‘طريق الغرام’ لربيعة ريحان: القوس مشدودة الى آخرها!
صفحة 1 من اصل 1
‘طريق الغرام’ لربيعة ريحان: القوس مشدودة الى آخرها!
(1) تسعى ربيعة ريحان فيما تكتبه للقبض على حلم مخايل.
هي لاتني تكتب، وتكتب بإصرار عنيد، لأن الكتابة عندها تشبه (الجرح، ولكنه جرح لا ينس)، وهى آخر المطاف أى الكتابة موازية لحلمها المستحيل.
(2)
جاءت ربيعة ريحان للأدب من مقام القصة القصيرة
أنا أشهد .
بعدها خانت القاص العجوز، ورحلت بعد عناء إلى زمن الرواية .
كانت القصة عند ربيعة ريحان هي ذلك النوع الخاص جدا من الفنون الذي يتسم (بالوعي الحاد بالتفرد الإنساني)، وقدمت باقتدار عددا من مجموعات القصص.
ظلال وخلجان. مشارف التيه. شرخ الكلام. مطر المساء. بعض من جنون. أجنحة الحكي. كلام ناقص.
عندما قرأ الكاتب الكبير حنا مينا قصصها كتب يقول: ‘يتخفي السرد مفسحا المجال لحياكة النسيج من تأملات غاية في الشفافية والرفاهية.
وأجمل ما في هذه القصص، هو وهم القص، يتجلى في المبهم من الأحاسيس ليعطيها القدرة على اختراق هذا المبهم’.
وأنا شخصيا، قد انتهى أمري مع قصص ربيعة ريحان إلى الإيمان أن الكتابة عندها تشبه صاحبتها، ولأنه لا جديد في الكتابة، إنما الجديد هو الكاتب، لذا كان هم القاصة الكتابة عن بشر يقابلونك هناك عند ضواحي المدن، وتخوم القرى، يمشون على السكك من غير هدف، كأنهم يسعون حيث وجه الله، طالبين الستر، ولأنهم دائما على درجة من إيمان لا يتزعزع بالخرافة، لذا كثرت عندها الأساطير، ولون الدم، والطمع في المحارم، والفسق، والانتظار أمام أبواب السينما، والخدم والأجراء، وأحذية بكار، والأسفلت الأغبر، والبسة البال، وبنات الحي غير العذراوات، ومداهمات الشرطة، وذاكرة العجائز التي تحتشد بأغنيات قديمة تأتي بالماضي ولو من كل عام يوم.
هي عوالم تنفتح مرة علي الحرية، وأخرى تبحث عن أسباب للانعتاق من زنقة المكان، ومن زحمة البشر !
(3)
في ‘طريق الغرام’ تطلق ريحان العنان لخيالها.
تشد القوس عن آخره، واللغة في تجليها مفتوحة على الشعر، والنص يجسد عالما من لحظات نادرة، تنمو خلالها شخصيات تختلط بداخلها مشاعر عنيفة، ومتصارعة وجنون، أشخاص أشرار، وأشخاص طيبون بمواريثهم، بفطرتهم، يعبر عنهم صوت السرد مجسدا أحوال ذلك العالم..
الجدات. والخالات. والآباء. هؤلاء الذين يتعرفون، ويشكلون مادة الحياة والخيال، في نص ربيعة ريحان حيث تعاطف الجماعة مع فرد تصطرع بداخله الأسئلة !
(4)
تجربة زواج، ظنتها في لحظة : البداية والنهاية.
إلا أنها، وبعد شهور، رأت عيناها ما رأت، فدفعت الكثير، وفقدت أحلامها عبر خيبات الرجاء، وخرجت من التجربة بقلب كسير.
الواقع والحلم، اضطراب الجماعة، عزلة الروح في مدينة لا تخفي مواجعها
وسمير الزوج، المدرس المتحضر، القادم مع أول أحلام الشباب، بعودة الفارع، وجماله الرجولي القريب من الروح، تكتشف فيه فوز اللوطي، وارث الأصل الوضيع، ساكن أطراف ابوزيد. سمير الذي كانت مشدودة إليه كمدار، والتي رأت فيه حلمها الآتي، وبعد شهور من زواج قلق، تقل فيه الثقة، وتبدأ المشاحنة والعداوة، والصوت الصارخ الصريح ‘ابعدي عني واتركيني لحالي’. وهي لا تعرف أسبابا لتغير الأحوال، والشخص غير الشخص، ثم تجيء الضربة الثانية علي الرأس عندما تكتشف فوزيه شذوذ الزوج.. الملابس الحريرية.. الطقوس النسوية.. نوعية الأصدقاء.. عزوفه عنها، وهجرانه، ثم أخيرا اعترافه ، وإعلانه كراهيته لجنس النساء.. كانت قد أدركت أن اللعنة حلت، وان حياتها ضربت بفعل فاعل، وأنها بعد تجربة سمير قد لوثت بالوسخ والشر، وأنها باتت أسيرة للكوابيس، سوف لا تفارقها أبدا.
ضاعت أحلام ما بعد التخرج، ذلك العالم الذي عاشته رفقة سمير، زمن الانطلاق عبر المدينة، والحلم بالوردة الحمراء التي كانت تداعب الوجه.. الانجذاب نحو رجل يعني كل شيء، ويفتح الباب على السر!.
الآن تعيش اكتشافها !
كانت في لحظات امتهانها تحاول تلمس العذر له، ربما لضعفه الإنساني، ولمرضه النفسي. كانت تهتف لنفسها : ربما كان ضعيفا، أو تعرض وهو صبي للاغتصاب من زبانية لا يرحمون لو انه فتح صدره وحكى، ربما كنا وصلنا لحل معقول ؟.. تنتبه لنفسها، فتصرخ : حل ! : تكتشف أن سمير قد أهانها. لم تكن تتصور أبدا أنها ستعيش في كنف لوطي. ذلك الذي زهدت فيه كشريك حياة، وكانسان.
يغادر سمير بلا رجعة، ويتركها نائية عند أطراف عالم، وحيدة، منعزلة، تحاول نسيان زمنها الماضي، ترمم روحها، وتلوذ بجماعتها التي تعود لهم مثل طفلة.
(4)
يتميز عالم العائلة فيما تكتبه ربيعة ريحان بصدق خاص.
تصدق فوز أن تاريخ العائلة هو حبل النجاة لمن عاشت تجربتها.
أحب هؤلاء البشر الذين يأتون من الحياة إلي الورق، محملين بمشاعر حقيقية، وتناقضات تبعث على الدهشة والغرابة.
يأتون حاملين على أكتافهم مصائرهم، وربما أزمنة متداخلة، تشكل التاريخ وثقل أعبائه.
الأم تحت عبء التاريخ، مثقلة بالسحر والخرافة والأضرحة والشوفات والسفر إلى البلاد البعيدة لحضور جلسة تعيد للبنت المصابة في قدرها ربما حياة أخرى!
العمة خديجة التي نحتتها ربيعة ريحان بازميل الفنان فجاءت طوال النص صادقة مع زمنها، والبشر الذين اقتحموا حياتها، وخيبات الرجاء التي لازمتها.
كانت خديجة قد فاتها قطار الزواج، تعيش عنوستها، وسلاطة لسانها خط دفاع أول عن الذات الوحيدة المنكسرة.
تقول لنفسها:
- كلكن تزوجتن، والظاهر أنا سأبقى رمانة مغمضة.
تتجلى الجدة في النص منبعا للحنان، وحلا لعذابات فوز وقهرها.
وحدها كانت تقتحم خلوتها. تأتي بخطوات بطيئة، تعبه. تسمعها تحادث نفسها بألم : الم تخرجي بعد من هذا الظلام ؟! تكتفي بالسؤال، ولا تحاول النبش في أغوار بنت بنتها. بحزنها، تدفعها للشجن، وعبر حكايتها تتمنى أن تعود طفلة، تلوذ بحضنها كما كانت تفعل وهس صغيرة. تفعم روح فوزية رائحة البيت القديم ي درب سيدي بوعزة. فرع من الكافور والعود، وعتاقة الغرف، وكلما زاد انكسارها يأتيها صوت الجدة محذرا ! ماذا حل بك، ولماذا كل هذا الحزن ؟؟ هل جننت ؟.. أنه لا يستحق حتى ظفرك.
نسغ من حنين، ومأوى لروح مجهدة، تبحث عبر صمتها عن ملاذ لعل وعسى…..
(5)
يجيء يوسف ‘العراقي، المهاجر على غير انتظار .
يأتى من أفق الشعر عبر صدفة خير من كل المواعيد.
على صفحة النت بنسخ علاقته الوحيدة رسالة خلف رسالة.
لك طائر أزرق وحفنة موسيقى وظل يعانق ظلا آخر.
ربتات رحيمة على قلب فوز، وقطرات من مطر.
تتابع الرسائل ويكتب يوسف.
عندما تتداعى الأحلام تطلعي حولك..
اقتطعي لنفسك مساحة أخرى بأقل قدر من التحسر..
أنصتي لصوت مخلوقات الليل.
انصتي إلى رسائلها الخفية في هذا الفضاء الكوني العظيم
سيرمم ذلك الكثير من الشروخ لديك، وستجدين أن كل الخيبات محض هراء،
يختطف أيامنا بشكل سريع.
ترد فوزية :
لا أعرف ماذا كنت أكتب ؟..
أشعر أنني ما زلت طفلة تخاف الكلمات والضياء والبهجة وأنني بحاجة دوما إلى دفء انساني.
من يدري ؟
ربما هذه الرسائل التي نتبادلها نوع من عزاء أو هي أوهام جميلة…
ولم لا ؟!
مع تواتر الرسائل تتعمق علاقة فوزية ويوسف.. تلقف نفسها وتنظر لما هي فيه… تسبح في سكينة من أمل، والشاعر يحلق بعيدا في فضاءات المجاز.
تتواتر حكايات يوسف مقتحما وحده فوز بجرأة عارية، تمضى الليالي أمام شاشتها الصغيرة في انتظار الشعر الذى أصبح مكرسا، وفاتحا أفقا على أيام قادمة.
تفاجأ فوز مرة:
من سنين لم أزر بلدا عربيا.
اسمع عن فاس ومراكش وطنجة ووارزازات
هذه مدن بدوية
سآتي لو أحببت
هل يمكن أن نلتقي
تسمع من بعيد دقات ناقوس الخطر. تشعر بالمخاوف. أنها ما تزال هناك جاثمة خلف أسوار سمير.. تسأل نفسها: ماذا لو فكر في المجيء إلى المغرب ؟ ماذا لو عرج إلى أسفي بغتة ليراني ؟
يمعن يوسف في الكلام عن المدن.
تخاف من تلك القصص التي تفاجئها.. التي تحدث لها على حين غرة.. يدخلها يوسف في حياته، الأصدقاء، والسياسة، والمنفى . يبوح أحيانا بشراسة، ويكتب بجنون كتابة جريئة، وعارية.
تدعي فوز الهرب.. الارتحال إلى مدن المغرب.
تكتب له :
أكتب لك على عجل لأنني سأسافر بعد الظهر لمناسبة عائلية طارئة
سنتكاتب.. لكن ليس يوميا.تهمس لنفسها : ستهربين يا فوز ؟؟.. هه ؟؟ هذا أقصى ما تملكين ! تتردد: من حقي أن أعطى لنفسي مهلة.
تعيش خوفها. لا تجيب على الرسائل. تدفع ماضيها المحاصر، وتهرب من يوسف ولا ترد على رسائله.
مرة أخرى يفاجئها يوسف، هو الآن بمراكش وعليها أن تختار ! هي الآن في الحيرة.. تذهب إليه ؟.. تتأمل ذاتها وأحوالها. تسأل نفسها : ما الذي تفعله في مواجهة ما يجري لها ؟ هي لم تعد دمية تهرب من أحلامها.
هل تذهب إليه ؟.. تكسر حصارها، وتصرخ أنا عاشقة وعلى الخروج من الضيق.
وجدت نفسها تجمع أشياءها، دفتر التوفير ومجوهراتها الثمينة، وتفكر بأنها سوف تقطع المسافة إليه حيث تكسر الدورة، وتخرج من حصار الروح.
(6)
في ‘طريق الغرام’ تمد ربيعة ريحان أناملها لتتحسس آلام البشر، وأمانيهم، محولة تلك الآلام والأمنيات إلى فن جميل حلم أي كاتب يعشق الكتابة والحياة.
القدس العربي
سعيد الكفراوي
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
مواضيع مماثلة
» مذكرات الماريشال ليوطي عن المغرب 1926-1912
» مــوعــد في الــربــيــع / ربيعة ريحان
» قدم 750 فيلما آخرها «أيوب» مع عمر الشريف (1-2) محمود المليجي شرير الشاشة.. عملاق الأرض
» كلمات الاغاني المغربية
» الرواية والمجاز العائلي قراءة في رواية "القوس والفراشة" لمحمد الأشعري
» مــوعــد في الــربــيــع / ربيعة ريحان
» قدم 750 فيلما آخرها «أيوب» مع عمر الشريف (1-2) محمود المليجي شرير الشاشة.. عملاق الأرض
» كلمات الاغاني المغربية
» الرواية والمجاز العائلي قراءة في رواية "القوس والفراشة" لمحمد الأشعري
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى