مذكرات الماريشال ليوطي عن المغرب 1926-1912
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 2
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
مذكرات الماريشال ليوطي عن المغرب 1926-1912
هذه مذكرات هامة جدا، كونها
تعنينا كمغاربة، عن كيف تشكل المغرب الحديث بعد احتلال فرنسا وإسبانيا
لبلادنا، إثر توقيع معاهدة الحماية يوم 30 مارس 1912، والتي مرت عليها الآن
100 سنة. وأهمية هذه المذكرات، ليس فقط أنها وثيقة تاريخية، بل كونها كتبت
من صانع قرار، لم يكن عاديا قط في تاريخ المغرب الحديث، أثناء وبعد صدمة
الإستعمار، الماريشال هوبير ليوطي، أول مقيم عام لفرنسا بالمغرب.
لقد جاء إلى المغرب بعد سنوات قضاها في مدغشقر ثم وهران بالجزائر، ليمارس
مهام المقيم العام ل 14 سنة كاملة. وهي أطول فترة قضاها مقيم عام فرنسي
بالمغرب. ليس هذا فقط، بل أهميتها التاريخية أنها كانت مرحلة تأسيسية لشكل
الإستعمار الفرنسي في إمبراطورية لها منطقها الدولتي في التاريخ، في كل
الشمال الغربي لإفريقيا، هي الإمبراطورية الشريفية المغربية. وأن كل أساسات
الدولة الحديثة قد وضعت في تلك المرحلة، على مستوى إعداد التراب، أو
التنظيم المالي، أو القضاء، أو التعليم أو الفلاحة. ومن خلال ما دونه في
مذكراته نتتبع بدقة كيف ولدت كل تلك الترسانة التنظيمية للدولة المغربية
الحديثة، بلغة صاحبها التي لا تتردد في وصف ذلك بالعمل الإستعماري، المغلف
بالدور الحضاري. وهي شهادة فيها الكثير من جوانب الجرأة الأدبية التي تستحق
الإحترام. ثم الأساسي، أنه كرجل سياسة كتب شهادته وأرخ للأحداث عبر
مذكراته الخاصة، من وجهة نظره، ولم يلد بالصمت، بل كان له حس تاريخي، يتأسس
على إدراكه أنه يسجل كلمته للتاريخ.
لقد صدرت هذه المذكرات أول ما صدرت سنة 1927، أي سنة واحدة بعد مغادرته
المغرب (بقي مقيما عاما بالمغرب من 1912 إلى 1926). ثم أعيد نشرها سنة
1944، قبل أن يعاد نشرها من قبل كلية الآداب بالرباط منذ سنة إحياء للذكرى
100 لاختيار الرباط عاصمة للمغرب. لنستمع لصانع من صناع التاريخ المغربي
الحديث والمعاصر، كيف يروي قصة الأحداث من وجهة نظره. أو كما قال الزعيم
اليساري الفرنسي فرانسوا ميتران عن مذكراته الخاصة هو: «هذه هي الحقيقة من
الجهة التي كنت أنظر منها». أي أن للحقيقة دوما جهات أخرى للرؤية والنظر،
يكملها عمليا المؤرخون.
لحسن العسبي
فسحة - الاتحاد الاشتراكي
تعنينا كمغاربة، عن كيف تشكل المغرب الحديث بعد احتلال فرنسا وإسبانيا
لبلادنا، إثر توقيع معاهدة الحماية يوم 30 مارس 1912، والتي مرت عليها الآن
100 سنة. وأهمية هذه المذكرات، ليس فقط أنها وثيقة تاريخية، بل كونها كتبت
من صانع قرار، لم يكن عاديا قط في تاريخ المغرب الحديث، أثناء وبعد صدمة
الإستعمار، الماريشال هوبير ليوطي، أول مقيم عام لفرنسا بالمغرب.
لقد جاء إلى المغرب بعد سنوات قضاها في مدغشقر ثم وهران بالجزائر، ليمارس
مهام المقيم العام ل 14 سنة كاملة. وهي أطول فترة قضاها مقيم عام فرنسي
بالمغرب. ليس هذا فقط، بل أهميتها التاريخية أنها كانت مرحلة تأسيسية لشكل
الإستعمار الفرنسي في إمبراطورية لها منطقها الدولتي في التاريخ، في كل
الشمال الغربي لإفريقيا، هي الإمبراطورية الشريفية المغربية. وأن كل أساسات
الدولة الحديثة قد وضعت في تلك المرحلة، على مستوى إعداد التراب، أو
التنظيم المالي، أو القضاء، أو التعليم أو الفلاحة. ومن خلال ما دونه في
مذكراته نتتبع بدقة كيف ولدت كل تلك الترسانة التنظيمية للدولة المغربية
الحديثة، بلغة صاحبها التي لا تتردد في وصف ذلك بالعمل الإستعماري، المغلف
بالدور الحضاري. وهي شهادة فيها الكثير من جوانب الجرأة الأدبية التي تستحق
الإحترام. ثم الأساسي، أنه كرجل سياسة كتب شهادته وأرخ للأحداث عبر
مذكراته الخاصة، من وجهة نظره، ولم يلد بالصمت، بل كان له حس تاريخي، يتأسس
على إدراكه أنه يسجل كلمته للتاريخ.
لقد صدرت هذه المذكرات أول ما صدرت سنة 1927، أي سنة واحدة بعد مغادرته
المغرب (بقي مقيما عاما بالمغرب من 1912 إلى 1926). ثم أعيد نشرها سنة
1944، قبل أن يعاد نشرها من قبل كلية الآداب بالرباط منذ سنة إحياء للذكرى
100 لاختيار الرباط عاصمة للمغرب. لنستمع لصانع من صناع التاريخ المغربي
الحديث والمعاصر، كيف يروي قصة الأحداث من وجهة نظره. أو كما قال الزعيم
اليساري الفرنسي فرانسوا ميتران عن مذكراته الخاصة هو: «هذه هي الحقيقة من
الجهة التي كنت أنظر منها». أي أن للحقيقة دوما جهات أخرى للرؤية والنظر،
يكملها عمليا المؤرخون.
لحسن العسبي
فسحة - الاتحاد الاشتراكي
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
يد صارمة تقبض على السيف
الدار البيضاء: 15 ماي 1912
عينت يوم 24 دجنبر 1910 بقيادة الوحدة العاشرة للجيش بمدينة رين، فغادرت
وحدتي بوهران (بالجزائر) في بداية يناير 1911. وبعد أسابيع من الراحة،
تسلمت مهامي القيادية برين في شهر أبريل، ولأنها مهام عسكرية محضة، فإنني
تسلمتها دون حاجة لا لخطاب استقبال ولا لكلمة تحية مني.
كنت أمارس مهامي الجديدة، منذ سنة، حين جاءتني مكالمة هاتفية يوم 28 أبريل
1912، من وزير الحرب (لم تكن تسمى حينها وزارة الدفاع، بل وزارة الحرب ? م -
)، السيد ميلران، يخبرني فيها أنه تم تعييني مقيما عاما لفرنسا بالمغرب،
وطلب مني الإلتحاق بباريس.عشرة أيام بعد ذلك، شددت الرحال صوب المغرب، الذي
وصلت إليه يوم 13 ماي، بميناء الدارالبيضاء. كانت الوقت ضيقا جدا، وكان
علي الإلتحاق بسرعة بفاس لملاقاة السلطان مولاي حفيظ، وأن أتسلم المهام من
وزير فرنسا السيد رونو، مفاوض فرنسا وموقع اتفاقية الحماية، وكذا الجنرال
موانيي، قائد قوات الإحتلال (بهذه الصفة حدد ليوطي قوات بلاده « troupes
d?occupation «). لهذا السبب لم أمكث في الدارالبيضاء سوى ثلاثة أيام، كانت
ضرورية للتهيئ لرحلتي وأن أهيئ وسائل التنقل وجوانب حمايتي الشخصية (لم
تكن في المغرب طرق حديثة بعد). كان الكولونيل غورو حينها بسطات، على بعد
ساعات من الدارالبيضاء، بدون مهمة محددة. فاستدعيته لقيادة الوحدة العسكرية
التي ستتكفل بمرافقتي وحمايتي في الطريق إلى فاس.
لم أخصص للمعمرين الفرنسيين بالدارالبيضاء سوى وقت قصير. فقد تحلقوا حولي
يوم 15 ماي، ليلة مغادرتي وكلفوا عميدهم بإلقاء كلمة تحية خاصة بي. وهي
الكلمة التي أجبت عنها قائلا:
«ثقوا في تحيات السيد رئيس الجمهورية إليكم. وأهتبل هذه المناسبة لأعبر عن
مدى اعتزازي وغبطتي بثقة الحكومة وثقته هو في شخصي. وهي الثقة التي تقويني
على تحمل تحدي المسؤولية الثقيلة التي كلفت بها والتي أطمع في مساعدتكم لي
للنجاح فيها.
إني أوجه تحياتي واحترامي لجلالة السلطان، عاهل هذه البلاد، الذي مهمتي
الأولى أن أقدم له المساعدة لتثبيت سلطته وأن يسود الأمن والقانون. ولن
أتردد قيد أنملة في تحقيق ذلك. كما أوجه تحياتي للسيد رونو، الذي لا أحد
يمكنه إنكار ما قام به منذ سنوات في المغرب هذا المواطن الحي الحذق، بحنكة
مجربة وبنكران للذات وشجاعة مدنية، الذي يجعله يستحق شرف كل ما يمكن أن
ينجز من تطور في هذه البلاد. وأوجه تحياتي لأولئك الرجال الذين حملوا عاليا
راية فرنسا، بصرامة وانضباط، رفاقي الجنرال درود والجنرال داماد والجنرال
مونيي. إني أوجه لهم هذه التحية بكل روح الرفاقية وبالعرفان الصادق لعسكري
ولمواطن فرنسي. وأضم إليهم بحب خاص قواتهم الغالية.
أخيرا، أوجه تحياتي لكم أنتم أبناء فرنسا من كل المهن، أنتم حماة جنسنا،
الذين لمست أثر عملهم وإبداعهم في مناطق مختلفة من العالم. رأيتهم يبدرون
بدرة العمل الجاد، رغم كل التحديات التي تطرحها مهام البداية في مهمة
استعمار جديدة. فأنتم طاقة امان، في كل ساعات الشدة. فحين تتأمل قوة
الفرنسيين بالخارج تتجدد طاقتك. وإنه لم حظي أن أجدد اللقاء بقوتكم هذه.
وإنني لن أنسى صور الرجال الذين التقيتهم، ولن أذكر سوى نقطة واحدة، أحرص
على إشراككم فيها، وهي حين زرت هذا الصباح أشغال بناء الميناء، حيث قدمت لي
كل الشروح على ما يتم إنجازه بحنكة واحترافية وإصرار. لقد أدركت ما يشغلكم
ومدى أهمية هذا المشروع بالنسبة لكم، وثقوا أن الأمر سيكون في مقدمة
اهتماماتي. وأنا على يقين أنكم تتفقون معي أن اللحظة ليست لحظة كلمات بل
أفعال.»
فاس: 14 يوليوز 1912
أول عيد لفرنسا في عهد الحماية
وصلت فاس يوم 24 ماي، وحوصرت فيها مباشرة بعد وصولي. فشرعت فورا في رفع
الحصار عنها وابتدأت بسرعة بتحرير أطرافها بتكليف غورو بذلك، والذي رقي إلى
رتبة جنرال، فيما غادر السلطان مولاي حفيظ صوب الرباط، ورافقه السيد رونو،
الذي سيلتحق بعدها بفرنسا مباشرة. لقد نجحنا عاليا في الجزء الأول من
مهمتنا هذه. لقد دخلت قوات الجنرال غورو المتحركة فاس صبيحة يوم14 يوليوز.
ولقد استعرضت صفوفها عند أبواب المدينة واجتمعت بعد الزوال بكل الضباط
والموظفين ومواطني فرنسا والسلطات المغربية المحلية، من أجل إحياء أول عيد
وطني لفرنسا بالمغرب تحت الإحتلال. وقلت لهم:
«اليوم، في كل قرية من قرى فرنسا، بل في العالم كله حيث يوجد فرنسيون،
يجتمع أهلنا، متجاوزين عن كل خلافاتهم، من أجل التوحد في حب فرنسا الغالية.
ومن أجل روح مبادئها، بذات الشغف الذي يليق بعظمتها. وأين يمكن أن لا تورق
مثل هذه العواطف، سوى هنا في عاصمة المغرب، تحت راية حمايتنا الفتية، التي
انغرست بغير رجعة؟. لكن، بأي ثمن وبأي جهد وبأية مقاومة وبأية تضحيات.
أنتم هنا أعرف مني بها، لكن الأساسي هو الإنطلاق إلى الفعل. أليس يقال كل
مخاض عسير. والسفن مهما كانت صلابتها، فإنها لا تهب الأمان لراكبيها، سوى
بعد أن تجتاز العاصفة بأمان. وأنتم جميعا، هنا، شهود عن المحن التي
اجتزناها هذه الأيام (يقصد ليوطي المقاومة الشعبية المغربية ضد معاهدة
الحماية ? م - )، لكنني موقن أنكم تؤمنون معي، أنه في مواجهة العاصفة التي
نواجهها جميعا في مركبنا، فنحن فريق واحد. وحين تشرفت بتقليدي المسؤولية
الكبرى التي أنيطت بي، أرى في رايتنا المرفوعة بألوانها الثلاثة معنى
للثقة. الثقة التي أتشربها منكم أنتم جنودا ومدنيين أبناء فرنسا، الموحدين
حولي. لأنه منذ شهرين وأنا أتتبعكم في الميدان وأعجبت بتفانيكم، بشجاعتكم
وبتقثكم في ذواتكم وفي قادتكم وفي مصير هذا البلد. وبفضلكم، أنظر أنا،
وبالضبط أنا، إلى المستقبل باطمئنان.
وأي بشرى أجمل من أن نحتفل بعيدنا الوطني، والنجاحات تتواصل في عملنا بهذه
البلاد، حيث تصادف احتفالنا مع يوم عودة قواتنا منتصرة الى فاس، تحت قيادة
الجنرال كورو، بعد شهر من النصر المتوالي بمحيط المدينة، حيث توسع مجال
المناطق الآمنة، وبلغ مدى كان مجهولا عندنا من قبل. لقد شكل في مهمته تلك
المثال لما يجب علينا أن نقوم به هنا. يد صارمة تقبض على السيف من أجل فرض
الإحترام، ويد أخرى مفتوحة لكل استسلام. لقد نجح بحنكة في أن يقضي على
المتمردين، وأن يحمي بصلابة قراره حياة الراغبين في العمل، والذين يتزايد
عددهم بشكل غير منتظر. لأن مطالبهم هي العودة إلى نظام للأمن والأمان. إن
تواجد ممثلين عن السلطة الشريفية وزعماء القبائل التي كانت عناصرها تحاربنا
منذ أيام قليلة في قلب فاس، لهو الدليل القاطع على حجم التعاون المتحقق،
والذي يجب أن يمتد على كل نظام حمايتنا، والذي يبقى وسيبقى الأرض الصلبة
لمهمتنا في المغرب.
كنت سعيدا أن أحيي هذا الصباح، وهذا الزوال أيضا، ممثلي القوى الدولية،
الذين يمثل حضورهم عنوان تضامن أروبي، واضعين على الجنب كل خلافاتنا من أجل
نبل مهمتنا الحضارية ومن أجل مصالحنا الإقتصادية والإجتماعية المشتركة،
التي هي عصب قارتنا العجوز أروبا. إني أرفع نخبي لهم وأرفعه على شرف جلالة
السلطان وعلى شرف رئيس جمهورية فرنسا. إني أرفعه من أجل نساءنا الفاضلات
اللواتي بقين هنا، في مقدمة الفعل، وأيضا لتلك اللواتي وصلن اليوم لعلاج
جرحانا ومرضانا. إني أرفع نخبي لكم، أنتم الجماعة الصغيرة من الفرنسيين
الصامدين الأقوياء، من جنود ومدنيين، الذين سال دمكم والذي هو السماد
الأصلب لترسيخ وجودنا في هذا المغرب التليد.».
2/7/2012
عينت يوم 24 دجنبر 1910 بقيادة الوحدة العاشرة للجيش بمدينة رين، فغادرت
وحدتي بوهران (بالجزائر) في بداية يناير 1911. وبعد أسابيع من الراحة،
تسلمت مهامي القيادية برين في شهر أبريل، ولأنها مهام عسكرية محضة، فإنني
تسلمتها دون حاجة لا لخطاب استقبال ولا لكلمة تحية مني.
كنت أمارس مهامي الجديدة، منذ سنة، حين جاءتني مكالمة هاتفية يوم 28 أبريل
1912، من وزير الحرب (لم تكن تسمى حينها وزارة الدفاع، بل وزارة الحرب ? م -
)، السيد ميلران، يخبرني فيها أنه تم تعييني مقيما عاما لفرنسا بالمغرب،
وطلب مني الإلتحاق بباريس.عشرة أيام بعد ذلك، شددت الرحال صوب المغرب، الذي
وصلت إليه يوم 13 ماي، بميناء الدارالبيضاء. كانت الوقت ضيقا جدا، وكان
علي الإلتحاق بسرعة بفاس لملاقاة السلطان مولاي حفيظ، وأن أتسلم المهام من
وزير فرنسا السيد رونو، مفاوض فرنسا وموقع اتفاقية الحماية، وكذا الجنرال
موانيي، قائد قوات الإحتلال (بهذه الصفة حدد ليوطي قوات بلاده « troupes
d?occupation «). لهذا السبب لم أمكث في الدارالبيضاء سوى ثلاثة أيام، كانت
ضرورية للتهيئ لرحلتي وأن أهيئ وسائل التنقل وجوانب حمايتي الشخصية (لم
تكن في المغرب طرق حديثة بعد). كان الكولونيل غورو حينها بسطات، على بعد
ساعات من الدارالبيضاء، بدون مهمة محددة. فاستدعيته لقيادة الوحدة العسكرية
التي ستتكفل بمرافقتي وحمايتي في الطريق إلى فاس.
لم أخصص للمعمرين الفرنسيين بالدارالبيضاء سوى وقت قصير. فقد تحلقوا حولي
يوم 15 ماي، ليلة مغادرتي وكلفوا عميدهم بإلقاء كلمة تحية خاصة بي. وهي
الكلمة التي أجبت عنها قائلا:
«ثقوا في تحيات السيد رئيس الجمهورية إليكم. وأهتبل هذه المناسبة لأعبر عن
مدى اعتزازي وغبطتي بثقة الحكومة وثقته هو في شخصي. وهي الثقة التي تقويني
على تحمل تحدي المسؤولية الثقيلة التي كلفت بها والتي أطمع في مساعدتكم لي
للنجاح فيها.
إني أوجه تحياتي واحترامي لجلالة السلطان، عاهل هذه البلاد، الذي مهمتي
الأولى أن أقدم له المساعدة لتثبيت سلطته وأن يسود الأمن والقانون. ولن
أتردد قيد أنملة في تحقيق ذلك. كما أوجه تحياتي للسيد رونو، الذي لا أحد
يمكنه إنكار ما قام به منذ سنوات في المغرب هذا المواطن الحي الحذق، بحنكة
مجربة وبنكران للذات وشجاعة مدنية، الذي يجعله يستحق شرف كل ما يمكن أن
ينجز من تطور في هذه البلاد. وأوجه تحياتي لأولئك الرجال الذين حملوا عاليا
راية فرنسا، بصرامة وانضباط، رفاقي الجنرال درود والجنرال داماد والجنرال
مونيي. إني أوجه لهم هذه التحية بكل روح الرفاقية وبالعرفان الصادق لعسكري
ولمواطن فرنسي. وأضم إليهم بحب خاص قواتهم الغالية.
أخيرا، أوجه تحياتي لكم أنتم أبناء فرنسا من كل المهن، أنتم حماة جنسنا،
الذين لمست أثر عملهم وإبداعهم في مناطق مختلفة من العالم. رأيتهم يبدرون
بدرة العمل الجاد، رغم كل التحديات التي تطرحها مهام البداية في مهمة
استعمار جديدة. فأنتم طاقة امان، في كل ساعات الشدة. فحين تتأمل قوة
الفرنسيين بالخارج تتجدد طاقتك. وإنه لم حظي أن أجدد اللقاء بقوتكم هذه.
وإنني لن أنسى صور الرجال الذين التقيتهم، ولن أذكر سوى نقطة واحدة، أحرص
على إشراككم فيها، وهي حين زرت هذا الصباح أشغال بناء الميناء، حيث قدمت لي
كل الشروح على ما يتم إنجازه بحنكة واحترافية وإصرار. لقد أدركت ما يشغلكم
ومدى أهمية هذا المشروع بالنسبة لكم، وثقوا أن الأمر سيكون في مقدمة
اهتماماتي. وأنا على يقين أنكم تتفقون معي أن اللحظة ليست لحظة كلمات بل
أفعال.»
فاس: 14 يوليوز 1912
أول عيد لفرنسا في عهد الحماية
وصلت فاس يوم 24 ماي، وحوصرت فيها مباشرة بعد وصولي. فشرعت فورا في رفع
الحصار عنها وابتدأت بسرعة بتحرير أطرافها بتكليف غورو بذلك، والذي رقي إلى
رتبة جنرال، فيما غادر السلطان مولاي حفيظ صوب الرباط، ورافقه السيد رونو،
الذي سيلتحق بعدها بفرنسا مباشرة. لقد نجحنا عاليا في الجزء الأول من
مهمتنا هذه. لقد دخلت قوات الجنرال غورو المتحركة فاس صبيحة يوم14 يوليوز.
ولقد استعرضت صفوفها عند أبواب المدينة واجتمعت بعد الزوال بكل الضباط
والموظفين ومواطني فرنسا والسلطات المغربية المحلية، من أجل إحياء أول عيد
وطني لفرنسا بالمغرب تحت الإحتلال. وقلت لهم:
«اليوم، في كل قرية من قرى فرنسا، بل في العالم كله حيث يوجد فرنسيون،
يجتمع أهلنا، متجاوزين عن كل خلافاتهم، من أجل التوحد في حب فرنسا الغالية.
ومن أجل روح مبادئها، بذات الشغف الذي يليق بعظمتها. وأين يمكن أن لا تورق
مثل هذه العواطف، سوى هنا في عاصمة المغرب، تحت راية حمايتنا الفتية، التي
انغرست بغير رجعة؟. لكن، بأي ثمن وبأي جهد وبأية مقاومة وبأية تضحيات.
أنتم هنا أعرف مني بها، لكن الأساسي هو الإنطلاق إلى الفعل. أليس يقال كل
مخاض عسير. والسفن مهما كانت صلابتها، فإنها لا تهب الأمان لراكبيها، سوى
بعد أن تجتاز العاصفة بأمان. وأنتم جميعا، هنا، شهود عن المحن التي
اجتزناها هذه الأيام (يقصد ليوطي المقاومة الشعبية المغربية ضد معاهدة
الحماية ? م - )، لكنني موقن أنكم تؤمنون معي، أنه في مواجهة العاصفة التي
نواجهها جميعا في مركبنا، فنحن فريق واحد. وحين تشرفت بتقليدي المسؤولية
الكبرى التي أنيطت بي، أرى في رايتنا المرفوعة بألوانها الثلاثة معنى
للثقة. الثقة التي أتشربها منكم أنتم جنودا ومدنيين أبناء فرنسا، الموحدين
حولي. لأنه منذ شهرين وأنا أتتبعكم في الميدان وأعجبت بتفانيكم، بشجاعتكم
وبتقثكم في ذواتكم وفي قادتكم وفي مصير هذا البلد. وبفضلكم، أنظر أنا،
وبالضبط أنا، إلى المستقبل باطمئنان.
وأي بشرى أجمل من أن نحتفل بعيدنا الوطني، والنجاحات تتواصل في عملنا بهذه
البلاد، حيث تصادف احتفالنا مع يوم عودة قواتنا منتصرة الى فاس، تحت قيادة
الجنرال كورو، بعد شهر من النصر المتوالي بمحيط المدينة، حيث توسع مجال
المناطق الآمنة، وبلغ مدى كان مجهولا عندنا من قبل. لقد شكل في مهمته تلك
المثال لما يجب علينا أن نقوم به هنا. يد صارمة تقبض على السيف من أجل فرض
الإحترام، ويد أخرى مفتوحة لكل استسلام. لقد نجح بحنكة في أن يقضي على
المتمردين، وأن يحمي بصلابة قراره حياة الراغبين في العمل، والذين يتزايد
عددهم بشكل غير منتظر. لأن مطالبهم هي العودة إلى نظام للأمن والأمان. إن
تواجد ممثلين عن السلطة الشريفية وزعماء القبائل التي كانت عناصرها تحاربنا
منذ أيام قليلة في قلب فاس، لهو الدليل القاطع على حجم التعاون المتحقق،
والذي يجب أن يمتد على كل نظام حمايتنا، والذي يبقى وسيبقى الأرض الصلبة
لمهمتنا في المغرب.
كنت سعيدا أن أحيي هذا الصباح، وهذا الزوال أيضا، ممثلي القوى الدولية،
الذين يمثل حضورهم عنوان تضامن أروبي، واضعين على الجنب كل خلافاتنا من أجل
نبل مهمتنا الحضارية ومن أجل مصالحنا الإقتصادية والإجتماعية المشتركة،
التي هي عصب قارتنا العجوز أروبا. إني أرفع نخبي لهم وأرفعه على شرف جلالة
السلطان وعلى شرف رئيس جمهورية فرنسا. إني أرفعه من أجل نساءنا الفاضلات
اللواتي بقين هنا، في مقدمة الفعل، وأيضا لتلك اللواتي وصلن اليوم لعلاج
جرحانا ومرضانا. إني أرفع نخبي لكم، أنتم الجماعة الصغيرة من الفرنسيين
الصامدين الأقوياء، من جنود ومدنيين، الذين سال دمكم والذي هو السماد
الأصلب لترسيخ وجودنا في هذا المغرب التليد.».
2/7/2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
جئت لأفرض التنازل عن العرش على مولاي حفيظ
| ||||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
المغرب، مثله مثل المحيطات الهادرة، خطير بعواصفه.
باريس: 21 دجنبر 1912 جئت باريس في شهر دجنبر 1912، كي أقدم إلى الحكومة الفرنسية تقريرا وكذا كي أدافع عن طلب أول قرض (لنا في المغرب)، فدعيت لترأس ندوة بالمدرسة العليا للعلوم السياسية، تتعلق بالرحلات التي أنجزها السيد دولاشاريير إلى المغرب. كانت العادة أن أتناول الكلمة بعد المحاضر. كان اللقاء حينها قبل الحرب ب 8 أشهر (يقصد ليوطي هنا العالمية الأولى بين 1914 و 1918. ? م - ). وكان الجميع يستشعر التهديدات المتعاظمة ورياحها الحامية كانت تحلق فوق رؤوس النخب الجديدة لفرنسا. (فقلت فيهم): «إنني أنوب عنكم أولا في شكر السيد دولاشاريير عن المحاضرة الهامة والجوهرية والواضحة التي قدم أمامنا. لقد تلقيت منذ 3 أشهر رسالة من السيد فرانسوا لوفور، يطلب مني أن أقدم عرضا بمدرسة العلوم السياسية حول المغرب، و في حال تعذر ذلك، أن أشير عليه بمن يقدم ذلك العرض في ندوة أترأسها أنا. بديهي أن تدركوا سبب اعتذاري، لأنه لا يحق لي الخوض في موضوع أنا طرف فاعل فيه. وحضوري اليوم في باريس، هو من أجل الدفاع أمام كبار مسؤولي هنا عن المهمة التي أنيطت بي هناك. وحين يتعلق الأمر بالمغرب وما يتم إنجازه هناك، فإن الأسلم أن يتكلم الآخرون عن ذلك، لأنهم أكثر استقلالية في رؤيتهم وأحكامهم. ليس هناك أفضل لهذه المهمة من السيد دولاشاريير، الذي اقترحته بدون تردد. إنني أعترف لكم أنه يعرف المغرب أكثر مني، ولا غرابة في ذلك. فقد سبقني إليه وتمكن من دراسته بحرية في النظر وبشكل شمولي لا تسمح لي بهما مهامي اليومية الثقيلة. لقد زاره سنة 1910 و سنة 1911، ولقد قضى هناك شهورا عدة بينما لم أقضي فيه أنا سوى أسابيع قليلة سنتي 1907 و 1908. فكانت له الإمكانية للبحث الأعمق والشامل. لقد زار سنة 1910 كل الشاوية وبلغ مراكش، مثلما زار كل الشق الشمالي للأطلس الكبير وعاد لنا بكتاب قيم بعنوان: «المنجز الفرنسي في الشاوية». ثم عاد سنة 1911، حيث عاد لزيارة الجنوب، وقطع مسافات بدون حراسة في مناطق يستحيل اليوم عبورها بدون جيش صغير. لقد زار جنوب الأطلس الكبير الذي يقع اليوم تحت نفوذ الهيبة (ماء العينين) والذي هو منطقة مشتعلة. وبعد أن أثارته أحداث الشمال، توجه رفقة معمرينا إلى فاس، ومنها توجه إلى طنجة. بالتالي فقد تمكن من زيارة المغرب من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب. ولقد أنجز مهمته بتفوق وترك أثرا طيبا هناك بفضل أخلاقه الفرنسية الأصيلة، مثلما أن قواتنا التي رافقته لم تسجل عليه غير الأمور الإيجابية. ليس لي حقا ما أضيفه على ما قاله السيد دولاشاريير حول المغرب، من خلال الخطاطة التي تفضل بعرضها أمامكم. الخطاطة الموسعة، غير سهل إنجازها بتلك الحنكة والدقة. لقد جعلكم تستشعرون، وأنا أشكره على ذلك، مدى المخاطر التي تواجهنا هناك. وأطلب منكم أن تظلوا محتفظين على ذات الإنتباه. لأنه إذا كان هناك من شئ يجب الإحتياط منه في بلدنا فهو الهروب إلى الأمام. إن الرأي العام الفرنسي، كما تعلمون، ينساق سريعا نحو التطرف: إما أن كل شئ ربح وإما أن كل شئ ضاع. والحال، أنه مع طبيعة جنسنا الفرنسي، نادر أن يضيع كل شئ. لكن حالات الخطر لا تتجاوز بضربة واحدة. إن التهدئة في المغرب، وتذكروا هذا الأمر جيدا، ليس عملية يسيرة وسهلة، ويستوجب وقتا طوبلا، وهذا لسبب أول: أنه مهما كانت اختلافاتنا حول أرقام ساكنته، فإن هذه الأخيرة مؤكد أكبر من ساكنة الجزائر لحظة فتحها. في المغرب هناك ما بين 5 و 6 ملايين نسمة، وأترك لكم ترف أن تحسبوا كم يشكل ذلك من احتياطي للمسلحين المستعدين للمقاومة بإيمان والذين لا نملك أن نواجههم سوى ب 50 ألف رجل، وهذا رقم كثير على فرنسا، لكنه قليل على المغرب (لتهدئته). إن المغرب، مثله مثل المحيطات الهادرة، خطير على السفن بعواصفه. ولقد اجتزنا واحدة، ومؤكد أننا سنجتاز أخرى غدا، لأن الأسباب العميقة لذلك كائنة: أولا التشدد الديني والإرتباط الشديد بالإسلام الأصولي ثم تلك النزعة العالية للإستقلال، والتعود على الإنتفاض وعدم الثقة في الأحنبي. وكما استعرض ذلك أمامكم، بوضوح، السيد دولاشاريير، فإن كل المعطيات تؤكد اليوم أن تمة ملامح لانتفاضة شاملة ووطنية. وعلينا أن نتوهم أن الخلافات بين القبائل لا تسمح بتوحدها، فهي تختفي حين مواجهة الأجنبي. حينها تتشكل موجة هائلة صاعدة من القاع تجرف كل شئ في طريقها. هذا الأمر خشيته فعلا في الفترة بين يونيو وغشت الماضيين. لقد تجاوزناه، لكننا قد نواجهه غدا. ودورنا هو الإستعداد له كما يجب، ومؤكد أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي ومن أجل مضاعفة الجهد علينا الإسراع في تنفيذ مخططات الإختراق الإقتصادية والحضارية. فمن المؤكد، أنه حين ننجز السكة الحديد، فإن الأماكن التي كان علينا عبورها في 8 أو 10 أيام، لحمل الجنود والأسلحة ومواد التغدية، ستقل وستقلب وضعيتنا العسكرية بالكامل. مثلما أنه مع السكة الحديد، ستتطور دورة الإقتصاد وشكل التنقل والحياة الإجتماعية، أي ستتغير مصالح مادية عدة. والمصلحة دوما، وفي كل مكان، هي الغالبة والحاسمة. وأتوقع بقوة تحقيق هذه المنجزات: موانئ، طرق، سكك حديد. وبالموازاة معها منجزات حضارية من تعليم وتكوين طبي، التي لها على الأهالي تأثير السحر. وكل ما سينمي التجارة والحياة الرغدة، سيكون العنصر المساعد بشكل حاسم للمهمة العسكرية التي علينا إنجازها. إن المصادر المادية الواجبة لذلك، هي التي جئت أبحث عنها في باريس. وحضوري هنا محدد في هذه المهمة. وأستطيع التأكيد، على أنني وجدت عند الحكومة والبرلمان وكل من له علاقة بتحقيق هذه الموارد، الدعم والقبول والتقدير الذكي للوضعية مما يطمئنني عاليا حول المستقبل. إن ما أنا مدين به بداية للأستاذ دولاشاريير ولكم، أنتم الذين شرفتموني بدعوتي هذه الليلة، هي أنكم منحتموني الفرصة لأؤدي ما علينا من دين وهو كثير. أولا تجاه من سبقوني إلى أرض المغرب. فقد قاموا بدور هام في ظروف قاهرة. لقد كانوا مثل من يعمل وسط حلكة الظلام. وإذا كان هناك من بصيص ضوء بدأ يطل من تلك الغابة الشديدة الظلمة، وإذا كان في تلك المستنقعات بعض الأرض الصلدة التي بإمكاننا الوقوف فوقها بثقة، فالفضل يعود إليهم وإليهم وحدهم. إلى أولئك المستكشفين مثل فوكو، سيغونزاك، لاشاريير وآخرون كثر فتحوا لنا هذا البلد ورسموا لنا مكامن الخطر فيه. (يقصد هنا الماريشال ليوطي أعمال المستكشفين الفرنسيين الأكثر شهرة مثل: شارل دو فوكو، أول وأهم رحالة فرنسي استشكف المغرب مدعيا أنه يهودي، وأصدر واحدا من أهم الكتب حول وضعية بلادنا في أواسط القرن 19، تحت عنوان «استكشاف المغرب» الصادر سنة 1888، والذي حاز بفضله على الجائزة الذهبية الكبرى للجمعية الفرنسية للجغرافيين، وهي من أعلى الجوائز الفكرية في فرنسا حينها. وفوكو هذا كان عسكريا تخرج من الكلية الحربية الشهيرة سان سيرو، التي لا تزال قائمة إلى اليوم بفرنسا. أما روني سيغونزاك، فهو عسكري فرنسي تخرج من نفس الكلية الحربية، قام برحلات إلى كل من ساحل العاج، ثم المغرب. ولقد انطلق من مارسيليا نحو بلادنا التي قضى بها شتاء سنتي 1904 و 1905. علما أنه زار بلادنا قبل بين سنوات 1889 و 1901. وأصدر كتابين عن المغرب: «رحلة إلى المغرب» صدر سنة 1903 و «عبر المغرب» بعد زيارته الثانية. أما الشخصية الثالثة التي اقترحها لتقديم محاضرة حول بلادنا أمام أساتذة وطلبة معهد العلوم السياسية بباريس يوم 21 دجنبر 1912، فهو الباحث الجغرافي والرحالة الفرنسي رينولد لادرييت دولاشاريير، الذي ينتمي لعائلة عسكرية فرنسية شهيرة وكذا عائلة مالية غنية جدا، فأحد أبنائه هو مؤسس شركة زليجة الشهيرة بالمغرب والتي لا تزال قائمة إلى اليوم. ولقد قام برحلة إلى المغرب سنوات 1910 و 1911، شملت كل المناطق الساحلية للمغرب من سوس حتى طنجة مرورا بمراكش وفاس. وأصدر كتابا هاما، مفقودا حتى الآن، تحت عنوان «رحلة في المغرب الأقصى»، الصادر يوم 11 مارس 1912. ? م -). | ||
4/7/2012 |
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
حذار من النظر إلى المغاربة كمهزومين أو كأقوام دونية
باريس: 21 دجنبر 1912 أمام طلبة المدرسة العليا للعلوم السياسية (تتمة 1).. (إنني ممنون لمن سبقوني في المغرب).. إلى درود، الذي نزل بشاطئ الدارالبيضاء رفقة ثلة من رجاله والذي عرف كيف يقاوم من أجل البقاء في ظروف قاهرة (الجنرال درود، هو القائد العسكري الفرنسي الذي كان بالدارالبيضاء لحظة إنزال بضع قوات فرنسية بميناء المدينة سنة 1907، وعرف أساسا بفشله في معركة سيدي مسعود بضواحي المدينة ? م - ). إلى داماد الذي قام بعمل جبار في الشاوية وأقام ما تعرفونه من موقع عسكري لنا هناك (الجنرال داماد هو الذي عوض الجنرال درود في الدارالبيضاء بقرار من باريس سنة 1908، وهو الذي قضى بعنف شديد وهمجية على مقاومة قبائل مديونة. وبنى أول موقع عسكري فرنسي في المنطقة الممتدة بين سيدي مسعود والنواصر ? م - ). إلى موانيي، الذي زحفه نحو فاس سيبقى خالدا في الذاكرة، وخلال السنة المنصرمة التي كانت سنة كالحة، استطاع الدفاع عن مواقعه، وكم هو صعب الدفاع عن مواقعه. (الجنرال موانيي، واحد من جماعة المعمرين الفرنسيين المنتصرين لما يعرف ب «القضية المغربية» في فرنسا، والذي زحف في ماي 1911 من الرباط صوب فاس على رأس 15 ألف عسكري بدعوى حماية السلطان المغربي من ما أطلق عليه «انتفاضة القبائل البربرية» في إشارة إلى حركة أحد قادة موحى أوحمو الزياني بفاس، القايد محند أوحموشة من بني مطير. علما أن أبطال زيان بقيادة موحى أحمو قد بعثوا جزء من قواتهم لنصرة قبائل مديونة سنة 1908. وسيكون لهذا الجنرال دور أيضا في القضاء على حركة الهيبة ماء العينين بسيدي بوعثمان سنة 1912 ? م - ). إلى السيد رونو (سفير فرنسا الذي وضع توقيعه قبل توقيع السلطان مولاي حفيظ على وثيقة الحماية ليوم 30 مارس 1912. ? م - )، الذي قام منذ سنوات هنا بأصعب المهام. لقد عاينته في الميدان، مرتين، حيث وجدتني معه في امتحانات صعبة، في الرباط والشاوية، ولقد عايشت عن قرب أسباب قلقه مثلما استفدت من آراءه السديدة. تصوروا معي، كيف أنه نجح في اكتساب ثقة السلطان (يقصد هنا السلطان مولاي عبد العزيز) وحمله على أن يجنح للتعاون معنا، وفجأة ظهر سلطان آخر (يقصد السلطان مولاي حفيظ) الذي قاد القوات التي تناهضنا، فكان لابد من القيام بذات الجهد من الصفر ثانية، بحثا عن تعاون جديد ? وأي تعاون -، وخلال سنوات مناوئة لنا، جحود. وحين كنا نتتبع العملية عبر عمل قاعدي سري مواز، تفجر الوضع أمامنا فجأة يوم 27 أبريل الماضي، حين نزلنا بالميناء، في ذات الوقت الذي كان السيد رونو فرحا بتوصله أخيرا إلى توقيع معاهدة الحماية. صدقوني ليس هناك أكثر ألما أن ترى بناء يتهاوى بمجرد ما انتهيت من إعلائه. وهنا علينا حقا توجيه التحية له. اسمحوا لي أن أعبر أمامكم عن امتناني لرؤسائي الذين ساهموا في تكويني، الذين علموني ما أعرفه عن الشؤون الإستعمارية: السيد روسو، المقيم العام السابق بالهند ? الصينية، ذلك الرجل النبيل، الذي يقدم لي ابنه اليوم في وزارة الحرب الدعم الكامل والحاسم. إلى الجنرال غالييني، سيد سادة «التيار» الإستعماري، الذي على مدى 9 سنوات، أشركني في انتصاراته. إلى السيد جونار، الذي صفقتم له هنا منذ 8 أيام خلت. والبارحة فقط أخبرت بمحتوى الكلمات التقريضية التي شرفني بها وأشكره عاليا على على منحي الفرصة لأعلن له أمامكم عن مدى امتناني. لقد كان على مدى 7 سنوات رئيسي المباشر ولم يحدث أن تضررت علاقتنا أبدا ولا تسلل الشك بيننا قط. ومن دروسه أحتفظ باثنين: أولا، تمثل السياسة الأهلية (من الأهالي) التي أعترف أنني تلميذه فيها. عليكم أن تعلموا بأي حكمة وتواضع كان يلح علينا أن لا ننظر قط إلى الأهالي كمهزومين أو كأقوام دونية، بل إنه كان يضعهم دوما في نفس مستوانا وكان حريصا على أن يشركهم في الأعمال التي ننجزها (لهم). وإذا كان ذلك صحيحا في الجزائر، فإنه في المغرب أكثر قوة، الذي سياستنا فيه مبنية على الحماية ويجب أن تبقى كذلك، أي على نظام للتعاون والشراكة بامتياز. ثانيا، لن أنسى درس القيادة الذي علمني، كونه ظل القائد الوفي في الأيام الصعبة القبيحة، وهذا أمر نادر بحق. وأود أن أتذكر معكم حادثا بعينه: ففي سنة 1904 كلفت بقرارات فوقية أن أحتل موقعا اعتبرته غير ضروري لتحقيق أمر حماية الجزائر، والذي لم نكن متأكدين، بسبب عدم رسم وتحديد الحدود، هل هو جزء من أراض جزائرية أم من أراض مغربية. فجأة، بعد أيام من احتلالي له، جاءني الأمر بسرعة من باريس أن أخلي الموقع. كان ذلك القرار مستحيل التنفيذ، بسبب أن عددا من القبائل قد جاءت لتحتمي براية فرنسا، وكنت قد أعطيتهم وعد فرنسا بذلك. راسلت باريس بالأمر مضيفا أنهم في حال أرادوا من يحقق استتباب الأمن، أن يبعثوا شخصا آخر غيري. كان السيد جونار غائبا عن الجزائر، ولم يعلم بالمشكلة سوى يومين بعد ذلك، وهو في هولندا، فسارع إلى الإبراق إلى رئيس المجلس بالتلغراف التالي: 1 ? لقد تصرف الجنرال ليوطي بأمر مني (وهذا غير صحيح، لأنني لم أتمكن قط من الوصول إليه). 2 ? إني موافق على كل ما قام به. 3- إذا كان قرار الإنسحاب لا يزال مطلوبا فإنني سأسافر لأكون جواره في الموقع الذي احتله». أنتم تتفهمون أكيد، أنه حين يقوم قائد بمثل ما قام به، نرتبط به مدى الحياة، ونخصه بتقدير وثقة وإعجاب بلا حدود. لقد خاطبكم السيد دولاشاريير، بصوت متهدج أثر في، عن مساعدي الأقربين. وهو مدرك عن أي روح يصدرون، وأي طاقة يبدلون من أجل القيام بما تقتضيه منهم الحالة. لهم كذلك أود أن أعبر عن امتناني. أولا، مساعدي المدنيين: السيد دوسانت أولير، وهو واحد منكم، الذي يتحمل مسؤولية القيادة في غيابي. إلى مدرائي العامين للمالية والأشغال العمومية السيدان غالو ودولير، إلى السكرتير العام للحكومة الشريفية السيد غيلار، الذي أعلم أنكم تعرفون جيدا ملحمته المغربية. أما مساعدي العسكريين، فقد عاينهم السيد دولاشاريير في الميدان. فتحت القيادة الصارمة للجنرال فرانشي ديسبيري في الغرب، والجنرال أليكس في الشرق، فإنهم يقاتلون هناك بذات الحماسة، لأنهم كما يعلمنا المثل: «إن القتلى يتشابهون». إنهم من كل الرتب، هناك القادة وضباط الصف ورجال الفرق، الذين يتنافسون في الإخلاص المتفاني. | ||
5/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
يوم انتصرنا على الهيبة ماء العينين بالشاوية، تحدد مصير المغرب
باريس: 21 دجنبر 1912 أمام طلبة المدرسة العليا للعلوم السياسية (تتمة 2).. بالنسبة للقادة، سأتوقف فقط عند واحد أو اثنين منهم: عند غورو، الذي سبق وصفقت عليه في هذه القاعة، ذلك الشاب الذي تعرفون جميعكم قصته الباهرة، والذي يجمع في شخصه كل خصال القادة الكبار. إن العملية التي قادها منذ 6 أشهر تستحق أن تقدم كمثال وكطريقة مثلى أرى أنها الأجدر بالتقليد. ولهذا السبب سأتوقف عندها قليلا. ففي شهر يونيو، بعد أن حرر فاس، التي كنا محاصرين داخلها، كان لابد من توسيع مجال تحركنا من أجل توسيع هامش الأوكسجين الواجب لرئتنا العسكرية، أي توسيع هوامش الأمن أمام المقاومة الشرسة التي كانت تحيط بنا، وأن نفتح باب الحوار مع القبائل التي كانت تتراجع أمامنا. لقد تحرك مع جنده وفي يده السلاح الحاسم، الذي يحسن استعماله جيدا: «القوة» التي تفرض الإحترام والتي تسمح لوحدها بفتح باب الحوار المنتج. لكنه كان يأخد معه عددا من الأهالي من علية رجال الدين ومن السياسيين، التي كان صوتها مسموعا عند العامة. وكنا متيقنين أن لعبة الإغراء ستفلح بعد أيام قليلة. لكن، للأسف كانت المقاومة شديدة، وكانت البلاد قد اهتزت جديا على درجة عالية، وبعد شهر من المعارك الضارية والتوقفات الطويلة، ثم الضربات التي تلي الضربات، والنداءات التي تصحب النداءات، لم تظهر أية نتيجة إيجابية في الأفق. فكان أن كتب لي رسالة شبه يائسة قائلا فيها: «إنها المقاومة دوما ولا شئ في الأفق. لاشئ يستقيم ولست أعلم كيف سنخرج من هذه الشرنقة؟». فأجبته أن لا يواصل القتال، في هذا الفصل الصعب من السنة على جنوده وأن يعود بهم حتى نستطيع إعادة الكرة مرة قادمة. لكن رسالتي تقاطعت مع ورقة ثانية منه، التي أخبرني فيها أنه خلال 48 ساعة تململت الأمور كثيرا. وأن البارحة قد بدأت أول قطرات الإستسلام تهطل وأن الغيث يتعاظم. وهذا يقدم الدليل، كيف أنه هذه الطريقة الصعبة والطويلة، المسنودة بالصبر تؤتي دوما أكلها. لم تطلق رصاصة واحدة بعد ذلك. ويوما بعد آخر بدأت تتوافد عليه القبائل تقدم فروض الطاعة للزعماء من الأهالي الذين أخدهم معه، بل قرروا بيع منتوجاتهم الفلاحية لأعداء الأمس. وطلبوا عون أطبائنا ووسعوا شيئا فشيئا من الأراضي التي شملتها التهدئة. وكانت نتيجة ذلك، أن فتحت الطريق أمام ضابط وطبيب مرفوقين بعدد من رجالهم، من أجل حل المشاكل العالقة ومداواة المرضى وشراء الأحصنة، على بعد 50 كلمترا من شرق فاس، في تلك الأراضي نفسها التي إلى عهد قريب، ما كنا نخطو خطوة واحدة دون أن توجه رصاصة صوبنا. كم هي مفيدة وهامة هذه الطريقة المتبعة، التي تزاوج بين الفعل العسكري القوي وطريق التفاوض السلمي التي تفرض ذات نفس الصرامة في الحنكة والفطنة وطاقة العطاء في سبيل الصبر المفضي عبر لغة لينة إلى نتائج مؤكدة. (الجنرال غورو، هو هنري جوزيف غورو، أحد القادة العسكريين الإستعماريين بفرنسا الذي عمل 21 سنة بإفريقيا بكل من السودان الغربية ? مالي الحالية ? وموريتانيا والمغرب. قبل أن ينتقل لفترة قصيرة إلى لبنان وسوريا. وستتم ترقيته إلى جنرال بعد عملية ما يسمى ب «تحرير فاس» سنة 1912، وهي العملية التي استعمل فيها كل أنواع الأسلحة الثقيلة للقضاء على انتفاضة القبائل المغربية الأمازيغية المحيطة بفاس ضدا على معاهدة الحماية. ولقد كان القتلى من المغاربة بالمئات، وكذا من الجنود الفرنسيين، الذين أيقنوا أن صلابة الإرادة المغربية أكبر بكثير مما كانوا يتصورون من قبل. لهذا السبب كان كثيرا ما يجنح إلى أسلوب التفاوض الموازي بإغراءات وازنة وكذا باستعماله لرجال الزوايا والطرقية الذين كان لهم تأثير ملموس على أغلبية المغاربة حينها. ومنذ نجاحه في خطته هذه، فتحت أمامه كل مناطق الشرق المغربي، فعين قائدا عسكريا عليها لسنوات. ولقد عرف أسلوبه الذي يوظف فقهاء الزوايا، الذين يعتمدون تقنيات الدجل والخرافة والشعودة، ب «أسلوب غورو» في تحقيق التهدئة بالمغرب. وكانت تقنيته تلك البداية لعودة تعزيز دور تلك الزوايا ورجالاتها، الذين كانوا أول من حاربتهم السلفية المغربية المتنورة بعد ذلك في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين. ففي هذه المرحلة كثرت أشكال الشعوذة التي توسع من هوامش اليأس في صدور المغاربة، خاصة في البوادي وبين القبائل، وقد كان لتلك الخطة آثارها في الميدان. ? م -). على مستوى آخر، سأتوقف قليلا، عند العمليات التي أنجزت في الجنوب من قبل موجان، والتي وصلتكم أكيد أصداؤها منه في هذه المدرسة. فمنذ قليل، حدثكم السيد دولاشاريير عن القلق واليأس الذي سكننا في نهاية شهر غشت الماضي. فبعد أن احتل المدعي الهيبة مراكش (هكذا يصف ليوطي المقاوم المغربي الصلب، إبن مدينة السمارة بالصحراء الغربية للمغرب، الهيبة ماء العينين، دفين تزنيت ? م - )، وبدأ يزحف نحو الشمال، مهددا الشاوية، كان موجان بكل ما تبقى لديه من قوات متحصنا في سوق الأربعاء، جنوب نهر أم الربيع، ولم يكن يتوفر بعد على كتائبه العسكرية الأربع. والتحقت به كتيبة ونصف الكتيبة من الشرق، فيما كتيبة أخرى من الخلف لم تلتحق به بعد. وكان ذلك كل ما لديه من قوة عسكرية. ولم يكن له في الخلف أي احتياطي من الجند والعتاد. فيما حركة الهيبة بصلابتها ووحشيتها وسرعتها قد تمكن من تجاوز كل الصعاب، كان من شبه المستحيل حماية مناطق الشمال، التي كانت بدورها في قمة الحركة. وكل العون المطلوب بسرعة كان لا يزال إما في فرنسا أو في عرض المحيط. لقد جاهدنا من اجل توفير 6 كتائب للجنرال موجان، لكنها لم تكن بعد تحت إمرته. وحينها بالضبط وصلت أول قوات الهيبة، وتدفقت غزيرة على بعد 15 كلمترا على اليمين بين موجان وكتيبته التي في الشرق، وكان يكفي يوم واحد فقط لتصل إليه قوات الهيبة. لم يتردد، تاركا عددا قليلا من جنوده في موقعه لحراسته، وتوجه على رأس 10 وحدات صغيرة، وتواجه مع مقدمة جيش الهيبة في الساعة الثامنة ليلا، وواجهها بالسلاح الأبيض وسط الظلمة، وقام في الأثناء باستقدام كتيبته من الشرق وهاجم بها مجددا عدوه، والتحم بكتيبته القادمة من الوراء، وعلى مدى 48 ساعة بقي صامدا بقوة أمام قوات الهيبة، بشكل فعال (تصفيقات حارة بالقاعة). سيداتي، ثقوا أنني سأنقل حرارة تصفيقاتكم إلى موجان، فذلك سيفرحه عاليا. هكذا، كما ترون، هناك قصص مشابهة ل «حكايات سيزار»، وهذا جميل جدا. وفي ذلك اليوم، تحدد مصير الشاوية، بل مصير المغرب كله. (بخصوص «حكايات أو تقييدات سيزار»، فليوطي هنا يحيل على ما سجله القائد جيل سيزار في حروبه سنة 51 قبل الميلاد ضد بلاد الغال بفرنسا، والتي جعلت منه ديكتاتورا عسكريا يخشى بطشه. ولقد أصبح مضربا للمثل على البطش العسكري الدموي في التاريخ والذاكرة الفرنسية، خاصة ببلاد الغال من قبل خصومهم الهلتيين. أما بخصوص الجنرال موجان الذي مجدته معركته ضد حركة الهيبة ماء العينين، التي لو نجحت في القضاء على قواته وتقدمت صوب أنفا والرباط ثم الغرب وفاس، لكان أمر المغرب وأمر الحماية شيئا آخر تماما. لكن، التاريخ كما نعرف لا يكتب ب «لو»، بل له مكره الخاص في توالي الأحداث. الجنرال موجان هذا، هو شارل موجان، من أصول ألمانية بعد إلحاق جزء من الشرق الفرنسي ببرلين بعد هزيمة فرنسا المذلة والشهيرة أمام الألمان في حرب 1870 و 1871. ولقد عرف عنه أساسا، وهو لا يزال برتبة كولونيل قبل أن يصبح تحت إمرة ليوطي، أنه من أشد عسكريي فرنسا غطرسة وعنفا ودموية، لأنه هو الذي شارك في إبادة ساكنة المدينة القديمة للدارالبيضاء سنة 1907 و 1908، ثم في المعارك ضد قبائل مديونة والشاوية. وهو من أسس فرقة السينغاليين، الذين كان يعتمد عليهم اعتمادا كليا. أي أنه كان من مدرسة العسكريين الفرنسيين المستعملين للمرتزقة في عملياتهم العسكرية. بل أكثر من ذلك فإن رجل ثقته الأكبر واحد من هؤلاء السينغاليين اسمه «بابا كولينبالي». وحتى معاركه الشهيرة في الحرب العالمية الأولى التي مجدته ورقته إلى رتبة جنرال ودخل باريس دخول المنتصر تحت قوس النصر سنة 1918، قد سجلت مشاركة وحداته السينغالية الخاصة هذه. لهذا فحين هاجم ليلا قوات الهيبة ماء العينين، وهذا ما لم يذكره ليوطي في محاضرته الشهيرة أمام طلبة المدرسة العليا للعلوم السياسية بباريس، استعمل أساسا بذهاء، قواته من المرتزقة السينغاليين المعروفون ببطشهم وصلابتهم وكذا بالمكر الذي صاحب ذلك الهجوم، كون السينغاليين مسلمون ويتكلمون لغة القرآن، لهذا كثيرا ما اختلط الأمر على قوات الهيبة في ذلك الظلام الدامس بين قوات الفرنسيين وقواتهم المغربية المسلمة التي كان ضمنها جزء من دوي البشرة السوداء من المغاربة وأغلبهم أمازيغ من طاطا وسيدي إفني وكلميم. والمعركة كانت معركة سلاح أبيض في غالبها الأول. ومما عرف عنه أيضا أنه من النوع الذي لا وجود في قاموسه لكلمة التراجع. فشعاره التقدم أو الموت. ولهذا السبب فقد اشتهر بدمويته وعنفه الشديد. والكثير من التفاصيل حول معاركه مع قبائل أولاد حريز وأولاد سعيد وأولاد حدو، تليق مادة لبحث تاريخي مستقل. وحقيقة معركته ضد قوات الشيخ الهيبة ماء العينين هي التي حسمت أمر بقاء الإستعمار الفرنسي والإسباني في المغرب من عدم بقائه. وهذا قدر تاريخي في نهاية المطاف. ? م - ) | ||
6/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
يوم فقدنا 50 راميا جزائريا في معركة باب غيسة بفاس
باريس: 21 دجنبر 1912 أمام طلبة المدرسة العليا للعلوم السياسية (تتمة 3).. بالنسبة لصغار الضباط، فإن أمرهم يعنيكم أنتم أكثر، فهم من جيلكم. فمنذ 18 سنة وأنا أتأمل فعلهم في الميدان، أولئك الشبان الذين في العشرين والثلاثين من عمرهم، حاملين دوما لذات رسالة الأمل والرجاء. في مدغشقر، مثلا، كان هناك ملازم متخرج من كلية سان سيرو (الحربية) منذ سنة. لقد وقع مع رجاله الستين في كمين، واخترق رمح جسده، ولم يكن تمة طبيب ومعه فقط أروبيان. وعلى الحمالة، نصف ميت، حيث نقله رجاله، وبصوت خافت بالكاد مسموع، كان يصدر الأوامر التي أنقدت فرقته للجندي الفرنسي الذي يساعده، والذي كان هو أيضا مثالا للرزانة والشجاعة. لقد أعاد فرقته بعد مقاومة شرسة، ووضع عند نتوء جدع شجرة، حيث واصل إصدار الأوامر بصوت متعب خافت، فيما نجح مرافقه الغض الصغير، في أن يمرر رسالة إلى النقيب الذي يقود المركز غير البعيد سوى ب 40 كلمترا. ولقد اطلعت على تلك الرسالة التي تقول: «الملازم مصاب إصابة قاتلة، ونحن في المكان الفلاني، متحصنين جيدا. ابعث لنا ضابطا برتبة لتسلم القيادة وبضع خراطيش». فوصل النقيب إلى حيث هم، في الصباح الباكر، وأنقدهم. لم يمت ذلك الملازم، بل إنه حي، وهو اليوم نقيب في مهمة أخرى مستعد للتضحية بروحه. لو كان بإمكاني لقرأت لكم كل رسائل الضباط الشبان في الجنوب الوهراني، يحكون لي فيها أول معاركهم وأول مسؤولياتهم، بحمية وشغف (قضى الماريشال ليوطي سبع سنوات في وهران وجنوبها من سنة 1903 إلى سنة 1910 ? م - ).. أما في المغرب، فإنني لن أتعب من وصف مواقف الشجاعة التي كنت أسجل تفاصيلها يوميا. في فاس، هوجمنا في الظروف التي تعرفون، بين يومي 25 و 28 ماي. فقدنا 10 ضباط، منهم القتيل ومنهم الجريح. وفقدنا 60 رجلا آخر وجرح منا 150 فردا. ضمن القتلى ضابط شاب، متزوج وأب لطفل صغير كان يذوب في حبه، ووجدنا بين أوراقه الملطخة بالدم هذه الكلمات التي كتبها لزوجته قبل أن يموت في المعركة: «إنني مصاب إصابة بليغة، لست نادما. تمة طيف حزن يعبر بي وأنا أتخيلك الآن وأتخيل صغيري الغالي. قولي له ذات يوم أن والده مات من أجل بلده وأن آخر الصور في ذهني وخيالي صوركما». لقد عادت مجموعتنا إلى الإنسجام مجددا، وليست هناك معركة لم نصادف فيها رجالا مماثلين، فهم يسقطون بشرف وبطولة، على الطريقة الفرنسية. (للنتبه للغة هنا. ? م -). منذ سنتين، خلال آخر معركة خضتها على ضفاف نهر ملوية، وكانت معركة شديدة، كان ورائي شاب متطوع في الثامنة عشرة من عمره، مثل عصفور غض، وهو من «قناصة إفريقيا»، حين اخترقت رصاصة فخده فنزل من على حصانه. ملامح الطفل التي كانت تميزه، جعلته وهو يتأمل لأول مرة ذلك المشهد الذي يجعل الدم يفور من فخده، بدلا من أن ينخرط في البكاء، ودون أن يعلم ما عليه فعله، انخرط في لحظة ضحك هستيري وهو يصيح: «في نهاية المطاف، نحن جنود». لقد كان جندنا من الأهالي (الجزائريون والمغاربة) لا يقلون شجاعة عن الفرنسيين. هل علي أن أذكركم بالدفاع البطولي عن «مسجد باب غيسة» يوم 26 ماي، حيث في ليلة وصبيحة انمحت أثار فرقة من 50 راميا جزائريا، اعتقدناها فقدت. لكن، حين وصلت إليهم فرقة الإنقاد، كان قائدهم مقتولا، فيما الرجال الخمسون نصفهم مقتول والنصف الآخر جريح. وأسلحتهم معروضة هنا في المتحف العسكري وإنني لا أعلم، أنبل من مثل تلك البنادق: كلها معطوبة، موشومة (بالدم) في تلك المعركة الطويلة بالأسلحة البيضاء رجل لرجل، من باب لباب، وفي ما بين فتحات الحيطان. يمكنكم الذهاب لرؤيتها، وإذا كنت قد حرصت على أن أحدثكم مطولا عن هذه البطولات التي حققها رجال في العشرين والخامس والعشرين من عمرهم، فلأنني أعتبرهم إخوة لكم، ولأن ما قاموا به ستقومون به غدا أنتم أيضا، لأنهم ليس هناك فرق بينكم، ليس هناك شبان عسكريون متخصصون، وآخرون لا، بل هناك فقط شبيبة فرنسية واحدة.. أتوقف هنا، قليلا، لأحيي مدرستكم. ثقوا أن الأمر ليس مواضعة يفرضها علي السياق. إنني أعرفها منذ سنوات طويلة، لقد عشت ميلادها وتتبعت دوما باهتمام محب مسار تطورها، ولي علاقات قوية مع عدد من أساتذتها، ولن أنسى قط أن أول علاقة لي معها، كان استجابة لدعوة من السيد بومتي. لقد جعلته رسائل توصل بها يدرك حجم ما كنا نقوم به في التوكان (بالهند الصينية، وأساسا الفيتنام) ثم في مدغشقر. لم يحصل لي شرف التعرف عليه قبلها، لكنه رغب في ملاقاتي والتعرف علي. وحين خرجت من ذلك اللقاء، التفت لأحيي باب مدرستكم العالي، وأصبحت موقنا، أن وراء أسوارها يتم تهييئ أمور عظيمة، وأنه تهيئ فيها شبيبة ذات روح عالية في الحرية الفكرية. ولا يمكنني أن لا أعبر عن امتعاضي، بالمقابل، من بعض المدارس الأخرى التي تكون شبيبتنا. حقا، نحن نحتفظ بذكرى طيبة لعدد من أساتذتنا، لكنهم، مثلنا في نهاية المطاف، كانوا محصورين رغما عنهم، في سياق تربوي منغلق وفي مناهج بالية. لن ألوم أحدا من جيلي، الذين بعضهم هنا معنا، حين نستعيد جميعا الحالة المؤسفة التي كانت عليها مدارسنا العسكرية والمدنية بفرنسا. ففي تلك السن، التي كنا نحلم فيها بارتياد الآفاق، التي كنا متشبعين فيها بالحاجة إلى الإنطلاق والعطاء، كانت أجنحة سنواتنا العشرين أسيرة الأقفاص الضيقة لنظامنا التعليمي حينها. لكن، تلك الأزمنة صارت وراءنا الآن منذ مدة. لقد هبت نسائم عليلة على كل نظامنا التعليمي الفرنسي. لقد عم الأوكسجين مدارسنا العسكرية والمدنية على السواء. ونحن نستنشقه بفرح هنا في هذه المدرسة العليا للعلوم السياسية، المعطاء، التي تكبر بشباب حي واعد مسلح للحياة. إنني، بسبب ثقتي فيها ومعرفتي بها، لا أتردد في استقطاب عناصرها للعمل إلى جانبي في مهام مدنية، ولي فيهم ثقة عمياء. فبالأمس فقط، اخترت كسكرتير عام للإقامة العامة الفرنسية بالمغرب، السيد بول تيرار (1)، الذي هو واحد منكم وأعرف أيضا مدى تقديركم له هنا. إني أحيي السيد ديشتال، الذي أعرف منذ سنوات، وهو الرجل الكفؤ لمواصلة عمل السادة بوتمي وأناتول لوري ? بوليو، لإدراكي أنه تحت إدارته تواصلون أنتم أن تكونوا المشتل للنموذج الفرنسي السامي، الحي، ليس الذي يزرع الطيب فوق أرض فرنسا، بل إنه يبدر ذات السماد في الخارج، وينثر قيمة مدرستكم على مختلف أصقاع العالم. * هامش: * (1) السيد بول تيرار، الأستاذ المبرز المتخصص في التشكيات والطلبات بمجلس الدولة، التحق بي، منذ شهرين، بالمغرب، حيث يقوم بصفته السكرتير العام، بعمل حاسم جبار لترسيخ إدارة الإقامة العامة في الميدان. ومنذ البداية أبان عن طاقة هائلة تميزه، كونه يزاوج بين المعرفة المهنية العالية وبين مكرمة السلاسة والإنفتاح واليسر في تليين مفاصل العمل. لقد استوعب بسرعة ما يجب عليه استعماله من روح قوانيننا وما يجب تجاوزه منها. ولق لقي في شاب آخر كل المساندة، هو السيد غيوم دوتارد، الذي لعب خلال السنة الأولى لحربنا في المغرب الدور المؤثر، وكان له دور في تعيين السيد تيراد هناك. وحين عاد إلى فرنسا ضمن حال التعبئة العامة، تسلم مهام حاسمة ضمن مخابراتنا، بفضل ما يمتلكه من حس تنظيمي وروح مبادرة واستيعاب للواقع. | ||
7/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الحرب ليست شرا فقط وزمن السلم مات
باريس: 21 دجنبر 1912
أمام طلبة المدرسة العليا للعلوم السياسية (تتمة 4)..
مؤخرا، في مقال لواحد منكم، أعدت قراءة هذه الجملة التي أعجبت بها، والتي
أحببتها وهي ليوجين ميلشيور دوفوغ (Eugene-Melchior de Vogue) : «تمة جيش
يقف فوقنا، مستعد للفعل: الشباب». آه، نعم. إننا نستشعر أنكم تتجاوزوننا.
ونحن ملزمون كقادة أن لا نفقد قط خيط التواصل معكم، وأن تتفهمونا جيدا.و
إذا كنت حريصا أن أكون محاطا بالشباب، فليس بالضرورة كي أستعيد معهم حلاوة
حرارة السن، التي لم تعد ذات قيمة لديهم على كل حال، بل لأن الشباب يحركهم
سنهم وأنه قبل الإستحمام بليل، يكون الضمير مرتاحا أن حصيلة اليوم كله،
تكون مرضية. وأستطيع الجزم أنني من القلائل الذين حرصوا على تتبع مسار
تطورات أسئلة قلقكم التي كيفتكم خلال السنوات الأخيرة، وإنني بكل الثقة
اللازمة لذلك، بكل الأمل المصاحب لها، أحيي شبيبة 1912. يكفي فقط الإنصات
إليكم وقراءتكم للتأكد من ذلك. واسمحوا لي أن أفرح بالذي يهزني أنا كعسكري
شيخ، أنكم لا تهابون الحرب، لا ككلمة ولا كفعل. (1). وهذا أمر ليس يسيرا،
بل إن قوته كامنة في جدته. فمنذ سنوات، كما تعلمون، لم يكن مستحبا قط إطلاق
هذه الكلمة، ولا كان الناس يودون التفكير في الأمر. لقد انتهت تلك
المرحلة. وزمن السلم مات.
ومن ما قرأته، أيضا، في مقال لواحد منكم هذه العبارة: ها أنتم «ترون الآن
في الحرب الفرصة لسمو وانتصار أعلى القيم الإنسانية». كم أثرت في هذه
العبارة، وكم قرأتها بفرح خاص، لأنها ترجمان لحقيقة راسخة. نعم، نحن لا
نسعى للحرب ولا نبحث عنها، لأننا ندرك خسائرها، التي نحاول التقليل منها،
لكن، كما فهمتم ذلك، فنحن نقول إنها ليست شرا فقط، بل هي «الفرصة لسمو
وانتصار أعلى القيم الإنسانية». نعم، هي مؤلمة، وليس هناك من يدرك ذلك أكثر
مني، حين أجدني أقف على القبور التي تحفر لتضم جتث شباب في عمر الورد.
لكن، في ذات القبور تنبث سنابل المستقبل، ماذا أقول هنا، بل تنبث سنابل
الحاضر، ولقد حكيت لكم بعض المجد والبطولة الذي يصنعها منذ قليل. إن سنابل
الحاضر نراها ناضجة في المقالات التي توقض روح البدل والعطاء في أنفس
الشبيبة اليوم. أي في أولئك الذين لو يصلوا بعد السن الواجبة للخدمة،
والذين يمجدون من خلال كتاباتهم كل البدل والتضحية المستحقة لأولئك الناس
الفضلاء، رجال القوات المسلحة، أولئك الضباط المتواضعين، الذين هم غفل،
ويقومون بواجبهم في الخفاء، بنكران للذات، بذات الشغف، بذات الإعجاب، كما
لو أن العالم كله يشاهد ما يصنعونه من بطولات.
إن سنابل الحاضر، تحصدها أيضا عائلات من سقطوا. إني أسمع بعض صرخاتكم، وأنا
معكم، سمعت كلاما ضد الحرب وضد الجنائز ومن أجل دموع الأمهات. وهي الدموع
التي أعرف حرارتها، لأنني توصلت برسائل من بعضهن، رسائل من أمهات من أسميهم
«قتلاي». وصدقوني، لم أجد في العالم أنبل ولا أشد عزاء لي من تلك الصفحات
المثقلة بالألم، المبللة بالدمع. واسمحوا لي أن أقرأ لكم واحدة منها. منذ
سنوات خلت، سقط قتيلا واحد من ضباطي الشباب في الجنوب الوهراني (بالجزائر)
(2). كنت أعرفه معرفة خاصة، وكنت أقدره وأعزه. لأنه كان قد قاد موكبي. لم
أكن أعرف عائلته ولا أقاربه. بعد مقتله، علمت أن والده متوفي، وأن أمه تعيش
وحيدة في قرية من قرى فرنسا. أرسلت إليها رسالة ترحم على قبر ابنها، وهاكم
ما أرسلت لي من جواب:
«شكرا جنرال أنك وقفت على قبره. آه على قبره، أي قلب طيب يحتضن. لقد توصلت
برسالة مخطوطة بقلم الرصاص في ليلة 15 أبريل (أكيد أنها وجدت معه وهو
قتيل). ولست أعلم ما الذي يغلب على كلماته الأخيرة تلك؟. هل الرغبة الجامحة
والقلقة بفرح أنه أخيرا دخل المعركة، أم حنانه تجاهي وخوفه من آلام القلق
الذي سينتابني، والذي كان يعمل جاهدا على تحاشيه. إن هذه الرسالة تلخص عمق
روحه: أمه وفرنسا. إنني لا أتكلم بصوت خفيض. ففي لحظات السكينة التي أنا
فيها، يحدث أن أشكر الله، لكنها لحظات ناذرة. لذلك، فأنا أهدي لله هذا
الدمع الذي لا يريد أن يتوقف عن الإنهمار، وأرجوه أن يمنحني فرح الوحدة مرة
أخرى مع قلب ابني العزيز الغالي. وأن يمزج دمعي بدمه الطاهر المعطاء، الذي
هو قربان سال من أجل فرنسا وشرف علمها الوطني. إن دموع امرأة مسنة ومريضة
ليست شيئا ذا بال. لكنني وهبت ابنا». (ترى أليس نفس الكلمات قد تقولها أم
شاب جزائري سقط قتيلا برصاص ذات الضابط الفرنسي القتيل؟. لم لا يفكر القاتل
أبدا في القتيل الذي له أيضا أم وعائلة ووطن؟. الإيديولوجيا كتبرير وتكييف
للمصالح، كما يعلمنا المفكر المغربي عبد الله العروي بعض من جهنم حياتنا
اليومية منذ الأزل البعيد وستبقى. - م - ).
أيها السادة،
إن هذه الرسالة، التي هزتكم، كل الأمهات الفرنسيات اللواتي التقيتهن، حتى
وإن لم يكتبوها بذات شغف الكلمات النبيلة فيها، فإنهن أكيد فكرن بذات الروح
المحركة لها. وشبيبة تولد من هذه الأمهات، لنا فيها ثقة عمياء مطلقة، لأنه
لا مثيل لها في الشجاعة. ولنا اليقين، أنها ستحمي دوما مجد فرنسا في
السلم كما في لحظات المحنة. وأشكركم جزيلا، كلكم، أن منحتموني هذه الفرصة
أن أعبر عن ذلك اليوم هنا أمامكم بثقة وامتنان».
* هامش:
* (1) يترجم هذا الكلام، واقع انتماء الماريشال ليوطي لما يطلق عليه في
التاريخ الفرنسي الحديث ب «جماعة القوة الإستعمارية» التي كانت ترى في الحل
العسكري الأداة الحاسمة للتطور والتقدم. لهذا السبب فهي تمجد المعارك
والحروب كباب لما تتوهمه من مجد تليد. علما أنه كان تمة تيار سياسي قوي في
فرنسا تأسس عمليا منذ سنة 1890 تحت إسم «حزب الإستعماريين» الذي أسسه
الكاتب والصحفي والسياسي الفرنسي، مدير جريدة «لوديبا»، دارونبيرغ. بل إن
تأسيس مدرسة العلوم السياسية من قبل إيميل بوتمي، الذي سبق وتحدث عنه بشغف
ليوطي، قد جاء ليعزز من توجه الإنفتاح الإقتصادي الفرنسي على ماوراء
البحار، وشرعت في تطبيق مناهج تعليم جديدة، تعتمد الإنفتاح على علم
الإجتماع والإثنيات واللغات من أجل تسهيل فهم وبالتالي التغلغل في
المجتمعات المعنية بالإحتلال الفرنسي. دون نسيان أن الإهتمام الفرنسي
بالمغرب تعزز أكثر بعد هزيمة فرنسا المدلة أمام الإنجليز بمصر، خلال
المعركة الشهيرة ل «فاشودا». فقد كان الحلم الإستعماري الفرنسي دوما حلما
مصريا منذ حملة نابليون بونابارت سنة 1798. (المترجم).
* (2) قضى الماريشال ليوطي 7 سنوات بالجزائر، وبالضبط بمنطقة وهران. فقد
قضى 4 سنوات قائدا عسكريا عاما لمنطقة وهران، ثم 3 سنوات بالمنطقة الجنوبية
لوهران، أي المناطق الممتدة على الحدود مع المغرب ما بين فكيك وتندوف.
بالتالي، فقد كان على صلة مباشرة بترجمة تعزيز النفوذ الفرنسي فوق الأراضي
المغربية التي اقتطعها الفرنسيون بالقوة من المغرب سنة 1900 وألحقت
بالجزائر، وهي مناطق توات وكولمب بشار وتندوف. وأثناء تلك المهمة العسكرية،
التي دامت من فاتح أكتوبر 1903 حتى دجنبر 1910، رقي إلى رتبة جنرال. وفي
سنة 1904، وبالضبط يوم 25 فبراير، سيستقبل مجموعة من صناعيي وتجار فرنسا،
لتشجيعهم على إمكانيات الإستثمار الضخمة آنذاك، في مناجم وواحات بني ونيف
وصولا حتى فكيك التي كان يعتبرها دوما ليوطي مستباحة، ونوعا من «مرسى خاصة»
لفرنسا.
9/7/2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
المغرب وميناء الدارالبيضاء فرصة لنهوض روح فرنسا
بوردو: فبراير 1912 بعد قضاء 3 أشهر بباريس، من أجل تحديد دقيق للقرارات الواجب اتخادها مع بدايات الحماية الفرنسية بالمغرب، بالتنسيق مع الحكومة الفرنسية والبرلمان الفرنسي، استقبلت بمدينة بوردو، قبل عودتي، من قبل الغرفة التجارية بالمدينة. (وألقيت هناك الكلمة التالية). «السيد الرئيس، حين اتصل بي، باسمكم، منذ شهر، السيد دورو(Dureault)، والي المدينة ومنطقة لاجيروند، كي يطلب مني أن أغادر (إلى المغرب) من مدينتكم، لم أتردد لحظة واحدة. حقا، المغرب وفي لمارسيليا، وأنتم مدركون لم علي أن أحدد ذلك هنا، لأن لا أحد يمكنه نكران الدعم الذي قدمته مارسيليا لنا، منذ الساعات الأولى لنا هناك. لكن، ثقوا بي، المغرب جد غني، وهو منذور لتطور وتنمية تجارية هائلة، تسمح بوفرة الخير لأكثر من واحد. ثم إن واحدا من أوفى أبناء مارسيليا، شارل رو (Charles Roux)، الذي يترأس الشركة العبر أطلنتية، يدعم بقوة تعزيز علاقات بوردو التجارية مع المغرب. وأهتبل هذه المناسبة الطيبة لأعرب عن عظيم اعتزازي بهذا الرجل الذي تربطني به صداقة متينة وقديمة، والتي تترجم يوميا من خلال المشاريع الذكية المنجزة بيننا. يكفي تأمل الخريطة، لنرى قوة الموقع الجغرافي لبوردو، مثلما أن قوتها الإقتصادية، التي كان لي شرف الإطلاع على بعض ملامحها هذا الصباح، والتي تنبني على تقاليد للمبادرة الفاعلة والذكاء الحي، إن قوتها تلك تجعلها مهيئة في المقام الأول لمد يدها عبر المحيط إلى المغرب. وأنا أشكركم أن منحتموني الفرصة للتعبير عن ذلك. لكن تمة نقطة توجب أساسا امتناني لكم. فحين كنت أنصت لكم منذ قليل، السيد الرئيس، بعد عبارات الترحيب التي بالغتم في تخصيصها لي، كنت أنتظر ما سيليها من عبارات الغضب والتشكي، التي كنت مسبقا أعتبرها طبيعية ولها ما يبررها. لكن، أخلاقكم النبيلة، كظمتها، والظاهر أنه أنا الذي علي أن أقوم بذلك النقد بدلا عنكم. أنتم أعلم، أكيد، أنني ملزم بحسن الإنصات، حتى أتمكن من استيعاب كل بحر الإحتجاجات التي ترد علي من مختلف مناطق العالم. من هامبورغ (الألمانية)، حتى ليفربول (الإنجليزية)، ومن مارسيليا إلى بوردو، بخصوص الأزمة التي تكبل علاقاتها الإقتصادية مع المغرب. (1) حقا، إنكم تبدلون مجهودا كبيرا لمساعدتنا. وعلينا نحن دين أن نجيب الجواب الحسن على ذلك. الوضعية، حقيقة، مقلقة: ضفاف شواطئ غير مرحبة، لا وجود فيها لموانئ ولا مكان فيها آمن. بل، لأنه خلال 3 أو 4 أشهر من السنة، كثيرا ما تأتي السلع لتتأمل الشط فقط، ثم تعود من حيث أتت. هذه أمور لا تحتمل وعلينا وضع حد لها مهما كلفنا ذلك من ثمن. إنها معاناتنا جميعا، نحن وأنتم، سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص. وهذا الواقع، هو نتيجة مؤسفة لبقاء الوسائل المادية للعمل هي هي، رغم اتساع عدد معمرينا وازدياد حجم الدعم الأروبي لنا. والنتيجة، التي تعززها الإحصائيات أيضا، أن مترا مربعا واحدا بميناء الدارالبيضاء، تنزل فيه عشر مرات أكثر من السلع في متر مربع واحد في ليفربول. والنتيجة هي الضيق والفوضى العارمة. وللأسف، فالحل ليس سهلا ولا سريعا، وليست عندي، صدقوني، وصفة سحرية جاهزة. إن ما يهمكم، ما يهمكم بالدرجة الأولى، هو التوفر على مساحات برصيف الميناء، على مخازن آمنة ضرورية لتخزين السلع. وذلك هدفكم الأسمى. لكن، لا شئ جدي ممكن القيام به في هذا الباب، بسبب أن أمواج البحر تدمر كل سنة ما يبنى هناك، وما لم يبنى الحاجز الحامي الواجب لذلك. إن هذا مشروع ضخم اتخد القرار بشأنه وأنجزت الدراسات حوله وقبلت كمشاريع، لكنها لن ترى النور سوى بعد سنوات. لكن التحدي، أن الحياة لا تتوقف. فلا أنتم، ولا أنا، نستطيع الإرتهان لهذه الإنتظارية الطويلة. لهذا السبب، لابد من البحث عن تعويض عملي، سأبدل مع مساعدي كل جهدنا لتحقيقه في الميدان. وهذا واحد من الأسباب التي تجعلكم لا تشاهدون إلى جانبي هنا، المدير العام لي في الأشغال العمومية السيد دولير (Delure). فأغلبكم هنا يعرفه معرفة شخصية، ولقد عاينتموه في الميدان بمنطقة بايون، في هذه البلاد، وبالتالي أنتم مدركون مدى غبطتي بتعيينه معي. لقد تركته في باريس يبحث عن الحلول الناجعة لتجاوز هذه المرحلة الإنتقالية. ومهما كانت هذه الحلول، وواجب علي أن أضعكم في الصورة، أنها لن تكون مرضية. وأعترف أمامكم أنني أحسد خلفائي بعدي، لأنني أتصور حجم التطور التجاري والصناعي الذي سيتحقق في عهدهم، وأن الأزمة سيتم تجاوزها وسينجز ذلك الميناء الضخم (للدارالبيضاء). ربما، علينا التنبيه إلى ضرورة التعامل بحنكة مع الشهور الثلاثة في السنة، التي تكون خطيرة هناك على الملاحة، وأن نقنع الشركات بالتقليل من أسباب الخسارة مما يجنبها مضارا خطيرة ومقلقة. واسمحوا لي أن أعبر لكم عن شكري وامتناني، أن صرحتم أن المغرب يشكل فرصة لنهوض روح فرنسا. وأنكم استوعبتم جيدا قيمة ما ينجز هناك، حين أكدتم على أن الأمر ينحصر في مهمة التهدئة، تلك التي تفتح الباب أمام التنمية والإبتكار، تلك التي تعلي من قيم الإنسان، تلك التي تحببنا في علم بلدنا الذي تنجز تلك الأمور تحت رفرفاته. ها قد مرت 18 سنة، وأنا منخرط في الحرب الإستعمارية (La guerre coloniale)، وأستطيع الجهر بذلك، إنها حرب نبيلة، لأنها الحرب الوحيدة التي تترك أثرا غير فقط الدمار، بل إنها على العكس من ذلك، تبدر أسباب الحياة. ولا أعلم أمرا أكثر مواساة، في التوكان (بالفيتنام والهند الصينية) ومدغشقر والجزائر وكذا بالمغرب، من مشاهدة الدم الفرنسي يعبد الطريق للحياة لفضاءات شاسعة كانت خلاء متخلفة. لقد سبق وقلتها، ليست هناك سنبلة واحدة، لم تسقى بالدم الفرنسي لجنودنا. والبلد لن تدرك قط حجم ما بدل وما قدم من تضحيات في العتمات وبنكران ذات، من أجل تحقيق هذه الثروة. وصدقوني ليس هناك أنعم على القائد، من أن يرى كل تلك التضحيات والتقدم صوب الموت بشجاعة، لرجال طيبين بنكران للذات وبتجاوز لذاتيتهم. تدركون، السيد الرئيس، أن الحديث عن اليقظة والنهوض الفرنسي، خلال السنوات الأخيرة، قد جعل الكثيرين يجفلون أمامه وهو يتحقق بذات رنة نداء الديك الفرنسي، الذي صدقوني لا يكتسب معناه الكامل والواضح والنبيل سوى هناك في المغرب. وإذا كان ضباطنا وجنودنا، يريقون دم فرنسا هناك بلا حساب، فإنهم ليسوا وحدهم في المعركة، بل هناك المحاربون القادمون من كل أروبا وقناصتنا الجزائريون وسود السينغال. وليس هناك أكثر معنى من هذا التكامل بين ما هو عظيم وسام وحضاري، مما ننجزه في تلك البلاد (المغرب). سيداتي، إنني أرفع نخبي لمدينة بوردو، للسيد دورو (Dureault)، الوالي الشهم لإقليم لاجيروند، الذي أشكره على ضيافته. للسيد عمدة المدينة، للسيد شومي (Chaumet) ممثل بوردو في البرلمان، الذي أشكره على الدعم الذي لم يبخل علي به قط في مختلف الظروف. مثلما أرفع نخبي لمنتخبي الغرفة التجارية لبوردو ولرئيسها الذي أدفئني استقباله رفقة فريقه من المساعدين، والذي يجعلنا نطمع في ذات الإستقبال مرة ثانية.». * هامش: * (1) يلمح هنا الماريشال ليوطي، من خلال إشارته بالتحديد لكل من هامبورغ الألمانية وليفربول الإنجليزية، إلى ما تمثلانه من قوة اقتصادية في بلديهما، وأساسا كناية عن لندن وبرلين، المنافسان الأكبر والأشد لباريس في المغرب. وكانت شكاوى وإلحاحات حكومة الرايخ والتاج البريطاني تلحان على الإبقاء على مصالحهما الإقتصادية والتجارية بالمغرب، كما اتفق على ذلك في مؤتمر الجزيرة الخضراء لسنة 1906، الذي كان موضوعه القضية المغربية. وكذا منطوق الإتفاقيات السرية بين كل ما فرنسا وإنجلترا حول المغرب (1904) وبين ألمانيا وفرنسا حول بلادنا (1911). علما أن اتفاقا تجاريا وقع سنة 1909 بين الشركة الألمانية «كروب» (Krupp) والشركة الفرنسية (Schnieder)، يجعلهما مشتركتان في استغلال مناجم المغرب. وقصة التنافس الفرنسي، الألماني، الإنجليزي ثم الإسباني على المغرب، طويلة في تفاصيلها، منذ مؤتمر مدريد الخاص بالقضية المغربية سنة 1880. | ||
10/7/2012 | ||
عدل سابقا من قبل izarine في الإثنين 30 يوليو 2012 - 12:41 عدل 1 مرات
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
إنشاء محكمة الإستئناف، أول طريق المغرب نحو الحداثة
الرباط: 15 أكتوبر 1913.
الأمر هنا يتعلق بقضية ذات أهمية فاصلة: خلق آلية للقضاء الفرنسي بالمغرب،
الذي لم يكن يستعمل من قبل سوى في المحاكم القنصلية. كان من الواجب شرح
الخطوط العريضة لروح تلك القوانين وتبسيطها، وتأكيد فعاليتها وأبعادها
الإقتصادية، في ما يرتبط بالنص الجديد الخاص بالمغرب. فألقيت كلمة يوم
ترسيم أول محكمة بالمغرب، جوابا على كلمة رئيسها بيرج (Berje).
«سيداتي،
يجوز لنا اليوم، التأكيد، بدون مبالغة، أننا نعيش يوما تاريخيا في التطور
الحديث للمغرب. فترسيم قضاء عادي وشامل يستجيب للمهمة الأعلى التي كلفت بها
أروبا فرنسا في المغرب. لقد حددت الإتفاقيات لبلدنا 3 أدوار، بعد تهدئة
الإمبراطورية الشريفية، بالإتفاق مع جلالة السلطان، هي الإصلاح الإداري
والقضائي والمالي.
الإصلاحات الإدارية والمالية تتم، رغم حجم التحديات الكبيرة. أما إعادة
تنظيم القضاء فهي مهمة منجزة. لقد وقع جلالة السلطان الظهائر المنظمة
للنصوص القانونية الجديدة وأصدر القانون الجديد المنظم للإمبراطورية. فيما
وافق رئيس الجمهورية الفرنسية على التنظيم (القانوني) الجديد. وبما يملكه
المقيم العام من سلطات، يعلن ترسيم محكمة الإستئناف في مهامها.
إن الحماية المغربية، لها حق الفخر، أن إصلاحا مركزيا مماثلا ومعقدا قد تم
تحقيقه بهذه السرعة. بل، وببناء متميز، يجعل منها واحدة من أكثر البنى
القانونية الهامة في عصرنا. لقد لاحظت، خلال مقامي الأخير، بباريس، أنه في
الأوساط الأكثر كفاءة، فإن نظامنا القضائي (الجديد بالمغرب) يعتبر نموذجا
يحتدى، بل وثروة قانونية تثير الغيرة والحسد. ونستطيع تلخيصها في الخطوط
العامة التالية:
أن تطبق دوما الصيغ الأكثر حداثة والتي أبانت التجربة فعاليتها وجودتها. أن
لا نتردد في تحقيق إصلاحات يطالب بها في فرنسا وبالخارج منذ سنوات: تسهيل
المساطر، سرعة الحلول، تقليص النفقات، حماية المتقاضين أمام مسؤولي الإدارة
والأعمال، تلك هي الأهداف التي وجهت صناع هذا الإصلاح (القضائي).
وأجدني في وضع مريح، لأعلن قيمة هذا النظام الذي لا فضل لي فيه. لم يكن
دوري غير قراءة العمل الممتاز المنجز بدربة، وأن أضع عليه توقيعي. وإذا
كانت إكراهات باقي مهامي المتعددة، قد حالت دون مساهمتي الفعالة في لحظات
الإنجاز، فإن إحساس قلة كفاءتي الإحترافية في المجال، قد منعني من التطاول
على أهل الإختصاص. وهذا ما يمنحني حرية التعبير اليوم عن امتناني لمن
أنجزوا هذا الإصلاح القضائي. إن امتنانا، يا سادة، يجب أن يذهب في المقام
الأول، إلى جلالة السلطان الشريفي مولاي يوسف، الذي بحكمته، أدرك القيمة
التي ستحصدها إمبراطوريته من إنشاء محاكم جديدة، باحترام كامل لعادات أهل
بلده، وأنه منح الجماعة الأروبية أن تكون تحت نص قانوني يستجيب لشروط
الحياة الحديثة. وإذ أوجه تحيتي للسلطان، فأنا هنا ? وكونوا متيقنين من ذلك
? لا أقوم بواجب بروتوكولي.
إن تعاوني، وتعاملي، منذ سنة مع جلالة السلطان، رسخ لدي يوما بعد آخر،
اليقين أن الحماية كان لها حظ أن تجد، في بداياتها هذه، أمامها سلطانا
متنورا مثله، المنتصر للعدالة، الحريص على مصالح رعاياه، المهووس بحماية
معتقداتهم وتقاليدهم الراسخة. لكنه، مدرك في الآن ذاته، بدون تردد، أمام
الفوضى الآخدة بخناق امبراطوريته، أن فرنسا وحدها القادرة على ضمان الحماية
مع تيسير السبل الناجعة أمام اقتصاد والتنمية الإجتماعية لهذا البلد
النبيل. وذات الإمتنان نوجهه لحكومة جمهوريتنا، التي دعمت مجهوداتنا وأحسنت
الإنصات لآراء جلالة السلطان للإسراع بإنجاز هذه الإصلاحات (القضائية).
وبعد النجاح في ذلك، أحرص على تحية السيد بيرج (Berje)، الرئيس الأول
(لمحكمة الإستئناف بالمغرب)، والسيد لوندري (Landry)، الوكيل العام، الذين
يعود لهم الفضل في أغلب هذا العمل المنجز. وسيكون لهم أيضا شرف تطبيقه في
الميدان.
إنني حريص، السيد الرئيس الأول، أن أذكر بأنه أثناء عملكم في تونس، قد
اشتغلتم مع زبدة علماء التشريع المسلمين، من أجل تعديل بعض التقاليد
المتبعة في المغرب. ومعرفتكم العلمية في هذا الباب، هي التي يسرت لكم ذكاء
إيجاد نقط التلاقي بين تلك التقاليد ونصوصنا القانونية، التي تصدر معا، هنا
وهناك، من روح القانون الروماني، الذي استلهم منه، مثل أجدادنا، فقهاء
التشريع الإسلامي مفاهيمهم القانونية. ولا يمكنني التغاضي، عن المساعدة
القيمة، والدور الكبير الذي قام به أحد أهم علماء الدين المغاربة في هذا
الباب، سي بوشعيب الدكالي (أبى شعيب الدكالي، الفقيه السلفي المغربي
الشهير، المتنور. ? م - )، وزير عدل جلالة السلطان. وعلينا أيضا، أن لا
نغفل عن توجيه التحية إلى رجال القانون والمحامين، الذين رغم مشاغلهم
الضاغطة، قدموا مساعدتهم المعرفية والقانونية للحماية الفرنسية. السيد
غرامبوم بالين (Grunbaum-ballin)، رئيس مجلس دائرة لاسين (بباريس)، السيد
روميو (Romieu) مستشار الدولة، السيد جون لابي (Jean Labbé) المحامي بمجلس
الدولة وبمحكمة النقض، السيد تييسيي (Teissier) الأستاذ بمدرسة العلوم
السياسية، السيد دولابراديل (De Lapradelle) الأستاذ بكلية الحقوق، السيد
هيربو (Herbeaux) المستشار بمحكمة النقض، وأخيرا السيد لوي رونو (Louis
Renault) رئيس اللجنة.
سأكون مجحفا، ونحن نعيش لحظة نهاية محاكمنا القنصلية، أن لا أقدم التحية
لقناصلتنا الذين أداروها وأيضا لأبناء وطننا الذين عملوا بها. لقد أبانوا
دوما، ليس فقط عن حنكة ونكران للذات، بل عن روح منتصرة للقانون، متنورة،
خاصة بنا نحن الفرنسيين، تلك التي تلقنوها في محكمة إكس (أونبروفانس، يقصد
ليوطي، التي تعتبر كليتها للحقوق واحدة من أرقى كليات القانون في أروبا منذ
عقود. ? م - ) وكانت عنوانا عن حكمتهم الراسخة. إن مبدأ تلك المحاكم نفسها
يجعلها غير ممكنة الإستمرار تحت نظام الحماية، من أجل فسح المجال أمام
نظام قانوني متكامل وشامل المتصالح مع الضرورات الجديدة.
لقد حددت عاليا خصوصيات محاكمنا الجديدة، التي حتى وهي لا تشبه تماما
محاكمنا بفرنسا، بسبب التقاليد المرعية، فإنها ستعمل بمبادئ حداثية كاملة.
ولقد أجاب محرروا قانوننا الجديد عن واحدة من أهم انشغالاتي، وحققوا لي
واحدا من أهم متمنياتي، أنهم منحوا الرضى للضمير المسلم كلما شملت هذه
القوانين قضايا الأهالي (الأهالي المغاربة، وليس المواطنين المغاربة. للغة
هنا محاميلها. ? م - ). وأصفق عاليا، أيضا، على مؤسسة القاضي المقيم، التي
حين ستجد هذه المحاكم نفسها تحاكم أهالي في جرائم مرتبطة بالأجانب، فإنها
ستكون مسنودة بمقيم قضائي مغربي. وأخيرا، حرص محرروا نصنا القانوني الجديد
على توفير كل الضمانات الواسعة للأجانب حين يجدون أنفسهم متقاضين أمام
محاكمنا (الجديدة).
هكذا، نجد أن من الظهائر الموضوعة أمام جلالة السلطان للموافقة عليها،
الظهير الخاص ب «وضعية الفرنسيين المدنيين والأجانب تحت الحماية»، الذي
يمثل بحق نوعا متميزا من القانون الدولي الخاص. فنصوصه تضمن للأجانب، بأكبر
قدر ممكن، حقوقهم الخاصة وتقدم حلولا منصفة لكل أشكال الخلاف، بما يتماشى
وروح النصوص والإتفاقيات الدولية للاهاي ولتوصيات المؤتمرات الدولية لرجال
القانون. وأيضا ظهير الواجبات والعقود، الذي تدركون السيد الرئيس الأول،
حجم أثاره التي لمستموها من خلال تجربتكم الإفريقية، والتي ترجمت روح
النصوص الأجنبية الحديثة. وسأضيف أن كل هذه الضمانات تجد مرتكزها في الرجال
الذين سيطبقونها، وأيضا في الإختيار الذي تم للرئيس الأول لمحكمتكم،
للقضاة، والذي بصفته رئيس محكمة تونس (سابقا) قد تروض مع محتلف المشاكل منذ
مدة، التي تكون نتيجتها ترسيخ الثقة لدى كل الأجناس المتقاضية. ونحن إذن،
على ثقة كاملة، أن القوى العظمى، ستعترف لنا أكيد بالجهد الدقيق الذي حققنا
من خلاله واجبنا اتجاههم. ولست مضطرا أن أذكركم السيد الرئيس الأول، كم
أطروا، دون أن يلزمهم أحد بذلك، على مدى ما استفادوا منه من حماية قانونية
بالمحاكم الفرنسية بتونس. بالتالي، فإن انخراطهم في النظام القانوني الجديد
بالمغرب، سيكون أسرع منطقيا، لأنه منصوص عليه في الإتفاقيات (يقصد
اتفاقيات فرنسا مع إنجلترا وألمانيا، ثم أساسا اتفاقية الجزيرة الخضراء
لسنة 1906، الدولية الخاصة بالقضية المغربية ? م - ). وأيضا، أنهم ليسوا
أمام رجال قضاء جدد، بل أمام جسم قضائي مجرب وموضع ثقة مسبقة لديهم،
وأسماؤهم عناوين عنهم.
وقبل أن أعلن افتتاح أشغالنا، لابد من إبراز الدرس العالي الذي يصدر عن هذا
التنصيب. إن قائدا عسكريا باسم الجمهورية الفرنسية، على أرض المخزن، الذي
يعين المحكمة. ورمح العدل العسكري الروماني، يرمز هنا لدلالة خاصة والحرب
بالكاد وضعت أوزارها (1). وغدا ربما، ستصل إلى أسماعنا صدى من علينا واجب
التطويع. والفريق العسكري الذي يؤدي التحية هنا، هو ذاته الذي حارب من أجل
التهدئة. والضباط الذين انحنوا أمام عدالتكم، هم ذات الضباط الذين إلى أمس
قريب، قد حملوها صوب النصر. وملابسكم الحمر تأتي في ركاب أسلحتنا المنتصرة.
ومرة أخرى، أمام الأمم المتنبهة، تجدد فرنسا التزامها. مرة أخرى، تؤكد
للعالم أنها، بقوتها، تحقق العدل والحق».
هامش:
* (1) يقصد ليوطي هنا أساسا معارك فاس ومراكش وسوس، التي كانت حاسمة في
ضمان بقاء الحماية بالمغرب. وهي معارك شرسة وضارية، استعملت فيها القوات
الفرنسية أشد أنواع الفتك لتطويع المقاومة المغربية الأولى بعد توقيع وثيقة
الحماية.
12/7/2012
الأمر هنا يتعلق بقضية ذات أهمية فاصلة: خلق آلية للقضاء الفرنسي بالمغرب،
الذي لم يكن يستعمل من قبل سوى في المحاكم القنصلية. كان من الواجب شرح
الخطوط العريضة لروح تلك القوانين وتبسيطها، وتأكيد فعاليتها وأبعادها
الإقتصادية، في ما يرتبط بالنص الجديد الخاص بالمغرب. فألقيت كلمة يوم
ترسيم أول محكمة بالمغرب، جوابا على كلمة رئيسها بيرج (Berje).
«سيداتي،
يجوز لنا اليوم، التأكيد، بدون مبالغة، أننا نعيش يوما تاريخيا في التطور
الحديث للمغرب. فترسيم قضاء عادي وشامل يستجيب للمهمة الأعلى التي كلفت بها
أروبا فرنسا في المغرب. لقد حددت الإتفاقيات لبلدنا 3 أدوار، بعد تهدئة
الإمبراطورية الشريفية، بالإتفاق مع جلالة السلطان، هي الإصلاح الإداري
والقضائي والمالي.
الإصلاحات الإدارية والمالية تتم، رغم حجم التحديات الكبيرة. أما إعادة
تنظيم القضاء فهي مهمة منجزة. لقد وقع جلالة السلطان الظهائر المنظمة
للنصوص القانونية الجديدة وأصدر القانون الجديد المنظم للإمبراطورية. فيما
وافق رئيس الجمهورية الفرنسية على التنظيم (القانوني) الجديد. وبما يملكه
المقيم العام من سلطات، يعلن ترسيم محكمة الإستئناف في مهامها.
إن الحماية المغربية، لها حق الفخر، أن إصلاحا مركزيا مماثلا ومعقدا قد تم
تحقيقه بهذه السرعة. بل، وببناء متميز، يجعل منها واحدة من أكثر البنى
القانونية الهامة في عصرنا. لقد لاحظت، خلال مقامي الأخير، بباريس، أنه في
الأوساط الأكثر كفاءة، فإن نظامنا القضائي (الجديد بالمغرب) يعتبر نموذجا
يحتدى، بل وثروة قانونية تثير الغيرة والحسد. ونستطيع تلخيصها في الخطوط
العامة التالية:
أن تطبق دوما الصيغ الأكثر حداثة والتي أبانت التجربة فعاليتها وجودتها. أن
لا نتردد في تحقيق إصلاحات يطالب بها في فرنسا وبالخارج منذ سنوات: تسهيل
المساطر، سرعة الحلول، تقليص النفقات، حماية المتقاضين أمام مسؤولي الإدارة
والأعمال، تلك هي الأهداف التي وجهت صناع هذا الإصلاح (القضائي).
وأجدني في وضع مريح، لأعلن قيمة هذا النظام الذي لا فضل لي فيه. لم يكن
دوري غير قراءة العمل الممتاز المنجز بدربة، وأن أضع عليه توقيعي. وإذا
كانت إكراهات باقي مهامي المتعددة، قد حالت دون مساهمتي الفعالة في لحظات
الإنجاز، فإن إحساس قلة كفاءتي الإحترافية في المجال، قد منعني من التطاول
على أهل الإختصاص. وهذا ما يمنحني حرية التعبير اليوم عن امتناني لمن
أنجزوا هذا الإصلاح القضائي. إن امتنانا، يا سادة، يجب أن يذهب في المقام
الأول، إلى جلالة السلطان الشريفي مولاي يوسف، الذي بحكمته، أدرك القيمة
التي ستحصدها إمبراطوريته من إنشاء محاكم جديدة، باحترام كامل لعادات أهل
بلده، وأنه منح الجماعة الأروبية أن تكون تحت نص قانوني يستجيب لشروط
الحياة الحديثة. وإذ أوجه تحيتي للسلطان، فأنا هنا ? وكونوا متيقنين من ذلك
? لا أقوم بواجب بروتوكولي.
إن تعاوني، وتعاملي، منذ سنة مع جلالة السلطان، رسخ لدي يوما بعد آخر،
اليقين أن الحماية كان لها حظ أن تجد، في بداياتها هذه، أمامها سلطانا
متنورا مثله، المنتصر للعدالة، الحريص على مصالح رعاياه، المهووس بحماية
معتقداتهم وتقاليدهم الراسخة. لكنه، مدرك في الآن ذاته، بدون تردد، أمام
الفوضى الآخدة بخناق امبراطوريته، أن فرنسا وحدها القادرة على ضمان الحماية
مع تيسير السبل الناجعة أمام اقتصاد والتنمية الإجتماعية لهذا البلد
النبيل. وذات الإمتنان نوجهه لحكومة جمهوريتنا، التي دعمت مجهوداتنا وأحسنت
الإنصات لآراء جلالة السلطان للإسراع بإنجاز هذه الإصلاحات (القضائية).
وبعد النجاح في ذلك، أحرص على تحية السيد بيرج (Berje)، الرئيس الأول
(لمحكمة الإستئناف بالمغرب)، والسيد لوندري (Landry)، الوكيل العام، الذين
يعود لهم الفضل في أغلب هذا العمل المنجز. وسيكون لهم أيضا شرف تطبيقه في
الميدان.
إنني حريص، السيد الرئيس الأول، أن أذكر بأنه أثناء عملكم في تونس، قد
اشتغلتم مع زبدة علماء التشريع المسلمين، من أجل تعديل بعض التقاليد
المتبعة في المغرب. ومعرفتكم العلمية في هذا الباب، هي التي يسرت لكم ذكاء
إيجاد نقط التلاقي بين تلك التقاليد ونصوصنا القانونية، التي تصدر معا، هنا
وهناك، من روح القانون الروماني، الذي استلهم منه، مثل أجدادنا، فقهاء
التشريع الإسلامي مفاهيمهم القانونية. ولا يمكنني التغاضي، عن المساعدة
القيمة، والدور الكبير الذي قام به أحد أهم علماء الدين المغاربة في هذا
الباب، سي بوشعيب الدكالي (أبى شعيب الدكالي، الفقيه السلفي المغربي
الشهير، المتنور. ? م - )، وزير عدل جلالة السلطان. وعلينا أيضا، أن لا
نغفل عن توجيه التحية إلى رجال القانون والمحامين، الذين رغم مشاغلهم
الضاغطة، قدموا مساعدتهم المعرفية والقانونية للحماية الفرنسية. السيد
غرامبوم بالين (Grunbaum-ballin)، رئيس مجلس دائرة لاسين (بباريس)، السيد
روميو (Romieu) مستشار الدولة، السيد جون لابي (Jean Labbé) المحامي بمجلس
الدولة وبمحكمة النقض، السيد تييسيي (Teissier) الأستاذ بمدرسة العلوم
السياسية، السيد دولابراديل (De Lapradelle) الأستاذ بكلية الحقوق، السيد
هيربو (Herbeaux) المستشار بمحكمة النقض، وأخيرا السيد لوي رونو (Louis
Renault) رئيس اللجنة.
سأكون مجحفا، ونحن نعيش لحظة نهاية محاكمنا القنصلية، أن لا أقدم التحية
لقناصلتنا الذين أداروها وأيضا لأبناء وطننا الذين عملوا بها. لقد أبانوا
دوما، ليس فقط عن حنكة ونكران للذات، بل عن روح منتصرة للقانون، متنورة،
خاصة بنا نحن الفرنسيين، تلك التي تلقنوها في محكمة إكس (أونبروفانس، يقصد
ليوطي، التي تعتبر كليتها للحقوق واحدة من أرقى كليات القانون في أروبا منذ
عقود. ? م - ) وكانت عنوانا عن حكمتهم الراسخة. إن مبدأ تلك المحاكم نفسها
يجعلها غير ممكنة الإستمرار تحت نظام الحماية، من أجل فسح المجال أمام
نظام قانوني متكامل وشامل المتصالح مع الضرورات الجديدة.
لقد حددت عاليا خصوصيات محاكمنا الجديدة، التي حتى وهي لا تشبه تماما
محاكمنا بفرنسا، بسبب التقاليد المرعية، فإنها ستعمل بمبادئ حداثية كاملة.
ولقد أجاب محرروا قانوننا الجديد عن واحدة من أهم انشغالاتي، وحققوا لي
واحدا من أهم متمنياتي، أنهم منحوا الرضى للضمير المسلم كلما شملت هذه
القوانين قضايا الأهالي (الأهالي المغاربة، وليس المواطنين المغاربة. للغة
هنا محاميلها. ? م - ). وأصفق عاليا، أيضا، على مؤسسة القاضي المقيم، التي
حين ستجد هذه المحاكم نفسها تحاكم أهالي في جرائم مرتبطة بالأجانب، فإنها
ستكون مسنودة بمقيم قضائي مغربي. وأخيرا، حرص محرروا نصنا القانوني الجديد
على توفير كل الضمانات الواسعة للأجانب حين يجدون أنفسهم متقاضين أمام
محاكمنا (الجديدة).
هكذا، نجد أن من الظهائر الموضوعة أمام جلالة السلطان للموافقة عليها،
الظهير الخاص ب «وضعية الفرنسيين المدنيين والأجانب تحت الحماية»، الذي
يمثل بحق نوعا متميزا من القانون الدولي الخاص. فنصوصه تضمن للأجانب، بأكبر
قدر ممكن، حقوقهم الخاصة وتقدم حلولا منصفة لكل أشكال الخلاف، بما يتماشى
وروح النصوص والإتفاقيات الدولية للاهاي ولتوصيات المؤتمرات الدولية لرجال
القانون. وأيضا ظهير الواجبات والعقود، الذي تدركون السيد الرئيس الأول،
حجم أثاره التي لمستموها من خلال تجربتكم الإفريقية، والتي ترجمت روح
النصوص الأجنبية الحديثة. وسأضيف أن كل هذه الضمانات تجد مرتكزها في الرجال
الذين سيطبقونها، وأيضا في الإختيار الذي تم للرئيس الأول لمحكمتكم،
للقضاة، والذي بصفته رئيس محكمة تونس (سابقا) قد تروض مع محتلف المشاكل منذ
مدة، التي تكون نتيجتها ترسيخ الثقة لدى كل الأجناس المتقاضية. ونحن إذن،
على ثقة كاملة، أن القوى العظمى، ستعترف لنا أكيد بالجهد الدقيق الذي حققنا
من خلاله واجبنا اتجاههم. ولست مضطرا أن أذكركم السيد الرئيس الأول، كم
أطروا، دون أن يلزمهم أحد بذلك، على مدى ما استفادوا منه من حماية قانونية
بالمحاكم الفرنسية بتونس. بالتالي، فإن انخراطهم في النظام القانوني الجديد
بالمغرب، سيكون أسرع منطقيا، لأنه منصوص عليه في الإتفاقيات (يقصد
اتفاقيات فرنسا مع إنجلترا وألمانيا، ثم أساسا اتفاقية الجزيرة الخضراء
لسنة 1906، الدولية الخاصة بالقضية المغربية ? م - ). وأيضا، أنهم ليسوا
أمام رجال قضاء جدد، بل أمام جسم قضائي مجرب وموضع ثقة مسبقة لديهم،
وأسماؤهم عناوين عنهم.
وقبل أن أعلن افتتاح أشغالنا، لابد من إبراز الدرس العالي الذي يصدر عن هذا
التنصيب. إن قائدا عسكريا باسم الجمهورية الفرنسية، على أرض المخزن، الذي
يعين المحكمة. ورمح العدل العسكري الروماني، يرمز هنا لدلالة خاصة والحرب
بالكاد وضعت أوزارها (1). وغدا ربما، ستصل إلى أسماعنا صدى من علينا واجب
التطويع. والفريق العسكري الذي يؤدي التحية هنا، هو ذاته الذي حارب من أجل
التهدئة. والضباط الذين انحنوا أمام عدالتكم، هم ذات الضباط الذين إلى أمس
قريب، قد حملوها صوب النصر. وملابسكم الحمر تأتي في ركاب أسلحتنا المنتصرة.
ومرة أخرى، أمام الأمم المتنبهة، تجدد فرنسا التزامها. مرة أخرى، تؤكد
للعالم أنها، بقوتها، تحقق العدل والحق».
هامش:
* (1) يقصد ليوطي هنا أساسا معارك فاس ومراكش وسوس، التي كانت حاسمة في
ضمان بقاء الحماية بالمغرب. وهي معارك شرسة وضارية، استعملت فيها القوات
الفرنسية أشد أنواع الفتك لتطويع المقاومة المغربية الأولى بعد توقيع وثيقة
الحماية.
12/7/2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
حكاية أول قرض فرنسي للحماية بالمغرب.
الدارالبيضاء: 19 أكتوبر 1913 كان السيد موريس لونغ (Maurice Long)، الذي سيعين سنوات بعد ذلك، الوالي العام للبلاد الهند الصينية (1)، مكلفا بالتقرير الخاص بالسلفة التي يطلبها المغرب من الحكومة الفرنسية. وبقي لسنوات في مهمة مقرر الميزانية الخاصة بالمغرب بلجنة المالية بمجلس النواب. وبهذه الصفة كان يحضر كل سنة إلى المغرب لدراسة وضعيتنا المالية، وكان يقوم بذلك بكفاءة تقنية مجربة، وأيضا بتضامن مشجع للحماية الفرنسية الوليدة، التي قدم لها دعما وازنا. فكان أن خصص له معمرونا الفرنسيون بالدارالبيضاء حفل استقبال، بصفته أول مقرر لميزانية المغرب السنوية، وألقى خطابا، أجبته عنه بالكلمة التالية: «علي أولا أن أقوم بواجب تحية خاصة. فبعد السيد فلليب (عمدة المقيمين الفرنسيين بالدرالبيضاء)، علي أنا أيضا أن أحمل نخب تقديري واعتزازي، بصفتي رئيسا للإدارة الفرنسية (بالمغرب)، إلى رئيس الجمهورية الفرنسية، الذي يمثل مصالح بلدنا بشرف أمام العالم، وكنت شاهدا على ذلك مؤخرا (2)، وإليه تتوجه عبارات حبنا وتقديرنا للجهود القيمة التي يبدلها. إنني أرفع نخبي للسيد الرئيس ريموند بوانكاري (Raymond Poincaré). أرفع نخبي أيضا لجلالة السلطان مولاي يوسف، والذي تحدث عنه السيد لونغ بعبارات مبجلة، والذي يقدم ? وأنا شاهد على ذلك يوما بعد آخر ? دعما مسؤولا وحاسما للعمل الذي ننجزه في هذه البلاد. السيد النائب المحترم، إنكم لم تقدموا فقط خطابا جميلا، بل إنكم قمتم بعمل ممتاز ومبادرة جيدة. والصدى الذي لقيته كلماتكم دليل على ذلك. إن ما تستثيرون عندنا، ونحن نستمع إليكم، هو روح فرنسا العظيمة، تلك التي نستشعرها بمعنى آخر في خارجها. إنه دعم أمنا فرنسا، لنا نحن أبناؤها هنا في المغرب. والسيد فلليب، بلغته البليغة، قد نقل إليكم تشكرات وتقدير معمري الدارالبيضاء واستعرض أمامكم حاجياتهم ومتمنياتهم. وبدوري أنقل إليكم تحيات وشكر كل المغرب، الفرنسيين فيه من مدنيين وعسكريين وباقي الأجانب من مختلف الجنسيات، وكذا أفراد الشعب المغربي، المعروفون بجديتهم في العمل والذين يستحقون عاليا تقديرنا. إنهم جميعا متساوون في الرغبة الجامحة لتحقيق التنمية في هذا البلد الجميل. التنمية التي فرنسا وحدها القادرة على أن تهبنا أسبابها ووسائلها، وحضوركم يقدم لنا الحجة والدليل والضمانة على ذلك. إن اتساع قطاع الإتصالات، واتساع حجم المبادلات بشكل متواتر وكبير، وتقدم العلاقات الإقتصادية الذي هو خلاصة لمطالبنا المالية والتي تساعدونا على الحصول عليها، هم السماد المادي الذي يعزز دور الأجناس التي تعمر هذا البلد، والتي تقدم مثالا على الجهد الجماعي المبدول والذي يشكل التتويج الأجمل والأبهى للإستعمار الفرنسي بالمغرب. لقد حرصتم، خلال محادثاتنا اليومية، أن تنقلوا إلي مدى إعجابكم خلال سفركم، وأنتم قد اطلعتم جيدا على الوثائق والأرشيفات، بالمجهود الذي بدل من قبل من قبل معمرينا، رغم التحديات الهائلة التي تواجههم. وأن ذلك كان مصدر إلهام لكم. لأنهم، رغم كل المشاكل، فقد ظلوا يقدمون الدليل على المثال الحضاري الواجب اتباعه. إنني أقدم لكم تشكراتهم، وشكل استقبالهم لكم يقدم الدليل على مدى التحامهم بكم. واسمحوا لي أن أقولها لكم، إننا هنا ننظر إليكم، وأنتم مراقبنا المالي بالمغرب وصاحب القرار في أول سلفة مخصصة لنا، ننظر إليكم كنائب عنا وممثل لنا، ولقد وضعنا فيكم كامل ثقتنا وأملنا. وإنني أضم صوتي إليكم لأشكر منظمي هذا اللقاء، ذات الطابع الفرنسي المحض، التجميعية، الأجمل التي لم أشاهدها قط في المغرب حتى الآن، والفضل يعود إليكم. وأنا مدين للجهة المنظمة أن منحوني الفرصة لأعبر عن اللحمة القوية التي تجمع كل مسؤولي الإدارة هنا بالمغرب، وبين الحكومة وممثلها فوق هذه الأرض المغربية وبين البرلمان حاضن ممثلي الأمة. وحول هذه الوحدة الصلبة يقوم مستقبل وجودنا في هذا البلد. لكل واحد منا مسؤوليته ودوره. للحكومة وممثليها القرار والتنفيذ والمبادرة والفعل. لممثلي الأمة، المكلفون من قبلها لحماية مصالحها، يعود أمر مراقبة حسن التدبير العمومي للمالية والتوظيف الجيد لثرواتنا الوطنية. ولا أحد يستطيع أن يتوهم أنه سيفلت من هذه المراقبة. بل بالعكس، كلنا نريد أن تمارس في الميدان كما نشاهد ذلك الآن، ونقدم لكم أراءنا ونصائحنا النيرة، ويسمح لكم الأمر أيضا يتتبع الجهد المبدول ميدانيا، وكذا الحاجات التي يفرضها تحدي الواقع وتتطلب سرعة في القرار. بالنسبة لي، السيد النائب، أبناء وطني الأعزاء، لست أعلم كيف أوفيكم حقكم في الشكر على الثقة التي تخصوني بها، والتي تدفء دوما قلبي. إنها ثقة كم أنا في حاجة إليها بشكل ملح وضاغط. ولا يمكنني القيام بواجب مسؤولياتي المدنية والعسكرية الضاغطة والكبيرة، بدون ثقة ودعم الحكومة والبرلمان وبلدي، وكذا دعم إخوتي الذين يوجدون جنبي. إن ذلك هو المصدر الأكبر لطاقتي وقوتي وعنوان سلطتي. ويوم سأستشعر، من هذه الجهة أو تلك، أن التجاوب غير متحقق، سأفهم بدون تردد أنه علي أن أقدم استقالتي. وصدقوني هذا اليوم لا أراه قريبا. ولست طالبا له، فأنا محظوظ بسند بلدي وثقته وسأعطي لمهمتي في المغرب كل طاقاتي. وصدقوني، إنكم لم تحيوا فقط معمرينا وجهدهم، بل لقد أنصفتم أيضا قواتنا بما يجب لها من تقدير. ولقد قمتم بذلك عن قناعة وإيمان لأنكم شاهدتموهم في ميدان المعركة. بل، لقد حرصتم على زيارتهم في أقصى نقط المواجهة، وهذه مبادرة شجاعة منكم. لقد لمستم في الميدان شكل إبداعيتهم بنكران هائل للذات، وزيارتكم لهم قدمت لهم دعم واعتراف وامتنان فرنسا، وطنهم الأعز. وهذا الجهد مهم أن نذكر به دوما. عليكم أن لا تنسوا، أنه حين تعيشون هنا في أمان وتبدعون في راحة، فلأن هناك حائطا آدميا يحميكم في البعيد، وأنه يتقدم يوميا لتعزيز حمايتكم أكثر وفتح المجال أمام حركتكم. وكل ذلك التقدم يتم بفاتورة غالية من الأرواح والدم الفرنسي المراق. إننا، حين كنا في بداية الحماية نحارب في مديونة، برشيد وسطات، كانت أسماء هذه المعارك مألوفة عند كل العاملين بالدارالبيضاء، الذين كانوا حتى يسمعون دوي القنابل وصوت الرصاص. لكن، اليوم، وذلك الحائط قد دفع إلى الأمام، فإن أسماء النواصر التي حرصتم على زيارتها، ودار القايد يطو وقصبة تادلة لا تظهر سوى كصور مضببة، وأصداء المعارك التي تدور هناك لا تصل هنا سوى خافتة. فاسمحوا لي أن أتذكر قليلا البدلة التي أرتديها لأشكركم على التحية التي خصصتموها لقواتنا والتي ضمنتم فيها إسم قائدها الجنرال فرانشي ديسبيري (General Franchet d?Esperey)، الذي تتجمع فيه خصال القائد والإنضباط والفعالية، وأقصد ليس فقط الإنضباك العسكري بل روح مبادئ الإنسان، التي تجعل منه أحد أعز مساعدي. السيد النائب البرلماني، هذه ليلة طيبة منعشة، تجعل صباحنا القادم حيا منعشا، مساعدا على العمل بطراوة، بأكتاف أخف. وستحملون أكيد معكم إلى هناك في فرنسا، الأدلة الكافية على مدى الجهد المبدول هنا، عسكريا ومدنيا، في مختلف المجالات، وكذا روح التضامن السارية التي توحد العسكريين والمدنيين، من أجل رفعة المغرب وكذا جمهوريتنا الفرنسية». * هامش: * (1) المقصود هنا، من قبل اليوطي، تعيين السيد موريس لونغ، الذي كان محاميا ورجل قانون، متخصص في القضاء التجاري، وبرلمانيا عن الحزب الراديكالي اليميني بفرنسا، من مواليد 1866 وتوفي فجأة في طريق عودته إلى فرنسا من الهند الصينية، يوم 15 يناير 1923. عين الوالي العام عن البلاد الهندو صينية سنة 1919. والمقصود بتلك البلاد، الدول التي كانت تحتلها فرنسا، قبل أن تأخدها منها أمريكا في الشق المتعلق بالفيتنام. وهي: الفيتنام، اللاووس والكمبودج. * (2) يحيل ليوطي هنا على مرافقته للرئيس الفرنسي رايموند بوانكاري إلى إسبانيا سنة 1913، والتي كانت زيارة دولة موضوعها المغرب بالتحديد وشكل تدبير استعمارهما له معا. | ||
13/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رئيس فرنسا القادم، يقف شخصيا على احتلال تازة
الدارالبيضاء: 3 ماي 1914 جاء السيد بول ديشانيل (Paul Deschanel)، رئيس مجلس النواب الفرنسي، إلى المغرب في ربيع 1914. ولقد تجشم عناء السفر حتى مواقع متقدمة بعد فاس، حيث وصل إلى سوق أربعاء تيسة، التي كانت متمركزة بها، قوات الجنرال غورو (Gouraud)، في طريقها إلى مدينة تازة من أجل ملاقاة قوات بومغارتن (Baumgarten) القادمة من الشرق، بغاية فتح طريق المغرب الشرقي مع الجزائر. ولقد أدت التحية العسكرية له وحدات الجنرال غورو. وبعد عودته للمغادرة من الدارالبيضاء صوب باريس، نظم له حفل استقبال كبير. كان ذلك سبعة أسابيع قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى. ولقد حضرت وفود أجنبية ذلك اللقاء وضمنهم المعمرون الألمان بالدارالبيضاء. (فألقيت أمامه الكلمة التالية): «السيد الرئيس، اسمحوا لي أن أعبر لكم، عن مدى الغبطة التي نستشعرها بحضوركم معنا هنا. فنحن مقدرون لكم، تجاوز كل أسباب التعب التي راكمتموه هذه الأيام، بغاية الإطلاع في الميدان على حقيقة المغرب، الذي كنتم واحدا من أوائل المهندسين لحل قضيته. وإنني لأستعيد، وأنا أراكم هنا بيننا، تلك الساعات الطويلة التي قضيتها عندكم منذ عشر سنوات، كلما زرت باريس، لأقدم الجواب الدقيق على كل أسئلتكم، مستحضرا غنى وقوة أرشيفكم وأنكم كنتم دوما على بينة من الحلول الناجعة السريعة. متجاوزا العقبات ومقترحا على السلطات العمومية الإجراءات الأكثر فعالية وفائدة لحمايتنا التي كانت تتراءى في الأفق. (1) لقد لمحت فيكم دوما، فطنة رجل الدولة الذي يحسن قراءة المستقبل، ورغم أننا لم نكن نخجل من بعض أسباب القلق التي نتسبب لكم فيها بحسابات تافهة صغيرة، كنتم تنظرون أنتم من عل للشروط الحيوية لعملنا الإداري، ببعد نظر ثاقب. بل وقاومتم من أجل الحفاظ على تلك الشروط كاملة غير منقوصة. وعلي الإعتراف هنا، أنني الأكثر تأهيلا لتأكيد مدى ما هو مدين لكم به المغرب (2). وإنه، بالتالي، لمن دواعي غبطتي وسروري أن أحييكم هنا في الدارالبيضاء، متمنيا لكم مقاما طيبا. لقد كنت شاهدا، منذ أيام، على الإعتزاز الوطني الذي كان يحركك، وأنتم تتأملون وتلمسون قيمة ما أنجز هنا. فقد كانت عيناك وشفتاك تترجمان ذلك، أمام ما كنتم تلحظونه من انطلاق وقوة منجز فرنسي هنا. لقد استعدتم، لحظتها، زيارتكم إلى الولايات المتحدة الأمريكية: «إنه الغرب الأمريكي، همستم لي، إنه نفس الخلق والإبداع العفوي لميلاد مدينة من لاشئ. إنه نفس انطلاق طينة من الناس منخرطة ببدل صادق، ذكي، مصمم على النجاح، لتحقيق الجديد غير المسبوق». إن كل حديد مصهور خارج من الفرن يستوجب بعض التقويم، لمواجهة الخبثاء الطامعين. وفي كل عملية انطلاق مماثلة، لا بد من عمل تطويعي لازم. فتمة تيارات سريعة لا بد من فرملتها، وهذا تحد لا بد منه. بالتالي، ليس لنا ما ننزعج منه هنا، ونحن مدركون أنه سيكون من الإجحاف أن نبالغ في ذلك، دون أن نعترف لأنفس شجاعة وذكية بأدوارها الحاسمة. وأننا لم نجبن أو نتراجع أمام أي تحديات تحاول أن ترهن إصرارنا لإنجاز الحلم الوليد بنكران للذات. إن الجميع هنا متنافس في الإنطلاق بحيوية، بدون تمييز بين الجنسيات، وأنا سعيد اليوم، هذه الليلة، بحضور السادة القناصل وتجار مختلف البلدان، مما يمنحني الفرصة للتأكيد على قيمة ما يتم إنجازه بروح للعدالة الإقتصادية. ونحن نراهن كثيرا، على موقعكم السامي في الدولة وفي الربلمان، خصوصا بعد ما اطلعتم في الميدان على ما تتحقق من أعمال، أن تكونوا سندنا الكبير في تسريع الإستجابة للمساعدات التي طالبنا بها في أمور ذات طبيعة مستعجلة. وإنني أعلم دوركم، الذي تم في سرية تامة، للإستجابة لطلبنا بخصوص القرض الأخير، الذي سنخصصه لمجال الإتصالات سواء داخل المغرب أو خارجه، ولقد لمستم أنتم أيضا إلحاحية هذا الأمر هنا. إنه من شغاف القلب، مع حفظ المقامات وواجب الإحترام الذي نكنه لواحد من أكبر قانونيي فرنسا، وباستحضار للإعتزاز الذي يمنحنا حضوركم معنا، أن تسمحوا للدارالبيضاء وللحماية الوليدة أن ترفع نخب احترامها لكم. ونرجو أن تبلغوا تحياتنا للسيدة حرمكم، التي كم كنا نود حضورها معنا هنا». (3) * هامش: * (1) هنا اعتراف واضح للماريشال ليوطي، يؤكد أن الإشتغال على موضوعة فرض الحماية على المغرب قديم، وأن باريس كانت تشتغل رسميا وعلى أعلى المستويات على ذلك، منذ ما قبل 1902، حتى قبل مؤتمر الجزيرة الخضراء بكثير الذي عقد سنة 1906. مثلما أن تهييئ الماريشال ليوطي لمهمته تلك لم يكن بمحض الصدفة، بل إنه عمل تراكمي يمتد لأكثر من 10 سنوات. مما يعني أن لحظة 30 مارس 1912، يوم فرض توقيع معاهدة الحماية ليس سوى تتويجا لمسار طويل ممتد على أكثر من 10 سنوات. وأن التنافس كان قائما قويا بين باريس ولندن وبرلين للفوز بالمغرب. * والزعيم السياسي الفرنسي الذي يتحدث عنه الماريشال ليوطي، هنا، لم يكن شخصية عادية في تاريخ فرنسا الحديث، خاصة على عهد الجمهورية الثالثة. فلقد تقلد مسؤولية رئاسة البرلمان منذ 1898 على مرحلتين. الأولى دامت 4 سنوات، فيما الثانية دامت 8 سنوات من 1912 إلى 1920 وهي المرحلة التي زار فيها المغرب سنة 1914. ويعتبر الزعيم الفرنسي الوحيد الذي هزم الزعيم الشهير جورج كليمنصو في انتخابات الرئاسة الفرنسية سنة 1920، بدعم وازن ليس فقط من اليمين بل من نقابات اليسار الإشتراكي (SFIO). ويعتبر بول ديشانيل واحدا من أهم السياسيين الفرنسيين الذين أنتجهم التيار العسكري الإستعماري لفرنسا، والذي أعاد لباريس مكانتها في أروبا والعالم قبل وبعد الحرب العالمية الأولى. ولقد اشتهر بسقوطه ببدلة النوم من القطار الرئاسي في منطقة اللوار، ليلة 23 ماي 1920. ولقد أصيب بردود بسبب أن القطار كان يسير بسرعة 50 كلمتر في الساعة فقط. لقد أطل من النافذة لاستنشاق الهواء، فسقط هكذا عبثا. ولقد توجه عند عامل إصلاح لسكة القطار وقدم له نفسه على أنه رئيس الجمهورية، وأنه سقط من القطار الذي واصل مسيرته، لكن ذلك العامل لم يصدقه، بل اعتقده سكيرا متشردا، بسبب الجروح وحالة هندامه المعفرة وشعره الأشعث. ولم يكتشف غيابه من القطار سوى في السابعة صباحا حين قرب الموكب الرئاسي من مدينة روان. بينما كان الرئيس قد قدم للدرك حيث سقط، وشرع في تقديم العلاج له وبسبب بطأ الإتصالات التلغرافية لم يصل خبره إلا باريس سوى في الخامسة صباحا. وهذه قصة مثيرة هزت فرنسا حينها وصحافتها. واشتهرت في التاريخ الفرنسي الحديث برئيس السقطة من القطار. وهو حادث كان سببا لتندرات عدة. بل هناك من قال إنها لعنة جورج كليمنصو قد طالته بعد أن هزمه شر هزيمة في انتخابات الرئاسة. * (2) الحقيقة أن رئيس البرلمان الفرنسي قبل الحرب العالمية الأولى، كان من الجماعة السياسية الفرنسية العالية التكوين والذكاء ووضوح الرؤية في صناعة مستقبل فرنسا. وكان من رجالات الدولة الكبار، الذين أدركوا أن قوة فرنسا الإقتصادية هي في توسيع عمقها المتوسطي، وأن التحكم في مضيق جبل طارق وممر قناة السويس (أي التحكم في المغرب ومصر)، هو السبيل الواجبة لذلك. لهذا عملت باريس عمليا على منافسة لندن وبرلين في هذا المشروع الإستعماري وسعت بكل قوتها أن لا تستحود لا بريطانيا ولا ألمانيا على الممرين الحاسمين هذين وعلى دولتي المغرب ومصر. وبعد أن هزمت في معركة «فاشودا» بمصر، أصبحت الورقة المغربية حاسمة واستراتيجية في الحساب الفرنسي، حيث انتهت مفاوضاتها مع لندن على التنازل عن مصر سنة 1904 وتنازل إنجلترا عن المغرب لها ولكن، وهنا مكر السياسة والمصالح بدون شمال المغرب وبدون مضيق جبل طارق. ورغم ذلك قبلت باريس بالإتفاق، لأن الأساسي عندها أن لا تكون لندن أيضا في شمال المغرب وفي طنجة. أي منطق لا أنا ولا أنت. ومن هنا معنى أن تكون طنجة دولية، أي المضيق لا هو فرنسي ولا هو إنجليزي مئة بالمئة. بل هو دولي، أقله من الجهة المغربية، وإنجليزي إسباني من جهة جبل طارق وميناء الجزيرة الخضراء. في مقابل أن تبقى الشركة الفرنسية لقناة السويس سيدة العبور التجاري والإقتصادي للسفن التجارية والعسكرية في مصر. وهو الواقع الذي استمر هناك حتى سنة 1956 تاريخ تأميم القناة في حركة سياسية تاريخية كبرى من قبل الرئيس المصري الشاب حينها جمال عبد الناصر، بما جلبه عليه من عدوان ثلاثي، ليس من مكر الأمور أنه ضم قوات فرنسا وإنجلترا وإسرائيل. * (3) لا يمكن للمترجم هنا، أن لا يبدي إعجابه بعمق البناء اللغوي الذي يصدر عنه رجل عسكري مثل الماريشال ليوطي. فهي لغة بادخة حقا، وتراكيبها هي من الإبداعية والرونق والجمال، ما يعلي من قيمة الرجل السياسية وذكائه الإنساني. بل إنه محسن للألفاظ، يعرف كيف يخاطب كل جهة باللغة المؤثرة فيها من أجل تحقيق مرجوه هو من ذلك اللقاء. وهذا عنوان فطنة في عالم السياسة أكيد. | ||
14/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
سقوط تازة وحد شمال إفريقيا الفرنسية إلى الأبد
الدارالبيضاء: 14 يوليوز 1914 اجتاز المعمرون الفرنسيون، بالدارالبيضاء، أزمة سياسية واقتصادية صعبة للغاية، كانت السبب في اندلاع أعمال عنف خطيرة، وبعض آثارها لا تزال قائمة. كان ذلك 15 يوما فقط قبل اندلاع الحرب الكونية الأولى. (التقى ليوطي هؤلاء المعمرين الفرنسيين بالدارالبيضاء، يوم 14 يوليوز 1914، أي اليوم المخلد لليوم الوطني لفرنسا. وألقىفيهم الكلمة التالية): «اسمحوا لي بداية، أن أعبر لكم عن مدى سعادتي بالتواجد معكم هنا في الدارالبيضاء. وحين أتأمل حولي أقدمكم، تعود بي الذاكرة إلى أول لقاء جمعني بكم وتشرفت باستقبالكم لي، في شهر ماي 1912. كانت الحال صعبة جدا حينها، والمستقبل مظلم. كنت في السفينة أتلقى يوما بيوم، بل ماذا أقول، ساعة بساعة، أخبارا جد مقلقة عنكم. وحين نزلت على الشط كنت مثقلا بالهموم والهواجس، لكن استقبال ساكنة الدارالبيضاء، كان من الحفاوة ما جعلني أستشعر الطمأنينة وأستعيد الثقة. وحين غادرت ذلك اللقاء، كانت أكتافي أخف حملا وقلبي أسلم في النبض، وقلت مع نفسي: «كل شئ سيحل». أكيد، أن الأمور لم تحل كلها، لكننا لا نستطيع نكران أن تمة أمور عدة إيجابية تحققت. وحين تلحمنا وتجمعنا بمدينة وبأهلها مثل تلك الروابط، فلاشئ يستطيع هزها أو تدمير صلابتها. هذا أمر حرصت أولا أن أذكركم به. سادتي، (ليوطي لا يوجه قط كلامه وتحيته للنساء في كل خطبه العمومية. كما لو أنهن غير حاضرات، أو ربما غير معنيات بكلامه ? م - ) إذا حرصت أن آتي هنا، إلى أهم جماعة معمرة فرنسية بالمغرب، لأحتفل معهم بعيدنا الوطني الفرنسي، وإذا كنت قد قررت أن أطيل الحديث معكم بعض الشئ على غير العادة، فلأن 14 يوليوز 1914 هذا يمثل لنا تاريخا يستحق أن نتوقف عنده طويلا. إن الشهرين اللذين انصرما، قد عرفا مرحلتين غيرتا إلى الأبد وضعية المغرب الفرنسي، الموحد أكثر والذي كبر أكثر. الموحد، بالعمليات الناجعة التي أعد لها بشكل جيد جنرالاتنا بومغارتن وغورو (Baumgarten et Gouraud)، والتي جعلتهما يحتلان مدينة تازة، مما سمح بتوحيد، لأول مرة، أجزاء الإمبراطورية الشريفية (يقصد ليوطي الشرقية باتجاه الجزائر والغربية باتجاه فاس والرباط والدارالبيضاء ? م - )، التي ظلت لقرون، ما عدا في لحظات قليلة، منفصلة عن بعضها البعض. (1) وبذلك، فإنه لم يتم فقط ربط غرب المغرب مع شرقه، بل لقد تم الربط أيضا مع الجزائر وتونس. لقد نجحنا في توحيد شمال إفريقيا الفرنسية، وهو الحلم الذي سكننا منذ زمن بعيد، والذي سعى لتحقيقه رجال دولة صناديد، أسماؤهم تتردد على شفاهكم والذين سيظلون فخر الجمهورية الثالثة، لأنهم أنجزوا مهمتهم بتحد متواصل للصعاب والمخاطر. كبر، بفضل الحملة الناجعة، وبأسلوب مبدع، التي قادها الجنرال هنريس (Henrys)، الذي ألحق بشكل نهائي كل نهر أم الربيع بنا، مما طوع الهضبة البربرية الصعبة، وسمح بأن يمتد الخط، خط احتلالنا، مباشرة من أكادير حتى تازة، وأصبح لإدارتنا اليوم مجال للعمل المنظم والتابث. فبعد المرحلة الطويلة من المقاومة والرفض، التي كان علينا فيها منذ نزولنا على الشط، أن نمشي خطوة وراء خطوة أمام بلاد مجهولة لنا ومقاومة لوجودنا بشكل موحد. وكنا ملزمين باستعمال سريع لأسلحتنا، لأننا نواجه يوميا أحداثا تتوالد. ونستطيع اليوم الإعتزاز أننا سادة الموقف. ونستطيع الجزم، أننا بلغنا أهدافنا في التوقيت الذي حددناه لأنفسنا من قبل. فلم نعد ضحايا للأحداث نتبع مساراتها، بل نحن من يتحكم في الميدان وأصبحنا أحرارا في قراراتنا. أصبحت رؤيتنا واضحة أكثر. وقواتنا الباسلة، التي تقف مصطفة موحدة فيما بينها، ستدفع أكيد إلى الأمام خط المواجهة في الهضاب والأعالي التي تتحصن بها المقاومات المناهضة لنا، ونحن على يقين أننا قريبا، سنتمكن من احتلال كل هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف (2). فخلف هذا الحائط الحي المتحرك، فإن الجهات التي تعنيكم بشكل خاص أصبحت آمنة تماما. والجهد الذي أصبح يبدل اليوم أصبح أكثر تنظيما ومتحكما فيه. ونحن نأمل أن فاتورتنا العسكرية ستتضاءل أكثر في القادم من الأيام، والتي تؤثر جديا على ميزانياتنا السنوية هنا (هذا أمر ستكذبه الأيام والأحداث لسنوات بعد ذلك ? م - ). صدقوني إن الإحتلال لا يكفي. بل، الأساسي أكثر هو تنظيم الإحتلال. وليست تلك المهمة الأسهل في بلد لم نجد فيه أي شئ منجز، بل بلد منغلق لا أسباب للتواصل فيه، والذي الفوضى الأمنية فيه ضاربة أطنابها ودمرت كل المؤسسات، لكن ميزته أنه كان مرهونا لأشكال تدبير تقليدية عتيقة ولترتيب عقاري، لم تواجه مثله أية تجربة استعمارية أخرى، مما يعقد من مهامنا الإدارية ومن جهود أي مبادرة للقطاع الخاص (3). إن تنظيم الإحتلال قد ابتدأ منذ اليوم الأول لنزولنا في الدارالبيضاء ( يقصد ليوطي سنة 1907، قبل الشروع في احتلال المغرب سنة 1912. ? م - ). لقد انخرط الجميع في ذلك بحماسة، قادة وجنودا ومعمرين أوائل. بأي طاقة بدل وبأي ثمن، أنتم تعرفون الجواب. وهل كانت النتيجة موازية لحجم الجهد؟ . اليوم، وقد اقتعد الإحتلال الأرض بشكل لا رجعة فيه، مفيد أن نجرد حسابنا بضمير صاف. * هامش: * (1) هذا أمر فيه مبالغة كبرى من الماريشال ليوطي. ذلك أن شرق المغرب، منذ الحملات الكبرى للعثمانيين قبل احتلال الجزائر سنة 1830، ومنذ حروب المغرب الرسمية والشعبية المساندة للأمير الجزائري البطل عبد القادر التلمساني ضد فرنسا بعد ذلك التاريخ، حتى احتلال وجدة سنة 1908، فقد ظل شرق المغرب وغربه تحت نفس الراية المغربية. بل حتى حركة بوحمارة، التي لم تكن أجهزة فرنسا السرية في الجزائر وفي باريس بعيدة عنها، تمويلا وتأطيرا ودعما، لهز حكم السلطان مولاي عبد العزيز، الذي كان عمليا حليفا لأشد منافسي فرنسا في أروبا والعاليم (ألمانيا والإنجليز) والتي فصلت فعليا بين شرق المغرب وغربه، وبعد احتلالها لكل المغرب الشرقي حتى تازة، فإنها لم تعمر طويلا. وما كان يحدث من انتفاظات وحركات في تلك المناطق على مدى قرون، كان نفسه يحدث في دكالة وعبدة وسوس والحوز والصحراء الجنوبية الغربية. بالتالي، فإن حكم ليوطي هذا فيه مبالغة كبيرة ومجانب للصواب وللحقيقة التاريخية. فالفضل ليس لجنرالاته قط في توحيد أجزاء من المغرب كانت دوما موحدة منذ قرون، بدليل أنهم اضطروا لمحاربة ذات المناطق المغربية من جهتين حتى يسهل عليهم التحكم في الممر الجبلي الإستراتيجي لتازة. * (2) الحقيقة أن حلم ليوطي، وحلم جنرالات وساسة فرنسا الإستعمارية، لم يتحقق سوى 20 سنة بعد ذلك، أي في أواخر 1934، ولم يصبح نهائيا سوى في سنة 1936، بعد معارك جبال صاغرو وقبائل آيت عطا بالجنوب الشرقي للمغرب تجاه مناطق تيندوف. مما يؤكد أن مقاومة المغاربة كانت أشرس مما تصوره الماريشال ليوطي، الذي غادر المغرب سنة 1926 ولم يتحقق قط حلمه في احتلال كل المغرب وتطويعه. بل، أكثر من ذلك، فقد توفي في يوليوز 1934، والمغرب لم تنتصر فيه فرنسا الإنتصار الكامل الذي بشر به هنا في كلمته أمام المعمرين الفرنسيين بالدارالبيضاء. ويكفي التذكير فقط أنه في معركة بوغافر كمثال، التي قادها المقاوم الصلب عسو باسلام، فقد عرفت مشاركة 44 طائرة حربية فرنسية، وأن المقاومة المغربية تلك أسقطت واحدة منها، بوسائلها البسيطة، وأنه هناك قتل ضباط كبار لفرنسا وليس فقط جنود، لعل أشهرهم، الذي لا يزال حي من أحياء الدارالبيضاء يحمل اسمه، هو: « النقيب دوليسبيناس دو بورنازيل». وقد سقط قبله 11 ضابطا فرنسيا، مثل الملازم لندن، والملازم أليساندري، والملازم بارو. وغيرهم كثير. دون نسيان أن 8 سنوات قبل ذلك، في الشمال المغربي بجبال الريف، قد استعملت لأول مرة في التاريخ أسلحة كيماوية مصنعة في ألمانيا عبر الطائرات الفرنسية والإسبانية ضد أهل الريف المغاربة لإبادتهم بسبب الإنتصارات المتوالية للبطل محمد بن عبد الكريم الخطابي، منذ معركة أنوال الشهيرة سنة 1921، التي سقط فيها صف طويل من جنرالات وضباط وجنود إسبانيا. وتعتبر أذل هزيمة لحقت بجيش أروبي، من بلد غير أروبي، إلى اليوم. بالتالي لم تنتصر فرنسا وإسبانيا سنة 1926 على ثورة المغاربة بجبال الريف سوى بالأسلحة الكيماوية، التي تسببت في أنواع مختلفة من السرطانات للساكنة هناك حتى نهاية القرن 20. * (3) هذا الواقع الإداري الذي يشير إليه ليوطي إنما يترجم حقيقة تواجد نظام للدولة في المغرب، شديد التعقيد تدبيريا وإداريا، لم تستطع القوة الإدارية الإستعمارية استيعابه بالكامل. فقررت في النهاية، إنشاء نظام إداري مواز له. ولهذا السبب إلى اليوم تنظيماتنا الإدارية المغربية جد معقدة ومتداخلة، حتى على مستوى بعض النصوص القانونية (مثل تنظيم الأراضي السلالية، التي تقدر ب 12 مليون هكتار وتهم اليوم 9 ملايين مغربي) بين الشكل المخزني القديم والشكل الإداري الحديث للدولة المركزية بالمرجعية الأروبية، ذات السند القانوني الصادر عن الجدر الروماني. والأساسي هنا هو اعتراف ليوطي أن ما واجهه استعمارهم للمغرب لا مثيل له في العالم كله. | ||
16/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
أول طريق معبدة بالمغرب سنة 1914 هي طريق الجديدة، البيضاء، الرباط، القنيطرة
الدارالبيضاء: 14 يوليوز 1914 (تتمة 1) حقا، لقد عملنا الكثير. فبتحد لضعف الإمكانيات والمنافسة الشرسة، لم يتوان المعمرون الفرنسيون والصناعيون والعمال من مختلف الآفاق من بدل جهد منتج. أما موظفوا الحماية، فإنني ملزم أن أعترف لهم، أنهم كانوا دوما السند لمخططاتنا. وإن مشهد العطاء الذي رأيناه أمامنا، لم يكن ليفاجئنا، هو حقا يفاجئ الغرباء الزائرين الذين يلجون أول مرة إلى أرض المغرب، أو أولئك الذين يعودون إليها بعد غياب طويل. وإذا ما اكتفى الواحد منا بالفرح، فقط، بملاحظات أولئك الزائرين، لتسرب إلينا الكسل الذي يوهمنا أن كل شئ على ما يرام. وصدقوني، ليس هناك أخطر من الإكتفاء بسحر تلك الملاحظات المجاملة، التي تحكمها المعلومات الفضفاضة السريعة. إن الواجب الأول للسلطة أن تحتاط من أن يتم تخديرها بتفاؤل خادع، بل أن تكون منصتة بشكل جيد وبأذان دائمة العمل لصوت المشاكل، الذي يكون في الكثير من الأحيان المعلم الصادق غير المجامل. إن حكمنا على حال صحتنا لا يستقيم سوى بالتيقن من حال القلب. أي حال الوضع الإقتصادي للبلد. والحال أنه لا يمكننا نكران أن تمة نزولا في سلم إنتاجيتنا الإقتصادية. وهو أقرب في الحقيقة، لما يشبه فقر الدم. والتحدي هو: مهما كانت درجة جهودنا، كيف يمكن جعل تنمية المغرب وفية للوعود التي أغرتنا بها من قبل؟. أو كما قالها منذ سنة، بسخريته المعتادة، أكبر مساعدي المقربين، السيد دوسانت أولير (de Sainte-Aulaire): «إنكم تكبرون بسرعة تجعل مقاييس اللباس تضيق حتى قبل أن تلبسوها». إن الهجرة ترمي كل شهر بالآلاف على شواطئنا، ضمنهم عدد من حاملي الأموال، وضمنهم أيضا عدد أكبر من الباحثين عن المال. وعدد منهم يبقون في المراسي، يعلون من أثمنة المواد الأساسية، ولا يجدون فيها مورد رزق. وبعضهم الآخر، يهيم في داخل البلاد مقدمين خدماتهم، لكن أغلبهم يحبطون لأنه ليست هناك لا طرق معبدة ولا سكك حديدية، توسع من أسباب التنمية. والنتيجة أن احتياطات استهلاك كبيرة تخزن في فصل الشتاء، تبقى مخزنة بلا فائدة. وهذا دليل على أزمة في النمو. والأساسي هو مواجهتها. والوصفة الناجعة الفعالة، أنا متأكد أنكم تعرفونها، هي: الإنجاز السريع للأشغال الكبرى العمومية بالمغرب. فأين نحن من ذلك وما الذي علينا التخطيط له؟. الأكثر استعجالا هو التمكن من الدخول إلى الدار، أي: المغرب. والحل هو فتح موانئ جديدة. ودعوني أقول بدون ادعاء تفاؤل كاذب، أننا في هذا الباب بالضبط حققنا الكثير المجيز للرضى. لقد خرجنا من شرنقة مرحلة التجريب والنقاش والدراسات الأولية. وبخصوص ميناء الدارالبيضاء، ما زلتم تتذكرون، حين وصولي منذ سنتين، أن مجرد التفكير فيه كان تهمة بالجنون. وللإنتصار على كل أشكال المقاومة والرفض، كان لابد من مواقف غاية في الشجاعة، وهنا علينا واجب التنويه بدور مديرنا العام للأشغال العمومية السيد دولير. واليوم القضية ربحت. فمنذ ستة أشهر وأنتم تتتبعون التطورات المتحققة، رؤية عين مباشرة. فالحاجز الحامي بني، وهو يحتضن قواربكم وآليات الشحن والتفريغ. فيما الرصيف الرئيسي للميناء يتوسع ويكبر، وإذا ما سمحت الظروف بمواصلة الاشغال بذات الحيوية، لنا الحق أن نأمل في اتساع حجم البواخر الواصلة خلال الشتاء القادم. لقد تمت مضاعفة حجم الأرصفة خلال سنة واحدة، وكذا الفضاءات المغطاة والمخازن التي تحمي أعمالكم وسلعكم من التلف ومن الفوضى. فيما مينائي الصويرة والجديدة في ورش كبير للإصلاح والتطوير. أما بخصوص الرباط والقنيطرة، فإن المفاوضات جارية بخصوص ميناءيهما، وقد بلغت درجة جد متقدمة وهي واعدة على مستوى شروط التحقق والإنجاز. حقا، إن هذه الموانئ، وضمنها ميناء الدارالبيضاء، لن تكون جاهزة في الغد القريب، وطيلة مدة الأشغال الطويلة، سنظل نعاني من مشاكل الإستقبال غير المشجعة في شواطئ هذه البلاد. لكنكم، مدركون أكيد لحجم ما تتطلبه مثل هذه الأشغال من وقت وجهد، وهي تتطلب حنكة ودربة خاصتين. الأساسي هو التيقن أنها في طريقها للتحقق، وكل يوم عمل فيها خطوة جبارة في طريق التنمية. أصل الآن للطرق.. مشهد الإنجازات هنا، أقل اغتباطا. ففي كل المغرب لا تزال قليلة جدا الطرق التي شرع في شقها، بل نحن لا نزال أمام ممرات غير معبدة، تلك الممرات الصعبة، التي مهما كان، بهذا الشكل أو ذاك، تسمح لنا بجهد، منذ سنتين أن نجول في المغرب. بل، وأن نهيئها لعبور السيارات بشكل أفضل بكثير مما تحقق في بلاد أخرى غير المغرب. وهنا أستسمحكم أن أوجه التحية للسلطات العسكرية ولجنودنا، الذين بدلوا جهدا خارقا من أجل إعادة تهيئة هذه الممرات الصعبة والبدائية. وصدقوني، لا يمكننا التغاضي عن ذلك، وأنا أولكم، أنها مجرد طرق غير معبدة، كم هو متعب العبور منها بسبب حجم الإهتزازات والميلان الذي يجعلها غير لائقة ولا مساعدة لأي استعمال تجاري واقتصادي. علي أن أعترف لكم، وكل مصالحي تعرف ذلك، أنني الأكثر حماسة والأكثر غضبا لبطء الأشغال في مجال الطرق، الذي لم يساعد بعد في أي تنمية اقتصادية، وذلك هو الشرط الأول للنجاح. لكنني، إذا كنت حانقا مثلكم، على هذه الوضعية، فإنني أيضا مدرك لحدود الواقع كما هو. ففي بلد لا وجود لخريطة واحدة فيه، فإن الطريق لا ترتجل، حتى لا نقع في خطايا مدمرة سوف تعطل عجلة تطور اقتصادنا المرجوة. فإبداعية الطرق، الواجبة لتحقيق فعاليتها، تستوجب منا بالضرورة الدراسات العلمية الدقيقة والجدية. ثم لا بد لنا من توفير مصادر التمويل، ونحن لم نتوصل بالقرض المالي سوى حديثا، وحتى في هذا الباب نحن خاضعون لنص القوانين الدولية، وأنتم أعلم حجم التماطل الذي يصاحبها. لكن، بجد، أعتقد أننا هذه المرة نمسك فعليا بقرون البقرة. وليس هناك أي سبب يمنعني من التتبع المباشر للمشروع. لكن، إليكم تفاصيل التحديات: الشطر الأول من مشروعنا للطرق يتضمن 1500 كلمتر، ضمنها 780 كلمترا منتهية دراساتها، أي أكثر من النصف. وأن المناقصات تمت بشأنها وأن الأشغال ستنطلق بها مع مطلع شهر أكتوبر القادم (1914). وهي تضم: الطريق الشاطئية الكبرى الرابطة بين الجديدة، الدارالبيضاء، الرباط، القنيطرة. ثم الطريق الرابطة بين الصويرة ومراكش والأخرى بين الجديدة ومراكش، ثم مراكش - الدارالبيضاء، والقنيطرة - فاس. وأخيرا الطريق بين وجدة وتازة، التي سترتبط بالطريق التجارية الكبرى بين تونس والجزائر العاصمة وفاس والدارالبيضاء. وبعد المناقصات وبداية الأشغال، أستطيع أن أؤكد لكم أن قطار العمل قد انطلق بشكل لا رجعة فيه. ودورنا الآن هو تتبع إنجاز هذه المشاريع بالسرعة اللازمة، وثقوا أنني سأكون مشرفا بشكل شخصي على ذلك، وأنني سأكون رسول مطالبكم الملحة في سرعة العمل والإنجاز، لأنها ببساطة هي ذات مطالبي تماما. أما بخصوص باقي المشروع الأول للطرق فقد قدمت لي الضمانات الراسخة أن الدراسات حولها ستنتهي في شهر أبريل القادم. | ||
17/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
في 1914.. رفض خط قطار طنجة - فاس
الدارالبيضاء: 14 يوليوز 1914 (تتمة 2) إن الطريق الحديثة للإقتصاد هي: السكة الحديدية. ففي كل الأماكن والبلاد التي التقيت فيها معمرين (فرنسيين)، كان مطلبهم البكر الأول دوما هو السكك الحديدية. وكان ذلك المطلب يتعاضد دوما مع مطلب الطرق المعبدة، وكثيرا ما كان يسبقها. ولو كنا في بلد ظروفه عادية، لكانت النتيجة عادية بالإستتباع. لكننا لسنا في بلد عادي ولا في ظروف عادية. وربما تعلمون أكيد، مقدار الضغط الممارس علينا، لرهننا أساسا في إعطاء الأولوية لخط طنجة ? فاس. لهذا السبب لم تجدوا، ضمن نقط القرض الذي خصص لنا (من باريس) إشارة إلى السكك الحديدية، ما عدا بضع إشارات عابرة. كان مستحيلا التقدم بطلب قروض حول مشاريع مرهونة بشروط لا يرتبط فيها الإنجاز بنا وحدنا. بل أكثر من ذلك، لم يكن لا تحديد الوقت بدقة ولا الإمكانيات متحققا. لقد كنت طرفا، منذ سنة، في نقاشات حامية، ووصلنا إلى خلاصة أن كل تخوفاتنا، هو أن يكون ذلك الخط الإكراهي لطنجة ? فاس مجرد سراب لا يتحقق قط (1). لكن، ها هي القضية تدخل مرحلة جديدة غير مسبوقة. فالمشروع الذي قرر بسرعة، قد سجل تطورات مهمة، بعد أن وافق عليه مجلس الشيوخ بعد موافقة مجلس النواب (بفرنسا)، وتبعه في ذلك الكورتيس الإسباني (مجلس النواب) بحماسة مماثلة. بذلك، فإن مرحلة مضنية قد تم تجاوزها، وأول المناقصات يتم التهيئ لها وستنجز قريبا. إنني هنا، لأنقل لكم بشرى هامة: إن الحكومة (الفرنسية)، حتى قبل أن يتم الإنتهاء من وضع الأسس الإدارية للإقامة العامة، منحتنا الحق في الشروع في الدراسات الأولية. بالتالي، فبفضل هذا القرار، الذي نقدره حق قدره عاليا، لن يكون هناك أي تأخير في مشروعنا لتنفيذ شبكة خطوط السكة الحديدية الذي تعرفون المعلومات العامة عنه. إن الموانئ والطرق والسكك الحديدة، هي مشاريع ضخمة جدا. ومهما أنجزنا حولها، فإنها لا تتقدم سوى ببطء. وفي هذا البلد (المغرب) الذي يتقدم بخطى عملاقة، فإننا كثيرا ما نجهل الصعوبات التقنية غير المنتظرة للأشغال العمومية التي من هذا النوع، وكثيرا ما يعتقد أن بطء الأشغال عنوان للعطالة. إنني أدعوكم بالتالي، إلى تمثل الحقائق كما هي وبالصدق اللازم لذلك. فأنتم أغنياء بتجربتكم العملية، وحين نجتهد لنقدم لكم منجزات في الواقع وليس مجرد وعود، وحين نفتح أمامكم أوراشا وليس مجرد أحلام، فإن طمعنا هو أن تتفهموا كم هو مكلف تعطيل مثل هذه الجهود بردود تكون مسيئة وتهدد مصادرنا بشكل يصعب علينا تحمله. أريد، الآن، أن أعرج على ما تم إنجازه في مجالات أخرى، منذ بدء الحماية. وعلي أن أعترف، أنني أتحرج كثيرا من كل كلمات تمجد عمل الإدارة التي أترأسها. لكن، يتعلق الأأمر هنا، بتقديم حصيلة، والأمر هنا أكبر من شخصي، ولكن يتعلق بالخدمات التي تستوجب الإعتراف وبحق الناس كافة في الإطلاع على الحقائق والمعلومات. والخدمات عموما، كثيرا ما نقذف فيها. إن «المكاتب» (الإدارات)، حسب التعبير الدارج، هي متهمة في كل بلاد الدنيا، كما لو أنها تقوم بخطايا بني إسرائيل. ويمكنني الإعتراف، أنه في حمية الرغبة بالسرعة في الإنجاز (التي تكون حقيقة غير ممكنة) أفاجأ في ذاتي أنني أعامل تلك المكاتب كما يعاملها العامة والجمهور، حتى وأنا رئيسها، بل أكثر من ذلك، رئيسها المسؤول. وأنني حين أصطف مع من يذمهم، أكون إنما أذم نفسي. والحال أنه، علينا أن ننصف هذه المصالح المغلوبة، والتي أرى مقاومتها ميدانيا كل يوم. بل وأعلم حجم إخلاصها في العمل. ويكفي استعراض ما أنجز بسرعة خلال السنتين الماضيتين من الحماية للتأكد من ذلك. لقد كانت سنتان تفرض علينا القيام بكل شئ: تجهيزات، مواد وآليات وأساسا الطاقم البشري (الكفأ). كان لابد أولا من وضع آلية قانونية واجبة لحماية أبناء بلدنا وكذا الأجانب. والإصلاح (القضائي) هذا أنجز اليوم. وأنتم تدركون ضمن أية روح وضمن أي خيار عملي وحديث. لقد صودق على النصوص المبسطة والسلسة، والمحاكم شرعت في مهامها. وحتى تدركوا حجم ذلك العمل، إليكم بعض الأرقام: تلقت محاكم الدارالبيضاء في ما بين شهري أكتوبر ودجنبر 108 قضية، أي خلال ثلاثة أشهر فقط. وخلال شهر ماي عرضت أمامها 280. وبالنسبة لمحكمة الدرجة الأولى بالدارالبيضاء، فقد عرضت عليها من أكتوبر إلى دجنبر 387 قضية، فيما بلغت في شهر ماي وحده 822 قضية. أما المدارس: فنحن ملزمون أولا بتوفير مدرسين لجمهور من المتعلمين يزداد يوما وراء آخر (بسبب الهجرة الأروبية إلى المغرب ? م -). ثم لابد أيضا من فتح مدارس خاصة بالأهالي (المغاربة) لكي نخلق بالتالي بيننا وبينهم رابطة لغوية، تسمح بتعميم أفكارنا المبنية على الأسس الصلبة للتقدم والحضارة، والتي لا يمكن النجاح فيها بدون تعزيز شامل لعلاقتنا بهم. لقد نبتث هذه المدارس في كل مكان وهي ملأى بالتلاميذ بكثافة. ومرة أخرى إليكم أرقاما: في دجنبر 1912، كان عندنا 753 تلميذا أروبيا و 643 من أبناء الأهالي. سنة واحدة بعد ذلك، في دجنبر 1913، أي منذ ستة أشهر فقط، أصبح عندنا 3614 تلميذا أروبيا، و2091 تلميذا مغربيا من الأهالي. واليوم بلغت هذه الأرقام إلى 4352 تلميذا أروبيا و 2853 تلميذا من الأهالي. أي أننا أمام أكثر من 7 آلاف تلميذ، علينا أن نضيف إليها 3400 تلميذ بالمدارس الإسرائيلية المغربية. بالتالي فإن جيش مدارسنا هو 10 آلاف و600 تلميذ. كان هناك أيضا، جيش من المرضى ومن المشردين الذين علينا عزلهم، معالجتهم، ومداواتهم. واليم، لدينا مستشفيات، بعضها نهائي وبعضها مؤقت، ثم عدد من المستوصفات، دون نسيان عدد من المبادرات الخاصة والناجحة في هذا الباب. هنا أيضا طلبت أرقاما وإحصائيات. فمنذ شهر يناير 1913، بلغ عدد المرضى الذين تم تطبيبهم ضعف ما كان من قبل: كان العدد هو 25 ألف واليوم بلغ 56 ألف. كان عدد الملقحين لا يتجاوز 1200 ملقحا، بينما في الشهر الماضي فقط تم تلقيح 8072 شخصا. وهذه أرقام تتحدث عن نفسها. *هامش: * (1) إن السؤال المستفز هنا، ونحن في 2012، هو: هل أنجز خط السكة الحديدية هذا المباشر بين فاس وطنجة، أبدا في المغرب منذ ذلك التاريخ؟. الجواب للأسف هو: لا.. وسبب تحفظ باريس على هذا الخط السككي، كونها لم تكن كثيرا متحمسة أن تستجيب لضغوط الدول الإستعمارية الكبرى التي تربطها بها اتفاقيات خاصة بالسماح لها بحق احتلال المغرب، خاصة إنجلترا ومدريد وألمانيا، من أجل تحقيق المصلحة الإقتصادية المشتركة بينهم جميعا، من خلال إنجاز ذلك الخط السككي من فاس صوب طنجة. فالمستفيد حينها أكثر، ستكون هي مدريد ولندن وبرلين وواشنطن بالدرجة الأولى، ومعهم باريس طبعا، لكنها استفادة منقوصة، لأنها استفادة موزعة مع خصومها الإقتصاديين الأروبيين والغربيين. لهذا السبب لم تكن فرنسا متحمسة لإنجاز هذا الخط السككي كأول خط من نوعه في المغرب. علما، أن قصص المغرب مع الأروبيين، في مجال إنجاز خطوط للسكك الحديدية انطلاقا من طنجة هي أقدم من سنة 1912، وتعود إلى نهاية القرن 19، على عهد السلطانين الحسن الأول ومولاي عبد العزيز. ومما تورده بعض المصادر التاريخية المغربية (مثل كتاب «الإستقصا» للفقيه الناصري السلاوي)، أنه قد صدرت فتاوى دينية مغربية حينها تكفر أي مشروع لإنجاز ما كان يطلق عليه «بابور البر»، في مقابل «بابور البحر». أي أن تلك الفتاوى الدينية كانت تعتبر القطار «سفينة البر» وأنها حرام. هل اختلفت بعض الفتاوى الجاهلة، اليوم، عن البارحة؟. | ||
18/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
بروست وقصة الصرامة في هندسة الدارالبيضاء عمرانيا
الدارالبيضاء: 14 يوليوز 1914 (تتمة 3) كنت حدتثكم عن الأشغال العمومية (بالمغرب). لن أعود إليها كثيرا. لكنني لم أقل أي شئ عن العمل الممتاز الذي أنجز حول «البريد والتلغراف». لابد من تطوير هذا المجال، ومهما قلنا ومهما قيل، فإن الأرقام الإحصائية تبرز أن عدد البرقيات التلغرافية التي أرسلت وعدد الطوابع البريدية التي بيعت وعدد الكنانيش الخاصة بالتوفير التي فتحت، وحجم الأموال المرتبطة بهذا المجال قد تضاعفت خلال سنة واحدة. وبالمقابل، كيف لا نتفاجؤ بحجم الحاجيات البشرية التي لم تسجل أي زيادة، والحال أن العمل تضاعف (1). في مجال الفلاحة، هناك أيضا منجزات. لقد تم ترسيم «شرطة صحية»، وكذا آلية للطب البيطري وقريبا مصلحة مراقبة الفساد ومؤسسة الضبط. ثم هناك الغابات التي تم إنقاذها، وفي المقدمة منها غابة المعمورة (2)، ذلك المجال الأخضر الجميل الذي أنقد من الدمار. هذه هي، باختصار، ملامح ما أنجزناه هنا، بالجهد الكبير الذي استنزفنا، صدقوني، والذي يعود الفضل فيه إلى مساعدي الأقربين. ورغم، كل هذا الجهد الجبار المبدول، الذي يترجم آمال البدايات وبروح العمل المؤسساتي المسنود بالثقة في النفس وبسلاسة روح المبادرة البكر، فإن تمة أسباب للإزعاج والقلق، بل أسباب إحباط عند كثيرين منكم، لا يمكن نكرانه. وإذا سمحتم لنحلل ذلك بصراحة بيننا، بل وبشجاعة تشريح الأهداف والنتائج. الأهداف،، تشمل كل أعمالكم وأسباب تواجدكم في هذا البلد. أي: التجارة، المؤسسات الصناعية، حيازة الأراضي، التملك والمحافظة العقارية، الصفقات ومشاكلكم مع الأهالي. الأسباب،، أعتقد أنني أستطيع إجمالها في كلمة واحدة: الشك وعدم الثقة. أليس ذلك ما يتردد كثيرا على الألسن، الذي أسمع دوما صداه. وهذا الشك القاتل هو الذي يرهن المستقبل وكل الممكنات والآمال التي علي حمايتها ورعايتها، من خلال إزالة أسبابه وآثاره في الأنفس. هناك، أولا، ما يمكن أن أسميه «القلق المديني الحضري». فبعد أيامنا الأولى هنا، وفي خضم فوضى معينة، تتفقون معي أن كل واحد منا بدأ يبني ويرسم أشكالا هندسية على هواه ومصلحته بحرية مطلقة. لكن، ها قد أصدرنا نصوصا منظمة، مرافقة، وأننا بصدد الإعلان عن أخرى، وتمة مخططات هندسية توضع، ولقد بلغ إلى علمكم أن حدودا جديدة للمبادرة سترسم. بل إن الظهائر، نعم تلك الظهائر المقلقة لبعضكم، تتوالى، وأن مصدرها واضح أنه لن ينضب قريبا. وجميعكم يتساءل عن ما المسموح وما غير المسموح به. وأرى المؤسسات تتوقف، تتردد، أمام هذا المجهول الجديد. أليس هذا مشكلكم؟ أليس كذلك؟. وإذا كان هذا فقط، فأنا أتفهم حقكم في الوضوح، وضوح الرؤية. نعم، إننا بسبب نتائج الفوضى التي كانت، كان لابد من وقت لترسيخ النظام. وأعتقد أن لا أحد ممن شاهد النتائج المؤسفة التي انتهى إليها الجيل الأول للأحياء الأولى للدارالبيضاء ووجدة، لن يغضب من إلحاحية إدخال تنظيم (للمجال)، وتجاوز الأخطاء السابقة، وكل هذا لما فيه مصلحتكم أنتم بالدرجة الأولى، على مستويات النظافة واقتصاد الجهد والإستعمال الأمثل لوسائل العمل المتاحة، ومنح قيمة مضافة لعماراتكم بل وأيضا لجماليتها. إن الأمر (في العمق) يتعلق بمستقبل «مدننا المغربية»، ودروس العديد من البلدان الحديثة التي نبتث فيها بلا نظام تجمعات مدينية غارقة في الفوضى وعدم الأمان، والتي لا يمكن معالجتها أبدا، تلك الدروس تعنينا عاليا (3). لقد كان ملحا إذن إعداد خطط توسيع المدينة (بشكل منظم). وللأسف ليس ذلك يسيرا، ليس بسبب ضغط المجال أو قلة الفضاءات البكر الفارغة، ولكن بسبب تراكم ما أنجز من فظاعة عمرانية حتى الآن، والتي تشمل ممتلكات خاصة منجزة وقائمة، وأنه علينا التعايش مع الموجود، دون الإضرار بالمصالح الحيوية. إني أؤكد لكم أن الأمر ليس بالسهل. لكن، ها هو أخيرا، واحد من أهم الإختصاصيين قد انخرط في الأمر بكامل الجدية اللازمة (المهندس بروست). وتنفيذ مخططه العمراني الخاص بالدارالبيضاء، مراكش والرباط، مسألة أيام. والشك المستبد ببعضكم سيزول قريبا حين ستدركون إلحاحية إجراءاته. إن النظافة وعناصر الجمال وملائمة مدننا للعصر هو الرهان الملعوب هنا، بل مستقبلها كله، الذي هو مصلحتكم أنتم في نهاية المطاف. إنكم لن تحتجوا أكيد ضد هذا الإجراء الواجب للمنفعة العامة، كما لم يحتج زملاؤكم في نيويورك وبروكسيل ولوزان أو فرانكفورت ضد إجراءات أكثر تشددا والتي كانت السبب في تقدم مدنهم. فكل دول العالم ? عدا فرنسا التي منذ فترة قليلة فقط انخرطت أخيرا في معنى المصلحة العامة ? قد تبنت اليوم قوانين لتنمية وتطوير بناء المدن. ولقد توصلت منذ أيام قليلة بمشروع إلتحاق «الإتحاد الإستعماري الفرنسي» بهذا المشروع والذي يمثل أهم المصالح الكبرى في المغرب. ومؤسف، لما فيه مصلحة الكل، أننا لم ننخرط هنا في الأمر منذ البداية. فقيمة العمارات ستكون مرتفعة. وكلفة الإنجاز ستكون حينها جد ضئيلة ورسم المدينة سيكون تم باستحضار لمصالح الكل، ويمكنكم تقديم ملاحظاتكم حول المشروع، فإنه سيؤخد بها (4). * هامش: * (1) قطاع البريد والتلغراف، في الحقيقة واحد من أهم القطاعات الإستراتيجية التي حرصت الحماية الفرنسية بالمغرب على تطويره وجعله متقدما بمقاييس عالمية. والسبب بطبيعة الحال اقتصادي وأمني مخابراتي بالدرجة الأولى. لهذا السبب، فإن مما ربحه مغرب الإستقلال، سنوات بعد مشروع الماريشال ليوطي البكر، هو شبكة بريد وتلغراف واتصالات سلكية ولاسلكية، جد متقدمة، واعتبرت الدولة دوما هذا القطاع قطاعا استراتيجيا حاسما لم تفرط فيه قط ولا في تطويره بينة وكفاءات بشرية (بالرباط مثلا، هناك معهد عال للإتصالات بمقاييس عالمية). وللحقيقة فإن المغرب والمغاربة اليوم، لهم حق الإفتخار أنهم يتوفرون على أرقى شبكة للإتصالات والبريد في كامل إفريقيا، وأنها تعتبر مجالا لثروة وطنية حاسمة على المستويين الإقتصادي والخدماتي والأمني. وهذا بشهادة كل أهل الإختصاص الدوليين، بدليل أنه مثلا، في الملف المغربي لاحتضان نهائيات كأس العالم 2010، كان ملف بنية الإتصالات السلكية واللاسلكية المغربية هو النقطة الأقوى جدا في ذلك الملف بشهادة الفيفا، وأن جنوب إفريقيا كانت وراءنا بمسافات في هذا الباب. * (2) يؤكد ليوطي بخصوص هذه الغابة قائلا: «كانت ستفوت، عند وصولنا إلى المغرب، إلى إحدى الشركات التي كانت تخطط لجزها، لكننا تمكنا بسرعة من التوصل إلى أصولها الوثائقية التي سمحت لنا بتحويلها إلى ملك للدولة». * (3) للأسف، هذه الروح الهائلة والحضارية فعلا التي تحرك رجلا استراتيجيا مثل الماريشال ليوطي، هي التي فقدناها فعليا في المغرب، على مستوى إعداد التراب وهندسة المدن وخلق معنى للحياة ببلادنا. ترى ماذا لو عاد الماريشال ليوطي وشاهد الدارالبيضاء اليوم، ألن يصاب بالسكتة الدماغية والقلبية والعاطفية وبكل شكل سكتة ممكنة، لأن الجريمة العمرانية والتنموية في هذه المدينة الغول تواصل نهشها لكل أسباب التمدن والأمن والرفاه والتقدم في الحياة اليومية لأهلها المظاليم. نعم، هو تعبير انفعالي عاطفي هذا الطافح في لغتي. لكنه الألم من الفرص الضائعة التي ذهبت سدى في بلدنا، وكم صعب تخيل تدارك ذلك الزمن الضائع. فنصف الدارالبيضاء تقريبا يجب أن يعاد بناؤه وتنظيمه كمجال، وهذا يتطلب ثورة ساسية لا أحد يملك شجاعة قرارها في مدينة مثل الدارالبيضاء. والثورة السياسية هذه، هي في امتلاك ذكاء فك لغم الكارثة في أفق زمني يمتد أقله على مدى 20 سنة، وأن يكون الحل هو في مدن محيطة حديثة تكون نوعا من رئة جديدة للدارالبيضاء. هل هذا ممكن في زمن مافيا العقار ومافيا الإنتخابات ومافيا كل المال الفاسد؟. أبدا.. حتى والدارالبيضاء تستحق أحسن. * (4) المهندس المعماري الفرنسي الشهير، هنري بروست، الذي يتحدث عنه هنا ليوطي، هو واضع أول مخطط تهيئة عمرانية للدارالبيضاء، وله يعود الفضل في ما أصبحت تفخر به هذه المدينة وساكنتها اليوم، من ساحة محمد الخامس بكل المؤسسات المحيطة بها، من بنايات البريد وبنك المغرب والقيادة العسكرية المحلية والمسرح البلدي الذي هدم منذ سنوات في جريمة ثقافية وسياسية على عهد الراحل ادريس البصري، والمحكمة الإبتدائية ومقر الولاية وبناية مجلس المدينة والجمارك ثم بناية الخزينة العامة وتتوسطها جميعها الحديقتان المتقابلتان بنافورتها الشهيرة. وكل إرث هندسة لارديكو وشوارع الدارالبيضاء الجديدة أنذاك الخاصة بالأروبيين، والحديقة الكبرى «البارك»، تعود إليه وكذا بناء عدد من أحياء المغاربة في ما بين سنوات 1915 و 1922. كما أنه مهندس المخطط العمراني لمدن فاس، مكناس، مراكش والرباط، في ما بين سنوات 1914 و 1922. وهو أيضا صاحب مشروع إعادة تهيئة الجزائر العاصمة سنة 1939 وإعادة تنظيم المجال وتهيئة مدينة إسطنبول التركية في ما بين 1936 و 1951، وهذا واحد من أضخم أعماله التي أعطت لتركيا وللعالم اليوم مدينة تحفة يزورها سنويا ملايين السياح. أما مشاريعه المغربية فقد نجح من تحمل مسؤولية مدننا في تدميرها واحدا بعد الآخر مما أفقدنا فلسفة كاملة للمدينة كانت خاصة بنا فقط كمغاربة في العالم كله. وهذه جريمة حضارية كبرى. | ||
19/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
امتلاك الأراضي وفرض المحافظة العقارية مشروع الإستعمار الأكبر
الدارالبيضاء: 14 يوليوز 1914 (تتمة 4) هناك أسباب أخرى عامة للقلق والشك. ولن أكون مخطئا إذا ما اعتبرت أن من أكبر أسباب الشك والقلق تلك المتعلقة بحيازة الأراضي وتحفيظها. ولها سببان: الصعوبات والبطئ في الصفقات الخاصة بشأنها مع الأهالي، ثم غياب التسجيل. إنكم تطالبون بإلحاح، وعن حق، بهذا التسجيل. ولقد لمست إلحاحية هذا الأمر منذ اليوم الأول للحماية. لكن، كان من الصعب جدا إنجاز الأمر حينها. فقط، لنستحضر كم تطلب الأمر من سنوات، بل من قرون، في بلداننا المنظمة، للوصول إلى ذلك. والحال، أننا بعد شهور فقط، هنا، من الجهد المضني، تمكنا من تهييئ الأطر المتخصصة في ذلك. ولقد قدمت لنا مصالح الجيش المتخصصة في الشؤون الجغرافية مساعدة هائلة، مما سيمكننا من التوفر قريبا على فرق طوبوغرافية متخصصة. وأستطيع اليوم أن أؤكد لكم، أنه مع أول الدخول القضائي القادم، في شهر أكتوبر، فإنه ستتم الإستجابة لأول طلبات التسجيل والتحفيظ. ستواجهكم أكيد بعض العقبات، لأنه بسبب قلة الموظفين فإننا لن نتمكن من تنزيل نظام للتسجيل والتحفيظ سوى في مناطق بعينها. وأن البداية ستكون طبيعيا بالشاوية والغرب وأطراف وجدة، حيث تمة إلحاحية مصلحية أكبر. لكن، الآلية ستعمل أكيد، وهذا هو المهم، وبإمكانكم التعويل على جهود جبارة حقيقية لإنجاز ذلك. أما في ما يتعلق بالمشاكل وأسباب القلق المرتبطة ب «الصفقات مع الأهالي»، والتي تستثير احتجاجات بلا عدد، فقد وجدنا أنفسنا، من جهة، أمام تقاليد عنيدة، لا يمكن اجتتاثها بسرعة ويسر. ومن جهة ثانية، أننا أمام وضعية مادية سأضع الأصبع عليها بألم. عادة يقال، أنه بين 1908 و 1912، عاشت الشاوية مرحلة ذهبية من حيث التدبير الإداري والمراقبة، لكن تفكروا (تأملوا) معي، أنه كان في الشاوية حينها 46 ضابطا للمخابرات أكثر من عدد القياد (المغاربة). وأن بها اليوم 120 ضابط مخابرات، أي أن العدد تضاعف ثلاث مرات، على مساحة، نوعا ما، تضاعفت عشرات المرات. والحال أن وزير الحرب، لا يمكنه إظافة ولو عنصر واحد آخر. ومن جهة أخرى، فإن جسم المراقبين المدنيين، المؤهلين لتعويضهم، لا يمكن التوفر عليهم سوى بموجات بطيئة متوالية. ومراقبة الموظفين من الأهالي أصبحت ضرورية بسبب تشتت المساحة الهائلة وقلة الموظفين. وسأحرص على ذلك عبر عدد من الإجراءات. وأولها إصلاح القضاء الخاص بالأهالي. ولقد وقع جلالة السلطان نصا ? ظهيرا آخر جديد، نعم، لكن هذا سوف تصفقون عليه عاليا، لأنكم ألححتم في الحصول على الموافقة عليه ? يحدد دور هذا القضاء ويضع الشروط الواجبة لمهام وأحكام القضاة في ما يرتبط بالعقار بالتحديد. لكن النصوص تبقى مجرد أوراق إذا لم نراقب بصرامة مدى تطبيقها. لقد أصدرت الأمر، مؤخرا، كما تعلمون، لضباط المخابرات وللمراقبين المدنيين لممارسة مهامهم كاملة، ليس طبعا في التدخل في الأحكام الصادرة وتوجيهها، بل في التسريع في إصدارها. وأنا أعلم، أنكم على مستوى بعض القضايا، قد لمستم فعليا التغيير المسجل. وسأقوم أخيرا، بوضع آلية تنظيمية تساعد على إفراغ المكاتب من جزء كبير من المثبطات الإدارية من أجل تحقيق مراقبة متحركة في الميدان وفاعلة. إنني حريص، في أقرب الآجال، على أن أفهم المسؤولين من الأهالي من قياد وقضاة أن أمورا كثيرة تغيرت (1). اسمحوا لي، الآن، أن أستعرض معكم جانبا آخر من أسباب القلق والشك، إنه ذلك المرتبط بالضرائب. نحن في حاجة ملحة إلى المال. هذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد. ليس من أجل تبديدها طبعا، بل لأن المصاريف تتعاظم في بلد يتوسع فيه الإحتلال كل يوم، وحيث الهجرة إليه عالية وكل شئ يجب أن يعاد بناؤه. وأمام جالية أروبية متعاظمة، لابد من بناء مدراس جديدة ومستشفيات جديدة ومحاكم جديدة، ولابد من صيانة الطرق وبنائها، وكل هذا يتطلب مالا. واتساع احتلال الأرض بشكل متواصل، يفرض زيادة في كل الخدمات. ومهمتنا التي أسندت لنا في المغرب، تفرض علينا أن نضع لكل الأنشطة المفتوحة للعمل، إطارا شاملا وصلبا. وهذا لما فيه مصلحتكم جميعا. وهذا أيضا، من مصلحة باقي الأجانب الذين ينتظرون نتائج ملموسة منا، للقطع مع مطالبهم في التوفر على تنازلات خاصة. لهذا السبب، لابد من مصادر مالية. ولم نجد من وسيلة سوى عبر الضرائب. فالضرائب المباشرة أمامنا هي ضريبة الترتيب والضريبة الحضرية (2). الترتيب، كما تعلمون، لسنا نحن من وضعها، وكثيرا ما سمعتهم ينتقدون الإدارة أنها حقا ليست خالقتها لكنها تنفذها. ومن وجهة نظري الخاصة، فأنا أميل إلى الأشكال القديمة في الأداء. لكن، ما باليد حيلة، فقد وجدنا الترتيب قائما قبلنا وعلينا التعايش معه. * هامش: * (1) هذا واحد من أعقد وأخطر الملفات المرتبطة بالحماية الفرنسية بالمغرب إلى اليوم. لأنه يطرح مشكلة تحديد رسم الأراضي ومشكلة الملكية ومشكلة التحفيظ. أي كل الأمور المتعلقة ب «المحافظة العقارية». وإذا كان هناك معنى للإستعمار الفرنسي بالمغرب، فإنه قد تحقق في هذا المجال الخطير بالضبط. لأنه قد تم الإستحواذ على الأراضي من قبل المعمرين سواء في المدن أو في البوادي وتم تمليكها لهم بأحكام قضائية ظالمة. وأن قرار «المغربة» الذي تم في السبعينات من القرن الماضي، 17 سنة بعد الإستقلال، لم يحقق الإنصاف المطلوب لعائلات بكاملها، بل إن جرائم عدة ارتكبت منذ سنة 1908 بالشاوية والغرب وسايس وسهل أنجاد بوجدة وبركان وبقصبة تادلة وبدكالة وعبدة غيرت بالكامل من بنية الإراثة بالمغرب، من حال إلى حال. أي من ما قبل الإستعمار الفرنسي إلى ما بعد الإستعمار الفرنسي للمغرب. وأن نظام التحفيظ الحديث الذي شمل جزء فقط من الأرض بالمغرب (ولا يزال إلى اليوم هذا التحدي مطروحا. لأنه هناك كلمترات مربعة شاسعة من الأرض بالمغرب لم يطلها التحفيض إلى اليوم)، قد غير من البنية الكلاسيكية لحيازة العقار والأراضي بالمغرب، مما دمر بنى مصلحية واقتصادية وسياسية كانت قائمة، وأنشأ بدلا عنها بنى جديدة، كان المستفيد الأول منها، بقوة النص والوثيقة القضائية، المعمرون الفرنسيون. وكم أزهقت من أرواح بريئة وكم من مظالم ارتكبت وكم من بنى إراثة هدمت وضاعت إلى الأبد، إما بالتحايل باسم القانون أو بالغصب والقتل والتصفية والترحيل والتهجير. ومما ضاعف من ذلك، بروز قياد وقضاة مغاربة كانوا في خدمة الإستعمار، راكموا ثروات ونفوذا هائلين، تأسيسا على نتائج هذه المظالم في مجال تحفيظ الأراضي والعقار وكانوا اليد التي يضرب بها المستعمر المغاربة. وجزء هائل من موجة الهجرة المغربية من البوادي إلى المدن الكبرى، كان سببه ضياع الأرض ومصدر الرزق والتهجير بالإكراه خوفا من التصفية أو هربا من نظام السخرة الوحيد أمامهم. وكثير من الغضب والحنق الذي تراكم في كبريات المدن المغربية في الأربعينات والخمسينات وفي ما بعد الإستقلال في الستينات والسبعينات، إنما كان جدره الإجتماعي متأسسا على الثورة ضد هذا الظلم في سلب الممتلكات والأراضي والعقارات. في الإستعمار كان غضبا من المحتل ومعاونيه المغاربة، وأنه في الإستقلال كان غضبا من إرث القياد أولئك، من أجل دولة الحق والقانون واستعادة الحقوق. وهذا مجال هائل مغر بالدراسة التاريخية والسوسيولوجية والسوسيو ? نفسية. علما، أن المرحلة الإستعمارية قبل وبعد وفي ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، قد سجلت هجرات فرنسية وأروبية (خاصة إيطالية وإسبانية وبرتغالية) هائلة إلى المغرب، وشكلت ما يمكن وصفه ب «عصابة معمرين» مستقلة كانت ترى إلى المغرب ك «إلدورادو جديد»، جاؤوا للإستقرار فيه بشكل نهائي. وهذا فتح لهم شهية التملك بكل الوسائل لأجود الأراضي الفلاحية المغربية التي تقدر بملايين الهكتارات. ولغة ليوطي هنا، ترجمان لحساسية وحيوية هذا الملف عنده وعند المعمرين، لأن عمق الإحتلال كان هو هذا بالضبط. أي التملك والتحكم في الأرض والثروات. * (2) ضريبة الترتيب، هي ضريبة مغربية موحدة خالصة تشمل كل الممتلكات العينية والرأسمال السنوي للتجارة، المبادر إليها ضمن حركته الإصلاحية هو السلطان الحسن الأول، لكنه سعى إلى ترسيخها بتؤدة وخطوة خطوة. لكن في عهد السلطان مولاي عبد العزيز، فقد أصبحت إلزامية وسعى إلى تحديث الضريبة بالمغرب بالشكل المدني وليس الديني (الزكاة)، فقامت ضده قيامة الفقهاء والقواد، مما عطل كل أشكال الضريبة بالمغرب وضرب خزينة الدولة في مقتل وأثقل البلد بالديون الخارجية. كان هم هذا السلطان تسريع وثيرة الإصلاح بالشكل الحديث، لكن الزمن والناس لم يكونوا في نفس مستوى طموحه وانتظاراته، فكانت النتائج السلبية المعروفة التي انتهت إلى احتلال المغرب. ولم يكن ذلك السلطان متصابيا غرا، كما تؤكد ذلك المصادر التاريخية الفرنسية الإستعمارية، بل خطأه بالنسبة لهم أنه كان حليفا للإنجليز والألمان أكثر منهم. وهذه قصة أخرى مثيرة في تاريخنا المغربي المعاصر لم يسلط عليها ما يكفي من الضوء العلمي للتاريخ. دون نسيان أن مسألة ضريبة الترتيب هي ترجمان لحقيقة وجود معنى المغرب كدولة قبل الإستعمار، لأن الضرائب التي كانت منظمة في كل العالم العربي والإسلامي كانت فقط ضرائب عثمانية وفارسية ومغربية. | ||
20/7/2012 |
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
في 6 أشهر سنة 1914 هاجر إلى الدارالبيضاء 13 ألف أروبي
الدارالبيضاء: 14 يوليوز 1914 (تتمة 5) لابد، بشكل مستعجل، من الإلتجاء إلى الضرائب غير المباشرة. لكن، أي منها؟. أعلم أن الجميع يقول إن أحسن ضريبة هي التي يؤديها جاري لا أنا. وكل الملاك يقولون لنا دقوا باب أصحاب المشروبات الكحولية، دقوا باب منتجي السكر. فيما المستهلكون يقولون لنا دقوا باب الملاك. ولو أطلعتكم على الرسائل التي تصلني من كل الجهات لفوجئتم بالتناقضات المتضمنة فيها. والأفضل، لجعل الجميع متفقا راضيا، وبسبب أننا في حاجة ماسة للمال لتنمية البلد، هو أن ندق هنا وندق هناك. ولقد قدمت مقترحات في هذا الباب إلى الحكومة التي لها سلطة القرار الفصل. وأؤكد لكم أن تلك القرارات لن تتخد سوى بعد تمحيص دقيق، باستحضار لكل التخوفات، لا من جهتي وجهة فريقي ولا من جهة السلطات الإدارية المعنية، بروح خلق التوازن بين الحق والواجب، باستحضار لأسباب القلق والرفض وكذا المصالح الحيوية القائمة. وأخيرا، هناك سبب آخر للقلق كم تلقيت حوله من أصداء، ويتعلق ب «ضعف التواصل»، بين المعمرين والإدارة. وهذا أمر لي حساسية خاصة تجاهه. لأن ذلك مناهض تماما لطبيعتي ولكل ماضي الإستعماري، وكذا للروح التي أريدها أن تسري في إدارتي. وصدقوني ليس هناك سبب لوجودها. لكن ضعف التواصل هذا، يا سادة، لا بد من الإعتراف بذلك، لم يكن ليقع. فليس أسهل من التواصل مع المشاكل الخاصة للناس في بلد منظم، أو الذي تتواجد فيه تجمعات منظمة، الذي تبرز فيه واضحة مؤسسات القيادة. ويكون هذا التواصل أسلس، حين تكون تلك الجماعات أروبية صغيرة مثل تلك التي تكون في مستعمراتنا البعيدة أو تلك التي كانت هنا حين وصلنا مع أول الحماية. لكن، حين يتعلق الأمر بهجرة كثيفة وسريعة مثل هذه التي تشكل قوة المغرب وتعلي من قيمته، كيف يمكن حصر الأمر وضبطه؟ كيف يمكن تمييز القدامى ضمن بحر الجدد، الذين فيهم عدد من المغامرين الذين لا يمكن أبدا تمييزهم عن الباحثين الجديين عن فرصة عمل؟. وطبيعي أن تذهب عيوننا مباشرة صوب الوجوه التي نعرفها من قبل. والتعرف يتطلب وقتا، والوقت هو ما يجب أن نمنحه للناس للتعارف في ما بينهم. وأسباب القلق الخاصة هنا تذوب من تلقاء ذاتها بمجرد ما تخلق آليات تنظيم جماعية طبيعية. وآليات التنظيم الجماعية هذه قد تكون خاصة أو نقابية أو جمعوية، التي أرحب بإنشائها لتسهيل تكوين النظم الطبيعية للتدبير والتواصل من خلال المجالس البلدية ومكاتب غرف التجارة والغرف الفلاحية. هذا ما نحن فيه الآن. أي تنظيمات بكر فجائية، تحركها حيوية البدايات، في سنتنا الأولى للحماية، والتي بدأت تتحول تدريجيا وأتوماتيكيا إلى تنظيمات مهيكلة بشكل أفضل وذات تمثيلية حقيقية، ذات حيوية واضحة، والتي أرى فيها من الآن السند الصلب للإدارة وأحسن من يرافقها ويوجهها في مهامها. ها نحن نرى من فاس حتى الدارالبيضاء تشكل مجالس بلدية بأشكال مختلفة تبعا للحاجيات المحلية. ها نحن نرى اجتماعات دورية لغرف التجارة وتفيد كثيرا في إيجاد حلول عملية لقضايا اقتصادية. وها نحن نرى تكوين غرفة فلاحية بالغرب، وأنا متحمس جدا لتوسيع دورهم وأن تكون استشارتهم دوما ذات أولوية في ما يرتبط بالمصالح الخاصة، وأن يتم ربط الصلة برئيسهم المنتخب والمبادرة إلى طلب حضورهم خارج المناسبات العادية لواجب الإتصال. إني أطلب دوما بإلحاح من كل رؤساء الجهات والبلديات أن يبقوا على اتصال دائم بهم وأن يشركوهم على أكبر مستوى في أمور التدبير الإداري للمدينة وتنمية البلد. وألح عليهم أخيرا، أن يخصصوا دوما مكانا هاما للأهالي (المغاربة)، الذين هم على درجة هامة في هذا البلد المنفتح بقوة على الرغبة في التقدم، والذي له استعداد كبير للإنخراط في ما ننجزه. إن هذا التعاون المنسق بين التاجر الأروبي والتاجر المغربي من الأهالي، قد وجدنا له أثرا وذاكرة، أكثر من أي بلد آخر احتللناه، بزمن بعيد قبل الحماية (1). وأكيد أن علاقات الصداقة المحكومة بروح ليبرالية وإنسانية منفتحة لمعمرينا الأوائل، التي نسجوها مع الأهالي، قد لعبت دورا حاسما في منح اسمنا مكانة خاصة هنا، وسهلت مهمة احتلالنا العسكري حين بدأنا دخول المغرب. اسمحوا لي، أيها السادة، أنني أبقيتكم هنا كل هذا الوقت (2). واسمحوا لي ثقل وجفاف هذا الخطاب (التقني). لم أشأ أن ألقي أمامكم خطابا عاطفيا (مناسباتيا)، بل أن أحدثكم في الأمور الجدية التي تعنينا جميعا. كان بإمكاني أن أتحدث مطولا أكثر، لأن الموضوع لا حد له، لكن لا بد من حصر نفسي ولجمها. وما أتمناه هو أن يكون خطابي الصريح والصادق معكم مبعثا لراحة واطمئنان لديكم، يسمح بإدامة روح الثقة بيننا. موحدين دوما في حب بلدنا وبذات الإخلاص في خدمة حكومتنا وجمهوريتنا، وأن نكون أقوياء بثقتنا في المغرب. الثقة التي لا يمكن أن نحوزها بخلافات بيننا، وهذا أمر أدعوكم أن تعمموا روحه، أي روح هذه الثقة. لقد خاطبت فيكم الأصدقاء، بكل الصدق والصراحة اللازمتين، وأسميت الأشياء بمسمياتها لإدراكي حجم القلق الآخد بالأنفس بسبب ما تراكم من نتائج سلبية خلال الستنين الأولين للحماية هنا، والتي تستتبع أعطاب البدايات وفداحات أزمة اقتصادية ترخي بظلالها على العالم كله. وهي الأسباب التي غطت على صورة مهتمنا هنا البكر الجديدة هنا، وكان لابد من تجاوز تبعاتها عبر تحديد القرارات الواجب اتخادها وكذا ترسيم أسباب الثقة القوية بيننا. صدقوني، إن أسباب الأمل كامنة. فالهجرة متواصلة بقوة. وفي ميناء الدارالبيضاء لوحده، خلال ستة أشهر من 1 دجنبر إلى 31 ماي، نزل به 13290 مهاجرا أروبيا. ولقد غادر منهم 6681، وقرر البقاء، وقد ربحناهم، 6609 مهاجرا. فيما وصل 2500 خلال شهر يونيو. وهذا يتبث أن موجة الهجرة متواصلة بقوة. والسبب أن البلد هنا مغرية وواعدة. وأنا سعيد أن أخبركم، أن الأرقام التي توصلت بها بخصوص حجم الإستيراد، الذي تراجع خلال شهور فبراير إلى أبريل، قد استعادت الإرتفاع في شهر يونيو وبلغت 21488 طنا. وهي أعلى ليس فقط مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، بل هي الأعلى خلال كل السنوات الأخيرة. وصدقوني، فإن رؤوس الأموال لا تفكر قط في الهرب من المغرب. وأنا في موقع يسمح لي بالتأكيد أن حجم ما يتم تأسيسه من مؤسسات صناعية جدية كبير للإستثمار في مجالات السكك الحديدية والموانئ والمجال الفلاحي والصناعي، والشركات لا تتوقف عن التأسيس. بالتالي، لي ولكم الحق في الأمل. عمموه، عمموا الآمال الكبار التي نضعها في هذا البلد الجميل والفاتن، ولنقطع نهائيا مع عادتنا المتأصلة، التي كادت أن تصبح عادة وطنية، في أن نكون أعداء أنفسنا حين نستصغر ذواتنا. لا تنسوا أن الجميع ينظر إلينا ويستمع إلينا أيضا. والحكمة تأتي مع السنين. اسمحوا لي أن أضيف، من موقعي كرجل قضى أجزاء مهمة من حياته المهنية خارج فرنسا في مستعمراتنا (البعيدة والقريبة)، أن أؤكد لكم أنني لم أصادف ما يمنحنا الأمل والثقة مثل مغربنا (هكذا قال ليوطي بالحرف «notre Maroc»). وأنا أبدل له كل طاقتي وكل جوارحي، مسنودا بقوة بفريقي من المساعدين، بشكل لم يتحقق لي أبدا من قبل، بذات الروح في العطاء، ولست أعلم كيف أعبر لهم عن اعتزازي وامتناني. لكن القوة التي أحتاجها للقيام بمهمتي، ترتكز على أمرين أساسيين: الثقة الكاملة التي زودتني بها حكومة الجمهورية (الفرنسية)، وتقثكم أنتم وثقة كل المعمرين الفرنسيين بالمغرب، المسنودة بحيوية هائلة للعطاء. وبعد هذه الليلة، التي نبضت فيها قلوبنا بالوحدة، فإن المهمة غدا ستكون أسهل والعمل سلسا. وقبل أن نفترق، فإن فكري الموحد مع فكركم يذهب صوب الذين أتشرف بحمل شارة قيادتهم، الذين هم في هذه اللحظة عند قدم جبال الأطلس (المتوسط)، عند مفازة مدينة تازة، يبدلون عطاء بلا حساب من حياتهم من أجل أن تحققوا بأمان وأمن راسخين المهمة التي تحسنون القيام بها وإبداعها، وهي تحقيق الفتح الإقتصادي للمغرب، وتوسعة مجال فرنسا (في العالم) بمجد. * هامش: * (1) هذا التأكيد من الماريشال ليوطي، ترجمان آخر لقوة تواجد معنى الدولة في المغرب قبل الإحتلال بقرون. وأن العلاقات التجارية مغ الغرب كانت دوما منظمة باتفاقيات ونصوص تنظيمية بين عاصمة البلاد وعواصم أروبا. وفي هذا المجال يعتبر الأرشيف البريطاني غنيا جدا بتفاصيل هائلة، لأن أهم زبون تجاري للمغرب على مدى قرون هم الإنجليز والهولنديون والبرتغال والصقليون وأهل جنوة الإيطاليون، قبل الفرنسيين بكثير. * (2) يعتبر هذا الخطاب واحدا من أهم وأطول خطب الماريشال ليوطي في المغرب، فقد دام أكثر من ساعتين. وتأتي أهميته من روح النص، التي تترجم خريطة طريق لما تم اتباعه في تنفيذ الحماية الإستعمارية بالمغرب. ومن هنا أهميته التاريخية الخاصة، على مستوى المعلومات الدقيقة والمرقمة وكذا النصوص القانونية والمشاريع الكبرى لتهيئة المجال بالمغرب. إنه يكاد يكون خطاب فلسفة تدبير واضحة وشاملة لليوطي. | ||
21/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الحرب العالمية الأولى وشظاياها على المغرب
الدارالبيضاء: 4 غشت 1914 (تم يوم 4 غشت 1914، تعميم إعلان موقع من الماريشال ليوطي، يعلن فيه التعبئة العامة بسبب دخول فرنسا في الحرب العالمية الأولى. وهو الإعلان المتضمن في مذكرات ليوطي، كبداية لفصل «في المغرب أثناء الحرب.. 1914 ? 1918». ضمن مذكراته. وهو الإعلان الذي جاء فيه..). «إلى ساكنة الدارالبيضاء.. لقد قرر المقيم العام، القائد الأعلى للقوات، بعد اتخاده الإجراءات الأولية التي تفرضها الظروف بالرباط، الحضور إلى الدارالبيضاء لتجديد الإتصال بساكنتها الحيوية والنبيهة، التي تخونه الكلمات لوصف غبطته بمواقفها ورزانتها ووطنتيها. وأنها قررت بصرامة، لا تردد فيها، من أجل الإستمرار في ذات النهج من النظام والإنضباط، لتسهيل مهمتي هنا. إنه لم يحضر قط إلى ذهن (المقيم العام)، ولو للحظة، مهما كلفه ذلك من تضحيات، أن يغادر مهمته، ويمكن لأبناء بلده أن يطمئنوا ويثقوا أنه سيبقى بينهم، من أجل حماية راية فرنسا بصرامة وكذا رعاية مصالح فرنسا في المغرب وكامل الحماية. وسيظل حازما، بالوسائل التي تحت يده، لتعزيز الإستقرار والأمن لكل المعمرين الأروبيين. ولقد تلقى ولاء كل الجهات من القادة المحليين ومن الساكنة. وهو متيقن من دعم وحماسة جلالة السلطان. وله ثقة مطلقة في انتصار قواتنا (الفرنسية) بالتنسيق مع حلفائنا وأصدقائنا. في المغرب، كما في حدود اللورين (بفرنسا)، هناك وحدة للقلوب والطاقات من أجل مجد النصر الذي تستحقه أمتنا. * ليوطي * الدارالبيضاء في 4 غشت 1914..». (1) الدارالبيضاء: 21 غشت 1914.. منذ انطلاق التعبئة، تواصل إرسال القوات العسكرية من المغرب صوب فرنسا، بشكل متواتر وسريع. كانت قد غادرت، أو في طريقها للمغادرة بعد أيام قليلة، وحدتان عسكريتان تحت قيادة الجنرالين هومبر وبرولار (Humbert et Brulard)، تضم 37 كتيبة من المدفعية (والحال أن الحكومة الفرنسية قد طالبتنا ب 35)، ولواء من الخيالة و6 بطاريات مدفعية و 3 فرق هندسية ووحدتين من مهندسي التلغراف. ولن يتبقى في المغرب مع مطلع شتنبر سوى 23 كتيبة مدفعية وبضع فرق من الخيالة، وبضع بطاريات. لقد طلبت منا الحكومة، في البداية، أن نغادر المناطق الداخلية للمغرب، وأن نتحصن حول المواقع الإستراتيجية وحول شط المحيط، حتى نتمكن من أن نبعث لفرنسا أكبر قدر ممكن من القوات. ولقد اتضح في الميدان (وهذا أمر اقتنعت به الحكومة بعد ذلك) أن الحل الأنجع لدعم فرنسا فعليا، هو الإبقاء على المناطق التي بلغتها الحماية كاملة، بما يشبه إفراغ البيضة والإبقاء على قشرتها كاملة. أي أن نفرغ وسط المناطق المحتلة وأن نبقي قواتنا على حدود ما بلغناه من مدى (في التهدئة) بالمغرب. كان ذلك الحل الأمثل، بل الوحيد، الممكن، من جهة لحماية ما حققناه من تقدم ميداني في المغرب، وبالتالي الإبقاء على الإستفادة من ثرواته التي أصبحت تحت يدنا، وضمان التموين واليد العاملة. ومن جهة أخرى، حتى نجتنب أن لا تلتف الساكنة غير المتحكم فيها بعد (من المغاربة)، على قواتنا المتراجعة والمغادرة، وأنها ستكبدها خسائر فادحة قبل بلوغها شط المحيط، وسيكون ذلك مقدمة لفتح باب القلاقل في البلاد، على كافة خطوط الإتصال مما سيجعل التعبئة مستحيلة وسننتهي محاصرين في الموانئ أمام شعب ثائر. لقد أتبثت الأيام، أن هذه الرؤية هي الصائبة. ولم يكن ممكنا أن نبعث إلى فرنسا كل تلك القوات ونكتفي فقط بقشرة رقيقة منها على حدود ما بلغناه من مناطق محتلة بالمغرب. لم يكن ممكنا تحمل عبء ذلك لزمن طويل. لهذا، طالبنا الحكومة منذ البداية، أن تبعث لنا كتعويض عن تلك القوات جزء من القوات الإحتياطية من كتائب المشاة. فتم إرسال 16 كتيبة، وهي لم تكن فقط سندا ماديا هاما لنا في الميدان، لكنها كانت أيضا سندا معنويا كبيرا. وكانت متكونة من رجال في سن معينة وبتكون خاص، أثرت كثيرا في الأهالي. فقد كانت تضم تخصصات متعددة من كل المجالات، من الأشغال العمومية، ومن التقنيات الفلاحية، ومن قطاع الصحة، مما مكنهم من تقديم خدمات جلى في المغرب. وكان وصولهم قد بدأ في آخر غشت وبعضهم نزل في ميناء الدارالبيضاء وبعضهم وصل إلينا من وهران (بالجزائر) عبر وجدة. وكنت قد وجهت هذا الأمر العسكري لأول فوج منهم نزل بالدارلبيضاء: الأمر العسكري العام رقم 102.. أيها الضباط والجنود من الوحدات 127، 128، 113 و 139 للقوات الإحتياطية الأرضية، مرحبا بكم في المغرب. لقد وصلتم في الوقت المناسب تماما. لأن تمة تحديان يطرحان في المغرب الآن: أولا، أن نرسل إلى حدود اللورين (الفرنسية مع ألمانيا) للدفاع عن وطننا ضد الهجمات الجبانة، أكبر قدر من الكتائب الكفأة المدربة. ثم المحافظة هنا على المنجزات المتحققة بفاتورة عالية للدم، وأن نضمن حماية من قبلوا الإنضمام إلينا (من المغاربة). وإذا كانت الموانئ التي تنزلون بها والمناطق الشاسعة المحيطة بها، تمنحكم واقع أمان وصورة للتقدم وروح العمل والإنتاج المتحققة فيها، فإن السبب كامن في أنه في مقدمة الجبهة على الخط الممتد من تازة وخنيفرة وتادلة ومراكش وأكادير، عند قدم الأطلس، تحارب قواتنا هناك ببسالة. إنهم يضعون من أجسادهم حاجزا متحركا أمام التجمعات الثائرة أمامنا والمحاربة، والذين يحركهم يقين التمكن ذات يوم من طردنا واستعادة حرية الفوضى والنهب والقمع التي اعتادوا عليها لقرون. (2) إن ذلك الحاجز، لابد من المحافظة عليه مهما كلفنا ذلك من ثمن، ليس فقط من أجل خلاص المغرب. ولكن أساسا، والآن أكثر، من أجل ضمان تواصل الأمان الضروري لفعل انسحاب قواتنا للذهاب للدفاع عن فرنسا. إن كتائبنا المتبقية هناك، تدافع ببطولة أسطورية من أجل إنجاز مهمتهم للتضحية كاملة غير منقوصة. ولقد جئتم من أجل دعم الدفاع الوطني بشكل قوي في أي موقع كنتم. وما أن يتم تجهيزكم وإعادة تنظيمكم، فإنكم ستتوجهون إلى الجبهة المتقدمة. عليكم أن تتحملوا بعض النقائص. فلقد وصلنا حديثا إلى هذا البلد، ولن تجدوا فيه الطرق المعبدة، ولن تجدوا في الليل ثكنات مجهزة ومنظمة. إنكم ستتقاسمون الحياة الصعبة التي يحياها منذ مدة جنودنا البواسل. وكان يكفيني أن أتأمل طراوة محياكم ووقوفكم بشرف واعتزاز تلك الوقفة العسكرية الراسخة، كي أمتلأ بالثقة في ما ستقدمونه لنا من دعم. والمغاربة الطيبون، ممن يوقنون أننا أهل لثقتهم وأهل لحمايتهم، قد تأملوكم بافتخار خاص وأنتم تنزلون على رصيف الميناء. ونحن الفرنسيون الملزمون بواجب التضحية الغالية، أحسسنا أن أمنا (فرنسا) لم تنسنى وهي تبعث لنا خيرة أبنائها. معكم، وبفضلكم، نستطيع أن نقدم لفرنسا مزيدا من اليقين الذي تتعفف عن طلبه منا، أن نحافظ لها على المغرب مصونا. عاشت فرنسا الخالدة. الدارالبيضاء في 21 غشت 1914 الجنرال، المقيم العام، قائد القوات توقيع: ليوطي.» * هامش: * (1) عمليا اعتبر اغتيال الكونت فرانسوا فيرديناند، وريث عرش مملكة النمسا الهنغارية، وزوجته صوفي شوتيك، من قبل الصرب بسراييفو، يوم 28 يونيو 1914، الشرارة لاندلاع الحرب العالمية الأولى التي دامت أربع سنوات. لكن، الحقيقة أن ذلك الحادث لم يكن سوى تعلة وسببا لتصفية حسابات صراعات نفوذ متراكمة بين القوى الإستعمارية واليمينية بأروبا شرقها وغربها، من موسكو حتى لندن مرورا بفيينا وروما وبروكسيل وبرلين وباريس. وكانت فرنسا معنية بهذه الحسابات التي كانت تربطها بألمانيا، منذ هزيمة 1870 المذلة. وكانت أصوات تقدمية من داخل البرلمان الفرنسي ضد الحرب، في مقدمتهم، صاحب جريدة «لومانيتي» الشهيرة، جون جوريس، الذي اغتيل بسبب من ذلك أياما قليلة قبل اندلاع الحرب في مقهاه المعتاد بباريس يوم 31 يوليوز 1914. وإذا كانت ألمانيا قد أعلنت الحرب يوم 23 يوليوز 1914 ضد الصرب لدعم مملكة النمسا الهنغارية، وإعلان صربيا التعبئة العامة يوم 25 من نفس الشهر، وإعلان موسكو حالة الحرب إلى جانب الصرب وضد ألمانيا، يوم 29 يوليوز 1914، فإن باريس لم تعلن قرار دخولها الحرب ضد ألمانيا التي احتلت اللوكسمبورغ وهددت بلجيكا، سوى في الرابعة زوالا من يوم فاتح غشت 1914. بالتالي، فإن إعلان ليوطي الأول هذا الموجه لعموم الأروبيين والمغاربة لتوضيح الموقف، قد صدر ثلاثة أيام بعد الإعلان الرسمي لدخول الحرب من قبل باريس. * (2) لابد من التوقف قليلا عند مكر اللغة هنا التي يصدر عنها الماريشال ليوطي. فهو حين يتحدث عن بلده فرنسا ومواجهة التحدي الألماني الذي أذلهم في اللورين منذ أواسط القرن 19، فإنه يتحدث عن بطولة وبسالة ووطنية أبناء بلده للدفاع عن وطنهم فرنسا. أما حين يتحدث عن مقاومة المغاربة لاحتلال فرنسا لبلدهم بقوة النار الإستعمارية، فإنه يتحدث بقاموس التتفيه ,ان المغاربة قد عاشوا لقرون في الفوضى والسرقة والنهب وأن فرنسا جاءت لتدخلهم إلى الحضارة. إن مكر اللغة التي تتأسس على الإيديولوجيا، والتي هي هنا إيديولوجيا استعمارية. | ||
23/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
افتتاح أول مركز تجاري بإفريقيا بالدارالبيضاء سنة 1914
الدارالبيضاء: 17 نونبر 1914 كانت الحرب قد اضطرتني لإلغاء أية لقاءات عمومية. لكن، لأول مرة يوم 17 نونبر، بمناسبة افتتاح أول مركز تجاري كبير من النوع الحديث بالمغرب، «المركز التجاري باريس ? المغرب»، والذي انتهت به الأشغال رغم كلفة وظروف الحرب، فإن ذلك قد منحني الفرصة للعودة إلى الدارالبيضاء، كي أقدم بعض المعلومات حول الوضعية القائمة آنذاك. وأن أسلط ضوء الحقيقة حول بعض أسباب القلق التي خلقتها إشاعات متواترة. (فكانت هذه الكلمة في حفل افتتاح ذلك المركز التجاري): «سيداتي، قليلة هي الأماكن التي يتم فيها تدشين مراكز تجارية بفرنسا، مثلما نفعل اليوم بالمغرب. هذا يقدم الدليل، على أننا جميعا هنا موقنون، رغم الحال الصعبة المحيطة، أننا منتصرون في نهاية المطاف. لكن، علينا الإنتباه جيدا أن التحدي لا يزال قائما، وأنه إذا كانت الحرب مشتعلة في فرنسا وأنها حامية الوطيس على الجبهات، فإنها قائمة أيضا في المغرب بذات القوة وبذات النتائج في الجبهة المتقدمة (للإحتلال). بفضل قواتنا التي تسترخص لحمها وحياتها أمكننا اليوم تنظيم هذا التدشين. والجدار الذي تشكله صدور جنودنا هو الذي يسمح لنا هنا في الشاوية، وفي كل المناطق التي تمكنا من تهدئتها، أن نعمل في أمان وأن نتاجر بحرية. إن الجولة التي قمت بها في مختلف محلات مركز «باريس ? المغرب»، قد أبان لي أننا نستطيع الحصول وشراء على كل ما يباع من سلع في فرنسا. بل وكل ما يعرض في أرقى المتاجر بباريس. ومن جهة أخرى، فإن مدير المركز قد أكد لي، أنه لن تكون متوفرة هنا فقط كل سلع فرنسا، بل أن المصالح المحلية مصانة بدورها، وأن منتجات الصناع المحليين هنا لها مكان للعرض والبيع. ومنذ مدة، لم أرى جمعا محيطا بي بهذا الحجم، لذلك، أهتبلها فرصة لأوجه بضع نصائح للبيضاويين. علمت البارحة، أنه في خنيفرة قد واجهتنا معركة دموية كبيرة. وهذا يقدم الدليل على أن موجة المتمردين تعلو دوما بقوة، لكن الرصيف الذي جاءت لتتكسر عنده صلب قوي ويتحمل قوة الموجة ويكسرها. بالتالي، علينا لا أن نرتهب ولا أن نغتبط. بل أن نحافظ على رصانتنا بذات الشكل الذي يقدمه لنا، منذ بداية الحرب، الكولونيل تارغ (Targe)، قائد منطقتكم. تعلموا منه واجعلوه مثلكم الأعلى. ولقد علمت أنكم منذ يومين قلقتم من أخبار تحدتث عن إمكانية قصف الدارالبيضاء من المحيط. إن الشائعات كثيرة في قلب المدينة، وهي تنتقل بوشوشة، وعلي هنا أن أشرح لكم الحقيقة. منذ 3 أشهر، هناك بواخر (عسكرية) راسية في الميناء، وبعضها الآخر متوقف قبالة الشط. ومهما قلبنا الأمر في هذا الإتجاه أو ذاك، فلا المخاطر تعاضمت، ولا الأمان قل، بدليل أن الإبحار يتم بحرية في ضفافنا. بالتالي، اطمئنوا وواصلوا ذات الثقة في مؤسساتكم، فليس هناك ما سيقلقكم في كل ما يجري من أحداث. بل إنه لا قيمة لها في زمن الحرب وهي غير مقلقة بالمرة بالنسبة لنا. إني أرفع نخبي لنجاح المراكز التجارية الكبرى الحديثة «باريس ? المغرب»، التي من خلال افتتاحها تقدم الدليل على حيوية التجارة الفرنسية وأيضا على التقدم الإقتصادي لحمايتنا بالمغرب.». (1) الرباط: 1 يناير 1915. هذه الكلمات التي تكررت، خلال الحرب، في مناسبات متعددة، تصدر عن واجب وضرورة. أولا طمأنة قواتي، وأساسا الكوادر فيها، الذين كانوا يعانون لحد القلق والشك، في هذه الجبهة البعيدة، وأحيانا يتوهمون أن مجهوداتهم غير معترف بها. إن طمأنة هؤلاء الأطر والمعمرين أيضا، الذين هم قلقون أنهم بعيدون عن بلدهم فرنسا، وتذكيرهم بالخدمات الجلى التي يقدمونها لها هنا حيث هم. (فكانت هذه الكلمة التي وجهتها إليهم في أول استقبال للفرنسيين المقيمين بالمغرب بالرباط منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى). «يا لها من عاطفة تلك التي نتبادل بها نظراتنا وأفكارنا المتطابقة في هذا اليوم الأول من السنة الجديدة. وكم تبدو بعيدة، البارحة وغدا، فرحة الأيام التي كنا نتبادل فيها التهاني ونحث الخطى عائدين إلى منازلنا المحتفلة. لا احتفال اليوم، لأن كل الأمهات والزوجات الفرنسيات تبكين أو هن غارقات في بحر من القلق، وعيوننا لا تستطيع الفكاك من تأمل مصير الوطن. الوطن المثخن بالجراح، لكنه الواقف شامخا، متنبها ممسكا بسيفه سليما مخضبا بالدم. الوطن الواثق من نفسه والواثق من غده، المتوجه صوب المستقبل الواعد الذي يظهر متلألئا من خلف دخان المعارك وحرائقها. آه، من يوم النصر النهائي ذاك. بضريبة كبرى للألم واليتم والدمار، لكن كم ستبدو آلامنا الخاصة صغيرة أمام رؤية وطننا يعاد بناؤه ضمن الشرعية التاريخية لحدوده ولانتصار الحرية في العالم. إن فكرنا، يتوجه اليوم بالدرجة الأولى إلى قتلانا، إلى قتلانا الأماجد الأبطال، وفي المقدمة منهم إلى رفاقنا في السلاح بالمغرب الذين سقطوا هناك، والتي تصلنا يوميا أخبار بطولتهم وبدلهم وتضحياتهم، وهي أخبار تجمع على بطولتهم مما يشرفنا جميعا هنا. وفكرنا متوجه أيضا إلى الأحياء منهم، الذين سيحصد الموت بعضهم، والذين لا يزالون يحاربون هناك في تلك الجبهة العريضة، التي أعلم أنكم تتحرقون للإلتحاق بها. * هامش: * (1) تعتبر هذه المؤسسة التجارية الكبرى، الأولى من نوعها في إفريقيا كلها، حتى قبل الجزائر العاصمة التي كان الإستعمار الفرنسي فيها قد احتل البلاد منذ سنة 1830. علما أن أول مركز تجاري بفرنسا قد تأسس سنة 1852 بباريس واسمه «لوبون مارشي»، وحين زاره الروائي العالمي والفرنسي الكبير إميل زولا، كان ذلك سببا لكتابة روايته «غبطة السيدات». ومركز التجارة «باريس ? المغرب»، هو الذي سيحمل في ما بعد اسم «غاليري لافاييت» في عمارة كانت تضم أيضا قاعة سينما غير مسبوقة في كل إفريقيا هي سينما «فوكس»، وكان بها مصعد دائري ببابين، كان الأول من نوعه في كل شمال إفريقيا. وهي البناية التي هدمت في بداية السبعينات من القرن الماضي وأقيمت فوقها اليوم الحديقة المقابلة لفندق حياة ريجنسي الشهير بالدارالبيضاء. وكانت تلك العمارة من بين أول العمارات الفاتنة الحديثة التي بنيت بالمغرب سنة 1914. | ||
24/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
معنى أول معرض للزهور بالمغرب في عز الحرب.
الدارالبيضاء: 9 ماي 1915
بمناسبة افتتاح معرض للبستنة بالدارالبيضاء، الأول من نوعه، من تنظيم رئيس
المحكمة السيد روندي (Randet)، والذي يترأس في الآن نفسه «جمعية البستنة»،
حضرت إلى الدارالبيضاء، لأنها كانت أول تظاهرة لسياستنا الإقتصادية أثناء
الحرب، وكانت أيضا المناسبة الأولى لإعلان توجه وأسباب هذه السياسة
الإقتصادية. (وألقيت الكلمة التالية):
«السيد الرئيس،
كان طبيعيا وضروريا أن أستجيب لدعوتكم وأشكركم. فلم يكن ممكنا التغاضي عن
هذه المناسبة العزيزة على قلبي. لكنني أقوم بذلك بكل واجب التواضع، لأن
رغبتي كانت أن لا أشوش على الأثر الطيب الذي تركته فيكم الرسالة الجميلة
التي بعثها إليكم منذ ثمانية أيام السيد دوسانت ? أولير (de
Sainte-Aulaire) (1). لقد قال لكم ما يجب قوله، بتلك اللغة الشفيفة للغته
الفرنسية التي يحسن امتلاك ناصيتها ببراعة وإبداعية. ولا يمكنني الفكاك،
حين أنصت إليه في خشونة لغة اجتماعاتنا الحكومية، وأيضا أثناء المحادثات
الخاصة التي ينيرها بلغته الآسرة، أو حين أقرأه في التقارير التي يعدها حيث
خشونة الموضوع تعرض من قبله بلغة محببة جميلة، أن أوقن كم هو مفارق، حين
المقارنة بيننا، أن أوصف أنا بالأكاديمي (2).
إن ما انتبهت إليه، من ما قلتم، هو الإحساس الصادق الذي عبرتم من خلاله عن
معنى معرض البستنة هذا، السياسية. لقد قيل من زمان أن للحرب أمزجتها، وأنها
تعلي من لعبة خطيرة، مثل اليوم، حين يكون مصير أمم موضع مراهنة ومغامرة
ولعب. وهو لعب فعلا، بكل مخاطره ومجاهله وقلق التردد حول أي ورقة يجب لعبها
وأي ورقة يجب الإحتفاظ بها، لأن القلق آت من أن الورقة حين تنزل على
الطاولة لا تعود قط إلى اليد. وفي بداية شهر غشت، حين فتحت اللعبة الجديدة
بكل مخاطرها التراجيدية، كنا ثلة هنا، لها إحساس مشترك أن الورقة الحاسمة
التي رميت فوق الطاولة، بعيون مغمضة، هي: الثقة. وتوالي الأحداث أنصفنا،
بحكم، وبلغة اللاعبين دوما، أننا صمدنا. وإنه من خلال تقديم الدليل اليومي
على قوة اقتصاد فرنسا، وثقتنا غير المتزحزحة في نجاحه، وفي الإفتتاح
المتواتر لأوراش جديدة، وفي تعدد المناسبات السلمية والمبدعة المخصبة، قد
أردنا أن نجازي القوى الحية التي نرى من واجبنا أن نرسل معانيها المبهرة
إلى باريس.
إن لنا، جميعنا هنا، شرف أن نفرض روح الإبداع البناء ضدا على روح التدمير
والموت التي يسعى جاهدا أن يعممها على أروبا خصومنا. ومن بين كل تلك
الأشكال الإبداعية، أليس هناك أجمل وأنبل من معرضكم هذا؟
فبينما، منذ 10 أشهر، في شساعات عالمية عدة، لم تحرث الأرض البكر، واهبة
الحياة للناس، سوى بالقنابل، ولم تحفر فيها سوى المقابر، ولم تتلقى غير
بدور الموت، فإنها هنا لم تفتح أطرافها الخصبة سوى من أجل منح الأسباب
للحياة. ومن أسباب الحياة شق الطرق، التي هي الشريان الحاسم لتبادل المصالح
والإغتناء. وفي هذه الأرض تزرع الفواكه والخضراوات والقمح التي تشكل
الملاذ المنجي لفرنسا، لأنها تتلقى منها طوق نجاة غير منتظر. والورود
والأزهار المعروضة هنا، ستقدم رسالة عنا لمن هم ذاهبون هناك إلى الحرب،
وستقدم أيضا، أقوى معنى، للعائدين منها منتصرين.
عزيزي الرئيس،
من حقكم، أنتم والكولونيل تارغ (Targe) وكل مساعديكم، أن تكونوا فخورين
بمنجزكم هذا. إنه عنوان كامل للنجاح. وكنت فخورا أن أقدمها منذ يومين،
لحلفاءنا وأصدقاءنا، أثناء زيارة لسفينة حربية إنجليزية. وبطبيعة فكرهم
العملي، الذي يؤمن بالمنجزات لا الخطب، لم يخطؤوا معنى الرسالة، فقالوا لي
بمحبة: «هذه هي الطريقة المثلى فعلا، بذات الأناقة الفرنسية، لمعنى أن
تأخدوا المغرب بدلا من التجارة الألمانية».
ومن هو المؤهل للقيام بهذه المبادرة، العنوان عن الفرنسي النبيل، غيركم
أنتم السيد الرئيس، الحريص دوما على تذكيرنا بواجب المواطنة. ولأننا ألزمنا
بالبقاء هنا، من قبل باريس، فقد أدركتم وأدركنا، أنه علينا القيام بواجبنا
كما يجب، رغم قلة مساعدينا، بذات الروح التي كما لو أننا في ظروف عادية.
وبذلك نقوم بمهامنا ومهام آخرين دفعة واحدة. إن معرض البستنة هذا، الذي
أنجز بمبادرات نبيلة وبطاقات تعاضدت في ما بينها لإنجازه، قد تجاوز كل
الإنتظارات البكر لتنظيمه. وهو ليس سوى مقدمة عنوان. وأنه فتح لنا الباب،
وفي نجاحكم ما يشجعنا عاليا أن ننخرط في هذا التوجه بقوة. لأنه كما تعلمون،
نحلم قريبا أن نفتتح هنا بالدارالبيضاء، معرضا عاما ضخما لمواد التصدير
والإستيراد. وصدقوني هي خلية نحل حقيقية للعمل زرتها بفاس ومكناس وبالغرب،
حين عودتي من الجبهة. لقد سعدت عيناي بما تأملته بفرح من الممكنات والوعود
التي يقدمها هذا البلد الجميل، ومن قوة عمل ونشاط هذا الجنس من البشر،
الأذكياء والنشيطون (المغاربة) الذين هم في حاجة فقط للتوجيه. وهذا المعرض
المنتظر، سيكون التتويج للجهد المبدول يدا في يد، بين الأروبيين والمغاربة،
وسيكون ذلك هو عنوان امتناننا لباريس، أنها منحتنا الفرصة لتركيز حياتنا
الإقتصادية هنا، وأن نقدم لها في عز الحرب، الإمتنان البليغ النافذ، من
خلال ما يتم إنجازه من عمل مخصب ومنظم، الذي يتحقق بفضل جهدكم جميعا، وفي
خضم التقلبات. مما يسمح لنا بالإمتثال بيسر لواجبنا الأسمى بدون مقابل تجاه
أمنا فرنسا، لدعمها بالرجال والأسلحة والموارد.
* هامش:
* (1) كتب عنه ليوطي هامشا قائلا فيه: «هو مندوب الإقامة العامة، أي رجل
ثقتي الأكبر، والذي كان بالنسبة لي، منذ أول الحماية حتى مغادرته المغرب
سنة 1916 باتجاه بوخاريست (عاصمة رومانيا)، سندا ثمينا وفيا وذكيا.».
* (2) هنا تواضع السياسي النبيل، الذي يعلي حقيقة من قيمة الرجل. فليوطي
هنا يقدم درسا عن ثقافة سلوكية تعني كل مسؤول عمومي في أي موقع كان. وهو
الدرس الذي يمجد مكرمة وثقافة التواضع والإعتراف. ولعمري هذا أمر يعني
الكثيرين من مسؤولينا المغاربة اليوم، الذين لا يقيمون أدنى اعتبار
لمساعديهم، وينسبون لأنفسهم كل شئ، ويعتبرون باقي محيطهم الإداري خدما
لديهم، متجاهلين، كما قال من زمان الفيلسوف والأديب الفرنسي الشهير ديدرو:
«إن من يدعي معرفة كل شئ إنما يجهل حدود العقل البشري». وتمة مثل أمازيغي
مغربي قديم يعلمنا أنه «يحتاج العقل دوما عقلا آخر جنبه». وفي الكلمات
الطيبة التي تحدث بها ليوطي عن أحد أقرب مساعديه، درس سلوكي يترجم معدنه
كإنسان وكمسؤول سياسي.
26/7/2012
بمناسبة افتتاح معرض للبستنة بالدارالبيضاء، الأول من نوعه، من تنظيم رئيس
المحكمة السيد روندي (Randet)، والذي يترأس في الآن نفسه «جمعية البستنة»،
حضرت إلى الدارالبيضاء، لأنها كانت أول تظاهرة لسياستنا الإقتصادية أثناء
الحرب، وكانت أيضا المناسبة الأولى لإعلان توجه وأسباب هذه السياسة
الإقتصادية. (وألقيت الكلمة التالية):
«السيد الرئيس،
كان طبيعيا وضروريا أن أستجيب لدعوتكم وأشكركم. فلم يكن ممكنا التغاضي عن
هذه المناسبة العزيزة على قلبي. لكنني أقوم بذلك بكل واجب التواضع، لأن
رغبتي كانت أن لا أشوش على الأثر الطيب الذي تركته فيكم الرسالة الجميلة
التي بعثها إليكم منذ ثمانية أيام السيد دوسانت ? أولير (de
Sainte-Aulaire) (1). لقد قال لكم ما يجب قوله، بتلك اللغة الشفيفة للغته
الفرنسية التي يحسن امتلاك ناصيتها ببراعة وإبداعية. ولا يمكنني الفكاك،
حين أنصت إليه في خشونة لغة اجتماعاتنا الحكومية، وأيضا أثناء المحادثات
الخاصة التي ينيرها بلغته الآسرة، أو حين أقرأه في التقارير التي يعدها حيث
خشونة الموضوع تعرض من قبله بلغة محببة جميلة، أن أوقن كم هو مفارق، حين
المقارنة بيننا، أن أوصف أنا بالأكاديمي (2).
إن ما انتبهت إليه، من ما قلتم، هو الإحساس الصادق الذي عبرتم من خلاله عن
معنى معرض البستنة هذا، السياسية. لقد قيل من زمان أن للحرب أمزجتها، وأنها
تعلي من لعبة خطيرة، مثل اليوم، حين يكون مصير أمم موضع مراهنة ومغامرة
ولعب. وهو لعب فعلا، بكل مخاطره ومجاهله وقلق التردد حول أي ورقة يجب لعبها
وأي ورقة يجب الإحتفاظ بها، لأن القلق آت من أن الورقة حين تنزل على
الطاولة لا تعود قط إلى اليد. وفي بداية شهر غشت، حين فتحت اللعبة الجديدة
بكل مخاطرها التراجيدية، كنا ثلة هنا، لها إحساس مشترك أن الورقة الحاسمة
التي رميت فوق الطاولة، بعيون مغمضة، هي: الثقة. وتوالي الأحداث أنصفنا،
بحكم، وبلغة اللاعبين دوما، أننا صمدنا. وإنه من خلال تقديم الدليل اليومي
على قوة اقتصاد فرنسا، وثقتنا غير المتزحزحة في نجاحه، وفي الإفتتاح
المتواتر لأوراش جديدة، وفي تعدد المناسبات السلمية والمبدعة المخصبة، قد
أردنا أن نجازي القوى الحية التي نرى من واجبنا أن نرسل معانيها المبهرة
إلى باريس.
إن لنا، جميعنا هنا، شرف أن نفرض روح الإبداع البناء ضدا على روح التدمير
والموت التي يسعى جاهدا أن يعممها على أروبا خصومنا. ومن بين كل تلك
الأشكال الإبداعية، أليس هناك أجمل وأنبل من معرضكم هذا؟
فبينما، منذ 10 أشهر، في شساعات عالمية عدة، لم تحرث الأرض البكر، واهبة
الحياة للناس، سوى بالقنابل، ولم تحفر فيها سوى المقابر، ولم تتلقى غير
بدور الموت، فإنها هنا لم تفتح أطرافها الخصبة سوى من أجل منح الأسباب
للحياة. ومن أسباب الحياة شق الطرق، التي هي الشريان الحاسم لتبادل المصالح
والإغتناء. وفي هذه الأرض تزرع الفواكه والخضراوات والقمح التي تشكل
الملاذ المنجي لفرنسا، لأنها تتلقى منها طوق نجاة غير منتظر. والورود
والأزهار المعروضة هنا، ستقدم رسالة عنا لمن هم ذاهبون هناك إلى الحرب،
وستقدم أيضا، أقوى معنى، للعائدين منها منتصرين.
عزيزي الرئيس،
من حقكم، أنتم والكولونيل تارغ (Targe) وكل مساعديكم، أن تكونوا فخورين
بمنجزكم هذا. إنه عنوان كامل للنجاح. وكنت فخورا أن أقدمها منذ يومين،
لحلفاءنا وأصدقاءنا، أثناء زيارة لسفينة حربية إنجليزية. وبطبيعة فكرهم
العملي، الذي يؤمن بالمنجزات لا الخطب، لم يخطؤوا معنى الرسالة، فقالوا لي
بمحبة: «هذه هي الطريقة المثلى فعلا، بذات الأناقة الفرنسية، لمعنى أن
تأخدوا المغرب بدلا من التجارة الألمانية».
ومن هو المؤهل للقيام بهذه المبادرة، العنوان عن الفرنسي النبيل، غيركم
أنتم السيد الرئيس، الحريص دوما على تذكيرنا بواجب المواطنة. ولأننا ألزمنا
بالبقاء هنا، من قبل باريس، فقد أدركتم وأدركنا، أنه علينا القيام بواجبنا
كما يجب، رغم قلة مساعدينا، بذات الروح التي كما لو أننا في ظروف عادية.
وبذلك نقوم بمهامنا ومهام آخرين دفعة واحدة. إن معرض البستنة هذا، الذي
أنجز بمبادرات نبيلة وبطاقات تعاضدت في ما بينها لإنجازه، قد تجاوز كل
الإنتظارات البكر لتنظيمه. وهو ليس سوى مقدمة عنوان. وأنه فتح لنا الباب،
وفي نجاحكم ما يشجعنا عاليا أن ننخرط في هذا التوجه بقوة. لأنه كما تعلمون،
نحلم قريبا أن نفتتح هنا بالدارالبيضاء، معرضا عاما ضخما لمواد التصدير
والإستيراد. وصدقوني هي خلية نحل حقيقية للعمل زرتها بفاس ومكناس وبالغرب،
حين عودتي من الجبهة. لقد سعدت عيناي بما تأملته بفرح من الممكنات والوعود
التي يقدمها هذا البلد الجميل، ومن قوة عمل ونشاط هذا الجنس من البشر،
الأذكياء والنشيطون (المغاربة) الذين هم في حاجة فقط للتوجيه. وهذا المعرض
المنتظر، سيكون التتويج للجهد المبدول يدا في يد، بين الأروبيين والمغاربة،
وسيكون ذلك هو عنوان امتناننا لباريس، أنها منحتنا الفرصة لتركيز حياتنا
الإقتصادية هنا، وأن نقدم لها في عز الحرب، الإمتنان البليغ النافذ، من
خلال ما يتم إنجازه من عمل مخصب ومنظم، الذي يتحقق بفضل جهدكم جميعا، وفي
خضم التقلبات. مما يسمح لنا بالإمتثال بيسر لواجبنا الأسمى بدون مقابل تجاه
أمنا فرنسا، لدعمها بالرجال والأسلحة والموارد.
* هامش:
* (1) كتب عنه ليوطي هامشا قائلا فيه: «هو مندوب الإقامة العامة، أي رجل
ثقتي الأكبر، والذي كان بالنسبة لي، منذ أول الحماية حتى مغادرته المغرب
سنة 1916 باتجاه بوخاريست (عاصمة رومانيا)، سندا ثمينا وفيا وذكيا.».
* (2) هنا تواضع السياسي النبيل، الذي يعلي حقيقة من قيمة الرجل. فليوطي
هنا يقدم درسا عن ثقافة سلوكية تعني كل مسؤول عمومي في أي موقع كان. وهو
الدرس الذي يمجد مكرمة وثقافة التواضع والإعتراف. ولعمري هذا أمر يعني
الكثيرين من مسؤولينا المغاربة اليوم، الذين لا يقيمون أدنى اعتبار
لمساعديهم، وينسبون لأنفسهم كل شئ، ويعتبرون باقي محيطهم الإداري خدما
لديهم، متجاهلين، كما قال من زمان الفيلسوف والأديب الفرنسي الشهير ديدرو:
«إن من يدعي معرفة كل شئ إنما يجهل حدود العقل البشري». وتمة مثل أمازيغي
مغربي قديم يعلمنا أنه «يحتاج العقل دوما عقلا آخر جنبه». وفي الكلمات
الطيبة التي تحدث بها ليوطي عن أحد أقرب مساعديه، درس سلوكي يترجم معدنه
كإنسان وكمسؤول سياسي.
26/7/2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
شراسة المعركة في الأطلس هي نفس شراسة المعركة ضد ألمانيا
الدارالبيضاء: 6 يونيو 1915 دخلت إيطاليا الحرب، مما دفع الإيطاليين المقيمين بالمغرب، إلى التعبئة العامة، آخدين معهم آلاف الرجال. أخدوا الباخرة من الدارالبيضاء، حيث ألقيت فيهم، بعد كلمة قنصل إيطاليا، الكلمة التالية: (1) «أيها الجنود الإيطاليون، أنا أيضا، باسم فرنسا، أريد أن أتمنى لكم النصر والمجد في هذا النضال الذي سوف تلجونه إلى جوارنا، نحن الفرنسيين، وإلى جانب حلفائنا الإنجليز والروس والبلاجكة والصربيين والمونتينيغرو. إن أمثالي، قد تماهوا وتربوا على أسماء مثل باليسترو (Palestro)، وماجونتا (Magenta)، وسولفيرينو (Solférino) (2).. لقد عشنا في طفولتنا عودة الجيش الفرنسي منتصرا، رفقة الجيش الإيطالي وقد حرروا منطقة اللومباردي (هي إقليم يقع في أقصى الشمال الإيطالي وعاصمته هي مدينة ميلان ? م -). وقلوبنا تطير من النشوة والفرح والأمل، اليوم، حين نرى تلك الروح وتلك الأجواء الماجدة تعود إلينا مجددا الآن. إن شعوب الشمال، التي نحاربها اليوم، لا تحكي سوى بازدراء، عن ما تسميه غرقنا في الحلم بغزارة عاطفة. وهذا أمر نعتز به ونفخر، لأن هذه التعابير الخارجية هي الترجمان الأصدق لقلوبنا، لإيماننا في العدل والقيم، لشغفنا، أي كل ما يصنع في كلمة واحدة، روح الأمم. ونحن ندرك بيقين، أن أرواحنا اللاتينية الفرحة العاشقة، السخية بالعطاء، ستنتصر على التنظيمات الحاذقة وعلى الأرواح الباردة. إنني أحيي من الآن ذلك اليوم الذي ستعود فيه قواتنا، مثل الماضي، منتصرة غالبة. واليوم الأبهى في قلبي كما في قلوبكم، حين ستعود قواتكم إلى ترانت و ترييست (Trente et Trieste) (مدن إيطالية في الشمال باتجاه جبال الألب الديناريك باتجاه يوغوسلافيا القديمة ? م - )، كما تعود قواتنا إلى ميتز وستراسبورغ (مدن فرنسية على الحدود مع ألمانيا ? م - )، وكذا القوات البلجيكية إلى بروكسيل والقوات الروسية إلى بريسلو وكراكوفيك، بعد تحريرهم بولونيا. اليوم الذي ستعود فيه الحرية إلى الشعوب الشهيدة، الحرية التي ستحمل إليهم تحت راياتنا المنتصرة. عاشت إيطاليا، عاشت فرنسا..». الدارالبيضاء: 8 غشت 1915. قضيت شهر يوليوز في فرنسا، في باريس أولا، ثم على جبهة الحرب ثانيا. وبعد عودتي إلى المغرب بيوم، استعرضت القوات المتوجهة إلى فرنسا، و كتيبة مدفعية أخرى عادت من هناك، كان ذلك ترجمانا لتبادل القوات استمر على طول زمن الحرب. ولأنني كنت عائدا من جبهات القتال هناك، التي شاهدتها بأم عيني، فإن الدروس المستخلصة، مهم نقلها لهؤلاء وأولئك. فكانت هذه الكلمات الموجهة للضباط وضباط الصف المتجمعين أمامي، وكذا لقواتنا المحتلة. «أرحب بمن وصل منكم قادما من فرنسا، حيث حملوا هناك عاليا راية قواتنا من المغرب ومن شمال إفريقيا. وأتوجه بأماني لمن هم على طريق السفر، بعد أن أدوا دورهم بحنكة في تعزيز التواجد الفرنسي بالمغرب. من الزيارة التي قمت بها إلى الجبهة في فرنسا، عدت بيقين أن الفاتورة هنا وهناك تستحق ذات الإحترام وهي بذات المجد. لقد عدت بقين من فرنسا، أن الجميع هناك، أعضاء حكومة، كبار القادة، رفاق الجبهة، كلهم يقدمون التحية العالية للجهد الذي تبدله قواتنا هنا على الجبهات الأمازيغية وفي الشمال المغربي، وهم موقنون أنكم تواجهون نفس الخصم (لم يكن الأمر كذلك تماما، لكنه كان ضروريا مني قول ذلك). (3). بالتالي، ما عاد هناك مجال للتقليل من قيمة ومكانة من اضطرته الظروف للبقاء هنا لخدمة الواجب الوطني لفرنسا. فلا أحد هناك في باريس يفكر بهذه الطريقة. بل إن وزير الحرب قد حرص على أن يؤكد لي قبل عودتي إلى المغرب، على أن الجبهات واحدة، وحرر ذلك في رسالة ستصلكم قريبا، مثلما أنه قد قرر منحكم الحق في الحصول على وسام صليب الحرب. وأنا سعيد أن أقلدها هنا لم عادوا من فرنسا وقد استحقوه تماما، وكذا لمن استحقه من جنودنا في المغرب، مما يؤكد وحدة التضامن على الجبهتين. أنتم الذاهبون، سافروا بروح الثقة التي يمنحها النصر المرتجى، لتفوزوا بحقكم في المجد الذي حازته القوات المغربية هناك. وأنتم العائدون، أراهن عاليا عليكم لدعم الجهد المبدول هنا إلى آخر نفس، ضد المحاولات المتلاحقة والعنيدة لخصمنا الشرس (أي المقاومة الشعبية المغربية ? م - ). لقد أردت أن يكون أول وسام لصليب الحرب يقدم في المغرب أن أضعه على صدر الجنرال هنريس (Henrys)، الذي قدم أعمالا جليلة رسخت قدم فرنسا في هذه البلاد. والوثائق التي ستبقى، سوف تحكي للأجيال القادمة، كيف كانت آراؤه السديدة والملحاحة، الصادرة عن يقين إيمان بقضيته، هي التي حملتني على اتخاد القرارات البكر يوم وصولي هنا، والتي اعتبرها الكثيرون أنها قرارات مغامرة، لكن توالي الأيام أبان عن حكمتها ورجحانها. أما ثاني الأوسمة، فإنه سيقدم للقائد العسكري كرول (Croll) بخنيفرة، الذي كتب مع ثلة من رجاله وضباطه، واحدة من أجمل صفحات التاريخ العسكري بالمغرب (4). * هامش: * (1) ما يشير إليه هنا ليوطي من تواجد ضخم للإيطاليين بالمغرب، قدره بالآلاف من الرجال، يترجم في الواقع جانبا لم ننتبه له قط بما يكفي من البحث، يتعلق بالتواجد الإيطالي في المغرب. وهو تواجد قديم، يعود إلى قرون مجد جنوة الإيطالية. ونكاد مع تونس نشكل أكبر الموانئ وأكثر الشعوب التي لها علاقات اقتصادية قديمة جدا مع موانئ إيطاليا. مثلما أنه تعتبر المدارس الإيطالية من أقدم المدارس التي فتحت في المغرب، ولا يزال بعضها قائما إلى اليوم في الرباط والدارالبيضاء وفاس. مثلما أن علاقات المغرب مع مراسي صقلية والبندقية تعتبر قديمة إذا ما قورنت بغيرها من الموانئ الأروبية المتوسطية. وكان تواجد التجار الإيطاليين وعائلاتهم في المغرب قديما، خاصة في مدن طنجة، الجديدة وآسفي والصويرة وفاس، منذ القرن 15. وهذا مجال يغري بالكتابة حقا، مثله مثل التواجد الهولندي بالمغرب والتواجد الإنجليزي الأكبر والأهم والأقوى من بين كل الدول الأروبية، لأنه تواجد يمتد من الصحراء الغربية للمغرب، وأساسا من رأس جوبي وطرفاية والداخلة إلى فاس وكل الشمال المغربي مرورا بالصويرة وآنفا والجديدة وآسفي وأكادير والعرائش ومراكش. وعكس ما قد يتصور الكثيرون، فإن أهم أرشيف عن المغرب بوثائق نادرة، لا يوجد في فرنسا (الأرشيف المغربي بفرنسا حديث لا يتجاوز القرن ونصف القرن)، بل إنه في لندن، وفي أمستردام وفي برلين. وفي بريطانيا تمة مخطوطات وخزائن معلومات هائلة لا تقدر بثمن. وكل الأرقام الرسمية المسجلة في أرشيفات الخارجية البريطانية والخارجية الإسبانية والخارجية الهولندية، تؤكد أن حجم المعاملات التجارية الأروبية مع المغرب عبر موانئه المتعددة، على امتداد الأطلسي، هو على درجة هامة رقميا مقارنة مع باقي موانئ إفريقيا كلها، بما فيها ميناء الإسكندرية المصري، لأن المغرب كان البوابة الحاسمة صوب إفريقيا السوداء ومنطقة الساحل الغنية بالذهب والعاج ومعادن أخرى نفيسة. وأن تلك الأرقام، كانت تجعل بريطانيا دوما في المقدمة، تليها هولندة، التي أحيى المغرب معها مؤخرا الذكرى 400 لترسيم العلاقات الديبلوماسية بينهما بشكل لم ينقطع قط، ثم إسبانيا وإيطاليا وكانت فرنسا تحتل مراتب متأخرة. * (2) باليسترو، هي منطقة بإيطاليا اشتهرت دوما على أنها موقع استراتيجي حاسم في كل معارك روما الأروبية. ولقد شهدت واحدة من أشرس معارك الحرب العالمية الثانية. لكن، ما يشير إليه هنا ليوطي هو معركة 1859، يوم 31 ماي، حين انتصر تحالف فرنسا مع سردينيا، على النمساويين، وكانت تلك ثاني حرب استقلال لإيطاليا بعد الحرب الأولى ضد بسمارك الألماني. أما ماجونتا، فهي أيضا مدينة إيطالية، غير بعيدة عن مدينة ميلان، وبها انتصرت قوات ذات التحالف على النمساويين يوم 4 يونيو 1859. فيما سولفيرينو هي المنطقة الثالثة بإيطاليا التي هزمت فيها قوات ذلك التحالف الجيش النمساوي يوم 24 يونيو 1859. * (3) ما يقصده ليوطي هنا بمواجهة الأمازيغ والشمال المغربي، هو ثورة موحى وحمو الزياني بجبال الأطلس المتوسط، وكذا ثورة أهل الريف للشريف محمد أمزيان، التي سبقت ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي في ما بين 1920 و 1926. فهو يصفهم بذات الصفات القبيحة لأعداء فرنسا في أروبا. * (4) ما يقصده هنا ليوطي، هو النجاح أخيرا في احتلال مدينة خنيفرة بعد مقاومة شرسة لقوات موحى أوحمو الزياني. كان قائد العمليات هو الجنرال هنريس وقد جاءت القوات من ثلاث جهات، واحدة منها القادمة من الشمال من إيفران كانت تحت قيادة كرول. لكن الحقيقة أن موحى أوحمو سيلقن فرنسا درسا لم تنسه قط إلى اليوم، في معركة الهري الشهيرة، على بعد كلمترات قليلة من خنيفرة، حين هاجمته فجأة قوات فرنسية فجر يوم 12 نونبر 1914 بقيادة المقدم لافيردور، الذي جاء ب 1230 جنديا و 43 ضابطا، لكن قوات زيان بقيادة موحى أوحمو ستلتف عليهم وتقضي عليهم في معركة خالدة، وكانت خسائر فرنسا فيها هي: 33 ضابطا ضمنهم المقدم لافيردور، و 580 جنديا. فيما غنم الزيانيون 8 مدافع و 10 رشاشات وعددا كبيرا من البنادق والذخيرة. ولن تنتصر فرنسا على موحى أوحمو الزياني سوى سنة 1921، بعد أن سقط في معركة أزلاغ نتازمورت، يوم 27 مارس 1921 وهو طاعن في السن. | ||
27/7/2012 | ||
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
أول معرض تجاري ضخم بالدارالبيضاء سنة 1915
الحديث
عن الفنانين المغاربة طويل لا ينتهي ، فقد مكّنتني طبيعة عملي وطول إقامتي
في المغرب من التعرف على غالبيتهم العظمى من مسرحيين ومطربين منفردين أو
فرقا ? رجالا ونساء. ففي مطلع عام 1972 تعرفت على مجموعة من الشباب يحيون
حفلا فنيا بمناسبة انعقاد
مؤتمر نقابة الإتحاد المغربي للشغل بالدار البيضاء ، يغنون كلمات مختلفة
عما اعتدنا سماعه في الإذاعة المغربية ، وبنغمات وحركات مختلفة ، ويلبسون
ملا بس غريبة أيضا ، قيل لنا بأنهم مجموعة ( ناس الغيوان ) . فحرصت على أن
أتعرف عليهم وإقيم علاقة بهم ، مما استدعى ذهابي مرارا إلى الدار البيضاء
للإلتقاء بهم . وكانت معرفتي الأقوى بالأخ بوجميع الذي سبق له وأن تتلّمذ
على عمي أبونزار في ثانوية الأرميطاج وذهب إلى بيروت وعاش فترة من الزمن مع
الفدائيين الفلسطينيين ، وكان مثقفا وشاعرا تقدميا بالفطرة ، وكانت لي
علاقة متميزة مع الأخ العربي باطما المتعدد المواهب كتابة وتلحينا وعزفا ،
وصاحب صوت متميز، ومندفع في نقده للأوضاع السائدة ، وكانت كذلك مع الأخ
عمر السيد الودود المرح خريج معهد الكونسرفتوار كما قيل لي .
اقتربت كثيرا من المجموعة وعبرهم تعرفت على أعضاء الفرقة التي ظهرت بعدهم
بوقت وجيز( جيل جيلالة ) التي سبق وأن تعرفت على بعض أفرادها عندما كانوا
مسرحيين هواة في مراكش كمحمد الدرهم والطاهر الأصبهاني. وقد فكرت مع الأخ
خالد الجامعي وزوجته الأولى السيدة بديعة البراوي وشقيقته الدكتورة سكينة
بأن ندمج الفرقتين في فرقة واحدة ، ثم تخلّينا عن الفكرة لاستحالة تنفيذها .
ثم تعرّفت لاحقا على فرقة ( رعاة الصحراء ) وفرقة لمشاهب وفرقة تاكادا
وفرقة مسناوة ، وأشهد أنهم جميعا كانوا يناصرون القضية الفلسطينية ولا
يترددون في المساهمة التطوعية بأي حفل يكون مردوده لصالح القضية الفلسطينية
.
ذات ليلة من أواخر عام 1972 سمعت طرقا على باب شقتي ، ففتحت الباب لأفاجأ
بفرقة ناس الغيوان بالباب . دخلوا فاعتذرت لهم بأنني ليس عندي طعام أقدمه
لهم في هذه الساعة المتأخرة من الليل ، إضافة إلى أن زوجتي التي يمكنها
تدبّرالأمر موجودة في الدار البيضاء . فقال بوجميع : قدمنا حفلا في مسرح
محمد الخامس ، وعند خروجنا حاول بعض أصحاب المرسيدسات أن يأخذونا لإكمال
السهرة معهم ، فرفضنا وقلنا لهم أننا سنذهب عند واصف منصور لنشرب عنده
الشاي الأسود ونبيت عنده . فقمت وأحضرت لهم بعض البيجامات ، فلبس بوجميع
قميص بيجامتي ، ولكونه كان قصيرا بشكل ملحوظ ، فقد وصل القميص إلى قدميه ،
فحمله عمر السيد وبدأ يرقص بشكل كوميدي وهو يغني له ( وليدي وليدي ) . توجه
بوجميع نحو المكتبة الموجودة في الصالون ، وتناول ديوان الشاعر أحمد فؤاد
نجم ( يعيش أهل بلدي ) وقال أنه سيأخذه معه ، فرفضت أن أعطيه إياه لأنني
أحضرته معي من بيروت قبل مدة قصيرة ولم أقرأه بعد ، فطلب مني قلما وأوراقا ،
ولم ينم حتى نسخه كاملا .
أصرّت الفرقة قبل أن تخرج من البيت على أن أعطيهم بعض أشعاري ليغنّوها ، وكنت قد كتبت زجلا بالعامية المغربية أقول فيه
الله الله يا خويا والدرب طويل
الله الله يا خويا والحمل ثقيل
صبرك عالذل ما يزيدك غير مذلّه
واذا صبرتي عالظالم زاد تعلّى
وان كنت حرّ يا خويا شوف العلة
والطرف الفاسد نوض قطعوا لاش التعطيل
يا هذا بنادم يا حادر ديما راسك
الصبر تقاضى من صبرك هرّس كاسك . . . الخ
وقد أخذوا الكلمات وغنوها دون الإشارة إلى صاحب الكلمات ، بناء على طلبي .
في أواخر السبعينات أقامت جريدة لوبنيون لسان حزب الإستقلال الناطقة
بالفرنسية حفلا فنيا بسينما الملكي بالرباط يكون ريعه لصالح الثورة
الفلسطينية ، وشارك في الحفل فرقة ناس الغيوان وفرقة المشاهب وفرقة مسرح
البدوي وغيرها من الفرق والفنانين . وقبل رفع الستارة بدقائق جاء من يخبرنا
بأن إحدى الفرق تريد مبلغا من المال لقاء مساهمتها والا فإنها لن تشارك .
حاول الأخ باطما إقناعهم بالعدول عن موقفهم لكنهم أصرّوا عليه . فذهب
إليهم الفنان عبد القادر البدوي وقال لهم : بما أنني سأفتتح الحفل بمسرحيتي
، فسأرتجل في البداية كلمة سأقول فيها للجمهور أن الفرقة الفلانية رفضت
المشاركة إلا إذا تقاضت مبلغا كبيرا من المال . انقلب الموقف وهرع أعضاء
الفرقة يقبّلون يد الأخ البدوي ، راجين منه أن يسامحهم ويسمح لهم بالمشاركة
في الحفل .. فهم يعرفون أنهم إذا عرف الجمهور بما فعلوه سيسقطون إلى
الأبد. ولا يفوتني أن أذكر بأن فرقة الوفاء المراكشية بقيادة الفنانين عبد
الجبار الوزير ومحمد بلقاس ، قد نظّمت جولة فنية في المدن المغربية كان
ريعها لصالح الثورة الفلسطينية عام 1972 .
أما عن الفنانين المنفردين ، فقد دعيت لإلقاء محاضرة في قاعة المعهد البلدي
للموسيقى بمدينة القنيطرة ، وبعد إنتهاء المحاضرة طلب المنظّمون أن أزور
وإياهم مدير المعهد وهو أحد الفنانين المحترمين كبار السن . ذهبنا إلى
مكتبه فاستقبلنا بحفاوة ، وفاجأني بقوله أنه يقوم حاليا بتلحين قصيدة لأحد
الشهداء الفلسطينيين . وعندما طلبت منه إطلاعي على نص القصيدة ، فتح درج
مكتبه وأخرج نسخة من نشرة ( صوت الثورة ) التي كنا نصدرها في مكتب منظمة
التحرير الفلسطينية ، وعلى صفحتها الأخيرة قصيدة لي بعنوان ( زغرد يا رصاص
واخرس يا قلم )، وكنت قد كتبت في تقديمها أن هذا العنوان هو في الأساس
جملة قالها الشهيد مازن أبو غزالة قبل استشهاده في معركة طوباس عام 1968 ،
فالتبس على الفنان واعتبر أن القصيدة للشهيد مازن أبو غزالة ، دون أن ينتبه
لإسمي المكتوب في نهاية القصيدة .
وأتوقّف عند حكاية طريفة وقعت لي مع شيخ الفنانين المغاربة الأستاذ أحمد
البيضاوي ، الذي سعدت بالتعرف عليه ومجالسته مرات عديدة بالدار البيضاء
والرباط ، فاكتشفت أنه من كبار المثقفين وحفظة الشعر ، إضافة إلى ذكائه
وحضور بديهته وكونه عازف عود لا يشق له غبار وملحن مبدع تخصص في تلحين
القصائد . وذات يوم كنت بصحبة وفد فلسطيني نبحث عن عنوان أحد الأحزاب التي
لنا معها موعد ، وبحثنا عن العنوان في الشارع الذي أعطونا إسمه ، ولم نعثر
على العنوان . توجهت إلى مقهى في ذلك الشارع لأسأل عن عنوان الحزب فوجدت
الأستاذ أحمد البيضاوي جالسا مع بعض أصدقائه . سلّمت عليهم فسألني عما جاء
بي إلى هذا المقهى المنزوي ، فلما أخبرته قال لي وهو يصطنع الجدّية ( هذا
يدلّك كم هوهذا الحزب جماهيري جدا ) .
في عام 1972 تعرّضت شخصيا لحادثتين خطيرتين أحدهما في الصيف والأخرى في
الشتاء . ففي فصل الصيف أردت أن أمارس بعضا من الطقوس التي يمارسها عموم
الناس الذين هم في مثل سني ، أي الذهاب إلى البحر للإستمتاع بجوّه من سباحة
ومرح وحمّام شمس . ولما كان تحقيق ذلك ليس ممكنا إلا بأخذ إجازة كما يفعل
عموم الناس بسبب طريقة تفكيري في ذلك الزمن ، حيث كنت أعتقد أن كل دقائق
الزمن هي ملك للقضية ، وأن الذهاب إلى البحر أو محاولة الإستمتاع الشخصي هي
هدر للوقت ونكوص عن النضال . وقد احتجت لوقت وجهد كبيرين لإقناع نفسي بأن (
لبدني عليّ حق وأن لزوجتي عليّ حق ). وهكذا ذهبت رفقة زوجتي وأفراد من
عائلتها إلى منطقة غير مطروقة كثيرا على المحيط الأطلسي شمال مدينة
المحمدية عند إلتقاء الواد المالح بالمحيط ، وأخذنا معنا مأكولات ومشروبات
وما تستلزمه نزهة البحر .
لا أدّعي أنني أجيد السباحة ، فأنا رغم أنني ولدت في مدينة حيفا البحرية لم
أتعرّف على البحر إلا في المغرب ، حيث عشت حياتي السابقة في الضفة
الغربية لنهر الأردن التي لا بحر لها سوى البحر الميت ، الذي يستلقي الناس
على شاطئه أو فوق سطح مائه الذي لا يغرق أحد فيه بسبب كثافة مياهه التي
تزيد عشرة أضعاف عن كثافة مياه البحار الأخرى ، ومياهه مالحة جدا تجعل من
يغطس فيه لجهله بهذه المعلومة تحمرّعيناه وتتورّمان . وهكذا دخلت البحر
وصرت أرمي نفسي وسط المياه محركا يدي ورجلي كالأطفال دون أن أجرؤ على
الدخول إلى الأعماق .
وقد علمت لاحقا أن البحر في تلك المنطقة فيه دوّامات يسميها الناس ( خاتم )
تجذب الإنسان وتمنعه من الخروج من دائرتها وتشدّه إلى الأعماق . وقد وقعت
في واحدة من هذه الدوّامات في نفس الوقت الذي أصبت فيه بتشنّج عضلي في
رجلي ، ولما شعرت بالخطر بدأت أقفز في الماء وأصرخ طالبا النجدة ، دون أن
يتقدم أحد لنجدتي لظنهم أنني إنما ألعب ، حيث لم اكن بعيدا جدا عن
الشاطئ ، إلى أن لاحظ اثنان من الشبان تخبطي في الماء وقدّرا أنني لا أجيد
السباحة وأن الدوّامة تجرّني ، فجاءا وأمسكا بي وأخرجاني بعيدا عن بؤرة
الدوّامة .
دامت العملية كلها دقيقتين أو ثلاث فقط ، ولكنها كانت بالنسبة لي دهرا
طويلا ، شعرت خلالها بأنني سأموت لامحالة ، وبدأ شريط حياتي يمرّ في ذهني
بسرعة البرق بكامل تفاصيله . أحزنني جدا أنني عندما سأموت ويصل الخبر إلى
أهلي ويعلم والدي بأنني مت غرقا وأنا مستمتع بالبحر ، تصورته سيقول : كنا
نظنه مناضلا يكرّس حياته كلها للقضية ، فإذا به كان لاهيا مستمتعا ، مما
يعني أنني سأصغر في عين أبي وعائلتي ولن يحزنوا عليّ كثيرا وربما لن يتلقوا
العزاء بي . وأطرف من ذلك أنني وأنا أنزل إلى الأعماق ، كنت أحسّ وكأن
خاتم الزواج ينسلّ من إصبعي ، فأرفع أصابعي إلى الأعلى حتى لا ينزلق الخاتم
. المهم أن الأمر كله حدث دون أن تعرف زوجتي ومن معها بما حدث ، ذلك أنني
آثرت أن أسبح بعيدا عنهم حتى لا يضحكوا من كوني لا أجيد السباحة ، في
الوقت الذي يجيدها أطفالهم.
والحدث الثاني وقع في شهر ديسمبر / كانون أول ، وكان صهري الحاج الطيب
يومها قد عاد من الحج فذهبت زوجتي إلى الدار البيضاء على أن ألتحق بها مساء
بعد إنتهاء مأمورياتي . فقد كان عليّ أن أذهب إلى مطار الدار البيضاء
لإستقبال الأخ محمد المدني ( عضو اللجنة المركزية لحركة فتح لاحقا ) القادم
من دمشق في مهمة ، وكان يحمل معه شريطا سنمائيا للمنتج السوري مظهر
السبيعي والذي حضر للمغرب قبل أيام لتسويقه وكان إسم الفيلم ( ثلاث عمليات
في فلسطين ) . وقد أزعجني إصرار الأخ السبيعي على مرافقتي إلى المطار ، لأن
معنى ذلك أنني سأعود بهم إلى الرباط ، في حين أنني لو لم أحضره معي كنت
سآخذ الأخ المدني إلى أحد فنادق الدارالبيضاء ليبيت هناك أو أن يأخذ
القطار إلى الرباط ، وأذهب أنا عند أصهاري .
لم تكن الطريق الرابطة بين الدار البيضاء والمطار يومها اوتوستراد ، وكان
الجو ماطرا . إنزلقت بي سيارة الفولس فاغن التي ذكرتها كثيرا ، فانقلبت على
جنبها ولقوة الإرتطام عادت لتنقلب على ظهرها ، وبما أن سقفها محدودب فقد
انقلبت ثمان مرات حسبتها وأنا لا أكف عن ترديد ( الله يستر الله يحفظ ) ،
إلى أن ارتطمت السيارة بشجرة تين واستقرت . في الإرتطام الأخير إنقلع
الزجاج الخلفي للسيارة مع المطاط الذي يحيط به ، فقذفت السيارة الأخ
المدني خارجها ليقع على حجر سبب له جروحا وكدمات وآلاما فظيعة .
خرجنا من السيارة بشق الأنفس بمساعدة بعض الناس الذين هرعوا لنجدتنا ،وكانت
الدماء تغمرني وتسيل من وجهي ورأسي ، حيث تحطم الزجاج الجانبي للسيارة
وجرّحني . أما السيد السبيعي فنظرا لكونه قصيرا وسمينا ويجلس في الكرسي
الأمامي بشكل يملأ الكرسي تماما فلم يصب ولو بخدوش . جمعت أوراق السيارة
وحقيبة الأخ المدني والفيلم السينمائي وحملنا الناس بسياراتهم الخاصة إلى
مستعجلات مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء . تعرّف الأطباء والممرضون على
هوياتنا فاهتموا بنا كثيرا وبدأوا بتصويرنا بأشعة إكس ليعرفوا هل حدثت لنا
كسور أم لا . أصرّ الأخ السبيعي على أن يدخل غرفة التصوير أولا رغم عدم
إصابته ، وتبين أنني مصاب بجروح غير غائرة ، وأن الإصابة البليغة كانت للأخ
المدني الذي قرر الأطباء إبقاءه في المستشفى .
تسبب الحادث في تأخري عن الذهاب إلى بيت أصهاري ، فطلبت من أحد الممرضين
السماح لي باستخدام الهاتف للحديث مع زوجتي في بيت أهلها ، فأخبرتها بما
حدث وقلت لها أنني سليم تماما . تماسكت زوجتي ولم تخبر أحدا من إهلها بما
حدث ، وركبت سيارتها وجاءتني إلى المستشفى . دخلت البهو مهرولة حتى وصلت
أمامي وتفرّست في وجهي ووقفت بجانبي وهي صامتة دون أن تقول لي حتى ( الحمد
لله على السلامة ) ، ولكن وجهها كان شاحبا وعينيها زائغتان . وفي تلك
اللحظة وصل عمي أبونزار لابسا جلبابا فوق بيجامته ، رفقة زوجته ، وعيناه
محمرّتان من شدّة البكاء . وعندما رآني واقفا على قدمي ، تنهّد وقال الحمد
لله واتكأ على الحائط دون أن يسلم عليّ ، ثم اقترب مني وسألني : أين أبو
إياد ؟ فلما قلت له بأنه لم يحضر ، تنهّد ثانية وقال الحمد لله وعاد ليتكئ
ثانية على الحائط .
كان أحد أقارب زوجة عمي يركب سيارة أجرة تسير وراء سيارتنا وقت وقوع الحادث
وتعرّف عليها ، لكنه لم يتمكن من الوقوف ليتبين ما وقع ، ولما وصل إلى
بيتهم اتصل بزوجة عمي وقال لها بأن سيارتي قد انقلبت عشرين مرة ، وأن أحد
ركابها قد مات أما واصف فهو بين الحياة والموت . كان عمي يعلم أن الأخ
القائد أبو إياد سيحضر إلى المغرب ، فظن أنني ذهبت لإحضاره من المطار
وبالتالي فإنه هو الذي مات ، وأنني قد أكون مت أيضا .. ولذلك جاء وهو بهذه
الحالة .
وقد ذكّرني هذا الحادث بما وقع لي صيف عام 1962 عندما كنت رفقة شقيقتي
الطفلة غربية متوجهين بالحافلة من مخيم الفارعة إلى نابلس ، وانقلبت
الحافلة وسقطت في الوادي بعد اجتياز شلال وادي الباذان . كان ردّ فعلي
العفوي أن إحتضنت شقيقتي لأحميها بجسد ي ، وفعلا أصبت بالعديد من الكسور
والجروح وتلطّخت ملابسي بالدماء. نقلتنا سيارات المارّة إلى المستشفى
الوطني بنابلس حيث قدمت لنا الإسعافات وخيّطوا جروحنا بدون مخدر . وبالطبع
وصلت أخبار الحادث إلى أهالي المخيم الذين هرعوا إلى المستشفى ليطمئنوا على
ذويهم ، ووصلت الأخبار والدي الذي كان يعمل في نابلس ، فجاء مسرعا إلى
المستشفى ، ولما وصل إلى حيث نحن رأى شقيقتي واقفة سليمة تماما ورآني رغم
الضمادات واقفا على رجلي ، تقدم وقال لي جملة واحدة وعيونه زائغة : الحمد
لله على السلامة وأخذني وشقيقتي إلى المخيم . وفي الطريق قال لي كلاما فهمت
منه رغم الإعياء أنه يعتزّ بما فعلته أثناء الحادث حيث أخبره الناس أنني
أنقذت العديد من المصابين الذين ربما كانت ستسوء حالتهم لولاي ، ولم أكن
أتذكر لحظتها شيئا مما فعلته.
28 - 07 - 2012
عن الفنانين المغاربة طويل لا ينتهي ، فقد مكّنتني طبيعة عملي وطول إقامتي
في المغرب من التعرف على غالبيتهم العظمى من مسرحيين ومطربين منفردين أو
فرقا ? رجالا ونساء. ففي مطلع عام 1972 تعرفت على مجموعة من الشباب يحيون
حفلا فنيا بمناسبة انعقاد
مؤتمر نقابة الإتحاد المغربي للشغل بالدار البيضاء ، يغنون كلمات مختلفة
عما اعتدنا سماعه في الإذاعة المغربية ، وبنغمات وحركات مختلفة ، ويلبسون
ملا بس غريبة أيضا ، قيل لنا بأنهم مجموعة ( ناس الغيوان ) . فحرصت على أن
أتعرف عليهم وإقيم علاقة بهم ، مما استدعى ذهابي مرارا إلى الدار البيضاء
للإلتقاء بهم . وكانت معرفتي الأقوى بالأخ بوجميع الذي سبق له وأن تتلّمذ
على عمي أبونزار في ثانوية الأرميطاج وذهب إلى بيروت وعاش فترة من الزمن مع
الفدائيين الفلسطينيين ، وكان مثقفا وشاعرا تقدميا بالفطرة ، وكانت لي
علاقة متميزة مع الأخ العربي باطما المتعدد المواهب كتابة وتلحينا وعزفا ،
وصاحب صوت متميز، ومندفع في نقده للأوضاع السائدة ، وكانت كذلك مع الأخ
عمر السيد الودود المرح خريج معهد الكونسرفتوار كما قيل لي .
اقتربت كثيرا من المجموعة وعبرهم تعرفت على أعضاء الفرقة التي ظهرت بعدهم
بوقت وجيز( جيل جيلالة ) التي سبق وأن تعرفت على بعض أفرادها عندما كانوا
مسرحيين هواة في مراكش كمحمد الدرهم والطاهر الأصبهاني. وقد فكرت مع الأخ
خالد الجامعي وزوجته الأولى السيدة بديعة البراوي وشقيقته الدكتورة سكينة
بأن ندمج الفرقتين في فرقة واحدة ، ثم تخلّينا عن الفكرة لاستحالة تنفيذها .
ثم تعرّفت لاحقا على فرقة ( رعاة الصحراء ) وفرقة لمشاهب وفرقة تاكادا
وفرقة مسناوة ، وأشهد أنهم جميعا كانوا يناصرون القضية الفلسطينية ولا
يترددون في المساهمة التطوعية بأي حفل يكون مردوده لصالح القضية الفلسطينية
.
ذات ليلة من أواخر عام 1972 سمعت طرقا على باب شقتي ، ففتحت الباب لأفاجأ
بفرقة ناس الغيوان بالباب . دخلوا فاعتذرت لهم بأنني ليس عندي طعام أقدمه
لهم في هذه الساعة المتأخرة من الليل ، إضافة إلى أن زوجتي التي يمكنها
تدبّرالأمر موجودة في الدار البيضاء . فقال بوجميع : قدمنا حفلا في مسرح
محمد الخامس ، وعند خروجنا حاول بعض أصحاب المرسيدسات أن يأخذونا لإكمال
السهرة معهم ، فرفضنا وقلنا لهم أننا سنذهب عند واصف منصور لنشرب عنده
الشاي الأسود ونبيت عنده . فقمت وأحضرت لهم بعض البيجامات ، فلبس بوجميع
قميص بيجامتي ، ولكونه كان قصيرا بشكل ملحوظ ، فقد وصل القميص إلى قدميه ،
فحمله عمر السيد وبدأ يرقص بشكل كوميدي وهو يغني له ( وليدي وليدي ) . توجه
بوجميع نحو المكتبة الموجودة في الصالون ، وتناول ديوان الشاعر أحمد فؤاد
نجم ( يعيش أهل بلدي ) وقال أنه سيأخذه معه ، فرفضت أن أعطيه إياه لأنني
أحضرته معي من بيروت قبل مدة قصيرة ولم أقرأه بعد ، فطلب مني قلما وأوراقا ،
ولم ينم حتى نسخه كاملا .
أصرّت الفرقة قبل أن تخرج من البيت على أن أعطيهم بعض أشعاري ليغنّوها ، وكنت قد كتبت زجلا بالعامية المغربية أقول فيه
الله الله يا خويا والدرب طويل
الله الله يا خويا والحمل ثقيل
صبرك عالذل ما يزيدك غير مذلّه
واذا صبرتي عالظالم زاد تعلّى
وان كنت حرّ يا خويا شوف العلة
والطرف الفاسد نوض قطعوا لاش التعطيل
يا هذا بنادم يا حادر ديما راسك
الصبر تقاضى من صبرك هرّس كاسك . . . الخ
وقد أخذوا الكلمات وغنوها دون الإشارة إلى صاحب الكلمات ، بناء على طلبي .
في أواخر السبعينات أقامت جريدة لوبنيون لسان حزب الإستقلال الناطقة
بالفرنسية حفلا فنيا بسينما الملكي بالرباط يكون ريعه لصالح الثورة
الفلسطينية ، وشارك في الحفل فرقة ناس الغيوان وفرقة المشاهب وفرقة مسرح
البدوي وغيرها من الفرق والفنانين . وقبل رفع الستارة بدقائق جاء من يخبرنا
بأن إحدى الفرق تريد مبلغا من المال لقاء مساهمتها والا فإنها لن تشارك .
حاول الأخ باطما إقناعهم بالعدول عن موقفهم لكنهم أصرّوا عليه . فذهب
إليهم الفنان عبد القادر البدوي وقال لهم : بما أنني سأفتتح الحفل بمسرحيتي
، فسأرتجل في البداية كلمة سأقول فيها للجمهور أن الفرقة الفلانية رفضت
المشاركة إلا إذا تقاضت مبلغا كبيرا من المال . انقلب الموقف وهرع أعضاء
الفرقة يقبّلون يد الأخ البدوي ، راجين منه أن يسامحهم ويسمح لهم بالمشاركة
في الحفل .. فهم يعرفون أنهم إذا عرف الجمهور بما فعلوه سيسقطون إلى
الأبد. ولا يفوتني أن أذكر بأن فرقة الوفاء المراكشية بقيادة الفنانين عبد
الجبار الوزير ومحمد بلقاس ، قد نظّمت جولة فنية في المدن المغربية كان
ريعها لصالح الثورة الفلسطينية عام 1972 .
أما عن الفنانين المنفردين ، فقد دعيت لإلقاء محاضرة في قاعة المعهد البلدي
للموسيقى بمدينة القنيطرة ، وبعد إنتهاء المحاضرة طلب المنظّمون أن أزور
وإياهم مدير المعهد وهو أحد الفنانين المحترمين كبار السن . ذهبنا إلى
مكتبه فاستقبلنا بحفاوة ، وفاجأني بقوله أنه يقوم حاليا بتلحين قصيدة لأحد
الشهداء الفلسطينيين . وعندما طلبت منه إطلاعي على نص القصيدة ، فتح درج
مكتبه وأخرج نسخة من نشرة ( صوت الثورة ) التي كنا نصدرها في مكتب منظمة
التحرير الفلسطينية ، وعلى صفحتها الأخيرة قصيدة لي بعنوان ( زغرد يا رصاص
واخرس يا قلم )، وكنت قد كتبت في تقديمها أن هذا العنوان هو في الأساس
جملة قالها الشهيد مازن أبو غزالة قبل استشهاده في معركة طوباس عام 1968 ،
فالتبس على الفنان واعتبر أن القصيدة للشهيد مازن أبو غزالة ، دون أن ينتبه
لإسمي المكتوب في نهاية القصيدة .
وأتوقّف عند حكاية طريفة وقعت لي مع شيخ الفنانين المغاربة الأستاذ أحمد
البيضاوي ، الذي سعدت بالتعرف عليه ومجالسته مرات عديدة بالدار البيضاء
والرباط ، فاكتشفت أنه من كبار المثقفين وحفظة الشعر ، إضافة إلى ذكائه
وحضور بديهته وكونه عازف عود لا يشق له غبار وملحن مبدع تخصص في تلحين
القصائد . وذات يوم كنت بصحبة وفد فلسطيني نبحث عن عنوان أحد الأحزاب التي
لنا معها موعد ، وبحثنا عن العنوان في الشارع الذي أعطونا إسمه ، ولم نعثر
على العنوان . توجهت إلى مقهى في ذلك الشارع لأسأل عن عنوان الحزب فوجدت
الأستاذ أحمد البيضاوي جالسا مع بعض أصدقائه . سلّمت عليهم فسألني عما جاء
بي إلى هذا المقهى المنزوي ، فلما أخبرته قال لي وهو يصطنع الجدّية ( هذا
يدلّك كم هوهذا الحزب جماهيري جدا ) .
في عام 1972 تعرّضت شخصيا لحادثتين خطيرتين أحدهما في الصيف والأخرى في
الشتاء . ففي فصل الصيف أردت أن أمارس بعضا من الطقوس التي يمارسها عموم
الناس الذين هم في مثل سني ، أي الذهاب إلى البحر للإستمتاع بجوّه من سباحة
ومرح وحمّام شمس . ولما كان تحقيق ذلك ليس ممكنا إلا بأخذ إجازة كما يفعل
عموم الناس بسبب طريقة تفكيري في ذلك الزمن ، حيث كنت أعتقد أن كل دقائق
الزمن هي ملك للقضية ، وأن الذهاب إلى البحر أو محاولة الإستمتاع الشخصي هي
هدر للوقت ونكوص عن النضال . وقد احتجت لوقت وجهد كبيرين لإقناع نفسي بأن (
لبدني عليّ حق وأن لزوجتي عليّ حق ). وهكذا ذهبت رفقة زوجتي وأفراد من
عائلتها إلى منطقة غير مطروقة كثيرا على المحيط الأطلسي شمال مدينة
المحمدية عند إلتقاء الواد المالح بالمحيط ، وأخذنا معنا مأكولات ومشروبات
وما تستلزمه نزهة البحر .
لا أدّعي أنني أجيد السباحة ، فأنا رغم أنني ولدت في مدينة حيفا البحرية لم
أتعرّف على البحر إلا في المغرب ، حيث عشت حياتي السابقة في الضفة
الغربية لنهر الأردن التي لا بحر لها سوى البحر الميت ، الذي يستلقي الناس
على شاطئه أو فوق سطح مائه الذي لا يغرق أحد فيه بسبب كثافة مياهه التي
تزيد عشرة أضعاف عن كثافة مياه البحار الأخرى ، ومياهه مالحة جدا تجعل من
يغطس فيه لجهله بهذه المعلومة تحمرّعيناه وتتورّمان . وهكذا دخلت البحر
وصرت أرمي نفسي وسط المياه محركا يدي ورجلي كالأطفال دون أن أجرؤ على
الدخول إلى الأعماق .
وقد علمت لاحقا أن البحر في تلك المنطقة فيه دوّامات يسميها الناس ( خاتم )
تجذب الإنسان وتمنعه من الخروج من دائرتها وتشدّه إلى الأعماق . وقد وقعت
في واحدة من هذه الدوّامات في نفس الوقت الذي أصبت فيه بتشنّج عضلي في
رجلي ، ولما شعرت بالخطر بدأت أقفز في الماء وأصرخ طالبا النجدة ، دون أن
يتقدم أحد لنجدتي لظنهم أنني إنما ألعب ، حيث لم اكن بعيدا جدا عن
الشاطئ ، إلى أن لاحظ اثنان من الشبان تخبطي في الماء وقدّرا أنني لا أجيد
السباحة وأن الدوّامة تجرّني ، فجاءا وأمسكا بي وأخرجاني بعيدا عن بؤرة
الدوّامة .
دامت العملية كلها دقيقتين أو ثلاث فقط ، ولكنها كانت بالنسبة لي دهرا
طويلا ، شعرت خلالها بأنني سأموت لامحالة ، وبدأ شريط حياتي يمرّ في ذهني
بسرعة البرق بكامل تفاصيله . أحزنني جدا أنني عندما سأموت ويصل الخبر إلى
أهلي ويعلم والدي بأنني مت غرقا وأنا مستمتع بالبحر ، تصورته سيقول : كنا
نظنه مناضلا يكرّس حياته كلها للقضية ، فإذا به كان لاهيا مستمتعا ، مما
يعني أنني سأصغر في عين أبي وعائلتي ولن يحزنوا عليّ كثيرا وربما لن يتلقوا
العزاء بي . وأطرف من ذلك أنني وأنا أنزل إلى الأعماق ، كنت أحسّ وكأن
خاتم الزواج ينسلّ من إصبعي ، فأرفع أصابعي إلى الأعلى حتى لا ينزلق الخاتم
. المهم أن الأمر كله حدث دون أن تعرف زوجتي ومن معها بما حدث ، ذلك أنني
آثرت أن أسبح بعيدا عنهم حتى لا يضحكوا من كوني لا أجيد السباحة ، في
الوقت الذي يجيدها أطفالهم.
والحدث الثاني وقع في شهر ديسمبر / كانون أول ، وكان صهري الحاج الطيب
يومها قد عاد من الحج فذهبت زوجتي إلى الدار البيضاء على أن ألتحق بها مساء
بعد إنتهاء مأمورياتي . فقد كان عليّ أن أذهب إلى مطار الدار البيضاء
لإستقبال الأخ محمد المدني ( عضو اللجنة المركزية لحركة فتح لاحقا ) القادم
من دمشق في مهمة ، وكان يحمل معه شريطا سنمائيا للمنتج السوري مظهر
السبيعي والذي حضر للمغرب قبل أيام لتسويقه وكان إسم الفيلم ( ثلاث عمليات
في فلسطين ) . وقد أزعجني إصرار الأخ السبيعي على مرافقتي إلى المطار ، لأن
معنى ذلك أنني سأعود بهم إلى الرباط ، في حين أنني لو لم أحضره معي كنت
سآخذ الأخ المدني إلى أحد فنادق الدارالبيضاء ليبيت هناك أو أن يأخذ
القطار إلى الرباط ، وأذهب أنا عند أصهاري .
لم تكن الطريق الرابطة بين الدار البيضاء والمطار يومها اوتوستراد ، وكان
الجو ماطرا . إنزلقت بي سيارة الفولس فاغن التي ذكرتها كثيرا ، فانقلبت على
جنبها ولقوة الإرتطام عادت لتنقلب على ظهرها ، وبما أن سقفها محدودب فقد
انقلبت ثمان مرات حسبتها وأنا لا أكف عن ترديد ( الله يستر الله يحفظ ) ،
إلى أن ارتطمت السيارة بشجرة تين واستقرت . في الإرتطام الأخير إنقلع
الزجاج الخلفي للسيارة مع المطاط الذي يحيط به ، فقذفت السيارة الأخ
المدني خارجها ليقع على حجر سبب له جروحا وكدمات وآلاما فظيعة .
خرجنا من السيارة بشق الأنفس بمساعدة بعض الناس الذين هرعوا لنجدتنا ،وكانت
الدماء تغمرني وتسيل من وجهي ورأسي ، حيث تحطم الزجاج الجانبي للسيارة
وجرّحني . أما السيد السبيعي فنظرا لكونه قصيرا وسمينا ويجلس في الكرسي
الأمامي بشكل يملأ الكرسي تماما فلم يصب ولو بخدوش . جمعت أوراق السيارة
وحقيبة الأخ المدني والفيلم السينمائي وحملنا الناس بسياراتهم الخاصة إلى
مستعجلات مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء . تعرّف الأطباء والممرضون على
هوياتنا فاهتموا بنا كثيرا وبدأوا بتصويرنا بأشعة إكس ليعرفوا هل حدثت لنا
كسور أم لا . أصرّ الأخ السبيعي على أن يدخل غرفة التصوير أولا رغم عدم
إصابته ، وتبين أنني مصاب بجروح غير غائرة ، وأن الإصابة البليغة كانت للأخ
المدني الذي قرر الأطباء إبقاءه في المستشفى .
تسبب الحادث في تأخري عن الذهاب إلى بيت أصهاري ، فطلبت من أحد الممرضين
السماح لي باستخدام الهاتف للحديث مع زوجتي في بيت أهلها ، فأخبرتها بما
حدث وقلت لها أنني سليم تماما . تماسكت زوجتي ولم تخبر أحدا من إهلها بما
حدث ، وركبت سيارتها وجاءتني إلى المستشفى . دخلت البهو مهرولة حتى وصلت
أمامي وتفرّست في وجهي ووقفت بجانبي وهي صامتة دون أن تقول لي حتى ( الحمد
لله على السلامة ) ، ولكن وجهها كان شاحبا وعينيها زائغتان . وفي تلك
اللحظة وصل عمي أبونزار لابسا جلبابا فوق بيجامته ، رفقة زوجته ، وعيناه
محمرّتان من شدّة البكاء . وعندما رآني واقفا على قدمي ، تنهّد وقال الحمد
لله واتكأ على الحائط دون أن يسلم عليّ ، ثم اقترب مني وسألني : أين أبو
إياد ؟ فلما قلت له بأنه لم يحضر ، تنهّد ثانية وقال الحمد لله وعاد ليتكئ
ثانية على الحائط .
كان أحد أقارب زوجة عمي يركب سيارة أجرة تسير وراء سيارتنا وقت وقوع الحادث
وتعرّف عليها ، لكنه لم يتمكن من الوقوف ليتبين ما وقع ، ولما وصل إلى
بيتهم اتصل بزوجة عمي وقال لها بأن سيارتي قد انقلبت عشرين مرة ، وأن أحد
ركابها قد مات أما واصف فهو بين الحياة والموت . كان عمي يعلم أن الأخ
القائد أبو إياد سيحضر إلى المغرب ، فظن أنني ذهبت لإحضاره من المطار
وبالتالي فإنه هو الذي مات ، وأنني قد أكون مت أيضا .. ولذلك جاء وهو بهذه
الحالة .
وقد ذكّرني هذا الحادث بما وقع لي صيف عام 1962 عندما كنت رفقة شقيقتي
الطفلة غربية متوجهين بالحافلة من مخيم الفارعة إلى نابلس ، وانقلبت
الحافلة وسقطت في الوادي بعد اجتياز شلال وادي الباذان . كان ردّ فعلي
العفوي أن إحتضنت شقيقتي لأحميها بجسد ي ، وفعلا أصبت بالعديد من الكسور
والجروح وتلطّخت ملابسي بالدماء. نقلتنا سيارات المارّة إلى المستشفى
الوطني بنابلس حيث قدمت لنا الإسعافات وخيّطوا جروحنا بدون مخدر . وبالطبع
وصلت أخبار الحادث إلى أهالي المخيم الذين هرعوا إلى المستشفى ليطمئنوا على
ذويهم ، ووصلت الأخبار والدي الذي كان يعمل في نابلس ، فجاء مسرعا إلى
المستشفى ، ولما وصل إلى حيث نحن رأى شقيقتي واقفة سليمة تماما ورآني رغم
الضمادات واقفا على رجلي ، تقدم وقال لي جملة واحدة وعيونه زائغة : الحمد
لله على السلامة وأخذني وشقيقتي إلى المخيم . وفي الطريق قال لي كلاما فهمت
منه رغم الإعياء أنه يعتزّ بما فعلته أثناء الحادث حيث أخبره الناس أنني
أنقذت العديد من المصابين الذين ربما كانت ستسوء حالتهم لولاي ، ولم أكن
أتذكر لحظتها شيئا مما فعلته.
28 - 07 - 2012
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رد: مذكرات الماريشال ليوطي عن المغرب 1926-1912
شكرا على الموضوع
لدي سؤال:هل زار ليوطي الزواقين؟
لدي سؤال:هل زار ليوطي الزواقين؟
القط الاسود- عدد الرسائل : 121
العمر : 87
Localisation : الزواقين
تاريخ التسجيل : 21/09/2011
رد: مذكرات الماريشال ليوطي عن المغرب 1926-1912
لم أسمع في حياتي أن ليوطي زار الزواقين أو ما جاورها.
المخلوطي- عدد الرسائل : 376
العمر : 59
Localisation : Salé
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» TIRAILLEURS MAROCAINS 1912 - 1927
» صفحات من تاريخ المغرب الحديث من خلال Le Petit journal illustré
» مائوية الرباط عاصمة مُلك
» كتاب " في زمن المحلات او المغرب من 1860 الى 1912"
» المغرب المنقرض / والتر هاريس
» صفحات من تاريخ المغرب الحديث من خلال Le Petit journal illustré
» مائوية الرباط عاصمة مُلك
» كتاب " في زمن المحلات او المغرب من 1860 الى 1912"
» المغرب المنقرض / والتر هاريس
صفحة 1 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى