركة الإسلامية الحالي هو من كان وراء التعجيل بالانقلاب، وبن
علي هو من أنقذ حياته.
بن علي أصدر حكم إعدام واحد وفي المقابل، علينا
أن نذكر أن حكما واحدا بالإعدام صدر خلال الثلاث والعشرين سنة التي حكم
فيها بن علي تونس، ويتعلق الأمر برجل اغتصب وقتل 14 طفلا في ثمانينات القرن
الماضي، وقد خرج آنذاك سكان مدينة نابل، حيث وقعت الجريمة، إلى الشارع
للمطالبة برأسه. وكان بن علي يمنع دوما وزراء العدل من المجيء إليه لطلب
توقيع مراسيم الحكم بالإعدام، والنتيجة هي أن أقصى عقوبة كانت تُنفذ، هي
الحبس المؤبد التي غالبا ما كانت تنتهي بعد مرور 20 عاما. كما أنه لم تصدر
أي أحكام بالإعدام في حق أي معارض ولم يتم إعدام أي عسكري.
ضحايا بن علي
لم
يكن من يرأسون الأحزاب السياسية، مثل مصطفى بن جعفر، الذي يرأس المجلس
الدستوري، يترددون في مجاملة الرئيس حول مسار الدولة والترويج لتقدم تونس
مقارنة بالدول العربية. لقد كان بن علي يستقبلهم باستمرار في قصر قرطاج،
وأما شغلهم الشاغل فكان الوضع المالي، لذلك كانوا يطلبون إعانات مالية
لأحزابهم. ويبقى أن أقول ان المعارض الأكثر حدة وضراوة، كان نجيب شبي، فهذا
الرجل وإن كانت تجمعه علاقة محترمة مع الرئيس، فإنه تابع على الرغم من ذلك
نشر صحيفته «الموقف»، التي كان يعبر فيها عن رأيه، ويمارس من خلالها حريته
في الانتقاد، لدرجة فاجأت الأوروبيين أنفسهم، مثل ذلك الوزير الفرنسي الذي
كان ضمن وفد الرئيس نيكولا ساركوزي خلال زيارته لتونس، حين قال «أنا اعرف
دولا غربية، لا تسمح بمثل هذه الحرية».
في الواقع، تطول قائمة أولئك
الذين يزعمون بأنهم ضحايا بن علي كل يوم، إنهم يرغبون في أن يكونوا على
القائمة لاستعادة عذريتهم، أو للحصول على حقيبة وزارية أو بناء شرعية ما،
لقد أصبح التواجد ضمن هذه القائمة، مفتاح النجاح في تونس الحالية، فمهما
كان مستواك أو قدراتك الفكرية أو معارفك المهنية، ما عليك سوى أن تزعم بأنك
سجنت أو تظاهرت ضد نظام السابع من نوفمبر، أو أن أحد أبناء عمومة بن علي
اعتدى عليك، أو أن أحد أشقاء الطرابلسي صفعك، حتى تحصل على حقيبة وزارية أو
كتابة دولة أو تتبوأ منصبا إداريا كبيرا.
بن علي ترك الخزينة مملوءة
وأما
الوزير الأول السابق في الحكومة المؤقتة الباجي قايد السبسي، فلم يشعر
بالخوف من أن يثير السخرية، حين قال وهو يستعرض حصيلة التسعة أشهر التي تلت
سقوط نظام بن علي بأنه ألقى في السجن وزراء النظام السابق، الذي يعد هو
واحدا منهم.
أعتقد أن حصيلته الوحيدة هي أمة في حالة لااستقرار، ولا امن، أمة تعاني من البطالة والفقر وغلاء المعيشة.
عشية الرحيل القسري لبن علي، كانت هناك احتياطيات من العملة الصعبة لستة اشهر، وقد تم استنفادها، لتغرق تونس في الديون.
لقد
أعلن زوجي خلال خطابه الأخير في الثالث عشر من يناير 2011 عن برنامج يتكون
من 21 نقطة، بأرقامها ومصادر تمويلها إلى غاية 2012، حيث التزم خلاله،
بإنشاء 350 ألف منصب عمل، وتمكين العاطلين عن العمل من منح، إلى غاية
الحصول على عمل وتطوير القطاع الزراعي وتشييد الطرق السيارة، وبسبب نقص في
الأفكار الجديدة، أعادت الحكومة الحالية الخطوط العريضة لبرنامج بن علي،
لكن وفي غياب سياسات حقيقية واضحة وتكنوقراط حقيقيين، تجد تونس نفسها في
مواجهة مشاكل كبيرة جدا.
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
15 - لم أحب يوماً جسدي
للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي،
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى
تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة
عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي
من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على
مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة
العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي،
إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى
بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير
مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال
والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد
عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها
تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا،
إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية
والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل
عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب،
الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت
معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية
التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل
المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح
الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
في
الواقع أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان هو الظلم والإذلال، بالإضافة إلى
المعاناة النفسية وفقدان الأقارب. وأما الحزن الحقيقي، فهو أن ترى أفراد
عائلتك يموتون، أو تسمع بوفاتهم ولا تستطيع المشاركة في دفنهم.
قبل
أسبوع من تاريخ الرابع عشر من يناير، زرت أنا وأختي جليلة قبر والدتنا في
سيدي بلحسن مثل العادة، كل جمعة، ثم نزلنا إلى المنحدر الذي يقع فيه
المسجد، حيث أوقدت الشموع بعدد أفراد عائلتي، وبدأنا في قراءة الفاتحة،
فجأة انطفأت أغلبية الشموع، وتملكني شعور بأنه سوء طالع.
قبل أيام من
تلك الحادثة، انزعجت كثيراً بسبب حلم غريب حلمت به، لقد رأيت في منامي أنني
على حافة المسبح، برفقة كل أفراد عائلتي، والعديد من الأشخاص الذين لا
أعرفهم وفجأة أصبح كل شيء داكن اللون، بما في ذلك ماء المسبح، فصرخنا
جميعنا وكأنه يوم الحساب الأخير.
وجهت بصري بعيداً، فرأيت شجرة ينبعث
منها ضوء وردي. تمسكت بيد أختي نفيسة ومشينا على ماء المسبح الأسود إلى أن
وصلنا إلى الشجرة، ثم استيقظت.
انطفاء الشموع والنور الوردي الذي لجأت إليه، كانا رمزين غريبين جداً بالنسبة لي.
بعد
سيدي بلحسن، توجهنا نحو المستشفى العسكري، الذي يقع في الجهة المقابلة،
لزيارة أخي عادل .وكان هناك لمتابعة علاج داء السرطان الذي أصيب به، قبل أن
نمر على العيادة، التي كان من المفترض أن تجري فيها أختي نفيسة عملية
جراحية بسبب السرطان أيضاً، «نعم، أنا، أيضاً، كان لي مرضاي».
نصيحة شقيقي قبل وفاته
بدا
لي عادل قلقاً جداً على سرير المرض، وشعرت بأنه يود أن يقول لي شيئاً،
لكنه لم يكن قادراً على الحديث. وفي لحظة من اللحظات، رفع أصبعه وأشار به
إلى الباب. اعتقدت بأنه يرغب في مغادرة المستشفى، فأجبته «ليس ذلك ممكناً،
يجب أن تتحسن صحتك، لتعود إلى البيت، في ما بعد».
لم يكن أخي يسمعني
وواصل الإشارة أصبعه إلى الباب، وكأنه يدعوني للرحيل. فهمت في ما بعد بأنه
كان يريدني أن أغادر المستشفى، فهل كان يتملكه شعور مسبق بقرب حدوث شيء ما؟
أو أنه سمع من حوله أمراً حول حدث يتم التحضير له؟
غداة رحيلنا، أي في
تاريخ الخامس عشر يناير، تغيرت تماماً وجذرياً ظروف إقامة أخي في المستشفى،
لقد أجبروه على مغادرة الطابق المخصص للعلاج المكثف، وتم رميه في غرفة
صغيرة، فيما منعت عنه الزيارة، وأجبر على تحمل صوت التلفزيون المرتفع.
توفي
أخي عادل بعد 17 يوماً، وقد علمت زوجته بالخبر في المملكة العربية
السعودية، حيث كانت إلى جانبي. لقد بكينا مع بعض، وكان السؤال الذي يؤرقنا،
من أي بيت سيخرج جثمانه؟
كان على ابنة أخ لي خيّرة، بمساعدة زوجها الذي
أشكره، التكفل بالجثمان، وتنظيم جنازة لعادل، حيث دُفن بعد صلاة الجمعة،
وسار في جنازته 1500 شخص.
بعد شهر بالضبط توفي شقيق بن علي المشلول في
المستشفى نفسه، وفي الظروف نفسها، وحين طُلب من أرملته دفع تكاليف علاجه
المقدرة بــ200 ألف دينار تونسي، ردت ساخطة «كيف يمكن أن أملك هذا المبلغ،
في وقت أخذتم فيه كل شيء، وسرقتم وحرقتم كل شيء؟ ما عليكم سوى أن تدفنوا
تكاليفكم هذه؟ وأغلقت الباب في وجوههم. تم الاتصال بها بعد ساعتين، وقيل
لها إن في إمكانها تسلم جثة زوجها، فردت بالقول «لقد تركتموه يموت، لذا
عليكم أنتم إرجاعه إلى بيته».
وفاة صديقة الطفولة
سميرة
صديقتي الأربعينية، ماتت هي الأخرى، بسبب هذا الحقد والكراهية. لقد رفض
المستشفى الذي كانت متعودة على متابعة العلاج فيه منذ صغرها، بسبب إصابتها
بداء في القلب، علاجه، حين فاجأتها أزمة قلبية حادة. والأسوأ هو أن الموظف
المعالج طردها، مستعملاً الكلمة الشهيرة «ارحلي». وأما الممرضات، فقد
تبعنها إلى غاية الرواق، وهن يمطرنها بوابل من الشتائم.
ولدى عودتها إلى
بيتها، حاولت الاتصال بطبيبها، حيث قالت له «أنا مريضة تعالجونها منذ 25
عاماً، وترفضون استقبالي رغم معاناتي من أزمة»، فاقترح عليها موعداً في
الغد، لكنها انتظرت خمس ساعات في ذلك اليوم، ليخبروها بأن الطبيب غائب.
إحدى
بنات سميرة طلبت لقاء وزير الدفاع الحالي، الذي يعرف جيداً الوسط الطبي،
وهددت بالانتحار إذا ما استمر الطبيب المعالج في رفض متابعة حالة والدتها،
لكن الوقت كان قد فات، حين قرر الطبيب استقبالهما. كانت آخر مرة اتصلتُ
فيها بسميرة يوم الأحد، كانت بالكاد تتنفس، فنصحتها بالتوجه إلى باريس، حيث
بمقدورها إجراء الفحوصات اللازمة، وكان من المفترض أن تغادر نهاية شهر
ديسمبر الماضي، لكنها توفيت قبل ثلاثة أيام من موعد رحلتها.
كيف يمكن
لطبيب أن يقصّر في أداء واجبه تجاه مريضة، فقط لأنها كانت صديقة طفولتي؟ لو
كنا في دولة حقوق، لتمت متابعة هذا الطبيب بتهمة عدم مساعدة شخص في حالة
خطر.
أنا أبكي اليوم صديقتي، التي كانت إلى جانبي، منذ كنا نذهب معاً
إلى المدرسة، واستمرت معي إلى غاية مشاركتنا مع بعض في المواكب الرسمية
لقصر قرطاج.
كانت إلى جانبي في أفراحي وأوجاعي كزوجة للرئيس، لقد تقاسمت
معي الخبز في الأيام العصيبة، من دون أدنى شكوى منها، ووقفت إلى جانبي،
أيضاً، على سجاد القصور الرئاسية. لم تتغير أبداً، بقيت ابنة الشعب والفرحة
لا تفارق محياها أبداً، رغم المرض ورغم المشكلات.
عائلتي والصمت
هل
عليّ أن أتحدث عن زوج أختي محمد، الذي يعاني من الشلل وداء السكري والضغط
الدموي، فيما حياته مهددة؟ أو أخي مراد الذي خضع لثلاث عمليات في القلب،
ويعاني من أزمات باستمرار، ما يجبره على النوم بواسطة جهاز أوكسجين. وأما
حين يشرف على الموت وتسوء حالته، وينقل إلى المستشفى، فيبيت من دون شرشف
ولا شبشب ولا مناشف، فيما يغرق أسفل جسمه في حفاضة متسخة جداً.
يلتزم
باقي أفراد عائلتي، ممن لم يتم توقيفهم بالصمت الآن، خوفاً من أن يسقطوا
ضحايا القمع، وأما العديد منهم، فقد طردوا من وظائفهم، فيما اضطر والدا زوج
ابنتي صخر، على الرغم من تقدمهما في السن، على الرحيل. وأما أشقاؤه
وشقيقاته، فقد منعوا من مغادرة التراب التونسي، وأما عمليات التخويف
وانتهاك البيوت وسلبها، فلا تعد ولا تحصى.
وأما في ما يخص زوجي فنحن
أمام مساس بسمعتنا، ومصادرة صريحة لممتلكاتنا. كيف يمكن أن تنتهك بيوتنا من
دون أمر من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق؟ إلا إذا قالوا لنا إن تونس لم
تعد دولة قانون وترفض الالتزام باتفاقيات القانون الوطني والدولي؟
لست آسفة
في
الواقع لست آسفة على السلطة، ولا على الخسارة الثقيلة التي منيت بها،
وإنما على الحقد والكراهية والانتقام، الذي واجهه أفراد عائلتي، والشتائم
التي وجهت للنساء، والظلم الذي دفع ثمنه أطفال أبرياء. لقد ارتكبتُ أخطاء
من دون شك، لكنها أخطاء مشتركة. لم أزعم أبداً أنني ملاك، ولكنني لست،
أيضاً، الشيطان الذي يتحدثون عنه. أنا آسفة، لأن أقاربنا وأصدقاءنا
والوطنيين الذين خدموا تونس طيلة عقود، يتعرضون إلى الظلم والجور، لأن
رابطة صداقة أو دم أو ولاء جمعتهم بنا.
وأما نحن، فكنا مستعدين للمثول أمام قضاء بلادنا، وسنظل مستعدين، أيضاً، إذا ما أمّنوا لنا محاكمات نزيهة وعادلة.
في المملكة العربية السعودية
انتظمت
حياتي شيئاً فشيئاً في المملكة العربية السعودية، حيث أقضي معظم وقتي في
الاعتناء بزوجي وأولادي. لم ينبس الصغير محمد ببنت شفة يوم رحيلنا،
فاعتقدنا أنه لا يدرك ما يجري، لكننا كنا مخطئين. لقد سجّل الولد كل شيء في
صمت، وغداة وصولنا، أخذ ورقة وقلماً وبدأ يرسم، ومنذ ذلك الحين لا يتوقف
عن الرسم.
لقد تهربت من الإجابة، حين سألني خلال الأيام الأولى لرحيلنا،
عن الأسباب التي دفعتنا لمغادرة بيتنا ولم رحل والده، لم أكن أود أن
أصدمه، على الرغم من أن رسوماته كانت تتضمن نيران ملتهبة وشرطة سيئين
ونوافذ مسيّجة ومساجين يفرون وجنوداً منشقين. إنه يتساءل بين الفترة
والأخرى «متى سنعود إلى تونس؟»، أنا أموت رغبة في رؤية أصدقائي وقططي؟
فنجيب أنا ووالده، بأن ذلك سيحصل قريبا، كما ينزوي في غرفته ليكتب رسائل
لأصدقائه ويطلب منها إرسالها عبر البريد.
إنه لا يعرف بأنها لن تصل أبدا
إلى وجهتها، لكننا نتظاهر بإرسالها عبر البريد، بينما نقوم في الواقع
بإخفائها.. علينا أن نسجله في مدرسة وطالبنا عدة مرات بدفاتره الصحية
والدراسية، لكن دون جدوى.
معاناة حليمة
وأما ابنتي حليمة
فتعاني العزلة، بعيدا عن وسطها، وعن أصدقائها وخاصة عن خطيبها الذي تحبه
وما انفكّ يتعرض للمضايقات منذ عودته إلى تونس.
لا أعرف كيف سيكون مستقبلها، ولا أتجرأ على التحدث إليها في الموضوع، لأني لا أملك المفتاح.
ورغم ذلك، تظهر لنا رزانتها، وتحاول هي وشقيقتها التي لا تقيم معنا، دعمنا والوقوف إلى جانبنا خلال لحظات الظلم التي أبكتني كثيرا.
هذه هي يومياتي
نادرا
ما اخرج، ولا أصاحب أحدا وأعيش على إيقاع الاذان، ورغم هذا، أعرف بأني ما
زلت الهدف المفضل للاشاعات، التي تغذي يوميا صفحات الأخبار. لقد قالوا اني
أشرف على الانفصال عن زوجي، وأني أعاني من الاكتئاب، وحاولت الانتحار،
وهناك من يقولون العكس ويرددون بأني أقضي غالبية وقتي في الاحتفال والتسوق
في دبي.. لا يمر يوم إلا ويفبركون لي جريمة إضافية.
يمكن أن أؤكد
لأصدقائي كما أعدائي، ان لا شيء من هذا حقيقي، وفي المقابل، يمكن أن أقول
كم أنا محظوظة لأني أنا وزوجي وأطفالي في ضيافة دولة تسمى المملكة العربية
السعودية، هذه الدولة التي أنقذتنا مما هو أسوأ. نحن نعترف بجميلها وجميل
قادتها وأتمنى لهم الأفضل.
ما يعزيني اليوم كثيرا، هو أني في بلد الله
وأي مسلم مؤمن، لا يحلم إلا بأن يلقى نحبه على الأرض التي ولد عليها الرسول
صلى الله عليه وسلم.
أتمنى أن اقضي «فترة تقاعدي» هنا، وان أعثر على
الإيمان والأمن، ولا يهمني اليوم إن كان عليّ أن أغطي وجهي، بل على العكس
من ذلك، هذا الأمر لا يزعجني تماما.
سيفاجأ الجميع إذا ما عرفوا باني لم
أكن يوما نرجسية، وان جسمي لم يكن في الحقيقة يعجبني، لقد كنت اعتني بنفسي
وأضع المكياج، لكني لم أحب يوما، صورتي ولا صوتي.
وأعتقد اليوم بأن هذه
الوجهة، هي مؤشر على المغفرة ودليل على أني لست سيئة بالقدر الذي يؤكدونه.
لقد انعم الله علينا بالنجاة من الموت او السجن الذي كان سيكون مصيرنا في
ذلك الرابع عشر من يناير.
بالطبع شككت في نفسي. بالطبع التفتُّ إلى
الوراء، وبكيت الانتهاكات التي ارتكبتها وارتكبها غيري، لكن شيئا فشيئا،
خفف عني التأمل والإيمان والصلاة كل تلك الضغوطات والآلام. اليوم وحين أكون
وحيدة، أصلي وأشكر الله لأنه أرسلني بالقرب من رسوله، وأنظر إلى السماء كل
صباح، ليستنير قلبي، بحب الواحد الأحد، وأفهم العالم السفلي مقارنة
بالعالم الآخر.
في بعض الأيام، أفضل البقاء في غرفتي وأمتنع عن الكلام،
لأقرأ السور القرآنية والآيات، واكتشف سلوكيات الرسول عليه الصلاة السلام
والأحداث التي عايشها وأتعرف على الأمثال الإسلامية التي تساعدني في مثل
وضعيتي.
بهذا الشكل ولد الأمل لدي من جديد واكتشف بأن المحنة التي لم
تقتلني، عززت قوتي وصلابتي وعليّ أن اشكر الله إلى غاية آخر يوم في حياتي.
وأما
بالنسبة للباقي، فأتمنى الخير لبلادي، وإن كان الوضع لا يبشر بالخير. كنت
سأعترف بثورة حقيقية، لو أن أنصار الرابع عشر يناير، كانت لهم الشجاعة
للقول أمام العالم بأسره بأن الأمر يتعلق بانقلاب،
كنت سأتقبل إبعاد
زوجي عن الحكم، لو أن نساء تونس ورجالها اللامعين هم من سيقودونها إلى
الأمام، أولئك الذين لم يتخلوا عنها، والذين شيدوها صخرة صخرة منذ نصف قرن،
أولئك الذين بنوها بأفكارهم، وعرق جبينهم، أولئك الذين سينقذون الشباب
الأكفاء، وأما وقودهم لضمان مستقبل امن للبلاد فهو العصرنة والانفتاح على
العالم.
انتهى.
صورة تم تسريبها على الانترنت تظهر محمد زين العابدين بن علي في حفل نهاية السنة الدراسية في جدة
تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقاً ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي
غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها
«حقيقتي»، الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى
تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة
عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي
من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على
مغادرة بيتها في سيدي بوسعيد، ومن ثم تونس انطلاقاً من مطار العوينة
العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي،
إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى
بن علي في هذا الكتاب أيضاً، على كل ما وصفته إدعات كاذبة وافتراءات غير
مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال
والسلطة.
وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد
عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها
تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا،
إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجود السياسية التونسية
والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل
عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب،
الذي تنشر ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقاً من مقابلات أجريت
معها، لكنه في الواقع كتاب لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الوثيقة التاريخية
التي يستأنس بها الباحث لمعرفة حقيقة ما جرى، فليلى بن علي، على عادة كل
المُطاح بهم، تتحدث عن مؤامرة محبوكة في كتاب لا يملك بالتأكيد كل مفاتيح
الحقيقة، لكنه يعبّر عن روايتها وعن الحقيقة كما تراها وتقول إنها عايشتها.
في
الواقع أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان هو الظلم والإذلال، بالإضافة إلى
المعاناة النفسية وفقدان الأقارب. وأما الحزن الحقيقي، فهو أن ترى أفراد
عائلتك يموتون، أو تسمع بوفاتهم ولا تستطيع المشاركة في دفنهم.
قبل
أسبوع من تاريخ الرابع عشر من يناير، زرت أنا وأختي جليلة قبر والدتنا في
سيدي بلحسن مثل العادة، كل جمعة، ثم نزلنا إلى المنحدر الذي يقع فيه
المسجد، حيث أوقدت الشموع بعدد أفراد عائلتي، وبدأنا في قراءة الفاتحة،
فجأة انطفأت أغلبية الشموع، وتملكني شعور بأنه سوء طالع.
قبل أيام من
تلك الحادثة، انزعجت كثيراً بسبب حلم غريب حلمت به، لقد رأيت في منامي أنني
على حافة المسبح، برفقة كل أفراد عائلتي، والعديد من الأشخاص الذين لا
أعرفهم وفجأة أصبح كل شيء داكن اللون، بما في ذلك ماء المسبح، فصرخنا
جميعنا وكأنه يوم الحساب الأخير.
وجهت بصري بعيداً، فرأيت شجرة ينبعث
منها ضوء وردي. تمسكت بيد أختي نفيسة ومشينا على ماء المسبح الأسود إلى أن
وصلنا إلى الشجرة، ثم استيقظت.
انطفاء الشموع والنور الوردي الذي لجأت إليه، كانا رمزين غريبين جداً بالنسبة لي.
بعد
سيدي بلحسن، توجهنا نحو المستشفى العسكري، الذي يقع في الجهة المقابلة،
لزيارة أخي عادل .وكان هناك لمتابعة علاج داء السرطان الذي أصيب به، قبل أن
نمر على العيادة، التي كان من المفترض أن تجري فيها أختي نفيسة عملية
جراحية بسبب السرطان أيضاً، «نعم، أنا، أيضاً، كان لي مرضاي».
نصيحة شقيقي قبل وفاته
بدا
لي عادل قلقاً جداً على سرير المرض، وشعرت بأنه يود أن يقول لي شيئاً،
لكنه لم يكن قادراً على الحديث. وفي لحظة من اللحظات، رفع أصبعه وأشار به
إلى الباب. اعتقدت بأنه يرغب في مغادرة المستشفى، فأجبته «ليس ذلك ممكناً،
يجب أن تتحسن صحتك، لتعود إلى البيت، في ما بعد».
لم يكن أخي يسمعني
وواصل الإشارة أصبعه إلى الباب، وكأنه يدعوني للرحيل. فهمت في ما بعد بأنه
كان يريدني أن أغادر المستشفى، فهل كان يتملكه شعور مسبق بقرب حدوث شيء ما؟
أو أنه سمع من حوله أمراً حول حدث يتم التحضير له؟
غداة رحيلنا، أي في
تاريخ الخامس عشر يناير، تغيرت تماماً وجذرياً ظروف إقامة أخي في المستشفى،
لقد أجبروه على مغادرة الطابق المخصص للعلاج المكثف، وتم رميه في غرفة
صغيرة، فيما منعت عنه الزيارة، وأجبر على تحمل صوت التلفزيون المرتفع.
توفي
أخي عادل بعد 17 يوماً، وقد علمت زوجته بالخبر في المملكة العربية
السعودية، حيث كانت إلى جانبي. لقد بكينا مع بعض، وكان السؤال الذي يؤرقنا،
من أي بيت سيخرج جثمانه؟
كان على ابنة أخ لي خيّرة، بمساعدة زوجها الذي
أشكره، التكفل بالجثمان، وتنظيم جنازة لعادل، حيث دُفن بعد صلاة الجمعة،
وسار في جنازته 1500 شخص.
بعد شهر بالضبط توفي شقيق بن علي المشلول في
المستشفى نفسه، وفي الظروف نفسها، وحين طُلب من أرملته دفع تكاليف علاجه
المقدرة بــ200 ألف دينار تونسي، ردت ساخطة «كيف يمكن أن أملك هذا المبلغ،
في وقت أخذتم فيه كل شيء، وسرقتم وحرقتم كل شيء؟ ما عليكم سوى أن تدفنوا
تكاليفكم هذه؟ وأغلقت الباب في وجوههم. تم الاتصال بها بعد ساعتين، وقيل
لها إن في إمكانها تسلم جثة زوجها، فردت بالقول «لقد تركتموه يموت، لذا
عليكم أنتم إرجاعه إلى بيته».
وفاة صديقة الطفولة
سميرة
صديقتي الأربعينية، ماتت هي الأخرى، بسبب هذا الحقد والكراهية. لقد رفض
المستشفى الذي كانت متعودة على متابعة العلاج فيه منذ صغرها، بسبب إصابتها
بداء في القلب، علاجه، حين فاجأتها أزمة قلبية حادة. والأسوأ هو أن الموظف
المعالج طردها، مستعملاً الكلمة الشهيرة «ارحلي». وأما الممرضات، فقد
تبعنها إلى غاية الرواق، وهن يمطرنها بوابل من الشتائم.
ولدى عودتها إلى
بيتها، حاولت الاتصال بطبيبها، حيث قالت له «أنا مريضة تعالجونها منذ 25
عاماً، وترفضون استقبالي رغم معاناتي من أزمة»، فاقترح عليها موعداً في
الغد، لكنها انتظرت خمس ساعات في ذلك اليوم، ليخبروها بأن الطبيب غائب.
إحدى
بنات سميرة طلبت لقاء وزير الدفاع الحالي، الذي يعرف جيداً الوسط الطبي،
وهددت بالانتحار إذا ما استمر الطبيب المعالج في رفض متابعة حالة والدتها،
لكن الوقت كان قد فات، حين قرر الطبيب استقبالهما. كانت آخر مرة اتصلتُ
فيها بسميرة يوم الأحد، كانت بالكاد تتنفس، فنصحتها بالتوجه إلى باريس، حيث
بمقدورها إجراء الفحوصات اللازمة، وكان من المفترض أن تغادر نهاية شهر
ديسمبر الماضي، لكنها توفيت قبل ثلاثة أيام من موعد رحلتها.
كيف يمكن
لطبيب أن يقصّر في أداء واجبه تجاه مريضة، فقط لأنها كانت صديقة طفولتي؟ لو
كنا في دولة حقوق، لتمت متابعة هذا الطبيب بتهمة عدم مساعدة شخص في حالة
خطر.
أنا أبكي اليوم صديقتي، التي كانت إلى جانبي، منذ كنا نذهب معاً
إلى المدرسة، واستمرت معي إلى غاية مشاركتنا مع بعض في المواكب الرسمية
لقصر قرطاج.
كانت إلى جانبي في أفراحي وأوجاعي كزوجة للرئيس، لقد تقاسمت
معي الخبز في الأيام العصيبة، من دون أدنى شكوى منها، ووقفت إلى جانبي،
أيضاً، على سجاد القصور الرئاسية. لم تتغير أبداً، بقيت ابنة الشعب والفرحة
لا تفارق محياها أبداً، رغم المرض ورغم المشكلات.
عائلتي والصمت
هل
عليّ أن أتحدث عن زوج أختي محمد، الذي يعاني من الشلل وداء السكري والضغط
الدموي، فيما حياته مهددة؟ أو أخي مراد الذي خضع لثلاث عمليات في القلب،
ويعاني من أزمات باستمرار، ما يجبره على النوم بواسطة جهاز أوكسجين. وأما
حين يشرف على الموت وتسوء حالته، وينقل إلى المستشفى، فيبيت من دون شرشف
ولا شبشب ولا مناشف، فيما يغرق أسفل جسمه في حفاضة متسخة جداً.
يلتزم
باقي أفراد عائلتي، ممن لم يتم توقيفهم بالصمت الآن، خوفاً من أن يسقطوا
ضحايا القمع، وأما العديد منهم، فقد طردوا من وظائفهم، فيما اضطر والدا زوج
ابنتي صخر، على الرغم من تقدمهما في السن، على الرحيل. وأما أشقاؤه
وشقيقاته، فقد منعوا من مغادرة التراب التونسي، وأما عمليات التخويف
وانتهاك البيوت وسلبها، فلا تعد ولا تحصى.
وأما في ما يخص زوجي فنحن
أمام مساس بسمعتنا، ومصادرة صريحة لممتلكاتنا. كيف يمكن أن تنتهك بيوتنا من
دون أمر من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق؟ إلا إذا قالوا لنا إن تونس لم
تعد دولة قانون وترفض الالتزام باتفاقيات القانون الوطني والدولي؟
لست آسفة
في
الواقع لست آسفة على السلطة، ولا على الخسارة الثقيلة التي منيت بها،
وإنما على الحقد والكراهية والانتقام، الذي واجهه أفراد عائلتي، والشتائم
التي وجهت للنساء، والظلم الذي دفع ثمنه أطفال أبرياء. لقد ارتكبتُ أخطاء
من دون شك، لكنها أخطاء مشتركة. لم أزعم أبداً أنني ملاك، ولكنني لست،
أيضاً، الشيطان الذي يتحدثون عنه. أنا آسفة، لأن أقاربنا وأصدقاءنا
والوطنيين الذين خدموا تونس طيلة عقود، يتعرضون إلى الظلم والجور، لأن
رابطة صداقة أو دم أو ولاء جمعتهم بنا.
وأما نحن، فكنا مستعدين للمثول أمام قضاء بلادنا، وسنظل مستعدين، أيضاً، إذا ما أمّنوا لنا محاكمات نزيهة وعادلة.
في المملكة العربية السعودية
انتظمت
حياتي شيئاً فشيئاً في المملكة العربية السعودية، حيث أقضي معظم وقتي في
الاعتناء بزوجي وأولادي. لم ينبس الصغير محمد ببنت شفة يوم رحيلنا،
فاعتقدنا أنه لا يدرك ما يجري، لكننا كنا مخطئين. لقد سجّل الولد كل شيء في
صمت، وغداة وصولنا، أخذ ورقة وقلماً وبدأ يرسم، ومنذ ذلك الحين لا يتوقف
عن الرسم.
لقد تهربت من الإجابة، حين سألني خلال الأيام الأولى لرحيلنا،
عن الأسباب التي دفعتنا لمغادرة بيتنا ولم رحل والده، لم أكن أود أن
أصدمه، على الرغم من أن رسوماته كانت تتضمن نيران ملتهبة وشرطة سيئين
ونوافذ مسيّجة ومساجين يفرون وجنوداً منشقين. إنه يتساءل بين الفترة
والأخرى «متى سنعود إلى تونس؟»، أنا أموت رغبة في رؤية أصدقائي وقططي؟
فنجيب أنا ووالده، بأن ذلك سيحصل قريبا، كما ينزوي في غرفته ليكتب رسائل
لأصدقائه ويطلب منها إرسالها عبر البريد.
إنه لا يعرف بأنها لن تصل أبدا
إلى وجهتها، لكننا نتظاهر بإرسالها عبر البريد، بينما نقوم في الواقع
بإخفائها.. علينا أن نسجله في مدرسة وطالبنا عدة مرات بدفاتره الصحية
والدراسية، لكن دون جدوى.
معاناة حليمة
وأما ابنتي حليمة
فتعاني العزلة، بعيدا عن وسطها، وعن أصدقائها وخاصة عن خطيبها الذي تحبه
وما انفكّ يتعرض للمضايقات منذ عودته إلى تونس.
لا أعرف كيف سيكون مستقبلها، ولا أتجرأ على التحدث إليها في الموضوع، لأني لا أملك المفتاح.
ورغم ذلك، تظهر لنا رزانتها، وتحاول هي وشقيقتها التي لا تقيم معنا، دعمنا والوقوف إلى جانبنا خلال لحظات الظلم التي أبكتني كثيرا.
هذه هي يومياتي
نادرا
ما اخرج، ولا أصاحب أحدا وأعيش على إيقاع الاذان، ورغم هذا، أعرف بأني ما
زلت الهدف المفضل للاشاعات، التي تغذي يوميا صفحات الأخبار. لقد قالوا اني
أشرف على الانفصال عن زوجي، وأني أعاني من الاكتئاب، وحاولت الانتحار،
وهناك من يقولون العكس ويرددون بأني أقضي غالبية وقتي في الاحتفال والتسوق
في دبي.. لا يمر يوم إلا ويفبركون لي جريمة إضافية.
يمكن أن أؤكد
لأصدقائي كما أعدائي، ان لا شيء من هذا حقيقي، وفي المقابل، يمكن أن أقول
كم أنا محظوظة لأني أنا وزوجي وأطفالي في ضيافة دولة تسمى المملكة العربية
السعودية، هذه الدولة التي أنقذتنا مما هو أسوأ. نحن نعترف بجميلها وجميل
قادتها وأتمنى لهم الأفضل.
ما يعزيني اليوم كثيرا، هو أني في بلد الله
وأي مسلم مؤمن، لا يحلم إلا بأن يلقى نحبه على الأرض التي ولد عليها الرسول
صلى الله عليه وسلم.
أتمنى أن اقضي «فترة تقاعدي» هنا، وان أعثر على
الإيمان والأمن، ولا يهمني اليوم إن كان عليّ أن أغطي وجهي، بل على العكس
من ذلك، هذا الأمر لا يزعجني تماما.
سيفاجأ الجميع إذا ما عرفوا باني لم
أكن يوما نرجسية، وان جسمي لم يكن في الحقيقة يعجبني، لقد كنت اعتني بنفسي
وأضع المكياج، لكني لم أحب يوما، صورتي ولا صوتي.
وأعتقد اليوم بأن هذه
الوجهة، هي مؤشر على المغفرة ودليل على أني لست سيئة بالقدر الذي يؤكدونه.
لقد انعم الله علينا بالنجاة من الموت او السجن الذي كان سيكون مصيرنا في
ذلك الرابع عشر من يناير.
بالطبع شككت في نفسي. بالطبع التفتُّ إلى
الوراء، وبكيت الانتهاكات التي ارتكبتها وارتكبها غيري، لكن شيئا فشيئا،
خفف عني التأمل والإيمان والصلاة كل تلك الضغوطات والآلام. اليوم وحين أكون
وحيدة، أصلي وأشكر الله لأنه أرسلني بالقرب من رسوله، وأنظر إلى السماء كل
صباح، ليستنير قلبي، بحب الواحد الأحد، وأفهم العالم السفلي مقارنة
بالعالم الآخر.
في بعض الأيام، أفضل البقاء في غرفتي وأمتنع عن الكلام،
لأقرأ السور القرآنية والآيات، واكتشف سلوكيات الرسول عليه الصلاة السلام
والأحداث التي عايشها وأتعرف على الأمثال الإسلامية التي تساعدني في مثل
وضعيتي.
بهذا الشكل ولد الأمل لدي من جديد واكتشف بأن المحنة التي لم
تقتلني، عززت قوتي وصلابتي وعليّ أن اشكر الله إلى غاية آخر يوم في حياتي.
وأما
بالنسبة للباقي، فأتمنى الخير لبلادي، وإن كان الوضع لا يبشر بالخير. كنت
سأعترف بثورة حقيقية، لو أن أنصار الرابع عشر يناير، كانت لهم الشجاعة
للقول أمام العالم بأسره بأن الأمر يتعلق بانقلاب،
كنت سأتقبل إبعاد
زوجي عن الحكم، لو أن نساء تونس ورجالها اللامعين هم من سيقودونها إلى
الأمام، أولئك الذين لم يتخلوا عنها، والذين شيدوها صخرة صخرة منذ نصف قرن،
أولئك الذين بنوها بأفكارهم، وعرق جبينهم، أولئك الذين سينقذون الشباب
الأكفاء، وأما وقودهم لضمان مستقبل امن للبلاد فهو العصرنة والانفتاح على
العالم.
انتهى.
صورة تم تسريبها على الانترنت تظهر محمد زين العابدين بن علي في حفل نهاية السنة الدراسية في جدة
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى