أمثال في مجموعة قصصية ثانية..
صفحة 1 من اصل 1
19092013
أمثال في مجموعة قصصية ثانية..
أمثال في مجموعة قصصية ثانية ...
9 = مسكين خدا مسكينة وتهنات المدينة..
أنهى حميدة دراسته وفاز بدعم الوالدين معنويا رغم خيانة الماديات , إلا أن استدعاءه لوظيفة متوسطة الدخل خففت من بعض المشاكل الاجتماعية , توصل حميدة بأول حوالة بيضاء تحمل أرقاما فرنكيه , أسعدته فأهلته ليكون أفضل حالا مما مضى ..لم تتخل عيناه عن بنت الدرب , رافقها من بعيد في الغدو والرواح ولا يجرؤ علي الاقتراب منها خوفا من والدها وأخيها وتخلفا عن لوم سكان الحي ..والآن حضرت الوظيفة لتنبث أقدامه وتسمح له بالمغازلة ولو خلف حاجب فضائي من الخجل ..أخبر أمه ..
حميدة : أمي بغيت نتزوج بنت فلان
الأم : الزواج حلال وما قلتي عيب
حميدة : كاتعرفيها ؟
الأم : بنت ظريفة ومن عائلة مسكينة
حميدة : حتى أنا مسكين وولد المساكين
الأم : وجد راسك واحنا معاك
حميدة : غير نشد الرابيل خطبوها لي
الأم : كانواعدك ..وغادي نهضر مع اباك وما يكون غير الخير
بدأت الأيام تمر وحميدة يعدها في شهور تشغل باله وتسقي أحلامه بتخطيط للفرح ..وفي المنزل من دون حضور حميدة ..الأم : سولت علي عائلة البنت ؟!
الأب : معلوم.. ناس ما فحالهومش , ظراف ومعقولين
الأم : وباغيين يزوجوها ؟..
الأب : كايتمناو راجل مأدب وعندو مستقبل وضامن مدخول يعيشهم بجوج
الأم : مزيان ..كل الشروط في ولدي
توصل حميدة ب (الرابيل ) فأعد العدة ليخطب زوجة الغد ..وبالفعل تم القران بعد حفلة متواضعة جمعت مسكينا بمسكينة وتهنات المدينة ..مر كل شيء بخير وعلى خير وبعد شهور وتعثر الحمل الذي سيهل بحفيد أو حفيدة ..
الزوجة : طلقني ..طلقني اليوم قبل من غدا
حميدة : حشومة ياللاه تزوجنا ما زال ما كملنا العام
الزوجة : قلت ليك طلقني ..ويلا ما بغيتيش غاديا نمشي عند واليديا ..
حميدة : الله يهديك , كوني عاقلة ..حرام عليك تخسري زواج جديد ..
الزوجة : كانكرهك أنت خايب ..ما تصلحش لي أنا احسن منك أنت ما تسوى والو والله لا قبرت زيني في حياتك الفالصو
حميدة : ياك قالوا زواج لمساكن كايهني المدينة
الزوجة : كدبو عليك ..الدنيا تبدلات
حميدة : ورى كلامك سر ..قوليه بلا ما تخافي !!
الزوجة : لقيت سيدك
حميدة : صافي حدك تمة وصلنا للإهانة , أنت طالق
الزوجة : الحمد لله , تهنيت منك أنت كابوس قهرني
حميدة : عمر الواحد ما يتيق أنا مسكين خدي مسكينة وتهنات لمدينة حيت لمدينة فيها ولد لحرام
10 = لعناد يدير لقراد ......
يعيش حميدة على قد الحال يربح مالا لا بأس به من تجارته ..لكنه يعيش عبدا لامرأة ألقتها عليه أسرة مغرورة ومركبة بالأنانية ..
حميدة : اتق الله يا زوجتي اطلبي مني ما تريدين لكن لا تتجاوزين محفظتي
الزوجة : هل تريد أن أحضر الحفلات عارية أو بنفس الألبسة القديمة التي رآها العادي والبادي ؟؟!
حميدة : احترمي الجهد الذي أبذله لكسب ما يحقق ذوقك
الزوجة : لو رأيت ما تلبسه فلانة وتتزين به أخريات لرحمتني وصرفت علي أكثر مما أستحق
حميدة : لا تقلدي النسوان , اكتفي واقنعي بالموجود ..
ضغطت عليه وهددته بالفراق وبكت ثم هرولت نحو غرفتها لتسيل دموع التأثير على سريرها ..تبعها حميدة الخائف على الرجوع إلي الوحدة والعزوبية التي تخلص منها بشق الأنفس , لبي طلبها ووعدها أن يسلمها صباحا المبلغ الذي تحتاجه لتتزين به ..بدأ يضيف الرغبات علي ما تلوح به الزوجة ..ففي كل مناسبة تشتري الذهب وتفصل ألبسة جديدة لتتباهى أمام قريناتها ..ضاعت التجارة بين كساد وتبذير , باع حميدة ذهب زوجته فلم يسدد ديونه والضرائب لأن عناد زوجته وتعلقها بالمظاهر فلقها ولسعها بقراد الكلاب فناتت تحت وطأة الفقر ..
الزوجة : سامحني لقد أخطأت
حميدة : وأين اكتشفت السيد الخطأ يا محترمة ؟؟!
الزوجة : جل المدعوات للحفلات يلبسن ما يكترينه من المشرفات على طقوس وآليات الأعراس والحفلات العائلية ويستلفن الذهب والمجوهرات من صديقاتهن والعديد من الحلي تكون فالصو ..
حميدة : أحمد الرب أنك عرفت حقيقة تهورك ..أنت طالق بالثلاث ..
11 = إيلا ما وصل الثعلب للعنب قال : حامض ..
يتبع حميدة خطوات فتاة , أعجبته أخلاقها وازداد تعلقه حين علم مكانة الأسرة بين سكان الحي ..لكن الصدمة التي منعته من مقابلتها والتحدث إليها تمثلت في صديق عزيز لا يفارقها ويتطلع إليها بلهفة دون أن يلمس يدها أو يقترب من تيارها الجذاب ..احتار ولام نفسه كي لا يضايق صديقه أو يحرجه في إحدى الصدف ..فقرر أن يمارس حراستها من بعيد.. فربما يحصل لقاء بينهما يحتم عليه المغادرة ..دامت الحالة على هذا المنوال فلم يصل الصديق إلى تقليص الدائرة الضيقة بينها وبينه ..طال الانتظار ومل حميدة هذه الوضعية المعقدة ..سئم الذهاب والإياب بلا نتيجة ..نذر صبره ..وزاغ رأيه في الحيرة ..كاد أن يجن من صور استقرت في الضبابية ..نعت حميدة نفسه وصديقه بالغباء المعشش في عقلين دارا وتاها بلا جرأة حول فتاة وهي من الجنس الضعيف ..وأثناء تمدده على ظهره فوق سرير الأحلام التي لم تفسر بعد اصطاد فكرة برزت في مخيلته التي تطورت تحت طائلة القلق ..وافق الصيد الفكرة ليلتقي بالصديق ويستفسر نهاية مشوارهما وراء البنت ..وفي إحدى المقاهي ..
حميدة : اضطررت أن ألتقي بك ..لأنك غبت عني مدة طويلة
الصديق : حسنا ..أنا أيضا اشتقت لرؤيتك
حميدة : هل أنت بخير ؟
الصديق : لحد الساعة نعم , وأنت كيف حالك ؟
وجدها حميدة مناسبة ...أدارها في عقله السريع ليستغلها ..
حميدة : يا أخي , أنا حزين ..وأشعر بالإحباط
الصديق : يا ساتر , ألطف ..احك لأخفف آلامك !
حميدة : دوختني الفتاة ( ...) تبعتها مرارا فلم أفلح بلقاء يبرد ناري
الصديق : يا لطيف ..أنت تسير وراء فتاة لا أخلاق لها
حميدة : ماذا ؟ فتاة سيئة الأخلاق !!؟
الصديق : نعم ..عاشرت شبانا منذ مراهقتها , وكانت ترقص في حفلات الميلاد والنجاح والأعراس
حميدة : الرقص ليس عيبا إن كان بين أفراد العائلات ..
الصديق : وما رأيك وهي ترقص بين ذراعي كل شاب بالتناوب ( سلوو ) وأضيف إليك أنها خبيثة الطبع فكلما اقترب منها شاب سبته وشتمته ..
حميدة : هذا أمر غريب !
الصديق : وما الغرابة ؟؟
حميدة : تسب الشبان وترقص مع أنواعهم المختلفة
الصديق : نصحتك لتبتعد عنها
حميدة : نصيحتك مقبولة ..
التقى حميدة بفتاته أثناء حفلة زفاف في حيه , رآها خجولة , لا تغني ولا ترقص , ولما اقترب منها عرقت ..سلم عليها فتجاذبا أطراف حديث متقطع ووجد بصعوبة لإقناعها..خطبها حين اعتبر صديقه ثعلبا لم يصل لها فقال : أنها حامضة ..ولم يستدعيه لوليمة الاحتفال بزواجه ..
12 = حتى يزيد عاد سميه سعيد ...
يتخبط حميدة في مشاكل عديدة منذ سن المراهقة ..لم يسعفه الحظ فتحدد قدره في ضيق الحال ..تزوج مرغما وبدون إذن والديه ..حشر في بيت نسيبه وذاق مرارة الحياة .. ليشقى وينال الصخب ويعيش معارك الإناث داخل منزل مكدس حرم والد حميدة ابنه من العطف والمساعدات لأنه خرج عن طوعه وتزوج من الفقر تاركا ابنة عمه الغني نسبيا , فأسرة حميدة تعيش في بحبوحة من الحياة التي تفوق متوسط الثراء , لكن الولد اتبع سكة الغرام الذي أغراه فزوجته من تفوق جمالا بالنسبة لبنت العم , وما زاد الالتصاق بها أنها أنجبت طفلا بطريقة سريعة حسب آراء أم تريد أن تكتفه كي لا يفلت الإرث من يد حميدة , وربما يحن الوالد ويجذبه الحفيد بتكرار الكبد ..لقد انتهى الأمر وتيقن حميدة أنه انفصل نهائيا عن والديه , كبرت المشاكل وازدان فراش حميدة بثلاثة أولاد ..ولدان وبنت ..وبلغ الأب الذي تخلى عن ابنه السبعين سنة ..الأيام تمر وأمل حميدة في الإرث وعيناه تنتظران خبر وفاة والده ..كره حميدة والده رغم علاقة الرحم , لأنه تألم وغار الحزن في قلبه بسبب الفراق ..وكان يبحث عن تدليل للعقبات التي تفصل بين الابن وأبيه ..إنه بار بوالديه يطيعهما ويحبهما ومن حقه أن يختار زوجته لأنه رفض ابنة عمه لكن الأب استبد برأيه..وفي ليلة ..
حميدة : سأرث المال وسنغير هذه الحياة الدنيئة
الزوجة : والدك لازال بصحة جيدة , ومنذ أن عرفته لم يزر الطبيب إلا نادرا ..لا تطمع فيما يخفيه المستقبل المظلم
حميدة : لا تغرك تلك القوة ..فالموت لا تخاف من العلاج والقوة والدفاع , إنها خطف بلا فدية
الزوجة : اترك هذا الحلم الذي أفقدك الصواب وجعلك تتمنى الموت لوالدك
حميدة : سنصبح أغنياء ..
الزوجة : حتى يزيد عاد سميه سعيد
حميدة : مثال خرافي لا ينطبق على الواقع المر الذي نحياه..
بعد ثلاث سنوات مات والد حميدة فعم الفرح قلبه الذي رفض حضور جنازته رغم التدخلات ..ولما حان موعد الإرث وجدوه مقسما بين الضرائب والديون والشيكات القديمة عند أصدقائه ..ورث حميدة مائة ألف ريال وفرنكات ..ذهل فعاد لزوجته يحمل الأمل الهزيل وعلى جبهته : حتى يزيد عاد سميه سعيد ..
13 = كايتعلق فين يتفلق..
تم استدعاء حميدة لوظيفة شاغرة حسب شهادة لا ترفعه إلى أي مستوى يحقق طموحه , لكنه اعتبر هذه الخطوة سلما تدريجيا ليصل إلى المال إن أخلص وتمرغ في ذيول رؤساءه ..تسلم مقعده في إحدى مكاتب الإدارة ووجد إلى جانبه موظفا أقدم منه , احترس منه حميدة ولجم لسانه بالكي ..
الموظف : مرحبا
حميدة : شكرا
الموظف : سأساعدك إن جهلت شيئا في الملفات
حميدة : سأعول عليك شكرا
استدعاه المدير بواسطة رئيسه المباشر بعد شهور ..
الرئيس المباشر : سيدي هذا هو الموظف الجديد
اشتعل دماغ حميدة بسرعة وأشغله أكثر ليستغل فرصة الطاعة والإخلاص وإضافة التذلل والمسكنة
المدير : تفضل , خذ كرسيا لأحدثك
حميدة : حاشا سيدي ..سأبقى واقفا احتراما لك
المدير للرئيس المباشر : التحق بمكتبك , أريد التحدث إلي حميدة
سمع حميدة اسمه النابع من حلق مهم في الإدارة , انتشى بهذا التكريم حين تفرد برجل مهم في المؤسسة .
المدير : اسمع يا ولدي سأجعل منك موظفا خاصا وتابعا لنفوذي فقط , فبعد أن انتقل موظف كنت أعول غليه بحثت عن البديل فوجدته فيك
حميدة بلسان سعيد ومبروم حول فرصة ذهبية : أنا في الخدمة ولو صرت عبدا لك
المدير : حسنا أعتقد أنك نجحت بسرعة فائقة , لكن هل تكتم الأسرار ؟؟!
حميدة : من لا يكتم أسرار ولي نعمته كلب وخائن
المدير : هائل ..برافو ..والرب إنك المفيد تفيد وستستفيد
حميدة : شكرا على الثقة ..
ومن يومها صار حميدة , خادما من أدنى المستويات , لكنه يربح المال ليضيفه إلى أجرته ..يشتري اللحم والخضر , يوصل الزوجة إلى الحمام ويرافق الأولاد إلى المدارس الابتدائية والثانوي , يصرف الشيكات , ويجلب الهدايا والرشاوى ويبلغ كل كبيرة أو صغيرة لسيادة المدير فرض حميدة على نفسه خدمة تحط من شخصيته وثقافته ودينه , لكنه تحمل كل شيء ليصل إلى أطماعه وحاجياته من كماليات تعتبر ممنوعة في حق أمثاله الحثالة ..تغيرت حاله فركب التعلق بالمدير الذي سيوصله للفرنكات ..تهكم عليه البعض وحمدوا الله على أن المدير ليس من المتحرشين جنسيا داخل الإدارة أو خارجها فلو كان كذلك لصار حميدة قوادا , ورغم تهكمهم كان بعضهم يقترض المال قبيل آخر الشهر المجحف ..
الموظف : ما أسعدك ! لقد اقتربت من ترقية لتكون أحسن منا
حميدة : قربني المدير لأستغل موقعي معه وأربح ما تمنيت
الموظف : أنت على حق ولكنه يتعبك ويستغلك ( أعتذر ) كالبغل
حميدة : لا تعتذر قل حمارا لأصل إلى ما أتمناه من الفرنكات
وفي غد قادم بين شهور الحظ ألقي القبض على المدير عاد حميدة إلى منصبه القديم دون أن ينتقم منه رئيسه المباشر إكراما لأسرته وعدم ثبوت رشاوى وصفقات في حقه كمشارك مطيع للمدير ..وبقي لاصقا في مكتبه جنى كاد أن يرثه ..أو يورثه ..وقفز الجدد من فوق رأسه ..ترقى الكل , لأنه عادى الجميع بتملقه ونميمته أخيرا تقاعد فأوصى أبنائه على القناعة وأن لا يتعلقون بما يفلقهم من أجل فرنكات ...
14 = اللسان ما فيه عظم...
في إحدى الحدائق قبيل انتهاء فصل الربيع تمتع حميدة وصحبه بظل شجرة دائمة الخضرة ..هواء منعش ..طقس معتدل ..يوم مشمس بدون ضوضاء زوار الحديقة وهما وسط الأسبوع في عطلة تعوض يوم أحد ..
الصاحب : يا لها من راحة فزنا بها
حميدة : أبدو وكأنني أتخلص من تعب يسيل عبر جسدي
الصاحب : هل سمعت ما جرى لفلان ؟؟!
حميدة : أرجوك , نحن في راحة , لا تحدثني عن الناس
الصاحب : اسمع واستمتع فأنا لا أمنع تلذذ عبقات الفضاء بل أشنف أذنيك
حميدة : تعودت الثرثرة والكلام عن الآخرين وأنا لا أستملح الغيبة
الصاحب : إنني أسرد واقع فلان فقط ..
حميدة : أخطر ما فينا اللسان
الصاحب : واللسان ما فيه عظم
حميدة : والمثل الصيني يقول , إن تركت الكلمة في صدرك سجنتها وإن أطلقتها سجنتك
الصاحب : مثال أصفر فالكلام ينفس الكبت ويريح الضمير
حميدة : لن أقاوم شأنك في الثرثرة
الصاحب : وقع فلان في ..
كمل الصاحب حكايته عن فلان ثم انتقل إلي رواية أخرى , سئم حميدة ذا اللسان الطويل فقرر أن لا يعاشره بعد اليوم لكن المدينة تفرض لقاءات الصدفة ومن الصدف أن حميدة دخل إحدى المقاهي ليحتسي قهوته المفضلة حينها سمع نداءا ..عجب لوجود صاحبه بين أصدقاء لا يعرف اثنين منهم , اتخذ مقعدا وطلب كأس قهوة ..دارت أحاديث كثيرة ونكت متنوعة , ضحك حميدة وسعد بجو يهدئ الأعصاب ..وكان ينصت للسان صاحبه خوفا من زلاته , لكن العادة لا ترحم وتديم وجودها على الإطلاق ..
الصاحب : سأخبركم بما خفي من حياة (....)
أحد المرافقين : أنا أعرفه إنه ..
قاطعه الصاحب : أنا أعرفه أكثر منك
حميدة : هيا اذكر بلسانك المعوج ما خفي من حياته
الصاحب يبتسم : حكي عنه أنه كان يمارس عملا مقززا و
وقف المعني بالأمر ووجه لكمة قوية أصابت العين اليمنى لصاحب حميدة فتركه الملاكم يتحسس العين المضروبة والدم يسيل من حاجبها ..
أحد المرافقين : هو من خفي عنك !!
حميدة : أخطأت لكن اللسان ما فيه عظم ...
15 = اللي عندو باب واحد الله يسدو عليه ...
أغلقت الأبواب السياسية والمالية والدينية والمهنية أمام وجه حميدة وبلغ سن حلق اللحية وهو يمد يده لوالديه كي يساعداه بمصروف العاطل ثقيل الظل في كبره ..اعتاد على الصورة التي أخذت له بين سكان الحي , رضي بالحظ وكفر به فلا تغيير في أفق مستقبله المظلم ..ففي كل صباح يلعن يومه المتآكل في الراحة والنوم ويعرق بدنه كلما تذكر الساعات التي تتبخر بين أدخنة السجائر ..
الأب : استيقظ مبكرا للبحث عن العمل
حميدة : يتكدس العاطلون أمام أبواب الشركات الموصدة , وقليلا ما يلج المؤهل بالمطلوبة شهادته
الأب : اصبر إن الله يفتح أبوابا أخرى
حميدة : لا أرى سوى أبواب الرشوة والوساطة و..و ..
الأب : الأيام واحدة ولكن الإنسان يتغير مع مرورها
ترك حميدة المنزل ليلطف كلام والده وينسى الأمل المصدوم على حائط النحس , ولما اقترب من ساحة مهمة في المدينة , التقى صديقا لم يره منذ شهور ..
الصديق : أهلا حميدة ! أين اختفيت
حميدة : في الهم والغم وجرثومة البطالة
الصديق : لا عليك ستفرج , هيا لنتشاور في أمر مهم ونبحث عن مكان مريح
وصلا إلى خارج المدينة حيث جلسا على كدية من نفايات الأبنية ..
الصديق : ما رأيك في أن تشاركنا مهمة تكسب من وراءها فرنكات ؟
حميدة : أتسأل عاطلا يستجدي مالا من والديه ؟؟!!
الصديق : هذه بالطبع موافقة ضمنية وحزينة
حميدة : نعم ..وما هي هذه المهمة ؟
الصديق : سنسرق بيت ثري ونحن خمسة أفراد وأنت السادس
حميدة : اسمع , أنا محتاج للمال لأشتري سلعا وأتعاطى للتجارة في الشوارع ..لكن السرقة ليست من أسلوبي في الحياة
الصديق : فكر في فرصة لن تجدها من بعد فواتها
حميدة : سأشارككم بشروط فالمحتاج يبقي نفسه في النار!
الصديق : وما هي ؟
حميدة : أولا , أريد نصيبا فقط ومن دون قسمة
الصديق : موافق والثانية ؟
حميدة : أن تكون هذه السرقة آخر أعمالي كمشارك
الصديق : وهل من شرط آخر ؟
حميدة : نعم ..لا تذكروا اسمي إن ألقي عليكم القبض لأنك أقحمتني في المشروع وأنت السبب فيه
الصديق : ستكون السرقة مضبوطة ولن تترك أثرا وراءها
حميدة : الآن , اطمأن قلبي
وفي ليلة بعد منتصف الليل وأهل المنزل المراد سرقته نيام ..عالج أحد اللصوص فتح الباب نجح بمهارة , دخل الستة وكل واحد مكلف بمهمة للاستحواذ على ما خف وغلا ثمنه , وفجأة انتشرت أضواء المصابيح فظهر شخص وهو لا يعلم ما يجري في منزله , انقض عليه أحد اللصوص وهو أقواهم وأشدهم بطشا خنقه بذراعه القوية وأخرج سكينا فوضعه قرب عنقه ..
زعيم العصابة : أيوجد أحد غيرك في المنزل ؟
صاحب المنزل : لا أحد !
اللص القوي : هل نقتله ؟
زعيم العصابة : سنقتله بعد أن يدلنا على المال والذهب والمجوهرات
اللص القوي : فكرة مهمة , متى ستأمر؟؟ .. سأقتله ..
حميدة بصوت خافت لصديقه : لم نتفق على القتل ..أرجوك امنع الجريمة كي لا نتورط أكثر
الصديق بنفس الصوت : اسكت , إنه شاهد إثبات وبواسطته سنتورط ونغرق في السجن أكثر من المدة القانونية
استغل حميدة انشغالهم في البحث عن ما يسرقونه , جرى نحو اللص القوي ضربه بأقصى قوة يملكها فأسقطه أرضا وانزلقت السكينة ..ابتعد صاحب المنزل , وبهرولة خارقة لا يدري من أين اكتسبها طار حميدة نحو زعيم العصابة حكم السيطرة حول عنقه , هددهم بسجينه أطاعوا زعيمهم الخائف من الذبح ..أمرهم حميدة للانبطاح على الأرض , قيدهم صاحب المنزل الواحد تلوى الآخر , استدعى الشرطة لتقودهم إلى مركزها , قضت العصابة بعد تدوين المحاضر ليلة السبت والأحد في الحبس الاحتياطي ..توصل حميدة بأكلات من والديه اللذان يبكيان تعاسة ابنهما ..تجمع اللصوص يوم الاثنين أمام مكتب النائب العام , تعبوا وهم ينتظرون دورهم بعد ملفات سبقتهم ..وبعد العاشرة صباحا سمع حميدة اسمه وقف ذابل الوجه وفي لباس قذر من نوم على أرض متعفنة في مركز الأمن..دخل مكتب النائب العام الذي سيحقق معه ويقارن تصريحاته مع التي اعترف بها وما سيعترف به أمامه
النائب العام : احك سبب وجودك بين هؤلاء اللصوص
حميدة : أرغمتني البطالة و..
يدخل الحارس ويقدم رسالة للنائب العام , والصمت أوقف لسان المتهم ..فتح الغلاف وقرأ مضمون الرسالة ..
النائب العام : تفضل , عد إلى دارك
حميدة : أشكرك ولكن وجودي بين اللصوص لا يبرؤني ..
النائب العام : صاحب المنزل برأك وشهادته أمر يجب أن ينفذ لأنه مرموق وذو سمعة في المدينة
سلم حميد على النائب العام الذي حضره من الوقوع في مصيبة أخرى , وأثناء خروجه ..
اللص القوي : أقسم أنك لن تنجو مني بعد خروجي من السجن أيها الخائن , سأقتلك أنت وصاحب الدار ,
أضاف النائب العام ما سمعه في ملف اللص القوي لتزداد سنوات حبسهم ..قدم اللصوص للمحكمة وملفهم مثقل بالسرقة الموصوفة والتحريض على القتل والتهديد ومحاولة قتل صاحب المنزل ..
بكت الأم وحضنت حميدة الذي عانقه الأب بدوره , قبل يدي الوالدين والندم يصقل ضميره ..ارتاح حميدة وامتنع عن الخروج وكان لا يغادر داره إلا لأجل السخرة , لفظ التدخين ..وبعد شهرين فتحت الأم باب الدار الخربة , رأت وجها من المستحيل أن يكون من سكان البناء العشوائي ..
الأم : أهلا سيدي
صاحب المنزل : شكرا سيدتي
الأم : حاشا أن أكون سيدتك
صاحب المنزل : أصبحت سيدتي بفضل ولدك حميدة , فأين هو ..؟؟!
الأم : في الداخل , تفضل
مشى صاحب المنزل وراءها , اقتربا من حميدة الممتد على ( سداري ) من الحلفاء ..قفز كالملسوع بحية رقطاء , سلم بتحية تدل على الطاعة والامتنان ..
حميدة بتلعثم : هذا هو صاحب المنزل !
الأم : متشرفين سيدي ولا شيء لمكافأتك سوى الدعاء
صاحب المنزل : أتيت لأراكم وأطمئن على حميدة ..
حميدة : شكرا لقد شرفتنا بوجودك في يوم جمعة
الأم : أرجوك ابق معنا لتتناول طعام الكسكس..
صاحب المنزل : لا يمكن لأن زوجتي وابنتي آخر العنقود ينتظراني
الأم : والرب لا تكسف رغبتنا ..الأسف أننا لسنا من مستواك لكننا مرغمون لضيافة رجل نبيل وشهم
صاحب المنزل : حسنا , أشترط أن لا تكلفوا أنفسكم بما لا يطاق
حميدة بعد أن استفاق من المفاجأة : لن تتغذى سوى الموجود لأن حضورك بيننا له قيمة لا تقاس بثمن
صاحب المنزل : سأحضر زوجتي وابنتي ..
حميدة : وأين باقي الأولاد ؟؟!
صاحب المنزل : لهم أعمالهم وبيوتهم الخاصة ..بالمناسبة أين والدك ؟
الأم : سيحضر فيما بعد لتناول الكسكس الذي يحبه وسيتعرف عليك وكم ستكون سعادته عظيمة إن وجدك بيننا ..
حضر صاحب المنزل رفقة زوجته وابنته , رضوا بالمكان الضعيف استقبلوا بفرحة عارمة .. تم التعارف , أعجبهم الكسكس ..
مضى أسبوع على اللقاء , وفي يوم الاثنين بعده حضرت سيارة صاحب المنزل لتنقل حميدة إلى العمل فقال في نفسه داخل السيارة : إن سدت الأبواب في وجوهنا فهناك أبواب الأقدار لا تسد ..
16 = وريه إيلا عمى خليه ...
اضطر حميدة في آخر الأسبوع أن ينتقل عبر الحافلة إلى إحدى ضواحي المدينة ليلتقي صديقه ولد زهرة , دروب ضيقة وزعت عليها الرمال والزفت ..قطعها غضبا على تطور يصيبها بقطرات , اقترب من ساحة لمفترق الشوارع المهمة والمحظوظة بالعناية الخاصة ..رأى حميدة صديقه ولد زهرة ينتظره في المقهى , حياه وجالسه ..
ولد زهرة : على السلامة
حميدة : أهلا صديقي
ولد زهرة : لماذا تأخرت ؟
حميدة : ركبت حافلة تمر من الجهة الأخرى للضاحية
ولد زهرة : أخطأت في الرقم !
حميدة : نعم
ولد زهرة : هل والداك بخير
حميدة : أبلغك سلامهما
ولد زهرة : شكرا , اشتقت لزيارتهما
حميدة : سأنتظرك الأسبوع المقبل لتتناول طعام الغذاء مع أسرتي
ولد زهرة : وجب فأمرك سينفذ ليطمئن شوقي لكم
يظهر صديق ولد زهرة فرحا ومزهوا وكأنه يرتدي جناحي الغرور
الصديق : السلام عليكم
ولد زهرة : وعليك السلام , أقدم لك حميدة أعز أخ عرفته منذ طفولتي
الصديق : متشرفين
حميدة : شكرا
ولد زهرة : أخي حميدة هذا صديق من الحي أعاشره منذ مدة ..
حميدة : متشرفين
الصديق : ما شربتماه على حسابي ويمكن لكما طلب مشروبات أخرى
ولد زهرة : وما هي مناسبة هذه الضيافة المبذرة ؟؟!
الصديق : حصلت على رخصة السياقة
حميدة : مبروك
الصديق : لم أسمع كلمة مبروك من صاحبي ولد زهرة
ولد زهرة : حميدة لا يعرفك أما أنا أعرف كيف حصلت على الرخصة ؟
الصديق : المهم أني فزت بها
ولد زهرة : لم تتدرب طويلا على السياقة ..ولم تحفظ كل إشارات المرور عن ظهر قلب , لقد نلت الرخصة بطريقة لن تجعلك غير مؤهل لقيادة سيارتك التي اشتريتها مؤخرا ..
الصديق : هل تحسدني ؟؟
حميدة : صه ..أنا أعرف ولد زهرة لا يحسد أحدا بل يتمنى الخير للجميع
ولد زهرة : نال رخصة القيادة بقارورة ويسكي وألف ريال
الصديق : كثيرة هي الأمور التي تجوز بالرشوة , فالمال يسهل الكسب
حميدة : اسمح لي , من أسس القيادة الإلمام بكل عناصرها والرخصة المتقون حيازتها تحفظ حياة السائق من الحوادث..
ولد زهرة : لا تنصحه لأنه يتمتع برخصة القيادة في جيبه وسيركب سيارته للظهور بمظهر الطبقات الميسورة , وربما سيستعملها ليسلب عقول الإناث
الصديق : ألم أقل لكما أن ولد زهرة لا يتمنى الخير لصاحبه
حميدة : أرجوك أنصت لنصيحتي ؟
الصديق : وما هي ؟؟!
حميدة : حصلت على رخصة القيادة باحتيال ..وتملك الآن سيارة من المال الحلال , فلا تخلط بينهما , إذ يجب عليك أن تتنقل بسيارتك عبر مسافات طويلة فلا تخاطر بحياتك ..
الصديق : هل هذه نصيحة أم منع للقيادة ؟؟
حميدة : لا ..حاول أن تتدرب على السياقة خارج المدينة وتراجع إشارات المرور لتتمكن من العمليات التي أهملتها وبعد ذلك انطلق بسيارتك إلى أبعد المسافات وقد أتقنت فنون القيادة ..
ولد زهرة : كلام صديقي معقول لأنه يريد لك خيرا
الصديق : سأدفع ثمن المشروبات ولتبق نصائحكما هنا في مقهى الثرثرة
ودعهما ..أكملا شرب القهوة ثم سارا في جولة عادية إلى أن اقترب موعد زيارة حميد لوالدي ولد زهرة , تناولوا جميعا طعام الغذاء بعده انتهت الزيارة ..
مرت شهور , سمع حميدة طرقا على الباب , فتحه ليرى وجه ولد زهرة ..
حميدة : ما بك ؟ أراك شاحب الوجه !
ولد زهرة : هيا بنا لزيارة صديقي السائق
حميدة : هل من مشكل ؟
ولد زهرة : إنه راقد في مصحة (...)
حميدة : سأخبر والدتي لنذهب معا
زاراه فوجداه مكسر الرجل اليسرى وذراعه الأيسر , وكان الصمت يخيم عليهم وكأنهم يفكرون في الحوار الذي دار أثناء لقائهم في المقهى , واقتصرت الكلمات في ..على سلامتك ..نحمد الرب على الحادثة البسيطة ..نجاك الله ..وتمت الزيارة دون الحديث عن ما ( وراو ) ..شفي الصديق والتأم الكسر جيدا , وذات يوم بعد الشفاء لقي حميدة داخل بنك وهما جالسان على أريكة الانتظار ..
حميدة : فرحت الآن بوجودك سالما معافى
الصديق : شكرا
حميدة : هل سلمت السيارة من الحادثة ؟؟
الصديق : نعم ..كانت الإصابة خفيفة على الجانب الأيسر ..
حميدة : هل ستستعملها مرة أخرى ؟
الصديق : نعم ..ولكن سأتمرن جيدا قبل استعمالها , لقد مزقت الرخصة وسأمتحن من أجلها في مدينة أخرى حيث يقطن أخي وأسرته ..( وريتوني ولكني عميت ) ..ضحكا ...
17 = لا حمار لا سبعا فرانك....
فرح حميدة ككل المغاربة بالمسيرة الخضراء التي فتحت باب إن الوطن غفور رحيم لأن المغفور له الحسن الثاني فتح ذراعي المغرب للعائدين من مزبلة البوليساريو , اكتفى حميدة بمشاهدة القنوات التلفزية , ليطلع على صراع خلقته الجزائر بلا مبرر ..والذي استرعى انتباهه زعيم يلقب بعزيز ( المراكشي ) وحاشا أن يكون مراكشيا وهو في الحقيقة تيندوفي وكركوزة عسكر الجزائر , ضحك سخرية منه لأن أسياده عادوا إلى وطنهم المغرب ولم يتذكر تاريخ عودة الكلاوي الذي عفا عنه المرحوم محمد الخامس ورجوع الجوماني وعودة زعماء وادي الذهب ..
بقي التيندوفي يعيش فوق أرض لا تمت له بصلة وهنا قارن بين مغاربة يحملون جنسيات مختلفة ماتوا في المهجر كمغاربة وحتى يهود المعرب دفنوا فيدول كمغاربة ويعتزون بمغربيتهم في حين لازال عبد العزيز التيندوفي يتزعم دولته الوهمية على أرض دولة الجزائر وكانت ملاحظة حميدة أن التندوفي أصبح بلا حمار ..بلا سبع فرنكان , لأنه إن مات لن يدفن في المغرب ولن يدفن على أرض جمهوريته وإنما سيدفن في الجزائر بطقوس الغريب وبصفة الشماتة سيغطون تابوته براية الوهم ويصلي عليه منافقون ويدق نشيده في فضاء الجزائر وسنقرأ L إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) وهو تحت تراب الجزائر..
سافر حميدة إلى جنوب المغرب , زار العيون والداخلة وتمتع بوطن تمدد تاريخيا وعرقيا..وجنوب لفظ من سيكون مصيرهم لا حمار لا سبع فرنكات جزائرية ..
9 = مسكين خدا مسكينة وتهنات المدينة..
أنهى حميدة دراسته وفاز بدعم الوالدين معنويا رغم خيانة الماديات , إلا أن استدعاءه لوظيفة متوسطة الدخل خففت من بعض المشاكل الاجتماعية , توصل حميدة بأول حوالة بيضاء تحمل أرقاما فرنكيه , أسعدته فأهلته ليكون أفضل حالا مما مضى ..لم تتخل عيناه عن بنت الدرب , رافقها من بعيد في الغدو والرواح ولا يجرؤ علي الاقتراب منها خوفا من والدها وأخيها وتخلفا عن لوم سكان الحي ..والآن حضرت الوظيفة لتنبث أقدامه وتسمح له بالمغازلة ولو خلف حاجب فضائي من الخجل ..أخبر أمه ..
حميدة : أمي بغيت نتزوج بنت فلان
الأم : الزواج حلال وما قلتي عيب
حميدة : كاتعرفيها ؟
الأم : بنت ظريفة ومن عائلة مسكينة
حميدة : حتى أنا مسكين وولد المساكين
الأم : وجد راسك واحنا معاك
حميدة : غير نشد الرابيل خطبوها لي
الأم : كانواعدك ..وغادي نهضر مع اباك وما يكون غير الخير
بدأت الأيام تمر وحميدة يعدها في شهور تشغل باله وتسقي أحلامه بتخطيط للفرح ..وفي المنزل من دون حضور حميدة ..الأم : سولت علي عائلة البنت ؟!
الأب : معلوم.. ناس ما فحالهومش , ظراف ومعقولين
الأم : وباغيين يزوجوها ؟..
الأب : كايتمناو راجل مأدب وعندو مستقبل وضامن مدخول يعيشهم بجوج
الأم : مزيان ..كل الشروط في ولدي
توصل حميدة ب (الرابيل ) فأعد العدة ليخطب زوجة الغد ..وبالفعل تم القران بعد حفلة متواضعة جمعت مسكينا بمسكينة وتهنات المدينة ..مر كل شيء بخير وعلى خير وبعد شهور وتعثر الحمل الذي سيهل بحفيد أو حفيدة ..
الزوجة : طلقني ..طلقني اليوم قبل من غدا
حميدة : حشومة ياللاه تزوجنا ما زال ما كملنا العام
الزوجة : قلت ليك طلقني ..ويلا ما بغيتيش غاديا نمشي عند واليديا ..
حميدة : الله يهديك , كوني عاقلة ..حرام عليك تخسري زواج جديد ..
الزوجة : كانكرهك أنت خايب ..ما تصلحش لي أنا احسن منك أنت ما تسوى والو والله لا قبرت زيني في حياتك الفالصو
حميدة : ياك قالوا زواج لمساكن كايهني المدينة
الزوجة : كدبو عليك ..الدنيا تبدلات
حميدة : ورى كلامك سر ..قوليه بلا ما تخافي !!
الزوجة : لقيت سيدك
حميدة : صافي حدك تمة وصلنا للإهانة , أنت طالق
الزوجة : الحمد لله , تهنيت منك أنت كابوس قهرني
حميدة : عمر الواحد ما يتيق أنا مسكين خدي مسكينة وتهنات لمدينة حيت لمدينة فيها ولد لحرام
10 = لعناد يدير لقراد ......
يعيش حميدة على قد الحال يربح مالا لا بأس به من تجارته ..لكنه يعيش عبدا لامرأة ألقتها عليه أسرة مغرورة ومركبة بالأنانية ..
حميدة : اتق الله يا زوجتي اطلبي مني ما تريدين لكن لا تتجاوزين محفظتي
الزوجة : هل تريد أن أحضر الحفلات عارية أو بنفس الألبسة القديمة التي رآها العادي والبادي ؟؟!
حميدة : احترمي الجهد الذي أبذله لكسب ما يحقق ذوقك
الزوجة : لو رأيت ما تلبسه فلانة وتتزين به أخريات لرحمتني وصرفت علي أكثر مما أستحق
حميدة : لا تقلدي النسوان , اكتفي واقنعي بالموجود ..
ضغطت عليه وهددته بالفراق وبكت ثم هرولت نحو غرفتها لتسيل دموع التأثير على سريرها ..تبعها حميدة الخائف على الرجوع إلي الوحدة والعزوبية التي تخلص منها بشق الأنفس , لبي طلبها ووعدها أن يسلمها صباحا المبلغ الذي تحتاجه لتتزين به ..بدأ يضيف الرغبات علي ما تلوح به الزوجة ..ففي كل مناسبة تشتري الذهب وتفصل ألبسة جديدة لتتباهى أمام قريناتها ..ضاعت التجارة بين كساد وتبذير , باع حميدة ذهب زوجته فلم يسدد ديونه والضرائب لأن عناد زوجته وتعلقها بالمظاهر فلقها ولسعها بقراد الكلاب فناتت تحت وطأة الفقر ..
الزوجة : سامحني لقد أخطأت
حميدة : وأين اكتشفت السيد الخطأ يا محترمة ؟؟!
الزوجة : جل المدعوات للحفلات يلبسن ما يكترينه من المشرفات على طقوس وآليات الأعراس والحفلات العائلية ويستلفن الذهب والمجوهرات من صديقاتهن والعديد من الحلي تكون فالصو ..
حميدة : أحمد الرب أنك عرفت حقيقة تهورك ..أنت طالق بالثلاث ..
11 = إيلا ما وصل الثعلب للعنب قال : حامض ..
يتبع حميدة خطوات فتاة , أعجبته أخلاقها وازداد تعلقه حين علم مكانة الأسرة بين سكان الحي ..لكن الصدمة التي منعته من مقابلتها والتحدث إليها تمثلت في صديق عزيز لا يفارقها ويتطلع إليها بلهفة دون أن يلمس يدها أو يقترب من تيارها الجذاب ..احتار ولام نفسه كي لا يضايق صديقه أو يحرجه في إحدى الصدف ..فقرر أن يمارس حراستها من بعيد.. فربما يحصل لقاء بينهما يحتم عليه المغادرة ..دامت الحالة على هذا المنوال فلم يصل الصديق إلى تقليص الدائرة الضيقة بينها وبينه ..طال الانتظار ومل حميدة هذه الوضعية المعقدة ..سئم الذهاب والإياب بلا نتيجة ..نذر صبره ..وزاغ رأيه في الحيرة ..كاد أن يجن من صور استقرت في الضبابية ..نعت حميدة نفسه وصديقه بالغباء المعشش في عقلين دارا وتاها بلا جرأة حول فتاة وهي من الجنس الضعيف ..وأثناء تمدده على ظهره فوق سرير الأحلام التي لم تفسر بعد اصطاد فكرة برزت في مخيلته التي تطورت تحت طائلة القلق ..وافق الصيد الفكرة ليلتقي بالصديق ويستفسر نهاية مشوارهما وراء البنت ..وفي إحدى المقاهي ..
حميدة : اضطررت أن ألتقي بك ..لأنك غبت عني مدة طويلة
الصديق : حسنا ..أنا أيضا اشتقت لرؤيتك
حميدة : هل أنت بخير ؟
الصديق : لحد الساعة نعم , وأنت كيف حالك ؟
وجدها حميدة مناسبة ...أدارها في عقله السريع ليستغلها ..
حميدة : يا أخي , أنا حزين ..وأشعر بالإحباط
الصديق : يا ساتر , ألطف ..احك لأخفف آلامك !
حميدة : دوختني الفتاة ( ...) تبعتها مرارا فلم أفلح بلقاء يبرد ناري
الصديق : يا لطيف ..أنت تسير وراء فتاة لا أخلاق لها
حميدة : ماذا ؟ فتاة سيئة الأخلاق !!؟
الصديق : نعم ..عاشرت شبانا منذ مراهقتها , وكانت ترقص في حفلات الميلاد والنجاح والأعراس
حميدة : الرقص ليس عيبا إن كان بين أفراد العائلات ..
الصديق : وما رأيك وهي ترقص بين ذراعي كل شاب بالتناوب ( سلوو ) وأضيف إليك أنها خبيثة الطبع فكلما اقترب منها شاب سبته وشتمته ..
حميدة : هذا أمر غريب !
الصديق : وما الغرابة ؟؟
حميدة : تسب الشبان وترقص مع أنواعهم المختلفة
الصديق : نصحتك لتبتعد عنها
حميدة : نصيحتك مقبولة ..
التقى حميدة بفتاته أثناء حفلة زفاف في حيه , رآها خجولة , لا تغني ولا ترقص , ولما اقترب منها عرقت ..سلم عليها فتجاذبا أطراف حديث متقطع ووجد بصعوبة لإقناعها..خطبها حين اعتبر صديقه ثعلبا لم يصل لها فقال : أنها حامضة ..ولم يستدعيه لوليمة الاحتفال بزواجه ..
12 = حتى يزيد عاد سميه سعيد ...
يتخبط حميدة في مشاكل عديدة منذ سن المراهقة ..لم يسعفه الحظ فتحدد قدره في ضيق الحال ..تزوج مرغما وبدون إذن والديه ..حشر في بيت نسيبه وذاق مرارة الحياة .. ليشقى وينال الصخب ويعيش معارك الإناث داخل منزل مكدس حرم والد حميدة ابنه من العطف والمساعدات لأنه خرج عن طوعه وتزوج من الفقر تاركا ابنة عمه الغني نسبيا , فأسرة حميدة تعيش في بحبوحة من الحياة التي تفوق متوسط الثراء , لكن الولد اتبع سكة الغرام الذي أغراه فزوجته من تفوق جمالا بالنسبة لبنت العم , وما زاد الالتصاق بها أنها أنجبت طفلا بطريقة سريعة حسب آراء أم تريد أن تكتفه كي لا يفلت الإرث من يد حميدة , وربما يحن الوالد ويجذبه الحفيد بتكرار الكبد ..لقد انتهى الأمر وتيقن حميدة أنه انفصل نهائيا عن والديه , كبرت المشاكل وازدان فراش حميدة بثلاثة أولاد ..ولدان وبنت ..وبلغ الأب الذي تخلى عن ابنه السبعين سنة ..الأيام تمر وأمل حميدة في الإرث وعيناه تنتظران خبر وفاة والده ..كره حميدة والده رغم علاقة الرحم , لأنه تألم وغار الحزن في قلبه بسبب الفراق ..وكان يبحث عن تدليل للعقبات التي تفصل بين الابن وأبيه ..إنه بار بوالديه يطيعهما ويحبهما ومن حقه أن يختار زوجته لأنه رفض ابنة عمه لكن الأب استبد برأيه..وفي ليلة ..
حميدة : سأرث المال وسنغير هذه الحياة الدنيئة
الزوجة : والدك لازال بصحة جيدة , ومنذ أن عرفته لم يزر الطبيب إلا نادرا ..لا تطمع فيما يخفيه المستقبل المظلم
حميدة : لا تغرك تلك القوة ..فالموت لا تخاف من العلاج والقوة والدفاع , إنها خطف بلا فدية
الزوجة : اترك هذا الحلم الذي أفقدك الصواب وجعلك تتمنى الموت لوالدك
حميدة : سنصبح أغنياء ..
الزوجة : حتى يزيد عاد سميه سعيد
حميدة : مثال خرافي لا ينطبق على الواقع المر الذي نحياه..
بعد ثلاث سنوات مات والد حميدة فعم الفرح قلبه الذي رفض حضور جنازته رغم التدخلات ..ولما حان موعد الإرث وجدوه مقسما بين الضرائب والديون والشيكات القديمة عند أصدقائه ..ورث حميدة مائة ألف ريال وفرنكات ..ذهل فعاد لزوجته يحمل الأمل الهزيل وعلى جبهته : حتى يزيد عاد سميه سعيد ..
13 = كايتعلق فين يتفلق..
تم استدعاء حميدة لوظيفة شاغرة حسب شهادة لا ترفعه إلى أي مستوى يحقق طموحه , لكنه اعتبر هذه الخطوة سلما تدريجيا ليصل إلى المال إن أخلص وتمرغ في ذيول رؤساءه ..تسلم مقعده في إحدى مكاتب الإدارة ووجد إلى جانبه موظفا أقدم منه , احترس منه حميدة ولجم لسانه بالكي ..
الموظف : مرحبا
حميدة : شكرا
الموظف : سأساعدك إن جهلت شيئا في الملفات
حميدة : سأعول عليك شكرا
استدعاه المدير بواسطة رئيسه المباشر بعد شهور ..
الرئيس المباشر : سيدي هذا هو الموظف الجديد
اشتعل دماغ حميدة بسرعة وأشغله أكثر ليستغل فرصة الطاعة والإخلاص وإضافة التذلل والمسكنة
المدير : تفضل , خذ كرسيا لأحدثك
حميدة : حاشا سيدي ..سأبقى واقفا احتراما لك
المدير للرئيس المباشر : التحق بمكتبك , أريد التحدث إلي حميدة
سمع حميدة اسمه النابع من حلق مهم في الإدارة , انتشى بهذا التكريم حين تفرد برجل مهم في المؤسسة .
المدير : اسمع يا ولدي سأجعل منك موظفا خاصا وتابعا لنفوذي فقط , فبعد أن انتقل موظف كنت أعول غليه بحثت عن البديل فوجدته فيك
حميدة بلسان سعيد ومبروم حول فرصة ذهبية : أنا في الخدمة ولو صرت عبدا لك
المدير : حسنا أعتقد أنك نجحت بسرعة فائقة , لكن هل تكتم الأسرار ؟؟!
حميدة : من لا يكتم أسرار ولي نعمته كلب وخائن
المدير : هائل ..برافو ..والرب إنك المفيد تفيد وستستفيد
حميدة : شكرا على الثقة ..
ومن يومها صار حميدة , خادما من أدنى المستويات , لكنه يربح المال ليضيفه إلى أجرته ..يشتري اللحم والخضر , يوصل الزوجة إلى الحمام ويرافق الأولاد إلى المدارس الابتدائية والثانوي , يصرف الشيكات , ويجلب الهدايا والرشاوى ويبلغ كل كبيرة أو صغيرة لسيادة المدير فرض حميدة على نفسه خدمة تحط من شخصيته وثقافته ودينه , لكنه تحمل كل شيء ليصل إلى أطماعه وحاجياته من كماليات تعتبر ممنوعة في حق أمثاله الحثالة ..تغيرت حاله فركب التعلق بالمدير الذي سيوصله للفرنكات ..تهكم عليه البعض وحمدوا الله على أن المدير ليس من المتحرشين جنسيا داخل الإدارة أو خارجها فلو كان كذلك لصار حميدة قوادا , ورغم تهكمهم كان بعضهم يقترض المال قبيل آخر الشهر المجحف ..
الموظف : ما أسعدك ! لقد اقتربت من ترقية لتكون أحسن منا
حميدة : قربني المدير لأستغل موقعي معه وأربح ما تمنيت
الموظف : أنت على حق ولكنه يتعبك ويستغلك ( أعتذر ) كالبغل
حميدة : لا تعتذر قل حمارا لأصل إلى ما أتمناه من الفرنكات
وفي غد قادم بين شهور الحظ ألقي القبض على المدير عاد حميدة إلى منصبه القديم دون أن ينتقم منه رئيسه المباشر إكراما لأسرته وعدم ثبوت رشاوى وصفقات في حقه كمشارك مطيع للمدير ..وبقي لاصقا في مكتبه جنى كاد أن يرثه ..أو يورثه ..وقفز الجدد من فوق رأسه ..ترقى الكل , لأنه عادى الجميع بتملقه ونميمته أخيرا تقاعد فأوصى أبنائه على القناعة وأن لا يتعلقون بما يفلقهم من أجل فرنكات ...
14 = اللسان ما فيه عظم...
في إحدى الحدائق قبيل انتهاء فصل الربيع تمتع حميدة وصحبه بظل شجرة دائمة الخضرة ..هواء منعش ..طقس معتدل ..يوم مشمس بدون ضوضاء زوار الحديقة وهما وسط الأسبوع في عطلة تعوض يوم أحد ..
الصاحب : يا لها من راحة فزنا بها
حميدة : أبدو وكأنني أتخلص من تعب يسيل عبر جسدي
الصاحب : هل سمعت ما جرى لفلان ؟؟!
حميدة : أرجوك , نحن في راحة , لا تحدثني عن الناس
الصاحب : اسمع واستمتع فأنا لا أمنع تلذذ عبقات الفضاء بل أشنف أذنيك
حميدة : تعودت الثرثرة والكلام عن الآخرين وأنا لا أستملح الغيبة
الصاحب : إنني أسرد واقع فلان فقط ..
حميدة : أخطر ما فينا اللسان
الصاحب : واللسان ما فيه عظم
حميدة : والمثل الصيني يقول , إن تركت الكلمة في صدرك سجنتها وإن أطلقتها سجنتك
الصاحب : مثال أصفر فالكلام ينفس الكبت ويريح الضمير
حميدة : لن أقاوم شأنك في الثرثرة
الصاحب : وقع فلان في ..
كمل الصاحب حكايته عن فلان ثم انتقل إلي رواية أخرى , سئم حميدة ذا اللسان الطويل فقرر أن لا يعاشره بعد اليوم لكن المدينة تفرض لقاءات الصدفة ومن الصدف أن حميدة دخل إحدى المقاهي ليحتسي قهوته المفضلة حينها سمع نداءا ..عجب لوجود صاحبه بين أصدقاء لا يعرف اثنين منهم , اتخذ مقعدا وطلب كأس قهوة ..دارت أحاديث كثيرة ونكت متنوعة , ضحك حميدة وسعد بجو يهدئ الأعصاب ..وكان ينصت للسان صاحبه خوفا من زلاته , لكن العادة لا ترحم وتديم وجودها على الإطلاق ..
الصاحب : سأخبركم بما خفي من حياة (....)
أحد المرافقين : أنا أعرفه إنه ..
قاطعه الصاحب : أنا أعرفه أكثر منك
حميدة : هيا اذكر بلسانك المعوج ما خفي من حياته
الصاحب يبتسم : حكي عنه أنه كان يمارس عملا مقززا و
وقف المعني بالأمر ووجه لكمة قوية أصابت العين اليمنى لصاحب حميدة فتركه الملاكم يتحسس العين المضروبة والدم يسيل من حاجبها ..
أحد المرافقين : هو من خفي عنك !!
حميدة : أخطأت لكن اللسان ما فيه عظم ...
15 = اللي عندو باب واحد الله يسدو عليه ...
أغلقت الأبواب السياسية والمالية والدينية والمهنية أمام وجه حميدة وبلغ سن حلق اللحية وهو يمد يده لوالديه كي يساعداه بمصروف العاطل ثقيل الظل في كبره ..اعتاد على الصورة التي أخذت له بين سكان الحي , رضي بالحظ وكفر به فلا تغيير في أفق مستقبله المظلم ..ففي كل صباح يلعن يومه المتآكل في الراحة والنوم ويعرق بدنه كلما تذكر الساعات التي تتبخر بين أدخنة السجائر ..
الأب : استيقظ مبكرا للبحث عن العمل
حميدة : يتكدس العاطلون أمام أبواب الشركات الموصدة , وقليلا ما يلج المؤهل بالمطلوبة شهادته
الأب : اصبر إن الله يفتح أبوابا أخرى
حميدة : لا أرى سوى أبواب الرشوة والوساطة و..و ..
الأب : الأيام واحدة ولكن الإنسان يتغير مع مرورها
ترك حميدة المنزل ليلطف كلام والده وينسى الأمل المصدوم على حائط النحس , ولما اقترب من ساحة مهمة في المدينة , التقى صديقا لم يره منذ شهور ..
الصديق : أهلا حميدة ! أين اختفيت
حميدة : في الهم والغم وجرثومة البطالة
الصديق : لا عليك ستفرج , هيا لنتشاور في أمر مهم ونبحث عن مكان مريح
وصلا إلى خارج المدينة حيث جلسا على كدية من نفايات الأبنية ..
الصديق : ما رأيك في أن تشاركنا مهمة تكسب من وراءها فرنكات ؟
حميدة : أتسأل عاطلا يستجدي مالا من والديه ؟؟!!
الصديق : هذه بالطبع موافقة ضمنية وحزينة
حميدة : نعم ..وما هي هذه المهمة ؟
الصديق : سنسرق بيت ثري ونحن خمسة أفراد وأنت السادس
حميدة : اسمع , أنا محتاج للمال لأشتري سلعا وأتعاطى للتجارة في الشوارع ..لكن السرقة ليست من أسلوبي في الحياة
الصديق : فكر في فرصة لن تجدها من بعد فواتها
حميدة : سأشارككم بشروط فالمحتاج يبقي نفسه في النار!
الصديق : وما هي ؟
حميدة : أولا , أريد نصيبا فقط ومن دون قسمة
الصديق : موافق والثانية ؟
حميدة : أن تكون هذه السرقة آخر أعمالي كمشارك
الصديق : وهل من شرط آخر ؟
حميدة : نعم ..لا تذكروا اسمي إن ألقي عليكم القبض لأنك أقحمتني في المشروع وأنت السبب فيه
الصديق : ستكون السرقة مضبوطة ولن تترك أثرا وراءها
حميدة : الآن , اطمأن قلبي
وفي ليلة بعد منتصف الليل وأهل المنزل المراد سرقته نيام ..عالج أحد اللصوص فتح الباب نجح بمهارة , دخل الستة وكل واحد مكلف بمهمة للاستحواذ على ما خف وغلا ثمنه , وفجأة انتشرت أضواء المصابيح فظهر شخص وهو لا يعلم ما يجري في منزله , انقض عليه أحد اللصوص وهو أقواهم وأشدهم بطشا خنقه بذراعه القوية وأخرج سكينا فوضعه قرب عنقه ..
زعيم العصابة : أيوجد أحد غيرك في المنزل ؟
صاحب المنزل : لا أحد !
اللص القوي : هل نقتله ؟
زعيم العصابة : سنقتله بعد أن يدلنا على المال والذهب والمجوهرات
اللص القوي : فكرة مهمة , متى ستأمر؟؟ .. سأقتله ..
حميدة بصوت خافت لصديقه : لم نتفق على القتل ..أرجوك امنع الجريمة كي لا نتورط أكثر
الصديق بنفس الصوت : اسكت , إنه شاهد إثبات وبواسطته سنتورط ونغرق في السجن أكثر من المدة القانونية
استغل حميدة انشغالهم في البحث عن ما يسرقونه , جرى نحو اللص القوي ضربه بأقصى قوة يملكها فأسقطه أرضا وانزلقت السكينة ..ابتعد صاحب المنزل , وبهرولة خارقة لا يدري من أين اكتسبها طار حميدة نحو زعيم العصابة حكم السيطرة حول عنقه , هددهم بسجينه أطاعوا زعيمهم الخائف من الذبح ..أمرهم حميدة للانبطاح على الأرض , قيدهم صاحب المنزل الواحد تلوى الآخر , استدعى الشرطة لتقودهم إلى مركزها , قضت العصابة بعد تدوين المحاضر ليلة السبت والأحد في الحبس الاحتياطي ..توصل حميدة بأكلات من والديه اللذان يبكيان تعاسة ابنهما ..تجمع اللصوص يوم الاثنين أمام مكتب النائب العام , تعبوا وهم ينتظرون دورهم بعد ملفات سبقتهم ..وبعد العاشرة صباحا سمع حميدة اسمه وقف ذابل الوجه وفي لباس قذر من نوم على أرض متعفنة في مركز الأمن..دخل مكتب النائب العام الذي سيحقق معه ويقارن تصريحاته مع التي اعترف بها وما سيعترف به أمامه
النائب العام : احك سبب وجودك بين هؤلاء اللصوص
حميدة : أرغمتني البطالة و..
يدخل الحارس ويقدم رسالة للنائب العام , والصمت أوقف لسان المتهم ..فتح الغلاف وقرأ مضمون الرسالة ..
النائب العام : تفضل , عد إلى دارك
حميدة : أشكرك ولكن وجودي بين اللصوص لا يبرؤني ..
النائب العام : صاحب المنزل برأك وشهادته أمر يجب أن ينفذ لأنه مرموق وذو سمعة في المدينة
سلم حميد على النائب العام الذي حضره من الوقوع في مصيبة أخرى , وأثناء خروجه ..
اللص القوي : أقسم أنك لن تنجو مني بعد خروجي من السجن أيها الخائن , سأقتلك أنت وصاحب الدار ,
أضاف النائب العام ما سمعه في ملف اللص القوي لتزداد سنوات حبسهم ..قدم اللصوص للمحكمة وملفهم مثقل بالسرقة الموصوفة والتحريض على القتل والتهديد ومحاولة قتل صاحب المنزل ..
بكت الأم وحضنت حميدة الذي عانقه الأب بدوره , قبل يدي الوالدين والندم يصقل ضميره ..ارتاح حميدة وامتنع عن الخروج وكان لا يغادر داره إلا لأجل السخرة , لفظ التدخين ..وبعد شهرين فتحت الأم باب الدار الخربة , رأت وجها من المستحيل أن يكون من سكان البناء العشوائي ..
الأم : أهلا سيدي
صاحب المنزل : شكرا سيدتي
الأم : حاشا أن أكون سيدتك
صاحب المنزل : أصبحت سيدتي بفضل ولدك حميدة , فأين هو ..؟؟!
الأم : في الداخل , تفضل
مشى صاحب المنزل وراءها , اقتربا من حميدة الممتد على ( سداري ) من الحلفاء ..قفز كالملسوع بحية رقطاء , سلم بتحية تدل على الطاعة والامتنان ..
حميدة بتلعثم : هذا هو صاحب المنزل !
الأم : متشرفين سيدي ولا شيء لمكافأتك سوى الدعاء
صاحب المنزل : أتيت لأراكم وأطمئن على حميدة ..
حميدة : شكرا لقد شرفتنا بوجودك في يوم جمعة
الأم : أرجوك ابق معنا لتتناول طعام الكسكس..
صاحب المنزل : لا يمكن لأن زوجتي وابنتي آخر العنقود ينتظراني
الأم : والرب لا تكسف رغبتنا ..الأسف أننا لسنا من مستواك لكننا مرغمون لضيافة رجل نبيل وشهم
صاحب المنزل : حسنا , أشترط أن لا تكلفوا أنفسكم بما لا يطاق
حميدة بعد أن استفاق من المفاجأة : لن تتغذى سوى الموجود لأن حضورك بيننا له قيمة لا تقاس بثمن
صاحب المنزل : سأحضر زوجتي وابنتي ..
حميدة : وأين باقي الأولاد ؟؟!
صاحب المنزل : لهم أعمالهم وبيوتهم الخاصة ..بالمناسبة أين والدك ؟
الأم : سيحضر فيما بعد لتناول الكسكس الذي يحبه وسيتعرف عليك وكم ستكون سعادته عظيمة إن وجدك بيننا ..
حضر صاحب المنزل رفقة زوجته وابنته , رضوا بالمكان الضعيف استقبلوا بفرحة عارمة .. تم التعارف , أعجبهم الكسكس ..
مضى أسبوع على اللقاء , وفي يوم الاثنين بعده حضرت سيارة صاحب المنزل لتنقل حميدة إلى العمل فقال في نفسه داخل السيارة : إن سدت الأبواب في وجوهنا فهناك أبواب الأقدار لا تسد ..
16 = وريه إيلا عمى خليه ...
اضطر حميدة في آخر الأسبوع أن ينتقل عبر الحافلة إلى إحدى ضواحي المدينة ليلتقي صديقه ولد زهرة , دروب ضيقة وزعت عليها الرمال والزفت ..قطعها غضبا على تطور يصيبها بقطرات , اقترب من ساحة لمفترق الشوارع المهمة والمحظوظة بالعناية الخاصة ..رأى حميدة صديقه ولد زهرة ينتظره في المقهى , حياه وجالسه ..
ولد زهرة : على السلامة
حميدة : أهلا صديقي
ولد زهرة : لماذا تأخرت ؟
حميدة : ركبت حافلة تمر من الجهة الأخرى للضاحية
ولد زهرة : أخطأت في الرقم !
حميدة : نعم
ولد زهرة : هل والداك بخير
حميدة : أبلغك سلامهما
ولد زهرة : شكرا , اشتقت لزيارتهما
حميدة : سأنتظرك الأسبوع المقبل لتتناول طعام الغذاء مع أسرتي
ولد زهرة : وجب فأمرك سينفذ ليطمئن شوقي لكم
يظهر صديق ولد زهرة فرحا ومزهوا وكأنه يرتدي جناحي الغرور
الصديق : السلام عليكم
ولد زهرة : وعليك السلام , أقدم لك حميدة أعز أخ عرفته منذ طفولتي
الصديق : متشرفين
حميدة : شكرا
ولد زهرة : أخي حميدة هذا صديق من الحي أعاشره منذ مدة ..
حميدة : متشرفين
الصديق : ما شربتماه على حسابي ويمكن لكما طلب مشروبات أخرى
ولد زهرة : وما هي مناسبة هذه الضيافة المبذرة ؟؟!
الصديق : حصلت على رخصة السياقة
حميدة : مبروك
الصديق : لم أسمع كلمة مبروك من صاحبي ولد زهرة
ولد زهرة : حميدة لا يعرفك أما أنا أعرف كيف حصلت على الرخصة ؟
الصديق : المهم أني فزت بها
ولد زهرة : لم تتدرب طويلا على السياقة ..ولم تحفظ كل إشارات المرور عن ظهر قلب , لقد نلت الرخصة بطريقة لن تجعلك غير مؤهل لقيادة سيارتك التي اشتريتها مؤخرا ..
الصديق : هل تحسدني ؟؟
حميدة : صه ..أنا أعرف ولد زهرة لا يحسد أحدا بل يتمنى الخير للجميع
ولد زهرة : نال رخصة القيادة بقارورة ويسكي وألف ريال
الصديق : كثيرة هي الأمور التي تجوز بالرشوة , فالمال يسهل الكسب
حميدة : اسمح لي , من أسس القيادة الإلمام بكل عناصرها والرخصة المتقون حيازتها تحفظ حياة السائق من الحوادث..
ولد زهرة : لا تنصحه لأنه يتمتع برخصة القيادة في جيبه وسيركب سيارته للظهور بمظهر الطبقات الميسورة , وربما سيستعملها ليسلب عقول الإناث
الصديق : ألم أقل لكما أن ولد زهرة لا يتمنى الخير لصاحبه
حميدة : أرجوك أنصت لنصيحتي ؟
الصديق : وما هي ؟؟!
حميدة : حصلت على رخصة القيادة باحتيال ..وتملك الآن سيارة من المال الحلال , فلا تخلط بينهما , إذ يجب عليك أن تتنقل بسيارتك عبر مسافات طويلة فلا تخاطر بحياتك ..
الصديق : هل هذه نصيحة أم منع للقيادة ؟؟
حميدة : لا ..حاول أن تتدرب على السياقة خارج المدينة وتراجع إشارات المرور لتتمكن من العمليات التي أهملتها وبعد ذلك انطلق بسيارتك إلى أبعد المسافات وقد أتقنت فنون القيادة ..
ولد زهرة : كلام صديقي معقول لأنه يريد لك خيرا
الصديق : سأدفع ثمن المشروبات ولتبق نصائحكما هنا في مقهى الثرثرة
ودعهما ..أكملا شرب القهوة ثم سارا في جولة عادية إلى أن اقترب موعد زيارة حميد لوالدي ولد زهرة , تناولوا جميعا طعام الغذاء بعده انتهت الزيارة ..
مرت شهور , سمع حميدة طرقا على الباب , فتحه ليرى وجه ولد زهرة ..
حميدة : ما بك ؟ أراك شاحب الوجه !
ولد زهرة : هيا بنا لزيارة صديقي السائق
حميدة : هل من مشكل ؟
ولد زهرة : إنه راقد في مصحة (...)
حميدة : سأخبر والدتي لنذهب معا
زاراه فوجداه مكسر الرجل اليسرى وذراعه الأيسر , وكان الصمت يخيم عليهم وكأنهم يفكرون في الحوار الذي دار أثناء لقائهم في المقهى , واقتصرت الكلمات في ..على سلامتك ..نحمد الرب على الحادثة البسيطة ..نجاك الله ..وتمت الزيارة دون الحديث عن ما ( وراو ) ..شفي الصديق والتأم الكسر جيدا , وذات يوم بعد الشفاء لقي حميدة داخل بنك وهما جالسان على أريكة الانتظار ..
حميدة : فرحت الآن بوجودك سالما معافى
الصديق : شكرا
حميدة : هل سلمت السيارة من الحادثة ؟؟
الصديق : نعم ..كانت الإصابة خفيفة على الجانب الأيسر ..
حميدة : هل ستستعملها مرة أخرى ؟
الصديق : نعم ..ولكن سأتمرن جيدا قبل استعمالها , لقد مزقت الرخصة وسأمتحن من أجلها في مدينة أخرى حيث يقطن أخي وأسرته ..( وريتوني ولكني عميت ) ..ضحكا ...
17 = لا حمار لا سبعا فرانك....
فرح حميدة ككل المغاربة بالمسيرة الخضراء التي فتحت باب إن الوطن غفور رحيم لأن المغفور له الحسن الثاني فتح ذراعي المغرب للعائدين من مزبلة البوليساريو , اكتفى حميدة بمشاهدة القنوات التلفزية , ليطلع على صراع خلقته الجزائر بلا مبرر ..والذي استرعى انتباهه زعيم يلقب بعزيز ( المراكشي ) وحاشا أن يكون مراكشيا وهو في الحقيقة تيندوفي وكركوزة عسكر الجزائر , ضحك سخرية منه لأن أسياده عادوا إلى وطنهم المغرب ولم يتذكر تاريخ عودة الكلاوي الذي عفا عنه المرحوم محمد الخامس ورجوع الجوماني وعودة زعماء وادي الذهب ..
بقي التيندوفي يعيش فوق أرض لا تمت له بصلة وهنا قارن بين مغاربة يحملون جنسيات مختلفة ماتوا في المهجر كمغاربة وحتى يهود المعرب دفنوا فيدول كمغاربة ويعتزون بمغربيتهم في حين لازال عبد العزيز التيندوفي يتزعم دولته الوهمية على أرض دولة الجزائر وكانت ملاحظة حميدة أن التندوفي أصبح بلا حمار ..بلا سبع فرنكان , لأنه إن مات لن يدفن في المغرب ولن يدفن على أرض جمهوريته وإنما سيدفن في الجزائر بطقوس الغريب وبصفة الشماتة سيغطون تابوته براية الوهم ويصلي عليه منافقون ويدق نشيده في فضاء الجزائر وسنقرأ L إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) وهو تحت تراب الجزائر..
سافر حميدة إلى جنوب المغرب , زار العيون والداخلة وتمتع بوطن تمدد تاريخيا وعرقيا..وجنوب لفظ من سيكون مصيرهم لا حمار لا سبع فرنكات جزائرية ..
أوباها حسين- عدد الرسائل : 286
العمر : 81
تاريخ التسجيل : 11/10/2011
مواضيع مماثلة
» أمثال في مجموعة قصصية ثانية..
» مجموعة قصصية لرجاء الطالبي: جدلية الرؤيا والعبارة في 'عين هاجر'
» أمثال في قصص
» أمثال شعبية
» **قصة مثل من أمثال العرب الجميلة**
» مجموعة قصصية لرجاء الطالبي: جدلية الرؤيا والعبارة في 'عين هاجر'
» أمثال في قصص
» أمثال شعبية
» **قصة مثل من أمثال العرب الجميلة**
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى