قصص في أمثال الجزء الأخير
صفحة 1 من اصل 1
19052014
قصص في أمثال الجزء الأخير
= جا يكحلها عماها ..
وعي حميدة على الوساطة التي اعتادتها أسرته في شؤونها وكان يسمع دائما من والديه جملا تدل على خجلهما وضعف جرأتهما حين يقولان لأصدقائهما وصديقاتهما ..
الأم : أرجوك اتصلي بفلانة لتقرضني كذا
الأب : أتمنى أن تلتقي فلان ليتوسط لي عند صاحب الدكان
الأم : أطلب منك خدمة لن أنساها طول العمر ..
الأب : حاول أن تلين وضعيتي وتساندني عند الرئيس
تأثر حميدة بهذه الوضعية فظن أن الوصول للمبتغى يكون بالوساطة ..
حميدة : لماذا تنجز أغراضك بالوساطة ؟!
الأب : لأني أخشى أن أهان أو أطرد عند الطلب ..
الأم : وأنا كذلك , لا أريد أن أذوب أمام الرافض المهين لأمس حاجة أعتمد عليها
حميدة : أراكما في هذه الحالة غير مستعدين لطلب يد الفتاة التي سأتزوجها
الأب : أعرف أسرة الفتاة ولكني أخشى أن نفشل فتلومنا
حميدة : لماذا ؟؟
الأم : سأشرح لك ما تعرفه النساء , ربما نرفض مطالبهما وربما سيرفض والداها مطالبنا فتلومنا لأننا كسرنا أملك
حميدة : ومن قال لكما أني أخاف من تدخلاتكما ؟!
الأب : اسمع , اتفق مع البنت على كل ما يحتاجه زفافك لنتسلح ونخابر والديها
حميدة : حسنا , وهل سيوافقان على خاتم ذهب وسلسلة وصداق لا يفوق المليون فرنك ؟؟!!
الأم : أنت وشطارتك , هات الموافقة أولا لنناقش الصداق وربما ننجح لتقليص مبلغه
حميدة : سأبذل مجهودا لأنال رضاهم ..
وفي كل يوم يسأل عن المهمة يجيب ويسوفها إلى أجل آخر ..احتار حميدة ..طرق بابا قريبا من درب فتاته , ولج منزل صديقه ..
حميدة : جئتك لأفرغ قلبي وأفش غلي
الصديق : السلامة أخي , أراك حزينا ..
حكى حميدة ما دار بينه وبين والديه ..وأشار إلى عجزه في الاتصال بأهل البنت ..
حميدة : لقد وقعت في مطبه ..واحترت في حل ينهي التردد ..
الصديق : القضية سهلة , والحل موجود
حميدة : آتني به ..ولن أنسى فضلك
الصديق : لوالدي علاقة طيبة ومتينة مع نسيبك , فإن أردت سأرافقهما لنعرف الرد الذي تتمناه
عانقه والفرح يرعش جسده ..أخبر والديه ..
الأب : فوضت أمرك لصديقك ولم تزوده بقيمة الصداق وشروط الزواج
حميدة : أنا أثق في صديقي لأنه وضع نفسه مكاني كخاطب
الأم : هل أنت متيقن من أفكار صديقك ..
وبعد زيارة والدي الفتاة ..
حميدة : ما النتيجة يا أخي ؟؟!
الصديق : التقيت بوالدي الفتاة
حميدة : وهل حضر والداك ؟
الصديق : لا ..كانا مسافرين !
حميدة : وما النتيجة ؟
الصديق : طلبا مليونين في الصداق واثنان من كل هدية وخاتم زواج وسلسلة ودملج عريض وثقيل وحلقات للأذنين وبقرة حميدة : وهل وافقت ؟!
الصديق : نعم , لأنها تستحق أكثر
حميدة : أنت تعرف وضعيتي المادية
الصديق : لم توصيني بما تريد منهم
حميدة : المهم , كحلتيها فضاع الزواج ..
19 = الجزار يتعشى باللفت ..
فتح حميدة متجرا لبيع اللحوم في آخر ناصية للشارع القريب من سكناه , تزوج بامرأة في غاية الصبر وتحمل عادات الزوج البخيل ..أنجبت لحميدة أطفالا ذكورا وإناثا , واستمر في عادة تمقتها زوجته وهي تناوله طعام الغذاء في متجره حيث يأكل ما لذ من اللحم ويطلب من زوجته أن ترسل له سلاطة وفواكه ليكمل متعة بطنه , في حين تطبخ زوجته الخضر ب (الكرشة ) والشحم أو بدون أثر لمعاني ( تجزارت ) إنها زوجة جزار تتعشى باللفت ..كظاهرة عند البخلاء الذين أنعم عليهم الرب بالرزق ..وهكذا دامت حياة زوجة ضائعة ترى أولادها في هزال واصفرار ..زارها أخوها ..
الزوجة : مرحبا بك أخي
الأخ : كيف حالك ؟
الزوجة : أعيش العذاب مع جزار أهلكني وضيع أبنائي
الأخ : لا عليك , تمسكي بالصبر , سيكبر الأولاد ويعوضوك بأحسن ما تمنيت من الجزار الخبيث
الزوجة : لن أعيش معه بعد اليوم !
الأخ : لماذا ؟
الزوجة : بعت الذهب وما ورثت عن أمي ليسدد الجزار ضرائبه والذعيرة وما فسد من لحومه التي تخلص منها
الأخ : لقد ضيعك واعتدى عليك ولكن اصبري , فربما سيتغير
الزوجة : لن يبدل حاله وأصله ..يتعشى معنا فيشرب الحساء والبصارة والشاي والزيتون لنتغذى نحن باللفت , لن أعاشره بعد اليوم ..
الأخ : سأكلمه , وأمهليه شهورا ليراجع دوره ..
الزوجة : حسنا ..أخبرني بنتيجة اللقاء
ترك الأخ الجزار غاضبا ولم يعد ليخبر أخته , وفي الغد توصلت الزوجة بالطلاق ..تزوج حميدة بامرأة كانت زبونة وفية للمتجر , وبقي على عاداته حيث يتغذى في متجره , استغلت الزوجة الجديدة هذه الخصلة لتتناول طعام الغذاء عند أمها الأرملة ذات راتب من صندوق التقاعد , وجمعت أموالا من صاحب اللفت لتشتري ما يحلو لها وتخفي المال والذهب عند أمها ..
20 = اندى يصدي الحديد ..
أعجبه النضال , واهتزت عواطفه مع الهتافات وصفق للحماسة وخطب المعارضة , لذلك انخرط حميدة في صفوف حزب اشتراكي , أحس أنهم في تحديهم للدولة وسخونة مطالبهم حديد لا يذوب ولا ينصهر لأنه حديد معنوي وسياسي , اتبع حميدة دور لا ..وغضب على يمين يعاكس مطالب الجماهير ولا يسمع صوت المضربين والمحتجين والواقفين على أبواب الصرف والتمرير ..أخلص ..وواظب ..وحضر الاجتماعات والتجمعات في الساحات ..لم يندم حميدة على دوره رغم معاناته المادية والاجتماعية لأنه شاهد فلولا مثله تتحمل كل شيء لتحقيق رغبات الشعب ..
بدأت الحملات الانتخابية وشارك حميدة في الدعاية ليوصل بالفم قيم المرشح الاشتراكي ..ولما حان موعد حضور المرشح للمقر كي يشرح مواقف الحزب وإيديولوجيته , هب وفد من المناضلين المسيرين للحملة ليلتقي بالمرشح قبل اقترابه من المقر , وصل المحبوب وهو يركب سيارة فاخرة لن يركبها البلوريتاريون في حياته مهما طالت ..طلب منه الوفد أن يترك السيارة بعيدا , ثم غيروا لباسه ونوع سجائره ( من سيجار إلى ( كازاسبور ) , خطب في الجمع ولاحظوا تواضع فصوتوا عليه لينجح ..
ندم حميدة لأنه صوت على من أدخل مواطنين للسجن وسبب لهم الطرد من أعمالهم , تمتع الاشتراكي الحديدي بالمناصب وتوسط لأبنائه ..نسي من صوتوا عليه , فأصبح صوت حميدة في صندوق مركون داخل العمالة وعلى صفحات دفتر أذبله زمن النسيان ..حينها عرف حميدة أن الكثير ممن يدعون أنهم حديد السياسة سينزل عليهم الندى ليصدأ أسلوبهم ويتفتت حديدهم إلى جزيئات لا عودة لها للنضال الديمقراطي ..
تعلم حميدة شيئا واحد من الأخلاق السياسية في البلدان النامية , هو أن النضال لا يتحمل فتن الدنيا كما قالها أحد الأعضاء ( هل يمكن لأي كان أن يرى نهر العسل يمر أمامه دون أن يلحس منه أصبعا ) ...
21 = ضرب الحديد من حدو سخون ..
تجول حميدة كالعادة في الشوارع الراقية , نظافة وهدوء , ومدينته تنعم بنصفين متناقضين من حيث التركيب المادي والعناية ..اقترب من المقاهي وجال بعينيه ليختار واحدة , لكنه سمع اسمه من نداء غير بعيد , التفت ليشاهد صديقه الحميم , اتجه نحوه فجالسه ثم طلب كأس قهوة ..
الرايس : مرحبا
حميدة : صدفة سعيدة
الرايس : ما الذي أتى بك إلى الرقي ؟؟!
حميدة : هدفنا الآن موحد لأننا هربنا من التكدس والضوضاء
الرايس : يا لطيف , أسكن دربا لا نرتاح فيه ولا ننام ..الأطفال يلعبون ليل نهار والسيارات لا تحترم السكان بسبب منبهاتها ..
حميدة : لا بأس , المهم عند البسطاء سكن ولو كان في علبة
ويظهر رجل يعرف حميدة وعائلته وهو ابن المنطقة ..
حميدة : وعليك السلام , تفضل
الرجل : شكرا , كيف حال والدك ؟
حميدة : بخير , لكن سنه يعذبه قليلا
الرجل : اصبر فالشيخوخة جزء من الحياة ..من هذا الأخ ؟
حميدة : صديقي الرايس موظف في القطاع الخاص
الرجل : متشرفين ..أنا في قطاع حر أتولى شؤوني بنفسي
الصديق : المهم هو الثقة
الرجل : معلوم إنها محرك الأرزاق وضامنة الاستمرار
حميدة : أنا أحترمك لأنك تعرفني جيدا ولك علاقة طيبة مع أسرتي
الرجل : شكرا ..بالمناسبة , هل لديك شيك بنكي ؟
حميدة : نعم !
الرجل : أنا لا أملك دفتر الشيكات ..
حميدة : ولم هذا السؤال ؟
الرجل : أريد أن تدون سبعة ملايين سنتيم , لأشتري سلعا من العيون وأدفع مقابلها الشيك ليصرف يوم الاثنين ونحن في يوم الخميس ..
حميدة : لا أملك في حسابي سوى مليونين فقط
الرجل : لا عليك , اسمع جيدا لكي لا تخاف من العملية , سأسافر الجمعة إلى مدينة لعيون , لأسلم الشيك لتاجر تعاملت معه كثيرا وأتفق على أنواع السلع ويوم تسليمها لشاحنات تاجر من مدينة (...) وسأسافر إلى هذه المدينة لأتسلم ثمن البيع ثم أودعه يوم الاثنين على الساعة التاسعة بعد افتتاح شبابيك البنك , وهكذا سيجد التاجر في مدينة لعيون ثمن سلعه
حميدة : طريقة معقدة وخطيرة , أنا لا أستطيع المغامرة ووضع الشيك فيما لا تحمد عقباه
الرجل : أتخاف مني ؟
الرايس : اضرب الحديد من حدو سخون !
حميدة : وإن حرقني , ما العمل ؟!
الرايس : لا جبن أمام مغامرة مادية , المال كالريح تغيب وتحضر حسب هواها
حميدة : لم أسمع هذا المثل في حياتي
الرايس : أنا سمعته من والدي قبيل خطوبة الأخت
حميدة : احك لنا هذه الضربة !
الرايس : نحن الآن أمام ضربة الرجل , لتنهي الموافقة
حميدة : لن أوافق
الرايس : ما رأيك سيدي أن أسلمك شيكا لأشارك في الصفقة
الرجل : أهلا وسهلا , يعجبني الرجل الشجاع الذي لا يعبد المال ويعتبره سيلا
مد الرايس شيكا للرجل بنفس المبلغ الذي طلبه ..سافر صاحب الصفقة صباح الجمعة إلى لعيون فاتفقا , تم كل شيء بخير ليرحل عبر الطائرة إلى مدينة ( ...) حصل على مبلغ السلعة نقدا ووعده التاجر أن يرسل شاحنته إلى لعيون ..بات الرجل ليلة السبت يتمتع بجمال المدينة وتجول في شوارعها الأحد ثم عاد إلى الفندق لينام مرتاح البال وقد أنجز ربحا لا بأس به وصباح الجمعة استيقظ نشطا ترقصه فرحة الإنجاز , تناول فطوره بلذة , اتجه إلى البنك أودع المبلغ في حساب الرايس ..التقى الثلاثة ..
الرجل : هل تحققت من حسابك ؟
الرايس : نعم , سررت بالمليون ونصف ..
الرجل : نصيبك من الربح
الرايس : شكرا , إنك رجل وفي
حميدة : لقد أخطأت ولم أفهم قصة الحديد من حدو سخون ..مثل جيد ربحت المال بسببه
الرجل : انتظر سخونة حديد آخر
الرايس : الفرص قليلة وليست نادرة
حميدة : أوه ..يا أسفاه ..متى أجد حديدي ؟؟
الرجل : انتظر !..
ضاعت على حميدة المناسب ..وبعد شهور لم ينس المثل اضرب الحديد من حدو سخون ..علق في ذهنه كقرصه تؤلم الخوافين ..انتهت السنة وكلما لقي الرايس لاحت بلادته وكلما لقي الرجل أحس جبنا ضيعه ...
سمع حميدة طرقا على باب منزله ..فتحه ليقابل صاحبه ..
الصاحب : السلام ..هيا رافقني لأحدثك
حميدة : حاضر
الصاحب : سأسافر الأسبوع المقبل إلى فرنسا ولدي مشروع هناك لأنجزه
حميدة : وما شأني أنا ؟؟!
الصاحب : أريد منك أن تشارك بنصيب فيه ..لقد بحثت عن نصيب لهذه الفرصة فلم أجد أحدا , فمن عرضت عليه المشروع شكا أزمته ..
حميدة : كم تريد ؟
الصاحب : مليونين
حميدة : جئت والحديد سخون ..
الصاحب : لم أفهم
حميدة : لك المبلغ لكن كيف أضمنه ؟
الصاحب : لا تخف سنسجل الشراكة في القيادة
حميدة : حسنا ..غدا سأسلمك المبلغ ..
سافر الصاحب وأنجز مشروعه وهو عبارة عن مطعم للأكلات المغربية ..نجح المشروع وفي كل مرة يتوصل حميدة بقسط من الربح ..
حميدة : صدق المثل , اضرب الحديد من حدو سخون
الرايس : فهمته بعد لقنتك الفرصة الضائعة درسا
حميدة : الثقة أنواع
ابتسم الرايس ..
22 = سبق الفرح بليلة ...
ركب حميدة قطار السابعة والنصف صباحا متجها نحو الرباط ليتصل بالوزارة ويسأل عن ( الرابيل ) ..
حميدة : أين مكتب الحوالات من فضلك
الشاوش : هناك حيث ستجد طابورا من المنتظرين ..
اصطف كالعباد , ولما حان دوره دخل مكتب موظف يتنقل بين الطلب والفيشات .
حميدة : سيدي أريد معرفة متى سأتوصل بالرابيل
الموظف : ما رقمك المالي ؟؟
حميدة : رقمي ( ...)
أخرج الموظف فيشا ترهل بسبب الاستعمال ومخلفات يد الموظف ومن سبقوه في المكتب , قرأ ما سجل فتمتم
الموظف : هنيئا أخي سيحول رابيلك إلى مانضا الشهر المقبل
حميدة : شكرا وما مقداره ؟!
الموظف : تقريبا مليون سنتيم
سعد واستغرب , وتجول في شارع الرباط آتيا من الوزارة وسائرا بخطى تهتز فرحا إلى إحدى المقاهي لينتظر موعد قطار العودة , رأى فيلما لممثل يعجبه وسيعرض في سينما الرونيسانس , اضطر أن يشاهده ويؤخر عودته إلى ما بعد نهاية الفيلم ..فتحت نشوة المال القادم شهيته الضائعة منذ مدة , فاقترض واشترى ما اشتاقت إليه نفسه وما اشتاق لزوجته وأولاده .
أزف آخر الشهر , مسك الحوالة بين يديه المرتعشتين وهو يحملق في أرقام اعتادها ولا تدل على قيمة الحلم الذي أيقض مضجعه طوال الشهر ..عاد إلى الرباط ليستفسر حرمانه من الرابيل ..وفي مكتب الموظف ..
حميدة : لم أتوصل بالرابيل سيدي ..
الموظف : آسف , لقد أخطأت حين تفحصت فيش حمادة بدل حميدة
حميدة : والآن , متى أتوصل بالرابيل وما مقداره ؟؟!
الموظف : سيرسل في الشهر القادم ومبلغه حوالي مائتي ألف سنتيم
حميدة : ظننت أنه مليون سنتيم !
الموظف : حمادة في درجة أرقى منك
حميدة : أشكرك
لقد خسر حميدة أموالا تفوق الرابيل الذي سيتوصل به , لأن الخيال سبق الواقع ..
23 = عضة من فكرون ولا يفلت ..
يتهافت المواطنون على الأحزاب المتشابهة في الخضوع والمتفاوتة في النضال والمطالب , رأى حميدة نفسه وحيدا وبلا هواية تشغله أو هدف يدافع عنه , لذلك انخرط في حزب كباقي بعض الأصدقاء الذين أراد أن يستأنس بهم ويتعلم مبادئ يتشبثون بها لينصروا الحزب ويؤيدوا ممثليه ومرشحيه , سار على الدرب كما يقولون , ودامت وضعيته داخل الحزب لسنوات ..دون أن تتحرك حالته الاجتماعية ..ذات يوم اتقى أحد أصدقائه من المنخرطين في الحزب
حميدة : أهلا سيدي
الصديق : حميدة ! مفاجأة ..هل أنت بخير ؟
حميدة : نعم
الصديق : ألا زلت في الحزب ؟
حميدة : وما العمل ؟ لقد ألفته ..وأنت
الصديق : أنا غادرته ألم تلاحظ غيابي ؟
حميدة : اعتقدت أنك مريض أو تتأخر لأسباب شخصية أو عملية
الصديق : لا تركت الحزب عن طواعية
حميدة : لماذا ؟!
الصديق : ولماذا سأدفن فيه وقد عضضت ما تمنيت في الحزب ؟؟
حميدة : إذا طبقت المثل , عضة من فكرون ولا يفلت
الصديق : بالضبط ..فكل مناضل في الأحزاب يعض فرصة ثم يهرب إلى حزب آخر ليجد عضة أفضل
حميدة : ارني كيف يعض الناس الفكرون ؟!
الصديق : هناك من يعض ويتمسك يالفكرون إلى أن يموت أو يتقاعد ويسلم العضة لعائلته والمقربين , ومن المناضلين من يعض هنا ويكررها هناك أما الآخرون يصعب عليهم العض لأنهم يخجلون أو تنقصهم الشجاعة أو منحوسون ولهم أعداء داخل الأحزاب ..
حميدة : اعتقدت أن الصاعد على أكتافنا سيجلب لنا الحظ
الصديق : الله يديك على خير , أتركك في نضال أمين فأنت فكرون يعضون حزبيتك للوصول إلى هدفهم ولن تعض الفكارن السياسية لأنك لا تتمتع بالدهاء ..
حميدة : شكرا
انتهت المقابلة ..فعرف حميدة أن العضة تحتاج لأسنان مركبة من عاج النفاق والتملق والتذلل ..
24 = اللي ما اخرج من الدنيا ما اخرج من عقايبها ..
جلس حميدة منكمشا على نفسه وينصت للحوار الدائر بين أمه ووالده الذي ظهر مكفهر الوجه ..
الوالد : إيه ..اللي ما اخرج من الدنيا ما اخرج من عقايبها ..
الأم : هل شاهدت واقعة تدل على المثل ؟؟!
الوالد : نعم ..تعرفين فلان ؟
الأم : نعم ..
الوالد :كان يفرح بالدنيا ويشتري مغرياتها , ولا يهتم بغده ويصرف نظره عن عواقب الحياة الزائلة ..
الأم : إنه رجل ينفذ إرادة الرب ويتمتع بنعم الدنيا
الوالد : لا نحسده , ولكن الحادثة التي وقعت له شوهته
الأم : مسكين وهل هو الآن بخير ؟؟
الوالد : لازال يعالج في المستشفى ..وأنت تعلمين أن عواقب الدنيا تكون بالحق وبالباطل وقد تكون بصواب أو خطأ فالإنسان يطلب دائما السلامة من الدنيا , قد يصاب المرء بما اقترف من ذنوب وقد يصاب قضاء وقدرا
الأم : إنها الدنيا تفعل بنا ما تشاء والقدر يسيرها
حميدة : عجيب هذا التحليل
الوالد : بعد صمت نطقت !
حميدة : لم أفهم الموضوع في البداية ولكني فهمته الآن
الوالد : حسنا ..ماذا فهمت ؟
حميدة : صال القدافي وجال وتمتع وقهر وسيطر وسلط عائلته وأزلامه على الليبيين وفي الأخير كانت عاقبته قتلة لم ينسجها الخيال والعقل حول جبروته ..وخرج من الدنيا ببشاعة ..ومثله مبارك المسجون ولا أحد من المصريين يتصور نهاية بطل الطيران ومرسل من جمال لمساعدة الجزائر في حربها ضد المغرب ..واللائحة طويلة عن زعماء غادروا الدنيا بذل ولم يخشوا عاقبتها ومن الزعماء من مات طبيعيا وغادر الدنيا سالما ومكرما ..
الوالد : يبدو أنك مولعا بالقنوات التلفزية والأخبار ..
25 = جري آ التاعس من سعد الناعس ..
وجد حميدة الحياة ناضجة وفي متناوله ليرتاح من تعبها , فوالد الثري يملك ما سيعيش الأتباع من العائلة والأحفاد من يليهم لسنوات طويلة ..اطمأن حميدة لهذا الجانب فانساق نحو الراحة رغم أنه تفوق في المؤسسات التعليمية ..ابتعد عن الحرام لكي لا يغضب والديه ونشط قي الحلال وصرف الكثير من أجله , تحمل توبيخ الوالد الذي دعاه ليساعده في تسيير شؤونه , رفض حميدة وتحمل إساءة أب يحبه ..
الوالد : يا بني ..العمر يعبر الطرق نحو الموت والحياة لا أمان لها ..عد للصواب وشاركني مسؤولياتي لتتدرب
حميدة : ألفت الراحة والنوم ..
الوالد : إذا أنت تطبق المثل جري يا التاعس من سعد الناعس ..
حميدة : بالضبط ..ولم أتعب وأنت في الكفاية ؟!
الوالد : حرام عليك أن تتركني في المحنة وبين يدي من يحاول أن يغشني
حميدة : وصلت لمرحلة مهمة , فكيف يمكن لأحد أن يغش والدي الذكي الواعي ويفهم الدنيا قبل أن تطير
الوالد : أتعبتني ..فسر على بركة خطاك , لن ألزمك ولن أعود ثانية لموضوع يبس حلقي
حميدة : الآن فهمت ..
ذاب والد حميدة تحت وطأة الكبر , تخلى عن مراقبة ثروته فتسلمها حميدة بنشاط وحيوية , فرح الوالد واطمأن على أرزاق عائلته ..مرت سنوات والوالد يعيش بما تبقى من صحة في العجز ..وكان يزور ابنه ليطلع على حياته الأسرية ويتمتع بحفيديه ..وازدادت السنوات ولازال الوالد متمتعا بما بقي من قوته ..
الوالد : بني ..كيف حالك مع العمل ؟؟!
حميدة : بخير , كل شيء على ما يرام
الوالد : حسنا , لقد ارتحت وأنعس قرير العين
حميدة : أرأيت دورنا المهم في حياتنا , لقد تعبت من أجل الناعس وها أنا أتعب من أجلك يا ناعس ..
ابتسم الوالد ..
26 = اللهم لعمش واللا العمى..
الأب : يجب أن نزوج ابننا
الأم : ومن يكره أن يزوج أولاده ؟
الأب : من المحال أن يتزوج ابننا حميدة !
الأم : لا تحطمه , حميدة مؤدب وخجول وله مستقبل جيد في وظيفته
الأب : بالعكس , أتمنى زواجه اليوم قبل غد , لكنه لا يشجع نفسه ليتعارف مع الإناث , فغيره شاطر في التحرشات الهادفة
الأم : إن تخلف عن مراودة فتاة , نزوجه وأنا على استعداد لأختار شريكة حياته
الأب : احذري وأنصحك أن لا تتدخلين في قران سيعود عليك بالندامة
الأم : سأستشير ولدي وأريه الفتاة قبل القدوم على الاتفاق , لست غبية لأقع في اللوم
الأب : ألا ترين أن البنات لا يملن له ؟!
الأم : خلقه الرب وأعطاه صورة لا بأس بها وكل زرع له كيالة ..
الأب : تصرفي وترزنين في الاختيار ..
جالت الأم بحثا عن فتاة تناسب الوضعية المادية وتقبل الزواج من ابنها المتواضع ..أخيرا عثرت على المقبولة من حيث مبدأ النقاش ..
الأم : بني ..وجدت لك عروسة
حميدة : أنا لا أريد الزواج لأن الحظ يعاكسني ولا يرميني بواحدة تشارك حياتي
الأم : خذ هذه الصورة وقل لي ما رأيك ؟
حميدة يركز النظر ويبتسم : سأفكر وأسأل عنها
الأم : عرفت معلومات عنها , إنها بنت عذراء وتحسن خدمة الدار , مؤدبة ولا علاقة لها بالشباب
حميدة : جيد , لكنها ناقصة جمال كما يتمناه كل خاطب وراغب في شريكة العمر
الأم : هل وجدت مثلها قبل اليوم ؟! وهل وعدتك أنثي بالزواج ؟؟
حميدة : لا ..
الأم : سأمهلك أسبوعا أو أنتظر ردك كل المدة التي يخطبها أحد
حميدة : موافق ..
مرت الأيام وحميدة يستشير قلبه وأصدقاءه المخلصين الذين نصحوه بأن يتكل على الرب وقالوا بالحرف الواحد ( اللهم العمش واللا العمى )
فكر في المثل وأدار في مخه زيجات يختلفن في الشكل والجمال تزوجن بشبان أقل من مستواه ..نفر الذوق الذي يمنعه من الزواج . قصد أمه ..
حميدة : وافقت ..أريد العمش قبل أن يضيعني العمى
الأم : لم أفهم !
حميدة : لقد عثرت على الأهم
تم العرس في خلة متواضعة سعد بأخلاقها وتفانيها في خدمته وأنجبت ذرية صالحة ..
27 = الزيادة من رأس الأحمق والنقصان من رأس الحجام ....
عين في إحدى الجرائد كمصحح فقط وامتهن حميدة الحرفة دون أن ينشر كتاباته لأنه ينتظر نضج أفكاره حتى لا يلام أو تكون عاقبته سيئة ..لزم دوره وأعجب زملائه ,
المحرر : أعتقد أنك تقترب من ترقية
حميدة : هل أنت جاد في كلامك ؟!!
المحرر : نعم لذا جئتك لأخبرك بأن رئيسنا يريد حضورك إلى مكتبه
حميدة : إن تحقق مرادي ستشرب على حسابي
المحرر : هيا اذهب إليه ماذا تنتظر ؟؟
حميدة : جمدت ركبي ..سأتصل حالا
دخل مكتب الرئيس ’ استقبله كالعادة ..مبتسما وباحترام المستغل ..
الرئيس : أهلا ..
حميدة : شكرا
الرئيس : أريد منك أن تصحح هذا الموضوع لينشر غدا على عمود مهم ..
حميدة : حاضر ..وهل أصححه لغويا أو معنويا ؟!
الرئيس : سأجربك في كل حيثيات التصحيح
حميدة : حسنا ..متى تريده ؟
الرئيس : قبل الزوال ليطبع مساءا
قرأه حميدة بتأن وإخلاص , ولما عاد إلى مكتب الرئيس ..
حميدة : تفضل سيدي
تمعن الرئيس في الموضوع ..
الرئيس : أخطاء قليلة جدا ولكن ما معنى الخطيين الأحمر والأسود
حميدة : الفقرة المخططة باللون الأحمر يجب أن تحذف لأنها زيادة من رأس أحمق , والخط الأسود يوجب أن تضيف ما الفقرة التي كتبتها أسفل الموضوع والنقصان من رأس الحجام ..
الرئيس : أنت هو الأحمق , اعتقدت أنك ضليع في مواد الصحافة , لكنك غبي ودورك لا يفوق تصحيح النحو
حميدة : أنا بلغت !
الرئيس : عد إلى مكتبك لتدوم فيه إلى الأبد
حميدة : أشكرك على كل حال
نشر الموضوع ووزعت الجريدة لتمنع وتحتجز من الأكشاك والمكتبات ومحلات بيع الجرائد والمجلات وسائر المطبوعان فجاء الخبر الذي يفيد بأن الأمن ألقى القبض على رئيس حميدة ..
28 = ما ادير خير ما يطرى باس ..
تعذب حميدة في نومه لأنه سيسافر غدا إلى مدينة الرباط , استيقظ وجفناه يؤلمانه ..تناول فطوره في إحدى المقاهي المختصة في المداومة ..اتجه نحو شارع يؤدي إلى تاكسيات الرباط قرب مدرسة الخنساء , والساعة تشير إلى السابعة صباحا أيام فصل الشتاء ..وعند ملتقى شارع محمد الخامس والزقاق المؤدي إلى التاكسيات قرب سينما الاتحاد , شاهد منظرا تألم بسببه وهو الذي يشفق على ولايا منزله وبنات الجيران , رأى شابا في درب ضيق قرب مركز للأمن مطل على شارع محمد الخامس ’ نعم شابا ينهال على فتاة بالضرب والركل ..توجه نحوهما ..
حميدة : الله يخليك , اترك البنت وحالها
الشاب : إنها أختي وما دخلك ؟
حميدة : هذا صباح مبكر ويستحسن أن ترافقها إلى منزلكما وهناك عاقبها أمام والديكما
الشاب : ابتعد وإلا ( كرفستك ) ..
حميدة : عيب !
ظهر شابان أمام حميدة كانا في بهو دار مشتركة تقطنها عائلات وهو القوي بينهم
القوي : اسمع أيها الفضولي , ما رأيك إن اتهمناك كغاصب لها ونحن شهود , ستفرع بشاب مثلك موظف وسيريحها من بهدلة الفساد..
حميدة : أنا لا أعرفكم !
الشاب : نحن نعرفك , وستكون سعيدة إن قدمناكما إلى مركز الأمن قريب , ها هو أمامك
القوي " اديها في الجهة الضاراك ..اغبر .
أحنى حميدة رأسه ..واتجه نحو التاكسيات فقرر منذ الحادثة أن لا يتدخل في نزاعات ولا يشهد ضد أحد , لأن أعمال نفايات المجتمع نخالة وأصحاب هذه الأعمال ينقبون رأس كل متدخل ويسمع ( ما شي شغلك ) و ( ادخل سوق راسك )..
29 = اللي ما أشرى يتنزه ..
يعيش حميدة في براكة وكلما دخلها شم رائحة التراب ودخان ( الفاخر ) وبخار الأطعمة المذيلة للائحة التغذية العامة , ويغادرها ليغرق في عمل يوسخه ويصبب العرق من جسمه , وكلما تأخر شرب الشاي والخبز الدهون بالزبدة أو مرفقا بزيتون أو سمك العلب وفي بعض الأحيان ينحني على بصارة أو حساء من يد امرأة تكدح بينهم وتكسب رزقها بين فقراء عمال لم يتحدوا ..عمل في أبنية شعبية وعمارات وفيلات متوسطة وراقية ..كان حميدة لا يتألم ولا يحسد الناس لأن فكرته هي أن الفقر عالمي ودائم ما دامت الكتب السماوية تأمر بالصدقة للمساكين وهذا ما تسلح به منذ أن غادر طاولة التعليم كرها ..
حميدة :: سبحان الرب يتنزه البعض فيشتري مقتنيات تعجبه والآخرون يتنزهون فيعودون إلى بيوتهم وهم يحملون أرخص الأشياء ..
ففي كل ليلة يتنزه حميدة في حلمه الثري ..المكون من جميلات رغم أنه متزوج من امرأة مسحوقة عائلتها وشم عطرها مرة واحدة في ليلة الزفاف وتنزه داخل الفيلات التي ساهم في بنائها وزينها بأثاث من مخليته حسب ما شاهده في السينما الرخيصة والقنوات , وأسكنه الحلم في إحدى العمارات ..وركب السيارات الفاخرة التي رشته مرارا بمياه الأمطار قرب رصيف محفور شارعه..
حميدة : لولا الحلم الذي أتنزه فيه ولا أشتري منه ما أشتهيه لمت حسرة على وضعيتي
بقي حميدة في براكته يتنزه كل ليلة ولا يشتري شيئا إلى أن توصل برسالة تهتم بالقضاء على مدن الصفيح , انتقل إلى دار من إسمنت وبريك ليتنزه في حديقة لم يراها في الحلم..
30 = الزلطة تجبيره ..
مثل في قصص
حميدة 1...
بعد أن أنهى دراسته الثانوية وأنهك أباه في مصاريف زادت من فقره , تمنى أن يكمل تعليمه خارج الوطن , اتصل وراسل لكنه اصطدم بشروط لا تلائم ميزانية والد ذي مهنة لا تسمن بطون أفراد العائلة ..طل
وعي حميدة على الوساطة التي اعتادتها أسرته في شؤونها وكان يسمع دائما من والديه جملا تدل على خجلهما وضعف جرأتهما حين يقولان لأصدقائهما وصديقاتهما ..
الأم : أرجوك اتصلي بفلانة لتقرضني كذا
الأب : أتمنى أن تلتقي فلان ليتوسط لي عند صاحب الدكان
الأم : أطلب منك خدمة لن أنساها طول العمر ..
الأب : حاول أن تلين وضعيتي وتساندني عند الرئيس
تأثر حميدة بهذه الوضعية فظن أن الوصول للمبتغى يكون بالوساطة ..
حميدة : لماذا تنجز أغراضك بالوساطة ؟!
الأب : لأني أخشى أن أهان أو أطرد عند الطلب ..
الأم : وأنا كذلك , لا أريد أن أذوب أمام الرافض المهين لأمس حاجة أعتمد عليها
حميدة : أراكما في هذه الحالة غير مستعدين لطلب يد الفتاة التي سأتزوجها
الأب : أعرف أسرة الفتاة ولكني أخشى أن نفشل فتلومنا
حميدة : لماذا ؟؟
الأم : سأشرح لك ما تعرفه النساء , ربما نرفض مطالبهما وربما سيرفض والداها مطالبنا فتلومنا لأننا كسرنا أملك
حميدة : ومن قال لكما أني أخاف من تدخلاتكما ؟!
الأب : اسمع , اتفق مع البنت على كل ما يحتاجه زفافك لنتسلح ونخابر والديها
حميدة : حسنا , وهل سيوافقان على خاتم ذهب وسلسلة وصداق لا يفوق المليون فرنك ؟؟!!
الأم : أنت وشطارتك , هات الموافقة أولا لنناقش الصداق وربما ننجح لتقليص مبلغه
حميدة : سأبذل مجهودا لأنال رضاهم ..
وفي كل يوم يسأل عن المهمة يجيب ويسوفها إلى أجل آخر ..احتار حميدة ..طرق بابا قريبا من درب فتاته , ولج منزل صديقه ..
حميدة : جئتك لأفرغ قلبي وأفش غلي
الصديق : السلامة أخي , أراك حزينا ..
حكى حميدة ما دار بينه وبين والديه ..وأشار إلى عجزه في الاتصال بأهل البنت ..
حميدة : لقد وقعت في مطبه ..واحترت في حل ينهي التردد ..
الصديق : القضية سهلة , والحل موجود
حميدة : آتني به ..ولن أنسى فضلك
الصديق : لوالدي علاقة طيبة ومتينة مع نسيبك , فإن أردت سأرافقهما لنعرف الرد الذي تتمناه
عانقه والفرح يرعش جسده ..أخبر والديه ..
الأب : فوضت أمرك لصديقك ولم تزوده بقيمة الصداق وشروط الزواج
حميدة : أنا أثق في صديقي لأنه وضع نفسه مكاني كخاطب
الأم : هل أنت متيقن من أفكار صديقك ..
وبعد زيارة والدي الفتاة ..
حميدة : ما النتيجة يا أخي ؟؟!
الصديق : التقيت بوالدي الفتاة
حميدة : وهل حضر والداك ؟
الصديق : لا ..كانا مسافرين !
حميدة : وما النتيجة ؟
الصديق : طلبا مليونين في الصداق واثنان من كل هدية وخاتم زواج وسلسلة ودملج عريض وثقيل وحلقات للأذنين وبقرة حميدة : وهل وافقت ؟!
الصديق : نعم , لأنها تستحق أكثر
حميدة : أنت تعرف وضعيتي المادية
الصديق : لم توصيني بما تريد منهم
حميدة : المهم , كحلتيها فضاع الزواج ..
19 = الجزار يتعشى باللفت ..
فتح حميدة متجرا لبيع اللحوم في آخر ناصية للشارع القريب من سكناه , تزوج بامرأة في غاية الصبر وتحمل عادات الزوج البخيل ..أنجبت لحميدة أطفالا ذكورا وإناثا , واستمر في عادة تمقتها زوجته وهي تناوله طعام الغذاء في متجره حيث يأكل ما لذ من اللحم ويطلب من زوجته أن ترسل له سلاطة وفواكه ليكمل متعة بطنه , في حين تطبخ زوجته الخضر ب (الكرشة ) والشحم أو بدون أثر لمعاني ( تجزارت ) إنها زوجة جزار تتعشى باللفت ..كظاهرة عند البخلاء الذين أنعم عليهم الرب بالرزق ..وهكذا دامت حياة زوجة ضائعة ترى أولادها في هزال واصفرار ..زارها أخوها ..
الزوجة : مرحبا بك أخي
الأخ : كيف حالك ؟
الزوجة : أعيش العذاب مع جزار أهلكني وضيع أبنائي
الأخ : لا عليك , تمسكي بالصبر , سيكبر الأولاد ويعوضوك بأحسن ما تمنيت من الجزار الخبيث
الزوجة : لن أعيش معه بعد اليوم !
الأخ : لماذا ؟
الزوجة : بعت الذهب وما ورثت عن أمي ليسدد الجزار ضرائبه والذعيرة وما فسد من لحومه التي تخلص منها
الأخ : لقد ضيعك واعتدى عليك ولكن اصبري , فربما سيتغير
الزوجة : لن يبدل حاله وأصله ..يتعشى معنا فيشرب الحساء والبصارة والشاي والزيتون لنتغذى نحن باللفت , لن أعاشره بعد اليوم ..
الأخ : سأكلمه , وأمهليه شهورا ليراجع دوره ..
الزوجة : حسنا ..أخبرني بنتيجة اللقاء
ترك الأخ الجزار غاضبا ولم يعد ليخبر أخته , وفي الغد توصلت الزوجة بالطلاق ..تزوج حميدة بامرأة كانت زبونة وفية للمتجر , وبقي على عاداته حيث يتغذى في متجره , استغلت الزوجة الجديدة هذه الخصلة لتتناول طعام الغذاء عند أمها الأرملة ذات راتب من صندوق التقاعد , وجمعت أموالا من صاحب اللفت لتشتري ما يحلو لها وتخفي المال والذهب عند أمها ..
20 = اندى يصدي الحديد ..
أعجبه النضال , واهتزت عواطفه مع الهتافات وصفق للحماسة وخطب المعارضة , لذلك انخرط حميدة في صفوف حزب اشتراكي , أحس أنهم في تحديهم للدولة وسخونة مطالبهم حديد لا يذوب ولا ينصهر لأنه حديد معنوي وسياسي , اتبع حميدة دور لا ..وغضب على يمين يعاكس مطالب الجماهير ولا يسمع صوت المضربين والمحتجين والواقفين على أبواب الصرف والتمرير ..أخلص ..وواظب ..وحضر الاجتماعات والتجمعات في الساحات ..لم يندم حميدة على دوره رغم معاناته المادية والاجتماعية لأنه شاهد فلولا مثله تتحمل كل شيء لتحقيق رغبات الشعب ..
بدأت الحملات الانتخابية وشارك حميدة في الدعاية ليوصل بالفم قيم المرشح الاشتراكي ..ولما حان موعد حضور المرشح للمقر كي يشرح مواقف الحزب وإيديولوجيته , هب وفد من المناضلين المسيرين للحملة ليلتقي بالمرشح قبل اقترابه من المقر , وصل المحبوب وهو يركب سيارة فاخرة لن يركبها البلوريتاريون في حياته مهما طالت ..طلب منه الوفد أن يترك السيارة بعيدا , ثم غيروا لباسه ونوع سجائره ( من سيجار إلى ( كازاسبور ) , خطب في الجمع ولاحظوا تواضع فصوتوا عليه لينجح ..
ندم حميدة لأنه صوت على من أدخل مواطنين للسجن وسبب لهم الطرد من أعمالهم , تمتع الاشتراكي الحديدي بالمناصب وتوسط لأبنائه ..نسي من صوتوا عليه , فأصبح صوت حميدة في صندوق مركون داخل العمالة وعلى صفحات دفتر أذبله زمن النسيان ..حينها عرف حميدة أن الكثير ممن يدعون أنهم حديد السياسة سينزل عليهم الندى ليصدأ أسلوبهم ويتفتت حديدهم إلى جزيئات لا عودة لها للنضال الديمقراطي ..
تعلم حميدة شيئا واحد من الأخلاق السياسية في البلدان النامية , هو أن النضال لا يتحمل فتن الدنيا كما قالها أحد الأعضاء ( هل يمكن لأي كان أن يرى نهر العسل يمر أمامه دون أن يلحس منه أصبعا ) ...
21 = ضرب الحديد من حدو سخون ..
تجول حميدة كالعادة في الشوارع الراقية , نظافة وهدوء , ومدينته تنعم بنصفين متناقضين من حيث التركيب المادي والعناية ..اقترب من المقاهي وجال بعينيه ليختار واحدة , لكنه سمع اسمه من نداء غير بعيد , التفت ليشاهد صديقه الحميم , اتجه نحوه فجالسه ثم طلب كأس قهوة ..
الرايس : مرحبا
حميدة : صدفة سعيدة
الرايس : ما الذي أتى بك إلى الرقي ؟؟!
حميدة : هدفنا الآن موحد لأننا هربنا من التكدس والضوضاء
الرايس : يا لطيف , أسكن دربا لا نرتاح فيه ولا ننام ..الأطفال يلعبون ليل نهار والسيارات لا تحترم السكان بسبب منبهاتها ..
حميدة : لا بأس , المهم عند البسطاء سكن ولو كان في علبة
ويظهر رجل يعرف حميدة وعائلته وهو ابن المنطقة ..
حميدة : وعليك السلام , تفضل
الرجل : شكرا , كيف حال والدك ؟
حميدة : بخير , لكن سنه يعذبه قليلا
الرجل : اصبر فالشيخوخة جزء من الحياة ..من هذا الأخ ؟
حميدة : صديقي الرايس موظف في القطاع الخاص
الرجل : متشرفين ..أنا في قطاع حر أتولى شؤوني بنفسي
الصديق : المهم هو الثقة
الرجل : معلوم إنها محرك الأرزاق وضامنة الاستمرار
حميدة : أنا أحترمك لأنك تعرفني جيدا ولك علاقة طيبة مع أسرتي
الرجل : شكرا ..بالمناسبة , هل لديك شيك بنكي ؟
حميدة : نعم !
الرجل : أنا لا أملك دفتر الشيكات ..
حميدة : ولم هذا السؤال ؟
الرجل : أريد أن تدون سبعة ملايين سنتيم , لأشتري سلعا من العيون وأدفع مقابلها الشيك ليصرف يوم الاثنين ونحن في يوم الخميس ..
حميدة : لا أملك في حسابي سوى مليونين فقط
الرجل : لا عليك , اسمع جيدا لكي لا تخاف من العملية , سأسافر الجمعة إلى مدينة لعيون , لأسلم الشيك لتاجر تعاملت معه كثيرا وأتفق على أنواع السلع ويوم تسليمها لشاحنات تاجر من مدينة (...) وسأسافر إلى هذه المدينة لأتسلم ثمن البيع ثم أودعه يوم الاثنين على الساعة التاسعة بعد افتتاح شبابيك البنك , وهكذا سيجد التاجر في مدينة لعيون ثمن سلعه
حميدة : طريقة معقدة وخطيرة , أنا لا أستطيع المغامرة ووضع الشيك فيما لا تحمد عقباه
الرجل : أتخاف مني ؟
الرايس : اضرب الحديد من حدو سخون !
حميدة : وإن حرقني , ما العمل ؟!
الرايس : لا جبن أمام مغامرة مادية , المال كالريح تغيب وتحضر حسب هواها
حميدة : لم أسمع هذا المثل في حياتي
الرايس : أنا سمعته من والدي قبيل خطوبة الأخت
حميدة : احك لنا هذه الضربة !
الرايس : نحن الآن أمام ضربة الرجل , لتنهي الموافقة
حميدة : لن أوافق
الرايس : ما رأيك سيدي أن أسلمك شيكا لأشارك في الصفقة
الرجل : أهلا وسهلا , يعجبني الرجل الشجاع الذي لا يعبد المال ويعتبره سيلا
مد الرايس شيكا للرجل بنفس المبلغ الذي طلبه ..سافر صاحب الصفقة صباح الجمعة إلى لعيون فاتفقا , تم كل شيء بخير ليرحل عبر الطائرة إلى مدينة ( ...) حصل على مبلغ السلعة نقدا ووعده التاجر أن يرسل شاحنته إلى لعيون ..بات الرجل ليلة السبت يتمتع بجمال المدينة وتجول في شوارعها الأحد ثم عاد إلى الفندق لينام مرتاح البال وقد أنجز ربحا لا بأس به وصباح الجمعة استيقظ نشطا ترقصه فرحة الإنجاز , تناول فطوره بلذة , اتجه إلى البنك أودع المبلغ في حساب الرايس ..التقى الثلاثة ..
الرجل : هل تحققت من حسابك ؟
الرايس : نعم , سررت بالمليون ونصف ..
الرجل : نصيبك من الربح
الرايس : شكرا , إنك رجل وفي
حميدة : لقد أخطأت ولم أفهم قصة الحديد من حدو سخون ..مثل جيد ربحت المال بسببه
الرجل : انتظر سخونة حديد آخر
الرايس : الفرص قليلة وليست نادرة
حميدة : أوه ..يا أسفاه ..متى أجد حديدي ؟؟
الرجل : انتظر !..
ضاعت على حميدة المناسب ..وبعد شهور لم ينس المثل اضرب الحديد من حدو سخون ..علق في ذهنه كقرصه تؤلم الخوافين ..انتهت السنة وكلما لقي الرايس لاحت بلادته وكلما لقي الرجل أحس جبنا ضيعه ...
سمع حميدة طرقا على باب منزله ..فتحه ليقابل صاحبه ..
الصاحب : السلام ..هيا رافقني لأحدثك
حميدة : حاضر
الصاحب : سأسافر الأسبوع المقبل إلى فرنسا ولدي مشروع هناك لأنجزه
حميدة : وما شأني أنا ؟؟!
الصاحب : أريد منك أن تشارك بنصيب فيه ..لقد بحثت عن نصيب لهذه الفرصة فلم أجد أحدا , فمن عرضت عليه المشروع شكا أزمته ..
حميدة : كم تريد ؟
الصاحب : مليونين
حميدة : جئت والحديد سخون ..
الصاحب : لم أفهم
حميدة : لك المبلغ لكن كيف أضمنه ؟
الصاحب : لا تخف سنسجل الشراكة في القيادة
حميدة : حسنا ..غدا سأسلمك المبلغ ..
سافر الصاحب وأنجز مشروعه وهو عبارة عن مطعم للأكلات المغربية ..نجح المشروع وفي كل مرة يتوصل حميدة بقسط من الربح ..
حميدة : صدق المثل , اضرب الحديد من حدو سخون
الرايس : فهمته بعد لقنتك الفرصة الضائعة درسا
حميدة : الثقة أنواع
ابتسم الرايس ..
22 = سبق الفرح بليلة ...
ركب حميدة قطار السابعة والنصف صباحا متجها نحو الرباط ليتصل بالوزارة ويسأل عن ( الرابيل ) ..
حميدة : أين مكتب الحوالات من فضلك
الشاوش : هناك حيث ستجد طابورا من المنتظرين ..
اصطف كالعباد , ولما حان دوره دخل مكتب موظف يتنقل بين الطلب والفيشات .
حميدة : سيدي أريد معرفة متى سأتوصل بالرابيل
الموظف : ما رقمك المالي ؟؟
حميدة : رقمي ( ...)
أخرج الموظف فيشا ترهل بسبب الاستعمال ومخلفات يد الموظف ومن سبقوه في المكتب , قرأ ما سجل فتمتم
الموظف : هنيئا أخي سيحول رابيلك إلى مانضا الشهر المقبل
حميدة : شكرا وما مقداره ؟!
الموظف : تقريبا مليون سنتيم
سعد واستغرب , وتجول في شارع الرباط آتيا من الوزارة وسائرا بخطى تهتز فرحا إلى إحدى المقاهي لينتظر موعد قطار العودة , رأى فيلما لممثل يعجبه وسيعرض في سينما الرونيسانس , اضطر أن يشاهده ويؤخر عودته إلى ما بعد نهاية الفيلم ..فتحت نشوة المال القادم شهيته الضائعة منذ مدة , فاقترض واشترى ما اشتاقت إليه نفسه وما اشتاق لزوجته وأولاده .
أزف آخر الشهر , مسك الحوالة بين يديه المرتعشتين وهو يحملق في أرقام اعتادها ولا تدل على قيمة الحلم الذي أيقض مضجعه طوال الشهر ..عاد إلى الرباط ليستفسر حرمانه من الرابيل ..وفي مكتب الموظف ..
حميدة : لم أتوصل بالرابيل سيدي ..
الموظف : آسف , لقد أخطأت حين تفحصت فيش حمادة بدل حميدة
حميدة : والآن , متى أتوصل بالرابيل وما مقداره ؟؟!
الموظف : سيرسل في الشهر القادم ومبلغه حوالي مائتي ألف سنتيم
حميدة : ظننت أنه مليون سنتيم !
الموظف : حمادة في درجة أرقى منك
حميدة : أشكرك
لقد خسر حميدة أموالا تفوق الرابيل الذي سيتوصل به , لأن الخيال سبق الواقع ..
23 = عضة من فكرون ولا يفلت ..
يتهافت المواطنون على الأحزاب المتشابهة في الخضوع والمتفاوتة في النضال والمطالب , رأى حميدة نفسه وحيدا وبلا هواية تشغله أو هدف يدافع عنه , لذلك انخرط في حزب كباقي بعض الأصدقاء الذين أراد أن يستأنس بهم ويتعلم مبادئ يتشبثون بها لينصروا الحزب ويؤيدوا ممثليه ومرشحيه , سار على الدرب كما يقولون , ودامت وضعيته داخل الحزب لسنوات ..دون أن تتحرك حالته الاجتماعية ..ذات يوم اتقى أحد أصدقائه من المنخرطين في الحزب
حميدة : أهلا سيدي
الصديق : حميدة ! مفاجأة ..هل أنت بخير ؟
حميدة : نعم
الصديق : ألا زلت في الحزب ؟
حميدة : وما العمل ؟ لقد ألفته ..وأنت
الصديق : أنا غادرته ألم تلاحظ غيابي ؟
حميدة : اعتقدت أنك مريض أو تتأخر لأسباب شخصية أو عملية
الصديق : لا تركت الحزب عن طواعية
حميدة : لماذا ؟!
الصديق : ولماذا سأدفن فيه وقد عضضت ما تمنيت في الحزب ؟؟
حميدة : إذا طبقت المثل , عضة من فكرون ولا يفلت
الصديق : بالضبط ..فكل مناضل في الأحزاب يعض فرصة ثم يهرب إلى حزب آخر ليجد عضة أفضل
حميدة : ارني كيف يعض الناس الفكرون ؟!
الصديق : هناك من يعض ويتمسك يالفكرون إلى أن يموت أو يتقاعد ويسلم العضة لعائلته والمقربين , ومن المناضلين من يعض هنا ويكررها هناك أما الآخرون يصعب عليهم العض لأنهم يخجلون أو تنقصهم الشجاعة أو منحوسون ولهم أعداء داخل الأحزاب ..
حميدة : اعتقدت أن الصاعد على أكتافنا سيجلب لنا الحظ
الصديق : الله يديك على خير , أتركك في نضال أمين فأنت فكرون يعضون حزبيتك للوصول إلى هدفهم ولن تعض الفكارن السياسية لأنك لا تتمتع بالدهاء ..
حميدة : شكرا
انتهت المقابلة ..فعرف حميدة أن العضة تحتاج لأسنان مركبة من عاج النفاق والتملق والتذلل ..
24 = اللي ما اخرج من الدنيا ما اخرج من عقايبها ..
جلس حميدة منكمشا على نفسه وينصت للحوار الدائر بين أمه ووالده الذي ظهر مكفهر الوجه ..
الوالد : إيه ..اللي ما اخرج من الدنيا ما اخرج من عقايبها ..
الأم : هل شاهدت واقعة تدل على المثل ؟؟!
الوالد : نعم ..تعرفين فلان ؟
الأم : نعم ..
الوالد :كان يفرح بالدنيا ويشتري مغرياتها , ولا يهتم بغده ويصرف نظره عن عواقب الحياة الزائلة ..
الأم : إنه رجل ينفذ إرادة الرب ويتمتع بنعم الدنيا
الوالد : لا نحسده , ولكن الحادثة التي وقعت له شوهته
الأم : مسكين وهل هو الآن بخير ؟؟
الوالد : لازال يعالج في المستشفى ..وأنت تعلمين أن عواقب الدنيا تكون بالحق وبالباطل وقد تكون بصواب أو خطأ فالإنسان يطلب دائما السلامة من الدنيا , قد يصاب المرء بما اقترف من ذنوب وقد يصاب قضاء وقدرا
الأم : إنها الدنيا تفعل بنا ما تشاء والقدر يسيرها
حميدة : عجيب هذا التحليل
الوالد : بعد صمت نطقت !
حميدة : لم أفهم الموضوع في البداية ولكني فهمته الآن
الوالد : حسنا ..ماذا فهمت ؟
حميدة : صال القدافي وجال وتمتع وقهر وسيطر وسلط عائلته وأزلامه على الليبيين وفي الأخير كانت عاقبته قتلة لم ينسجها الخيال والعقل حول جبروته ..وخرج من الدنيا ببشاعة ..ومثله مبارك المسجون ولا أحد من المصريين يتصور نهاية بطل الطيران ومرسل من جمال لمساعدة الجزائر في حربها ضد المغرب ..واللائحة طويلة عن زعماء غادروا الدنيا بذل ولم يخشوا عاقبتها ومن الزعماء من مات طبيعيا وغادر الدنيا سالما ومكرما ..
الوالد : يبدو أنك مولعا بالقنوات التلفزية والأخبار ..
25 = جري آ التاعس من سعد الناعس ..
وجد حميدة الحياة ناضجة وفي متناوله ليرتاح من تعبها , فوالد الثري يملك ما سيعيش الأتباع من العائلة والأحفاد من يليهم لسنوات طويلة ..اطمأن حميدة لهذا الجانب فانساق نحو الراحة رغم أنه تفوق في المؤسسات التعليمية ..ابتعد عن الحرام لكي لا يغضب والديه ونشط قي الحلال وصرف الكثير من أجله , تحمل توبيخ الوالد الذي دعاه ليساعده في تسيير شؤونه , رفض حميدة وتحمل إساءة أب يحبه ..
الوالد : يا بني ..العمر يعبر الطرق نحو الموت والحياة لا أمان لها ..عد للصواب وشاركني مسؤولياتي لتتدرب
حميدة : ألفت الراحة والنوم ..
الوالد : إذا أنت تطبق المثل جري يا التاعس من سعد الناعس ..
حميدة : بالضبط ..ولم أتعب وأنت في الكفاية ؟!
الوالد : حرام عليك أن تتركني في المحنة وبين يدي من يحاول أن يغشني
حميدة : وصلت لمرحلة مهمة , فكيف يمكن لأحد أن يغش والدي الذكي الواعي ويفهم الدنيا قبل أن تطير
الوالد : أتعبتني ..فسر على بركة خطاك , لن ألزمك ولن أعود ثانية لموضوع يبس حلقي
حميدة : الآن فهمت ..
ذاب والد حميدة تحت وطأة الكبر , تخلى عن مراقبة ثروته فتسلمها حميدة بنشاط وحيوية , فرح الوالد واطمأن على أرزاق عائلته ..مرت سنوات والوالد يعيش بما تبقى من صحة في العجز ..وكان يزور ابنه ليطلع على حياته الأسرية ويتمتع بحفيديه ..وازدادت السنوات ولازال الوالد متمتعا بما بقي من قوته ..
الوالد : بني ..كيف حالك مع العمل ؟؟!
حميدة : بخير , كل شيء على ما يرام
الوالد : حسنا , لقد ارتحت وأنعس قرير العين
حميدة : أرأيت دورنا المهم في حياتنا , لقد تعبت من أجل الناعس وها أنا أتعب من أجلك يا ناعس ..
ابتسم الوالد ..
26 = اللهم لعمش واللا العمى..
الأب : يجب أن نزوج ابننا
الأم : ومن يكره أن يزوج أولاده ؟
الأب : من المحال أن يتزوج ابننا حميدة !
الأم : لا تحطمه , حميدة مؤدب وخجول وله مستقبل جيد في وظيفته
الأب : بالعكس , أتمنى زواجه اليوم قبل غد , لكنه لا يشجع نفسه ليتعارف مع الإناث , فغيره شاطر في التحرشات الهادفة
الأم : إن تخلف عن مراودة فتاة , نزوجه وأنا على استعداد لأختار شريكة حياته
الأب : احذري وأنصحك أن لا تتدخلين في قران سيعود عليك بالندامة
الأم : سأستشير ولدي وأريه الفتاة قبل القدوم على الاتفاق , لست غبية لأقع في اللوم
الأب : ألا ترين أن البنات لا يملن له ؟!
الأم : خلقه الرب وأعطاه صورة لا بأس بها وكل زرع له كيالة ..
الأب : تصرفي وترزنين في الاختيار ..
جالت الأم بحثا عن فتاة تناسب الوضعية المادية وتقبل الزواج من ابنها المتواضع ..أخيرا عثرت على المقبولة من حيث مبدأ النقاش ..
الأم : بني ..وجدت لك عروسة
حميدة : أنا لا أريد الزواج لأن الحظ يعاكسني ولا يرميني بواحدة تشارك حياتي
الأم : خذ هذه الصورة وقل لي ما رأيك ؟
حميدة يركز النظر ويبتسم : سأفكر وأسأل عنها
الأم : عرفت معلومات عنها , إنها بنت عذراء وتحسن خدمة الدار , مؤدبة ولا علاقة لها بالشباب
حميدة : جيد , لكنها ناقصة جمال كما يتمناه كل خاطب وراغب في شريكة العمر
الأم : هل وجدت مثلها قبل اليوم ؟! وهل وعدتك أنثي بالزواج ؟؟
حميدة : لا ..
الأم : سأمهلك أسبوعا أو أنتظر ردك كل المدة التي يخطبها أحد
حميدة : موافق ..
مرت الأيام وحميدة يستشير قلبه وأصدقاءه المخلصين الذين نصحوه بأن يتكل على الرب وقالوا بالحرف الواحد ( اللهم العمش واللا العمى )
فكر في المثل وأدار في مخه زيجات يختلفن في الشكل والجمال تزوجن بشبان أقل من مستواه ..نفر الذوق الذي يمنعه من الزواج . قصد أمه ..
حميدة : وافقت ..أريد العمش قبل أن يضيعني العمى
الأم : لم أفهم !
حميدة : لقد عثرت على الأهم
تم العرس في خلة متواضعة سعد بأخلاقها وتفانيها في خدمته وأنجبت ذرية صالحة ..
27 = الزيادة من رأس الأحمق والنقصان من رأس الحجام ....
عين في إحدى الجرائد كمصحح فقط وامتهن حميدة الحرفة دون أن ينشر كتاباته لأنه ينتظر نضج أفكاره حتى لا يلام أو تكون عاقبته سيئة ..لزم دوره وأعجب زملائه ,
المحرر : أعتقد أنك تقترب من ترقية
حميدة : هل أنت جاد في كلامك ؟!!
المحرر : نعم لذا جئتك لأخبرك بأن رئيسنا يريد حضورك إلى مكتبه
حميدة : إن تحقق مرادي ستشرب على حسابي
المحرر : هيا اذهب إليه ماذا تنتظر ؟؟
حميدة : جمدت ركبي ..سأتصل حالا
دخل مكتب الرئيس ’ استقبله كالعادة ..مبتسما وباحترام المستغل ..
الرئيس : أهلا ..
حميدة : شكرا
الرئيس : أريد منك أن تصحح هذا الموضوع لينشر غدا على عمود مهم ..
حميدة : حاضر ..وهل أصححه لغويا أو معنويا ؟!
الرئيس : سأجربك في كل حيثيات التصحيح
حميدة : حسنا ..متى تريده ؟
الرئيس : قبل الزوال ليطبع مساءا
قرأه حميدة بتأن وإخلاص , ولما عاد إلى مكتب الرئيس ..
حميدة : تفضل سيدي
تمعن الرئيس في الموضوع ..
الرئيس : أخطاء قليلة جدا ولكن ما معنى الخطيين الأحمر والأسود
حميدة : الفقرة المخططة باللون الأحمر يجب أن تحذف لأنها زيادة من رأس أحمق , والخط الأسود يوجب أن تضيف ما الفقرة التي كتبتها أسفل الموضوع والنقصان من رأس الحجام ..
الرئيس : أنت هو الأحمق , اعتقدت أنك ضليع في مواد الصحافة , لكنك غبي ودورك لا يفوق تصحيح النحو
حميدة : أنا بلغت !
الرئيس : عد إلى مكتبك لتدوم فيه إلى الأبد
حميدة : أشكرك على كل حال
نشر الموضوع ووزعت الجريدة لتمنع وتحتجز من الأكشاك والمكتبات ومحلات بيع الجرائد والمجلات وسائر المطبوعان فجاء الخبر الذي يفيد بأن الأمن ألقى القبض على رئيس حميدة ..
28 = ما ادير خير ما يطرى باس ..
تعذب حميدة في نومه لأنه سيسافر غدا إلى مدينة الرباط , استيقظ وجفناه يؤلمانه ..تناول فطوره في إحدى المقاهي المختصة في المداومة ..اتجه نحو شارع يؤدي إلى تاكسيات الرباط قرب مدرسة الخنساء , والساعة تشير إلى السابعة صباحا أيام فصل الشتاء ..وعند ملتقى شارع محمد الخامس والزقاق المؤدي إلى التاكسيات قرب سينما الاتحاد , شاهد منظرا تألم بسببه وهو الذي يشفق على ولايا منزله وبنات الجيران , رأى شابا في درب ضيق قرب مركز للأمن مطل على شارع محمد الخامس ’ نعم شابا ينهال على فتاة بالضرب والركل ..توجه نحوهما ..
حميدة : الله يخليك , اترك البنت وحالها
الشاب : إنها أختي وما دخلك ؟
حميدة : هذا صباح مبكر ويستحسن أن ترافقها إلى منزلكما وهناك عاقبها أمام والديكما
الشاب : ابتعد وإلا ( كرفستك ) ..
حميدة : عيب !
ظهر شابان أمام حميدة كانا في بهو دار مشتركة تقطنها عائلات وهو القوي بينهم
القوي : اسمع أيها الفضولي , ما رأيك إن اتهمناك كغاصب لها ونحن شهود , ستفرع بشاب مثلك موظف وسيريحها من بهدلة الفساد..
حميدة : أنا لا أعرفكم !
الشاب : نحن نعرفك , وستكون سعيدة إن قدمناكما إلى مركز الأمن قريب , ها هو أمامك
القوي " اديها في الجهة الضاراك ..اغبر .
أحنى حميدة رأسه ..واتجه نحو التاكسيات فقرر منذ الحادثة أن لا يتدخل في نزاعات ولا يشهد ضد أحد , لأن أعمال نفايات المجتمع نخالة وأصحاب هذه الأعمال ينقبون رأس كل متدخل ويسمع ( ما شي شغلك ) و ( ادخل سوق راسك )..
29 = اللي ما أشرى يتنزه ..
يعيش حميدة في براكة وكلما دخلها شم رائحة التراب ودخان ( الفاخر ) وبخار الأطعمة المذيلة للائحة التغذية العامة , ويغادرها ليغرق في عمل يوسخه ويصبب العرق من جسمه , وكلما تأخر شرب الشاي والخبز الدهون بالزبدة أو مرفقا بزيتون أو سمك العلب وفي بعض الأحيان ينحني على بصارة أو حساء من يد امرأة تكدح بينهم وتكسب رزقها بين فقراء عمال لم يتحدوا ..عمل في أبنية شعبية وعمارات وفيلات متوسطة وراقية ..كان حميدة لا يتألم ولا يحسد الناس لأن فكرته هي أن الفقر عالمي ودائم ما دامت الكتب السماوية تأمر بالصدقة للمساكين وهذا ما تسلح به منذ أن غادر طاولة التعليم كرها ..
حميدة :: سبحان الرب يتنزه البعض فيشتري مقتنيات تعجبه والآخرون يتنزهون فيعودون إلى بيوتهم وهم يحملون أرخص الأشياء ..
ففي كل ليلة يتنزه حميدة في حلمه الثري ..المكون من جميلات رغم أنه متزوج من امرأة مسحوقة عائلتها وشم عطرها مرة واحدة في ليلة الزفاف وتنزه داخل الفيلات التي ساهم في بنائها وزينها بأثاث من مخليته حسب ما شاهده في السينما الرخيصة والقنوات , وأسكنه الحلم في إحدى العمارات ..وركب السيارات الفاخرة التي رشته مرارا بمياه الأمطار قرب رصيف محفور شارعه..
حميدة : لولا الحلم الذي أتنزه فيه ولا أشتري منه ما أشتهيه لمت حسرة على وضعيتي
بقي حميدة في براكته يتنزه كل ليلة ولا يشتري شيئا إلى أن توصل برسالة تهتم بالقضاء على مدن الصفيح , انتقل إلى دار من إسمنت وبريك ليتنزه في حديقة لم يراها في الحلم..
30 = الزلطة تجبيره ..
مثل في قصص
حميدة 1...
بعد أن أنهى دراسته الثانوية وأنهك أباه في مصاريف زادت من فقره , تمنى أن يكمل تعليمه خارج الوطن , اتصل وراسل لكنه اصطدم بشروط لا تلائم ميزانية والد ذي مهنة لا تسمن بطون أفراد العائلة ..طل
أوباها حسين- عدد الرسائل : 286
العمر : 81
تاريخ التسجيل : 11/10/2011
مواضيع مماثلة
» أمثال في مجموعة قصصية ثانية..
» أمثال في قصص
» أمثال شعبية
» **قصة مثل من أمثال العرب الجميلة**
» أمثال في مجموعة قصصية ثانية..
» أمثال في قصص
» أمثال شعبية
» **قصة مثل من أمثال العرب الجميلة**
» أمثال في مجموعة قصصية ثانية..
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى