مولاي إسماعيل العلوي... أوراق من ذاكرة السياسة
صفحة 1 من اصل 1
مولاي إسماعيل العلوي... أوراق من ذاكرة السياسة
في ذاكرة السياسيين، تأريخ غير مدون لمسار عاشه الوطن، بقيت تفاصيل منه مخبأة في ركن خفي من العقل. ولأن الذاكرة، تنتقي في كثير من الأحوال، ما يحلو لصاحبها أن يكشفه، فإن تدفق المعلومات قد يزيل بعض الظلال المحيطة بكثير من التفاصيل الغائبة. في حياة السياسيين، تقع أحداث مختلفة ومتفاوتة من حيث الحجم والنوع والزمن...ومهما صغر أو كبر مبلغها، فإن إعادة ترتيبها وقراءتها من جديد، من شأنها أن تسلط الضوء على سلوك أو فعل قد لا يكون فرديا بقدر ما يكون جماعيا. وما يهم أكثر في حياة السياسيين، سيما أولئك الذين ألقت بهم الأحداث إلى الواجهة، أن صناعة الحدث كانت جزء من عملهم.
بالنسبة لكثير من السياسيين في المغرب، قد تكون لحظة «التقاعد» أو الابتعاد عن صناعة الحدث السياسي، فرصة لمن يريد البحث عما تختزنه الذاكرة من رؤى ومواقف وآراء ومعطيات... لم يعد «واجب التحفظ» يغرقها في كنف الأسرار.
وفي تفاصيل ذاكرة السياسيين، هنالك حدث ما أو واقعة أو شهادة أو معاينة واستشراف، وفي ثنايا هذه التفاصيل جزئيات قد تبدو للكثيرين غير مرتبطة بمركز الحدث، لكنها بالتأكيد، قد تفيد في فهم الصورة العامة. وحيثما نبحث في الذاكرة، يختلط الفردي بالجماعي، والشخصي بالآخر، والذاتي بالموضوعي، لكن الاستقراء المنظم للذاكرة، يجعل الحدث السياسي هو كل هذه الأشياء.
هذه المرة، تأكدنا من أننا نريد شيئا من هذا القبيل. ذاكرة مفتوحة على أحداث قرن مضى وعقد من هذا القرن الجديد. ذاكرة قائد سياسي تمتزج بين طياتها المتناقضات والمتآلفات، لتنتهي إلى صياغة صورة عن وجه سياسي عرفه المغرب كشخصية عمومية، لكن رغبة معرفته كشخصية خصوصية، هدف مبتغى.
من هنا، وقع الاختيار على مولاي إسماعيل العلوي، ابن العائلة الكبيرة، ذات الأصول الشريفة، وابن باشا في عهد الملك محمد الخامس، لكنه لم يختر رغم كونه كذلك، سوى أن ينخرط في صفوف الحزب الشيوعي المغربي، ليشكل الاستثناء في عائلة أرستقراطية محافظة.
في حياته، درس نستقيه عن كيف يتحول المرء، دفاعا، عن مبدإ مجتمعي، من حياة الثراء، إلى حياة العمل في تنظيم محظور. وكيف أصبح حفيد الصدر الأعظم، وقريب العائلة الملكية، وجها بارزا في صفوف الشيوعيين المغاربة المناهضين للاستغلال والفوارق الطبقية والمدافعين عن عدالة توزيع الثروات.
في تفاصيل حياة مولاي إسماعيل العلوي، قصص وروايات وأحداث جسام، وأحيانا طرائف ومستملحات. ومن المهم التذكير، أن العلوي، لم يكبح جماح رغبتنا في أن نفتح ذاكرته للعلن، ونعممها على القراء بشكل لم يكن مسبوقا.. ومن ثم جاءت صياغة هذه الأوراق.
إسماعيل العلوي
بالنسبة لكثير من السياسيين في المغرب، قد تكون لحظة «التقاعد» أو الابتعاد عن صناعة الحدث السياسي، فرصة لمن يريد البحث عما تختزنه الذاكرة من رؤى ومواقف وآراء ومعطيات... لم يعد «واجب التحفظ» يغرقها في كنف الأسرار.
وفي تفاصيل ذاكرة السياسيين، هنالك حدث ما أو واقعة أو شهادة أو معاينة واستشراف، وفي ثنايا هذه التفاصيل جزئيات قد تبدو للكثيرين غير مرتبطة بمركز الحدث، لكنها بالتأكيد، قد تفيد في فهم الصورة العامة. وحيثما نبحث في الذاكرة، يختلط الفردي بالجماعي، والشخصي بالآخر، والذاتي بالموضوعي، لكن الاستقراء المنظم للذاكرة، يجعل الحدث السياسي هو كل هذه الأشياء.
هذه المرة، تأكدنا من أننا نريد شيئا من هذا القبيل. ذاكرة مفتوحة على أحداث قرن مضى وعقد من هذا القرن الجديد. ذاكرة قائد سياسي تمتزج بين طياتها المتناقضات والمتآلفات، لتنتهي إلى صياغة صورة عن وجه سياسي عرفه المغرب كشخصية عمومية، لكن رغبة معرفته كشخصية خصوصية، هدف مبتغى.
من هنا، وقع الاختيار على مولاي إسماعيل العلوي، ابن العائلة الكبيرة، ذات الأصول الشريفة، وابن باشا في عهد الملك محمد الخامس، لكنه لم يختر رغم كونه كذلك، سوى أن ينخرط في صفوف الحزب الشيوعي المغربي، ليشكل الاستثناء في عائلة أرستقراطية محافظة.
في حياته، درس نستقيه عن كيف يتحول المرء، دفاعا، عن مبدإ مجتمعي، من حياة الثراء، إلى حياة العمل في تنظيم محظور. وكيف أصبح حفيد الصدر الأعظم، وقريب العائلة الملكية، وجها بارزا في صفوف الشيوعيين المغاربة المناهضين للاستغلال والفوارق الطبقية والمدافعين عن عدالة توزيع الثروات.
في تفاصيل حياة مولاي إسماعيل العلوي، قصص وروايات وأحداث جسام، وأحيانا طرائف ومستملحات. ومن المهم التذكير، أن العلوي، لم يكبح جماح رغبتنا في أن نفتح ذاكرته للعلن، ونعممها على القراء بشكل لم يكن مسبوقا.. ومن ثم جاءت صياغة هذه الأوراق.
إسماعيل العلوي
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
1 - كان أبي صارما وقاسيا شيئا ما وخادمتنا كانت مثل أمي
سائق والدي كان له دور في إيقاظ حسي الوطني في زمن الاستعمار
* حدثنا عن نشأة مولاي إسماعيل العلوي؟
- ازددت بمدينة سلا يوم 11 مارس 1940. كان أبي محتسبا بمدينة سلا، وأمي مليكة الخطيب، حفيدة الصدر الأعظم محمد الكباص. ترعرعت بالمنزل العائلي الذي كان منزلا عائليا بالمعنى الواسع في الواقع، وعلى نحو تقليدي، حيث كنا نتواجد في منزل واسع الأرجاء نسبيا، وتقطنه ثلاث عائلات وثلاثة أجيال أيضا. فقد كانت جدتي من أبي تسكن مع عمتي، في دار متصلة بالمنزل. كما كانت عائلة عمي محمد العلوي هنالك، علاوة على عائلتنا، عائلة عبد الحميد العلوي، لكنها كانت عائلة بالمفهوم الضيق والحداثي، وبالتالي فقد كنت منذ البداية في وسط مليء بالناس، منهم الخدم وأفراد العائلة والأعمام والعمات. وكل واحد منهم ساهم في تكوين شخصيتي. وعندما وصلت إلى سن الرابعة أو الرابعة والنصف، إذ لم أعد أتذكر ذلك على وجه التحديد، في أكتوبر 1944 أو 1945، التحقت بالمدرسة الفرنسية. لماذا ذلك؟ لأن أمي تنحدر من أصل جزائري من أبيها، وقد كان لأبناء المنحدرات من الجزائر، الحق في دخول المدارس الفرنسية. وهكذا التحقت بالمدرسة الفرنسية في مرحلة الحضانة، ولكن في نفس اليوم، ولا زلت أتذكر ذلك، أتى والدي بأستاذ لتعليمنا اللغة العربية والقرآن، وكان اسمه رحمه الله، الفقيه الطازوتي، وبالتالي، كان تكويني مزدوجا، لكن كفة الفرنسية كانت أقوى من العربية لأسباب موضوعية، بحيث إن اللغة الفرنسية كنت أتعلمها في المدرسة النظامية، حيث توجد برامج ومناهج معينة، فيما لم يكن تعليمنا بالمنزل يسمح سوى بتلقينا لبعض الأوليات في اللغة وفي القرآن.
وبطبيعة الحال، لم يكن الفقيه الطازوتي وحده من أشرف على تلقيننا اللغة العربية، فقد تعاقب على ذلك بعده، الفقيه العوني ثم الفقيه اشماعو الذي كان يلقننا الدين والقرآن، كما كان هنالك بعض الشباب السلاويين النجباء مثل محمد الغربي وأحمد الدمناتي الذي كان اسمه أحمد اليابوري، وأصبح رئيسا فيما بعد لاتحاد كتاب المغرب. وكل هؤلاء درست على أيديهم، وعلموني المبادئ الأولى للغة العربية، لكنني لا أخفي أن ذلك لم ينفع بدرجة كبيرة، لأنني لم أتمرس على اللغة العربية أكثر ولم أتوسع في بحرها، حتى التحقت بالحزب الشيوعي فيما بعد.
إذن، فقد كانت هذه بداية مشواري التعليمي، وبطبيعة الحال كان يصاحب هذا الجو خلال تنشئتي، نوع من الدفء الأسري، خصوصا من النساء، وذلك بشكل أكثر من جانب الأب، لأن والدي كان تقليديا في سلوكه، وكان صارما مع أولاده، بل وقاسيا شيئا ما عند الاقتضاء، ولذلك كان جانب الأم والجدة والخدم في المنزل، أكثر حنوا، وقد كنت مرتاحا لذلك. كما كانت لدي «دادة» أسميها أنا وشقيقاي الطيب وإدريس، بـ»دادة موي»، بمعنى أنها كانت تلعب دور الأم، لكونها كانت تسهر على حياتنا اليومية في الحقيقة، أكثر من والدتي.
* في ذلك الوقت كان المغرب يرزح تحت نير الاستعمار، هل وعيت في صباك بهذه القضية داخل المنزل؟
- لقد كان معروفا في مدينة سلا، وجود وعي عارم بشأن الاستعمار، سيما في تمظهراته المرتبطة بالتمييز القائم حينئذ مع الآخر أو الأجنبي. وقد كانت هذه الظاهرة أقوى بالنسبة لي، لأني كنت أدرس مع أبناء وبنات فرنسيين، وبالتالي كنت أحس بنوع من التمييز الذاتي من لدني. ومن دون شك، فقد كان لديهم هم أيضا، نوع من التمييز معلنا أو خفيا. كما كنت أحس بوجود نزعة عنصرية لدى بعض المعلمين إزاءنا. ولا زلت أتذكر معلما في مرحلة المتوسط الأول، اسمه ميسيو بيسار، كان غير راض عن قبول فكرة أن التلاميذ المغاربة، وهم قليلون جدا في المدرسة الفرنسية، متفوقون على التلاميذ الفرنسيين. وقد كنا بالفعل، ودون مبالغة، متفوقين عليهم شيئا ما. وكان تميزنا نحن في أننا نملك قدما في الحياة الوطنية المغربية إلى جانب معرفتنا واطلاعنا على كيفية عيش الأوربيين والفرنسيين بشكل خاص.
أما بالنسبة للإحساس بالروح الوطنية، فقد ساعد على إبرازه في شخصيتي رجل كان يشتغل لدى والدي كسائق. لقد كان سائقا من نوع متميز، لأنه كان كثير الاطلاع بمجريات الأمور ويحسن الكتابة والقراءة، كما كان مناضلا وطنيا، وقد أصبح فيما بعد، قائدا في الاتحاد العام للعمال المغاربة. وقد كان استقلاليا، وظل كذلك طيلة حياته إلى أن مات رحمه الله، واسمه أحمد السعيدي.
وما أتذكرة بقوة، هو أننا كلما ركبنا السيارة مع هذا السائق، كان يبادر إلى تلقيننا الدروس في الوطنية بأشكال مختلفة؛ لأنه أولا كان يعبر عن شعوره الذاتي، ونحن كنا كأطفال وقتئذ، نلتقط كل كلمة ينطق بها.
وعدا ذلك، أتذكر أنني، وقد كنت صغيرا بحيث لم يكن عمري يتجاوز خمسة سنوات، صاحبت خالي الدكتور الخطيب، وكان حينئذ طالبا في الطب، إلى منزل كنا نسميه في سلا بالنادي الوطني. ولا زلت أتذكر، وكانت سلا تعرف نشاطا سياسيا كثيفا، أن الحفل الذي حضرته برفقة خالي، ترك بصمات في ذاكرتي؛ فقد كانت تلقى بعض الأناشيد هنالك، بينها ذلك النشيد الذي كان يتحدث عن توحيد بلدان شمال إفريقيا، ويقول: (حيوا إفريقيا يا عباد// شمالها يبغي الاتحاد). كما كانت هنالك مناقشات حول الريف وملحمة محمد بن عبد الكريم الخطابي.
زد على هذا، أن سلا، كانت تعرف حينئذ، نوعا من الصراع بين من كان حزبيا (استقلاليا) وبين من كان قوميا (شوريا)، وقد كان في حينا، في باب احساين، دار سي علي عواد، وقد كان من رواد الحركة الوطنية في سلا، وهو جد أبناء عمي، وبالتالي، فقد كانت لدينا معه علاقات عضوية، وكان حفيده سي أحمد بن عمر بن علي، قائدا في الكشافة المحمدية، وكانوا يمرون أحيانا عبر أزقة حينا، ويرددون الأناشيد الكشفية، ونحن وراءهم، لكننا كنا نؤاخذ عليهم وقتئذ، رغم أن عمرنا لم يكن يتجاوز ست سنوات، كونهم من حزب الشورى والاستقلال، وكنا نصفهم بالقوميين. وبالنسبة لنا، فقد كان الحزبيون أكثر تطرفا بعض الشيء، في المطالبة باستقلال المغرب، ورفض الدخول في أي تعامل كيفما كان مع النظام القائم آنذاك، أي نظام الحماية. وأضف إلى ذلك، أن عائلتي كانت لديها علاقات متميزة مع الملك محمد الخامس ومع الحاشية الملكية بشكل هو أسري أكثر مما هو مسألة بروتوكول أو ما شابه. وأتذكر، وكان عمري سبع سنوات، أن محمد الخامس زارنا في منزلنا. وقد خلق لدي ذلك نوعا من الإحساس بالتميز الوطني. وما كان يزيد من وعيي بوجود الاستعمار، الاحتفال بعيد العرش، حيث كان ذلك يقام بشكل سنوي. وقد كنا لا نذهب إلى المدرسة الفرنسية، رغم أن ذلك اليوم، ليس يوم عطلة بالنسبة لهم.
ثم إن سائق أبي، كان يتتبع الأوضاع، ليس في المغرب وحده، بل وحتى في الخارج، وكان دائما يحدثنا عن استقلال ليبيا مطلع الخمسينيات، واستقلال إندونيسيا، كدولة إسلامية.
لقد كنا، ونحن صغارا، نمتص تلك المعطيات والمواقف مثل الإسفنج.
* حدثنا عن نشأة مولاي إسماعيل العلوي؟
- ازددت بمدينة سلا يوم 11 مارس 1940. كان أبي محتسبا بمدينة سلا، وأمي مليكة الخطيب، حفيدة الصدر الأعظم محمد الكباص. ترعرعت بالمنزل العائلي الذي كان منزلا عائليا بالمعنى الواسع في الواقع، وعلى نحو تقليدي، حيث كنا نتواجد في منزل واسع الأرجاء نسبيا، وتقطنه ثلاث عائلات وثلاثة أجيال أيضا. فقد كانت جدتي من أبي تسكن مع عمتي، في دار متصلة بالمنزل. كما كانت عائلة عمي محمد العلوي هنالك، علاوة على عائلتنا، عائلة عبد الحميد العلوي، لكنها كانت عائلة بالمفهوم الضيق والحداثي، وبالتالي فقد كنت منذ البداية في وسط مليء بالناس، منهم الخدم وأفراد العائلة والأعمام والعمات. وكل واحد منهم ساهم في تكوين شخصيتي. وعندما وصلت إلى سن الرابعة أو الرابعة والنصف، إذ لم أعد أتذكر ذلك على وجه التحديد، في أكتوبر 1944 أو 1945، التحقت بالمدرسة الفرنسية. لماذا ذلك؟ لأن أمي تنحدر من أصل جزائري من أبيها، وقد كان لأبناء المنحدرات من الجزائر، الحق في دخول المدارس الفرنسية. وهكذا التحقت بالمدرسة الفرنسية في مرحلة الحضانة، ولكن في نفس اليوم، ولا زلت أتذكر ذلك، أتى والدي بأستاذ لتعليمنا اللغة العربية والقرآن، وكان اسمه رحمه الله، الفقيه الطازوتي، وبالتالي، كان تكويني مزدوجا، لكن كفة الفرنسية كانت أقوى من العربية لأسباب موضوعية، بحيث إن اللغة الفرنسية كنت أتعلمها في المدرسة النظامية، حيث توجد برامج ومناهج معينة، فيما لم يكن تعليمنا بالمنزل يسمح سوى بتلقينا لبعض الأوليات في اللغة وفي القرآن.
وبطبيعة الحال، لم يكن الفقيه الطازوتي وحده من أشرف على تلقيننا اللغة العربية، فقد تعاقب على ذلك بعده، الفقيه العوني ثم الفقيه اشماعو الذي كان يلقننا الدين والقرآن، كما كان هنالك بعض الشباب السلاويين النجباء مثل محمد الغربي وأحمد الدمناتي الذي كان اسمه أحمد اليابوري، وأصبح رئيسا فيما بعد لاتحاد كتاب المغرب. وكل هؤلاء درست على أيديهم، وعلموني المبادئ الأولى للغة العربية، لكنني لا أخفي أن ذلك لم ينفع بدرجة كبيرة، لأنني لم أتمرس على اللغة العربية أكثر ولم أتوسع في بحرها، حتى التحقت بالحزب الشيوعي فيما بعد.
إذن، فقد كانت هذه بداية مشواري التعليمي، وبطبيعة الحال كان يصاحب هذا الجو خلال تنشئتي، نوع من الدفء الأسري، خصوصا من النساء، وذلك بشكل أكثر من جانب الأب، لأن والدي كان تقليديا في سلوكه، وكان صارما مع أولاده، بل وقاسيا شيئا ما عند الاقتضاء، ولذلك كان جانب الأم والجدة والخدم في المنزل، أكثر حنوا، وقد كنت مرتاحا لذلك. كما كانت لدي «دادة» أسميها أنا وشقيقاي الطيب وإدريس، بـ»دادة موي»، بمعنى أنها كانت تلعب دور الأم، لكونها كانت تسهر على حياتنا اليومية في الحقيقة، أكثر من والدتي.
* في ذلك الوقت كان المغرب يرزح تحت نير الاستعمار، هل وعيت في صباك بهذه القضية داخل المنزل؟
- لقد كان معروفا في مدينة سلا، وجود وعي عارم بشأن الاستعمار، سيما في تمظهراته المرتبطة بالتمييز القائم حينئذ مع الآخر أو الأجنبي. وقد كانت هذه الظاهرة أقوى بالنسبة لي، لأني كنت أدرس مع أبناء وبنات فرنسيين، وبالتالي كنت أحس بنوع من التمييز الذاتي من لدني. ومن دون شك، فقد كان لديهم هم أيضا، نوع من التمييز معلنا أو خفيا. كما كنت أحس بوجود نزعة عنصرية لدى بعض المعلمين إزاءنا. ولا زلت أتذكر معلما في مرحلة المتوسط الأول، اسمه ميسيو بيسار، كان غير راض عن قبول فكرة أن التلاميذ المغاربة، وهم قليلون جدا في المدرسة الفرنسية، متفوقون على التلاميذ الفرنسيين. وقد كنا بالفعل، ودون مبالغة، متفوقين عليهم شيئا ما. وكان تميزنا نحن في أننا نملك قدما في الحياة الوطنية المغربية إلى جانب معرفتنا واطلاعنا على كيفية عيش الأوربيين والفرنسيين بشكل خاص.
أما بالنسبة للإحساس بالروح الوطنية، فقد ساعد على إبرازه في شخصيتي رجل كان يشتغل لدى والدي كسائق. لقد كان سائقا من نوع متميز، لأنه كان كثير الاطلاع بمجريات الأمور ويحسن الكتابة والقراءة، كما كان مناضلا وطنيا، وقد أصبح فيما بعد، قائدا في الاتحاد العام للعمال المغاربة. وقد كان استقلاليا، وظل كذلك طيلة حياته إلى أن مات رحمه الله، واسمه أحمد السعيدي.
وما أتذكرة بقوة، هو أننا كلما ركبنا السيارة مع هذا السائق، كان يبادر إلى تلقيننا الدروس في الوطنية بأشكال مختلفة؛ لأنه أولا كان يعبر عن شعوره الذاتي، ونحن كنا كأطفال وقتئذ، نلتقط كل كلمة ينطق بها.
وعدا ذلك، أتذكر أنني، وقد كنت صغيرا بحيث لم يكن عمري يتجاوز خمسة سنوات، صاحبت خالي الدكتور الخطيب، وكان حينئذ طالبا في الطب، إلى منزل كنا نسميه في سلا بالنادي الوطني. ولا زلت أتذكر، وكانت سلا تعرف نشاطا سياسيا كثيفا، أن الحفل الذي حضرته برفقة خالي، ترك بصمات في ذاكرتي؛ فقد كانت تلقى بعض الأناشيد هنالك، بينها ذلك النشيد الذي كان يتحدث عن توحيد بلدان شمال إفريقيا، ويقول: (حيوا إفريقيا يا عباد// شمالها يبغي الاتحاد). كما كانت هنالك مناقشات حول الريف وملحمة محمد بن عبد الكريم الخطابي.
زد على هذا، أن سلا، كانت تعرف حينئذ، نوعا من الصراع بين من كان حزبيا (استقلاليا) وبين من كان قوميا (شوريا)، وقد كان في حينا، في باب احساين، دار سي علي عواد، وقد كان من رواد الحركة الوطنية في سلا، وهو جد أبناء عمي، وبالتالي، فقد كانت لدينا معه علاقات عضوية، وكان حفيده سي أحمد بن عمر بن علي، قائدا في الكشافة المحمدية، وكانوا يمرون أحيانا عبر أزقة حينا، ويرددون الأناشيد الكشفية، ونحن وراءهم، لكننا كنا نؤاخذ عليهم وقتئذ، رغم أن عمرنا لم يكن يتجاوز ست سنوات، كونهم من حزب الشورى والاستقلال، وكنا نصفهم بالقوميين. وبالنسبة لنا، فقد كان الحزبيون أكثر تطرفا بعض الشيء، في المطالبة باستقلال المغرب، ورفض الدخول في أي تعامل كيفما كان مع النظام القائم آنذاك، أي نظام الحماية. وأضف إلى ذلك، أن عائلتي كانت لديها علاقات متميزة مع الملك محمد الخامس ومع الحاشية الملكية بشكل هو أسري أكثر مما هو مسألة بروتوكول أو ما شابه. وأتذكر، وكان عمري سبع سنوات، أن محمد الخامس زارنا في منزلنا. وقد خلق لدي ذلك نوعا من الإحساس بالتميز الوطني. وما كان يزيد من وعيي بوجود الاستعمار، الاحتفال بعيد العرش، حيث كان ذلك يقام بشكل سنوي. وقد كنا لا نذهب إلى المدرسة الفرنسية، رغم أن ذلك اليوم، ليس يوم عطلة بالنسبة لهم.
ثم إن سائق أبي، كان يتتبع الأوضاع، ليس في المغرب وحده، بل وحتى في الخارج، وكان دائما يحدثنا عن استقلال ليبيا مطلع الخمسينيات، واستقلال إندونيسيا، كدولة إسلامية.
لقد كنا، ونحن صغارا، نمتص تلك المعطيات والمواقف مثل الإسفنج.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
2 - صعدنا إلى هضبة «بطانة» لنشاهد القطار عائدا من طنجة وعلى متنه الملك محمد الخامس
كنت أترجم الصحف الفرنسية لوالدي لكني لم أكن قادرا على فهم ما يكتبونه
* بطبيعة الحال، كلما كنت تزيد عمرا، كنت تزيد وعيا بالمسألة الوطنية؟
- بطبيعة الحال، سيما مع تطور الأحداث. فقد كان والدي لا يقرأ الفرنسية وبالتالي رغم شغفه على ما يجري والتعرف على ما يدور من حوله، كان يأتي بالصحف الفرنسية ويطلب مني أنا، كطفل صغير لا يتجاوز عمري تسع سنوات أو عشر سنوات، أن أترجم له مضمون المقالات، التي لم أكن أقدر على استيعاب ما كان يكتبه كتاب تلك المقالات.
وقد جعلني ذلك، بدرجة ما، أندرج في فهم الحياة السياسية، وأشبع بالروح الوطنية وأساسا بالتفرز الذي كان يميز المغاربة عن الآخرين. نضيف إلى هذا، الأحداث التي عاشتها مدينة سلا، وعلى سبيل المثال، في 1944، رغم أني لا أستطيع أن أتذكر ما كان يجري من مظاهرات وما كان ينتج عن ذلك من خسائر وشهداء، إلا أنني أتذكر أن الجيش الفرنسي قرر أن يحتل سطوح بعض المنازل، وبالفعل أتى جنود فرنسيون، وصعدوا إلى سطح منزلنا لمراقبة المدينة والحي، مثلنا في ذلك مثل بعض الدور من حولنا. وكان لذلك أثر كبير علي، إذ كان وجود جنود أجانب في منزلنا، وإن كان على السطح، يولد فيّ إحساسا بالقهر بشكل بيّن.
[ الملك محمد الخامس يستقبل أحد الوفود قبيل نفيه] وفي سنة 1947 كان سفر محمد الخامس إلى طنجة، وعند مروره في القطار، أتذكر أننا صعدنا على هضبة «بطانة» للنظر فقط في القطار المار والملك داخله عائدا من طنجة. ثم في سنة 46 و47، كانت هنالك حركة قوية لإنشاء المدارس الحرة، لا بالنسبة للحزبيين أو القوميين؛ فقد كان هناك نوع من التنافس الشريف لإنشاء المدارس العربية، مثل أبو بكر القادري الذي أنشأ مدرسة النهضة في ذلك الحي، وأتذكر أنني حضرت تدشين النواة التي تبعتها مدرسة النهضة الواقعة في باب شالة في سلا في «السوق الكبير». وحضرت هناك، ولازلت أتذكر الأناشيد التي كان يرددها الشباب آنذاك، وبالأساس ذلك البيت الذي يتكلم عن «الأفق الأزرق». هذا النشيد، وأشير إلى أنني كنت أميا في اللغة العربية آنذاك، كان يُغنّى في المكان الذي سيصبح فيما بعد مدرسة، وكان «مجيرا بالنيلة» في سقفه، فكان إذن أزرقا. فلما كانوا ينشدون «الأفق الأزرق»، كنت أرفع بصري فأرى السقف الأزرق، فأظن أنهم يعنون السقف.
بعد ذلك، تلاحقت الأحداث، واشتد الحبل بين الوطنيين من جهة، بجميع أطيافهم، والاستعمار من جهة أخرى، فكانت أحداث 1951 أولا مع محاولة تنحية محمد الخامس وإبعاده من المغرب، ثم في 52 كانت مظاهرات سبتمبر بسبب اغتيال فرحات حشاد في تونس وما أعقب ذلك من اعتقالات. وفي ذلك الوقت، كنت أدرس في الثانوية، ولأننا كنا نقطن في مدينة سلا، فقد كنا نذهب إلى ثانويتنا بالرباط، وكنا نخضع لمراقبة بوليسية في المرور، سيما قبل أن نقطع قنطرة أبي رقراق، وكنا طبعا لا ندخل إلى الرباط سوى بعد تفتيشنا بدقة لمعرفة ما إذا كنا نحمل شيئا، وقد كنا صغارا، وقتئذ، إذ لم يكن عمري حينئذ يتجاوز 12 عاما، وكنا نذهب إلى الرباط بالدراجات.
ثم أتى نفي الملك محمد الخامس وأسرته، وتصاعد موجة المقاومة، وقد كان لأسرتي هذه المرة أيضا دور قوي. فقد كان خالي الدكتور الخطيب، بحسب ما أتذكر، والعربي حصار، أدوار مهمة؛ لم يكونوا طبعا يسيرون الأحداث لكنهم كانوا يساهمون فيها بشكل أو بآخر، وأقصى ما حصل هو أن الدكتور الخطيب سافر إلى فرنسا ثم استقر فيما بعد في شمال المغرب وساهم هنالك مع آخرين في تكوين جيش التحرير، وأتذكر في 1953 أو 54 أو 55، أنني كنت أتتبع ما يحدث وأطالع الجرائد لمعرفة الأحداث المرتبطة بالمغرب. وبعد الاستقلال مباشرة في 1956 أتذكر لما عاد خالي الخطيب من جيش التحرير، ودخل منزلنا لتفقد أحوال العائلة بعد طول غياب، وكان يلبس جلبابا كنا نسميه بـ»البرطيزة» في المغرب الجنوبي، وهي أشبه ببذلة العسكر الشتوية، وكان كثيف اللحية.
بطبيعة الحال، كل هذه الأحداث والوقائع، بشكل مرتبط، أشعلت فيّ حسا وطنيا رغم صغر سني، وفضلا عما كنت أتتبعه من نشاطات أقربائي، كانت هنالك مشاهدات مباشرة لبعض المآسي التي تسبب فيها الاستعمار وتركت صورها مطبوعة في ذاكرتي، مثلما حدث لما كان في عمري خمس سنوات، بعد نهاية أحداث 1949، إذ ظهر وباء أصاب البلاد كلها، وكانت بادية آثاره في مدينة سلا، وهو وباء حمى «التيفوس». وأتذكر أنه لما كنا نعود من مدرستنا الواقعة في حي الشراطين في مدينة سلا، إلى منزلنا ونمر عبر القيسارية، نحو حي باب احساين، كانت مواكب الجنائز تمر، وكان العدد الكبير لهذه الجنائز وتعدد الجثامين في جنازة واحدة، مشهدا مرعبا ترسخ في ذهني كثيرا، ثم إني أتذكر أيضا أن الناس كانوا يطلبون منا حين مرور هذه المواكب، تغطية رؤوسنا، مخافة أن نصاب بالفزع وكنا ونحن قادمون من المدرسة بلباسنا «الرومي» آنذاك، نضع محافظنا المدرسية فوق رؤوسنا.
وكنا نلاحظ قساوة الحياة في ظل الاستعمار لما كنا نسافر إلى تيفلت، حيث كان يسكن أحد أعمامي، وكنا نسافر في الحافلة، ونمتطي سطحها، إذ كان مباحا السفر فوق الحافلة وقتئذ، وأحيانا كنا نسافر عبر سيارة والدي، وكنت أشاهد طبيعة حياة الفلاحين في الطريق، إذ لم تكن هناك لا دور ولا مساكن، وكل ما هنالك « النوالة» فقط، أي أن الناس كانوا يقطنون في أماكن غير صالحة للسكن تتكون من حجارة مركبة ومسقفة بـ»الشطب». أما الأطفال، فقد كانوا حفاة، وشبه عراة، وفي الغالب كانوا يلبسون «قشابة» وكنت أرى أن هذه «القشابة» تكون في الغالب، عبارة عن كيس طحين يحدثون فيه ثقوبا بجهة الرأس واليدين، وكان ذلك ملبسهم، لقد كانت تلك المشاهد مؤثرة بالفعل.
إذن، لما عاد الملك محمد الخامس من المنفى في سنة 1955، ساهمت دون شعور مني في الإعداد لهذا الحدث في مدينة سلا؛ فقد وجدت نفسي في شبه خلية لحزب الاستقلال مكونة من الشباب الذين كانوا يدرسون في ثانوية «غورو» أو ثانوية مولاي يوسف، والمسؤول عن هذه الخلية كان هو سي أحمد الدمناتي اليابوري، فقد كان مسؤولا عن تنظيم اللقاءات، وقد وجدت فيها فائدة كبيرة حيث كنا نتبادل الآراء حول تطور الوضعية السياسية، كما كنا نقوم بتقديم عروض، وعلى سبيل المثال، فقد كنت مكلفا بتقديم عروض حول الثورة الفرنسية وصغت شبه دستور مقتبس من الدستور الفرنسي الذي أعد بعد نفي نابليون في الفترة المسماة بـ»إعادة بناء فرنسا». ورغم ما يبدو من هذا، أنه نوع من الغرور، إلا أنه كان الواقع بالفعل. لم نكن كسالى في التفكير والعمل والنشاط وأيضا في الدراسة، بشكل عام، ونحن الذين كنا ندرس في ثانوية «غورو» كنا متقدمين في دراستنا، وكان ذلك محل اشمئزاز عدد من الفرنسيين وعدد من الأساتذة بالثانوية على وجه الخصوص.
* بطبيعة الحال، كلما كنت تزيد عمرا، كنت تزيد وعيا بالمسألة الوطنية؟
- بطبيعة الحال، سيما مع تطور الأحداث. فقد كان والدي لا يقرأ الفرنسية وبالتالي رغم شغفه على ما يجري والتعرف على ما يدور من حوله، كان يأتي بالصحف الفرنسية ويطلب مني أنا، كطفل صغير لا يتجاوز عمري تسع سنوات أو عشر سنوات، أن أترجم له مضمون المقالات، التي لم أكن أقدر على استيعاب ما كان يكتبه كتاب تلك المقالات.
وقد جعلني ذلك، بدرجة ما، أندرج في فهم الحياة السياسية، وأشبع بالروح الوطنية وأساسا بالتفرز الذي كان يميز المغاربة عن الآخرين. نضيف إلى هذا، الأحداث التي عاشتها مدينة سلا، وعلى سبيل المثال، في 1944، رغم أني لا أستطيع أن أتذكر ما كان يجري من مظاهرات وما كان ينتج عن ذلك من خسائر وشهداء، إلا أنني أتذكر أن الجيش الفرنسي قرر أن يحتل سطوح بعض المنازل، وبالفعل أتى جنود فرنسيون، وصعدوا إلى سطح منزلنا لمراقبة المدينة والحي، مثلنا في ذلك مثل بعض الدور من حولنا. وكان لذلك أثر كبير علي، إذ كان وجود جنود أجانب في منزلنا، وإن كان على السطح، يولد فيّ إحساسا بالقهر بشكل بيّن.
[ الملك محمد الخامس يستقبل أحد الوفود قبيل نفيه] وفي سنة 1947 كان سفر محمد الخامس إلى طنجة، وعند مروره في القطار، أتذكر أننا صعدنا على هضبة «بطانة» للنظر فقط في القطار المار والملك داخله عائدا من طنجة. ثم في سنة 46 و47، كانت هنالك حركة قوية لإنشاء المدارس الحرة، لا بالنسبة للحزبيين أو القوميين؛ فقد كان هناك نوع من التنافس الشريف لإنشاء المدارس العربية، مثل أبو بكر القادري الذي أنشأ مدرسة النهضة في ذلك الحي، وأتذكر أنني حضرت تدشين النواة التي تبعتها مدرسة النهضة الواقعة في باب شالة في سلا في «السوق الكبير». وحضرت هناك، ولازلت أتذكر الأناشيد التي كان يرددها الشباب آنذاك، وبالأساس ذلك البيت الذي يتكلم عن «الأفق الأزرق». هذا النشيد، وأشير إلى أنني كنت أميا في اللغة العربية آنذاك، كان يُغنّى في المكان الذي سيصبح فيما بعد مدرسة، وكان «مجيرا بالنيلة» في سقفه، فكان إذن أزرقا. فلما كانوا ينشدون «الأفق الأزرق»، كنت أرفع بصري فأرى السقف الأزرق، فأظن أنهم يعنون السقف.
بعد ذلك، تلاحقت الأحداث، واشتد الحبل بين الوطنيين من جهة، بجميع أطيافهم، والاستعمار من جهة أخرى، فكانت أحداث 1951 أولا مع محاولة تنحية محمد الخامس وإبعاده من المغرب، ثم في 52 كانت مظاهرات سبتمبر بسبب اغتيال فرحات حشاد في تونس وما أعقب ذلك من اعتقالات. وفي ذلك الوقت، كنت أدرس في الثانوية، ولأننا كنا نقطن في مدينة سلا، فقد كنا نذهب إلى ثانويتنا بالرباط، وكنا نخضع لمراقبة بوليسية في المرور، سيما قبل أن نقطع قنطرة أبي رقراق، وكنا طبعا لا ندخل إلى الرباط سوى بعد تفتيشنا بدقة لمعرفة ما إذا كنا نحمل شيئا، وقد كنا صغارا، وقتئذ، إذ لم يكن عمري حينئذ يتجاوز 12 عاما، وكنا نذهب إلى الرباط بالدراجات.
ثم أتى نفي الملك محمد الخامس وأسرته، وتصاعد موجة المقاومة، وقد كان لأسرتي هذه المرة أيضا دور قوي. فقد كان خالي الدكتور الخطيب، بحسب ما أتذكر، والعربي حصار، أدوار مهمة؛ لم يكونوا طبعا يسيرون الأحداث لكنهم كانوا يساهمون فيها بشكل أو بآخر، وأقصى ما حصل هو أن الدكتور الخطيب سافر إلى فرنسا ثم استقر فيما بعد في شمال المغرب وساهم هنالك مع آخرين في تكوين جيش التحرير، وأتذكر في 1953 أو 54 أو 55، أنني كنت أتتبع ما يحدث وأطالع الجرائد لمعرفة الأحداث المرتبطة بالمغرب. وبعد الاستقلال مباشرة في 1956 أتذكر لما عاد خالي الخطيب من جيش التحرير، ودخل منزلنا لتفقد أحوال العائلة بعد طول غياب، وكان يلبس جلبابا كنا نسميه بـ»البرطيزة» في المغرب الجنوبي، وهي أشبه ببذلة العسكر الشتوية، وكان كثيف اللحية.
بطبيعة الحال، كل هذه الأحداث والوقائع، بشكل مرتبط، أشعلت فيّ حسا وطنيا رغم صغر سني، وفضلا عما كنت أتتبعه من نشاطات أقربائي، كانت هنالك مشاهدات مباشرة لبعض المآسي التي تسبب فيها الاستعمار وتركت صورها مطبوعة في ذاكرتي، مثلما حدث لما كان في عمري خمس سنوات، بعد نهاية أحداث 1949، إذ ظهر وباء أصاب البلاد كلها، وكانت بادية آثاره في مدينة سلا، وهو وباء حمى «التيفوس». وأتذكر أنه لما كنا نعود من مدرستنا الواقعة في حي الشراطين في مدينة سلا، إلى منزلنا ونمر عبر القيسارية، نحو حي باب احساين، كانت مواكب الجنائز تمر، وكان العدد الكبير لهذه الجنائز وتعدد الجثامين في جنازة واحدة، مشهدا مرعبا ترسخ في ذهني كثيرا، ثم إني أتذكر أيضا أن الناس كانوا يطلبون منا حين مرور هذه المواكب، تغطية رؤوسنا، مخافة أن نصاب بالفزع وكنا ونحن قادمون من المدرسة بلباسنا «الرومي» آنذاك، نضع محافظنا المدرسية فوق رؤوسنا.
وكنا نلاحظ قساوة الحياة في ظل الاستعمار لما كنا نسافر إلى تيفلت، حيث كان يسكن أحد أعمامي، وكنا نسافر في الحافلة، ونمتطي سطحها، إذ كان مباحا السفر فوق الحافلة وقتئذ، وأحيانا كنا نسافر عبر سيارة والدي، وكنت أشاهد طبيعة حياة الفلاحين في الطريق، إذ لم تكن هناك لا دور ولا مساكن، وكل ما هنالك « النوالة» فقط، أي أن الناس كانوا يقطنون في أماكن غير صالحة للسكن تتكون من حجارة مركبة ومسقفة بـ»الشطب». أما الأطفال، فقد كانوا حفاة، وشبه عراة، وفي الغالب كانوا يلبسون «قشابة» وكنت أرى أن هذه «القشابة» تكون في الغالب، عبارة عن كيس طحين يحدثون فيه ثقوبا بجهة الرأس واليدين، وكان ذلك ملبسهم، لقد كانت تلك المشاهد مؤثرة بالفعل.
إذن، لما عاد الملك محمد الخامس من المنفى في سنة 1955، ساهمت دون شعور مني في الإعداد لهذا الحدث في مدينة سلا؛ فقد وجدت نفسي في شبه خلية لحزب الاستقلال مكونة من الشباب الذين كانوا يدرسون في ثانوية «غورو» أو ثانوية مولاي يوسف، والمسؤول عن هذه الخلية كان هو سي أحمد الدمناتي اليابوري، فقد كان مسؤولا عن تنظيم اللقاءات، وقد وجدت فيها فائدة كبيرة حيث كنا نتبادل الآراء حول تطور الوضعية السياسية، كما كنا نقوم بتقديم عروض، وعلى سبيل المثال، فقد كنت مكلفا بتقديم عروض حول الثورة الفرنسية وصغت شبه دستور مقتبس من الدستور الفرنسي الذي أعد بعد نفي نابليون في الفترة المسماة بـ»إعادة بناء فرنسا». ورغم ما يبدو من هذا، أنه نوع من الغرور، إلا أنه كان الواقع بالفعل. لم نكن كسالى في التفكير والعمل والنشاط وأيضا في الدراسة، بشكل عام، ونحن الذين كنا ندرس في ثانوية «غورو» كنا متقدمين في دراستنا، وكان ذلك محل اشمئزاز عدد من الفرنسيين وعدد من الأساتذة بالثانوية على وجه الخصوص.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
3 - لم يكن يعلم بوجود نشاط وطني لوالده حتى أقام حفلا لبعض المقاومين
حسني بنسليمان كان يراقبنا في مخيم جدتي بمدينة الجديدة
* وهل كنت تحس بوجود نشاط وطني لدى والدك؟
- لا، لأنه أولا، كان موظفا من جهة، ثم إنه لم يكن يطلعنا على أي شيء من جهة أخرى، ولكن بعد عودة محمد الخامس من منفاه، وقبل تعيين والدي كباشا على مدينة القنيطرة، حضر إلى منزلنا مجموعة من المقاومين السلاويين، ما يعني أن الاتصالات بين والدي والمقاومين كانت موجودة بالفعل قبل ذلك التاريخ، رغم تقيده بوظيفته التي تفرض عليه نوعا من التحفظ في سلوكه. لكن علاقاته مع عدد من المقاومين ظهرت بأنها كانت موجودة، ولذلك، حضروا لمنزلنا لما أطلق سراح البعض منهم، وخروج البعض الآخر من العمل السري، وأقيم بمنزلنا حفل خاص بهم.
وغير ذلك، لا يمكنني قول شيء آخر عن نشاط وطني لوالدي، لأن هذا هو حدود علمي وقتئذ، وقد زاد ذلك نوع من البعد بيننا وبين الأب، ليس بمعنى أنه لم يكن هنالك عطف وحنان، ولكن دائما كان هناك شيء من الوقار كما يقولون، والدي رحمه الله، يتسم في نظري، بكونه لم يكن مجرد رب البيت فقط، بل المرجع والقدوة، وقد كان بالفعل، قدوة حسنة سواء بالنسبة للاستقامة أو الصراحة، أو بالنسبة للنزاهة في العمل وفي الحياة. وأرجو أن أكون قد ورثت عنه بعض هذه الخصال، ليس كلها من دون شك، وإنما بعضها، على الأقل فيما يخص النقاء والصفاء والعمل الجدي.
بالطبع، فإن التعامل في الحياة كان متعدد الأوجه بالنسبة لي داخل العائلة، وفي هذا السياق، أتذكر أنه في كل عطلة صيف، كنا نذهب إلى الجديدة، إلى منزل الجد والجدة، (الجد توفي في سنة 1953)، وقد كانت جدتي تجمع من حولها جميع أحفادها، وقد كنا كثر حينئذ، ولم يقتصر الأمر علينا نحن المنتمين لعائلة واحدة، بل وكان معنا عدد من الأطفال الآخرين خارج العائلة ممن كان أهاليهم يفضلون وضعهم تحت وصاية جدتي، لأنها كانت تتصف بكثير من الانضباط والصرامة والوقار؛ فكنا نذهب على سبيل المثال، ونحن في الجديدة إلى الشاطئ للسباحة، وكأننا أطفال مخيم، ملتزمون في صف اثنان خلف اثنان، وكان مسيرو هذه المجموعة هم ثلاثة من الأقارب أكبر منا قليلا في السن، وهم عبد الكريم بن سليمان وبدر الدين الخطيب (أصبح ضابطا في الطيران ثم ترقى إلى رتبة كولونيل) ثم حسني بنسليمان، هؤلاء كانوا هم المسؤولين عنا نحن الأطفال الصغار، وكانوا مكلفين بحراستنا في الشاطئ، ويمكنني أن أصف ذلك بنوع من النظام العسكري.
وتميز الجو الذي كنت أنمو فيه، بالتنوع القائم في الآراء بين الأقارب، مثلما كان موجودا بين خالي الخطيب وخالي الثاني الأكبر منه سنا، عبد الرحمان الخطيب، وهذا الأخير كان أكثر انفتاحا على الحياة العصرية، وكنا طبعا نأخذه كمرجع في الأمور المرتبطة بمسايرة العصر والحداثة، في حين كان أخوالي الآخرون سواء سيدي محفوظ أو سيدي أحمد، أكثر تقليدية، إذ لم يكونا بالنسبة لي يمثلان شيئا كثيرا فيما يخص الانفتاح على العالم، كما أن احتكاكي بالعربي حصار الذي كان قياديا في حزب الاستقلال بمدينة سلا، وزوجته فاطمة بنسليمان حصار التي كانت من المغربيات الأوليات اللواتي حصلن على تعليم مزدوج ومتقدم، ساهم في بناء شخصيتي في ذلك الوقت، رغم أن الأحداث الجارية وقتئذ كانت تفوق مستوى إدراكي. وما حصل في نهاية المطاف أنني وجدت نفسي مشبعا بكثير من القيم دون شعور.
[بعض زعماء الحركة الوطنية بمدينة سلا وممثلي الشبيبة السلاوية، وهم (من اليمين إلى اليسار) أبو بكر القادري، مولاي العربي العلوي، الحاج أحمد بلافريج، محمد غازي، وأبو بكر زنيبر والفقيه التطواني ] * من كان زملاؤك المغاربة في المدرسة حينئذ؟
- في المدرسة الابتدائية كان رفاقي في الدراسة من الفرنسيين، وهؤلاء لم يكونوا بطبيعة الحال، زملاء مقربين مني، بل كانت توجد بيننا حدود. وكانت علاقتي بهم تنتهي بمجرد الخروج من المدرسة، فهم كانوا يعودون إلى حيهم، فيما كنت أعود إلى حينا البعيد عنهم أيضا.
وفي المرحلة الثانوية، تغيرت الأمور بالطبع، إذ لم يعد ذلك الحاجز الموجود بين المستعمر والمستعمر قائما، بل كنا على قدم المساواة، سيما خلال الاستقلال، إذ أصبح الفرنسيون ضيوفا عندنا وليس كما كان الأمر من قبل حين كانوا هم الحاكمون، وقد استكملت دراستي الثانوية في مدينة القنيطرة، حيث أصبح والدي باشا على هذه المدينة. وأتذكر أنه في المدرسة الابتدائية كان التلاميذ المغاربة يعدون على رؤوس الأصابع. ولما كنت في المدرسة الفرنسية التحق بي تلميذ مغربي يدعى العلوي أيضا، وهو شقيق مولاي المهدي العلوي، وكان اسمه الكامل مولاي علي العلوي، وقضى معنا سنة واحدة أو سنتين، وغادر إلى مدرسة أخرى. وفي مرحلة المتوسط الأول، كان عم وزيرة الطاقة الحالية، أمينة بنخضراء السي حسن الذي كان متزوجا من ابنة عمي، التحق بنا في المدرسة لكنه لم يمكث طويلا. وإلى جانب ذلك درس معي أخي مولاي الطيب العلوي، وكان في صفه رشيد حصار ثم محمد رشيد الصابونجي (والد أمين الصابونجي الذي يعمل حاليا مسؤولا في مصلحة الإشهار في مؤسسة البيان). وكان هنالك ابن خال الوالد، الحصيني سعد، كان يدرس في تلك المدرسة الفرنسية.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد التلاميذ المغاربة ممن يلتحقون بالمدارس الفرنسية كان قليلا جدا، لكن التلاميذ من الجزائريين كانوا موجودين لأنهم إما كانوا يعدون كرعايا فرنسيين، أو كمواطنين فرنسيين بعد 1947. وقد كانت بعض العائلات الجزائرية تفضل تعليم أبنائها في المدارس الفرنسية.
* وهل كانت لديك علاقات مع أطفال مغاربة خارج المدرسة؟
- لم تكن لي في الواقع علاقات كثيرة، سوى مع أبناء عمومتي ممن كانوا يدرسون في مدرسة «كسوس» أو في مدرسة «سور سلا»، وعدا ذلك، لم تكن لدي صداقات مع أطفال آخرين، وأحس بالفعل بأن هذه العلاقات نقصتني في حياتي حينئذ، إذ لم تبلغ علاقات الصداقة بيني وبين أبناء جيلي حتى المرحلة الثانوية من دراستي في مدينة الرباط، حين كنا نسير إلى المدينة في أفواج ممتطين دراجات هوائية سواء إلى «ثانوية غورو» أو ثانوية مولاي يوسف، وقد كان هنالك تمازج بين الفئتين، فئة الذين كانوا يتابعون دراستهم في المدرسة الفرنسية، والفئة التي كانت تتلقى تعليما مزدوجا في ثانوية مولاي يوسف.
* لماذا اخترت أو اختارت أسرتك متابعة الدراسة الثانوية في مدرسة فرنسية بدل مولاي يوسف؟
- لأني بدأت دراستي على النهج الفرنسي، فقد استمريت عليه، زد على هذا أن أخوالي سواء الدكتور الخطيب أو الأستاذ الخطيب تلقيا تعليمهما في المدارس الفرنسية، وكان تخصصهما في اللغات هو اللاتينية، وكانا يقولان لي بأن تعلم هذه اللغات شيء مفيد ومهم جدا، لأنه يدفع إلى نوع من الرياضة الذهنية، عن طريق الانتقال من لغة قديمة إلى لغة حية في الترجمة، وقد أعجبت بذلك، فكانت اللغة اللاتينية اختياري في المرحلة الثانوية من تعليمي من السنة الأولى ثانوي إلى الجزء الثاني من الباكالوريا، (الباكالوريا كانت في ذلك الوقت على قسمين الباكالوريا الأولى، والباكالوريا الثانية). وقد وجدت في هذه اللغة فائدة كبيرة لأنها تسهل معرفة اللغات المنحدرة من تلك اللغة، ورغم أنه على سبيل المثال، يصعب علي التحدث باللغة الإيطالية، إلا أنني أستطيع قراءة كتاب باللغة الإيطالية وفهمه.
وأعتقد أن هذه الطريقة في التعليم التي سرت عليها، سواء من حيث تكويننا المتين في الفرنسية أو التكوين المقبول شيئا ما في اللغة العربية، رغم أن ذلك بقي محصورا في تعليمنا المنزلي، وتعلم اللغتين الإسبانية والإنجليزية في الثانوي، كانت مصدر ثراء وغنى ثقافي، وكانت مفيدة بالنسبة لي.
* وهل كنت تحس بوجود نشاط وطني لدى والدك؟
- لا، لأنه أولا، كان موظفا من جهة، ثم إنه لم يكن يطلعنا على أي شيء من جهة أخرى، ولكن بعد عودة محمد الخامس من منفاه، وقبل تعيين والدي كباشا على مدينة القنيطرة، حضر إلى منزلنا مجموعة من المقاومين السلاويين، ما يعني أن الاتصالات بين والدي والمقاومين كانت موجودة بالفعل قبل ذلك التاريخ، رغم تقيده بوظيفته التي تفرض عليه نوعا من التحفظ في سلوكه. لكن علاقاته مع عدد من المقاومين ظهرت بأنها كانت موجودة، ولذلك، حضروا لمنزلنا لما أطلق سراح البعض منهم، وخروج البعض الآخر من العمل السري، وأقيم بمنزلنا حفل خاص بهم.
وغير ذلك، لا يمكنني قول شيء آخر عن نشاط وطني لوالدي، لأن هذا هو حدود علمي وقتئذ، وقد زاد ذلك نوع من البعد بيننا وبين الأب، ليس بمعنى أنه لم يكن هنالك عطف وحنان، ولكن دائما كان هناك شيء من الوقار كما يقولون، والدي رحمه الله، يتسم في نظري، بكونه لم يكن مجرد رب البيت فقط، بل المرجع والقدوة، وقد كان بالفعل، قدوة حسنة سواء بالنسبة للاستقامة أو الصراحة، أو بالنسبة للنزاهة في العمل وفي الحياة. وأرجو أن أكون قد ورثت عنه بعض هذه الخصال، ليس كلها من دون شك، وإنما بعضها، على الأقل فيما يخص النقاء والصفاء والعمل الجدي.
بالطبع، فإن التعامل في الحياة كان متعدد الأوجه بالنسبة لي داخل العائلة، وفي هذا السياق، أتذكر أنه في كل عطلة صيف، كنا نذهب إلى الجديدة، إلى منزل الجد والجدة، (الجد توفي في سنة 1953)، وقد كانت جدتي تجمع من حولها جميع أحفادها، وقد كنا كثر حينئذ، ولم يقتصر الأمر علينا نحن المنتمين لعائلة واحدة، بل وكان معنا عدد من الأطفال الآخرين خارج العائلة ممن كان أهاليهم يفضلون وضعهم تحت وصاية جدتي، لأنها كانت تتصف بكثير من الانضباط والصرامة والوقار؛ فكنا نذهب على سبيل المثال، ونحن في الجديدة إلى الشاطئ للسباحة، وكأننا أطفال مخيم، ملتزمون في صف اثنان خلف اثنان، وكان مسيرو هذه المجموعة هم ثلاثة من الأقارب أكبر منا قليلا في السن، وهم عبد الكريم بن سليمان وبدر الدين الخطيب (أصبح ضابطا في الطيران ثم ترقى إلى رتبة كولونيل) ثم حسني بنسليمان، هؤلاء كانوا هم المسؤولين عنا نحن الأطفال الصغار، وكانوا مكلفين بحراستنا في الشاطئ، ويمكنني أن أصف ذلك بنوع من النظام العسكري.
وتميز الجو الذي كنت أنمو فيه، بالتنوع القائم في الآراء بين الأقارب، مثلما كان موجودا بين خالي الخطيب وخالي الثاني الأكبر منه سنا، عبد الرحمان الخطيب، وهذا الأخير كان أكثر انفتاحا على الحياة العصرية، وكنا طبعا نأخذه كمرجع في الأمور المرتبطة بمسايرة العصر والحداثة، في حين كان أخوالي الآخرون سواء سيدي محفوظ أو سيدي أحمد، أكثر تقليدية، إذ لم يكونا بالنسبة لي يمثلان شيئا كثيرا فيما يخص الانفتاح على العالم، كما أن احتكاكي بالعربي حصار الذي كان قياديا في حزب الاستقلال بمدينة سلا، وزوجته فاطمة بنسليمان حصار التي كانت من المغربيات الأوليات اللواتي حصلن على تعليم مزدوج ومتقدم، ساهم في بناء شخصيتي في ذلك الوقت، رغم أن الأحداث الجارية وقتئذ كانت تفوق مستوى إدراكي. وما حصل في نهاية المطاف أنني وجدت نفسي مشبعا بكثير من القيم دون شعور.
[بعض زعماء الحركة الوطنية بمدينة سلا وممثلي الشبيبة السلاوية، وهم (من اليمين إلى اليسار) أبو بكر القادري، مولاي العربي العلوي، الحاج أحمد بلافريج، محمد غازي، وأبو بكر زنيبر والفقيه التطواني ] * من كان زملاؤك المغاربة في المدرسة حينئذ؟
- في المدرسة الابتدائية كان رفاقي في الدراسة من الفرنسيين، وهؤلاء لم يكونوا بطبيعة الحال، زملاء مقربين مني، بل كانت توجد بيننا حدود. وكانت علاقتي بهم تنتهي بمجرد الخروج من المدرسة، فهم كانوا يعودون إلى حيهم، فيما كنت أعود إلى حينا البعيد عنهم أيضا.
وفي المرحلة الثانوية، تغيرت الأمور بالطبع، إذ لم يعد ذلك الحاجز الموجود بين المستعمر والمستعمر قائما، بل كنا على قدم المساواة، سيما خلال الاستقلال، إذ أصبح الفرنسيون ضيوفا عندنا وليس كما كان الأمر من قبل حين كانوا هم الحاكمون، وقد استكملت دراستي الثانوية في مدينة القنيطرة، حيث أصبح والدي باشا على هذه المدينة. وأتذكر أنه في المدرسة الابتدائية كان التلاميذ المغاربة يعدون على رؤوس الأصابع. ولما كنت في المدرسة الفرنسية التحق بي تلميذ مغربي يدعى العلوي أيضا، وهو شقيق مولاي المهدي العلوي، وكان اسمه الكامل مولاي علي العلوي، وقضى معنا سنة واحدة أو سنتين، وغادر إلى مدرسة أخرى. وفي مرحلة المتوسط الأول، كان عم وزيرة الطاقة الحالية، أمينة بنخضراء السي حسن الذي كان متزوجا من ابنة عمي، التحق بنا في المدرسة لكنه لم يمكث طويلا. وإلى جانب ذلك درس معي أخي مولاي الطيب العلوي، وكان في صفه رشيد حصار ثم محمد رشيد الصابونجي (والد أمين الصابونجي الذي يعمل حاليا مسؤولا في مصلحة الإشهار في مؤسسة البيان). وكان هنالك ابن خال الوالد، الحصيني سعد، كان يدرس في تلك المدرسة الفرنسية.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد التلاميذ المغاربة ممن يلتحقون بالمدارس الفرنسية كان قليلا جدا، لكن التلاميذ من الجزائريين كانوا موجودين لأنهم إما كانوا يعدون كرعايا فرنسيين، أو كمواطنين فرنسيين بعد 1947. وقد كانت بعض العائلات الجزائرية تفضل تعليم أبنائها في المدارس الفرنسية.
* وهل كانت لديك علاقات مع أطفال مغاربة خارج المدرسة؟
- لم تكن لي في الواقع علاقات كثيرة، سوى مع أبناء عمومتي ممن كانوا يدرسون في مدرسة «كسوس» أو في مدرسة «سور سلا»، وعدا ذلك، لم تكن لدي صداقات مع أطفال آخرين، وأحس بالفعل بأن هذه العلاقات نقصتني في حياتي حينئذ، إذ لم تبلغ علاقات الصداقة بيني وبين أبناء جيلي حتى المرحلة الثانوية من دراستي في مدينة الرباط، حين كنا نسير إلى المدينة في أفواج ممتطين دراجات هوائية سواء إلى «ثانوية غورو» أو ثانوية مولاي يوسف، وقد كان هنالك تمازج بين الفئتين، فئة الذين كانوا يتابعون دراستهم في المدرسة الفرنسية، والفئة التي كانت تتلقى تعليما مزدوجا في ثانوية مولاي يوسف.
* لماذا اخترت أو اختارت أسرتك متابعة الدراسة الثانوية في مدرسة فرنسية بدل مولاي يوسف؟
- لأني بدأت دراستي على النهج الفرنسي، فقد استمريت عليه، زد على هذا أن أخوالي سواء الدكتور الخطيب أو الأستاذ الخطيب تلقيا تعليمهما في المدارس الفرنسية، وكان تخصصهما في اللغات هو اللاتينية، وكانا يقولان لي بأن تعلم هذه اللغات شيء مفيد ومهم جدا، لأنه يدفع إلى نوع من الرياضة الذهنية، عن طريق الانتقال من لغة قديمة إلى لغة حية في الترجمة، وقد أعجبت بذلك، فكانت اللغة اللاتينية اختياري في المرحلة الثانوية من تعليمي من السنة الأولى ثانوي إلى الجزء الثاني من الباكالوريا، (الباكالوريا كانت في ذلك الوقت على قسمين الباكالوريا الأولى، والباكالوريا الثانية). وقد وجدت في هذه اللغة فائدة كبيرة لأنها تسهل معرفة اللغات المنحدرة من تلك اللغة، ورغم أنه على سبيل المثال، يصعب علي التحدث باللغة الإيطالية، إلا أنني أستطيع قراءة كتاب باللغة الإيطالية وفهمه.
وأعتقد أن هذه الطريقة في التعليم التي سرت عليها، سواء من حيث تكويننا المتين في الفرنسية أو التكوين المقبول شيئا ما في اللغة العربية، رغم أن ذلك بقي محصورا في تعليمنا المنزلي، وتعلم اللغتين الإسبانية والإنجليزية في الثانوي، كانت مصدر ثراء وغنى ثقافي، وكانت مفيدة بالنسبة لي.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
4 - حصل على الباكالوريا في القنيطرة ثم تسجل في ثلاث شهادات جامعية دفعة واحدة
حاولت تقليد الهولنديين في غمر مياه البحر بالمغرب لكنني كنت حالما
* بعدها، انتقلتم إلى مدينة القنيطرة حيث حصلت على شهادة الباكالوريا.
العلوي: كنا قد انتقلنا بالطبع إلى القنيطرة مع والدي بعد تعيينه قائدا على هذه المدينة، بكافة أفراد أسرتي. وقد حصلت على شهادة الباكالوريا في جزئها الأول والثاني هنالك في ثانوية تدعىcollege mixte de port lyautey ، وقد تغير اسمها بطبيعة الحال، غداة الاستقلال، لتصبح ثانوية عبد المالك السعدي، ومع ذلك، فقد كانت دراستي في هذه الثانوية على المنهج الفرنسي، وليس على النهج المغربي.
* متى عين والدك باشا على مدينة القنيطرة ؟
- عين مباشرة بعد عودة الملك محمد الخامس من المنفى في نونبر. إذ صدر ظهير تعيين ووالدي كباشا على المدينة بعد شهر من ذلك.
* وهل شرح لكم الأب حيثيات التعيين وما يصاحبه من انتقال؟
العلوي: لا، لم يشرح أي شيء، والدي لم يكن يدع نفسه يغرق في مثل هذه الجزيئات، وكل ما هنالك أن قرار التعيين صدر، فكان الرحيل قرارا محسوما سلفا، وهكذا كانت الأمور تجري معه، إذ لم يكن يجري أي تشاور معنا على الإطلاق.
وأتذكر في هذا السياق، أنه في إحدى المرات، بمدينة القنيطرة، كان والدي قد باشر بعض الإصلاحات في السكن الوظيفي حيث كنا نقطن، وطلب مني أنا وشقيقيّ الإدلاء بمقترحات حول كيفية الترميم والإصلاح، وشرعنا في الكلام، كل واحد منا يقترح القيام بإصلاح هنا أو هناك. ولما أنهينا كلامنا نحن الثلاث، وهو يستمع إلينا بإمعان، قال لنا « شوفو أوليداتي، ملي تكبر ديرو لي بغيتو، أما دبا نوضو سيرو فحالكم علي». بالطبع، لم يكن ينطق بتلك الكلمات بنوع من الخشونة، لكن سلوكه كان يعكس فكرة في رأسه وهي انه صاحب القرار وليس أحدا غيره. وبالتالي، لم يكن لدينا نحن، أو سوانا، الحق في تغيير ما يقره.
* وهل تغير سلوك والدك بعدما أصبح رجل سلطة؟
- لم يتغير سلوكه أبدا، بل ظل كما كنا نعرفه دوما. وما رأيته في هذا الجانب، هو أن والدي ترك انطباعا طيبا لدى سكان القنيطرة، فقد كان كما كان يقول أحد الأصدقاء ممن عايشوه في تلك الفترة،»رجلا قويا» و»ذو شخصية قوية» . وقد كان صارما بعض الشيء في تصرفاته وسلوكاته في بعض الأحيان مع الناس، بل وكان ينتفض أحيانا غضبا، لكنه سرعان ما يهدأ ويتحول إلى شخص بشوش معهم.
* وكيف اندمجت في بيئة القنيطرة بعد انتقالكم إليها؟
- بالطبع، فقد كانت بيئة مدينة القنيطرة، مغايرة لما كان في سلا أو الرباط، ومع ذلك، لم يطرح هذا التغير أي مشكل بالنسبة لي؛ أولا، ما لاحظته أن ما كان يميز مدينة القنيطرة عن الرباط في باب التعليم، هو أن التعليم الثانوي في القنيطرة، كان مختلطا، فيما مدرستنا في الرباط، كانت خاصة بالبنين دون البنات، وهذا كان بالنسبة لي أمرا جديدا، فكان وكأني عدت إلى المرحلة الابتدائية حيث كنا في مدرسة مختلطة.
* ثم حصلت على شهادة الباكالوريا..
- بعد حصولي على الجزء الثاني من شهادة الباكالوريا، كان من الضروري وفق النظام التعليمي الذي كان سائدا وقتئذ أن نمر بما يسمى بشهادة الدراسات العامة، وتلقيت تعليمي لهذه الشهادة في ثانوية ليوطي في مدينة الدار البيضاء، ولأني غادرت بيتي، فقد تكفل بمسكني خالي عبد الرحمان الخطيب.
وقد كان عاما ممتازا على جميع المستويات، إذ كنت مسجلا في الشهادة العامة بثانوية ليوطي ومسجلا أيضا في السنة الأولى بكلية الحقوق بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ودراسة الحقوق في ذلك الوقت، لم تكن حتى كلية وقتئذ، بل كانت نواة لكلية موجودة في الطابق الأول لعمارة «الستيام»، فذلك كان مقر هذه « الكلية»
وقد كنت حينئذ متحررا من الوضع الأسري، بعدما بت أقطن مع خالي، ثم إن الشهادة العامة كانت تفتح أفاقا معرفية هامة، مثلها في ذلك مثل دراسة الحقوق، بحيث منحت نكهة خاصة لذلك المناخ التكويني حيث كنت أتواجد.
* بعد ذلك، ستغادر لاستكمال الدراسة في الخارج.
- بعدما سجلت في شهادة الدراسات العامة بثانوية ليوطي، وكذا في شعبة الجغرافيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، (كانت الدراسة الجامعية وقتئذ لا تحسب بالسنوات بل بالشهادات) وكانت شعبة الجغرافيا تتشعب إلى شهادة الجغرافيا العامة وشهادة التاريخ القديم، وكنت عازما على التسجيل فيهما معا، وذلك ما حصل فعلا، حيث قضيت السنة الأولى، وحصلت على شهادتين في الفرعين معا.
بعدها، سافرت إلى فرنسا، وبالضبط نحو معهد الجغرافيا التابع لجامعة السوربون، إذ كانت هي الجامعة الوحيدة الموجودة في العاصمة الفرنسية باريس. وقد تلقيت في المعهد ما كنت أختاره لنفسي، وما حددته ليكون تخصصي منذ سنوات، فقد كنت أعرف أنني أريد أن أتخصص في الجغرافيا بشكل أساسي، ثم التاريخ كمعطى تكويني.
* لماذا اختيارك للجغرافيا بالضبط؟
- اخترت الجغرافيا في وقت كانت هنالك موضة تسري في عالم الجغرافيا، وهي الجغرافيا التطبيقية، أي أن المرء لن يتعلم المعطيات المتعلقة بالجيوفورمولوجيا أوالتضاريس أوالمعطيات الجيوسياسية أو الجغرافيا الإقليمية، بل كانت هنالك رغبة من أجل تغيير الواقع المعيش من قبل الإنسان، أي تغيير ظروف عيشه وبيئته، وقد كان هذا الاتجاه في التفكير يعجبني، فقد كنت أحب هذا التصور، بل وكنت مغرورا في مدى قدرتي على إخضاع الطبيعة لإرادتي. وعلى سبيل المثال، فإن ثاني سفر قمت به في أوروبا، قادني إلى هولندا، وما أثار إعجابي هنالك هو تشييد «البولدرز»هنالك، إذ بهذه الطريقة تمكن الهولنديون من ربح نصف أراضيهم الحالية على حساب البحر (نصف هولندا كان حينئذ اقل من مستوى البحر) وقد ظهر لي أن هذه العملية لا تستحق الإعجاب فحسب، بل وتحتاج إلى تعرف عن كثب، وهكذا رحت إلى إدارة المياه الهولندية، وقد مدوني بشكل مستغرب بالنسبة لي، بعدد من الوثائق والمعلومات المتعلقة ببناء تلك الحواجز وبكيفية تمويل أراضي مغمورة بمياه البحر إلى أراضي صالحة للزراعة والفلاحة. لقد كان ذلك أمرا مدهشا لدرجة دفعتني إلى التفكير بأنه يمكن تحقيق أوراش مشابهة بهذه بالمغرب، وكان لدي حلم في هذا الصدد راودني بل وحاولت أن أصوغ حلمي في مشروع تشييد ميناء بمدينة القنيطرة في سهل على حساب الترسبات الطينية الموجودة هنالك، إذ يمكن فتح قناة لحمل مياه البحر ثم بحفر أحواض السفن، وقد كان ذلك المشروع ممكنا، لكن ما لم يخطر على بالي حينئذ هو الكلفة الضخمة لمثل هذا المشروع، إذ لم أكن أبالي بهذه التفاصيل، لكن يمكن القول أن موانئ أخرى بنيت على هذه القاعدة مثل ميناء «دانكيك» الفرنسي، ليس عبر الولوج إلى البحر بل بحمل البحر إلى الأرض.
ولأن أحلامي كانت كثيرة حينئذ، فقد كنت أقارن بين أوضاع الشعب المغربي على المستوى الاجتماعي، والقدرة على التغيير المتجسدة في العلم والمعرفة، فقادني هذا التفكير مباشرة إلى الحزب الشيوعي المغربي، وإن كان التحاقي به يكاد يكون صدفة.
* بعدها، انتقلتم إلى مدينة القنيطرة حيث حصلت على شهادة الباكالوريا.
العلوي: كنا قد انتقلنا بالطبع إلى القنيطرة مع والدي بعد تعيينه قائدا على هذه المدينة، بكافة أفراد أسرتي. وقد حصلت على شهادة الباكالوريا في جزئها الأول والثاني هنالك في ثانوية تدعىcollege mixte de port lyautey ، وقد تغير اسمها بطبيعة الحال، غداة الاستقلال، لتصبح ثانوية عبد المالك السعدي، ومع ذلك، فقد كانت دراستي في هذه الثانوية على المنهج الفرنسي، وليس على النهج المغربي.
* متى عين والدك باشا على مدينة القنيطرة ؟
- عين مباشرة بعد عودة الملك محمد الخامس من المنفى في نونبر. إذ صدر ظهير تعيين ووالدي كباشا على المدينة بعد شهر من ذلك.
* وهل شرح لكم الأب حيثيات التعيين وما يصاحبه من انتقال؟
العلوي: لا، لم يشرح أي شيء، والدي لم يكن يدع نفسه يغرق في مثل هذه الجزيئات، وكل ما هنالك أن قرار التعيين صدر، فكان الرحيل قرارا محسوما سلفا، وهكذا كانت الأمور تجري معه، إذ لم يكن يجري أي تشاور معنا على الإطلاق.
وأتذكر في هذا السياق، أنه في إحدى المرات، بمدينة القنيطرة، كان والدي قد باشر بعض الإصلاحات في السكن الوظيفي حيث كنا نقطن، وطلب مني أنا وشقيقيّ الإدلاء بمقترحات حول كيفية الترميم والإصلاح، وشرعنا في الكلام، كل واحد منا يقترح القيام بإصلاح هنا أو هناك. ولما أنهينا كلامنا نحن الثلاث، وهو يستمع إلينا بإمعان، قال لنا « شوفو أوليداتي، ملي تكبر ديرو لي بغيتو، أما دبا نوضو سيرو فحالكم علي». بالطبع، لم يكن ينطق بتلك الكلمات بنوع من الخشونة، لكن سلوكه كان يعكس فكرة في رأسه وهي انه صاحب القرار وليس أحدا غيره. وبالتالي، لم يكن لدينا نحن، أو سوانا، الحق في تغيير ما يقره.
* وهل تغير سلوك والدك بعدما أصبح رجل سلطة؟
- لم يتغير سلوكه أبدا، بل ظل كما كنا نعرفه دوما. وما رأيته في هذا الجانب، هو أن والدي ترك انطباعا طيبا لدى سكان القنيطرة، فقد كان كما كان يقول أحد الأصدقاء ممن عايشوه في تلك الفترة،»رجلا قويا» و»ذو شخصية قوية» . وقد كان صارما بعض الشيء في تصرفاته وسلوكاته في بعض الأحيان مع الناس، بل وكان ينتفض أحيانا غضبا، لكنه سرعان ما يهدأ ويتحول إلى شخص بشوش معهم.
* وكيف اندمجت في بيئة القنيطرة بعد انتقالكم إليها؟
- بالطبع، فقد كانت بيئة مدينة القنيطرة، مغايرة لما كان في سلا أو الرباط، ومع ذلك، لم يطرح هذا التغير أي مشكل بالنسبة لي؛ أولا، ما لاحظته أن ما كان يميز مدينة القنيطرة عن الرباط في باب التعليم، هو أن التعليم الثانوي في القنيطرة، كان مختلطا، فيما مدرستنا في الرباط، كانت خاصة بالبنين دون البنات، وهذا كان بالنسبة لي أمرا جديدا، فكان وكأني عدت إلى المرحلة الابتدائية حيث كنا في مدرسة مختلطة.
* ثم حصلت على شهادة الباكالوريا..
- بعد حصولي على الجزء الثاني من شهادة الباكالوريا، كان من الضروري وفق النظام التعليمي الذي كان سائدا وقتئذ أن نمر بما يسمى بشهادة الدراسات العامة، وتلقيت تعليمي لهذه الشهادة في ثانوية ليوطي في مدينة الدار البيضاء، ولأني غادرت بيتي، فقد تكفل بمسكني خالي عبد الرحمان الخطيب.
وقد كان عاما ممتازا على جميع المستويات، إذ كنت مسجلا في الشهادة العامة بثانوية ليوطي ومسجلا أيضا في السنة الأولى بكلية الحقوق بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ودراسة الحقوق في ذلك الوقت، لم تكن حتى كلية وقتئذ، بل كانت نواة لكلية موجودة في الطابق الأول لعمارة «الستيام»، فذلك كان مقر هذه « الكلية»
وقد كنت حينئذ متحررا من الوضع الأسري، بعدما بت أقطن مع خالي، ثم إن الشهادة العامة كانت تفتح أفاقا معرفية هامة، مثلها في ذلك مثل دراسة الحقوق، بحيث منحت نكهة خاصة لذلك المناخ التكويني حيث كنت أتواجد.
* بعد ذلك، ستغادر لاستكمال الدراسة في الخارج.
- بعدما سجلت في شهادة الدراسات العامة بثانوية ليوطي، وكذا في شعبة الجغرافيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، (كانت الدراسة الجامعية وقتئذ لا تحسب بالسنوات بل بالشهادات) وكانت شعبة الجغرافيا تتشعب إلى شهادة الجغرافيا العامة وشهادة التاريخ القديم، وكنت عازما على التسجيل فيهما معا، وذلك ما حصل فعلا، حيث قضيت السنة الأولى، وحصلت على شهادتين في الفرعين معا.
بعدها، سافرت إلى فرنسا، وبالضبط نحو معهد الجغرافيا التابع لجامعة السوربون، إذ كانت هي الجامعة الوحيدة الموجودة في العاصمة الفرنسية باريس. وقد تلقيت في المعهد ما كنت أختاره لنفسي، وما حددته ليكون تخصصي منذ سنوات، فقد كنت أعرف أنني أريد أن أتخصص في الجغرافيا بشكل أساسي، ثم التاريخ كمعطى تكويني.
* لماذا اختيارك للجغرافيا بالضبط؟
- اخترت الجغرافيا في وقت كانت هنالك موضة تسري في عالم الجغرافيا، وهي الجغرافيا التطبيقية، أي أن المرء لن يتعلم المعطيات المتعلقة بالجيوفورمولوجيا أوالتضاريس أوالمعطيات الجيوسياسية أو الجغرافيا الإقليمية، بل كانت هنالك رغبة من أجل تغيير الواقع المعيش من قبل الإنسان، أي تغيير ظروف عيشه وبيئته، وقد كان هذا الاتجاه في التفكير يعجبني، فقد كنت أحب هذا التصور، بل وكنت مغرورا في مدى قدرتي على إخضاع الطبيعة لإرادتي. وعلى سبيل المثال، فإن ثاني سفر قمت به في أوروبا، قادني إلى هولندا، وما أثار إعجابي هنالك هو تشييد «البولدرز»هنالك، إذ بهذه الطريقة تمكن الهولنديون من ربح نصف أراضيهم الحالية على حساب البحر (نصف هولندا كان حينئذ اقل من مستوى البحر) وقد ظهر لي أن هذه العملية لا تستحق الإعجاب فحسب، بل وتحتاج إلى تعرف عن كثب، وهكذا رحت إلى إدارة المياه الهولندية، وقد مدوني بشكل مستغرب بالنسبة لي، بعدد من الوثائق والمعلومات المتعلقة ببناء تلك الحواجز وبكيفية تمويل أراضي مغمورة بمياه البحر إلى أراضي صالحة للزراعة والفلاحة. لقد كان ذلك أمرا مدهشا لدرجة دفعتني إلى التفكير بأنه يمكن تحقيق أوراش مشابهة بهذه بالمغرب، وكان لدي حلم في هذا الصدد راودني بل وحاولت أن أصوغ حلمي في مشروع تشييد ميناء بمدينة القنيطرة في سهل على حساب الترسبات الطينية الموجودة هنالك، إذ يمكن فتح قناة لحمل مياه البحر ثم بحفر أحواض السفن، وقد كان ذلك المشروع ممكنا، لكن ما لم يخطر على بالي حينئذ هو الكلفة الضخمة لمثل هذا المشروع، إذ لم أكن أبالي بهذه التفاصيل، لكن يمكن القول أن موانئ أخرى بنيت على هذه القاعدة مثل ميناء «دانكيك» الفرنسي، ليس عبر الولوج إلى البحر بل بحمل البحر إلى الأرض.
ولأن أحلامي كانت كثيرة حينئذ، فقد كنت أقارن بين أوضاع الشعب المغربي على المستوى الاجتماعي، والقدرة على التغيير المتجسدة في العلم والمعرفة، فقادني هذا التفكير مباشرة إلى الحزب الشيوعي المغربي، وإن كان التحاقي به يكاد يكون صدفة.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
5 - والده لم يكن ليرضى بانضمامه إلى حزب محظور وهو لم يفاتحه في الموضوع يوما
السينمائي حميد بناني استقطبني إلى الحزب الشيوعي المغربي
* كيف كان انضمامك إلى الحزب الشيوعي المغربي أمرا يكاد يكون صدفة؟
- لما كنت طالبا في الرباط في الجغرافيا العامة والتاريخ القديم، بدا أن أحد أساتذتي، ويدعى جاك مارتان، تحدث بشكل ما مع أحد زملائي في الفصل الدراسي واسمه لوباردي، وقال له إن ما يبدو له هو أنني، أي إسماعيل العلوي، أكشف عن استعداد كي أكون منتميا للحزب الشيوعي المغربي.
بطبيعة الحال، كان تعرفي على الفكر الشيوعي سابقا لهذه المحادثة، أو ربما هي من قادت ذلك الأستاذ إلى التنبه والاستشعار بقرب أفكاري من النهج الشيوعي، فقد كنت قارئا عنهما لما كنت ادرس في شهادة الدراسات العامة بثانوية ليوطي بالدار البيضاء، لمؤلفات الماركسيين سواء منهم الألمان أو الروس أو الفرنسيين، وقد كون لدي ذلك تصورات وأفكار تحليلية، لم تجعلني في نهاية المطاف أنفر من فكرة أن تتحول تلك النظريات إلى واقع عملي.
وما ظهر هو أن الطالب لوباردي، كان عضوا في خلية للحزب بالحي الجامعي، وكان بمعيته طالب آخر كنت أعرفه لما كنت ما أزال بمدينة القنيطرة، وهو حميد بناني (يشتغل كسينمائي في الوقت الحالي). وقد تقدم مني بناني طالبا مني الالتحاق بالحزب الشيوعي المغربي، فأجبته على الفور بأنه لا مانع عندي في ذلك.
وقد حضرت بالفعل اجتماعات للخلية في 1961، وكان من ضمن أعضائها، عبد العزيز بنزاكور (نقيب سابق للمحامين بالدار البيضاء)، ومحمد العلوي المدغري، (غادر الحزب في وقت لاحق وأصبح وزيرا للميزانية في إحدى الحكومات ثم عين مديرا للسكنى العسكرية)، ورفيق آخر يدعى محمد هو الآن يعمل كأستاذ في جامعة الأخوين بإفران، وكنت أعرفه بمدينة القنيطرة، لكني كنت أجهل أي علاقة له بالحزب الشيوعي.
وفي الوقت نفسه، كنت قد شرعت في التحرك على الواجهة النقابية، وترشحت لكي أكون مندوب طلبة الرباط في مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وفعلا رشحت لهذه المهمة رفقة عدد من رفاقي، وكذا عدد من الطلبة الاتحاديين، وكان يجمعنا معهم تحالف ساهم في الدفع بتمثيليتنا المستمرة في مؤتمرات «أوطم»، وقد شاركت في ثلاث منها وحسب.
* وهل كان والدك على علم بانضمامك إلى الحزب الشيوعي؟
- لم يظهر لي أي شيء يدل على علمه بانضمامي إلى الحزب في ذلك الوقت، ولم أفتتحه بدوري في هذا الشأن، فقد كنت أعتبر ذلك شأنا شخصيا. لكن بحكم معرفتي بوالدي، فإنه من دون شك، ما كان ليكون راضيا على التحاقي بالحزب الشيوعي المغربي وقتئذ. ومع ذلك، فإني أعتقد بأن والدي، بطبيعة الحال، كان على علم، وإن كان قدر معلوماته غير محدد، بانضمامي إلى الحزب.
* وبالنسبة لباقي أفراد العائلة، سيما أولئك الموجودون في مواقع السلطة؟
- لم يكن هنالك أي مشكل على الإطلاق في هذا الشأن بيني وبينهم، ومرد ذلك أن ما كان يميز عائلتي هو تعدد التوجهات بداخلها، وبينما كان جزء منها يؤكد على المرجعية الدينية في المقاربة السياسية مثل خالي الخطيب، كان هنالك من منهم ينتمي إلى حزب الاستقلال، ومنهم من فضل العمل في الواجهة النقابية دون العمل السياسي والحزبي، مثل عبد الكريم بنسليمان، ومنهم من فضل الانخراط في الجيش، وهناك منهم من كان ميالا إلى اليسار وإن لم تكن علاقته به نظامية مثل خالي عبد الرحمان الخطيب، فيما أنا فضلت الحزب الشيوعي.
وهكذا كانت التوجهات داخل عائلتي، متعددة تعكس الحرية الموجودة داخلها، وإن كانت تلك التعددية تثير نقاشات بيننا، إلا أن تلك المناقشات لم تتحول يوما إلى شجار. وما كان يلتزم به كل فرد من عائلتي هو الاحترام الكامل للقرارات الشخصية، وبالتالي، فإن مناقشاتنا بهذا الخصوص، كانت تضع لنفسها حدودا.
* من المعروف أن الحزب الشيوعي المغربي وقتئذ نظرا لظروف الحظر، كان يتقيد بشروط حركة مشددة، كيف تعاملت مع ذلك الوضع؟
- بالطبع، فقد كان الانضمام إلى الحزب الشيوعي المغربي حينئذ يتطلب تزكية عضوين موثوق بهما، إذ كان من الضروري بعد حظر الحزب، في 1959 ثم في1961، أخذ الاحتياطات اللازمة، وعلى سبيل المثال، فقد كانت اجتماعات الخلية وقتئذ لا تمتد لأكثر من خمسة وأربعين دقيقة، فكان بالتالي، يهيئ جدول أعمال الاجتماع بشكل مدقق ومضبوط، ولما نجتمع نتبادل الآراء بتركيز ثم نقوم بتوزيع المهام وفق الأعمال المقترح علينا القيام بها، وبعدها ينصرف كل واحد منا إلى حال سبيله في أقل من ساعة إلا ربع من الزمن.
* وهل تمكنت من « الترقي» داخل تنظيم الحزب الشيوعي المحظور في تلك الفترة؟
- بعد نهاية سنتي الدراسية في الجغرافيا العامة بجامعة محمد الخامس بالرباط، غادرت نحو فرنسا لاستكمال دراستي، والتحقت هنالك بخلية دار المغرب، وقد كانت للحزب الشيوعي المغربي خليتان بباريس، إحداهما تلك التي ذكرت آنفا، وأخرى ثانية، وقد كان من بين الطلبة المغاربة هنالك في الخلية عمر الفاسي وحميد لحبابي وعبد الكبير الخطيبي ورقية الفاسي وحليمة فرحات.
وكانت لدينا قيادة محلية، على مستوى مدينة باريس، كنت مسؤولا فيها بالجوانب الثقافية والإيديولوجية؛ إذ كنت أسهر على صياغة «الطالب المكافح» بمعونة بعض الرفاق، وكان يحدث أن يتخلى بعضهم عن كتابة مقالات التزموا بها، فكان يقع على عاتقي البحث عن موضوعات وكتابة مقالات جديدة مضافة لالتزاماتي السابقة، لتعويض النقص الحاصل في المواد وملء الفراغ في «الطالب المكافح» ليجهز العدد للطبع.
وقد كانت نشاطاتنا لا تقتصر على الجانب الداخلي للحياة الطلابية، بل وكنا نربط الصلات بأفراد الجالية المغربية المقيمة بفرنسا، وإن كانت وقتئذ محدودة العدد، بحيث كنا نتعاون معهم من خلال حملات لمحو الأمية، واكتشفت لديهم حينئذ نزعة قوية نحو تعلم اللغة الفرنسية وحدها دون اللغة العربية، ورغم أن جزءا من هذه الرغبة كان مبررا على نحو نفعي، بربطه بظروف العمل، إلا أن ما ظهر لي أن تلقين اللغة العربية لكبار السن أكثر صعوبة من تعليمهم اللغة الفرنسية، وإن كانت هي الأخرى صعبة في حد ذاتها.
وقد وعيت بخطورة هذا الوضع وقتئذ، وقد وجدت أن وضع الحروف بأشكال مختلفة في أول الكلمات أو وسطها أو نهايتها، وتمييز بعض الحروف المتشابهة مثل الخاء والحاء والجيم كان أمرا عصيا على من كنا نتعامل معهم من العمال المغاربة المهاجرين، سيما الكبار في السن منهم، وبالتالي، كانت تعترض مهامنا وقتئذ في هذا الشأن، صعوبات كبيرة.
وقد دفعتني ملاحظاتي في هذا الجانب آنذاك إلى التفكير في إعادة النظر في الخط العربي دون أن ننسلخ عن الأصول؛ أي أن ننطلق من كافة أنواع الخطوط العربية الحالية، والاستعانة بكيفية خط العرب القدامى من أجل الحصول على حرف متميز لكل صوت بشكل لا يدع التنقيط يقف حاجزا أمام التعلم السلس للغة العربية. وكانت لدي مقترحات في هذا الشأن، ولطالما دافعت عنها وكتبت بعض المقالات عن ذلك، منها تحويل علامات الضم والفتحة والكسرة إلى حروف الواو والألف والياء كي تنطق الكلمات بالشكل المكتوب بها دون الحاجة إلى علامات شكل، إذ لن تعود هنالك أي حاجة إليها، وتحذف من العمل.
ورغم أن تغيير بعض القواعد التي باتت تقاليد في هذا الباب، صعب أيضا إلا أن الصرامة واجبة في التعامل مع هذا الموضوع ، سيما أن أوائل العرب في القرن الثاني الهجري، كان لديهم الرأي نفسه وكتبوا بهذا الشكل، فضلا عن أن عدم وجود المطابع كان له دور في جعل اللغة العربية بشكلها الحالي، وهذا ما لم يبق مشكلا لأي عائق في الوقت المعاصر.
* كيف كان انضمامك إلى الحزب الشيوعي المغربي أمرا يكاد يكون صدفة؟
- لما كنت طالبا في الرباط في الجغرافيا العامة والتاريخ القديم، بدا أن أحد أساتذتي، ويدعى جاك مارتان، تحدث بشكل ما مع أحد زملائي في الفصل الدراسي واسمه لوباردي، وقال له إن ما يبدو له هو أنني، أي إسماعيل العلوي، أكشف عن استعداد كي أكون منتميا للحزب الشيوعي المغربي.
بطبيعة الحال، كان تعرفي على الفكر الشيوعي سابقا لهذه المحادثة، أو ربما هي من قادت ذلك الأستاذ إلى التنبه والاستشعار بقرب أفكاري من النهج الشيوعي، فقد كنت قارئا عنهما لما كنت ادرس في شهادة الدراسات العامة بثانوية ليوطي بالدار البيضاء، لمؤلفات الماركسيين سواء منهم الألمان أو الروس أو الفرنسيين، وقد كون لدي ذلك تصورات وأفكار تحليلية، لم تجعلني في نهاية المطاف أنفر من فكرة أن تتحول تلك النظريات إلى واقع عملي.
وما ظهر هو أن الطالب لوباردي، كان عضوا في خلية للحزب بالحي الجامعي، وكان بمعيته طالب آخر كنت أعرفه لما كنت ما أزال بمدينة القنيطرة، وهو حميد بناني (يشتغل كسينمائي في الوقت الحالي). وقد تقدم مني بناني طالبا مني الالتحاق بالحزب الشيوعي المغربي، فأجبته على الفور بأنه لا مانع عندي في ذلك.
وقد حضرت بالفعل اجتماعات للخلية في 1961، وكان من ضمن أعضائها، عبد العزيز بنزاكور (نقيب سابق للمحامين بالدار البيضاء)، ومحمد العلوي المدغري، (غادر الحزب في وقت لاحق وأصبح وزيرا للميزانية في إحدى الحكومات ثم عين مديرا للسكنى العسكرية)، ورفيق آخر يدعى محمد هو الآن يعمل كأستاذ في جامعة الأخوين بإفران، وكنت أعرفه بمدينة القنيطرة، لكني كنت أجهل أي علاقة له بالحزب الشيوعي.
وفي الوقت نفسه، كنت قد شرعت في التحرك على الواجهة النقابية، وترشحت لكي أكون مندوب طلبة الرباط في مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وفعلا رشحت لهذه المهمة رفقة عدد من رفاقي، وكذا عدد من الطلبة الاتحاديين، وكان يجمعنا معهم تحالف ساهم في الدفع بتمثيليتنا المستمرة في مؤتمرات «أوطم»، وقد شاركت في ثلاث منها وحسب.
* وهل كان والدك على علم بانضمامك إلى الحزب الشيوعي؟
- لم يظهر لي أي شيء يدل على علمه بانضمامي إلى الحزب في ذلك الوقت، ولم أفتتحه بدوري في هذا الشأن، فقد كنت أعتبر ذلك شأنا شخصيا. لكن بحكم معرفتي بوالدي، فإنه من دون شك، ما كان ليكون راضيا على التحاقي بالحزب الشيوعي المغربي وقتئذ. ومع ذلك، فإني أعتقد بأن والدي، بطبيعة الحال، كان على علم، وإن كان قدر معلوماته غير محدد، بانضمامي إلى الحزب.
* وبالنسبة لباقي أفراد العائلة، سيما أولئك الموجودون في مواقع السلطة؟
- لم يكن هنالك أي مشكل على الإطلاق في هذا الشأن بيني وبينهم، ومرد ذلك أن ما كان يميز عائلتي هو تعدد التوجهات بداخلها، وبينما كان جزء منها يؤكد على المرجعية الدينية في المقاربة السياسية مثل خالي الخطيب، كان هنالك من منهم ينتمي إلى حزب الاستقلال، ومنهم من فضل العمل في الواجهة النقابية دون العمل السياسي والحزبي، مثل عبد الكريم بنسليمان، ومنهم من فضل الانخراط في الجيش، وهناك منهم من كان ميالا إلى اليسار وإن لم تكن علاقته به نظامية مثل خالي عبد الرحمان الخطيب، فيما أنا فضلت الحزب الشيوعي.
وهكذا كانت التوجهات داخل عائلتي، متعددة تعكس الحرية الموجودة داخلها، وإن كانت تلك التعددية تثير نقاشات بيننا، إلا أن تلك المناقشات لم تتحول يوما إلى شجار. وما كان يلتزم به كل فرد من عائلتي هو الاحترام الكامل للقرارات الشخصية، وبالتالي، فإن مناقشاتنا بهذا الخصوص، كانت تضع لنفسها حدودا.
* من المعروف أن الحزب الشيوعي المغربي وقتئذ نظرا لظروف الحظر، كان يتقيد بشروط حركة مشددة، كيف تعاملت مع ذلك الوضع؟
- بالطبع، فقد كان الانضمام إلى الحزب الشيوعي المغربي حينئذ يتطلب تزكية عضوين موثوق بهما، إذ كان من الضروري بعد حظر الحزب، في 1959 ثم في1961، أخذ الاحتياطات اللازمة، وعلى سبيل المثال، فقد كانت اجتماعات الخلية وقتئذ لا تمتد لأكثر من خمسة وأربعين دقيقة، فكان بالتالي، يهيئ جدول أعمال الاجتماع بشكل مدقق ومضبوط، ولما نجتمع نتبادل الآراء بتركيز ثم نقوم بتوزيع المهام وفق الأعمال المقترح علينا القيام بها، وبعدها ينصرف كل واحد منا إلى حال سبيله في أقل من ساعة إلا ربع من الزمن.
* وهل تمكنت من « الترقي» داخل تنظيم الحزب الشيوعي المحظور في تلك الفترة؟
- بعد نهاية سنتي الدراسية في الجغرافيا العامة بجامعة محمد الخامس بالرباط، غادرت نحو فرنسا لاستكمال دراستي، والتحقت هنالك بخلية دار المغرب، وقد كانت للحزب الشيوعي المغربي خليتان بباريس، إحداهما تلك التي ذكرت آنفا، وأخرى ثانية، وقد كان من بين الطلبة المغاربة هنالك في الخلية عمر الفاسي وحميد لحبابي وعبد الكبير الخطيبي ورقية الفاسي وحليمة فرحات.
وكانت لدينا قيادة محلية، على مستوى مدينة باريس، كنت مسؤولا فيها بالجوانب الثقافية والإيديولوجية؛ إذ كنت أسهر على صياغة «الطالب المكافح» بمعونة بعض الرفاق، وكان يحدث أن يتخلى بعضهم عن كتابة مقالات التزموا بها، فكان يقع على عاتقي البحث عن موضوعات وكتابة مقالات جديدة مضافة لالتزاماتي السابقة، لتعويض النقص الحاصل في المواد وملء الفراغ في «الطالب المكافح» ليجهز العدد للطبع.
وقد كانت نشاطاتنا لا تقتصر على الجانب الداخلي للحياة الطلابية، بل وكنا نربط الصلات بأفراد الجالية المغربية المقيمة بفرنسا، وإن كانت وقتئذ محدودة العدد، بحيث كنا نتعاون معهم من خلال حملات لمحو الأمية، واكتشفت لديهم حينئذ نزعة قوية نحو تعلم اللغة الفرنسية وحدها دون اللغة العربية، ورغم أن جزءا من هذه الرغبة كان مبررا على نحو نفعي، بربطه بظروف العمل، إلا أن ما ظهر لي أن تلقين اللغة العربية لكبار السن أكثر صعوبة من تعليمهم اللغة الفرنسية، وإن كانت هي الأخرى صعبة في حد ذاتها.
وقد وعيت بخطورة هذا الوضع وقتئذ، وقد وجدت أن وضع الحروف بأشكال مختلفة في أول الكلمات أو وسطها أو نهايتها، وتمييز بعض الحروف المتشابهة مثل الخاء والحاء والجيم كان أمرا عصيا على من كنا نتعامل معهم من العمال المغاربة المهاجرين، سيما الكبار في السن منهم، وبالتالي، كانت تعترض مهامنا وقتئذ في هذا الشأن، صعوبات كبيرة.
وقد دفعتني ملاحظاتي في هذا الجانب آنذاك إلى التفكير في إعادة النظر في الخط العربي دون أن ننسلخ عن الأصول؛ أي أن ننطلق من كافة أنواع الخطوط العربية الحالية، والاستعانة بكيفية خط العرب القدامى من أجل الحصول على حرف متميز لكل صوت بشكل لا يدع التنقيط يقف حاجزا أمام التعلم السلس للغة العربية. وكانت لدي مقترحات في هذا الشأن، ولطالما دافعت عنها وكتبت بعض المقالات عن ذلك، منها تحويل علامات الضم والفتحة والكسرة إلى حروف الواو والألف والياء كي تنطق الكلمات بالشكل المكتوب بها دون الحاجة إلى علامات شكل، إذ لن تعود هنالك أي حاجة إليها، وتحذف من العمل.
ورغم أن تغيير بعض القواعد التي باتت تقاليد في هذا الباب، صعب أيضا إلا أن الصرامة واجبة في التعامل مع هذا الموضوع ، سيما أن أوائل العرب في القرن الثاني الهجري، كان لديهم الرأي نفسه وكتبوا بهذا الشكل، فضلا عن أن عدم وجود المطابع كان له دور في جعل اللغة العربية بشكلها الحالي، وهذا ما لم يبق مشكلا لأي عائق في الوقت المعاصر.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
6 - كان ينشط في الغرب رفقة عبد الكبير مزوار شقيق وزير المالية الحالي وجمعه مركز البحوث بعبد الواحد الراضي
الحسن الثاني كان ضيفا على خالي الخطيب يوم شاركت في مؤتمر الحزب الشيوعي المغربي
* وكنتم منشغلين في تلك الفترة، بما يحدث في المغرب؟
- بالطبع، كنا منشغلين بقضايا المغرب كثيرا، سيما مسألة القواعد الأمريكية في 61 و62 ثم حرب الرمال في 63، إذ تعرض الحزب حينئذ لقمع شديد بعد أن زج بعلي يعته وعبد السلام بورقية وعبد الله العياشي في السجن. وقد كنا نبذل جهدنا من أجل تحريك الرأي العام الفرنسي، وحشد دعمه ومساندة الرأي العام الطلابي في الجامعات.
ثم جاءت أحداث 1965، وقد تحركنا حينئذ على واجهتين؛ الحزبية، والنقابية، أي فرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بباريس، وقد كان فرعا حيويا، وكنت عضو بمكتبه الفيدرالي بفرنسا، ومسؤولا عن الفروع المختلفة هنالك، وقد أتيحت لي بسبب ذلك، فرصة التجول بفرنسا للاطلاع على أحوال الفروع في نانسي وليون، وبشكل رئيسي في شرق وجنوب فرنسا، وكنا نرسل تقارير بشأن أوضاع هذه الفروع إلى القيادة الوطنية لـ«أوطم» بالمغرب.
* وكيف كانت علاقتكم بالحزب الشيوعي الفرنسي وتنظيماته الموازية؟
- كانت لدينا اتصالات بالشيوعيين الفرنسيين، لكنها بقيت محدودة، لأن الأمر كان يتعلق بنزاع تاريخي بيننا وبينهم سيما منذ 1947، حيث تباينت مواقفنا عن مواقف الحزب الشيوعي الفرنسي في عدد من القضايا. ومع ذلك كانت علاقتنا بهم بفرنسا علاقات احترام متبادل، وكنا لما ننوي عقد نشاط معين يوفر الشيوعيون الفرنسيون مقراتهم لنا. وقد كنا نمثل بالنسبة لهم، نظريا وبحسب ما ينص عليه قانونهم (groupe de langue) أي مجموعة لغوية، إذ كان النظام الفرنسي يسمح وقتئذ للشيوعيين بتنظيم أنفسهم بحسب هويتهم اللغوية، مثل الاسبان والبرتغال، وكانت تلك نافذتنا نحو تنظيم أنشطتنا بفرنسا. وغالبا ما كان يحضر معنا قادة الحزب بالمغرب مثل عبد الله العياشي والهادي مسواك وعبد السلام بورقية، ويلقون محاضرات هنالك.
* وكيف تعاملتم مع حادث اختطاف «المهدي بن بركة»؟
- لما اختطف المهدي بنبركة، كنت قد عدت إلى المغرب بعدما توفي والدي في ماي 1965 فيما اختطف بنبركة في أكتوبر من العام نفسه، وقد كنت حينئذ قد أنهيت دراستي في مستوى الإجازة.
* والدك كان قد عين باشا في مدينة فاس وقتئذ؟
- كان والدي قد عين باشا على مدينة فاس في نونبر من العام 1964، وتوفي في ماي 1965، إذ لم يمكث سوى سبعة أشهر تقريبا في موقعه هذا، وقد توفي والدي وأنا موجود بالخارج. وقبل وفاته، كنت قد حللت بالمغرب خلال عطلة في شهر دجنبر 64، وكانت تلك آخر مرة رأيت فيها والدي. ولما عدت بعد وفاته، جمعنا حقائبنا وولينا إلى سكننا بمدينة سلا، بعدما أفرغنا السكن الوظيفي بفاس.
* وماذا فعلت بعد ذلك؟
- بعد عودتنا إلى سلا، وفي أكتوبر 1965، قدمت ترشيحي إلى المركز الجامعي للبحث العلمي وقبل طلبي، وكان مديره سي ناصر الفاسي الشقيق الأكبر لعمر الفاسي، رفيقي في الحز ب الشيوعي المغربي. وكنا مجموعة قليلة في هذا المركز؛ عبد الكبير الخطيبي وعبد الواحد الراضي وجاك كاني وأنا.
* هل هناك تعرفت بعبد الواحد الراضي؟
- لا، بل تعرفت عليه لما كنا صغارا، فقد كان الراضي قائدا للكشافة الاستقلالية بمدينة سلا، وكانت لديه دراجة نارية من نوع سكوتر. لقد كان مشتهرا بها في سلا.
إذن، بموازاة عملي بمركز البحث العلمي، واصلت نشاطي الحزبي، وكان الرفيق عزيز بلال وقتئذ هو المسؤول عن جهة الرباط، وقد كنت مكلفا بالعمل في الأرياف، وبالخصوص في جهة الغرب، في دار العامري وسيدي سليمان، وكان هنالك في تلك الناحية عدد من الرفاق القدامى ألتقيهم ونعقد نشاطات هنالك بينها توزيع المنشورات. وأتذكر أن من كان برفقتي في هذه المهام، عبد الكبير مزوار شقيق وزير المالية الحالي صلاح الدين مزوار.
* ثم أتى مؤتمر الحزب في سنة 1966؟
- في يوليوز 1966، عقد المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي المغربي، كمندوب للرباط والغرب، وانتخبت عضوا باللجنة المركزية.
* كيف كانت ظروف التحضير لمؤتمر حزب محظور؟
- تطلب التحضير لذلك المؤتمر وقتا طويلا، بحيث نوقشت أطروحة الحزب قبل المؤتمر في القواعد حيث تعقد اجتماعات الفروع لمناقشتها في مدد لم تكن تتجاوز الساعة إلا ربع، وبالتالي كانت الأمور تسير ببطء. ولما قرب موعد عقد المؤتمر، تدبر الرفاق في القيادة على مكان مناسب، ومن سخرية الأمر أنه لم يكن مكانا مخفيا رغم ظروف المنع، إذ لم يكن يحسب أحد أن يعقد الشيوعيون مؤتمرهم في مكان مثل ذاك، أي المدرسة العليا للرياضة في عين السبع بالدار البيضاء. وكان المسؤول عن هذه المدرسة وقتئذ، هو الرفيق عبد المجيد الذويب. فقد اتخذت التدابير لعقد المؤتمر وفي العطلة الصيفية، وخلال شهر يوليوز اتخذت التدابير لعقد المؤتمر الذي لم يدم أكثر من يوم واحد، فقد كانت الأمور معدة بشكل مضبوط، وعقد المؤتمر في قاعة الدراسة داخل المدرسة، ووقع تعيين القيادة الجديدة للحزب، ثم تفرقنا كل واحد إلى حال سبيله.
* ولم يشم الرفاق أي رائحة للسلطة في ذلك المكان أو حوله؟
- أبدا لم نلاحظ أي شيء يدل على وجود السلطة في دائرة ذلك المكان، على الأقل لم أنتبه أنا إلى ذلك، كم لم يشكو أي من الرفاق من أي شيء من هذا القبيل.
غير أن أبرز الصدف التي حدثت لي شخصيا، خلال هذا المؤتمر هو أنه في ذلك اليوم بالضبط الذي عقد فيه مؤتمرنا، كان الملك الحسن الثاني ضيفا على الدكتور الخطيب في داره. ومع ذلك لم يكن يظهر علي أي ملمح لمشاركتي في مؤتمر حزبي، ولما رجعت سالما، لم ينتبه أي أحد في دارنا لأي شيء مخالف للمعتاد بمن فيهم خالي الدكتور الخطيب، وقد كانت تلك صدفة ساخرة، من حيث أنه في وقت كان فيه فرد من العائلة يشارك في مؤتمر حزب ممنوع وخارج المشروعية وقتئذ، كان فرد آخر منها يستقبل الملك الحسن الثاني في داره، وهو الذي كان في «خصومة وصراع» مع الشيوعيين.
* واستمر وضع الحظر القانوني لمدة أطول بعد ذلك؟
- الوضع السياسي في البلاد كان وقتئذ غريبا في حد ذاته، لأن القساوة في القمع كان يقابلها استعداد مستمر من أجل الانفتاح إذ لم تحدث قطيعة كاملة. وخذ على سبيل المثال الاتحاديين، إذ إنهم رغم تعرضهم للقمع في بعض الأوقات، حافظوا على وجود «شعرة معاوية» بينهم وبين النظام، إذ كان عبد الرحيم بوعبيد، مهما كان من أمر، يجري اتصالات مع القصر، كما أن الحسن الثاني كان يتمتع بذكاء يجعله يؤمن بأن الوضع لا يسمح بحدوث قطيعة لا رجعة فيها. وحتى بالنسبة لقضية المهدي بنبركة، رغم أن قول هذا قد يشكل مجازفة بالنسبة لي، فإن ما لاحظناه أن محاولات التقارب بين النظام والمهدي بنبركة كانت متواصلة، ولي اليقين أن ما حصل لبنبركة كان نتيجة تخطيط مشترك بين الأمريكيين والإسرائيليين أكثر مما هو نتيجة إرادة النظام أو الحسن الثاني بنفسه. ورغم أني لا أملك أدلة على ذلك، إلا أن استقراء عمليات التفاوض التي جرت في القاهرة وسويسرا بينهما، وكون بنبركة لما تقدم منه عناصر من الشرطة الفرنسية الذين سيعملون على اختطافه وقتله فيما بعد، وطلبوا منه اصطحابهم، فإنه لم يعترض على ذلك بل انصاع لهم اعتقادا منه أن الأمر عادي بالنظر إلى الاتصالات الجارية بينه وبين النظام المغربي وجهات أخرى، وأن الأمر يدخل في هذا الباب.
ومن دون شك، فإن أوفقير بعدما أصبح عميلا للأمريكيين بدل الفرنسيين بات المهدي يشكل خطرا على المد الامبريالي، ومن ثم وجب الفتك به.
* وكنتم منشغلين في تلك الفترة، بما يحدث في المغرب؟
- بالطبع، كنا منشغلين بقضايا المغرب كثيرا، سيما مسألة القواعد الأمريكية في 61 و62 ثم حرب الرمال في 63، إذ تعرض الحزب حينئذ لقمع شديد بعد أن زج بعلي يعته وعبد السلام بورقية وعبد الله العياشي في السجن. وقد كنا نبذل جهدنا من أجل تحريك الرأي العام الفرنسي، وحشد دعمه ومساندة الرأي العام الطلابي في الجامعات.
ثم جاءت أحداث 1965، وقد تحركنا حينئذ على واجهتين؛ الحزبية، والنقابية، أي فرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بباريس، وقد كان فرعا حيويا، وكنت عضو بمكتبه الفيدرالي بفرنسا، ومسؤولا عن الفروع المختلفة هنالك، وقد أتيحت لي بسبب ذلك، فرصة التجول بفرنسا للاطلاع على أحوال الفروع في نانسي وليون، وبشكل رئيسي في شرق وجنوب فرنسا، وكنا نرسل تقارير بشأن أوضاع هذه الفروع إلى القيادة الوطنية لـ«أوطم» بالمغرب.
* وكيف كانت علاقتكم بالحزب الشيوعي الفرنسي وتنظيماته الموازية؟
- كانت لدينا اتصالات بالشيوعيين الفرنسيين، لكنها بقيت محدودة، لأن الأمر كان يتعلق بنزاع تاريخي بيننا وبينهم سيما منذ 1947، حيث تباينت مواقفنا عن مواقف الحزب الشيوعي الفرنسي في عدد من القضايا. ومع ذلك كانت علاقتنا بهم بفرنسا علاقات احترام متبادل، وكنا لما ننوي عقد نشاط معين يوفر الشيوعيون الفرنسيون مقراتهم لنا. وقد كنا نمثل بالنسبة لهم، نظريا وبحسب ما ينص عليه قانونهم (groupe de langue) أي مجموعة لغوية، إذ كان النظام الفرنسي يسمح وقتئذ للشيوعيين بتنظيم أنفسهم بحسب هويتهم اللغوية، مثل الاسبان والبرتغال، وكانت تلك نافذتنا نحو تنظيم أنشطتنا بفرنسا. وغالبا ما كان يحضر معنا قادة الحزب بالمغرب مثل عبد الله العياشي والهادي مسواك وعبد السلام بورقية، ويلقون محاضرات هنالك.
* وكيف تعاملتم مع حادث اختطاف «المهدي بن بركة»؟
- لما اختطف المهدي بنبركة، كنت قد عدت إلى المغرب بعدما توفي والدي في ماي 1965 فيما اختطف بنبركة في أكتوبر من العام نفسه، وقد كنت حينئذ قد أنهيت دراستي في مستوى الإجازة.
* والدك كان قد عين باشا في مدينة فاس وقتئذ؟
- كان والدي قد عين باشا على مدينة فاس في نونبر من العام 1964، وتوفي في ماي 1965، إذ لم يمكث سوى سبعة أشهر تقريبا في موقعه هذا، وقد توفي والدي وأنا موجود بالخارج. وقبل وفاته، كنت قد حللت بالمغرب خلال عطلة في شهر دجنبر 64، وكانت تلك آخر مرة رأيت فيها والدي. ولما عدت بعد وفاته، جمعنا حقائبنا وولينا إلى سكننا بمدينة سلا، بعدما أفرغنا السكن الوظيفي بفاس.
* وماذا فعلت بعد ذلك؟
- بعد عودتنا إلى سلا، وفي أكتوبر 1965، قدمت ترشيحي إلى المركز الجامعي للبحث العلمي وقبل طلبي، وكان مديره سي ناصر الفاسي الشقيق الأكبر لعمر الفاسي، رفيقي في الحز ب الشيوعي المغربي. وكنا مجموعة قليلة في هذا المركز؛ عبد الكبير الخطيبي وعبد الواحد الراضي وجاك كاني وأنا.
* هل هناك تعرفت بعبد الواحد الراضي؟
- لا، بل تعرفت عليه لما كنا صغارا، فقد كان الراضي قائدا للكشافة الاستقلالية بمدينة سلا، وكانت لديه دراجة نارية من نوع سكوتر. لقد كان مشتهرا بها في سلا.
إذن، بموازاة عملي بمركز البحث العلمي، واصلت نشاطي الحزبي، وكان الرفيق عزيز بلال وقتئذ هو المسؤول عن جهة الرباط، وقد كنت مكلفا بالعمل في الأرياف، وبالخصوص في جهة الغرب، في دار العامري وسيدي سليمان، وكان هنالك في تلك الناحية عدد من الرفاق القدامى ألتقيهم ونعقد نشاطات هنالك بينها توزيع المنشورات. وأتذكر أن من كان برفقتي في هذه المهام، عبد الكبير مزوار شقيق وزير المالية الحالي صلاح الدين مزوار.
* ثم أتى مؤتمر الحزب في سنة 1966؟
- في يوليوز 1966، عقد المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي المغربي، كمندوب للرباط والغرب، وانتخبت عضوا باللجنة المركزية.
* كيف كانت ظروف التحضير لمؤتمر حزب محظور؟
- تطلب التحضير لذلك المؤتمر وقتا طويلا، بحيث نوقشت أطروحة الحزب قبل المؤتمر في القواعد حيث تعقد اجتماعات الفروع لمناقشتها في مدد لم تكن تتجاوز الساعة إلا ربع، وبالتالي كانت الأمور تسير ببطء. ولما قرب موعد عقد المؤتمر، تدبر الرفاق في القيادة على مكان مناسب، ومن سخرية الأمر أنه لم يكن مكانا مخفيا رغم ظروف المنع، إذ لم يكن يحسب أحد أن يعقد الشيوعيون مؤتمرهم في مكان مثل ذاك، أي المدرسة العليا للرياضة في عين السبع بالدار البيضاء. وكان المسؤول عن هذه المدرسة وقتئذ، هو الرفيق عبد المجيد الذويب. فقد اتخذت التدابير لعقد المؤتمر وفي العطلة الصيفية، وخلال شهر يوليوز اتخذت التدابير لعقد المؤتمر الذي لم يدم أكثر من يوم واحد، فقد كانت الأمور معدة بشكل مضبوط، وعقد المؤتمر في قاعة الدراسة داخل المدرسة، ووقع تعيين القيادة الجديدة للحزب، ثم تفرقنا كل واحد إلى حال سبيله.
* ولم يشم الرفاق أي رائحة للسلطة في ذلك المكان أو حوله؟
- أبدا لم نلاحظ أي شيء يدل على وجود السلطة في دائرة ذلك المكان، على الأقل لم أنتبه أنا إلى ذلك، كم لم يشكو أي من الرفاق من أي شيء من هذا القبيل.
غير أن أبرز الصدف التي حدثت لي شخصيا، خلال هذا المؤتمر هو أنه في ذلك اليوم بالضبط الذي عقد فيه مؤتمرنا، كان الملك الحسن الثاني ضيفا على الدكتور الخطيب في داره. ومع ذلك لم يكن يظهر علي أي ملمح لمشاركتي في مؤتمر حزبي، ولما رجعت سالما، لم ينتبه أي أحد في دارنا لأي شيء مخالف للمعتاد بمن فيهم خالي الدكتور الخطيب، وقد كانت تلك صدفة ساخرة، من حيث أنه في وقت كان فيه فرد من العائلة يشارك في مؤتمر حزب ممنوع وخارج المشروعية وقتئذ، كان فرد آخر منها يستقبل الملك الحسن الثاني في داره، وهو الذي كان في «خصومة وصراع» مع الشيوعيين.
* واستمر وضع الحظر القانوني لمدة أطول بعد ذلك؟
- الوضع السياسي في البلاد كان وقتئذ غريبا في حد ذاته، لأن القساوة في القمع كان يقابلها استعداد مستمر من أجل الانفتاح إذ لم تحدث قطيعة كاملة. وخذ على سبيل المثال الاتحاديين، إذ إنهم رغم تعرضهم للقمع في بعض الأوقات، حافظوا على وجود «شعرة معاوية» بينهم وبين النظام، إذ كان عبد الرحيم بوعبيد، مهما كان من أمر، يجري اتصالات مع القصر، كما أن الحسن الثاني كان يتمتع بذكاء يجعله يؤمن بأن الوضع لا يسمح بحدوث قطيعة لا رجعة فيها. وحتى بالنسبة لقضية المهدي بنبركة، رغم أن قول هذا قد يشكل مجازفة بالنسبة لي، فإن ما لاحظناه أن محاولات التقارب بين النظام والمهدي بنبركة كانت متواصلة، ولي اليقين أن ما حصل لبنبركة كان نتيجة تخطيط مشترك بين الأمريكيين والإسرائيليين أكثر مما هو نتيجة إرادة النظام أو الحسن الثاني بنفسه. ورغم أني لا أملك أدلة على ذلك، إلا أن استقراء عمليات التفاوض التي جرت في القاهرة وسويسرا بينهما، وكون بنبركة لما تقدم منه عناصر من الشرطة الفرنسية الذين سيعملون على اختطافه وقتله فيما بعد، وطلبوا منه اصطحابهم، فإنه لم يعترض على ذلك بل انصاع لهم اعتقادا منه أن الأمر عادي بالنظر إلى الاتصالات الجارية بينه وبين النظام المغربي وجهات أخرى، وأن الأمر يدخل في هذا الباب.
ومن دون شك، فإن أوفقير بعدما أصبح عميلا للأمريكيين بدل الفرنسيين بات المهدي يشكل خطرا على المد الامبريالي، ومن ثم وجب الفتك به.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
7 - رسم أحدهم علامة «المنجل والمطرقة» على سيارة العلوي في الستينات ونشاطه الجمعوي كان بابا لاستقطاب الأطر إلى الحزب
زيز بلال كان يفتح صنابير المياه في منزله خلال اجتماعاتنا من أجل التشويش على محاولات التصنت
* ألم تكن تتعرض لمضايقات من طرف السلطات خلال فترة حظر الحزب الشيوعي المغربي؟
- يمكنني أن أقول إننا كنا في تلك الفترة كما يقولون باللهجة الدارجة «حاضيين طرافنا»، سيما لما كنا نعقد اجتماعاتنا بأحياء القصدير بكل من يعقوب المنصور وحي التقدم بالرباط، إذ إننا كنا نأخذ الاحتياطات اللازمة كي لا نصاب نحن بأذى، أو غيرنا بمكروه، سيما أولئك الذين يمكن أن يؤخذوا بجريرة ليست لهم فيها يد. ويظهر لي أن مصالح الاستعلامات حينئذ كانت تتتبع خطواتنا بشكل مؤكد، وقد وقعت لي حادثة في أحد الأيام، بعد أن خرجت من أحد الاجتماعات بحي يعقوب المنصور، فوجدت علامة «المنجل والمطرقة»، التي تدل على الشيوعيين في مختلف أنحاء العالم، مرسومة على زجاج سيارتي، وبفعل الرطوبة، فقد بدت تلك العلامة بارزة على سيارتي التي كانت من نوع فولسفاكن بيضاء اللون. ومع ذلك، فإن الرسالة التي كانت من وراء هذا الرسم بدت غامضة؛ هل وضعت من طرف جهة تتبعنا، وتشير من خلال تلك العلامة إلى أنهم يعرفون من نحن وماذا نفعل؟ أم أن شخصا آخر وضعها فقط نكاية فينا. رغم كل شيء، لم نبال بهذا الموضوع، لأن رأينا كان حينئذ مستقرا على فكرة أن المناضل لا يجب أن يهتم بمثل تلك الاستفزازات، وإلا فإن المرء سيقف مكتوف اليدين، عاجزا عن الحركة.
* في 1966، التقيتم بتيتو، رئيس يوغوسلافيا حينئذ، إرو لنا قصة ذلك اللقاء؟
- بعد المؤتمر الثالث للحزب، تقرر أن يزور وفد من الحزب الزعيم «تيتو» رئيس يوغوسلافيا في مدينة «بريوني»، وكان الوفد يتكون من علي يعته، وعزيز بلال وأنا، وكانت لهذا اللقاء صبغة دولية من جهة، ووطنية من جهة أخرى. إلا أن ذلك اللقاء لم يكن ليمر دون تبعات، وقد أخبرني يعته فيما بعد، أن النظام المغربي كان قد خاض مشاورات بين أركانه بشأن القبض على أعضاء الوفد لدى عودته، إذ إننا قمنا بعمل يندرج ضمن صفتنا الحزبية، رغم أن حزبنا كان محظورا نشاطه في المغرب.
وقد تراجع النظام عن قرار اعتقالنا، وربما خلص النظام، كما كنا نفكر نحن، إلى أن من مصلحة المغرب عقد لقاء مماثل مع زعيم كـ»تيتو»، وهو المعروف بعلاقته الوطيدة بالملك الحسن الثاني، بل وكان مفيدةا بالنسبة لملف الصحراء رغم أن المشكل لم يكن مطروحا بالصيغة الحالية وإنما كان متعلقا بمشكل موريطانيا في 1958، والوجود الاستعماري الاسباني في الصحراء وبحث سبل القضاء عليه. وقد ناقشنا مع الرفاق اليوغوسلافيين هذه النقاط في جدول أعمال اجتماعاتنا معهم في تلك الفترة.
* كيف يمكن توصيف علاقتك في تلك الفترة مع رموز الحزب الشيوعي المغربي، مثل علي يعته وعبدا لسلام بورقية وعبد الله العياشي وعزيز بلال والهادي مسواك؟
- لم تكن لدي علاقات حميمية مع أكثرهم، إلا أن العلاقة الأكثر حرارة، إذا صح هذا القول، كانت مع عزيز بلال وعبد الله العياشي وشمعون ليفي، أما الباقون فلم تكن علاقتي بهم سوى «عادية» وإن كانت طيبة، إذ لم أكن أتجرأ عليهم في هذا الباب، وبالتالي، لم تكن علاقتنا من نوع أن أستضيفهم ويضيفونني في بيوتهم. وربما كان ذلك بسبب طبيعتي.
ومع ذلك، لا يجب أن يفوتني أن الرفيق على يعته كان بيته دائما مفتوحا أمامنا. ولا زلت أتذكر أنه في يوم دخول جيوش حلف وارسو لمدينة براغ، ذهبت إلى «سي علي» بحسب ما أتذكر بشأن تلك الحادثة، وسافرت إلى الدار البيضاء في حافلة ركاب، وطرقت بابه، ورحب بي، وناقشنا الموضوع في منزله. وكان مدركا لكافة جوانب الموضوع، ولذلك سايرنا في وجهة نظرنا في ذلك الموضوع، رغم أننا كنا كشباب أكثر راديكالية من القيادة، من منطلق أن تصرف الاتحاد السوفياتي لم يكن مقبولا، وكذلك كان موقف الحزب؛ إذ رغم وجود بعض الليونة فيه، إلا أنه كان صارما في التنديد، وقد غضب السوفيات على علي يعته بسبب ذلك، وعاملوه معاملة قاسية في لقاء جرى معه بعد أحداث براغ.
* إذن يمكن القول بأن عزيز بلال كان من القياديين الذين تتعامل معهم كثيرا بحكم أنه مسؤول عن جهة الرباط؟
- نعم، وكنت ألتقيه في أكثر المرات بمنزله حيث تعقد بعض الاجتماعات، (كانت أخرى تعقد في بيت محمد مشارك)، وكان من الملاحظ أن عزيز بلال لم يكن يحمل معه أبدا أي وثائق مكتوبة، من باب الحيطة والحذر من حمل شيء قد يسهل من مأمورية السلطة على إدانته، وحتى مواعيده كان يسجلها في وريقة صغيرة. ولما كنا نجتمع في منزله بالرباط، كان يعمد إلى تشغيل جهاز المذياع في الغرفة الأخرى بشكل مرتفع، أو يطلق صنبور المياه بقوة، من أجل التشويش على كل محاولة للتصنت على مجريات الاجتماع. ربما كان يظن أن تلك الوسائل ناجعة في مكافحة التجسس في ذلك الوقت، إذ كان لدينا قناعة بأن السلطات تتبعنا وتسعى إلى اختراقنا، سيما خلال حالة الاستثناء.
* من 1965 إلى 1969، لما كنت باحثا في مركز البحوث العلمية، ألم يخلق نشاطك الحزبي أي مشاكل في العمل؟
- كلا، لم يخلق انتمائي أية مشاكل لي داخل المركز، لأن الجميع أولا، كان يعرف أنني عضو في الحزب الشيوعي المغربي، سيما زملائي هنالك مثل عبد الواحد الراضي وعبد الكبير الخطيبي (كان عضوا هو الآخر بالحزب الشيوعي المغربي)، وجاك كالي. ولم يكن يحدث أي إشكال في هذا الباب، فقد كنا نعرف الانتماءات السياسية لبعضنا البعض، علاوة على أن مدير المركز «سي ناصر الفاسي»، كان يعلم بعضويتي في الحزب كما كان يعرف أن شقيقه عمر، هو أيضا منتم للحزب نفسه، وقد كان يدرك من موقعه آنذاك، أن الساحة السياسية لم تكن في يوم من الأيام، متشنجة لدرجة أن تؤدي التموقعات الحزبية إلى قطيعة بين الناس. وخلاصة الأمر أن جوا من الاحترام المتبادل كان يجمع بيننا.
لكن ما ميز تلك الفترة، أننا شرعنا في التحرك على الواجهة الجمعوية، بإيعاز من عزيز بلال، وكانت لدينا جمعيتان: جمعية «المعرفة» التي كانت تسعى بالأساس إلى محاربة الأمية ونشر المعرفة والعلم بين صفوف الفقراء والمعوزين. أما الجمعية الثانية فهي جمعية البحث الثقافي L’ARC))، وكان يلتقي ضمنها أعضاء بالحزب الشيوعي المغربي مع آخرين من خارجه. وفي هذه الجمعية بالذات، تعارفنا مع عبد اللطيف اللعبي، ومن هذا الباب سيلتحق بالحزب لفترة قصيرة (غادره في 1971). وقد كان معارفنا الجدد داخل هذه الجمعية من مختلف التشكيلات الثقافية، رسامين وكتاب وشعراء، مثل مصطفى النيسابوري، محمد المليحي، محمد شبعة، وبلفريد بلكاهية. لقد كانت تلك الفترة غنية، إذ كانت تلك الجمعية بمثابة باب لعدد من المثقفين نحو الانضمام إلى الحزب الشيوعي المغربي. ولا ينبغي أن أنسى أيضا أن من ضمن أعضاء الحزب ممن كانوا ينشطون معنا في الجمعية نجد الطيب بنشيخ وعبد الرحيم اليوسي، وأبراهام السرفاتي (كان قد غادر الحزب قبل ذلك، بسبب خلاف في الرأي؛ إذ كان يعتقد بأن الحزب كان يجب أن يندمج في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكنه قام بمراجعة نقدية لذاته وأفكاره ثم عاد إلى صفوف الحزب الشيوعي المغربي).
* ألم تكن تتعرض لمضايقات من طرف السلطات خلال فترة حظر الحزب الشيوعي المغربي؟
- يمكنني أن أقول إننا كنا في تلك الفترة كما يقولون باللهجة الدارجة «حاضيين طرافنا»، سيما لما كنا نعقد اجتماعاتنا بأحياء القصدير بكل من يعقوب المنصور وحي التقدم بالرباط، إذ إننا كنا نأخذ الاحتياطات اللازمة كي لا نصاب نحن بأذى، أو غيرنا بمكروه، سيما أولئك الذين يمكن أن يؤخذوا بجريرة ليست لهم فيها يد. ويظهر لي أن مصالح الاستعلامات حينئذ كانت تتتبع خطواتنا بشكل مؤكد، وقد وقعت لي حادثة في أحد الأيام، بعد أن خرجت من أحد الاجتماعات بحي يعقوب المنصور، فوجدت علامة «المنجل والمطرقة»، التي تدل على الشيوعيين في مختلف أنحاء العالم، مرسومة على زجاج سيارتي، وبفعل الرطوبة، فقد بدت تلك العلامة بارزة على سيارتي التي كانت من نوع فولسفاكن بيضاء اللون. ومع ذلك، فإن الرسالة التي كانت من وراء هذا الرسم بدت غامضة؛ هل وضعت من طرف جهة تتبعنا، وتشير من خلال تلك العلامة إلى أنهم يعرفون من نحن وماذا نفعل؟ أم أن شخصا آخر وضعها فقط نكاية فينا. رغم كل شيء، لم نبال بهذا الموضوع، لأن رأينا كان حينئذ مستقرا على فكرة أن المناضل لا يجب أن يهتم بمثل تلك الاستفزازات، وإلا فإن المرء سيقف مكتوف اليدين، عاجزا عن الحركة.
* في 1966، التقيتم بتيتو، رئيس يوغوسلافيا حينئذ، إرو لنا قصة ذلك اللقاء؟
- بعد المؤتمر الثالث للحزب، تقرر أن يزور وفد من الحزب الزعيم «تيتو» رئيس يوغوسلافيا في مدينة «بريوني»، وكان الوفد يتكون من علي يعته، وعزيز بلال وأنا، وكانت لهذا اللقاء صبغة دولية من جهة، ووطنية من جهة أخرى. إلا أن ذلك اللقاء لم يكن ليمر دون تبعات، وقد أخبرني يعته فيما بعد، أن النظام المغربي كان قد خاض مشاورات بين أركانه بشأن القبض على أعضاء الوفد لدى عودته، إذ إننا قمنا بعمل يندرج ضمن صفتنا الحزبية، رغم أن حزبنا كان محظورا نشاطه في المغرب.
وقد تراجع النظام عن قرار اعتقالنا، وربما خلص النظام، كما كنا نفكر نحن، إلى أن من مصلحة المغرب عقد لقاء مماثل مع زعيم كـ»تيتو»، وهو المعروف بعلاقته الوطيدة بالملك الحسن الثاني، بل وكان مفيدةا بالنسبة لملف الصحراء رغم أن المشكل لم يكن مطروحا بالصيغة الحالية وإنما كان متعلقا بمشكل موريطانيا في 1958، والوجود الاستعماري الاسباني في الصحراء وبحث سبل القضاء عليه. وقد ناقشنا مع الرفاق اليوغوسلافيين هذه النقاط في جدول أعمال اجتماعاتنا معهم في تلك الفترة.
* كيف يمكن توصيف علاقتك في تلك الفترة مع رموز الحزب الشيوعي المغربي، مثل علي يعته وعبدا لسلام بورقية وعبد الله العياشي وعزيز بلال والهادي مسواك؟
- لم تكن لدي علاقات حميمية مع أكثرهم، إلا أن العلاقة الأكثر حرارة، إذا صح هذا القول، كانت مع عزيز بلال وعبد الله العياشي وشمعون ليفي، أما الباقون فلم تكن علاقتي بهم سوى «عادية» وإن كانت طيبة، إذ لم أكن أتجرأ عليهم في هذا الباب، وبالتالي، لم تكن علاقتنا من نوع أن أستضيفهم ويضيفونني في بيوتهم. وربما كان ذلك بسبب طبيعتي.
ومع ذلك، لا يجب أن يفوتني أن الرفيق على يعته كان بيته دائما مفتوحا أمامنا. ولا زلت أتذكر أنه في يوم دخول جيوش حلف وارسو لمدينة براغ، ذهبت إلى «سي علي» بحسب ما أتذكر بشأن تلك الحادثة، وسافرت إلى الدار البيضاء في حافلة ركاب، وطرقت بابه، ورحب بي، وناقشنا الموضوع في منزله. وكان مدركا لكافة جوانب الموضوع، ولذلك سايرنا في وجهة نظرنا في ذلك الموضوع، رغم أننا كنا كشباب أكثر راديكالية من القيادة، من منطلق أن تصرف الاتحاد السوفياتي لم يكن مقبولا، وكذلك كان موقف الحزب؛ إذ رغم وجود بعض الليونة فيه، إلا أنه كان صارما في التنديد، وقد غضب السوفيات على علي يعته بسبب ذلك، وعاملوه معاملة قاسية في لقاء جرى معه بعد أحداث براغ.
* إذن يمكن القول بأن عزيز بلال كان من القياديين الذين تتعامل معهم كثيرا بحكم أنه مسؤول عن جهة الرباط؟
- نعم، وكنت ألتقيه في أكثر المرات بمنزله حيث تعقد بعض الاجتماعات، (كانت أخرى تعقد في بيت محمد مشارك)، وكان من الملاحظ أن عزيز بلال لم يكن يحمل معه أبدا أي وثائق مكتوبة، من باب الحيطة والحذر من حمل شيء قد يسهل من مأمورية السلطة على إدانته، وحتى مواعيده كان يسجلها في وريقة صغيرة. ولما كنا نجتمع في منزله بالرباط، كان يعمد إلى تشغيل جهاز المذياع في الغرفة الأخرى بشكل مرتفع، أو يطلق صنبور المياه بقوة، من أجل التشويش على كل محاولة للتصنت على مجريات الاجتماع. ربما كان يظن أن تلك الوسائل ناجعة في مكافحة التجسس في ذلك الوقت، إذ كان لدينا قناعة بأن السلطات تتبعنا وتسعى إلى اختراقنا، سيما خلال حالة الاستثناء.
* من 1965 إلى 1969، لما كنت باحثا في مركز البحوث العلمية، ألم يخلق نشاطك الحزبي أي مشاكل في العمل؟
- كلا، لم يخلق انتمائي أية مشاكل لي داخل المركز، لأن الجميع أولا، كان يعرف أنني عضو في الحزب الشيوعي المغربي، سيما زملائي هنالك مثل عبد الواحد الراضي وعبد الكبير الخطيبي (كان عضوا هو الآخر بالحزب الشيوعي المغربي)، وجاك كالي. ولم يكن يحدث أي إشكال في هذا الباب، فقد كنا نعرف الانتماءات السياسية لبعضنا البعض، علاوة على أن مدير المركز «سي ناصر الفاسي»، كان يعلم بعضويتي في الحزب كما كان يعرف أن شقيقه عمر، هو أيضا منتم للحزب نفسه، وقد كان يدرك من موقعه آنذاك، أن الساحة السياسية لم تكن في يوم من الأيام، متشنجة لدرجة أن تؤدي التموقعات الحزبية إلى قطيعة بين الناس. وخلاصة الأمر أن جوا من الاحترام المتبادل كان يجمع بيننا.
لكن ما ميز تلك الفترة، أننا شرعنا في التحرك على الواجهة الجمعوية، بإيعاز من عزيز بلال، وكانت لدينا جمعيتان: جمعية «المعرفة» التي كانت تسعى بالأساس إلى محاربة الأمية ونشر المعرفة والعلم بين صفوف الفقراء والمعوزين. أما الجمعية الثانية فهي جمعية البحث الثقافي L’ARC))، وكان يلتقي ضمنها أعضاء بالحزب الشيوعي المغربي مع آخرين من خارجه. وفي هذه الجمعية بالذات، تعارفنا مع عبد اللطيف اللعبي، ومن هذا الباب سيلتحق بالحزب لفترة قصيرة (غادره في 1971). وقد كان معارفنا الجدد داخل هذه الجمعية من مختلف التشكيلات الثقافية، رسامين وكتاب وشعراء، مثل مصطفى النيسابوري، محمد المليحي، محمد شبعة، وبلفريد بلكاهية. لقد كانت تلك الفترة غنية، إذ كانت تلك الجمعية بمثابة باب لعدد من المثقفين نحو الانضمام إلى الحزب الشيوعي المغربي. ولا ينبغي أن أنسى أيضا أن من ضمن أعضاء الحزب ممن كانوا ينشطون معنا في الجمعية نجد الطيب بنشيخ وعبد الرحيم اليوسي، وأبراهام السرفاتي (كان قد غادر الحزب قبل ذلك، بسبب خلاف في الرأي؛ إذ كان يعتقد بأن الحزب كان يجب أن يندمج في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكنه قام بمراجعة نقدية لذاته وأفكاره ثم عاد إلى صفوف الحزب الشيوعي المغربي).
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
8 - حقق معه إدريس البصري في مشاركته في مؤتمر الأحزاب الشيوعية وزنزانته كانت مليئة بـ«البق»
هربت من وجه الشرطة سبعة أيام وسجنت خمسة عشر يوما بسبب مؤتمر موسكو
* كان لعزيز بلال دور كبير في التنظير السياسي والإيديولوجي بالنسبة للحزب الشيوعي المغربي.
- بطبيعة الحال، فقد كان منفتحا، ولم يكن متزمتا، بل كان يقبل النقد وينادي إليه، وكان له تصور صحيح للماركسية في حد ذاتها، من حيث إن الماركسية هي النقيض الكلي للدوغمائية بكل أنواعها. للأسف الشديد، كان الكثيرون ممن ينعتون أنفسهم بالماركسيين، دوغمائيين في أفكارهم وعقيدتهم السياسية. أما عزيز بلال، فقد كان على العكس من ذلك، ومن بين أمثلة هذا، إلحاحه المستمر على أن الحزب الشيوعي المغربي يجب أن يبني مواقفه على الواقعية والموضوعية والانفتاح، رافضا في الوقت نفسه، تلك الأفكار التي يتمسك بها البعض ممن كانوا يقدمون تصورا عن أنفسهم كممتلكين للحقيقة؛ بالنسبة لعزيز بلال، فقد كان هذا طرحا مجانبا للصواب، لأن امتلاك الحقيقة أمر غير ممكن، بل هو مسعى يدفعنا إلى البحث عن الحقيقة في كافة المستويات. لقد كان عزيز بلال، بالنسبة لي مدرسة وقدوة في الوقت نفسه.
* علاقتك بعزيز بلال لم تكن تقتصر على المستوى الحزبي لوحده؟
- كلا، إذ فضلا عن علاقتي به داخل الحزب كمسؤول عن جهة الرباط والغرب، كان يجمعنا العمل النقابي كوننا ننتمي إلى هيئة جامعية، فقد كان بلال من مؤسسي نقابة التعليم العالي في مطلع الستينيات، ولما عدت إلى المغرب بعد إتمامي لدراستي بفرنسا، وولجت سلك التعليم العالي، كان بلال هو من «أدخلني» إلى النقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية الآداب.
* ما يظهر أن علاقتك بعلي يعته لم تكن مماثلة لعلاقتك بعزيز بلال؟
- لم ألتق بعلي يعته سوى خلال مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 61 أو 62، بالرباط. وقد ألقى يعته حينئذ كلمة بالمناسبة باسم الحزب في قاعة سينما أكدال (تحولت اليوم إلى عمارة)، وقد أثار انتباهي خلال إلقائه لكلمته، طريقته في الحديث، إذ كان حريصا على احترام قوانين اللغة، بل ويسير في هذا المسعى إلى حد شكل كل كلمات خطابه حتى في نهايات الجمل، ما كان يجعل من عملية الإنصات إليه أمرا ممتعا وذو ميزة خاصة. ولن أكون مبالغا إن قلت إني أصبت بالدهشة حينذاك، من طريقته في الخطابة.
أما لقاءاتي الأخرى بعلي يعته، فقد كانت في بعض الأحيان، تحدث في مقر جريدة الحزب التي كانت تسمى وقتئذ بـ»المكافح»، إذ لما كنت طالبا بفرنسا، لم يكن بوسعي سوى أن أغتنم فرص العطلة والسفر إلى المغرب ما بين 63-64-65، للتردد على مقر الجريدة، فقد كانت بمثابة مقر للحزب حينئذ، بسبب عدم وجود مقر رسمي له كنتيجة لوضع الحظر القانوني الذي كان يعيشه. وكان مقر جريدة «المكافح» بعمارة «ميرابو» بالقرب من مقر الاتحاد المغربي للشغل، وكنا نجتمع هنالك، ونزوده بمساهماتنا الصحفية، سواء في شكل مقالات أو استطلاعات نقوم بها في البوادي، إذ كان الحزب يطلب وقتئذ من أعضائه سيما ذوي التكوين الثقافي، الاطلاع على أحوال الشعب بالبوادي، ليستفيد المناضل على مستويين، الاحتكاك بالواقع المعيش من جهة، وإبراز عيش المواطنين بالجريدة.
وهنالك، بمقر الجريدة، تعرفت على عبد الله العياشي وشمعون ليفي، إذ كانت تربطني بهذا الأخير علاقات حميمية، ومودة لا زالت لحد اليوم قائمة. وكان ليفي مثله مثل عزيز بلال، غير متحجر بل منفتح على الواقع كما هو، وكان من المساهمين في تكوين شخصيتي السياسية وقتئذ.
وبالنسبة لعلي يعته، فقد كانت علاقتي به خلال زياراتي المتكررة إلى مقر الجريدة، خالية من أي تشنج أو سلوك متعال، كما قد ينقل عنه البعض، بل كان بشوشا معي سيما أني ضمن آخرين، كنا نؤدي ما يمكن أن نسميه عملا بالجريدة بشكل تطوعي، وبالتالي لا يمكن وصف علاقتي به رغم فارق السن، سوى بـ»الرفاقية».
* كيف كانت تنشر مقالاتك بجريدة الحزب الشيوعي المغربي؟
- كانت كثير من مقالاتي والمواد التي كنت أساهم بها وتنشر بالجريدة، غير موقعة باسمي الكامل، بل إن أغلبها كنت أحتفظ في توقيعها بالأحرف الأولى من إسمي؛ فأوقع بـ»أبو سليم» أو «أبو إصلاح»، وقد كانت المواد المنشورة بهذه التوقيعات، تنشر في النسخة الفرنسية للجريدة، إذ نادرا ما كنت أساهم بمواد اللغة العربية. وقد كانت أبرز الموضوعات في مقالاتي، الاستيطيقا (علم الجمال) والفن وبشكل رئيسي، الفن التشكيلي.
ولأن تلك الفترة كانت تعرف تضييقا على توزيع الصحف مثل»المكافح»، فقد كنا نقوم بالبيع النضالي للجريدة في الرباط، كما كنا نقوم بإلصاق بعض النسخ منها أو نسخة من الصفحة الأولى على الجدران والأعمدة، وأتذكر أننا وضعنا نسخا من الجريدة على أعمدة الخزانة العامة بالرباط، وظن حارس الخزانة، إننا نقوم بإلصاق منشور متعلق بنشاط سيعقد بالخزانة، فراح يساعدنا في تلك العملية، سيما أنه لاحظ شيئا ما على تلك الأوراق، واعتقد أن الأمر يتعلق بمساندة في دعمه لاستقلال الجزائر.
بيان اليوم : وأين كنت موجودا لما ألقي القبض على يعته والعياشي وبورقية خلال ما سمي بتداعيات حرب الرمال؟
العلوي : كنت حينئذ، لا زلت طالبا بفرنسا، لكننا قمنا بدورنا كقطاع مواز للحزب هنالك، من أجل الدفاع عن رفاقنا المعتقلين مطالبين بضرورة إطلاق سراحهم، سيما إن التهم ضدهم كانت واهية.
* ثم توترت العلاقات من جديد بعد أن تحول اسم الحزب الشيوعي المغربي إلى حزب التحرر والاشتراكية، وألقي القبض عليك مع على يعته وشعيب الريفي، ومنع الحزب من جديد، احك لنا تفاصيل هذه التجربة؟
- في 1969، تقرر منع حزب التحرر والاشتراكية، بعد تأسيسه بعام واحد. وكان الجنرال أوفقير هو المسؤول عن قرار منع الحزب بإيعاز من المصالح الأمريكية، وأيضا من السعودية، كما قيل حينئذ. وقد عللت السلطة قرار منع الحزب بمشاركة وفد من خلال اللقاءات التحضيرية للمؤتمر، فحضر عمر الفاسي لاجتماع في مدينة بودابست، كما أن عبد الله العياشي حضر للقاء مماثل بعده، وقبيل افتتاح المؤتمر، كان الحزب أرسل وفدا للمشاركة في آخر اجتماع تحضيري، ويتكون من علي يعته وشعيب الريفي وأنا.
وقد ساهمت في المرحلة الأولى من ذلك الاجتماع إلى غاية يوم 4 يونيو، ثم عدت إلى المغرب فقد كنت أستاذا مساعدا في الكلية، وكان من المفروض أن أباشر مهام الحراسة خلال الامتحانات النهائية التي بدأت في 5 يونيو، وبالتالي، كنت يوم افتتاح مؤتمر الأحزاب الشيوعية والعمالية، بكلية الآداب أقوم بالحراسة.
وبعد ذلك، لما تقرر منع الحزب صدر قرار توقيفنا نحن الثلاث الذين كنا أعضاء بالوفد الأخير، وقد قضيت 15 يوما في السجن بسبب ذلك، وفي ظروف مهينة، تعمد أصحاب القرار أن تكون كذلك، إذ لم تكن زنزانتي تتوفر على سرير، بل كل ما فيها مجرد كيس مملوء بقش الذرة يسكنه «البق»، إلا أن ذلك، لم ينل مني كثيرا، لأن ظروف العناية لم تكن تهمني.
ولم أقض تلك الأيام في السجن سوى بعد بحث عني من طرف السلطات الأمنية لمدة تزيد عن ستة أيام، قضيتها فارا، إذ لما علمت بخبر القبض على علي يعته وشعيب الريفي، حتى بعض رفاقي على ضرورة التواري على الأنظار والبحث عن مخبأ ريثما تتوضح الأمور.
في البداية، لجأت إلى دار خالي عبد الكريم الخطيب لبعض الأيام، ثم رحلت إلى دارنا في سلا، حتى قررت تسليم نفسي للشرطة، إذ دق شرطي يدعى الميداوي، على باب منزلنا، فخرجت إليه ووضعوني في سيارة متهرئة، حتى أوصلوني إلى مقر شرطة الرباط (كانت حيث مقر البرلمان حاليا).
وكان المسؤول عن مواصلة التحقيق في هذه القضية هو إدريس البصري، فاستقبلني بشكل محترم ولم يحدث أن تجاوز معي حدود الأدب واللباقة، رغم إني كنت متهما بأمور ثقيلة. وكان مكتبه مليئا بصور الملك، فوق طاولته وعلى طاولات أخرى، ثم استفسرني عن سبب القبض على وكذا على يعته والريفي، وكأنه لا يعلم بحيثياث ذلك، فاجبته بجواب يمكنني أن أصفه بالدبلوماسي، حيث قلت له : «اللي زاغ على الفار كيقطعلو زنطيطو». ثم حولت الحديث إلى السيارة التي جيء بي بواسطتها إليه، وقلت بأن تلك السيارة خردة لا تصلح لنقل الناس، ويبدو أنه استجاب لملاحظتي في هذا الشأن؛ إذ ما إن وقعت على محاضر التحقيق، حتى جيء بسيارة من نوع «رونو4» وكانت وقتئذ سيارة أفضل، ونقلوني إلى المحكمة، حيث أجرى لي قاضي التحقيق استجوابا ثم أودعني السجن، وقبل دخولي إليه، نزعت مني محفظتي ونقودي ومفاتيحي وجزمة سروالي وساعة يدي، وأدخلوني إلى زنزانة منفردة.
* كان لعزيز بلال دور كبير في التنظير السياسي والإيديولوجي بالنسبة للحزب الشيوعي المغربي.
- بطبيعة الحال، فقد كان منفتحا، ولم يكن متزمتا، بل كان يقبل النقد وينادي إليه، وكان له تصور صحيح للماركسية في حد ذاتها، من حيث إن الماركسية هي النقيض الكلي للدوغمائية بكل أنواعها. للأسف الشديد، كان الكثيرون ممن ينعتون أنفسهم بالماركسيين، دوغمائيين في أفكارهم وعقيدتهم السياسية. أما عزيز بلال، فقد كان على العكس من ذلك، ومن بين أمثلة هذا، إلحاحه المستمر على أن الحزب الشيوعي المغربي يجب أن يبني مواقفه على الواقعية والموضوعية والانفتاح، رافضا في الوقت نفسه، تلك الأفكار التي يتمسك بها البعض ممن كانوا يقدمون تصورا عن أنفسهم كممتلكين للحقيقة؛ بالنسبة لعزيز بلال، فقد كان هذا طرحا مجانبا للصواب، لأن امتلاك الحقيقة أمر غير ممكن، بل هو مسعى يدفعنا إلى البحث عن الحقيقة في كافة المستويات. لقد كان عزيز بلال، بالنسبة لي مدرسة وقدوة في الوقت نفسه.
* علاقتك بعزيز بلال لم تكن تقتصر على المستوى الحزبي لوحده؟
- كلا، إذ فضلا عن علاقتي به داخل الحزب كمسؤول عن جهة الرباط والغرب، كان يجمعنا العمل النقابي كوننا ننتمي إلى هيئة جامعية، فقد كان بلال من مؤسسي نقابة التعليم العالي في مطلع الستينيات، ولما عدت إلى المغرب بعد إتمامي لدراستي بفرنسا، وولجت سلك التعليم العالي، كان بلال هو من «أدخلني» إلى النقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية الآداب.
* ما يظهر أن علاقتك بعلي يعته لم تكن مماثلة لعلاقتك بعزيز بلال؟
- لم ألتق بعلي يعته سوى خلال مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 61 أو 62، بالرباط. وقد ألقى يعته حينئذ كلمة بالمناسبة باسم الحزب في قاعة سينما أكدال (تحولت اليوم إلى عمارة)، وقد أثار انتباهي خلال إلقائه لكلمته، طريقته في الحديث، إذ كان حريصا على احترام قوانين اللغة، بل ويسير في هذا المسعى إلى حد شكل كل كلمات خطابه حتى في نهايات الجمل، ما كان يجعل من عملية الإنصات إليه أمرا ممتعا وذو ميزة خاصة. ولن أكون مبالغا إن قلت إني أصبت بالدهشة حينذاك، من طريقته في الخطابة.
أما لقاءاتي الأخرى بعلي يعته، فقد كانت في بعض الأحيان، تحدث في مقر جريدة الحزب التي كانت تسمى وقتئذ بـ»المكافح»، إذ لما كنت طالبا بفرنسا، لم يكن بوسعي سوى أن أغتنم فرص العطلة والسفر إلى المغرب ما بين 63-64-65، للتردد على مقر الجريدة، فقد كانت بمثابة مقر للحزب حينئذ، بسبب عدم وجود مقر رسمي له كنتيجة لوضع الحظر القانوني الذي كان يعيشه. وكان مقر جريدة «المكافح» بعمارة «ميرابو» بالقرب من مقر الاتحاد المغربي للشغل، وكنا نجتمع هنالك، ونزوده بمساهماتنا الصحفية، سواء في شكل مقالات أو استطلاعات نقوم بها في البوادي، إذ كان الحزب يطلب وقتئذ من أعضائه سيما ذوي التكوين الثقافي، الاطلاع على أحوال الشعب بالبوادي، ليستفيد المناضل على مستويين، الاحتكاك بالواقع المعيش من جهة، وإبراز عيش المواطنين بالجريدة.
وهنالك، بمقر الجريدة، تعرفت على عبد الله العياشي وشمعون ليفي، إذ كانت تربطني بهذا الأخير علاقات حميمية، ومودة لا زالت لحد اليوم قائمة. وكان ليفي مثله مثل عزيز بلال، غير متحجر بل منفتح على الواقع كما هو، وكان من المساهمين في تكوين شخصيتي السياسية وقتئذ.
وبالنسبة لعلي يعته، فقد كانت علاقتي به خلال زياراتي المتكررة إلى مقر الجريدة، خالية من أي تشنج أو سلوك متعال، كما قد ينقل عنه البعض، بل كان بشوشا معي سيما أني ضمن آخرين، كنا نؤدي ما يمكن أن نسميه عملا بالجريدة بشكل تطوعي، وبالتالي لا يمكن وصف علاقتي به رغم فارق السن، سوى بـ»الرفاقية».
* كيف كانت تنشر مقالاتك بجريدة الحزب الشيوعي المغربي؟
- كانت كثير من مقالاتي والمواد التي كنت أساهم بها وتنشر بالجريدة، غير موقعة باسمي الكامل، بل إن أغلبها كنت أحتفظ في توقيعها بالأحرف الأولى من إسمي؛ فأوقع بـ»أبو سليم» أو «أبو إصلاح»، وقد كانت المواد المنشورة بهذه التوقيعات، تنشر في النسخة الفرنسية للجريدة، إذ نادرا ما كنت أساهم بمواد اللغة العربية. وقد كانت أبرز الموضوعات في مقالاتي، الاستيطيقا (علم الجمال) والفن وبشكل رئيسي، الفن التشكيلي.
ولأن تلك الفترة كانت تعرف تضييقا على توزيع الصحف مثل»المكافح»، فقد كنا نقوم بالبيع النضالي للجريدة في الرباط، كما كنا نقوم بإلصاق بعض النسخ منها أو نسخة من الصفحة الأولى على الجدران والأعمدة، وأتذكر أننا وضعنا نسخا من الجريدة على أعمدة الخزانة العامة بالرباط، وظن حارس الخزانة، إننا نقوم بإلصاق منشور متعلق بنشاط سيعقد بالخزانة، فراح يساعدنا في تلك العملية، سيما أنه لاحظ شيئا ما على تلك الأوراق، واعتقد أن الأمر يتعلق بمساندة في دعمه لاستقلال الجزائر.
بيان اليوم : وأين كنت موجودا لما ألقي القبض على يعته والعياشي وبورقية خلال ما سمي بتداعيات حرب الرمال؟
العلوي : كنت حينئذ، لا زلت طالبا بفرنسا، لكننا قمنا بدورنا كقطاع مواز للحزب هنالك، من أجل الدفاع عن رفاقنا المعتقلين مطالبين بضرورة إطلاق سراحهم، سيما إن التهم ضدهم كانت واهية.
* ثم توترت العلاقات من جديد بعد أن تحول اسم الحزب الشيوعي المغربي إلى حزب التحرر والاشتراكية، وألقي القبض عليك مع على يعته وشعيب الريفي، ومنع الحزب من جديد، احك لنا تفاصيل هذه التجربة؟
- في 1969، تقرر منع حزب التحرر والاشتراكية، بعد تأسيسه بعام واحد. وكان الجنرال أوفقير هو المسؤول عن قرار منع الحزب بإيعاز من المصالح الأمريكية، وأيضا من السعودية، كما قيل حينئذ. وقد عللت السلطة قرار منع الحزب بمشاركة وفد من خلال اللقاءات التحضيرية للمؤتمر، فحضر عمر الفاسي لاجتماع في مدينة بودابست، كما أن عبد الله العياشي حضر للقاء مماثل بعده، وقبيل افتتاح المؤتمر، كان الحزب أرسل وفدا للمشاركة في آخر اجتماع تحضيري، ويتكون من علي يعته وشعيب الريفي وأنا.
وقد ساهمت في المرحلة الأولى من ذلك الاجتماع إلى غاية يوم 4 يونيو، ثم عدت إلى المغرب فقد كنت أستاذا مساعدا في الكلية، وكان من المفروض أن أباشر مهام الحراسة خلال الامتحانات النهائية التي بدأت في 5 يونيو، وبالتالي، كنت يوم افتتاح مؤتمر الأحزاب الشيوعية والعمالية، بكلية الآداب أقوم بالحراسة.
وبعد ذلك، لما تقرر منع الحزب صدر قرار توقيفنا نحن الثلاث الذين كنا أعضاء بالوفد الأخير، وقد قضيت 15 يوما في السجن بسبب ذلك، وفي ظروف مهينة، تعمد أصحاب القرار أن تكون كذلك، إذ لم تكن زنزانتي تتوفر على سرير، بل كل ما فيها مجرد كيس مملوء بقش الذرة يسكنه «البق»، إلا أن ذلك، لم ينل مني كثيرا، لأن ظروف العناية لم تكن تهمني.
ولم أقض تلك الأيام في السجن سوى بعد بحث عني من طرف السلطات الأمنية لمدة تزيد عن ستة أيام، قضيتها فارا، إذ لما علمت بخبر القبض على علي يعته وشعيب الريفي، حتى بعض رفاقي على ضرورة التواري على الأنظار والبحث عن مخبأ ريثما تتوضح الأمور.
في البداية، لجأت إلى دار خالي عبد الكريم الخطيب لبعض الأيام، ثم رحلت إلى دارنا في سلا، حتى قررت تسليم نفسي للشرطة، إذ دق شرطي يدعى الميداوي، على باب منزلنا، فخرجت إليه ووضعوني في سيارة متهرئة، حتى أوصلوني إلى مقر شرطة الرباط (كانت حيث مقر البرلمان حاليا).
وكان المسؤول عن مواصلة التحقيق في هذه القضية هو إدريس البصري، فاستقبلني بشكل محترم ولم يحدث أن تجاوز معي حدود الأدب واللباقة، رغم إني كنت متهما بأمور ثقيلة. وكان مكتبه مليئا بصور الملك، فوق طاولته وعلى طاولات أخرى، ثم استفسرني عن سبب القبض على وكذا على يعته والريفي، وكأنه لا يعلم بحيثياث ذلك، فاجبته بجواب يمكنني أن أصفه بالدبلوماسي، حيث قلت له : «اللي زاغ على الفار كيقطعلو زنطيطو». ثم حولت الحديث إلى السيارة التي جيء بي بواسطتها إليه، وقلت بأن تلك السيارة خردة لا تصلح لنقل الناس، ويبدو أنه استجاب لملاحظتي في هذا الشأن؛ إذ ما إن وقعت على محاضر التحقيق، حتى جيء بسيارة من نوع «رونو4» وكانت وقتئذ سيارة أفضل، ونقلوني إلى المحكمة، حيث أجرى لي قاضي التحقيق استجوابا ثم أودعني السجن، وقبل دخولي إليه، نزعت مني محفظتي ونقودي ومفاتيحي وجزمة سروالي وساعة يدي، وأدخلوني إلى زنزانة منفردة.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
9 - محمد بن بلة قال للمحكمة إن حجه المبرور دليل على عدم إلحاده
غيرنا اسم الحزب الشيوعي المغربي لنتخلص من تهمة الإلحاد
* كيف جرت عملية الاستجواب لدى قاضي التحقيق؟
- راح قاضي التحقيق يسألني عن بعض التفاصيل البسيطة في خطاب علي يعته بمؤتمر موسكو، ومن ذلك على سبيل المثال، استفساره عن سبب تمجيد يعته لموسكو كمدينة، ومدحه لبنياتها التحتية وما إلى ذلك. وقد وجدت ذلك أمرا مثيرا للسخرية، وبالتالي لم أجد من جواب سوى القول بأن يعته ضمن آخرين، كانوا ضيوفا بتلك المدينة، ولا يمكنهم وصف موسكو بنعوت قبيحة، ثم إنني أضفت أن موسكو بالفعل، كانت وقتئذ تستحق الإشادة، فقد كانت مكانا رائعا. ولكن قاضي التحقيق رغم ردودي الساخرة، تمادى في مثل هذا النوع من الأسئلة التي تكاد تكون صبيانية.
وما بدا من خلال مرحلة التحقيق، أن الأجهزة وإن كانت تعرف بأني لم أكن حاضرا خلال مؤتمر الأحزاب الشيوعية والعمالية، تمتلك معطيات أخرى قد تورطني في المسألة، لأنهم يعرفون الصورة العامة. ومع ذلك، قرر القاضي في نهاية المطاف، إطلاق سراحي وعدم متابعتي بأي من تلك التهم.
* وهل كان مسموحا لأقربائك أو رفاقك بزيارتك؟
- كان الشخص الوحيد الذي زارني في السجن هو خالي عبد الكريم الخطيب، فيما لم يكن بقية أفراد أسرتي وعائلتي يزورونني هنالك. وكان خالي الآخر، طبعا كمحام دفاع، يؤازرني في تلك القضية، وبالتالي كان يحضر خلال أطوار التحقيق معي في مكتب القاضي. إذن كان خالي عبد الكريم الوحيد من عائلتي ممن كانت زيارتهم لي، في نطاق تفقد فرد من العائلة وجد نفسه في محنة السجن، وقد زارني خلال الأيام الخمس عشر التي قضيتها بالسجن مرتين أو ثلاث على الأكثر.
* لكن علي يعته و بوشعيب الريفي توبعا في تلك القضية؟
- نعم، قررت الدولة متابعة كل من يعته والريفي، وقدمتهما إلى المحكمة، وقد حضرت بعد إطلاق سراحي، أول جلسة لمحاكمتهما، فقد كان يوما مشهودا، دافع فيه عن الرفيقين كل عبد الرحيم بوعبيد وامحمد بوستة والفاروقي وعدد آخر من المحامين ينتمون إلى حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كما قدم علي يعته مرافعة نارية دفاعا عن نفسه وحزبه، إلا أن ذلك لم ينفع في شيء، إذ قضت المحكمة بإدانته بسنة حبسا نافذا، فيما قضت في حق بوشعيب الريفي بتسعة أشهر حبسا نافذا أيضا، ربما.
وبعد خروجهما من السجن، نظمنا حفل استقبال على شرفهما في منزلنا، حضره عدد من قياديي الحزب، وانتشينا بكؤوس الشاي، فرحا بعودتهما إلى استئناف نشاطهما.
* هل تعتقد أن حيلة العودة إلى المغرب يوما قبل المؤتمر، انطلت على الأجهزة لدرجة دفعت إلى عدم متابعتك في القضية؟
- بحسب اعتقادي، فإن الأجهزة ركزت على أطوار المؤتمر في حد ذاته، ولم تهتم كثيرا بتفاصيل الاجتماعات التحضيرية التي سبقته. ومن ثمة لم تجد الأجهزة سببا في متابعتي، لأني لم أكن موجودا في المؤتمر، ومع ذلك قد تنضاف إلى ذلك اعتبارات أخرى، إلا أن غيابي عن المؤتمر كان هو السبب في إطلاق سراحي، وكانت كل القرائن تؤيد ذلك.
* لماذا غير اسم الحزب الشيوعي المغربي إلى حزب التحرر والاشتراكية؟
- لم أكن حاضرا خلال التصريح بالاسم الجديد للحزب الذي عوض الحزب الشيوعي المغربي، إذ تكلف بهذه المهمة كلا من شعيب الريفي وعلي يعته، وربما كان برفقتهما عبد الهادي مسواك أيضا، وقد جاء تغيير الاسم لتفعيل مقررات المؤتمر الثالث للحزب في 66، إذ كان أبرز قرار اتخذ خلال ذلك المؤتمر، هو «تعزيز الاندماج والانصهار داخل الشعب على كل المستويات»، وليس فقط على المستوى الاجتماعي، أو على مستوى المطالب السياسية، بل على مستوى التصدي لكل تلك الدعايات المغرضة ضد الحزب، سيما تلك التي وضعت لنفسها مسلك وضع الشيوعي والملحد جنبا إلى جنب في خانة واحدة، في حين لم تكن هنالك أية علاقة بين الانتماء السياسي والإلحاد، إذ إن الإلحاد كان خلاصة فلسفية تتعلق بكل فرد على حدة، على المستوى العقائدي. وكان هذا الهدف متجليا في مشاركة بن بلة ضمن وفد رسمي إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، وقد شهد في المحكمة خلال محاكمة يعته في 69، بأن ربط الشيوعي بالإلحاد عمل متعسف، ودليله هو حجه هو، إذن كيف يمكن لملحد أن يؤدي مناسك الحج، وفي وفد رسمي. لقد كانت تلك حجة مقنعة.
إذن، كان لدينا ذلك الحرص الشديد على تقوية علاقاتنا بالمواطنين دون حواجز نفسية، سيما أننا كنا نواجه حملة تصف كل من ينادي بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية بالغرباء عن المجتمع، وقد كان البعض يروجون بأن حزبنا يدعو إلى الإباحة الأخلاقية.
* لكن جزءا من الصحافة الوطنية وقتئذ، ساهم في شحن مثل هذه الحملات ضدكم؟
- نعم، كانت بعض الأحزاب حينئذ، تعلن عن مشاعر العداء اتجاه الشيوعية بشكل صريح، لكن ما بدا ملفتا خلال محاكمة يعته والريفي، أن جميع وجوه الحركة الوطنية هبت إلى مساندتهما، والملفت في ذلك أن نوعا من التباين ظهر في تلك المحاكمات، إذ أن المسؤولين السياسيين لم يكونوا ضمن تلك الجوقة من المعادين، بصراحة، لنا، إلا أن «عناصر منهم» كانت تنخرط في حملة التشويه المتعمد لصورة الحرب عبر خلط الشيوعي بالإلحاد.
* لما منع الحزب للمرة الثانية، بعد عام من العلنية، هل عدتم إلى نمط سلوك الحيطة؟
- رحنا نتصرف بعد منعنا في 69، بنفس تلك الطريقة المعتادة لما كان الحزب الشيوعي المغربي محظورا، وكأن ذلك العام من العمل المشروع، لم يحدث بتاتا، إذ لم يكن العام الواحد سوى فترة تدريبية لأعضاء الحزب الشيوعي المغربي من أجل التكيف مع نمط العمل السياسي في ظل المشروعية من خلال حزب التحرر والاشتراكية، وما إن عدنا إلى اللامشروعية حتى رجعنا إلى عيش حياة الحيطة والحذر في عملنا السياسي إلى أن حاول الجيش القيام بعمليته الانقلابية في قصر الصخيرات، لأن هذا الحادث، كشف في أول دروسه، أن من يريد قلب النظام ومحوه من الوجود، لم يكن الهيئات السياسية الوطنية، بل اليمين القصي المتمثل في غلاة الرجعية المندسين في الجيش.
* لما تلقيت خبر الانقلاب بالصخيرات، كيف تعاملت مع الموضوع، وأنت عضو في حزب محظور وجزء من عائلتك كان موجودا بقصر الصخيرات حيث وقع الانقلاب الدموي؟
- لما وقعت المحاولة الانقلابية بقصر الصخيرات، كنت بشاطئ سيدي العابد بالقرب من مدينة تمارة، مع أسرتي، وقد سمعت من هنالك، هدير طلقات الرشاشات، كما بدا أن مدافع الهاون تستعمل أيضا خلال العملية. وقد رحت أستفسر بالشاطئ عن سبب صدور تلك الأصوات في ذلك الوقت من النهار، وكان اعتقادي، في البداية، أن الأمر يتعلق بجو احتفالي، لكني سرعان من ارتبت في ذلك، لأن إطلاق المفرقعات في واضحة النهار لم يكن له أي معنى. ثم شرعت في ترتيب بعض المشاهد لأفهم أن الأمر يتعلق بمواجهة عسكرية سيكون عنوانها انقلابا فاشلا ضد النظام.
وهكذا، في الصباح الباكر من ذلك اليوم، أثار انتباهي عبور قافلة من الشاحنات العسكرية بطريق تمارة (شارع الحسن الثاني حاليا)، لما كنت ذاهبا إلى الشاطئ بشكل لم يكن مألوفا قبل ذلك، لكنني لم أهتم بالموضوع آنذاك، لأني لم أكترث بنظام عمل العسكر.
وفي حوالي الساعة الثانية عشر والنصف، بدأ إطلاق النار بقصر الصخيرات وقد كان صوت لعلعة الرصاص يصل إلى شاطئ سيدي عابد، وكأنه يطلق بالقرب منا. بعد ذلك بقليل، قدم نحونا شخصان، يهرولان بسرعة؛ أحدهما ملطخ ببقع من الدم، فيما الأخر في حالة هستيرية، فعلمنا منهما، أن انقلابا عسكريا يحدث في تلك الأثناء، ونقطة تمركزه بقصر الصخيرات حيث يوجد الملك الحسن الثاني، إلا أننا لم نكن نعرف نتيجته.
بطبيعة الحال، لم يكن رد فعلنا سوى أن «جمعنا قلوعنا»، وحملت ولدي عبد الحميد وهو في مهده، ورجعنا بسرعة إلى سلا، لننتظر ماذا سيحدث.
* كيف جرت عملية الاستجواب لدى قاضي التحقيق؟
- راح قاضي التحقيق يسألني عن بعض التفاصيل البسيطة في خطاب علي يعته بمؤتمر موسكو، ومن ذلك على سبيل المثال، استفساره عن سبب تمجيد يعته لموسكو كمدينة، ومدحه لبنياتها التحتية وما إلى ذلك. وقد وجدت ذلك أمرا مثيرا للسخرية، وبالتالي لم أجد من جواب سوى القول بأن يعته ضمن آخرين، كانوا ضيوفا بتلك المدينة، ولا يمكنهم وصف موسكو بنعوت قبيحة، ثم إنني أضفت أن موسكو بالفعل، كانت وقتئذ تستحق الإشادة، فقد كانت مكانا رائعا. ولكن قاضي التحقيق رغم ردودي الساخرة، تمادى في مثل هذا النوع من الأسئلة التي تكاد تكون صبيانية.
وما بدا من خلال مرحلة التحقيق، أن الأجهزة وإن كانت تعرف بأني لم أكن حاضرا خلال مؤتمر الأحزاب الشيوعية والعمالية، تمتلك معطيات أخرى قد تورطني في المسألة، لأنهم يعرفون الصورة العامة. ومع ذلك، قرر القاضي في نهاية المطاف، إطلاق سراحي وعدم متابعتي بأي من تلك التهم.
* وهل كان مسموحا لأقربائك أو رفاقك بزيارتك؟
- كان الشخص الوحيد الذي زارني في السجن هو خالي عبد الكريم الخطيب، فيما لم يكن بقية أفراد أسرتي وعائلتي يزورونني هنالك. وكان خالي الآخر، طبعا كمحام دفاع، يؤازرني في تلك القضية، وبالتالي كان يحضر خلال أطوار التحقيق معي في مكتب القاضي. إذن كان خالي عبد الكريم الوحيد من عائلتي ممن كانت زيارتهم لي، في نطاق تفقد فرد من العائلة وجد نفسه في محنة السجن، وقد زارني خلال الأيام الخمس عشر التي قضيتها بالسجن مرتين أو ثلاث على الأكثر.
* لكن علي يعته و بوشعيب الريفي توبعا في تلك القضية؟
- نعم، قررت الدولة متابعة كل من يعته والريفي، وقدمتهما إلى المحكمة، وقد حضرت بعد إطلاق سراحي، أول جلسة لمحاكمتهما، فقد كان يوما مشهودا، دافع فيه عن الرفيقين كل عبد الرحيم بوعبيد وامحمد بوستة والفاروقي وعدد آخر من المحامين ينتمون إلى حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كما قدم علي يعته مرافعة نارية دفاعا عن نفسه وحزبه، إلا أن ذلك لم ينفع في شيء، إذ قضت المحكمة بإدانته بسنة حبسا نافذا، فيما قضت في حق بوشعيب الريفي بتسعة أشهر حبسا نافذا أيضا، ربما.
وبعد خروجهما من السجن، نظمنا حفل استقبال على شرفهما في منزلنا، حضره عدد من قياديي الحزب، وانتشينا بكؤوس الشاي، فرحا بعودتهما إلى استئناف نشاطهما.
* هل تعتقد أن حيلة العودة إلى المغرب يوما قبل المؤتمر، انطلت على الأجهزة لدرجة دفعت إلى عدم متابعتك في القضية؟
- بحسب اعتقادي، فإن الأجهزة ركزت على أطوار المؤتمر في حد ذاته، ولم تهتم كثيرا بتفاصيل الاجتماعات التحضيرية التي سبقته. ومن ثمة لم تجد الأجهزة سببا في متابعتي، لأني لم أكن موجودا في المؤتمر، ومع ذلك قد تنضاف إلى ذلك اعتبارات أخرى، إلا أن غيابي عن المؤتمر كان هو السبب في إطلاق سراحي، وكانت كل القرائن تؤيد ذلك.
* لماذا غير اسم الحزب الشيوعي المغربي إلى حزب التحرر والاشتراكية؟
- لم أكن حاضرا خلال التصريح بالاسم الجديد للحزب الذي عوض الحزب الشيوعي المغربي، إذ تكلف بهذه المهمة كلا من شعيب الريفي وعلي يعته، وربما كان برفقتهما عبد الهادي مسواك أيضا، وقد جاء تغيير الاسم لتفعيل مقررات المؤتمر الثالث للحزب في 66، إذ كان أبرز قرار اتخذ خلال ذلك المؤتمر، هو «تعزيز الاندماج والانصهار داخل الشعب على كل المستويات»، وليس فقط على المستوى الاجتماعي، أو على مستوى المطالب السياسية، بل على مستوى التصدي لكل تلك الدعايات المغرضة ضد الحزب، سيما تلك التي وضعت لنفسها مسلك وضع الشيوعي والملحد جنبا إلى جنب في خانة واحدة، في حين لم تكن هنالك أية علاقة بين الانتماء السياسي والإلحاد، إذ إن الإلحاد كان خلاصة فلسفية تتعلق بكل فرد على حدة، على المستوى العقائدي. وكان هذا الهدف متجليا في مشاركة بن بلة ضمن وفد رسمي إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، وقد شهد في المحكمة خلال محاكمة يعته في 69، بأن ربط الشيوعي بالإلحاد عمل متعسف، ودليله هو حجه هو، إذن كيف يمكن لملحد أن يؤدي مناسك الحج، وفي وفد رسمي. لقد كانت تلك حجة مقنعة.
إذن، كان لدينا ذلك الحرص الشديد على تقوية علاقاتنا بالمواطنين دون حواجز نفسية، سيما أننا كنا نواجه حملة تصف كل من ينادي بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية بالغرباء عن المجتمع، وقد كان البعض يروجون بأن حزبنا يدعو إلى الإباحة الأخلاقية.
* لكن جزءا من الصحافة الوطنية وقتئذ، ساهم في شحن مثل هذه الحملات ضدكم؟
- نعم، كانت بعض الأحزاب حينئذ، تعلن عن مشاعر العداء اتجاه الشيوعية بشكل صريح، لكن ما بدا ملفتا خلال محاكمة يعته والريفي، أن جميع وجوه الحركة الوطنية هبت إلى مساندتهما، والملفت في ذلك أن نوعا من التباين ظهر في تلك المحاكمات، إذ أن المسؤولين السياسيين لم يكونوا ضمن تلك الجوقة من المعادين، بصراحة، لنا، إلا أن «عناصر منهم» كانت تنخرط في حملة التشويه المتعمد لصورة الحرب عبر خلط الشيوعي بالإلحاد.
* لما منع الحزب للمرة الثانية، بعد عام من العلنية، هل عدتم إلى نمط سلوك الحيطة؟
- رحنا نتصرف بعد منعنا في 69، بنفس تلك الطريقة المعتادة لما كان الحزب الشيوعي المغربي محظورا، وكأن ذلك العام من العمل المشروع، لم يحدث بتاتا، إذ لم يكن العام الواحد سوى فترة تدريبية لأعضاء الحزب الشيوعي المغربي من أجل التكيف مع نمط العمل السياسي في ظل المشروعية من خلال حزب التحرر والاشتراكية، وما إن عدنا إلى اللامشروعية حتى رجعنا إلى عيش حياة الحيطة والحذر في عملنا السياسي إلى أن حاول الجيش القيام بعمليته الانقلابية في قصر الصخيرات، لأن هذا الحادث، كشف في أول دروسه، أن من يريد قلب النظام ومحوه من الوجود، لم يكن الهيئات السياسية الوطنية، بل اليمين القصي المتمثل في غلاة الرجعية المندسين في الجيش.
* لما تلقيت خبر الانقلاب بالصخيرات، كيف تعاملت مع الموضوع، وأنت عضو في حزب محظور وجزء من عائلتك كان موجودا بقصر الصخيرات حيث وقع الانقلاب الدموي؟
- لما وقعت المحاولة الانقلابية بقصر الصخيرات، كنت بشاطئ سيدي العابد بالقرب من مدينة تمارة، مع أسرتي، وقد سمعت من هنالك، هدير طلقات الرشاشات، كما بدا أن مدافع الهاون تستعمل أيضا خلال العملية. وقد رحت أستفسر بالشاطئ عن سبب صدور تلك الأصوات في ذلك الوقت من النهار، وكان اعتقادي، في البداية، أن الأمر يتعلق بجو احتفالي، لكني سرعان من ارتبت في ذلك، لأن إطلاق المفرقعات في واضحة النهار لم يكن له أي معنى. ثم شرعت في ترتيب بعض المشاهد لأفهم أن الأمر يتعلق بمواجهة عسكرية سيكون عنوانها انقلابا فاشلا ضد النظام.
وهكذا، في الصباح الباكر من ذلك اليوم، أثار انتباهي عبور قافلة من الشاحنات العسكرية بطريق تمارة (شارع الحسن الثاني حاليا)، لما كنت ذاهبا إلى الشاطئ بشكل لم يكن مألوفا قبل ذلك، لكنني لم أهتم بالموضوع آنذاك، لأني لم أكترث بنظام عمل العسكر.
وفي حوالي الساعة الثانية عشر والنصف، بدأ إطلاق النار بقصر الصخيرات وقد كان صوت لعلعة الرصاص يصل إلى شاطئ سيدي عابد، وكأنه يطلق بالقرب منا. بعد ذلك بقليل، قدم نحونا شخصان، يهرولان بسرعة؛ أحدهما ملطخ ببقع من الدم، فيما الأخر في حالة هستيرية، فعلمنا منهما، أن انقلابا عسكريا يحدث في تلك الأثناء، ونقطة تمركزه بقصر الصخيرات حيث يوجد الملك الحسن الثاني، إلا أننا لم نكن نعرف نتيجته.
بطبيعة الحال، لم يكن رد فعلنا سوى أن «جمعنا قلوعنا»، وحملت ولدي عبد الحميد وهو في مهده، ورجعنا بسرعة إلى سلا، لننتظر ماذا سيحدث.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
10 - أوفقير أعد قائمة تتضمن 6000 اسما تقدميا لتصفيتهم أو سجنهم في حال نجح انقلابه
نجا أخي وخالي وعمي من انقلاب الصخيرات وحصار هو من أخبرنا بفشله
* كان في قصر الصخيرات أفراد من العائلة وقت حدوث الانقلاب.
- بالفعل، كان خالي الدكتور عبد الكريم الخطيب، موجودا ضمن ضيوف الملك الحسن الثاني بالقصر، حين هجوم العسكر، كما كان معه عمي الذي يشغل منصب قاض بالمجلس الأعلى، ومعهما أيضا أخي مولاي الطيب العلوي، وكنا قلقين على مصيرهم، سيما أن الحادث سقط فيه قتلى كثيرون، ممن رأينا بعض دمائهم على ذينك الشخصين بشاطئ سيدي عابد.
ولم نرتح من التوجس البالغ حينئذ، حتى قدم الثلاثة بالمساء إلى الدار، وكان خالي الخطيب مصابا بجروح خلفتها رصاصة أطلقت عليه من الخلف واستقرت في أعلى فخذه، ولم يستطع الأطباء نزع تلك الرصاصة من فخذه، وأجروا له عملية جراحية لم تنجح، وبالتالي «رافقته» إلى قبره، رحمه الله.
إذن لما قدم الثلاث أخبرونا بأن العملية مرت في سلام، رغم سقوط عدد من القتلى، لكن لم تكن لديهم معطيات أكثر، حتى قدم إدريس حصار، وكان مسؤولا أمنيا بوزارة الداخلية، وحدث الانقلاب لما كان هو مكلفا بالمداومة، فحل بمنزلنا في حوالي الساعة الخامسة من مساء يوم الانقلاب، وقال لنا «إن المحاولة الانقلابية قد فشلت، والملك الحسن الثاني بخير».
إلا أن فشل العملية الانقلابية بقصر الصخيرات، لم تكن تعني أن العمليات العسكرية قد انتهت في ذلك اليوم، بل تواصلت المناوشات في العاصمة الرباط في اليوم الموالي، حيث كان مازال ممكنا سماع صوت طلقات الرصاص. ولا زلت أتذكر أني في اليوم الذي تلا الانقلاب، قمت بجولة بسيارتي، رفقة بعض أصدقائي بالقرب من محطة القطار، ثم سلكنا الطريق المحاذية للمقر القديم لوكالة المغرب العربي للأنباء في زنقة «هنري غايارد»( غير اسم الزنقة فيما بعد)، وكانت زنقة محاذية للسكة الحديدية من الداخل، فلمحنا وجود جنود مدججين بأسلحتهم ممن كانت مهمتهم الاستيلاء على هيئات الاتصال كـ»لاماب»، ثم حدث تبادل لإطلاق النار بالقرب منا، وكان أمامي سائق فرنسي بسيارته، أصيب بالهلع لما سمع دوي الرصاص، وحاول الرجوع بسيارته إلى الخلف بشكل مستعجل دون أن يلتفت إلى الوراء فلم ينتبه إلى وجودي خلفه، فارتطم بسيارتي من الجهة الأمامية، فأصيبت طيور كانت بقفص في سيارته بهلع من الحادثة. لقد كان رد فعله مبررا حينئذ، لأن تبادل إطلاق النار بين الجنود لم يكن ليمنع إصابة المواطنين العابرين قرب تلك المواقع، برصاصات طائشة.
ما تبين للملك الحسن الثاني، بعد محاولة الانقلاب العسكري عليه، أن عدوه ليس نصيرو الديمقراطية، بل بعض «مناوئي» الديمقراطية في محيطه. وتأكد له ذلك، بشكل واضح، خلال العملية الانقلابية الثانية، وعرف أن يد الأجهزة الأمريكية تقف وراء محاولة اغتياله، سيما أن وكالة الاستخبارات المركزية (C.I.A)، تعودت على أن تقلب أي نظام حكم غير خاضع بشكل كامل للولايات المتحدة الأمريكية، وحدث ذلك في قبرص واليونان ودول بأمريكا اللاتينية.
إذن، ما ظهر للملك الحسن الثاني من خلال استخلاصه لدروس المحاولتين الانقلابيتين، أن عدوه اللذوذ هو من كان يدعي أنه صديقه الحميم.
* وأين تلقيت خبر المحاولة الانقلابية الثانية؟
- كنت موجودا بشاطئ سيدي بوزيد بمدينة الجديدة، وصادفت في ذلك اليوم الزعيم النقابي المحجوب بن الصديق وهو يتجول بدراجته الهوائية داخل المصطاف. ولم يكن هو الأخر يعلم أي شيء، فقد كان مستبعدا أن يعيد الجيش الكرة مرة ثانية، ليقلب نظام الحكم.
لكن المحاولة الثانية فكت خيوط التباس كان قائما بشأن تحالف جمع بين عناصر تقدمية أو عناصر لم تكن لديها النية في الاستمرار داخل الإطارات السياسية التقدمية، مع الجنرال أوفقير.
هذا الجنرال كان ينوي القيام بعمل انتقامي كبير في هذا الصدد، ضد التقدميين، حيث كان قد أعد قائمة تضم ستة آلاف اسم، من أنصار الديمقراطية والتقدم، إما لتصفيتهم أو الزج بهم في غياهب السجون.
* وماذا كان موقف حزب التحرر والاشتراكية المحظور من المحاولة الانقلابية الأولى؟
- في اليوم الموالي لحادث الانقلاب بقصر الصخيرات، ربط بي الاتصال، عزيز بلال، وقدم إلى منزلي ببطانة بمدينة سلا، وناقشنا الموضوع، وأخذ يستشيرني لبناء رأي سيعرضه داخل اجتماع المكتب السياسي، ثم صدر بلاغ الحزب ليثير الانتباه إلى أن المسلك الذي اتخذته الدولة لنفسها، هو من قاد إلى حدوث الانقلاب، مشددا على أن الوقت قد حان لمراجعة عميقة لمسار المغرب خلال تلك الفترة.
ومن جانبه، فإن الحسن الثاني، راح يعيد النظر من دون شك، في عدد من أولوياته ومواقفه، سيما أن الذريعة الرئيسية للانقلابيين كانت «محاربة الفساد المستشري في دواليب الدولة»، خصوصا أن الأمريكيين أثاروا الانتباه إلى وجود وزراء مرتشين. ورغم أن محاكمة أجريت لهؤلاء الوزراء في سياق تصحيح الأوضاع، إلا أن تحكم أوفقير في الأمور بعد المحاولة الانقلابية الأولى، جعل العملية برمتها مجرد قشور، لأن همه كان هو إنجاح عملية قلب النظام في المرة الثانية.
* وضع حزب التحرر والاشتراكية لم يتبدل بعد المحاولة الانقلابية الأولى، سيما أن أوفقير ظل بعدها، متحكما أكثر في شؤون الدولة؟
- لم نكن نتوهم أن الأمور ستتحسن بالنسبة إلى حزب التحرر والاشتراكية، في ظل وجود أوفقير، لكن بعد فشل المحاولة الانقلابية الثانية، أصبحت الأوراق واضحة، فبعث الحزب حينئذ بمذكرة إلى الملك، واستقبل الحسن الثاني علي يعته في اجتماع كان بمثابة مكاشفة صريحة، ومنذ ذلك الوقت، تغيرت الأمور بالنسبة إلى الحسن الثاني، إذ بدا له أن أسرع طريقة من أجل استرجاع قوته، هي تهدئة الأجواء مع الحركة الوطنية، ومن ثمة جاءته فكرة تحرير المناطق الجنوبية.
وفي سياق توحيد الصف الوطني لتحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني، لابد من ذكر أمر مهم، وإن كان قد وقع قبل حدوث الانقلاب الأول؛ إذ أصدر على يعته كتابه حول الصحراء وكان لي شرف تقديم الكتاب بمقر اتحاد كتاب المغرب بزنقة سوسة بالرباط، لممثلي السفارات الأجنبية وممثلي الصحافة الأجنبية المعتمدين بالمغرب، إلا أن صدوره أحيط بريبة عميقة وأفتي على دوائر القرار بضرورة منعه من التداول وذلك ما حصل بالفعل. ومن سخرية القدر، أن الدولة نفسها بعدما حجزته ومنعت تداوله قررت التكفل بنشره فيما بعد، لما تنبهت إلى قيمته الحقيقية بشان مشكل الصحراء.
* بعدها، أصبحتم حزبا شرعيا؟
- نعم، في صيف 1974، وقع تحول في تدبير الملفات السياسية، فظهرت مؤشرات قوية نحو منح الحزب ورقة المشروعية، سيما بعد الاعتراف بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رغم أحداث الأطلس الكبير والمتوسط في 73 ،وذلك ما حدث؛ إذ منح الترخيص لحزبنا فعقد مؤتمر في فبراير1975. ومع ذلك، فإن الفترة الفاصلة بين الانقلابين ومنح الحزب مشروعيته، لم تكن مفروشة بالورود، بل كانت مرحلة مد وجزر، وصلت إلى حدود وقوع توترات بيننا وبين الحكم.
* المتورطون المباشرون في المحاولتين الانقلابيتين أخذوا إلى معتقلات سرية فظيعة كتازمامارت مثلا، هل كانت لديكم معطيات بهذا الشأن حينئذ؟
- بكل صراحة، لم تكن لدينا أي معطيات بخصوص مصير أولئك المعتقلين، وقد ساهم في ذلك الإجماع الذي كان قائما بشأن إدانة المتورطين في الانقلاب العسكري، إلا أننا كنا على يقين أن عددا من المحكوم عليهم كانوا ضحايا أوامر. ثم إن من زج بهم في تلك المعتقلات كان من صنفهم، سيما مولاي حفيظ العلوي، وهذا الشخص لم يكن يختلف عن اوفقير، فهم من الطينة نفسها إيديولوجيا وتكوينا، خدما في الجيش الفرنسي، ولهما عقلية استبدادية. لكني لا أستطيع الجزم، بأن الملك الحسن الثاني هو من أعطى الأوامر للقيام بمثل هذا العمل الشنيع.
* كان في قصر الصخيرات أفراد من العائلة وقت حدوث الانقلاب.
- بالفعل، كان خالي الدكتور عبد الكريم الخطيب، موجودا ضمن ضيوف الملك الحسن الثاني بالقصر، حين هجوم العسكر، كما كان معه عمي الذي يشغل منصب قاض بالمجلس الأعلى، ومعهما أيضا أخي مولاي الطيب العلوي، وكنا قلقين على مصيرهم، سيما أن الحادث سقط فيه قتلى كثيرون، ممن رأينا بعض دمائهم على ذينك الشخصين بشاطئ سيدي عابد.
ولم نرتح من التوجس البالغ حينئذ، حتى قدم الثلاثة بالمساء إلى الدار، وكان خالي الخطيب مصابا بجروح خلفتها رصاصة أطلقت عليه من الخلف واستقرت في أعلى فخذه، ولم يستطع الأطباء نزع تلك الرصاصة من فخذه، وأجروا له عملية جراحية لم تنجح، وبالتالي «رافقته» إلى قبره، رحمه الله.
إذن لما قدم الثلاث أخبرونا بأن العملية مرت في سلام، رغم سقوط عدد من القتلى، لكن لم تكن لديهم معطيات أكثر، حتى قدم إدريس حصار، وكان مسؤولا أمنيا بوزارة الداخلية، وحدث الانقلاب لما كان هو مكلفا بالمداومة، فحل بمنزلنا في حوالي الساعة الخامسة من مساء يوم الانقلاب، وقال لنا «إن المحاولة الانقلابية قد فشلت، والملك الحسن الثاني بخير».
إلا أن فشل العملية الانقلابية بقصر الصخيرات، لم تكن تعني أن العمليات العسكرية قد انتهت في ذلك اليوم، بل تواصلت المناوشات في العاصمة الرباط في اليوم الموالي، حيث كان مازال ممكنا سماع صوت طلقات الرصاص. ولا زلت أتذكر أني في اليوم الذي تلا الانقلاب، قمت بجولة بسيارتي، رفقة بعض أصدقائي بالقرب من محطة القطار، ثم سلكنا الطريق المحاذية للمقر القديم لوكالة المغرب العربي للأنباء في زنقة «هنري غايارد»( غير اسم الزنقة فيما بعد)، وكانت زنقة محاذية للسكة الحديدية من الداخل، فلمحنا وجود جنود مدججين بأسلحتهم ممن كانت مهمتهم الاستيلاء على هيئات الاتصال كـ»لاماب»، ثم حدث تبادل لإطلاق النار بالقرب منا، وكان أمامي سائق فرنسي بسيارته، أصيب بالهلع لما سمع دوي الرصاص، وحاول الرجوع بسيارته إلى الخلف بشكل مستعجل دون أن يلتفت إلى الوراء فلم ينتبه إلى وجودي خلفه، فارتطم بسيارتي من الجهة الأمامية، فأصيبت طيور كانت بقفص في سيارته بهلع من الحادثة. لقد كان رد فعله مبررا حينئذ، لأن تبادل إطلاق النار بين الجنود لم يكن ليمنع إصابة المواطنين العابرين قرب تلك المواقع، برصاصات طائشة.
ما تبين للملك الحسن الثاني، بعد محاولة الانقلاب العسكري عليه، أن عدوه ليس نصيرو الديمقراطية، بل بعض «مناوئي» الديمقراطية في محيطه. وتأكد له ذلك، بشكل واضح، خلال العملية الانقلابية الثانية، وعرف أن يد الأجهزة الأمريكية تقف وراء محاولة اغتياله، سيما أن وكالة الاستخبارات المركزية (C.I.A)، تعودت على أن تقلب أي نظام حكم غير خاضع بشكل كامل للولايات المتحدة الأمريكية، وحدث ذلك في قبرص واليونان ودول بأمريكا اللاتينية.
إذن، ما ظهر للملك الحسن الثاني من خلال استخلاصه لدروس المحاولتين الانقلابيتين، أن عدوه اللذوذ هو من كان يدعي أنه صديقه الحميم.
* وأين تلقيت خبر المحاولة الانقلابية الثانية؟
- كنت موجودا بشاطئ سيدي بوزيد بمدينة الجديدة، وصادفت في ذلك اليوم الزعيم النقابي المحجوب بن الصديق وهو يتجول بدراجته الهوائية داخل المصطاف. ولم يكن هو الأخر يعلم أي شيء، فقد كان مستبعدا أن يعيد الجيش الكرة مرة ثانية، ليقلب نظام الحكم.
لكن المحاولة الثانية فكت خيوط التباس كان قائما بشأن تحالف جمع بين عناصر تقدمية أو عناصر لم تكن لديها النية في الاستمرار داخل الإطارات السياسية التقدمية، مع الجنرال أوفقير.
هذا الجنرال كان ينوي القيام بعمل انتقامي كبير في هذا الصدد، ضد التقدميين، حيث كان قد أعد قائمة تضم ستة آلاف اسم، من أنصار الديمقراطية والتقدم، إما لتصفيتهم أو الزج بهم في غياهب السجون.
* وماذا كان موقف حزب التحرر والاشتراكية المحظور من المحاولة الانقلابية الأولى؟
- في اليوم الموالي لحادث الانقلاب بقصر الصخيرات، ربط بي الاتصال، عزيز بلال، وقدم إلى منزلي ببطانة بمدينة سلا، وناقشنا الموضوع، وأخذ يستشيرني لبناء رأي سيعرضه داخل اجتماع المكتب السياسي، ثم صدر بلاغ الحزب ليثير الانتباه إلى أن المسلك الذي اتخذته الدولة لنفسها، هو من قاد إلى حدوث الانقلاب، مشددا على أن الوقت قد حان لمراجعة عميقة لمسار المغرب خلال تلك الفترة.
ومن جانبه، فإن الحسن الثاني، راح يعيد النظر من دون شك، في عدد من أولوياته ومواقفه، سيما أن الذريعة الرئيسية للانقلابيين كانت «محاربة الفساد المستشري في دواليب الدولة»، خصوصا أن الأمريكيين أثاروا الانتباه إلى وجود وزراء مرتشين. ورغم أن محاكمة أجريت لهؤلاء الوزراء في سياق تصحيح الأوضاع، إلا أن تحكم أوفقير في الأمور بعد المحاولة الانقلابية الأولى، جعل العملية برمتها مجرد قشور، لأن همه كان هو إنجاح عملية قلب النظام في المرة الثانية.
* وضع حزب التحرر والاشتراكية لم يتبدل بعد المحاولة الانقلابية الأولى، سيما أن أوفقير ظل بعدها، متحكما أكثر في شؤون الدولة؟
- لم نكن نتوهم أن الأمور ستتحسن بالنسبة إلى حزب التحرر والاشتراكية، في ظل وجود أوفقير، لكن بعد فشل المحاولة الانقلابية الثانية، أصبحت الأوراق واضحة، فبعث الحزب حينئذ بمذكرة إلى الملك، واستقبل الحسن الثاني علي يعته في اجتماع كان بمثابة مكاشفة صريحة، ومنذ ذلك الوقت، تغيرت الأمور بالنسبة إلى الحسن الثاني، إذ بدا له أن أسرع طريقة من أجل استرجاع قوته، هي تهدئة الأجواء مع الحركة الوطنية، ومن ثمة جاءته فكرة تحرير المناطق الجنوبية.
وفي سياق توحيد الصف الوطني لتحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني، لابد من ذكر أمر مهم، وإن كان قد وقع قبل حدوث الانقلاب الأول؛ إذ أصدر على يعته كتابه حول الصحراء وكان لي شرف تقديم الكتاب بمقر اتحاد كتاب المغرب بزنقة سوسة بالرباط، لممثلي السفارات الأجنبية وممثلي الصحافة الأجنبية المعتمدين بالمغرب، إلا أن صدوره أحيط بريبة عميقة وأفتي على دوائر القرار بضرورة منعه من التداول وذلك ما حصل بالفعل. ومن سخرية القدر، أن الدولة نفسها بعدما حجزته ومنعت تداوله قررت التكفل بنشره فيما بعد، لما تنبهت إلى قيمته الحقيقية بشان مشكل الصحراء.
* بعدها، أصبحتم حزبا شرعيا؟
- نعم، في صيف 1974، وقع تحول في تدبير الملفات السياسية، فظهرت مؤشرات قوية نحو منح الحزب ورقة المشروعية، سيما بعد الاعتراف بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رغم أحداث الأطلس الكبير والمتوسط في 73 ،وذلك ما حدث؛ إذ منح الترخيص لحزبنا فعقد مؤتمر في فبراير1975. ومع ذلك، فإن الفترة الفاصلة بين الانقلابين ومنح الحزب مشروعيته، لم تكن مفروشة بالورود، بل كانت مرحلة مد وجزر، وصلت إلى حدود وقوع توترات بيننا وبين الحكم.
* المتورطون المباشرون في المحاولتين الانقلابيتين أخذوا إلى معتقلات سرية فظيعة كتازمامارت مثلا، هل كانت لديكم معطيات بهذا الشأن حينئذ؟
- بكل صراحة، لم تكن لدينا أي معطيات بخصوص مصير أولئك المعتقلين، وقد ساهم في ذلك الإجماع الذي كان قائما بشأن إدانة المتورطين في الانقلاب العسكري، إلا أننا كنا على يقين أن عددا من المحكوم عليهم كانوا ضحايا أوامر. ثم إن من زج بهم في تلك المعتقلات كان من صنفهم، سيما مولاي حفيظ العلوي، وهذا الشخص لم يكن يختلف عن اوفقير، فهم من الطينة نفسها إيديولوجيا وتكوينا، خدما في الجيش الفرنسي، ولهما عقلية استبدادية. لكني لا أستطيع الجزم، بأن الملك الحسن الثاني هو من أعطى الأوامر للقيام بمثل هذا العمل الشنيع.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
11 - ترشح للبرلمان في 77 فاحتجز طيلة يوم الاقتراع بسبب عراك بين عبد الحفيظ ولعلو وعون سلطة
عثرنا على عدد هائل من أجهزة التصنت في قاعة المؤتمر الأول لحزب التقدم والاشتراكية
* أضفيت المشروعية على حزب»الشيوعيين المغاربة» في وقت كان فيه الجنرال الدليمي المتحكم في الأجهزة؟
- الدليمي لم يكن بحسب اعتقادي، متحكما بالأجهزة الأمنية بتلك الدرجة التي روجت عنه، ومع ذلك، كان من دون شك، الرجل القوي، ثم إنه كان منهمكا في قضية الصحراء بشكل جعله منشغلا عن تتبع ملفات أخرى أو على الأقل متتبعا لتفاصيلها. لقد كان الدليمي في ذلك الوقت، منهمكا في الإعداد للمسيرة الخضراء، سيما أن مناوشات الجيش الجزائري والبوليساريو سبقت ذلك الحدث.
إلا أن مسؤولياته في التوجه العام للملفات السياسية، كانت قائمة بالنظر إلى قربه من الملك الحسن الثاني، لكن علاقته بحزب التحرر والاشتراكية، أمر يبقى دون معرفتي، لأني لم ألتق به يوما، رغم أنني أعرف أن بعض أعضاء الحزب بالقيادة، كانت تجمعهم لقاءات به، لكني لا أدري بأي تفاصيل عن مجرياته.
* ومن اقترح اسم «التقدم والاشتراكية « كبديل عن «التحرر والاشتراكية»؟
- كنا قد ناقشنا مسألة ما إذا كان ينبغي لنا أن نحتفظ باسم الحزب كما هو أم إنه يجب أن نغيره. لكن حصل توافق بالمكتب السياسي على الاسم الجديد، أي التقدم والاشتراكية، ولم يكن موقعي الحزبي حينئذ كعضو باللجنة المركزية، يسمح لي بأن أعرف تفاصيل قرار تغيير اسم الحزب للمرة الثانية على التوالي.
* إحك لنا كيف عقد «الشيوعيون المغاربة» مؤتمر حزب التقدم والاشتراكية في ظل المشروعية هل كانوا كما يقال، «على راحتهم».
- كنا «على راحتنا» بشكل نسبي، فقد كانت الجلسة الافتتاحية بالمسرح الموجود بعمارة «الستيام» بالدار البيضاء. وقبل أن تفتتح الجلسة، قام عدد من أعضاء الحزب ممن هم متخصصون في تقنيات الاتصال، بمسح ذلك الفضاء، وكانت المفاجأة مدهشة، حين عثروا على عدد هائل من أجهزة التنصت وقد زرعت في كافة أنحاء القاعة، وهذا كان يدل على أن «الأجواء» لم تكن صافية بتاتا، بيننا وبين الأجهزة. ثم إن المؤتمر تأجل قبل ذلك، بعد أن بدا الجو غير مناسب لعقد مؤتمر الحزب، فعرقل ذلك ترتيبات المؤتمر إلى غاية فبراير 1975.
وكان أبرز ملمح يمكن تذكره من ذلك المؤتمر، هو خطاب الأمين العام، علي يعته الذي دام سبع ساعات، لدرجة أن شدة طوله، دفعت بيعته إلى قطع خطابه في اليوم الأول، ثم استئناف تلاوته في اليوم الموالي. وكان سبب طول تقريره السياسي هو مراجعته لكل ما وقع منذ الاستقلال لغاية 1975.
وعدا ذلك، مر المؤتمر في أجواء عادية، لأن الحزب حينئذ لم تكن تسوده الحرية في النقاش والأخذ والرد، كما هي عليه الأمور الآن، فقد كانت شؤون الحزب تسير عبر ما يعرف بالمركزية الديمقراطية، وخير تعريف لهذا المفهوم قدمه عبد الله العياشي حين قال بأن هذه المنهجية تتسم بالكثير من المركزية والقليل من الديمقراطية.
وحكى لنا في هذا الصدد، نكتة حول هذه المركزية الديمقراطية، وقال بأن التشبيه الأكثر ملاءمة لهذا المفهوم هو مثل أشخاص في القيادة يقفون بشرفة منزل وآخرون في الشارع، وكلاهما يبصق على الآخر، لكن بصاق القيادة يصيب القاعدة، فيما بصاق من هم في الشارع يرتد إليهم.
ومهما يكن من أمر، فإن المؤتمر الأول لحزب التقدم والاشتراكية، كان خطوة هامة على درب دمقرطة الحياة الوطنية، ولكننا لم نكن مغرورين؛ فقد كان لدينا اعتقاد راسخ بأن المعركة لم تنته بالنسبة لنا، بل كنا نرى أن الطريق لا يزال طويلا أمامنا، وبأن صدمات بيننا وبين النظام آتية لا محالة وهذا ما حصل بالفعل.
ولنضرب مثلا عن ذلك، منع جريدة «البيان» الناطقة باسم الحزب لمدة طويلة من الزمن، حوالي (ثلاث أشهر)، فقد أوقفت عن الصدور لأسباب واهية، إذ أن ما حدث هو أن الجريدة تحدثت عن المؤسسات بدون تحديد أو تمييز، إلا أن أعداء للحزب ممن كانوا بمحيط الملك، كان لهم تفسير لذلك الحديث، في اتجاه أن الجريدة تعمدت الاستصغار من شأن المؤسسة الملكية لحد وضعها مع الأبناك في خانة واحدة.
ورغم كل ما كان يحاك ضد الحزب ممن كانوا قريبين من الملك، إلا أن بعضهم لم يخف تحفظه من قرارات كهذه، من شأنها التضييق على العمل السياسي والصحافة، ومن بين هؤلاء «با حنيني»، ولم نكن نظن أن هذا الأخير سيقف بجانبنا في هذا الموضوع، مثله مثل محمد رضا اكديرة.
* أصبحت خلال المؤتمر لحزب التقدم والاشتراكية عضوا مساعدا بالمكتب السياسي، ماذا كان دوركم بهذه الصفة؟
- العضو المساعد، كان مثل عضو متدرب لا يتحمل المسؤولية كاملة، يحضر في بعض الاجتماعات الأساسية، لكنه يغيب عن أخرى، لكننا في ذلك الوقت، لم نُستثن من أي اجتماع، وكنا أربعة جدد، عمر الفاسي، والتهامي الخياري وعبد الواحد سهيل وأنا، فكنا إذن أربع شباب مع أعضاء من الرعيل الأول للحزب.
* ثم أصبحت عضوا كاملا بالمكتب السياسي خلال المؤتمر الثاني للحزب؟
- نعم، أصبحت كامل العضوية في المكتب السياسي خلال المؤتمر الثاني الذي لا أتذكر كل تفاصيله.
بعده مباشرة، أتت قضية الاستفتاء من عدمه في موضوع الصحراء إذ كان ذلك علامة فارقة فيما يخص مسار تدبير شؤون الحزب على مستوى القيادة، فقد وجد الأمين العام، علي يعته نفسه في أقلية، في مواجهة رأي أغلبية المكتب السياسي، وتبين من ذلك أن رأي الأمين العام، لم يكن أوامر أو حديثا جازما يؤخذ به دون مناقشة. وقد تقبل يعته بصدر رحب «معارضة الأغلبية» له في رأيه القائل بعدم قبول فكرة الاستفتاء بالصحراء. وقد كنت واحد من أولئك القياديين الذين اصطفوا في جانب الأغلبية «في مواجهة» علي يعته.
* وكيف كانت تجرى المناقشات داخل المكتب السياسي؟
- كانت المناقشات حادة في بعض الأحيان، لكن النظام والانضباط كانا يسودان تلك الاجتماعات
* في 1989 مات عزيز بلال في حادث بشيكاغو، بلال كما تعرفنا عليه هنا، كان معلما لك داخل الحزب، كيف كان أثر وفاته عليك؟
- قبيل وفاته، كان عزيز بلال قد رحل إلى مدينة الدار البيضاء، وبالتالي لم تعد لقاءاتنا بذلك الحجم الذي كانت عليه لما كان في الرباط. وبالتالي لم ألتق به لفترة حتى بلغني خبر وفاته.
وعزيز بلال كان مستشارا جماعيا بالدار البيضاء وسافر إلى مدينة شيكاغو بهذه الصفة، للإعداد لعلاقة توأمة بين تلك المدينة الأمريكية والدار البيضاء، ثم وقع ذلك الحادث المميت.
لقد كان مقتله «صدمة» كبيرة لكل أعضاء الحزب، وحتى للوطنيين في البلاد، فقد كان يحظى بالاحترام لدى الجميع، وبالتالي كانت وفاته بمثابة مصيبة، فقد فيه الحزب مفكرا ومنظرا وقائدا لم يوجد له أي خلف، وحتى بعض الأعضاء ممن كانوا «ينافسونه» في ميدان الاقتصاد، أقروا بعد مماته، بأسبقيته في تصورات وأفكار عدة سيما في مجال الاقتصاد الاجتماعي.
* في تلك الفترة كان الحزب يتقدم إلى الانتخابات، وكان بعض قيادييه مستشارين جماعيين، متى بدأت تجربتك الانتخابية؟
- في 1977، شاركت في الانتخابات البرلمانية بدائرة سلا، أما فيما يخص الاستحقاقات الجماعية، فإني لم أتقدم يوما إليها. وقد كان منافسي في تلك الدائرة كل من عبد الرحمان القادري عن الاتحاد الاشتراكي والعربي حصار عن حزب الاستقلال، وهو من فاز بمقعد تلك الدائرة، إلا أن ميزة تلك الانتخابات هو الغش الفادح، إذ ضبطنا حالات جلية منها أن عبد الحفيظ ولعلو عثر على عون سلطة وبحوزته كمية من البطائق الانتخابية يوزعها على من يريد في إحدى الخيام، فانقض عليه فتدخلت الأجهزة حينئذ، وتوجهت صوبنا أنا والطيب الشكيلي الذي كان مرشحا أيضا فحجزونا داخل غرفة في العمالة لنصف يوم حتى سويت الأمور، في يوم الاقتراع وانقضى أجل التصويت ثم أطلق سراحنا. ومع ذلك فقد حصلنا على أصوات كثيرة. إلا أن الحزب بحسب النتائج النهائية على الصعيد الوطني، لم يحصل سوى على مقعد وحيد كان من نصيب علي يعته.
* أضفيت المشروعية على حزب»الشيوعيين المغاربة» في وقت كان فيه الجنرال الدليمي المتحكم في الأجهزة؟
- الدليمي لم يكن بحسب اعتقادي، متحكما بالأجهزة الأمنية بتلك الدرجة التي روجت عنه، ومع ذلك، كان من دون شك، الرجل القوي، ثم إنه كان منهمكا في قضية الصحراء بشكل جعله منشغلا عن تتبع ملفات أخرى أو على الأقل متتبعا لتفاصيلها. لقد كان الدليمي في ذلك الوقت، منهمكا في الإعداد للمسيرة الخضراء، سيما أن مناوشات الجيش الجزائري والبوليساريو سبقت ذلك الحدث.
إلا أن مسؤولياته في التوجه العام للملفات السياسية، كانت قائمة بالنظر إلى قربه من الملك الحسن الثاني، لكن علاقته بحزب التحرر والاشتراكية، أمر يبقى دون معرفتي، لأني لم ألتق به يوما، رغم أنني أعرف أن بعض أعضاء الحزب بالقيادة، كانت تجمعهم لقاءات به، لكني لا أدري بأي تفاصيل عن مجرياته.
* ومن اقترح اسم «التقدم والاشتراكية « كبديل عن «التحرر والاشتراكية»؟
- كنا قد ناقشنا مسألة ما إذا كان ينبغي لنا أن نحتفظ باسم الحزب كما هو أم إنه يجب أن نغيره. لكن حصل توافق بالمكتب السياسي على الاسم الجديد، أي التقدم والاشتراكية، ولم يكن موقعي الحزبي حينئذ كعضو باللجنة المركزية، يسمح لي بأن أعرف تفاصيل قرار تغيير اسم الحزب للمرة الثانية على التوالي.
* إحك لنا كيف عقد «الشيوعيون المغاربة» مؤتمر حزب التقدم والاشتراكية في ظل المشروعية هل كانوا كما يقال، «على راحتهم».
- كنا «على راحتنا» بشكل نسبي، فقد كانت الجلسة الافتتاحية بالمسرح الموجود بعمارة «الستيام» بالدار البيضاء. وقبل أن تفتتح الجلسة، قام عدد من أعضاء الحزب ممن هم متخصصون في تقنيات الاتصال، بمسح ذلك الفضاء، وكانت المفاجأة مدهشة، حين عثروا على عدد هائل من أجهزة التنصت وقد زرعت في كافة أنحاء القاعة، وهذا كان يدل على أن «الأجواء» لم تكن صافية بتاتا، بيننا وبين الأجهزة. ثم إن المؤتمر تأجل قبل ذلك، بعد أن بدا الجو غير مناسب لعقد مؤتمر الحزب، فعرقل ذلك ترتيبات المؤتمر إلى غاية فبراير 1975.
وكان أبرز ملمح يمكن تذكره من ذلك المؤتمر، هو خطاب الأمين العام، علي يعته الذي دام سبع ساعات، لدرجة أن شدة طوله، دفعت بيعته إلى قطع خطابه في اليوم الأول، ثم استئناف تلاوته في اليوم الموالي. وكان سبب طول تقريره السياسي هو مراجعته لكل ما وقع منذ الاستقلال لغاية 1975.
وعدا ذلك، مر المؤتمر في أجواء عادية، لأن الحزب حينئذ لم تكن تسوده الحرية في النقاش والأخذ والرد، كما هي عليه الأمور الآن، فقد كانت شؤون الحزب تسير عبر ما يعرف بالمركزية الديمقراطية، وخير تعريف لهذا المفهوم قدمه عبد الله العياشي حين قال بأن هذه المنهجية تتسم بالكثير من المركزية والقليل من الديمقراطية.
وحكى لنا في هذا الصدد، نكتة حول هذه المركزية الديمقراطية، وقال بأن التشبيه الأكثر ملاءمة لهذا المفهوم هو مثل أشخاص في القيادة يقفون بشرفة منزل وآخرون في الشارع، وكلاهما يبصق على الآخر، لكن بصاق القيادة يصيب القاعدة، فيما بصاق من هم في الشارع يرتد إليهم.
ومهما يكن من أمر، فإن المؤتمر الأول لحزب التقدم والاشتراكية، كان خطوة هامة على درب دمقرطة الحياة الوطنية، ولكننا لم نكن مغرورين؛ فقد كان لدينا اعتقاد راسخ بأن المعركة لم تنته بالنسبة لنا، بل كنا نرى أن الطريق لا يزال طويلا أمامنا، وبأن صدمات بيننا وبين النظام آتية لا محالة وهذا ما حصل بالفعل.
ولنضرب مثلا عن ذلك، منع جريدة «البيان» الناطقة باسم الحزب لمدة طويلة من الزمن، حوالي (ثلاث أشهر)، فقد أوقفت عن الصدور لأسباب واهية، إذ أن ما حدث هو أن الجريدة تحدثت عن المؤسسات بدون تحديد أو تمييز، إلا أن أعداء للحزب ممن كانوا بمحيط الملك، كان لهم تفسير لذلك الحديث، في اتجاه أن الجريدة تعمدت الاستصغار من شأن المؤسسة الملكية لحد وضعها مع الأبناك في خانة واحدة.
ورغم كل ما كان يحاك ضد الحزب ممن كانوا قريبين من الملك، إلا أن بعضهم لم يخف تحفظه من قرارات كهذه، من شأنها التضييق على العمل السياسي والصحافة، ومن بين هؤلاء «با حنيني»، ولم نكن نظن أن هذا الأخير سيقف بجانبنا في هذا الموضوع، مثله مثل محمد رضا اكديرة.
* أصبحت خلال المؤتمر لحزب التقدم والاشتراكية عضوا مساعدا بالمكتب السياسي، ماذا كان دوركم بهذه الصفة؟
- العضو المساعد، كان مثل عضو متدرب لا يتحمل المسؤولية كاملة، يحضر في بعض الاجتماعات الأساسية، لكنه يغيب عن أخرى، لكننا في ذلك الوقت، لم نُستثن من أي اجتماع، وكنا أربعة جدد، عمر الفاسي، والتهامي الخياري وعبد الواحد سهيل وأنا، فكنا إذن أربع شباب مع أعضاء من الرعيل الأول للحزب.
* ثم أصبحت عضوا كاملا بالمكتب السياسي خلال المؤتمر الثاني للحزب؟
- نعم، أصبحت كامل العضوية في المكتب السياسي خلال المؤتمر الثاني الذي لا أتذكر كل تفاصيله.
بعده مباشرة، أتت قضية الاستفتاء من عدمه في موضوع الصحراء إذ كان ذلك علامة فارقة فيما يخص مسار تدبير شؤون الحزب على مستوى القيادة، فقد وجد الأمين العام، علي يعته نفسه في أقلية، في مواجهة رأي أغلبية المكتب السياسي، وتبين من ذلك أن رأي الأمين العام، لم يكن أوامر أو حديثا جازما يؤخذ به دون مناقشة. وقد تقبل يعته بصدر رحب «معارضة الأغلبية» له في رأيه القائل بعدم قبول فكرة الاستفتاء بالصحراء. وقد كنت واحد من أولئك القياديين الذين اصطفوا في جانب الأغلبية «في مواجهة» علي يعته.
* وكيف كانت تجرى المناقشات داخل المكتب السياسي؟
- كانت المناقشات حادة في بعض الأحيان، لكن النظام والانضباط كانا يسودان تلك الاجتماعات
* في 1989 مات عزيز بلال في حادث بشيكاغو، بلال كما تعرفنا عليه هنا، كان معلما لك داخل الحزب، كيف كان أثر وفاته عليك؟
- قبيل وفاته، كان عزيز بلال قد رحل إلى مدينة الدار البيضاء، وبالتالي لم تعد لقاءاتنا بذلك الحجم الذي كانت عليه لما كان في الرباط. وبالتالي لم ألتق به لفترة حتى بلغني خبر وفاته.
وعزيز بلال كان مستشارا جماعيا بالدار البيضاء وسافر إلى مدينة شيكاغو بهذه الصفة، للإعداد لعلاقة توأمة بين تلك المدينة الأمريكية والدار البيضاء، ثم وقع ذلك الحادث المميت.
لقد كان مقتله «صدمة» كبيرة لكل أعضاء الحزب، وحتى للوطنيين في البلاد، فقد كان يحظى بالاحترام لدى الجميع، وبالتالي كانت وفاته بمثابة مصيبة، فقد فيه الحزب مفكرا ومنظرا وقائدا لم يوجد له أي خلف، وحتى بعض الأعضاء ممن كانوا «ينافسونه» في ميدان الاقتصاد، أقروا بعد مماته، بأسبقيته في تصورات وأفكار عدة سيما في مجال الاقتصاد الاجتماعي.
* في تلك الفترة كان الحزب يتقدم إلى الانتخابات، وكان بعض قيادييه مستشارين جماعيين، متى بدأت تجربتك الانتخابية؟
- في 1977، شاركت في الانتخابات البرلمانية بدائرة سلا، أما فيما يخص الاستحقاقات الجماعية، فإني لم أتقدم يوما إليها. وقد كان منافسي في تلك الدائرة كل من عبد الرحمان القادري عن الاتحاد الاشتراكي والعربي حصار عن حزب الاستقلال، وهو من فاز بمقعد تلك الدائرة، إلا أن ميزة تلك الانتخابات هو الغش الفادح، إذ ضبطنا حالات جلية منها أن عبد الحفيظ ولعلو عثر على عون سلطة وبحوزته كمية من البطائق الانتخابية يوزعها على من يريد في إحدى الخيام، فانقض عليه فتدخلت الأجهزة حينئذ، وتوجهت صوبنا أنا والطيب الشكيلي الذي كان مرشحا أيضا فحجزونا داخل غرفة في العمالة لنصف يوم حتى سويت الأمور، في يوم الاقتراع وانقضى أجل التصويت ثم أطلق سراحنا. ومع ذلك فقد حصلنا على أصوات كثيرة. إلا أن الحزب بحسب النتائج النهائية على الصعيد الوطني، لم يحصل سوى على مقعد وحيد كان من نصيب علي يعته.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
12 - لم يخبره أي أحد بقرار توشيحه بوسام العرش في 93، حتى أطلعه جلال السعيد لحظات قبل ذلك
الحسن الثاني قال للأغلبية ما بال يعته والعلوي يدوخان البرلمان والحكومة وأنتم نائمون
* في 1984، ترشحت من جديد للانتخابات البرلمانية، وفي دائرة اخرى غير سلا؟
- عكس المرة الأولى، ترشحت في المرة الثانية في منطقة الغرب بدل سلا، إذ كنت متمرسا على تلك المنطقة سيما بسيدي سليمان، حيث كان نضالنا متمركزا بقوة هنالك، وبالفعل، فقد جاءت النتائج مطابقة لتوقعاتنا ومتوجة لعمل نضالي طويل. وعرفت الحملة الانتخابية للحزب تعبئة كثيفة من طرف الرفاق بالمنطقة، والمتعاطفين مع الحزب، وقد فوجئنا بالعدد الكبير منهم خلال الحملة، فقد ظهر أن للحزب «سمعة ذائعة» في وسط المواطنين وبفضل تلك التعبئة، حصلنا على مقعد برلماني بسيدي سليمان، كان أول ما أعلنته وزارة الداخلية ضمن النتائج التي بثت على التلفزيون.
وفي تلك الدائرة أيضا، وعكس دائرة سلا، لم يكن منافسي، أشخاصا معروفين أو نافذين بل مجرد مرشحين عاديين، وكان بالدائرة المجاورة لي، عبد الواحد الراضي مرشحا أيضا، وتمكن بدوره من الفوز بمقعده بسهولة.
* ألم تجابه أي حملة ضدك حينئذ، مثل تلك التي كانت ضد الحزب بوصفه «حزبا شيوعيا»؟
- تلك الحملة الشعواء ضد سمعة حزب التقدم والاشتراكية، لم يظهر لها أثر في حملتنا الانتخابية بسيدي سليمان، فقد بدا أن المواطنين لديهم القدرة على التفريق بين الغث والسمين ومعرفة حقائق الأمور وتمييزها عن كل الأباطيل التي روجت ضد الحزب، ثم إن الحزب بسيدي سليمان كان قريبا من الناس، وتلك ميزة رئيسية، ساهمت في الدفع بكل ما من شانه التشويش علينا إلى الهامش.
وأبرز مثال على ذلك، أن الحزب تمكن بتلك المنطقة من تحقيق انتصار نفسي على قائد بالمنطقة قام بحجز فلاح بمرحاض بمقر الدائرة بدون مأكل أو مشرب، وكنا قد تبنينا تلك القضية «ونوضنا العافية»، كما يقال، على القائد، مما اضطر معه إلى إطلاق سراح ذلك الفلاح المسكين، ثم صدر توبيخ ضد القائد من طرف رؤسائه، وكان لتلك القضية صدى قوي لدى السكان.
* ثم لما انقضت تلك الولاية التشريعية، ترشحت مر ة ثانية؟
- في تلك الحقبة، وقع تمديد فترة الولاية التشريعية لغاية 1992، وفي الانتخابات التي جرت وقتئذ، ترشحت بالفعل في الدائرة التي فزت فيها في 1984، لكني لم أنجح في الفوز بالمقعد من جديد. وبحسب اعتقادي، ووفق المعطيات التي استقيناها من عين المكان خلال الحملة الانتخابية، فالاقتراع وما تلاه، فإن السبب الرئيسي لرسوبي هو مستوى الوعي السياسي العام لدى المواطنين، من حيث اتجاهه نحو الخلط بين المهام النيابية على المستوى التشريعي الوطني ومهام النيابة الجماعية، وربما كان المواطن البسيط في تلك المنطقة يعتقد أن نائبه البرلماني هو المسؤول الأول عن أحواله المعيشية وتجهيزات قريته أو مدينته، ومن ثم وقع اللوم علي في الوضعية الهشة لمنطقة غنية الموارد، وفقيرة في الحياة. وكان من ظفر بالمقعد البرلماني حينئذ، هو مرشح حزب الاستقلال، الذي كان يدعى ولد حليمة.
* لكن هذا الفشل لم يمنع من عودتك إلى البرلمان عبر نافذة الثلث؟
- بالفعل فزت بمقعد في انتخابات ممثلي المأجورين، بوصفي ممثلا نقابيا لفئة أساتذة التعليم العالي، فترشحت باسم نقابة الاتحاد المغربي للشغل وفزت بمقعد بالبرلمان سنة 1993.
إذن في نهاية المطاف، وبعدما كنا نائبان فقط في ولاية 84-92 عن حزب التقدم والاشتراكية؛ علي يعته وأنا، وإن كان عملنا نحن الاثنان يضاهي عمل فريق كامل العدد بمجلس النواب سواء بعلي من ناحية فصاحته بلاغته حتى عُد مرجعا في هذا الباب بالبرلمان، أو بعملي الدؤوب داخل اللجان لدرجة أن الملك الحسن الثاني خاطب أحزاب الأغلبية الحكومية ذات مرة، وقال لهم «ما بالكم تبدون كسالى ويعته والعلوي يدوخان البرلمان».
في 1993، أصبحت رئيس فريق التقدم والاشتراكية (في ذلك الوقت كان العدد المطلوب لتكوين فريق برلماني أقل مما هو عليه في الوقت الراهن). وكنا فريقا نشيطا سيما على مستوى إنتاج مقترحات القوانين وكلها للأسف، حشرت في الرف ولم تناقش أي واحدة منها باستثناء مقترح واحد شرع في مناقشته ثم سرعان ما أقبر في بداية الطريق وكان ذلك المقترح يتعلق بإنشاء مركز الترجمة العلمية. وقد عشنا من خلال مقترحات القوانين المقدمة من طرفنا في تلك الفترة «إقصاء ممنهجا» لكل ما يصدر عنا، رغم أن كثيرا من تلك المقترحات كانت أفيد للمجتمع في ذلك الوقت.
* وكيف كانت ممارستكم البرلمانية وقتئذ؟
- في تلك المرحلة كان مستوى أداء البرلمان المغربي أرفع بالمقارنة مع الوضع السائد اليوم. كان بالبرلمان، نواب يستحقون تسمية نائب للأمة، قادرون على تحمل مسؤولية الأمانة الملقاة على عاتقهم داخل البرلمان، سواء على المستوى التشريعي أو على المستوى الرقابي. وللأسف الشديد، لم يعد يظهر داخل البرلمان مثل أولئك الناس سوى لماما. ورغم أن فريقنا كان يتعرض لما سمي «إقصاء ممنهجا»، إلا أن ذلك لم يكن يدفعنا إلى فقدان أعصابنا سوى في حالات نادرة. ولم أكن أجد نفسي وسط مشاحنة أو مشاداة كلامية مع نائب آخر إلا في مناسبات قليلة، من بينها ما حدث بيني وبين عبد الرزاق أفيلال، حينما كان رئيس لجنة وحاول تمرير تعديل رغم أنفنا، فتصديت له في حينه، إلا أنه لم يستسغ كلامي، فأصيب بهيجان عصبي، وراح يصرخ في، لكنني لم أدعه يخرج منتصرا من تلك الملاسنة. ومن سخرية القدر، أن علاقتي بأفيلال توطدت بعد تلك الحادثة، بشكل أقوى مما كان عليه في السابق.
كما حدث ذات مرة أن تصاعد الحديث بيني وبين عبد الواحد الراضي في جلسة عمومية كان يترأسها، فقد أحسست أن الراضي لم يكن منصفا في إحدى عمليات التصويت فاضطررنا كفريق حزب التقدم والاشتراكية أمام تعنته وتمسكه بموقفه، إلى الانسحاب من قاعة الجلسات.
ومرة ثالثة، حدث شنآن بيني وبين محمد زيان (رئيس الحزب الليبرالي المغربي في الوقت الحالي)، وكان زيان معروفا بفوضويته داخل البرلمان، وما حدث أن زيان دخل في جدل مع نائب آخر فحاولت التدخل من أجل وضع الأمور في نصابها، إلا أن زيان ظن أنني أريد التهجم عليه، فاستبق ذلك بالتهجم عليّ، فما كان مني إلا أن أعرضت عن نيتي في التوفيق بينه وبين ذلك النائب، وهاجمته، ووصلت حدة الشنآن بيننا إلى حد أني طالبت رئيس الجلسة بأن يأمر بإخراجه من قاعة الجلسات.
ومن جانب آخر، كان فريق التقدم والاشتراكية متميزا، ومعروفا بكوادره مثل التهامي الخياري والطيب الشكيلي وأوحلي، وبالطبع علي يعته كنجم للفريق. وقد كان أعضاء الفريق هؤلاء يحظون بالاحترام من مختلف تشكيلات البرلمان.
* في 1993 تم توشيحك بوسام العرش.
- بالفعل، وشحني الملك الحسن الثاني بوسام العرش مباشرة بعد انتخابات ممثلي المأجورين التي فزت بمقعد عن طريقها. وكانت مناسبة توشيحي خلال عيد الشباب، إذ زار الملك مدينة القنيطرة، وكنت ضمن منتخبي المدينة ممن كانوا في استقباله. والطريف في الأمر أن لا أحد كلف نفسه عناء إخباري سلفا بأن الحسن الثاني سيقوم بتوشيحي حتى لحظات قبل ذلك، حين قال لي جلال السعيد رئيس مجلس النواب، في مقر عمالة القنيطرة صباح ذلك اليوم بأن الملك سيوشحني بوسام العرش إذ كان ممكنا أن أغيب عن مراسيم الاحتفال بالمدينة لعذر أو لآخر سيما أن الأمر لا يشمل بحسب ظني، توشيحا من هذا القبيل، وكان ذلك سيحدث حرجا لا محالة.
وبالطبع، كان توشيح بعض الشخصيات المعارضة عملة قليلة في ذلك الوقت، إلا أن أي تفسيرات خارج نطاق العادة الجاري به العمل في هذه الحالات، لم تكن واردة خلال توشيحي ومن ثم لم يعارض أو يتحفظ أحد بحزب التقدم والاشتراكية بشأن هذه الخطوة الملكية، سيما أن علي يعته سبق أن وشج بوسام مماثل من درجة ضابط.
* في 1984، ترشحت من جديد للانتخابات البرلمانية، وفي دائرة اخرى غير سلا؟
- عكس المرة الأولى، ترشحت في المرة الثانية في منطقة الغرب بدل سلا، إذ كنت متمرسا على تلك المنطقة سيما بسيدي سليمان، حيث كان نضالنا متمركزا بقوة هنالك، وبالفعل، فقد جاءت النتائج مطابقة لتوقعاتنا ومتوجة لعمل نضالي طويل. وعرفت الحملة الانتخابية للحزب تعبئة كثيفة من طرف الرفاق بالمنطقة، والمتعاطفين مع الحزب، وقد فوجئنا بالعدد الكبير منهم خلال الحملة، فقد ظهر أن للحزب «سمعة ذائعة» في وسط المواطنين وبفضل تلك التعبئة، حصلنا على مقعد برلماني بسيدي سليمان، كان أول ما أعلنته وزارة الداخلية ضمن النتائج التي بثت على التلفزيون.
وفي تلك الدائرة أيضا، وعكس دائرة سلا، لم يكن منافسي، أشخاصا معروفين أو نافذين بل مجرد مرشحين عاديين، وكان بالدائرة المجاورة لي، عبد الواحد الراضي مرشحا أيضا، وتمكن بدوره من الفوز بمقعده بسهولة.
* ألم تجابه أي حملة ضدك حينئذ، مثل تلك التي كانت ضد الحزب بوصفه «حزبا شيوعيا»؟
- تلك الحملة الشعواء ضد سمعة حزب التقدم والاشتراكية، لم يظهر لها أثر في حملتنا الانتخابية بسيدي سليمان، فقد بدا أن المواطنين لديهم القدرة على التفريق بين الغث والسمين ومعرفة حقائق الأمور وتمييزها عن كل الأباطيل التي روجت ضد الحزب، ثم إن الحزب بسيدي سليمان كان قريبا من الناس، وتلك ميزة رئيسية، ساهمت في الدفع بكل ما من شانه التشويش علينا إلى الهامش.
وأبرز مثال على ذلك، أن الحزب تمكن بتلك المنطقة من تحقيق انتصار نفسي على قائد بالمنطقة قام بحجز فلاح بمرحاض بمقر الدائرة بدون مأكل أو مشرب، وكنا قد تبنينا تلك القضية «ونوضنا العافية»، كما يقال، على القائد، مما اضطر معه إلى إطلاق سراح ذلك الفلاح المسكين، ثم صدر توبيخ ضد القائد من طرف رؤسائه، وكان لتلك القضية صدى قوي لدى السكان.
* ثم لما انقضت تلك الولاية التشريعية، ترشحت مر ة ثانية؟
- في تلك الحقبة، وقع تمديد فترة الولاية التشريعية لغاية 1992، وفي الانتخابات التي جرت وقتئذ، ترشحت بالفعل في الدائرة التي فزت فيها في 1984، لكني لم أنجح في الفوز بالمقعد من جديد. وبحسب اعتقادي، ووفق المعطيات التي استقيناها من عين المكان خلال الحملة الانتخابية، فالاقتراع وما تلاه، فإن السبب الرئيسي لرسوبي هو مستوى الوعي السياسي العام لدى المواطنين، من حيث اتجاهه نحو الخلط بين المهام النيابية على المستوى التشريعي الوطني ومهام النيابة الجماعية، وربما كان المواطن البسيط في تلك المنطقة يعتقد أن نائبه البرلماني هو المسؤول الأول عن أحواله المعيشية وتجهيزات قريته أو مدينته، ومن ثم وقع اللوم علي في الوضعية الهشة لمنطقة غنية الموارد، وفقيرة في الحياة. وكان من ظفر بالمقعد البرلماني حينئذ، هو مرشح حزب الاستقلال، الذي كان يدعى ولد حليمة.
* لكن هذا الفشل لم يمنع من عودتك إلى البرلمان عبر نافذة الثلث؟
- بالفعل فزت بمقعد في انتخابات ممثلي المأجورين، بوصفي ممثلا نقابيا لفئة أساتذة التعليم العالي، فترشحت باسم نقابة الاتحاد المغربي للشغل وفزت بمقعد بالبرلمان سنة 1993.
إذن في نهاية المطاف، وبعدما كنا نائبان فقط في ولاية 84-92 عن حزب التقدم والاشتراكية؛ علي يعته وأنا، وإن كان عملنا نحن الاثنان يضاهي عمل فريق كامل العدد بمجلس النواب سواء بعلي من ناحية فصاحته بلاغته حتى عُد مرجعا في هذا الباب بالبرلمان، أو بعملي الدؤوب داخل اللجان لدرجة أن الملك الحسن الثاني خاطب أحزاب الأغلبية الحكومية ذات مرة، وقال لهم «ما بالكم تبدون كسالى ويعته والعلوي يدوخان البرلمان».
في 1993، أصبحت رئيس فريق التقدم والاشتراكية (في ذلك الوقت كان العدد المطلوب لتكوين فريق برلماني أقل مما هو عليه في الوقت الراهن). وكنا فريقا نشيطا سيما على مستوى إنتاج مقترحات القوانين وكلها للأسف، حشرت في الرف ولم تناقش أي واحدة منها باستثناء مقترح واحد شرع في مناقشته ثم سرعان ما أقبر في بداية الطريق وكان ذلك المقترح يتعلق بإنشاء مركز الترجمة العلمية. وقد عشنا من خلال مقترحات القوانين المقدمة من طرفنا في تلك الفترة «إقصاء ممنهجا» لكل ما يصدر عنا، رغم أن كثيرا من تلك المقترحات كانت أفيد للمجتمع في ذلك الوقت.
* وكيف كانت ممارستكم البرلمانية وقتئذ؟
- في تلك المرحلة كان مستوى أداء البرلمان المغربي أرفع بالمقارنة مع الوضع السائد اليوم. كان بالبرلمان، نواب يستحقون تسمية نائب للأمة، قادرون على تحمل مسؤولية الأمانة الملقاة على عاتقهم داخل البرلمان، سواء على المستوى التشريعي أو على المستوى الرقابي. وللأسف الشديد، لم يعد يظهر داخل البرلمان مثل أولئك الناس سوى لماما. ورغم أن فريقنا كان يتعرض لما سمي «إقصاء ممنهجا»، إلا أن ذلك لم يكن يدفعنا إلى فقدان أعصابنا سوى في حالات نادرة. ولم أكن أجد نفسي وسط مشاحنة أو مشاداة كلامية مع نائب آخر إلا في مناسبات قليلة، من بينها ما حدث بيني وبين عبد الرزاق أفيلال، حينما كان رئيس لجنة وحاول تمرير تعديل رغم أنفنا، فتصديت له في حينه، إلا أنه لم يستسغ كلامي، فأصيب بهيجان عصبي، وراح يصرخ في، لكنني لم أدعه يخرج منتصرا من تلك الملاسنة. ومن سخرية القدر، أن علاقتي بأفيلال توطدت بعد تلك الحادثة، بشكل أقوى مما كان عليه في السابق.
كما حدث ذات مرة أن تصاعد الحديث بيني وبين عبد الواحد الراضي في جلسة عمومية كان يترأسها، فقد أحسست أن الراضي لم يكن منصفا في إحدى عمليات التصويت فاضطررنا كفريق حزب التقدم والاشتراكية أمام تعنته وتمسكه بموقفه، إلى الانسحاب من قاعة الجلسات.
ومرة ثالثة، حدث شنآن بيني وبين محمد زيان (رئيس الحزب الليبرالي المغربي في الوقت الحالي)، وكان زيان معروفا بفوضويته داخل البرلمان، وما حدث أن زيان دخل في جدل مع نائب آخر فحاولت التدخل من أجل وضع الأمور في نصابها، إلا أن زيان ظن أنني أريد التهجم عليه، فاستبق ذلك بالتهجم عليّ، فما كان مني إلا أن أعرضت عن نيتي في التوفيق بينه وبين ذلك النائب، وهاجمته، ووصلت حدة الشنآن بيننا إلى حد أني طالبت رئيس الجلسة بأن يأمر بإخراجه من قاعة الجلسات.
ومن جانب آخر، كان فريق التقدم والاشتراكية متميزا، ومعروفا بكوادره مثل التهامي الخياري والطيب الشكيلي وأوحلي، وبالطبع علي يعته كنجم للفريق. وقد كان أعضاء الفريق هؤلاء يحظون بالاحترام من مختلف تشكيلات البرلمان.
* في 1993 تم توشيحك بوسام العرش.
- بالفعل، وشحني الملك الحسن الثاني بوسام العرش مباشرة بعد انتخابات ممثلي المأجورين التي فزت بمقعد عن طريقها. وكانت مناسبة توشيحي خلال عيد الشباب، إذ زار الملك مدينة القنيطرة، وكنت ضمن منتخبي المدينة ممن كانوا في استقباله. والطريف في الأمر أن لا أحد كلف نفسه عناء إخباري سلفا بأن الحسن الثاني سيقوم بتوشيحي حتى لحظات قبل ذلك، حين قال لي جلال السعيد رئيس مجلس النواب، في مقر عمالة القنيطرة صباح ذلك اليوم بأن الملك سيوشحني بوسام العرش إذ كان ممكنا أن أغيب عن مراسيم الاحتفال بالمدينة لعذر أو لآخر سيما أن الأمر لا يشمل بحسب ظني، توشيحا من هذا القبيل، وكان ذلك سيحدث حرجا لا محالة.
وبالطبع، كان توشيح بعض الشخصيات المعارضة عملة قليلة في ذلك الوقت، إلا أن أي تفسيرات خارج نطاق العادة الجاري به العمل في هذه الحالات، لم تكن واردة خلال توشيحي ومن ثم لم يعارض أو يتحفظ أحد بحزب التقدم والاشتراكية بشأن هذه الخطوة الملكية، سيما أن علي يعته سبق أن وشج بوسام مماثل من درجة ضابط.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
13 - امحمد بوستة ظل يرفض استوزار البصري واليازغي لم يكن قويا ليواجهه والدويري قبل عرض الملك
الحسن الثاني قال لنا إنه سيقيل البصري من الحكومة في غضون ست شهور إذا لم يعجبنا
* في بداية التسعينات، بوشرت مشاورات بين أحزاب الكتلة الديمقراطية والمؤسسة الملكية حول ما كان سيكون حكومة ائتلاف يشارك فيها اليسار.
- قبل مباشرة تلك المشاورات، تأسست الكتلة الديمقراطية في 1992، وأصبحت معطى أساسي في الحقل السياسي بل ومتحكم فيه. بعدها، كان لقاء إفران بيننا وبين الملك الحسن الثاني، وحضر فيه عن حزب التقدم والاشتراكية علي يعته وأنا، فيما حضر ممثلان عن كل من أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي، وهنالك أبدى الحسن الثاني استعداده لتسليم مقاليد تسيير الشأن العام إلى أحزاب الكتلة الديمقراطية رغم أن هذه الأحزاب لم تكن تمتلك أغلبية في البرلمان، إلا أن الحسن الثاني وعدنا بضمان أغلبية برلمانية تلتف حول برنامج حكومة أقلية.
في حزب التقدم والاشتراكية، كان رأينا أن هذه فرصة سانحة يجب أن نستغلها قلنا هذا في الاجتماعات التي جرت داخل الكتلة الديمقراطية، (في لقاء إفران، لم تكن لممثلي أحزاب الكتلة الديمقراطية فرصة إبداء الرأي، بل فقط الاستماع إلى عرض الملك)، وكان هذا الرأي يشاركنا فيه كثير من الملاحظين السياسيين سيما ممثلي الهيئات الدبلوماسية بالمغرب، إذ كان يُنظر إلى عرض الحسن الثاني كـ»طبق من ذهب» ولم يكن أحد منهم يتصور أن يرفض هذا العرض، لكن للأسف الشديد، هذا ما حصل في نهاية المطاف، ليس بدعوى أن حكومة أقلية قد تجعل الأمور متحكم فيها من فوق، بل إن طموحات خاصة لبعض أعضاء الكتلة الديمقراطية دفنت هذا العرض.
ولن يغيب عن ذهني من تفاصيل ذلك اللقاء، حديث الملك الحسن الثاني عن أمرين اثنين، إدريس البصري وآخر أمنياته في الحياة، بالنسبة إلى البصري، (وكان حينئذ وزيرا للداخلية)، قال لنا : «إنني سأقبل بإبعاد البصري من الحكومة خلال ست شهور من بداية عملها، إذا ظهر لكم أنه يعرقل شؤونكم، ولكم حينئذ الحق في البحث عن اسم من عندكم ليشغل هذا المنصب»، أما بالنسبة لآخر أمنياته، فقد خاطبنا بالقول : «لم يتبقى لدي سوى سبع سنوات، وأود أن اقضي هذه السنوات معكم»، قال هذا في 1992، وفي 1999، أي بعد مرور سبع سنوات عن ذلك اللقاء، مات كما تنبأ بذلك تماما. إن هذا الأمر لا يزال يصيبني بالذهول كل مرة أعدت فيه شريط ذلك اليوم.
لما خرجنا من لقاء إفران، كان الجو العام داخل الكتلة الديمقراطية بشأن عرض الحسن الثاني تشتم منه جرعة قوية من التفاؤل، بل وبدا أن محمد الدويري، أحد ممثلي حزب الاستقلال في ذلك اللقاء، كان متحمسا جدا لعرض الملك، وقال بأن الجواب يجب أن يكون بالقبول.
لكن بعض مؤشرات التحول المرتقب في المواقف هو أن حزب الاتحاد الاشتراكي لم يكن ممثلا في إفران بكاتبه الأول عبد الرحمان اليوسفي، بل فقط بنائبه محمد اليازغي، لأن اليوسفي غضب وغادر إلى مدينة كان الفرنسية، وهذا كان سببا في انسياق الاتحاد وراء طرح امحمد بوستة الأمين العام لحزب الاستقلال، لأن اليازغي لم تكن له القوة أو الشخصية السياسية لفرض رأي مخالف لما كان يعتقده بوستة، وبالتالي، لم يكن من مآل لتلك المشاورات سوى الفشل بعدما اصطف الاتحاديون والاستقلاليون جنبا إلى جنب في رفض عرض الملك الحسن الثاني.
للأسف، ضيعنا تلك الفرصة الذهبية وقتئذ، وعبرنا عن موقفنا من ذلك، لأن البلاد خسرت خمسة سنوات، كان الأجدر أن تتولي فيها الأحزاب الوطنية مقاليد الحكومة.
* وماذا كان موقف سعيد آيت إيدير رئيس منظمة العمل الديمقراطي؟
- لم يكن سعيد آيت إيدير من الرافضين لهذا العرض، لكن لم يكن في اليد حيلة كما يقولون، بعد رفض الاتحاد الاشتراكي والاستقلال.
* ثم جرت مباحثات ثانية؟
- بعد ذلك بعام ونيف، حصلت مباحثات بين الكتلة الديمقراطية والملك الحسن الثاني، إلا أن قضية البصري كانت مرة أخرى، عائقا أمام نجاح تلك المباحثات. كان امحمد بوستة هو المعارض الشرس لفكرة مشاركة البصري في حكومة يكون هو وحزبه جزءا منها، لكن هذا الأمر كان سيتبدل بحسب اعتقادي، لو كان عبد الرحمان اليوسفي هو من يقود حزب الاتحاد الاشتراكي في هذه المباحثات؛ إذ من المرجح أنه ما كان لينساق وراء بوستة في هذه القضية. ولحد الآن أجهل الدوافع الحقيقية الكامنة وراء موقف الأمين العام لحزب الاستقلال حينئذ؛ هل كان لعبا بالأوراق أو جزءا من طموح شخصي لتولي الوزارة الأولى، لا زلت لا أملك أي معلومات دقيقة في هذا الشأن.
وبالطبع كان بينا أن قضية من سيكون الوزير الأول في مثل تلك الحكومة لو كان قد كتب لها أن تخرج إلى حيز الوجود، ستخلق مشكلة، فقد كان ظاهرا ذلك بين الاتحاد الاشتراكي والاستقلال رغم أن الطرفين معا حاولا أن لا يقذفا بهذه القضية إلى الواجهة حينئذ، لكن بدا لنا أن المشكل مطروح بشكل ضمني بينهما.
* خلافات الأطراف التي وجدت نفسها داخل الكتلة بدت أيضا خلال عملية الاستفتاء على دستور 1992.
- كان لحزب التقدم والاشتراكية بخصوص الاستفتاء حول دستور 1992، موقف واضح، إذ كان رأينا حينئذ يقول بأن ذلك الدستور ينبغي أن يؤخذ به، إلا أن الاتحاديين والاستقلاليين كان موقفهما مترددا، بل وذهبا في اتجاه لعب نفسي حول من سيكون أكثر تطرفا من الآخر في هذه المسالة. وكان كل واحد منهم يترقب عقد اجتماع الهيئة التقريرية لهذا أو ذاك، وينتظر خلاصاته لبناء موقف أكثر تطرفا منه. ما كان يسود تلك الأجواء للأسف، هو عدم وضوح الرؤية أو عدم ضبطها، لأن النقاش العام داخل الكتلة الديمقراطية بخصوص الاستفتاء كان يتجه نحو قبول التعديلات والتصويت بالإيجاب على دستور1992، إلا أن الجوانب العملية المتعلقة بتصريف المواقف لكل هيئة على حدة، كان مناقضا لذلك، لدرجة لم نعد معها نفهم ما يجري، ربما كان ذلك نتيجة للمنافسة الخفية بين كل من الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وهذا ما يتجلى إلى حدود اليوم.
* نظر حلفاؤكم حينئذ إلى قبولكم بدستور92، كصفقة سرية بينكم وبين الحكم؟
- لم تكن هنالك أي صفقة سرية بيننا وبين المؤسسة الملكية، وبالتأكيد لم يكن هنالك أي سعي من طرفنا نحو القبول في المشاركة في حكومة نقودها نحن دون باقي الأطراف الأخرى الموجودة في الكتلة الديمقراطية. إلا أن موقفنا من دستور 92، لم يكن ليرضي حلفاءنا فسعت أطراف داخل الكتلة الديمقراطية إلى تهميشنا ووضعنا بين قوسين، كما كنا نستثنى من الاجتماعات التنسيقية للكتلة.
* ثم جاء دستور 1996 فتبدلت المواقف.
- بالفعل، ما حدث هو أن شبه إجماع حصل حول دستور 1996 إذا استثنينا موقف منظمة المعمل الديمقراطي. في نهاية المطاف لم يكن دستور 96 مثل سابقه، إلا أن أغلب الأطراف توافقت عليه، وإن لم تسبقه مباحثات رسمية بشأن ما سيعلن عنه فيم بعد، أي حكومة التناوب التوافقي، أي لم تكن هنالك أي تحفيزات مضمونة. وكانت أبرز مؤشرات دستور 1996 في هذا الصدد، هو تلك الرسالة السياسية التي حملها من خلال حذف الثلث من مجلس النواب وخلق غرفة برلمانية جديدة، وكأن الحسن الثاني يرد على انتقاداتنا لطريقة انتخاب ذلك الثلث بإحداث برلمان ثان بأكمله ينتخب بتلك الطريقة، وبنفس صلاحيات مجلس النواب، باستثناء صلاحية منح الثقة للحكومة. لقد كان ذلك غريبا لكنه كان باديا أنه موجه بشكل رئيسي ضدنا. وبسبب هذه الولادة المعيبة، ها نحن منذ ذلك اليوم، أمام ثنائية برلمانية عرجاء فيها مضيعة للوقت وهدر للطاقات. ورغم كل شيء صوتنا على الدستور، لأنه كان أخف الضررين.
* في بداية التسعينات، بوشرت مشاورات بين أحزاب الكتلة الديمقراطية والمؤسسة الملكية حول ما كان سيكون حكومة ائتلاف يشارك فيها اليسار.
- قبل مباشرة تلك المشاورات، تأسست الكتلة الديمقراطية في 1992، وأصبحت معطى أساسي في الحقل السياسي بل ومتحكم فيه. بعدها، كان لقاء إفران بيننا وبين الملك الحسن الثاني، وحضر فيه عن حزب التقدم والاشتراكية علي يعته وأنا، فيما حضر ممثلان عن كل من أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي، وهنالك أبدى الحسن الثاني استعداده لتسليم مقاليد تسيير الشأن العام إلى أحزاب الكتلة الديمقراطية رغم أن هذه الأحزاب لم تكن تمتلك أغلبية في البرلمان، إلا أن الحسن الثاني وعدنا بضمان أغلبية برلمانية تلتف حول برنامج حكومة أقلية.
في حزب التقدم والاشتراكية، كان رأينا أن هذه فرصة سانحة يجب أن نستغلها قلنا هذا في الاجتماعات التي جرت داخل الكتلة الديمقراطية، (في لقاء إفران، لم تكن لممثلي أحزاب الكتلة الديمقراطية فرصة إبداء الرأي، بل فقط الاستماع إلى عرض الملك)، وكان هذا الرأي يشاركنا فيه كثير من الملاحظين السياسيين سيما ممثلي الهيئات الدبلوماسية بالمغرب، إذ كان يُنظر إلى عرض الحسن الثاني كـ»طبق من ذهب» ولم يكن أحد منهم يتصور أن يرفض هذا العرض، لكن للأسف الشديد، هذا ما حصل في نهاية المطاف، ليس بدعوى أن حكومة أقلية قد تجعل الأمور متحكم فيها من فوق، بل إن طموحات خاصة لبعض أعضاء الكتلة الديمقراطية دفنت هذا العرض.
ولن يغيب عن ذهني من تفاصيل ذلك اللقاء، حديث الملك الحسن الثاني عن أمرين اثنين، إدريس البصري وآخر أمنياته في الحياة، بالنسبة إلى البصري، (وكان حينئذ وزيرا للداخلية)، قال لنا : «إنني سأقبل بإبعاد البصري من الحكومة خلال ست شهور من بداية عملها، إذا ظهر لكم أنه يعرقل شؤونكم، ولكم حينئذ الحق في البحث عن اسم من عندكم ليشغل هذا المنصب»، أما بالنسبة لآخر أمنياته، فقد خاطبنا بالقول : «لم يتبقى لدي سوى سبع سنوات، وأود أن اقضي هذه السنوات معكم»، قال هذا في 1992، وفي 1999، أي بعد مرور سبع سنوات عن ذلك اللقاء، مات كما تنبأ بذلك تماما. إن هذا الأمر لا يزال يصيبني بالذهول كل مرة أعدت فيه شريط ذلك اليوم.
لما خرجنا من لقاء إفران، كان الجو العام داخل الكتلة الديمقراطية بشأن عرض الحسن الثاني تشتم منه جرعة قوية من التفاؤل، بل وبدا أن محمد الدويري، أحد ممثلي حزب الاستقلال في ذلك اللقاء، كان متحمسا جدا لعرض الملك، وقال بأن الجواب يجب أن يكون بالقبول.
لكن بعض مؤشرات التحول المرتقب في المواقف هو أن حزب الاتحاد الاشتراكي لم يكن ممثلا في إفران بكاتبه الأول عبد الرحمان اليوسفي، بل فقط بنائبه محمد اليازغي، لأن اليوسفي غضب وغادر إلى مدينة كان الفرنسية، وهذا كان سببا في انسياق الاتحاد وراء طرح امحمد بوستة الأمين العام لحزب الاستقلال، لأن اليازغي لم تكن له القوة أو الشخصية السياسية لفرض رأي مخالف لما كان يعتقده بوستة، وبالتالي، لم يكن من مآل لتلك المشاورات سوى الفشل بعدما اصطف الاتحاديون والاستقلاليون جنبا إلى جنب في رفض عرض الملك الحسن الثاني.
للأسف، ضيعنا تلك الفرصة الذهبية وقتئذ، وعبرنا عن موقفنا من ذلك، لأن البلاد خسرت خمسة سنوات، كان الأجدر أن تتولي فيها الأحزاب الوطنية مقاليد الحكومة.
* وماذا كان موقف سعيد آيت إيدير رئيس منظمة العمل الديمقراطي؟
- لم يكن سعيد آيت إيدير من الرافضين لهذا العرض، لكن لم يكن في اليد حيلة كما يقولون، بعد رفض الاتحاد الاشتراكي والاستقلال.
* ثم جرت مباحثات ثانية؟
- بعد ذلك بعام ونيف، حصلت مباحثات بين الكتلة الديمقراطية والملك الحسن الثاني، إلا أن قضية البصري كانت مرة أخرى، عائقا أمام نجاح تلك المباحثات. كان امحمد بوستة هو المعارض الشرس لفكرة مشاركة البصري في حكومة يكون هو وحزبه جزءا منها، لكن هذا الأمر كان سيتبدل بحسب اعتقادي، لو كان عبد الرحمان اليوسفي هو من يقود حزب الاتحاد الاشتراكي في هذه المباحثات؛ إذ من المرجح أنه ما كان لينساق وراء بوستة في هذه القضية. ولحد الآن أجهل الدوافع الحقيقية الكامنة وراء موقف الأمين العام لحزب الاستقلال حينئذ؛ هل كان لعبا بالأوراق أو جزءا من طموح شخصي لتولي الوزارة الأولى، لا زلت لا أملك أي معلومات دقيقة في هذا الشأن.
وبالطبع كان بينا أن قضية من سيكون الوزير الأول في مثل تلك الحكومة لو كان قد كتب لها أن تخرج إلى حيز الوجود، ستخلق مشكلة، فقد كان ظاهرا ذلك بين الاتحاد الاشتراكي والاستقلال رغم أن الطرفين معا حاولا أن لا يقذفا بهذه القضية إلى الواجهة حينئذ، لكن بدا لنا أن المشكل مطروح بشكل ضمني بينهما.
* خلافات الأطراف التي وجدت نفسها داخل الكتلة بدت أيضا خلال عملية الاستفتاء على دستور 1992.
- كان لحزب التقدم والاشتراكية بخصوص الاستفتاء حول دستور 1992، موقف واضح، إذ كان رأينا حينئذ يقول بأن ذلك الدستور ينبغي أن يؤخذ به، إلا أن الاتحاديين والاستقلاليين كان موقفهما مترددا، بل وذهبا في اتجاه لعب نفسي حول من سيكون أكثر تطرفا من الآخر في هذه المسالة. وكان كل واحد منهم يترقب عقد اجتماع الهيئة التقريرية لهذا أو ذاك، وينتظر خلاصاته لبناء موقف أكثر تطرفا منه. ما كان يسود تلك الأجواء للأسف، هو عدم وضوح الرؤية أو عدم ضبطها، لأن النقاش العام داخل الكتلة الديمقراطية بخصوص الاستفتاء كان يتجه نحو قبول التعديلات والتصويت بالإيجاب على دستور1992، إلا أن الجوانب العملية المتعلقة بتصريف المواقف لكل هيئة على حدة، كان مناقضا لذلك، لدرجة لم نعد معها نفهم ما يجري، ربما كان ذلك نتيجة للمنافسة الخفية بين كل من الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وهذا ما يتجلى إلى حدود اليوم.
* نظر حلفاؤكم حينئذ إلى قبولكم بدستور92، كصفقة سرية بينكم وبين الحكم؟
- لم تكن هنالك أي صفقة سرية بيننا وبين المؤسسة الملكية، وبالتأكيد لم يكن هنالك أي سعي من طرفنا نحو القبول في المشاركة في حكومة نقودها نحن دون باقي الأطراف الأخرى الموجودة في الكتلة الديمقراطية. إلا أن موقفنا من دستور 92، لم يكن ليرضي حلفاءنا فسعت أطراف داخل الكتلة الديمقراطية إلى تهميشنا ووضعنا بين قوسين، كما كنا نستثنى من الاجتماعات التنسيقية للكتلة.
* ثم جاء دستور 1996 فتبدلت المواقف.
- بالفعل، ما حدث هو أن شبه إجماع حصل حول دستور 1996 إذا استثنينا موقف منظمة المعمل الديمقراطي. في نهاية المطاف لم يكن دستور 96 مثل سابقه، إلا أن أغلب الأطراف توافقت عليه، وإن لم تسبقه مباحثات رسمية بشأن ما سيعلن عنه فيم بعد، أي حكومة التناوب التوافقي، أي لم تكن هنالك أي تحفيزات مضمونة. وكانت أبرز مؤشرات دستور 1996 في هذا الصدد، هو تلك الرسالة السياسية التي حملها من خلال حذف الثلث من مجلس النواب وخلق غرفة برلمانية جديدة، وكأن الحسن الثاني يرد على انتقاداتنا لطريقة انتخاب ذلك الثلث بإحداث برلمان ثان بأكمله ينتخب بتلك الطريقة، وبنفس صلاحيات مجلس النواب، باستثناء صلاحية منح الثقة للحكومة. لقد كان ذلك غريبا لكنه كان باديا أنه موجه بشكل رئيسي ضدنا. وبسبب هذه الولادة المعيبة، ها نحن منذ ذلك اليوم، أمام ثنائية برلمانية عرجاء فيها مضيعة للوقت وهدر للطاقات. ورغم كل شيء صوتنا على الدستور، لأنه كان أخف الضررين.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
14 - ساهم في تمويل جريدة المنعطف لصاحبها التهامي الخياري لكنه لم يهتم بتياره
تخلصنا من المركزية الديمقراطية في وقت عسير من حياة الحزب
* الأطراف المصوتة لصالح دستور 96، كانت على وعي بأن حكومة توافق بادية في الأفق؟
- بالطبع، فقد كانت مشاركة الأطراف الموجودة داخل الكتلة الديمقراطية في حكومة ائتلاف وطني أو ما يسمى بالتناوب التوافقي، مفهومة ضمنيا، وإن لم تكن معلنة، من خلال الموقف الايجابي من دستور96.
كما أن الحسن الثاني كان ذكيا حين هيأ الظروف لتولي (المعارضة) تسيير الشأن العام بحكومة تقنوقراطية تضم شبابا ونساء أكثر مما هو موجود في الحكومات التي تلتها.
بعد الاستفتاء على الدستور، جرت مشاورات تشكيل حكومة التناوب بشكل رسمي، وكان وفد حزب التقدم والاشتراكية يتألف من علي يعته والتهامي الخياري لغاية انفصاله عن الحزب، وعمر الفاسي وأنا.
وفي مباحثاتنا داخل الاجتماعات التنسيقية بالكتلة الديمقراطية، كنا نتفق على الخطوط العريضة، فيما ندع التفاصيل الجزئية إلى اجتماعات مصغرة، كما كانت هنالك اجتماعات مع الملك الحسن الثاني كنت أحضرها بمعية على يعته وأحيانا يكون التهامي الخياري معنا.
* في فترة التسعينات أيضا، عاش حزب التقدم والاشتراكية مخاضا عسيرا على مستوى حياته الداخلية، أدى إلى خروج التهامي الخياري من الحزب
- عاش حزب التقدم والاشتراكية خلال الفترة الممتدة بين 93 و97 مرحلة دقيقة من حياته، فهو كان وسط المشاورات التحضيرية التي ابتدأت في 92، لحكومة التناوب، وما صاحب ذلك من تعثرات، وحدوث أزمة بيننا وبين حزب الاستقلال أدت إلى تهميش حزب التقدم والاشتراكية، علاوة على توترات داخلية، قادت في نهاية المطاف إلى خروج بعض أعضاء الحزب وتأسيس حزب آخر هو جبهة القوى الديمقراطية.
ونتج هذا المخاض الداخلي عن ما أسميه بنوع من الشغف أصاب بعض أعضاء الحزب نحو طي صفحة وفتح أخرى جديدة في حياة الحزب، إذ كان الجميع متفقا على أن المغرب مقبل على تحولات هامة، فكان عدد من الرفاق يلحون على ضرورة أن يعيد الحزب نظره في علاقاته الداخلية وأسلوب عمله، بل وكان عدد كبير منهم، بحسن نية، يؤكدون على هذه الفكرة، فيما كانت لآخرين حساباتهم الخاصة.
وبالتالي، طرح المشكل حينئذ على هذه الصيغة : كيف يمكن أن ننتقل بحزب التقدم والاشتراكية إلى مرحلة جديدة، أي ما هو السبيل لدفعه نحو طفرة ايجابية؟ طفرة تجعله لا يفرط في كنهه، في مبادئه وقيمه، وتجعله يتلاءم أكثر مع الظروف الجديدة وطنيا وعاليما. وبالتالي تتابعت أسئلة أخرى من قبيل هل هذه المرحلة تقتضي تنحية الرعيل المؤسس للحزب، أم أن الحزب يجب أن ينتقل على مستواه الداخلي، بشكل سلس، إلى المرحلة الجديدة، أي بدون تشنجات قد تؤدي إلى انفصال.
في الواقع، كان الحل «بين بين»، إذ رغم أن فكرة تنحية المؤسسين، لم تجد طريقا إلى التنفيذ، وهذا أمر حمدنا الله عليه كثيرا، إلا أن ذلك التغيير الجذري في خطة الحزب، كما كان يأمله البعض، لم يحدث هو الآخر. في هذه المعادلة، كان الاتجاهان القائمان على تجديد وتطوير الممارسة الحزبية الموروثة من الخمسينيات والستينيات ثم السبعينيات، والتي استمرت رغم كونها متناقضة مع قرارات المؤتمر الثالث للحزب في 1966. وأولئك الذين كانت لهم رغبة مشروعة في تسلق المسؤوليات بهذه الطريقة، وإن كان ذلك عبر عنه بوسائل غير لائقة في بعض الأحيان، (كان هذين الاتجاهين) في مأزق، وصل في نهاية المطاف، إلى خلق أزمة نفسية وليس فقط تنظيمية داخل الحزب.
وكما هي الأمور معروفة، فقد تغلب الحزب على هذه المشاكل في آخر المطاف، واستطاع أن يحافظ على كيانه ووحدته المنهجية والإيديولوجية. بالطبع، لم تكن هذه النتيجة مرضية لعدد من الرفاق، وبالتالي فضل بعضهم الابتعاد عن الحزب بشكل مؤقت، فيما قرر آخرون الابتعاد عن حزب التقدم والاشتراكية بصفة نهائية.
* كان هنالك ما يسمى بتيارات حينئذ داخل الحزب؛ تيار التهامي الخياري وتيار شمعون ليفي؟
- كان البعض يعتقد أن هدف هذين الاتجاهين هو إسقاط على يعته عن طريق ممارسة معارضة شديدة له. لكن الأشياء لم تكن على ذلك النحو بتاتا.
فيما يخص الاتجاهين المذكورين، فإنهما كانا منفصلين عن بعضهما، ولم يكن هنالك أي تآلف بينهما، بل كان هناك نفور قوي بين التيار الذي قاده التهامي الخياري والتيار الذي كان يتزعمه شمعون ليفي، وإن كان مصطلح «تيارات» غير دقيق في وصف تلك الاتجاهات وقتئذ.
ولا أحد ينسى ما حدث في المؤتمر الخامس لحزب التقدم والاشتراكية، حين هم البعض في محاولة التخلص من قدماء الحزب مثل ليفي نفسه وما نتج عن ذلك من ردود فعل خلال المؤتمر نفسه، وصاحب ذلك حملة من الاتهامات المتبادلة التي لم تكن مبنية على معطيات صحيحة أو مستقاة من مصادر موضوعية. لقد وضع ذلك الأمر هذين التيارين على النقيض من بعضهما البعض.
وفي اعتقادي، كان ذلك الصراع أمرا سابقا لأوانه داخل الحزب، وخيض على نحو متسرع، فأضر في النهاية، بالحزب أكثر مما ساهم في تطويره إلى الأفضل.
أما بالنسبة لموقف شمعون ليفي من علي يعته والذي أعلن عنه عشية المؤتمر السادس، فقد ركنت دوافعه الحقيقية في مكان مخبأ، لقد كان الحزب وهو يعيش طفرة صاحبها صراع داخلي، مكشوفا لكل الضربات وأصبح قابلا للاعتداء.
* وماذا كان تقييمك للأوضاع وأنت قيادي بالحزب حينئذ؟
- كالعديد من الرفاق، لم أعط أهمية أكبر من حجمها لتلك النزاعات لأن موقفي كان مبنيا على أن الحزب يجب أن يتقدم وأن يتطور وأن يجد طرقا أفضل مما كان معتادا عليه، من أجل العمل بشكل قريب مع المجتمع والأطراف الأخرى من حوله. وفي هذا الإطار وبهذا التصور، ظهرت فكرة إنشاء جريدة جديدة تكون منفتحة على المجتمع، وفي هذا السياق، ساهمت حينئذ في تمويل جريدة المنعطف التي أسسها التهامي الخياري لما كان ما يزال عضوا قياديا بالحزب، ولم يكن تمويلي لجريدته توجهه أي حسابات تدفعه نحو منافسة «البيان» أو بالأحرى الاستقواء به داخل حزب التقدم والاشتراكية؛ فقد كان رأيي ولا يزال، أن الحزب يجب أن يقوي عمله في تلك الأوساط، سيما في مجالات هو في حاجة إليها أو هي في حاجة إليه، وأن لا يبقى حبيس طرق عمل حكم عليها بالزوال.
لقد كان الجميع حينئذ، على وعي بأن مفهوم المركزية الديمقراطية أصبح محدودا في الظروف الجديدة، بمن فيهم مسؤولو الحزب. ولذلك لم يكن لقياديي الحزب كافة أي موقف معارض لهذا التحول وبالتالي سرنا في هذا الاتجاه وتخلصنا من المركزية الديمقراطية كمفهوم يحدد عمل الحزب. وبطبيعة الحال، وجد عدد من أعضاء الحزب أنفسهم في حيرة من أمرهم بعد هذه العملية، سيما أن مفهوم المركزية الديمقراطية كان منهجا ساد عمل الحزب لعقود طويلة وكان الجميع معتادا عليه، وما حصل كنتيجة لهذا، أن أعضاء الحزب لم يجدوا منهجا بديلا عنها في ذلك الوقت، فوجدوا أنفسهم في حالة من التيهان.
* إحدى الروايات بشأن الصراعات الداخلية التي وقعت حينئذ، استندت إلى تقييمات متباينة لعلاقة حزب التقدم والاشتراكية بالدولة، وأذكر بالأخص حادثتين انتخابيتين وقعتا لكل من الخياري وليفي، إذ إن الخياري من جهة تعرض لحملة هو جاء من طرف مكونات من الصف الديمقراطي عقب ترشحه بدائرة تملالت بدعوى أن وزارة الداخلية تسانده كما أن شمعون ليفي كما يقال، تبرم من موقف الحزب عقب فشله في الانتخابات التشريعية بدائرة أكادير، لأنه لم يدافع عنه كما ينبغي.
- بالنسبة لشمعون ليفي، فإنه لم يترشح في تلك الانتخابات بدائرة أكادير، لأن يهوديا آخر كان يدعى شمعون ليفي أيضا، ترشح باسم الاتحاد الدستوري ونجح في الفوز بمقعد بالبرلمان. والحقيقة أن شمعون ليفي وهو المناضل الفذ في صفوف الحزب، كان يفضل، وكان على صواب، أن تكون الجالية اليهودية ممثلة بالبرلمان بوجه تقدمي وديمقراطي. لكن القرار لم يكن بأيدي أحد من المناضلين، لأن الانتخابات أمر مرتبط بموازين الصراع السياسي العام. ومهما كان من أمر، لم يطلب ليفي من المكتب السياسي للحزب أن يتخذ أي موقف في هذه القضية بحسب علمي، ولم تطرح مسألته داخل أي اجتماع لهذه الهيئة، ممن كنت قد حضرتها وقتئذ.
أما في موضوع التهامي الخياري، فقدا دافع الحزب عنه في مواجهته لتلك الحملة التي شنت عليه انطلاقا من تملالت، ولا يمكن لأحد القول عكس ذلك.
* الأطراف المصوتة لصالح دستور 96، كانت على وعي بأن حكومة توافق بادية في الأفق؟
- بالطبع، فقد كانت مشاركة الأطراف الموجودة داخل الكتلة الديمقراطية في حكومة ائتلاف وطني أو ما يسمى بالتناوب التوافقي، مفهومة ضمنيا، وإن لم تكن معلنة، من خلال الموقف الايجابي من دستور96.
كما أن الحسن الثاني كان ذكيا حين هيأ الظروف لتولي (المعارضة) تسيير الشأن العام بحكومة تقنوقراطية تضم شبابا ونساء أكثر مما هو موجود في الحكومات التي تلتها.
بعد الاستفتاء على الدستور، جرت مشاورات تشكيل حكومة التناوب بشكل رسمي، وكان وفد حزب التقدم والاشتراكية يتألف من علي يعته والتهامي الخياري لغاية انفصاله عن الحزب، وعمر الفاسي وأنا.
وفي مباحثاتنا داخل الاجتماعات التنسيقية بالكتلة الديمقراطية، كنا نتفق على الخطوط العريضة، فيما ندع التفاصيل الجزئية إلى اجتماعات مصغرة، كما كانت هنالك اجتماعات مع الملك الحسن الثاني كنت أحضرها بمعية على يعته وأحيانا يكون التهامي الخياري معنا.
* في فترة التسعينات أيضا، عاش حزب التقدم والاشتراكية مخاضا عسيرا على مستوى حياته الداخلية، أدى إلى خروج التهامي الخياري من الحزب
- عاش حزب التقدم والاشتراكية خلال الفترة الممتدة بين 93 و97 مرحلة دقيقة من حياته، فهو كان وسط المشاورات التحضيرية التي ابتدأت في 92، لحكومة التناوب، وما صاحب ذلك من تعثرات، وحدوث أزمة بيننا وبين حزب الاستقلال أدت إلى تهميش حزب التقدم والاشتراكية، علاوة على توترات داخلية، قادت في نهاية المطاف إلى خروج بعض أعضاء الحزب وتأسيس حزب آخر هو جبهة القوى الديمقراطية.
ونتج هذا المخاض الداخلي عن ما أسميه بنوع من الشغف أصاب بعض أعضاء الحزب نحو طي صفحة وفتح أخرى جديدة في حياة الحزب، إذ كان الجميع متفقا على أن المغرب مقبل على تحولات هامة، فكان عدد من الرفاق يلحون على ضرورة أن يعيد الحزب نظره في علاقاته الداخلية وأسلوب عمله، بل وكان عدد كبير منهم، بحسن نية، يؤكدون على هذه الفكرة، فيما كانت لآخرين حساباتهم الخاصة.
وبالتالي، طرح المشكل حينئذ على هذه الصيغة : كيف يمكن أن ننتقل بحزب التقدم والاشتراكية إلى مرحلة جديدة، أي ما هو السبيل لدفعه نحو طفرة ايجابية؟ طفرة تجعله لا يفرط في كنهه، في مبادئه وقيمه، وتجعله يتلاءم أكثر مع الظروف الجديدة وطنيا وعاليما. وبالتالي تتابعت أسئلة أخرى من قبيل هل هذه المرحلة تقتضي تنحية الرعيل المؤسس للحزب، أم أن الحزب يجب أن ينتقل على مستواه الداخلي، بشكل سلس، إلى المرحلة الجديدة، أي بدون تشنجات قد تؤدي إلى انفصال.
في الواقع، كان الحل «بين بين»، إذ رغم أن فكرة تنحية المؤسسين، لم تجد طريقا إلى التنفيذ، وهذا أمر حمدنا الله عليه كثيرا، إلا أن ذلك التغيير الجذري في خطة الحزب، كما كان يأمله البعض، لم يحدث هو الآخر. في هذه المعادلة، كان الاتجاهان القائمان على تجديد وتطوير الممارسة الحزبية الموروثة من الخمسينيات والستينيات ثم السبعينيات، والتي استمرت رغم كونها متناقضة مع قرارات المؤتمر الثالث للحزب في 1966. وأولئك الذين كانت لهم رغبة مشروعة في تسلق المسؤوليات بهذه الطريقة، وإن كان ذلك عبر عنه بوسائل غير لائقة في بعض الأحيان، (كان هذين الاتجاهين) في مأزق، وصل في نهاية المطاف، إلى خلق أزمة نفسية وليس فقط تنظيمية داخل الحزب.
وكما هي الأمور معروفة، فقد تغلب الحزب على هذه المشاكل في آخر المطاف، واستطاع أن يحافظ على كيانه ووحدته المنهجية والإيديولوجية. بالطبع، لم تكن هذه النتيجة مرضية لعدد من الرفاق، وبالتالي فضل بعضهم الابتعاد عن الحزب بشكل مؤقت، فيما قرر آخرون الابتعاد عن حزب التقدم والاشتراكية بصفة نهائية.
* كان هنالك ما يسمى بتيارات حينئذ داخل الحزب؛ تيار التهامي الخياري وتيار شمعون ليفي؟
- كان البعض يعتقد أن هدف هذين الاتجاهين هو إسقاط على يعته عن طريق ممارسة معارضة شديدة له. لكن الأشياء لم تكن على ذلك النحو بتاتا.
فيما يخص الاتجاهين المذكورين، فإنهما كانا منفصلين عن بعضهما، ولم يكن هنالك أي تآلف بينهما، بل كان هناك نفور قوي بين التيار الذي قاده التهامي الخياري والتيار الذي كان يتزعمه شمعون ليفي، وإن كان مصطلح «تيارات» غير دقيق في وصف تلك الاتجاهات وقتئذ.
ولا أحد ينسى ما حدث في المؤتمر الخامس لحزب التقدم والاشتراكية، حين هم البعض في محاولة التخلص من قدماء الحزب مثل ليفي نفسه وما نتج عن ذلك من ردود فعل خلال المؤتمر نفسه، وصاحب ذلك حملة من الاتهامات المتبادلة التي لم تكن مبنية على معطيات صحيحة أو مستقاة من مصادر موضوعية. لقد وضع ذلك الأمر هذين التيارين على النقيض من بعضهما البعض.
وفي اعتقادي، كان ذلك الصراع أمرا سابقا لأوانه داخل الحزب، وخيض على نحو متسرع، فأضر في النهاية، بالحزب أكثر مما ساهم في تطويره إلى الأفضل.
أما بالنسبة لموقف شمعون ليفي من علي يعته والذي أعلن عنه عشية المؤتمر السادس، فقد ركنت دوافعه الحقيقية في مكان مخبأ، لقد كان الحزب وهو يعيش طفرة صاحبها صراع داخلي، مكشوفا لكل الضربات وأصبح قابلا للاعتداء.
* وماذا كان تقييمك للأوضاع وأنت قيادي بالحزب حينئذ؟
- كالعديد من الرفاق، لم أعط أهمية أكبر من حجمها لتلك النزاعات لأن موقفي كان مبنيا على أن الحزب يجب أن يتقدم وأن يتطور وأن يجد طرقا أفضل مما كان معتادا عليه، من أجل العمل بشكل قريب مع المجتمع والأطراف الأخرى من حوله. وفي هذا الإطار وبهذا التصور، ظهرت فكرة إنشاء جريدة جديدة تكون منفتحة على المجتمع، وفي هذا السياق، ساهمت حينئذ في تمويل جريدة المنعطف التي أسسها التهامي الخياري لما كان ما يزال عضوا قياديا بالحزب، ولم يكن تمويلي لجريدته توجهه أي حسابات تدفعه نحو منافسة «البيان» أو بالأحرى الاستقواء به داخل حزب التقدم والاشتراكية؛ فقد كان رأيي ولا يزال، أن الحزب يجب أن يقوي عمله في تلك الأوساط، سيما في مجالات هو في حاجة إليها أو هي في حاجة إليه، وأن لا يبقى حبيس طرق عمل حكم عليها بالزوال.
لقد كان الجميع حينئذ، على وعي بأن مفهوم المركزية الديمقراطية أصبح محدودا في الظروف الجديدة، بمن فيهم مسؤولو الحزب. ولذلك لم يكن لقياديي الحزب كافة أي موقف معارض لهذا التحول وبالتالي سرنا في هذا الاتجاه وتخلصنا من المركزية الديمقراطية كمفهوم يحدد عمل الحزب. وبطبيعة الحال، وجد عدد من أعضاء الحزب أنفسهم في حيرة من أمرهم بعد هذه العملية، سيما أن مفهوم المركزية الديمقراطية كان منهجا ساد عمل الحزب لعقود طويلة وكان الجميع معتادا عليه، وما حصل كنتيجة لهذا، أن أعضاء الحزب لم يجدوا منهجا بديلا عنها في ذلك الوقت، فوجدوا أنفسهم في حالة من التيهان.
* إحدى الروايات بشأن الصراعات الداخلية التي وقعت حينئذ، استندت إلى تقييمات متباينة لعلاقة حزب التقدم والاشتراكية بالدولة، وأذكر بالأخص حادثتين انتخابيتين وقعتا لكل من الخياري وليفي، إذ إن الخياري من جهة تعرض لحملة هو جاء من طرف مكونات من الصف الديمقراطي عقب ترشحه بدائرة تملالت بدعوى أن وزارة الداخلية تسانده كما أن شمعون ليفي كما يقال، تبرم من موقف الحزب عقب فشله في الانتخابات التشريعية بدائرة أكادير، لأنه لم يدافع عنه كما ينبغي.
- بالنسبة لشمعون ليفي، فإنه لم يترشح في تلك الانتخابات بدائرة أكادير، لأن يهوديا آخر كان يدعى شمعون ليفي أيضا، ترشح باسم الاتحاد الدستوري ونجح في الفوز بمقعد بالبرلمان. والحقيقة أن شمعون ليفي وهو المناضل الفذ في صفوف الحزب، كان يفضل، وكان على صواب، أن تكون الجالية اليهودية ممثلة بالبرلمان بوجه تقدمي وديمقراطي. لكن القرار لم يكن بأيدي أحد من المناضلين، لأن الانتخابات أمر مرتبط بموازين الصراع السياسي العام. ومهما كان من أمر، لم يطلب ليفي من المكتب السياسي للحزب أن يتخذ أي موقف في هذه القضية بحسب علمي، ولم تطرح مسألته داخل أي اجتماع لهذه الهيئة، ممن كنت قد حضرتها وقتئذ.
أما في موضوع التهامي الخياري، فقدا دافع الحزب عنه في مواجهته لتلك الحملة التي شنت عليه انطلاقا من تملالت، ولا يمكن لأحد القول عكس ذلك.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
15 - مخاض عسير داخل حزب التقدم والاشتراكية نتج عنه حزب جديد وصراع حول المقرات
أحس الرفاق بالصدمة بسبب خروج التهامي الخياري من الحزب وتأسيسه الجبهة
* بالنسبة لعلاقات حزب التقدم والاشتراكية مع الدولة، هل طرأت تحولات ساهمت في تأجيج الخلافات الداخلية؟
- كان هنالك تغير في جوهر موضوع علاقات الحزب مع الدولة، فقد عرفت الدولة تطورا بدأ فيما سميناه بالمسلسل الديمقراطي، أي منذ 1974 ثم 1975، وكنا نقول بأنه لن يكون مسلسلا سهلا وطيعا وسلسا. لا أبدا، كنا نعرف أن ارتدادات ستحدث خلاله، علاوة على ردود الفعل والانحرافات. وهذا بالطبع ما حصل، لكن رأينا كان يقول بأن المغرب دخل من حيث موازين القوى داخليا وعالميا، مرحلة تاريخية جديدة وتقوت تلك المرحلة مع تطور العالم بأسره.
وعلى سبيل المثال، بعد سقوط جدار برلين، تغيرت المعطيات» الجيو- سياسية»، ولم تبق كما كان عليه الأمر قبل ذلك. وبالتالي، فإن حسابات كلا الطرفين أصبحت تتبدل، إلا أنه من الضروري التشديد على أن لا أحد كان يطعن في العلاقات التي جمعت الحزب مع الدولة، بل إن الجميع كان يعتقد لا سيما بعد المحاولتين الانقلابيتين، بأن وجود علاقات بين القوى الفاعلة في المجتمع، من مؤسسة ملكية وقوى وطنية وتقدمية أمر مفيد، وبأن تمتين هذه العلاقات أمر ضروري في سياق أن نكون وسيلة لتطوير مواقف الدولة وهذا ما حدث. وقد صاحب هذا الموقف تطور موقف الدولة أيضا إلى حد ملحوظ.
وكان يحذونا في هذا التفكير معتقد أساسي بأن الصراع السياسي هو صراع طبقي بالأساس، وأن المصالح المادية للفئات المجتمعية تبقى هاجسا واردا دائما، ولكن في ظروف معينة تتخفف التناقضات الاجتماعية بل يمكن هنا على سبيل المثال، أن نذكر بفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية حين تشكل تحالف واسع شمل مكونات من أقصى اليسار إلى العناصر الديغولوية، ولم يكن أحد يطعن في تلك التركيبة. ومع ذلك، لم يمنع هذا من أن تكون الصراعات بين هذه الأطراف قائمة، وإن كانت خفية أحيانا ومعلنة في أحيان أخرى، إلا أن الرجعية المتجسدة في الحركة المسيحية، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الاشتراكيين الفرنسيين، مما أدى إلى إضرابات 47، وإقصاء الشيوعيين من الحكومة، وكل ذلك في إطار انطلاق الحرب الباردة.
وفي بلادنا، فإن استئناف عملية تحرير الوطن من قبضة الاستعمار والتحول الحاصل في تصرف المؤسسة الملكية، خلق مدا عاما سائرا نحو دمقرطة الحياة الوطنية وأبرز مؤشرات ذلك، الاعتراف بالأحزاب السياسية ومشروعيتها (الاتحاد الاشتراكي وحزبنا)، وإجراء مؤتمرات حزبية بصفة عادية، وإجراء اتصالات بين الأطراف لتتطور الأوضاع يوما بعد يوم على هذا النحو إلى أن وصلت البلاد إلى التناوب التوافقي.
* جرى الحديث عن تخلي حزب التقدم والاشتراكية، في هذا السياق، على النهج الشيوعي؟
- لم نتخلى أبدا مبادئنا، ولم يحدث أن جرى التصريح بذلك يوما. إننا أوفياء لقيمنا وللمبادئ المؤسسة للحزب، ولم نفرط يوما في ذلك، وخصومنا وحدهم من يرون عكس ذلك، ومعهم في ذلك بعض الأطراف المتطرفة، وهي نفسها من كانت تعتقد ذلك منذ السبعينات. ومع ذلك، فإن الحزب لم يتخلى يوما عن التحليل العلمي لأوضاع المجتمع، ولا عن ضرورة الدفاع عن مصالح الكادحين والمستضعفين، ولا عن ضرورة الإقدام على تغييرات، نأمل أن تكون جذرية، إلا أننا في الوقت نفسه، واقعيون وليس لدينا حلم بأن تلك التغييرات ستهب فقط لأننا نرغب في ذلك، بل لا يهب التغيير إلا إذا كانت لدينا المقدرة على تنظيم الجماهير المحتاجة إلى هذا التغيير كما أن التغيير المنشود لن يحصل بين عشية وضحاها ولن يهب بالصورة التي نرغب فيها، سوى إذا كانت موازين القوى لصالحنا. وهنا يجب القول بأننا لسنا الوحيدين في الساحة، إلا أنه من المحبذ لو تشكلت تشكيل جبهة واسعة لليساريين والديمقراطيين.
* في تلك الفترة أيضا، كان التهامي الخياري يعد لتنحية علي يعته من الحزب
- بالفعل كانت للتهامي الخياري مواقف معارضة بشدة لعلي يعته، وقد نعته بالستاليني وبأوصاف أخرى غير مقبولة، لكن يبدو أن هذا الأمر كان من دون شك، انعكاسا لطموح مشروع في الوصول إلى القمة، كما كان نتيجة لعدم تقدير متبادل بين الطرفين، رغم أن العلاقات بينهما كانت تظهر وكأنها صافية.
* ألم يظهر لكم أن التوجه الذي قاده الخياري خلال المؤتمر الخامس يمكن أن يؤدي إلى انشقاق؟
- كلا، لم يظهر لنا بشكل جلي سوى بعد المؤتمر الخامس، أما خلال المؤتمر، فإنه لم تظهر لنا بوادر القيام بعمل كهذا في الأفق، باستثناء ما يمكن أن نسميه بـ»الكعية» التي نتجت عن محاولة تنحية شمعون ليفي، كمناضل صلب وكفء، إلا أن هذا الأمر لم يقع، إذ حصل تداركه سريعا من قبل الرفاق. إذن ما حدث في المؤتمر الخامس، لم يكن ليمنع التوافق الحاصل حول التوجهات العامة للحزب وخطته وضرورة تجديد الحزب والتخلي عن عدد من المفاهيم التي سادت عمل الحزب منذ وقت طويل.
ويجب التذكير في هذا الصدد، بأن الجهة التي لم تكن صف الخياري، كانت تتألف من عدد من المجددين، مثل ندير يعته، ما يبين أن الأوضاع لم تكن بذلك القدر البسيط في التحليل والتمييز بين جهتين متنافرتين في الأفكار.
* ومساهمتك في جريدة المنعطف لم تكن في اتجاه دعم هذا الطرف دون الآخر.
- كلا، كانت مساهمتي في جريدة المنعطف مثل مساهمات عدد من الرفاق الآخرين تنطوي على فكرة أن عمل الجريدة سيعود بالنفع على الحزب وعلى أفكار اليسار أيضا.
* ثم وقع الانشقاق.
- نعم، ذهب جزء من الرفاق لتأسيس حزب جبهة القوى الديمقراطية بقيادة التهامي الخياري.
* وكيف تعاملتم في حزب التقدم والاشتراكية مع هذا الموضوع؟
- كان الإحساس بالصدمة موجودا لدى عدد من الرفاق ممن كانت تربطهم علاقة صداقة مع عناصر من الطرف الآخر، إلا أن أثرا عكسيا وقع حينما قرر عدد من الرفاق الذين كانوا ميالين إلى الابتعاد عن التنظيم، العودة إلى صفوف التقدم والاشتراكية بقوة، فيما ظهر لعدد آخر ممن كانوا ضمن الخارجين من الحزب، بان موقفهم لم يكن صحيحا، فعادوا إلى دارهم الأصل.
بالطبع، حصلت بعض النزاعات المادية حول المقرات على سبيل المثال، أبرزها مقر اكدال الذي استولت عليه الجبهة، ومقر زنقة آسفي الذي أصبح مقر يحتضن المؤسسة الناشرة لصحيفة المنعطف (ستصبح ناطقة باسم حزب جبهة القوى الديمقراطية) وقد كانت هذه النزاعات وإن كانت في رأيي أقل من أن توضع في الاعتبار، بمثابة جرح مس عدد من الرفاق.
* بالنسبة لعلاقات حزب التقدم والاشتراكية مع الدولة، هل طرأت تحولات ساهمت في تأجيج الخلافات الداخلية؟
- كان هنالك تغير في جوهر موضوع علاقات الحزب مع الدولة، فقد عرفت الدولة تطورا بدأ فيما سميناه بالمسلسل الديمقراطي، أي منذ 1974 ثم 1975، وكنا نقول بأنه لن يكون مسلسلا سهلا وطيعا وسلسا. لا أبدا، كنا نعرف أن ارتدادات ستحدث خلاله، علاوة على ردود الفعل والانحرافات. وهذا بالطبع ما حصل، لكن رأينا كان يقول بأن المغرب دخل من حيث موازين القوى داخليا وعالميا، مرحلة تاريخية جديدة وتقوت تلك المرحلة مع تطور العالم بأسره.
وعلى سبيل المثال، بعد سقوط جدار برلين، تغيرت المعطيات» الجيو- سياسية»، ولم تبق كما كان عليه الأمر قبل ذلك. وبالتالي، فإن حسابات كلا الطرفين أصبحت تتبدل، إلا أنه من الضروري التشديد على أن لا أحد كان يطعن في العلاقات التي جمعت الحزب مع الدولة، بل إن الجميع كان يعتقد لا سيما بعد المحاولتين الانقلابيتين، بأن وجود علاقات بين القوى الفاعلة في المجتمع، من مؤسسة ملكية وقوى وطنية وتقدمية أمر مفيد، وبأن تمتين هذه العلاقات أمر ضروري في سياق أن نكون وسيلة لتطوير مواقف الدولة وهذا ما حدث. وقد صاحب هذا الموقف تطور موقف الدولة أيضا إلى حد ملحوظ.
وكان يحذونا في هذا التفكير معتقد أساسي بأن الصراع السياسي هو صراع طبقي بالأساس، وأن المصالح المادية للفئات المجتمعية تبقى هاجسا واردا دائما، ولكن في ظروف معينة تتخفف التناقضات الاجتماعية بل يمكن هنا على سبيل المثال، أن نذكر بفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية حين تشكل تحالف واسع شمل مكونات من أقصى اليسار إلى العناصر الديغولوية، ولم يكن أحد يطعن في تلك التركيبة. ومع ذلك، لم يمنع هذا من أن تكون الصراعات بين هذه الأطراف قائمة، وإن كانت خفية أحيانا ومعلنة في أحيان أخرى، إلا أن الرجعية المتجسدة في الحركة المسيحية، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الاشتراكيين الفرنسيين، مما أدى إلى إضرابات 47، وإقصاء الشيوعيين من الحكومة، وكل ذلك في إطار انطلاق الحرب الباردة.
وفي بلادنا، فإن استئناف عملية تحرير الوطن من قبضة الاستعمار والتحول الحاصل في تصرف المؤسسة الملكية، خلق مدا عاما سائرا نحو دمقرطة الحياة الوطنية وأبرز مؤشرات ذلك، الاعتراف بالأحزاب السياسية ومشروعيتها (الاتحاد الاشتراكي وحزبنا)، وإجراء مؤتمرات حزبية بصفة عادية، وإجراء اتصالات بين الأطراف لتتطور الأوضاع يوما بعد يوم على هذا النحو إلى أن وصلت البلاد إلى التناوب التوافقي.
* جرى الحديث عن تخلي حزب التقدم والاشتراكية، في هذا السياق، على النهج الشيوعي؟
- لم نتخلى أبدا مبادئنا، ولم يحدث أن جرى التصريح بذلك يوما. إننا أوفياء لقيمنا وللمبادئ المؤسسة للحزب، ولم نفرط يوما في ذلك، وخصومنا وحدهم من يرون عكس ذلك، ومعهم في ذلك بعض الأطراف المتطرفة، وهي نفسها من كانت تعتقد ذلك منذ السبعينات. ومع ذلك، فإن الحزب لم يتخلى يوما عن التحليل العلمي لأوضاع المجتمع، ولا عن ضرورة الدفاع عن مصالح الكادحين والمستضعفين، ولا عن ضرورة الإقدام على تغييرات، نأمل أن تكون جذرية، إلا أننا في الوقت نفسه، واقعيون وليس لدينا حلم بأن تلك التغييرات ستهب فقط لأننا نرغب في ذلك، بل لا يهب التغيير إلا إذا كانت لدينا المقدرة على تنظيم الجماهير المحتاجة إلى هذا التغيير كما أن التغيير المنشود لن يحصل بين عشية وضحاها ولن يهب بالصورة التي نرغب فيها، سوى إذا كانت موازين القوى لصالحنا. وهنا يجب القول بأننا لسنا الوحيدين في الساحة، إلا أنه من المحبذ لو تشكلت تشكيل جبهة واسعة لليساريين والديمقراطيين.
* في تلك الفترة أيضا، كان التهامي الخياري يعد لتنحية علي يعته من الحزب
- بالفعل كانت للتهامي الخياري مواقف معارضة بشدة لعلي يعته، وقد نعته بالستاليني وبأوصاف أخرى غير مقبولة، لكن يبدو أن هذا الأمر كان من دون شك، انعكاسا لطموح مشروع في الوصول إلى القمة، كما كان نتيجة لعدم تقدير متبادل بين الطرفين، رغم أن العلاقات بينهما كانت تظهر وكأنها صافية.
* ألم يظهر لكم أن التوجه الذي قاده الخياري خلال المؤتمر الخامس يمكن أن يؤدي إلى انشقاق؟
- كلا، لم يظهر لنا بشكل جلي سوى بعد المؤتمر الخامس، أما خلال المؤتمر، فإنه لم تظهر لنا بوادر القيام بعمل كهذا في الأفق، باستثناء ما يمكن أن نسميه بـ»الكعية» التي نتجت عن محاولة تنحية شمعون ليفي، كمناضل صلب وكفء، إلا أن هذا الأمر لم يقع، إذ حصل تداركه سريعا من قبل الرفاق. إذن ما حدث في المؤتمر الخامس، لم يكن ليمنع التوافق الحاصل حول التوجهات العامة للحزب وخطته وضرورة تجديد الحزب والتخلي عن عدد من المفاهيم التي سادت عمل الحزب منذ وقت طويل.
ويجب التذكير في هذا الصدد، بأن الجهة التي لم تكن صف الخياري، كانت تتألف من عدد من المجددين، مثل ندير يعته، ما يبين أن الأوضاع لم تكن بذلك القدر البسيط في التحليل والتمييز بين جهتين متنافرتين في الأفكار.
* ومساهمتك في جريدة المنعطف لم تكن في اتجاه دعم هذا الطرف دون الآخر.
- كلا، كانت مساهمتي في جريدة المنعطف مثل مساهمات عدد من الرفاق الآخرين تنطوي على فكرة أن عمل الجريدة سيعود بالنفع على الحزب وعلى أفكار اليسار أيضا.
* ثم وقع الانشقاق.
- نعم، ذهب جزء من الرفاق لتأسيس حزب جبهة القوى الديمقراطية بقيادة التهامي الخياري.
* وكيف تعاملتم في حزب التقدم والاشتراكية مع هذا الموضوع؟
- كان الإحساس بالصدمة موجودا لدى عدد من الرفاق ممن كانت تربطهم علاقة صداقة مع عناصر من الطرف الآخر، إلا أن أثرا عكسيا وقع حينما قرر عدد من الرفاق الذين كانوا ميالين إلى الابتعاد عن التنظيم، العودة إلى صفوف التقدم والاشتراكية بقوة، فيما ظهر لعدد آخر ممن كانوا ضمن الخارجين من الحزب، بان موقفهم لم يكن صحيحا، فعادوا إلى دارهم الأصل.
بالطبع، حصلت بعض النزاعات المادية حول المقرات على سبيل المثال، أبرزها مقر اكدال الذي استولت عليه الجبهة، ومقر زنقة آسفي الذي أصبح مقر يحتضن المؤسسة الناشرة لصحيفة المنعطف (ستصبح ناطقة باسم حزب جبهة القوى الديمقراطية) وقد كانت هذه النزاعات وإن كانت في رأيي أقل من أن توضع في الاعتبار، بمثابة جرح مس عدد من الرفاق.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
16 - بقيت علاقته مع الخياري عادية بعد الانشقاق في وقت قاطعه الكثير من الرفاق
لم أر ضرورة في التشكيك بظروف موت علي يعته رغم أن الرفاق انتابتهم موجة من الوساوس
* كان التهامي الخياري يحضر للانشقاق عبر جولات بجهات المملكة لحشد دعم فروع الحزب، كيف تعاملتم مع هذا الموضوع؟
- كان العديد من الرفاق وهم يتتبعون تحركات التهامي الخياري، يقومون بتحركات موازية لتوضيح الأمور، إلا أن جسم الحزب كان سليما على العموم، وبالتالي، كانت ردود فعل الفروع تلقائية نحو تحركات الانفصاليين.
* كان المنشقون حينئذ يوجهون نقدهم بشكل رئيسي إلى على يعته.
- نعم، فقد روج لشائعات كثيرة حول علي يعته في تلك الحملة، ولكن لم يتمكن هؤلاء من بلوغ هدفهم كما كانوا يريدون.
* وصلت الخصومة بين الخياري وبعض الرفاق إلى حد القطيعة، ولا تزال سارية المفعول لحدود اليوم.
- بالفعل، حدثت قطيعة، إلا أن هناك ملمحا يجب إبرازه في هذا الصدد؛ إذ بعد وفاة على يعته، حضر عدد من أولئك الرفاق المنشقين لجنازة الأمين العام ومراسيم تأبينه، وهذا معطى ثقافي يكشف أن الطبائع المغربية غلبت في هذا الشأن، ولا يمكن على أي حال، أن يطوي أحد صفحات من عقود من النضال المشترك والصداقة والعلاقات الحميمية التي كانت تجمع بين الرفاق من الحزب والرفاق الآخرين.
* وهل شكل خروج الخياري صدمة بالنسبة لكم؟
- كلا
* وكيف أصبحت علاقاتكم مع الخياري بعد الانشقاق، سيما أنه كانت تجمعكم به علاقات وطيدة؟
- بقيت علاقاتي مع التهامي الخياري بعد خروجه وتأسيسه لحزب جبهة القوى الديمقراطية علاقات عادية، ولم يكن هنالك شجار أو سب أو ما شابه، فقد نأيت بنفسي عن مثل هذه التفاهات، ومن دون شك أن نفس السلوك وجد عند التهامي الخياري.
* خلال شهور بعد المؤتمر، حلت وفاة على يعته، كيف تلقيت الخبر؟
- تلقيت الخبر من رفيق بجريدة البيان، في اليوم نفسه، لكن الخبر في بدايته كان أن على شكل أن «حادثة سير تعرض لها علي يعته»، وبالتالي، لم أكن أعتقد أن الموضوع قد يكون خطيرا لدرجة ما سيحدث فيما بعد، فقد كان ظني أن الحادث بسيط، يكفيه وقت بسيط في المستشفى ليعود يعته إلى مزاولة مهامه. بعدها، توضحت الأمور أكثر بالنسبة لي ولجميع الرفاق سيما أن سي علي تلقى جرحا خطيرا على مستوى رأسه، ودخل في غيبوبة «أبدية».
بالطبع، كانت ملابسات الحادث في حد ذاته تثير بعض الأسئلة، إذ قيل لنا أن المتسببين في الحادثة مجموعة من السكارى كان يقودهم سائق مخمور، فدهسوا يعته بمجرد خروجه من مقر صحيفة البيان وفتحه لباب سيارته. وقد دار كلام كثير حول ملابسات الحادث، إلا أن البحث الذي أجري عقب الحادث، أثبت أن الأمر يتعلق بحادثة سير.
* بعد الحادثة تدوولت روايات متعددة تثير الشك في ملابساتها، ماذا كان اعتقادك حينئذ؟
- من الصعب على المرء أن يقدم جوابا فاصلا في هذه القضية، بالطبع شهد الموضوع ردود فعل من كل شخص كشخص، ناتجة عن نوع من» البارانويا» مبنية بالأساس، على رواسب تاريخ من الاضطهاد ضد الحزب ورموزه، إلا أن المرء يجب أن يسمو عن مثل تلك النوازع وأن يقبل بالأمر الواقع كما هو، مثلما حصل مع ندير يعته وعزيز بلال. لا يجب أن نعتقد كل مرة يحدث فيها مثل هذا الشيء، أن يدا خفية دبرت الموضوع، لا ينبغي أن نسقط في هذا الفخ، ثم إن أبحاثا جرت في القضية وخرجت بخلاصات ونتائج لا أرى سببا في التشكيك فيها على كل حال.
* بعد المؤتمر الخامس إلى غاية وفاة على يعته كانت مفاوضات تشكيل ما سمي بـ»التناوب التوافقي جارية؟
- بالطبع، غير إنه من الواجب التذكير بأن علي يعته كان يعيش خلال تلك الفترة، أزمة شخصية، مع حادثة ندير ثم مرضه ووفاته، فقد عاش ظروفا صعبة جدا.
لقد كان لافتا قدرته على قيادة الحزب والانكباب على مهامه البرلمانية والإعلامية في تلك الظروف، بحيث إنه لم يُظهر أي ضعف للآخرين مما جرى لمحيطه القريب، على تلك الواجهات رغم أن جرحه كان عميقا.
* كان التهامي الخياري يحضر لتلك المباحثات بعد المؤتمر الخامس؟
- نعم، كان الخياري يحضر معنا لغاية خروجه من الحزب، إلى جانب كل من على يعته وعمر الفاسي وأنا، وكنا الرباعي الذي يمثل حزب التقدم والاشتراكية في تلك المفاوضات.
* والى أي حد وصلت المفاوضات لغاية وفاة على يعته؟
- بالنسبة إلى المفاوضات مع الملك، فقد كانت وصلت إلى مستوى متقدم، أدت إلى دستور 1996، كما جرى الحديث عن ذلك سلفا، ولكن على يعته هو من كان يتكفل بالتفاصيل الدقيقة حول مضامين هذه المباحثات، أما في المباحثات الموازية التي كانت تجري داخل الكتلة الديمقراطية، فقد كنا نجتمع حينئذ، بشكل مستمر ودؤوب في مقري حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفي بعض الأحيان بمقر حزب التقدم والاشتراكية أو بمقر حزب منظمة العمل الديمقراطي، وكان النقاش يتقدم خطوة خطوة.
* بعد وفاة على يعته، ستُستكمل طريق المفاوضات، لكني أود معرفة كيف تمكن الحزب من تجاوز صدمة وفاة قائده لترتيب أموره الداخلية ثم الشروع في استكمال تلك المفاوضات.
- كانت لدينا الوثائق التي صادق عليها المؤتمر الوطني الخامس، وبالتالي فقد استتبعنا طريقنا بالخط المرسوم سلفا في ذلك المؤتمر. لم تكن هنالك أي مشكلة؛ إذ إن وثائق الحزب حددت علاقاتنا الخارجية مع الحلفاء كما نظمت شؤوننا الداخلية، كما حددت علاقتنا مع خصومنا. كان كل شيء واضح، ولم يحتج الأمر أكثر من تفعيل تلك الوثائق.
* لكن كان التحدي المطروح أمامكم هو «القائد» الجديد..
- في حزب التقدم والاشتراكية، لم يكن لدينا قائد بالمعنى المعروف عن هذه التسمية، كان لدينا رمز بالفعل، لكن قيادة الحزب كانت وقتئذ جماعية، وما زالت جماعية، ولم يكن لدينا قائد واحد بشكل مفرد، وهذا الأمر جعل الوضع بعد وفاة يعته، يسير بشكل سلس، إذ اجتمعت اللجنة المركزية بعد نهاية مراسيم الدفن والتأبين، وحصل الاتفاق علي أنا كي أتحمل مسؤولية الأمانة العامة.
* ألم يظهر أن هنالك رفاق آخرين يرغبون في تولي الأمانة العامة حينئذ؟
- لم يظهر لي وجود أي رفيق أخر يرغب في هذا، فقد كانت الأمور سلسة من هذه الناحية.
* ثم استكملت بطبيعة الحال، المفاوضات التي أدت إلى تولي عبد الرحمان اليوسفي قيادة حكومة التناوب، وقيل في ذلك الوقت أن الراحل سي علي، كان قد لعب دورا مهما في ترتيب أجواء عودته إلى المغرب؟
- لا أستطيع الإدلاء بتوضيحات بهذا الصدد، إذ ليست لدي معلومات حول العلاقات التي كانت تجمع سي علي باليوسفي.
* كانت أولى المهام الملقاة على عاتقك كأمين عام هذه المرة، هي استكمال المفاوضات حول تشكيل حكومة التناوب.
- نعم، كانت مهمة كبيرة تلك. لقد كان علي أن أتابع المشوار بأن استكمل المفاوضات التي كانت جارية بيننا وبين الحكم ثم وضع اللمسات النهائية على تفاصيل مشاركتنا في حكومة التناوب التوافقي. وهنا لا بد أن أشير إلى أن آراءنا المعبر عنها في المفاوضات مع حلفائنا لم تكن تتحكم فيها مسالة «العدد»، إذ كنا نعتقد أن وجودنا في الحكومة كتلك، له دلالة بالنسبة إلى التاريخ العام للبلاد ومستقبلها أيضا، كما له دلالة بالنسبة للحزب وتاريخه، وكذلك بالنسبة لمصلحة المستضعفين والكادحين.
وبالتالي لم نطرح أي شرط في هذا الموضوع، ولنزيد تأكيد هذا الانغماس المعنوي، ألح الرفاق في الديوان السياسي مع استثناء واحد، على أن يكون الأمين العام موجودا في الحكومة، وبهذا الطريقة، أصبحت عضوا في حكومة التناوب التوافقي.
* كان التهامي الخياري يحضر للانشقاق عبر جولات بجهات المملكة لحشد دعم فروع الحزب، كيف تعاملتم مع هذا الموضوع؟
- كان العديد من الرفاق وهم يتتبعون تحركات التهامي الخياري، يقومون بتحركات موازية لتوضيح الأمور، إلا أن جسم الحزب كان سليما على العموم، وبالتالي، كانت ردود فعل الفروع تلقائية نحو تحركات الانفصاليين.
* كان المنشقون حينئذ يوجهون نقدهم بشكل رئيسي إلى على يعته.
- نعم، فقد روج لشائعات كثيرة حول علي يعته في تلك الحملة، ولكن لم يتمكن هؤلاء من بلوغ هدفهم كما كانوا يريدون.
* وصلت الخصومة بين الخياري وبعض الرفاق إلى حد القطيعة، ولا تزال سارية المفعول لحدود اليوم.
- بالفعل، حدثت قطيعة، إلا أن هناك ملمحا يجب إبرازه في هذا الصدد؛ إذ بعد وفاة على يعته، حضر عدد من أولئك الرفاق المنشقين لجنازة الأمين العام ومراسيم تأبينه، وهذا معطى ثقافي يكشف أن الطبائع المغربية غلبت في هذا الشأن، ولا يمكن على أي حال، أن يطوي أحد صفحات من عقود من النضال المشترك والصداقة والعلاقات الحميمية التي كانت تجمع بين الرفاق من الحزب والرفاق الآخرين.
* وهل شكل خروج الخياري صدمة بالنسبة لكم؟
- كلا
* وكيف أصبحت علاقاتكم مع الخياري بعد الانشقاق، سيما أنه كانت تجمعكم به علاقات وطيدة؟
- بقيت علاقاتي مع التهامي الخياري بعد خروجه وتأسيسه لحزب جبهة القوى الديمقراطية علاقات عادية، ولم يكن هنالك شجار أو سب أو ما شابه، فقد نأيت بنفسي عن مثل هذه التفاهات، ومن دون شك أن نفس السلوك وجد عند التهامي الخياري.
* خلال شهور بعد المؤتمر، حلت وفاة على يعته، كيف تلقيت الخبر؟
- تلقيت الخبر من رفيق بجريدة البيان، في اليوم نفسه، لكن الخبر في بدايته كان أن على شكل أن «حادثة سير تعرض لها علي يعته»، وبالتالي، لم أكن أعتقد أن الموضوع قد يكون خطيرا لدرجة ما سيحدث فيما بعد، فقد كان ظني أن الحادث بسيط، يكفيه وقت بسيط في المستشفى ليعود يعته إلى مزاولة مهامه. بعدها، توضحت الأمور أكثر بالنسبة لي ولجميع الرفاق سيما أن سي علي تلقى جرحا خطيرا على مستوى رأسه، ودخل في غيبوبة «أبدية».
بالطبع، كانت ملابسات الحادث في حد ذاته تثير بعض الأسئلة، إذ قيل لنا أن المتسببين في الحادثة مجموعة من السكارى كان يقودهم سائق مخمور، فدهسوا يعته بمجرد خروجه من مقر صحيفة البيان وفتحه لباب سيارته. وقد دار كلام كثير حول ملابسات الحادث، إلا أن البحث الذي أجري عقب الحادث، أثبت أن الأمر يتعلق بحادثة سير.
* بعد الحادثة تدوولت روايات متعددة تثير الشك في ملابساتها، ماذا كان اعتقادك حينئذ؟
- من الصعب على المرء أن يقدم جوابا فاصلا في هذه القضية، بالطبع شهد الموضوع ردود فعل من كل شخص كشخص، ناتجة عن نوع من» البارانويا» مبنية بالأساس، على رواسب تاريخ من الاضطهاد ضد الحزب ورموزه، إلا أن المرء يجب أن يسمو عن مثل تلك النوازع وأن يقبل بالأمر الواقع كما هو، مثلما حصل مع ندير يعته وعزيز بلال. لا يجب أن نعتقد كل مرة يحدث فيها مثل هذا الشيء، أن يدا خفية دبرت الموضوع، لا ينبغي أن نسقط في هذا الفخ، ثم إن أبحاثا جرت في القضية وخرجت بخلاصات ونتائج لا أرى سببا في التشكيك فيها على كل حال.
* بعد المؤتمر الخامس إلى غاية وفاة على يعته كانت مفاوضات تشكيل ما سمي بـ»التناوب التوافقي جارية؟
- بالطبع، غير إنه من الواجب التذكير بأن علي يعته كان يعيش خلال تلك الفترة، أزمة شخصية، مع حادثة ندير ثم مرضه ووفاته، فقد عاش ظروفا صعبة جدا.
لقد كان لافتا قدرته على قيادة الحزب والانكباب على مهامه البرلمانية والإعلامية في تلك الظروف، بحيث إنه لم يُظهر أي ضعف للآخرين مما جرى لمحيطه القريب، على تلك الواجهات رغم أن جرحه كان عميقا.
* كان التهامي الخياري يحضر لتلك المباحثات بعد المؤتمر الخامس؟
- نعم، كان الخياري يحضر معنا لغاية خروجه من الحزب، إلى جانب كل من على يعته وعمر الفاسي وأنا، وكنا الرباعي الذي يمثل حزب التقدم والاشتراكية في تلك المفاوضات.
* والى أي حد وصلت المفاوضات لغاية وفاة على يعته؟
- بالنسبة إلى المفاوضات مع الملك، فقد كانت وصلت إلى مستوى متقدم، أدت إلى دستور 1996، كما جرى الحديث عن ذلك سلفا، ولكن على يعته هو من كان يتكفل بالتفاصيل الدقيقة حول مضامين هذه المباحثات، أما في المباحثات الموازية التي كانت تجري داخل الكتلة الديمقراطية، فقد كنا نجتمع حينئذ، بشكل مستمر ودؤوب في مقري حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفي بعض الأحيان بمقر حزب التقدم والاشتراكية أو بمقر حزب منظمة العمل الديمقراطي، وكان النقاش يتقدم خطوة خطوة.
* بعد وفاة على يعته، ستُستكمل طريق المفاوضات، لكني أود معرفة كيف تمكن الحزب من تجاوز صدمة وفاة قائده لترتيب أموره الداخلية ثم الشروع في استكمال تلك المفاوضات.
- كانت لدينا الوثائق التي صادق عليها المؤتمر الوطني الخامس، وبالتالي فقد استتبعنا طريقنا بالخط المرسوم سلفا في ذلك المؤتمر. لم تكن هنالك أي مشكلة؛ إذ إن وثائق الحزب حددت علاقاتنا الخارجية مع الحلفاء كما نظمت شؤوننا الداخلية، كما حددت علاقتنا مع خصومنا. كان كل شيء واضح، ولم يحتج الأمر أكثر من تفعيل تلك الوثائق.
* لكن كان التحدي المطروح أمامكم هو «القائد» الجديد..
- في حزب التقدم والاشتراكية، لم يكن لدينا قائد بالمعنى المعروف عن هذه التسمية، كان لدينا رمز بالفعل، لكن قيادة الحزب كانت وقتئذ جماعية، وما زالت جماعية، ولم يكن لدينا قائد واحد بشكل مفرد، وهذا الأمر جعل الوضع بعد وفاة يعته، يسير بشكل سلس، إذ اجتمعت اللجنة المركزية بعد نهاية مراسيم الدفن والتأبين، وحصل الاتفاق علي أنا كي أتحمل مسؤولية الأمانة العامة.
* ألم يظهر أن هنالك رفاق آخرين يرغبون في تولي الأمانة العامة حينئذ؟
- لم يظهر لي وجود أي رفيق أخر يرغب في هذا، فقد كانت الأمور سلسة من هذه الناحية.
* ثم استكملت بطبيعة الحال، المفاوضات التي أدت إلى تولي عبد الرحمان اليوسفي قيادة حكومة التناوب، وقيل في ذلك الوقت أن الراحل سي علي، كان قد لعب دورا مهما في ترتيب أجواء عودته إلى المغرب؟
- لا أستطيع الإدلاء بتوضيحات بهذا الصدد، إذ ليست لدي معلومات حول العلاقات التي كانت تجمع سي علي باليوسفي.
* كانت أولى المهام الملقاة على عاتقك كأمين عام هذه المرة، هي استكمال المفاوضات حول تشكيل حكومة التناوب.
- نعم، كانت مهمة كبيرة تلك. لقد كان علي أن أتابع المشوار بأن استكمل المفاوضات التي كانت جارية بيننا وبين الحكم ثم وضع اللمسات النهائية على تفاصيل مشاركتنا في حكومة التناوب التوافقي. وهنا لا بد أن أشير إلى أن آراءنا المعبر عنها في المفاوضات مع حلفائنا لم تكن تتحكم فيها مسالة «العدد»، إذ كنا نعتقد أن وجودنا في الحكومة كتلك، له دلالة بالنسبة إلى التاريخ العام للبلاد ومستقبلها أيضا، كما له دلالة بالنسبة للحزب وتاريخه، وكذلك بالنسبة لمصلحة المستضعفين والكادحين.
وبالتالي لم نطرح أي شرط في هذا الموضوع، ولنزيد تأكيد هذا الانغماس المعنوي، ألح الرفاق في الديوان السياسي مع استثناء واحد، على أن يكون الأمين العام موجودا في الحكومة، وبهذا الطريقة، أصبحت عضوا في حكومة التناوب التوافقي.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
17 - بعد تجربة السجن يلتقي العلوي بإدريس البصري في حكومة التناوب دون أن ينفر منه
الحسن الثاني ساندني كوزير ضد وزارة المالية في حكومة التناوب
* ماذا كان العرض الأول المقدم لحزب التقدم والاشتراكية لتشكيل حكومة التناوب؟
- لم يكن هنالك عرض، بل كانت الصيغة على النحو التالي: كل حزب يقدم قائمة بالقطاعات المفضلة لديه من أجل أن يتحمل مسؤولية تدبيرها، وبالتالي كان الأمر بمثابة سلة اختيارات تمنح كل حزب الحرية في اختيار ما يناسبه، وليس عرضا جاهزا من لدن الوزير الأول.
وكان رأينا حينئذ، أن من الملائم أن نحوز وزارة إعداد التراب الوطني، كما كانت القطاعات ذات الجانب الاجتماعي تهمنا، إلا أن الأمر لم يكن يشبه أي «ابتزاز» من قبيل إما أن تمنح لنا هذه الوزارات وإما لن نكون موجودين في الحكومة. كلا، لقد كانت أهدافنا تسمو على مثل هذه الرغبات أو النزعات النرجسية.
* تقلدت وزارة التربية الوطنية حينئذ
- نعم، من حيث الشكل كانت الحقيبة الوزارية، بحسب التسمية، تشمل التربية الوطنية، إلا أنه من الناحية العملية، حصرت مسؤولياتي في التعليم الابتدائي والإعدادي، إذ كان هنالك وزير منتدب مكلف بالتعليم الثانوي، وهو عبد الله ساعف عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وبالنظر إلى العلاقات التي كانت تربطني به على المستوى الشخصي والاحترام المتبادل بيننا، وحفاظا على الانسجام الحكومي وضمان التناسق في عمل مكونات الحكومة، لم أجد نفسي يوما مضطرا لأن أضع أي صعوبات أو عراقيل في طريقة تدبيره لقطاع التعليم الثانوي.
أما بالنسبة لقطاع التعليم العالي، فقد كان مستقلا عن قطاع التربية الوطنية قبل حكومة التناوب، وتحمل حزب التجمع الوطني للأحرار تلك الحقيبة وقتئذ في شخص الدكتور الزروالي. وبخصوص قطاع البحث العملي، فقد تحملنا مسؤولية تدبيره أيضا في شخص الرفيق عمر الفاسي. إذن، ما تحملت مسؤوليته لم يكن سوى التعليم الابتدائي والثانوي فقط.
* في حكومة التناوب، انتفى شرط عدم استوزار إدريس البصري بالنسبة إلى الاستقلاليين؟
- نعم، قبل حزب الاستقلال بوجود إدريس البصري في نهاية المطاف.
* بعد أزيد من ثلاثين سنة، تجدد لقاؤك بالبصري وهذه المرة كوزيرين في حكومة واحدة، كيف كانت علاقتك به إلى غاية عزله؟
- تعرفت على إدريس البصري في 1966، لما كان طالبا في كلية الحقوق، وكان يدرس بجانب شقيقي مولاي الطيب العلوي، وكانا يحضران إلى منزلنا برفقة حسن البقالي (أصبح مفتشا في المالية فيما بعد) لمراجعة الدروس، ثم التقيت به لمرة ثانية كما ذكرت سابقا، لما ألقي القبض علي عقب مؤتمر موسكو في 1969، وحقق معي بطريقة لا تخلو من احترام. وبعد ذلك، أصبح البصري صهر العائلة بعدما تزوج حفيد خالي، عبد الله حصار، بابنة إدريس البصري، فأصبح إذن، من العائلة.
وبالتالي، لم يكن هناك أي مشكل بيني وبين إدريس البصري، وكنت أنظر إليه كخادم للدولة. ولأن الحكومة كانت حكومة توافق، فقد كان البصري يمثل الجهة الأخرى من الأطراف المتوافقة، ولم يكن لدي أي سبب للنفور منه بتاتا.
ثم لا بد أن أقول أمرا للتاريخ، فإدريس البصري لما كان مكلفا بالإشراف على أجهزة القمع، وبالطبع ليس كلها، أسدى خدمات مهمة إلى الحركة التقدمية بالمغرب، لا على مستوى الإعلام و لا على مستوى الحريات، وكان يحاول دائما أن يبقي على ذلك المد الذي ابتدأ في 1975، مستمرا. طبعا كان ينفذ الأوامر، لكنه كان يقدر على تكييف بعض الأوضاع والظروف لصالح التقدميين .
* وكيف كنتم تشتغلون داخل حكومة توافقية؟
- في القطاع الذي كنت أدبره في الحكومة، أي التعليم الابتدائي والاعدادي، لم يحصل في يوم من الأيام أن انفلتت الأمور من يدي، في حين أنه في تلك الفترة بالذات، كانت قد تأسست لجنة للتفكير في التعليم، وترأسها سي عبد العزيز مزيان بلفقيه، فكان هنالك انسجام بيننا وبينه، ونتبادل المعطيات المتوفرة، كما كان يأخذ برأينا في بعض المواضيع ويستشيرنا في عدد من الموضوعات، ولم يحدث أن تدخل في شؤون وزارتي.
* وكيف كانت تمر الأمور في المجالس الوزارية؟
- كانت مجالس الوزراء بمثابة تتويج لمناقشات طويلة داخل الحكومة، ومن التحضير للنصوص. وكان الحسن الثاني كما هو منصوص عليه في الدستور هو يترأس المجالس الوزارية، وكانت طريقته تتسم بكثير من اللباقة في تدبير الأمور، ثم أحيانا كان يفصل في بعض القضايا، أو يطلب من الحكومة أن تعيد النظر أو تعمق التفكير في بعض النصوص.
بالنسبة لي، كنا قد أجرينا دراسة على مستوى الوزارة، بخصوص تعميم التمدرس، وخرجنا بخلاصة مفادها أننا إذا كنا نريد تعميم التعليم وبجودة رفيعة، فعلى الدولة أن تقوم بتوظيفات كبيرة لمدة 3 سنوات أو أربعة، لعشرة آلاف مدرس جديد كل عام.
بالطبع، أفزع هذا العدد وزارة المالية، في وقت كانت تعتقد أن الموارد البشرية في قطاع التعليم المدرس أكثرهم موظفون أشباح، إلا أن بحوثنا كشفت أن هذه العينة من الموظفين داخل الوزارة كانت قليلة. وفي نهاية المطاف، وقعت تجاذبات بيننا وبين وزارة المالية كشفت أن هنالك انفصالا وعدم اتفاق بشأن المقاربات حول هذا الموضوع.
وكانت وزارة المالية ما فتئت تحاول التقليص من عدد المدرسين الجدد، ما جعلني أنفعل يوما في أحد الاجتماعات التحضيرية للميزانية، فنقل أحدهم امتعاضي إلى الملك الحسن الثاني، فاستغل إحدى اجتماعات المجلس الوزاري وقال إن «وزير التربية الوطنية غير راض عن مقترحات الميزانية في قطاع التربية الوطنية، وفي رأيي إنه من الواجب أن نضيف عددا أكبر مما هو مقترح من طرف وزارة المالية، إلى أفواج المدرسين الجدد».
وبالفعل قامت وزارة المالية بالرفع من أعداد المدرسين الجدد، وإن لم يكن بالعدد المأمول من طرفنا، ولكنه وصل إلى 7500 مدرس جديد على وجه التقريب.
* ألم تكن هناك أحزاب مشاركة في الحكومة تتعمد عرقلة عمل وزارتك أو وزارات حزب التقدم والاشتراكية؟
- لم تكن العراقيل الموجهة ضد عملي تأتي من الأحزاب، بقدر ما كانت تأتي مما يمكن أن نسميه «البنية التقنية» داخل الحكومة، من موظفين يفتقدون رؤية سياسية واسعة، جعلتهم قاصرين عن النظر إلى أفق أبعد، ثم إن ضغوطا موضوعية كانت تجبرهم على التصرف على هذا النحو.
وما يمكن قوله أن الصراع بين البنية التقنية والحزب، لم يكن له طابع حزبي، لكن ذلك لا يعني أن هذا الأمر غير موجود، وعلى سبيل المثال، كنا بوزارة التربية الوطنية، تقدمنا بمشروع لإنشاء وكالة وطنية لمحو الأمية، ووضعنا نصب أعيننا أجل خمس سنوات لطي هذا الملف، وكنا نود إطلاق سلة من التحفيزات لصالح رجال ونساء التعليم من أجل التعاون في هذا الموضوع، إذ بدونهم ما سيكتب لمثل هذا المشروع أن ينجح.
لكن مقترحنا رفض من لدن وزارة المالية مرة أخرى، بدعوى أن المغرب يشهد وجود عدد كبير من هذه الوكالات، ولم تنتبه فيما بعد إلى هذا الأمر حين خلقت عدة وكالات ولم يثر أي إشكال بالنسبة لها. والأفظع في الأمر، أن الفكرة كانت محل صراع بين وزارتين: وزارة الشؤون العامة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وخيض جدل طويل بين وزيرين من نفس الهيئة السياسية لأن كل واحد منهما أراد أن يتكفل بالمشروع لوحده ليحسب عليه بالنظر إلى ما يمكن أن يترتب عنه من نتائج سياسية.
في نهاية المطاف، ولاعتبارات سياسوية، أجهض المشروع، وها نحن اليوم نرى أن الشعب المغربي لا تزال تنخره الأمية.
* ماذا كان العرض الأول المقدم لحزب التقدم والاشتراكية لتشكيل حكومة التناوب؟
- لم يكن هنالك عرض، بل كانت الصيغة على النحو التالي: كل حزب يقدم قائمة بالقطاعات المفضلة لديه من أجل أن يتحمل مسؤولية تدبيرها، وبالتالي كان الأمر بمثابة سلة اختيارات تمنح كل حزب الحرية في اختيار ما يناسبه، وليس عرضا جاهزا من لدن الوزير الأول.
وكان رأينا حينئذ، أن من الملائم أن نحوز وزارة إعداد التراب الوطني، كما كانت القطاعات ذات الجانب الاجتماعي تهمنا، إلا أن الأمر لم يكن يشبه أي «ابتزاز» من قبيل إما أن تمنح لنا هذه الوزارات وإما لن نكون موجودين في الحكومة. كلا، لقد كانت أهدافنا تسمو على مثل هذه الرغبات أو النزعات النرجسية.
* تقلدت وزارة التربية الوطنية حينئذ
- نعم، من حيث الشكل كانت الحقيبة الوزارية، بحسب التسمية، تشمل التربية الوطنية، إلا أنه من الناحية العملية، حصرت مسؤولياتي في التعليم الابتدائي والإعدادي، إذ كان هنالك وزير منتدب مكلف بالتعليم الثانوي، وهو عبد الله ساعف عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وبالنظر إلى العلاقات التي كانت تربطني به على المستوى الشخصي والاحترام المتبادل بيننا، وحفاظا على الانسجام الحكومي وضمان التناسق في عمل مكونات الحكومة، لم أجد نفسي يوما مضطرا لأن أضع أي صعوبات أو عراقيل في طريقة تدبيره لقطاع التعليم الثانوي.
أما بالنسبة لقطاع التعليم العالي، فقد كان مستقلا عن قطاع التربية الوطنية قبل حكومة التناوب، وتحمل حزب التجمع الوطني للأحرار تلك الحقيبة وقتئذ في شخص الدكتور الزروالي. وبخصوص قطاع البحث العملي، فقد تحملنا مسؤولية تدبيره أيضا في شخص الرفيق عمر الفاسي. إذن، ما تحملت مسؤوليته لم يكن سوى التعليم الابتدائي والثانوي فقط.
* في حكومة التناوب، انتفى شرط عدم استوزار إدريس البصري بالنسبة إلى الاستقلاليين؟
- نعم، قبل حزب الاستقلال بوجود إدريس البصري في نهاية المطاف.
* بعد أزيد من ثلاثين سنة، تجدد لقاؤك بالبصري وهذه المرة كوزيرين في حكومة واحدة، كيف كانت علاقتك به إلى غاية عزله؟
- تعرفت على إدريس البصري في 1966، لما كان طالبا في كلية الحقوق، وكان يدرس بجانب شقيقي مولاي الطيب العلوي، وكانا يحضران إلى منزلنا برفقة حسن البقالي (أصبح مفتشا في المالية فيما بعد) لمراجعة الدروس، ثم التقيت به لمرة ثانية كما ذكرت سابقا، لما ألقي القبض علي عقب مؤتمر موسكو في 1969، وحقق معي بطريقة لا تخلو من احترام. وبعد ذلك، أصبح البصري صهر العائلة بعدما تزوج حفيد خالي، عبد الله حصار، بابنة إدريس البصري، فأصبح إذن، من العائلة.
وبالتالي، لم يكن هناك أي مشكل بيني وبين إدريس البصري، وكنت أنظر إليه كخادم للدولة. ولأن الحكومة كانت حكومة توافق، فقد كان البصري يمثل الجهة الأخرى من الأطراف المتوافقة، ولم يكن لدي أي سبب للنفور منه بتاتا.
ثم لا بد أن أقول أمرا للتاريخ، فإدريس البصري لما كان مكلفا بالإشراف على أجهزة القمع، وبالطبع ليس كلها، أسدى خدمات مهمة إلى الحركة التقدمية بالمغرب، لا على مستوى الإعلام و لا على مستوى الحريات، وكان يحاول دائما أن يبقي على ذلك المد الذي ابتدأ في 1975، مستمرا. طبعا كان ينفذ الأوامر، لكنه كان يقدر على تكييف بعض الأوضاع والظروف لصالح التقدميين .
* وكيف كنتم تشتغلون داخل حكومة توافقية؟
- في القطاع الذي كنت أدبره في الحكومة، أي التعليم الابتدائي والاعدادي، لم يحصل في يوم من الأيام أن انفلتت الأمور من يدي، في حين أنه في تلك الفترة بالذات، كانت قد تأسست لجنة للتفكير في التعليم، وترأسها سي عبد العزيز مزيان بلفقيه، فكان هنالك انسجام بيننا وبينه، ونتبادل المعطيات المتوفرة، كما كان يأخذ برأينا في بعض المواضيع ويستشيرنا في عدد من الموضوعات، ولم يحدث أن تدخل في شؤون وزارتي.
* وكيف كانت تمر الأمور في المجالس الوزارية؟
- كانت مجالس الوزراء بمثابة تتويج لمناقشات طويلة داخل الحكومة، ومن التحضير للنصوص. وكان الحسن الثاني كما هو منصوص عليه في الدستور هو يترأس المجالس الوزارية، وكانت طريقته تتسم بكثير من اللباقة في تدبير الأمور، ثم أحيانا كان يفصل في بعض القضايا، أو يطلب من الحكومة أن تعيد النظر أو تعمق التفكير في بعض النصوص.
بالنسبة لي، كنا قد أجرينا دراسة على مستوى الوزارة، بخصوص تعميم التمدرس، وخرجنا بخلاصة مفادها أننا إذا كنا نريد تعميم التعليم وبجودة رفيعة، فعلى الدولة أن تقوم بتوظيفات كبيرة لمدة 3 سنوات أو أربعة، لعشرة آلاف مدرس جديد كل عام.
بالطبع، أفزع هذا العدد وزارة المالية، في وقت كانت تعتقد أن الموارد البشرية في قطاع التعليم المدرس أكثرهم موظفون أشباح، إلا أن بحوثنا كشفت أن هذه العينة من الموظفين داخل الوزارة كانت قليلة. وفي نهاية المطاف، وقعت تجاذبات بيننا وبين وزارة المالية كشفت أن هنالك انفصالا وعدم اتفاق بشأن المقاربات حول هذا الموضوع.
وكانت وزارة المالية ما فتئت تحاول التقليص من عدد المدرسين الجدد، ما جعلني أنفعل يوما في أحد الاجتماعات التحضيرية للميزانية، فنقل أحدهم امتعاضي إلى الملك الحسن الثاني، فاستغل إحدى اجتماعات المجلس الوزاري وقال إن «وزير التربية الوطنية غير راض عن مقترحات الميزانية في قطاع التربية الوطنية، وفي رأيي إنه من الواجب أن نضيف عددا أكبر مما هو مقترح من طرف وزارة المالية، إلى أفواج المدرسين الجدد».
وبالفعل قامت وزارة المالية بالرفع من أعداد المدرسين الجدد، وإن لم يكن بالعدد المأمول من طرفنا، ولكنه وصل إلى 7500 مدرس جديد على وجه التقريب.
* ألم تكن هناك أحزاب مشاركة في الحكومة تتعمد عرقلة عمل وزارتك أو وزارات حزب التقدم والاشتراكية؟
- لم تكن العراقيل الموجهة ضد عملي تأتي من الأحزاب، بقدر ما كانت تأتي مما يمكن أن نسميه «البنية التقنية» داخل الحكومة، من موظفين يفتقدون رؤية سياسية واسعة، جعلتهم قاصرين عن النظر إلى أفق أبعد، ثم إن ضغوطا موضوعية كانت تجبرهم على التصرف على هذا النحو.
وما يمكن قوله أن الصراع بين البنية التقنية والحزب، لم يكن له طابع حزبي، لكن ذلك لا يعني أن هذا الأمر غير موجود، وعلى سبيل المثال، كنا بوزارة التربية الوطنية، تقدمنا بمشروع لإنشاء وكالة وطنية لمحو الأمية، ووضعنا نصب أعيننا أجل خمس سنوات لطي هذا الملف، وكنا نود إطلاق سلة من التحفيزات لصالح رجال ونساء التعليم من أجل التعاون في هذا الموضوع، إذ بدونهم ما سيكتب لمثل هذا المشروع أن ينجح.
لكن مقترحنا رفض من لدن وزارة المالية مرة أخرى، بدعوى أن المغرب يشهد وجود عدد كبير من هذه الوكالات، ولم تنتبه فيما بعد إلى هذا الأمر حين خلقت عدة وكالات ولم يثر أي إشكال بالنسبة لها. والأفظع في الأمر، أن الفكرة كانت محل صراع بين وزارتين: وزارة الشؤون العامة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وخيض جدل طويل بين وزيرين من نفس الهيئة السياسية لأن كل واحد منهما أراد أن يتكفل بالمشروع لوحده ليحسب عليه بالنظر إلى ما يمكن أن يترتب عنه من نتائج سياسية.
في نهاية المطاف، ولاعتبارات سياسوية، أجهض المشروع، وها نحن اليوم نرى أن الشعب المغربي لا تزال تنخره الأمية.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
18 - لم يكن يقبل بخلط مشاكل المعلمين المنتمين للحزب بمسؤوليته لما كان وزيرا للتربية الوطنية
لو بقيت في وزارة الفلاحة لحققت نتائج أفضل
* يروى أن فترة توليك لمسؤولية قطاع التربية الوطنية، عرفت حركة واسعة لانخراط المعلمين في حزب التقدم والاشتراكية، كما حدث أن حملت هذه الحركة معها كثرة في طلبات الانتقالات وتسوية الوضعية الإدارية وحل مشاكل فردية للمعلمين «الملتحقين» بالحزب، بل ويروى أن كتاب الفروع ومسؤولي الحزب بعدد من الأقاليم والجهات كانوا يفدون إما إلى مقر الحزب بالرباط أو إلى مقر الوزارة مصحوبين بملفات المعلمين قصد تسويتها، فهل هذا صحيح؟
- لا، هذا غير صحيح، ودعني أوضح لماذا كانت هذه القضية غير صحيحة في جوهرها. أولا، لم يحصل ما قلته من التحاق عدد من أفراد أسرة التعليم بحزب التقدم والاشتراكية، وثانيا كنت أحرم على نفسي، وهذا هو المنهج الصائب في اعتقادي، أي المزج بين المسؤوليات الحكومية والمعطيات الحزبية في الممارسة اليومية وأرفض فكرة الزبونية، (ورغم أن عددا من الهيئات السياسية الأخرى لا تعمل بهذه القاعدة)، لأن روح المسؤولية والمكانة الواجب أن تكون للخدمة العمومية وخدمة الدولة، تفرض علي وعلى الآخرين نبذ مثل هذه الأمور بشكل قاطع.
ثم إن أي شخص يتقدم بانخراط بالحزب من أجل منفعة، لا ترجى منه أي فائدة، ولا قيمة لالتحاقه. وهكذا لم أبالي بهذه الحيثيات، وقمت بواجبي نحو كل العاملين في قطاع التعليم، بمن فيهم الفئة التي كانت تعمل في إطار الخدمة المدنية ولم يتم توظيف أعضائها، حيث قمنا بتشغيلهم علاوة على هؤلاء الشباب عدد كبير من العرضيين وأدمجناهم نظرا لحاجتنا إليهم.
وأعتقد أن السنتين ونيف التي قضيتها وأنا مسؤول عن التعليم الابتدائي والإعدادي، حققتا عدة مكتسبات بينها أساسا تعميم التمدرس على الأطفال ما بين 6 و7 من عمرهم. وكنا حريصين على عدم مغادرة هؤلاء الأطفال لمدارسهم بحيث كنا نجري في شهر أبريل وماي من كل سنة، مراجعة للإحصاءات حتى نتأكد من بقاء التلاميذ في فصولهم، وكنا نقوم باستدراك لمحاصرة كل خلل في هذا الباب، وكانت الأمور تسير على أحسن ما يرام. وفي نوع من الحماس الكبير.
ومع كل الأسف، لم تستمر الأمور بعدي على هذا النهج، ولكني أجد نفسي مرتاحا وضميري مرتاحا من العمل الذي قمت به بمعية الرفاق والمسؤولين الذين ساهموا معي في العملية.
وفضلا عن ذلك، فقد ربطتنا علاقات احترام متبادل مع أسرة التعليم بجميع مكوناتها، ويظهر لي أننا تركنا صدى طيبا لدى العاملين في قطاع التربية الوطنية.
* ثم جاءت وفاة الملك الحسن الثاني في 1999، كيف كنتم تنظرون وأنتم في حكومة توافقتم داخلها مع الحسن الثاني لمرحلة ما بعده؟
- لم نكن ننظر لمرحلة ما بعد وفاة الحسن الثاني رحمه الله لأننا لا نعلم الغيب. ومن دون شك، كان لدينا أمل كبير، وتحقق في الواقع، في أن وتيرة الإصلاحات ستتقوى. وبالنسبة لنا في حزب التقدم والاشتراكية، فقد عقدنا دورة للجنة المركزية في أكتوبر 99، بعد وفاة الحسن الثاني في يوليوز من العام نفسه، وتقدمنا بفكرة الأشغال الكبرى من أجل الدفع بعجلة التغيير الاقتصادي في بلادنا، وقد اقترنت هذه الفكرة بقرار صاحب الجلالة محمد السادس القاضي بالدخول في مرحلة الأوراش الكبرى. ولا يعني هذا أنه كان لدينا السبق، ولكن المعطيات الموضوعية كانت تقتضي ذلك، ونظرا لانفتاح الملك الشاب آنذاك على العالم وإدراكه لميكانيزمات التطور الاقتصادي والمجتمعات، حصل تلاقي بين قراره والفكرة التي تقدمنا بها.
وقد تقدمنا بمذكرة إلى صاحب الجلالة حينئذ، بخصوص هذا الموضوع، كنا تقدمنا بمقترحات أخرى بخصوص تعبئة الشباب والمجتمع. وما زلت أعتقد أن هذه الأفكار صحيحة، ولا تزال واردة في حال العزم على تطبيقها، لما فيها من فائدة.
* بعد وفاة الحسن الثاني، وتولي محمد السادس العرش، سيجرى تعديل حكومي يحولك من القطاع الذي كنت مسؤولا عنه، أي إلى قطاع لا علاقة له بالقطاع الأول الذي توليتم مسؤوليته.
- بالفعل أجري هذا التغيير، لكن الحزب كان يعتبر وجوده في هذه المرحلة أمرا ضروريا، ليس لسواد عيون أحد ما، ولكنه ضروري من أجل مصلحة استمرار الدينامية التي أطلقت في 1998.
وليس من المهم أن تكون لدينا هذه الحقيبة أو تلك. ومن الناحية الشخصية، لم أجد مشكلا في تولي قطاع الفلاحة، بل ذلك هو ما يناسبني بالفعل، وقد وجدت ذاتي في العمل بهذا القطاع ولذلك أسباب؛ أولها أنني مارست الفلاحة، وثانيا أن تكويني الدراسي كان في جغرافيا الأرياف وهذا ما ساهم في تقوية إدراكي لجملة المشاكل والقضايا التي تعترض تطوير القطاع الفلاحي بالمغرب كما كنت عضوا في مطلع الستينيات في اللجنة الفلاحية التابعة للحزب مع بول باسكون ورفاق آخرين.
ومع الأسف، فإني لم أمكث طويلا في هذه الوزارة أيضا، إذ لم أقض بها سوى سنتين وبضع شهور. وقد كان بإمكاننا أن نسير أبعد في هذا المجال لو سمح لنا الوقت. ويمكن أن أقدم مثالا عما كنا قد بدأناه، لكنه لم يستكمل بعد خروجي من الحكومة، وهو تفعيل مشروع الدفع بقطاع إنتاج الزيتون والمغروسات الأخرى على سفوح جبالنا، وكان سينتهي إنجاز سنة هو 2005. وكنا عازمين على القيام بمجهود جبار من أجل إنجازه. ويبدو أن هذا المشروع بدأت مباشرته إلا أنه يعرف بطئا في وتيرته، وقد كان بالإمكان أن تكون أسرع لو استمريت في تحمل مسؤولية وزارة الفلاحة. ويجب التأكيد هنا، على أن مشروعنا كأي مشروع آخر في تلك المرحلة، كان يندرج ضمن البرنامج الحكومي الذي صوت عليه البرلمان ووافق عليه جلالة الملك. وهنالك الكثير من المشاريع التي باشرناها واستمرت بعدنا مثل السقي الموضعي والعناية بقطعان الماشية.
طبعا، فإن مشكل ضمان الحد الأدنى من ضروريات العيش بالنسبة للمواطنين، حتى لا أقول الاستقلال الغذائي لأنه وهم، أمر أساسي، مثل ضمان إنتاج ستين مليون قنطار من الحبوب سواء من القمح الصلب أو الهش في جزء من الأراضي السقوية في البلاد. وهذه كانت فكرة وزير الفلاحة من قبلي، الحبيب المالكي، إلا أن الأمر لم يتحقق بعده ومن الصعب أن يتحقق في الواقع لأن ذلك يتطلب أراضي تقدر مساحاتها بمليون هكتار، فيما مجموع الأراضي السقوية في المغرب بأكمله لا تزيد عن مليون هكتار و300 ألف.
ومع ذلك، بإمكاننا العثور على طرق أخرى لضمان عتبة الأمان في الغذاء بالنسبة إلى المغرب. ومن الملاحظ اليوم، أن أسعار القمح ترتفع وفق تغيرات يعرفها السوق العالمي، ومن ثم، فإن التخلص من كابوس التقيد بما يفرضه السوق العالمي، عمل مرغوب فيه في اتجاه إنتاج ذاتي محض كفيل بضمان الحد الأدنى من الأمن الغذائي بالنسبة للمغاربة.
* باشرتهم عملية معالجة أوضاع أراضي «صوديا وصوجيتا» أيضا خلال تلك الفترة؟
- نعم، فقد أجرينا دراسة مدققة بخصوص مردودية هذه الأراضي، وكشفنا أن هاتين الشركتين أصبحتا عالة على ميزانية الدولة تثقلها بتكاليف زائدة بسبب سوء تدبيرهما والفساد المستشري فيهما. ومن هذا المنطلق، أردنا وضع حد لهذه الوضعية، فاقترحنا مراجعة عمل المؤسستين المذكورتين وتخصيص جزء من أراضيها لإنتاج البذور وللعناية بالقطيع الحلوب مع كراء الأراضي الباقية لأشخاص ذاتيين أو معنويين لهم خبرة في المجال الزراعي، ويمتلكون قدرات مالية مهمة تسمح لهم بالعمل على تطوير مردودية هذه الأراضي، سواء أكانوا مواطنين مغاربة أم أجانب، ويبدو أن الجزء الثاني من هذا التصور هو الذي اخذ في الانجاز.
* يروى أن فترة توليك لمسؤولية قطاع التربية الوطنية، عرفت حركة واسعة لانخراط المعلمين في حزب التقدم والاشتراكية، كما حدث أن حملت هذه الحركة معها كثرة في طلبات الانتقالات وتسوية الوضعية الإدارية وحل مشاكل فردية للمعلمين «الملتحقين» بالحزب، بل ويروى أن كتاب الفروع ومسؤولي الحزب بعدد من الأقاليم والجهات كانوا يفدون إما إلى مقر الحزب بالرباط أو إلى مقر الوزارة مصحوبين بملفات المعلمين قصد تسويتها، فهل هذا صحيح؟
- لا، هذا غير صحيح، ودعني أوضح لماذا كانت هذه القضية غير صحيحة في جوهرها. أولا، لم يحصل ما قلته من التحاق عدد من أفراد أسرة التعليم بحزب التقدم والاشتراكية، وثانيا كنت أحرم على نفسي، وهذا هو المنهج الصائب في اعتقادي، أي المزج بين المسؤوليات الحكومية والمعطيات الحزبية في الممارسة اليومية وأرفض فكرة الزبونية، (ورغم أن عددا من الهيئات السياسية الأخرى لا تعمل بهذه القاعدة)، لأن روح المسؤولية والمكانة الواجب أن تكون للخدمة العمومية وخدمة الدولة، تفرض علي وعلى الآخرين نبذ مثل هذه الأمور بشكل قاطع.
ثم إن أي شخص يتقدم بانخراط بالحزب من أجل منفعة، لا ترجى منه أي فائدة، ولا قيمة لالتحاقه. وهكذا لم أبالي بهذه الحيثيات، وقمت بواجبي نحو كل العاملين في قطاع التعليم، بمن فيهم الفئة التي كانت تعمل في إطار الخدمة المدنية ولم يتم توظيف أعضائها، حيث قمنا بتشغيلهم علاوة على هؤلاء الشباب عدد كبير من العرضيين وأدمجناهم نظرا لحاجتنا إليهم.
وأعتقد أن السنتين ونيف التي قضيتها وأنا مسؤول عن التعليم الابتدائي والإعدادي، حققتا عدة مكتسبات بينها أساسا تعميم التمدرس على الأطفال ما بين 6 و7 من عمرهم. وكنا حريصين على عدم مغادرة هؤلاء الأطفال لمدارسهم بحيث كنا نجري في شهر أبريل وماي من كل سنة، مراجعة للإحصاءات حتى نتأكد من بقاء التلاميذ في فصولهم، وكنا نقوم باستدراك لمحاصرة كل خلل في هذا الباب، وكانت الأمور تسير على أحسن ما يرام. وفي نوع من الحماس الكبير.
ومع كل الأسف، لم تستمر الأمور بعدي على هذا النهج، ولكني أجد نفسي مرتاحا وضميري مرتاحا من العمل الذي قمت به بمعية الرفاق والمسؤولين الذين ساهموا معي في العملية.
وفضلا عن ذلك، فقد ربطتنا علاقات احترام متبادل مع أسرة التعليم بجميع مكوناتها، ويظهر لي أننا تركنا صدى طيبا لدى العاملين في قطاع التربية الوطنية.
* ثم جاءت وفاة الملك الحسن الثاني في 1999، كيف كنتم تنظرون وأنتم في حكومة توافقتم داخلها مع الحسن الثاني لمرحلة ما بعده؟
- لم نكن ننظر لمرحلة ما بعد وفاة الحسن الثاني رحمه الله لأننا لا نعلم الغيب. ومن دون شك، كان لدينا أمل كبير، وتحقق في الواقع، في أن وتيرة الإصلاحات ستتقوى. وبالنسبة لنا في حزب التقدم والاشتراكية، فقد عقدنا دورة للجنة المركزية في أكتوبر 99، بعد وفاة الحسن الثاني في يوليوز من العام نفسه، وتقدمنا بفكرة الأشغال الكبرى من أجل الدفع بعجلة التغيير الاقتصادي في بلادنا، وقد اقترنت هذه الفكرة بقرار صاحب الجلالة محمد السادس القاضي بالدخول في مرحلة الأوراش الكبرى. ولا يعني هذا أنه كان لدينا السبق، ولكن المعطيات الموضوعية كانت تقتضي ذلك، ونظرا لانفتاح الملك الشاب آنذاك على العالم وإدراكه لميكانيزمات التطور الاقتصادي والمجتمعات، حصل تلاقي بين قراره والفكرة التي تقدمنا بها.
وقد تقدمنا بمذكرة إلى صاحب الجلالة حينئذ، بخصوص هذا الموضوع، كنا تقدمنا بمقترحات أخرى بخصوص تعبئة الشباب والمجتمع. وما زلت أعتقد أن هذه الأفكار صحيحة، ولا تزال واردة في حال العزم على تطبيقها، لما فيها من فائدة.
* بعد وفاة الحسن الثاني، وتولي محمد السادس العرش، سيجرى تعديل حكومي يحولك من القطاع الذي كنت مسؤولا عنه، أي إلى قطاع لا علاقة له بالقطاع الأول الذي توليتم مسؤوليته.
- بالفعل أجري هذا التغيير، لكن الحزب كان يعتبر وجوده في هذه المرحلة أمرا ضروريا، ليس لسواد عيون أحد ما، ولكنه ضروري من أجل مصلحة استمرار الدينامية التي أطلقت في 1998.
وليس من المهم أن تكون لدينا هذه الحقيبة أو تلك. ومن الناحية الشخصية، لم أجد مشكلا في تولي قطاع الفلاحة، بل ذلك هو ما يناسبني بالفعل، وقد وجدت ذاتي في العمل بهذا القطاع ولذلك أسباب؛ أولها أنني مارست الفلاحة، وثانيا أن تكويني الدراسي كان في جغرافيا الأرياف وهذا ما ساهم في تقوية إدراكي لجملة المشاكل والقضايا التي تعترض تطوير القطاع الفلاحي بالمغرب كما كنت عضوا في مطلع الستينيات في اللجنة الفلاحية التابعة للحزب مع بول باسكون ورفاق آخرين.
ومع الأسف، فإني لم أمكث طويلا في هذه الوزارة أيضا، إذ لم أقض بها سوى سنتين وبضع شهور. وقد كان بإمكاننا أن نسير أبعد في هذا المجال لو سمح لنا الوقت. ويمكن أن أقدم مثالا عما كنا قد بدأناه، لكنه لم يستكمل بعد خروجي من الحكومة، وهو تفعيل مشروع الدفع بقطاع إنتاج الزيتون والمغروسات الأخرى على سفوح جبالنا، وكان سينتهي إنجاز سنة هو 2005. وكنا عازمين على القيام بمجهود جبار من أجل إنجازه. ويبدو أن هذا المشروع بدأت مباشرته إلا أنه يعرف بطئا في وتيرته، وقد كان بالإمكان أن تكون أسرع لو استمريت في تحمل مسؤولية وزارة الفلاحة. ويجب التأكيد هنا، على أن مشروعنا كأي مشروع آخر في تلك المرحلة، كان يندرج ضمن البرنامج الحكومي الذي صوت عليه البرلمان ووافق عليه جلالة الملك. وهنالك الكثير من المشاريع التي باشرناها واستمرت بعدنا مثل السقي الموضعي والعناية بقطعان الماشية.
طبعا، فإن مشكل ضمان الحد الأدنى من ضروريات العيش بالنسبة للمواطنين، حتى لا أقول الاستقلال الغذائي لأنه وهم، أمر أساسي، مثل ضمان إنتاج ستين مليون قنطار من الحبوب سواء من القمح الصلب أو الهش في جزء من الأراضي السقوية في البلاد. وهذه كانت فكرة وزير الفلاحة من قبلي، الحبيب المالكي، إلا أن الأمر لم يتحقق بعده ومن الصعب أن يتحقق في الواقع لأن ذلك يتطلب أراضي تقدر مساحاتها بمليون هكتار، فيما مجموع الأراضي السقوية في المغرب بأكمله لا تزيد عن مليون هكتار و300 ألف.
ومع ذلك، بإمكاننا العثور على طرق أخرى لضمان عتبة الأمان في الغذاء بالنسبة إلى المغرب. ومن الملاحظ اليوم، أن أسعار القمح ترتفع وفق تغيرات يعرفها السوق العالمي، ومن ثم، فإن التخلص من كابوس التقيد بما يفرضه السوق العالمي، عمل مرغوب فيه في اتجاه إنتاج ذاتي محض كفيل بضمان الحد الأدنى من الأمن الغذائي بالنسبة للمغاربة.
* باشرتهم عملية معالجة أوضاع أراضي «صوديا وصوجيتا» أيضا خلال تلك الفترة؟
- نعم، فقد أجرينا دراسة مدققة بخصوص مردودية هذه الأراضي، وكشفنا أن هاتين الشركتين أصبحتا عالة على ميزانية الدولة تثقلها بتكاليف زائدة بسبب سوء تدبيرهما والفساد المستشري فيهما. ومن هذا المنطلق، أردنا وضع حد لهذه الوضعية، فاقترحنا مراجعة عمل المؤسستين المذكورتين وتخصيص جزء من أراضيها لإنتاج البذور وللعناية بالقطيع الحلوب مع كراء الأراضي الباقية لأشخاص ذاتيين أو معنويين لهم خبرة في المجال الزراعي، ويمتلكون قدرات مالية مهمة تسمح لهم بالعمل على تطوير مردودية هذه الأراضي، سواء أكانوا مواطنين مغاربة أم أجانب، ويبدو أن الجزء الثاني من هذا التصور هو الذي اخذ في الانجاز.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
19 - كان للحزب شرف تأدية ضريبة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية
تيار «ما زلنا على الطريق» لم يكن قويا ولم يسمح أحد لنفسه بالمس بأصول ليفي اليهودية في المؤتمر السادس
* ورد اسمكم في بعض التقارير التي تحدثت عن المستفيدين من كراء أراضي «صوديا وصوجيتا»، هل هذا صحيح؟
- إذا كانت تعني القرارات التي أشرت إليها، استفادتي ومساهمتي المفترضة في عملية كراء أراضي المؤسستين السالفتين الذكر الجارية منذ سنتين، فهذا غير صحيح، وكل ما في الأمر أن أسرتي الكبيرة تكتري منذ أزيد من 15 سنة ضيعة في ملك الدولة في إطار التعامل المباح المنصوص عليه قانونا. والجدير بالإشارة أني لست مسير هذه الضيعة أو مكلفا بها، هبل تلك مهمة أحد أخوي، أما بالنسبة لي، فإني لم أزر تلك الضيعة إلا نادرا .
* في حكومة التناوب قبل التعديل الحكومي تعرض الحزب لما سمي بتداعيات الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية وأدت في نهاية المطاف إلى خروج محمد سعيد السعدي من الحكومة.
- بالفعل، أدى الحزب ضريبة خلال النسخة الأولى من حكومة التناوب، لكنها ضريبة اعتبرها ضريبة شرف. ونعرف بأن سعيد السعدي كان كاتبا للدولة في وزارة تحت مسؤولية خالد عليوة عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. هذا لأقول إن الخطة كانت خطة الحكومة برمتها حتى وإن عبر بعض الوزراء عن امتعاضهم إزاء الخطة.
وللأسف الشديد، فقد أدت الحملة التي شنت على الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية إلى إقبارها عمليا، والخطة في حد ذاتها لم تكن تقتصر موادها على الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة فقط، بل كانت تشدد على أن لجنة ستتكون من خبراء في القانون والشريعة وعلم الاجتماع وممثلين عن جمعيات المجتمع المدني للنظر في تفاصيل الخطة، وهذا ما حدث بالطبع بعد؛ إذ سارت المبادرة الملكية في هذا الاتجاه. أما الجوانب الأخرى المتضمنة في الخطة لم تدخل إلى حيز التطبيق، مثل المساواة بين الرجل والمرأة في ميدان العمل بشكل كامل، وبالنسبة إلى المساواة في الأجور سيما في القطاع الخصوصي وفي المصانع والضيعات على السواء دون أن ننسى باقي الحقوق المدنية الأخرى
إن كثيرا من المقترحات التي جاءت بها الخطة، لم تجد طريقها إلى التنفيذ، وما وجد طريقه إلى التفعيل، فإنه يطبق بصفة مبتورة وغير كاملة.
* كنت ترشحت في 2002 للانتخابات البرلمانية التي أدت إلى تشكيل حكومة التناوب؟
- نعم ترشحت في أحواز سلا الجديدة وأحصين والسهول وبوقنادل، لكني لم أفز بالمقعد البرلماني، ومن دون شك، فإن ما ساهم في رسوبي في تلك الانتخابات هما العدوان اللدودان للتقدم، أي الجهل والفقر، وأنا لا أجرؤ ولا تسمح لي نفسي بأن أشتري صوتا كما ليس لدي مال لأشتري به أصوات الناخبين، وأحمد الله على مبادئي وقيم حزبي.
* ولم يكن مطروحا حينئذ أن يستبعد من قائمة الاستوزار كل من رسب في الانتخابات ؟
- لم تكن هنالك أي قاعدة حينئذ تقضي بعدم استوزار الراسبين في الانتخابات.
* بعد هذه الانتخابات تشكلت حكومة جديدة، واستثنيتم من المشاركة فيها، وأصبح حضور الحزب أقل مما كان في 1998.
- كانت مشاركة حزب التقدم والاشتراكية بوزيرين عوض ثلاثة وزراء كما كان في 1998، وشارك كل من محمد نبيل بن عبد الله، كوزير للاتصال وناطق رسمي باسم الحكومة وعمر الفاسي.
* لماذا لم يقترح اسمكم لتولي حقيبة حكومية في ولاية إدريس جطو؟
- كان اسمي ضمن اللائحة التي تقدم بها الحزب آنذاك وحصل اختيار الرفيقين نبيل وعمر، ولا أظن أن لهذا الأمر مغزى متميز.
* وقع نقاش حاد حول تعيين وزير أول من خارج الأحزاب، وقام جدل كبير حول ما سمي بعدم احترام المنهجية الديمقراطية، إلا أن حزب التقدم والاشتراكية لم يكن له موقف واضح، هل رأيتم بأنكم غير معنيين بهذه القضية؟
- فعلا، لم نساهم في الضجة التي صاحبت تعيين سي ادريس جطو وزيرا، لسببين اثنين: أولهما أن نص الدستور واضح ويترك للمك حرية في اختيار وزيره الأول، وثانيا فقد كنا على بينة لما جرى من ملابسات عشية تعيين السيد جطو وزيرا أولا، فتألمنا كثيرا في الحزب لوجود هذه الملابسات التي همت بالأساس الكتلة الديمقراطية .
* وكيف تفاوضتم مع إدريس جطو لتصلوا إلى المشاركة في الحكومة ؟
- جرت اتصالات بيننا وبين السيد إدريس جطو وتقدمنا بلائحة تضم أسماء الرفاق المقترحين لتحمل مسؤولية في الحكومة، ومن جديد وجب التأكيد على أن مساهمة الحزب في تلك الحكومات لم تكن مساهمة مساومة، بل مساهمة مبدئية من اجل إنجاح تصور معين وقد باركنا بعد أن رسا القبول على بنعبد الله والفاسي كاسمين لتمثيل الحزب في تلك الوزارتين.
* قبيل ذلك، عقد حزب التقدم والاشتراكية مؤتمره السادس، ويقترن هذا الاسم بعودة التوترات إلى الجسم الداخلي للحزب سيما من خلال ما يعرف بتيار»ما زلنا على الطريق» الذي كان الرفيق شمعون ليفي وجها بارزا عنه، كيف تعاملت كأمين عام مع أول معارضة وجهت ضدك؟
- أولا لم أواجه أي معارضة ولم تكن ما سميتموه بمعارضة تيار «لازلنا على الطريق» بالمعارضة الحادة في الواقع، والتيار بنفسه لم يكن يمتلك القوة التي كان يعتقد أنها بحوزته، فمرت الأمور ببساطة، وأعيد انتخابي مرة ثانية كأمين عام للحزب.
* حكيت لي أن شمعون ليفي كان شخصا مقربا منك منذ بداياتك في الحزب الشيوعي المغربي، فهل بقي الأمر على هذا النحو بعد كل ما حدث في المؤتمر السادس؟
- أنا الذي كنت مقربا منه لأنه أقدم مني في الحزب وتجربته السياسية تفوق تجربتي ثم أؤكد أن شمعون ليفي لا يزال صديقا عزيزا علي لحد اليوم، ومعارضته كانت لتوجه الحزب في وقت معين، ومعارضته السياسية لم تكن متشنجة أبدا. ورغم أن كلامه قد يبدو متشنجا أحيانا لكن يجب القول أن معارضته كانت دائما محترمة للضوابط الحزبية ولضوابط اللياقة.
* لكن اسمه كان يطرح كبديل لقيادة الحزب بدلا عنك في المؤتمر السادس.
- لم يطرح اسمه بشكل رسمي، وقد يكون قد حصل تداول في اسمه داخل أوساط بالحزب لكننا لم نتلق أي ترشيح رسمي.
* يروج البعض أن جزءا من قيادة الحزب حرضت القاعدة ضد شمعون ليفي بالضرب على أصوله اليهودية؟
- كلا، لم يحدث ذلك بتاتا، ولم يكن واردا اللجوء إلى مثل هذه الأساليب الدنيئة، لأنها سبة في حق الرفاق جميعهم، فنحن آخر من ستكون لديهم مثل هذه النوازع العنصرية المقيتة.
* ورد اسمكم في بعض التقارير التي تحدثت عن المستفيدين من كراء أراضي «صوديا وصوجيتا»، هل هذا صحيح؟
- إذا كانت تعني القرارات التي أشرت إليها، استفادتي ومساهمتي المفترضة في عملية كراء أراضي المؤسستين السالفتين الذكر الجارية منذ سنتين، فهذا غير صحيح، وكل ما في الأمر أن أسرتي الكبيرة تكتري منذ أزيد من 15 سنة ضيعة في ملك الدولة في إطار التعامل المباح المنصوص عليه قانونا. والجدير بالإشارة أني لست مسير هذه الضيعة أو مكلفا بها، هبل تلك مهمة أحد أخوي، أما بالنسبة لي، فإني لم أزر تلك الضيعة إلا نادرا .
* في حكومة التناوب قبل التعديل الحكومي تعرض الحزب لما سمي بتداعيات الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية وأدت في نهاية المطاف إلى خروج محمد سعيد السعدي من الحكومة.
- بالفعل، أدى الحزب ضريبة خلال النسخة الأولى من حكومة التناوب، لكنها ضريبة اعتبرها ضريبة شرف. ونعرف بأن سعيد السعدي كان كاتبا للدولة في وزارة تحت مسؤولية خالد عليوة عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. هذا لأقول إن الخطة كانت خطة الحكومة برمتها حتى وإن عبر بعض الوزراء عن امتعاضهم إزاء الخطة.
وللأسف الشديد، فقد أدت الحملة التي شنت على الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية إلى إقبارها عمليا، والخطة في حد ذاتها لم تكن تقتصر موادها على الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة فقط، بل كانت تشدد على أن لجنة ستتكون من خبراء في القانون والشريعة وعلم الاجتماع وممثلين عن جمعيات المجتمع المدني للنظر في تفاصيل الخطة، وهذا ما حدث بالطبع بعد؛ إذ سارت المبادرة الملكية في هذا الاتجاه. أما الجوانب الأخرى المتضمنة في الخطة لم تدخل إلى حيز التطبيق، مثل المساواة بين الرجل والمرأة في ميدان العمل بشكل كامل، وبالنسبة إلى المساواة في الأجور سيما في القطاع الخصوصي وفي المصانع والضيعات على السواء دون أن ننسى باقي الحقوق المدنية الأخرى
إن كثيرا من المقترحات التي جاءت بها الخطة، لم تجد طريقها إلى التنفيذ، وما وجد طريقه إلى التفعيل، فإنه يطبق بصفة مبتورة وغير كاملة.
* كنت ترشحت في 2002 للانتخابات البرلمانية التي أدت إلى تشكيل حكومة التناوب؟
- نعم ترشحت في أحواز سلا الجديدة وأحصين والسهول وبوقنادل، لكني لم أفز بالمقعد البرلماني، ومن دون شك، فإن ما ساهم في رسوبي في تلك الانتخابات هما العدوان اللدودان للتقدم، أي الجهل والفقر، وأنا لا أجرؤ ولا تسمح لي نفسي بأن أشتري صوتا كما ليس لدي مال لأشتري به أصوات الناخبين، وأحمد الله على مبادئي وقيم حزبي.
* ولم يكن مطروحا حينئذ أن يستبعد من قائمة الاستوزار كل من رسب في الانتخابات ؟
- لم تكن هنالك أي قاعدة حينئذ تقضي بعدم استوزار الراسبين في الانتخابات.
* بعد هذه الانتخابات تشكلت حكومة جديدة، واستثنيتم من المشاركة فيها، وأصبح حضور الحزب أقل مما كان في 1998.
- كانت مشاركة حزب التقدم والاشتراكية بوزيرين عوض ثلاثة وزراء كما كان في 1998، وشارك كل من محمد نبيل بن عبد الله، كوزير للاتصال وناطق رسمي باسم الحكومة وعمر الفاسي.
* لماذا لم يقترح اسمكم لتولي حقيبة حكومية في ولاية إدريس جطو؟
- كان اسمي ضمن اللائحة التي تقدم بها الحزب آنذاك وحصل اختيار الرفيقين نبيل وعمر، ولا أظن أن لهذا الأمر مغزى متميز.
* وقع نقاش حاد حول تعيين وزير أول من خارج الأحزاب، وقام جدل كبير حول ما سمي بعدم احترام المنهجية الديمقراطية، إلا أن حزب التقدم والاشتراكية لم يكن له موقف واضح، هل رأيتم بأنكم غير معنيين بهذه القضية؟
- فعلا، لم نساهم في الضجة التي صاحبت تعيين سي ادريس جطو وزيرا، لسببين اثنين: أولهما أن نص الدستور واضح ويترك للمك حرية في اختيار وزيره الأول، وثانيا فقد كنا على بينة لما جرى من ملابسات عشية تعيين السيد جطو وزيرا أولا، فتألمنا كثيرا في الحزب لوجود هذه الملابسات التي همت بالأساس الكتلة الديمقراطية .
* وكيف تفاوضتم مع إدريس جطو لتصلوا إلى المشاركة في الحكومة ؟
- جرت اتصالات بيننا وبين السيد إدريس جطو وتقدمنا بلائحة تضم أسماء الرفاق المقترحين لتحمل مسؤولية في الحكومة، ومن جديد وجب التأكيد على أن مساهمة الحزب في تلك الحكومات لم تكن مساهمة مساومة، بل مساهمة مبدئية من اجل إنجاح تصور معين وقد باركنا بعد أن رسا القبول على بنعبد الله والفاسي كاسمين لتمثيل الحزب في تلك الوزارتين.
* قبيل ذلك، عقد حزب التقدم والاشتراكية مؤتمره السادس، ويقترن هذا الاسم بعودة التوترات إلى الجسم الداخلي للحزب سيما من خلال ما يعرف بتيار»ما زلنا على الطريق» الذي كان الرفيق شمعون ليفي وجها بارزا عنه، كيف تعاملت كأمين عام مع أول معارضة وجهت ضدك؟
- أولا لم أواجه أي معارضة ولم تكن ما سميتموه بمعارضة تيار «لازلنا على الطريق» بالمعارضة الحادة في الواقع، والتيار بنفسه لم يكن يمتلك القوة التي كان يعتقد أنها بحوزته، فمرت الأمور ببساطة، وأعيد انتخابي مرة ثانية كأمين عام للحزب.
* حكيت لي أن شمعون ليفي كان شخصا مقربا منك منذ بداياتك في الحزب الشيوعي المغربي، فهل بقي الأمر على هذا النحو بعد كل ما حدث في المؤتمر السادس؟
- أنا الذي كنت مقربا منه لأنه أقدم مني في الحزب وتجربته السياسية تفوق تجربتي ثم أؤكد أن شمعون ليفي لا يزال صديقا عزيزا علي لحد اليوم، ومعارضته كانت لتوجه الحزب في وقت معين، ومعارضته السياسية لم تكن متشنجة أبدا. ورغم أن كلامه قد يبدو متشنجا أحيانا لكن يجب القول أن معارضته كانت دائما محترمة للضوابط الحزبية ولضوابط اللياقة.
* لكن اسمه كان يطرح كبديل لقيادة الحزب بدلا عنك في المؤتمر السادس.
- لم يطرح اسمه بشكل رسمي، وقد يكون قد حصل تداول في اسمه داخل أوساط بالحزب لكننا لم نتلق أي ترشيح رسمي.
* يروج البعض أن جزءا من قيادة الحزب حرضت القاعدة ضد شمعون ليفي بالضرب على أصوله اليهودية؟
- كلا، لم يحدث ذلك بتاتا، ولم يكن واردا اللجوء إلى مثل هذه الأساليب الدنيئة، لأنها سبة في حق الرفاق جميعهم، فنحن آخر من ستكون لديهم مثل هذه النوازع العنصرية المقيتة.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
20 - ترشح في 2007 بتاونات ووصف بـ «البراني» ومنافسه الرئيسي أصبح وزيرا
لم يكن يسعى المطالبون بالمؤتمر الاستثنائي إلى تنحيتي من الأمانة العامة
* مرت فترة إدريس جطو بسلام، رغم ما صاحب بدايتها من تشنج.
- مرد ذلك إلى حنكة الرجل، فقد كان يمتلك مؤهلات التوفيق بين الأطراف والتعامل مع الهيئات السياسية المكونة للأغلبية، لقد كان إنسانا ينصت كثيرا ويفيد ويستفيد سياسيا.
* ثم جاءت الانتخابات التشريعية لـ 2007، وترشحت مرة أخرى في دائرة تاونات تيسة، ولمرة أخرى رسبت.
- ترشحت في دائرة تاونات- تيسة بعد تردد كبير، فقد ترشحت لخدمة الحزب هنالك. ومن المعروف أن حزب التقدم والاشتراكية قوي بتلك المنطقة وكان لدينا مناضل صلب هنالك هو الرفيق المسعودي العياشي، ويحظى بشعبية كبيرة.
ومن هذا المنطلق، ارتأى الرفاق هنالك، أن يترشح اسم عن الحزب لضمان جمع صوتهم وبقائم في صف واحد، وهذا ما كان، حيث ترشحت وخضنا حملة انتخابية نموذجية ونزيهة إلا أننا بالطبع اصطدمنا بكثير من الأشياء، بينها المال والنزوعات العرقية لدرجة أنه خلال الحملة، جرى استعمال مفهوم «البراني» بشكل مكثف، ولأن مجتمعنا للأسف لا يزال متخلفا، فقد فاز خصمنا الأساسي بالمقعد.
* خصمكم كان هو محمد عبو؟
- نعم، كان خصمنا الأساسي هو محمد عبو، الذي بعد فوزه أصبح وزير تحديث القطاعات العامة.
* جرى الحديث عن نية الطعن في نتائج الانتخابات، ثم تراجعتم عن ذلك؟
- لم نفكر يوما في الطعن في تلك الانتخابات، لأننا رأينا أن ذلك لن يحقق شيئا.
* ماذا كان تقييمكم الخاص بشأن «الرسوب المتكرر» في الانتخابات؟
- لم أبال بذلك بتاتا.
* وهل تفكر في الترشح من جديد لـ 2012؟
- كلا، لن أترشح من جديد، والطريقة الوحيدة التي يمكن أن أخوض بها تجربة الترشح مجددا، هي توحيد الصف الديمقراطي وأن يكون لهم مرشح وحيد، وإذا وقع علي الاختيار حينئذ، فقد أعيد التفكير في هذا الشأن. أما بالنظر إلى الوضع الحالي وفي حال استمراره، فليس لدي استعداد للقيام بذلك، فالترشح عمل مضن ومرهق، زد على ذلك أن التمثيل النيابي بات عملا صعبا بالنسبة لقدرة المرء إذا حاول أن يقوم بمهامه على وجه أكمل.
* دخل حزب التقدم والاشتراكية بعد 2007، في جدل جديد عقب تقييم نتائج الانتخابات بالنسبة للحزب، سيما أن ذلك التقييم أظهر أن تلك النتائج كانت أقل من المأمول فكانت خيبة الأمل، نتج عنها حراك داخلي توج بندوة وطنية، كيف كنتم تنظرون إلى ذلك الجدل؟
- حزب التقدم والاشتراكية جسد حي وكيان يواكب تطور الأحداث. وبالطبع، فإن انتخابات 2007 وما طبعها من عزوف ومن خطورة، جعل الجميع يطرح سؤالا وحيدا وهو إلى أين نسير؟
ومن الطبيعي أيضا بالنسبة لنا، أن يتحرك الحزب ليقوم بنقد ذاتي ليس بمعنى جلد نفسه، ولكن عن طريق إدراك ذاته، فكانت الندوة الوطنية.
* لكن قبل ظهور فكرة عقد الندوة الوطنية، كانت هنالك مطالب بعقد مؤتمر استثنائي.
- بالفعل، طالب بعض الرفاق بعقد مؤتمر استثنائي.
* ألم يكن يبدو أن تلك المطالب تنطوي على نية لتنحيتكم من الأمانة العامة؟
- لا أظن ذلك، ولم يعلن أحد عن أي شيء من هذا القبيل، إلا إذا كنت مغفلا ولم أكن أدري بما يجري من حولي. لا أعتقد بأن تنحيتي كان الهدف من وراء المطالبة بعقد مؤتمر استثنائي، لأن تدبير الحزب كان دائما بشكل جماعي، فيما يقتصر دور الأمين العام على التنسيق والتحريك.
* بعد الانتخابات البرلمانية لـ 2007، جرت مفاوضات لتشكيل الحكومة، وهذه المرة بقيادة عباس الفاسي، وحصل الحزب على حقيبتين فقط. هناك من يعتقد أن عدم مساومتكم في المفاوضات جعل الأطراف الأخرى تنظر إليكم كجهة مكملة لتشكيلة الحكومة، لا تزيد درجة استحقاقها عن حقيبتين.
- لا أعتقد أن هذه الفكرة هي ما كان يحرك طريقة تدبير المفاوضات حول توزيع المسؤوليات على الأطراف داخل الحكومة. بل إن ذلك رهين بميزان القوى داخل الساحة الوطنية، وميزان القوى داخل الإطار الواسع المساند للحكومة، علينا أن نجتهد كحزب وأن نحسن من نتائجنا وتواجدنا، ومن دون شك، حينئذ، سيستجيب القدر.
* في 2010، كان القرار الملفت لإسماعيل العلوي هو التخلي عن الأمانة والاعتزال النسبي، كيف وصلتم على نحو تشخيصي إلى هذا القرار؟
- لتوضيح الأمور، فإني لم أعتزل العمل السياسي، كما إنني لم أتخلى عن العمل السياسي اليومي، وكل ما هنالك هو مجرد التخلي عن مسؤولية الأمانة العامة. لقد كان من الضروري أن يعرف الحزب شيئا جديدا على عكس ما كان معتادا عليه.
وقد أرجعت قرار التخلي هذا إلى أسباب عدة، أولها عامل السن، إذ لما نصل إلى سبعين سنة في مجتمع أغلبية سكانه لهم أقل من 30 سنة، فإن المرء قد تنقصه قدرة على المواكبة، ثم إني أتحمل مسؤولية جديدة داخل الحزب وهي قيادة مجلس الرئاسة وهي مسؤولية ومهام لا بأس بها تكلفني بمعية رفاقي الآخرين أعضاء هذا المجلس، بعض الوقت والجهد.
ثم إن العمل السياسي لا يقتصر على العمل الحزبي الصرف، إذ لدي أنشطة أخرى تندرج في كل الأحوال في إطار العمل السياسي وإن كانت أنشطة جمعوية، مثل جمعية سلا المستقبل والجمعية المغربية لتنمية الأرياف وأنشطة أخرى، وهذا العمل يجعلني قريبا من المواطنين وكذلك مفيدا لهم وللبلاد، كما تكون تلك النشاطات مفيدة بالنسبة لسمعة الحزب.
* ولايتك الأخيرة، عرفت عودة المياه إلى مجاريها وان صاحبها جدل جانبي، مع طرف لطالما عد خصما، وهو حزب جبهة القوى الديمقراطية، ودخلتم في تحالفات داخل البرلمان وخارجه، هل كان هذا رهانا شخصيا، وتعتقدون بأن له مستقبلا؟
- لدى هذا التحالف آفاق واسعة بطبيعة الحال، فهذه خطوة أولى في طريق توحيد قوي اليسار برمتها، وهذا أملنا ، ويجب التأكيد أن هذا ليس عمل شخصي أو شخصين بل هذا عمل جماعي وينبغي أن يكون كذلك بالنسبة لجميع الأطراف المعنية بالأمر.
واعتقد ، انه مهما كان من أمر فإن الأمور تتقدم في هذا الاتجاه، دون أن نتخلى قيد أنملة عن مبادئنا وقيمنا وعن ما برر وجودنا في المجتمع.
* مرت فترة إدريس جطو بسلام، رغم ما صاحب بدايتها من تشنج.
- مرد ذلك إلى حنكة الرجل، فقد كان يمتلك مؤهلات التوفيق بين الأطراف والتعامل مع الهيئات السياسية المكونة للأغلبية، لقد كان إنسانا ينصت كثيرا ويفيد ويستفيد سياسيا.
* ثم جاءت الانتخابات التشريعية لـ 2007، وترشحت مرة أخرى في دائرة تاونات تيسة، ولمرة أخرى رسبت.
- ترشحت في دائرة تاونات- تيسة بعد تردد كبير، فقد ترشحت لخدمة الحزب هنالك. ومن المعروف أن حزب التقدم والاشتراكية قوي بتلك المنطقة وكان لدينا مناضل صلب هنالك هو الرفيق المسعودي العياشي، ويحظى بشعبية كبيرة.
ومن هذا المنطلق، ارتأى الرفاق هنالك، أن يترشح اسم عن الحزب لضمان جمع صوتهم وبقائم في صف واحد، وهذا ما كان، حيث ترشحت وخضنا حملة انتخابية نموذجية ونزيهة إلا أننا بالطبع اصطدمنا بكثير من الأشياء، بينها المال والنزوعات العرقية لدرجة أنه خلال الحملة، جرى استعمال مفهوم «البراني» بشكل مكثف، ولأن مجتمعنا للأسف لا يزال متخلفا، فقد فاز خصمنا الأساسي بالمقعد.
* خصمكم كان هو محمد عبو؟
- نعم، كان خصمنا الأساسي هو محمد عبو، الذي بعد فوزه أصبح وزير تحديث القطاعات العامة.
* جرى الحديث عن نية الطعن في نتائج الانتخابات، ثم تراجعتم عن ذلك؟
- لم نفكر يوما في الطعن في تلك الانتخابات، لأننا رأينا أن ذلك لن يحقق شيئا.
* ماذا كان تقييمكم الخاص بشأن «الرسوب المتكرر» في الانتخابات؟
- لم أبال بذلك بتاتا.
* وهل تفكر في الترشح من جديد لـ 2012؟
- كلا، لن أترشح من جديد، والطريقة الوحيدة التي يمكن أن أخوض بها تجربة الترشح مجددا، هي توحيد الصف الديمقراطي وأن يكون لهم مرشح وحيد، وإذا وقع علي الاختيار حينئذ، فقد أعيد التفكير في هذا الشأن. أما بالنظر إلى الوضع الحالي وفي حال استمراره، فليس لدي استعداد للقيام بذلك، فالترشح عمل مضن ومرهق، زد على ذلك أن التمثيل النيابي بات عملا صعبا بالنسبة لقدرة المرء إذا حاول أن يقوم بمهامه على وجه أكمل.
* دخل حزب التقدم والاشتراكية بعد 2007، في جدل جديد عقب تقييم نتائج الانتخابات بالنسبة للحزب، سيما أن ذلك التقييم أظهر أن تلك النتائج كانت أقل من المأمول فكانت خيبة الأمل، نتج عنها حراك داخلي توج بندوة وطنية، كيف كنتم تنظرون إلى ذلك الجدل؟
- حزب التقدم والاشتراكية جسد حي وكيان يواكب تطور الأحداث. وبالطبع، فإن انتخابات 2007 وما طبعها من عزوف ومن خطورة، جعل الجميع يطرح سؤالا وحيدا وهو إلى أين نسير؟
ومن الطبيعي أيضا بالنسبة لنا، أن يتحرك الحزب ليقوم بنقد ذاتي ليس بمعنى جلد نفسه، ولكن عن طريق إدراك ذاته، فكانت الندوة الوطنية.
* لكن قبل ظهور فكرة عقد الندوة الوطنية، كانت هنالك مطالب بعقد مؤتمر استثنائي.
- بالفعل، طالب بعض الرفاق بعقد مؤتمر استثنائي.
* ألم يكن يبدو أن تلك المطالب تنطوي على نية لتنحيتكم من الأمانة العامة؟
- لا أظن ذلك، ولم يعلن أحد عن أي شيء من هذا القبيل، إلا إذا كنت مغفلا ولم أكن أدري بما يجري من حولي. لا أعتقد بأن تنحيتي كان الهدف من وراء المطالبة بعقد مؤتمر استثنائي، لأن تدبير الحزب كان دائما بشكل جماعي، فيما يقتصر دور الأمين العام على التنسيق والتحريك.
* بعد الانتخابات البرلمانية لـ 2007، جرت مفاوضات لتشكيل الحكومة، وهذه المرة بقيادة عباس الفاسي، وحصل الحزب على حقيبتين فقط. هناك من يعتقد أن عدم مساومتكم في المفاوضات جعل الأطراف الأخرى تنظر إليكم كجهة مكملة لتشكيلة الحكومة، لا تزيد درجة استحقاقها عن حقيبتين.
- لا أعتقد أن هذه الفكرة هي ما كان يحرك طريقة تدبير المفاوضات حول توزيع المسؤوليات على الأطراف داخل الحكومة. بل إن ذلك رهين بميزان القوى داخل الساحة الوطنية، وميزان القوى داخل الإطار الواسع المساند للحكومة، علينا أن نجتهد كحزب وأن نحسن من نتائجنا وتواجدنا، ومن دون شك، حينئذ، سيستجيب القدر.
* في 2010، كان القرار الملفت لإسماعيل العلوي هو التخلي عن الأمانة والاعتزال النسبي، كيف وصلتم على نحو تشخيصي إلى هذا القرار؟
- لتوضيح الأمور، فإني لم أعتزل العمل السياسي، كما إنني لم أتخلى عن العمل السياسي اليومي، وكل ما هنالك هو مجرد التخلي عن مسؤولية الأمانة العامة. لقد كان من الضروري أن يعرف الحزب شيئا جديدا على عكس ما كان معتادا عليه.
وقد أرجعت قرار التخلي هذا إلى أسباب عدة، أولها عامل السن، إذ لما نصل إلى سبعين سنة في مجتمع أغلبية سكانه لهم أقل من 30 سنة، فإن المرء قد تنقصه قدرة على المواكبة، ثم إني أتحمل مسؤولية جديدة داخل الحزب وهي قيادة مجلس الرئاسة وهي مسؤولية ومهام لا بأس بها تكلفني بمعية رفاقي الآخرين أعضاء هذا المجلس، بعض الوقت والجهد.
ثم إن العمل السياسي لا يقتصر على العمل الحزبي الصرف، إذ لدي أنشطة أخرى تندرج في كل الأحوال في إطار العمل السياسي وإن كانت أنشطة جمعوية، مثل جمعية سلا المستقبل والجمعية المغربية لتنمية الأرياف وأنشطة أخرى، وهذا العمل يجعلني قريبا من المواطنين وكذلك مفيدا لهم وللبلاد، كما تكون تلك النشاطات مفيدة بالنسبة لسمعة الحزب.
* ولايتك الأخيرة، عرفت عودة المياه إلى مجاريها وان صاحبها جدل جانبي، مع طرف لطالما عد خصما، وهو حزب جبهة القوى الديمقراطية، ودخلتم في تحالفات داخل البرلمان وخارجه، هل كان هذا رهانا شخصيا، وتعتقدون بأن له مستقبلا؟
- لدى هذا التحالف آفاق واسعة بطبيعة الحال، فهذه خطوة أولى في طريق توحيد قوي اليسار برمتها، وهذا أملنا ، ويجب التأكيد أن هذا ليس عمل شخصي أو شخصين بل هذا عمل جماعي وينبغي أن يكون كذلك بالنسبة لجميع الأطراف المعنية بالأمر.
واعتقد ، انه مهما كان من أمر فإن الأمور تتقدم في هذا الاتجاه، دون أن نتخلى قيد أنملة عن مبادئنا وقيمنا وعن ما برر وجودنا في المجتمع.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
الحلقة الأخيرة - توشيحي بوسام العرش تقدير لحزب التقدم والاشتراكية ولكافة مناضليه
لدي بنت وولدان وستة أحفاد، وكم وددت لو تكون لي حفيدة بنت
* في ولايتكم الأخيرة كأمين عام لحزب التقدم والاشتراكية، ظهر إلى الوجود حزب الأصالة والمعاصرة. وقد جمعت هذا الحزب حينما كان جمعية فقط،علاقات ملتبسة مع بعض الهيئات السياسية. وقد دخلت حركة لكل الديمقراطيين في مباحثات مع هذه الأحزاب بينها حزب التقدم والاشتراكية، وضح لنا طبيعة الاتصالات التي حصلت بينكم وبين بحركة لكل الديمقراطيين حينئذ؟
- في الواقع لم تجمعنا أي علاقة ملتبسة كحزب بـ»حركة لكل الديمقراطيين»، وكل ما حدث هو أن الأسئلة توالت بعد رجة 2007، لبحث سبل الخروج من تلك الوضعية المزرية التي وصل إليها المسير الديمقراطي في المغرب.
ومن هنا، عبر بعض الإخوان وجزء منهم كان ينتمي إلى اليسار، عن رغبتهم في إنشاء جمعية أرادوا لها أن تكون لكل الديمقراطيين فسموها حركة لكل الديمقراطيين، وأطلقوا مجموعة من الاتصالات مع عدد من الهيئات السياسية لإطلاعها على مشروعهم. ونحن في حزب التقدم والاشتراكية باركنا هذه الخطوة، لما من شأنها أن تساهم في تحريك المشهد السياسي وجمع شمل الديمقراطيين.
وما حدث بعد ذلك، يؤسف له في الحقيقة. فقد لاحظنا كيف تغيرت مسارات الأمور، وتوجه أصحاب حركة لكل الديمقراطيين نحو تأسيس حزب سياسي، وهذا حقهم ولم نكن نرى مانعا في ذلك بتاتا. إلا أن كل شي تبدل بعدما راح حزب الأصالة والمعاصرة يجمع كل من هب ودب وينشل عناصر من هنا ومن هناك، ومن ثمة، كان موقفنا أن ما هذا بشيء مقبول من الناحية السياسية والأخلاقية على السواء.
لم يكن موقفنا مواريا ولا متواريا، بل كان صريحا. وكنت قد وظفت مصطلحا لوصف الوضع الذي وجد ذلك الحزب نفسه فيه، وأيضا طريقة نظرنا نحوه، لكن صحفيا حرفه وحوله إلى مصطلح يتضمن إيحاءات غير مقبولة، فقد ادعى أنني وصفت ذلك الحزب بمجموعة من اللقطاء، وهذه كلمة كما يعرف الجميع، تحمل دلالات سلبية وشحنة من المعاني المتدنية في مجتمعنا، فما كان مني إلا أن صدمت لهذا التحريف وأصدرت نفيا.
وما حدث في الواقع، أنني أجريت مقارنة مع الوضع الذي كنا نرى حزب الأصالة والمعاصرة عليه، وبعض الدوواويير في جهة الغرب مما كان يأتيها بعض الأفاقيين من أصول مختلفة ويسكنوها لأغراض شخصية مثل دوار «الملاكيط».
ورأيي، كان وما يزال، يقول بأن حزب الأصالة والمعاصرة في حال ما إذا كانت له أهداف واضحة وتندرج في إطار الحل الوسط التاريخي الذي ما فتئنا نؤكد عليه دائما، فإنه لن يكون لدينا مانع من أن نتعامل معه. وأما إذا كانت له أهداف بعيدة كل البعد عن هذا التصور، وهذا سيتضح ولا يمكن إخفاؤه، فإننا وباقي الهيئات السياسية المعنية، سنتخذ القرار المناسب في ذلك الوقت.
* كان هنالك حديث عن وجود مفاوضات بين حركة لكل الديمقراطيين وحزب التقدم والاشتراكية من أجل تأسيس حزب جديد يجمع بينكما، هل هذا صحيح؟
- لا أبدا، لم يحدث أن جرى الحديث عن هذا الموضوع خلال اللقاء الذي جمعنا بحركة لكل الديمقراطيين، كما لم تكن الفكرة واردة أصلا.
* تسلمت وسام العرش مؤخرا، ليكون ثاني توشيح بعد وسام العرش لعام 1993، ما هي دلالات هذا التوشيح؟
- أعتقد أن التأويل الذي قد أعطيه لتوشيحي من قبل جلالة الملك محمد السادس بوسام العرش هذه السنة، هو أن صاحب الجلالة أراد من خلالي، أن يعبر عن تقديره لعمل هيئة سياسية متميزة في البلاد، وأقدمها في الوجود رغم ما عرفته من تغييرات في الاسم. وهو كذلك نوع من التقدير من قبل جلالته لكافة المناضلين الأوفياء لخدمة بلدهم وشعبهم.
* إحك لنا عن حياتك الشخصية الأكثر خصوصية؟
- حياتي الشخصية بسيطة، لدي ثلاثة أبناء، (بنت وولدان)، يوسف هو ابن زواج أول مع سيدة تونسية الجنسية، وكنا ندرس معا، وتعرفنا على بعض، وأفكارنا كانت متطابقة، وعلاقتنا بقيت علاقة صداقة واحترام متبادل بعد الافتراق.
وبعد فراقي معها، أعدت بناء بيتي من جديد، وتزوجت من رفيقة حياتي الآن، ولنا معا ولد وبنت، وللأسف ولدنا عبد الحميد مصاب بمرض وراثي جعل حالته تتدهور مع مرور الزمن، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يكون أسرته هو أيضا.
لدي ستة أحفاد، كلهم ذكور، وكم وددت لو كانت لدي حفيدة بنت لتلطيف الأجواء لأن الأحفاد الذكور مشاكسون جدا.
ابنتي طبيبة في القطاع العمومي بالدار البيضاء، وولدي الأكبر مهندس في الإعلاميات يشتغل مع مقاولة أجنبية، وعبد الحميد أقعده مرضه، وأتحمل أنا تبعات مرضه، وهذا شيء طبيعي.
* في ولايتكم الأخيرة كأمين عام لحزب التقدم والاشتراكية، ظهر إلى الوجود حزب الأصالة والمعاصرة. وقد جمعت هذا الحزب حينما كان جمعية فقط،علاقات ملتبسة مع بعض الهيئات السياسية. وقد دخلت حركة لكل الديمقراطيين في مباحثات مع هذه الأحزاب بينها حزب التقدم والاشتراكية، وضح لنا طبيعة الاتصالات التي حصلت بينكم وبين بحركة لكل الديمقراطيين حينئذ؟
- في الواقع لم تجمعنا أي علاقة ملتبسة كحزب بـ»حركة لكل الديمقراطيين»، وكل ما حدث هو أن الأسئلة توالت بعد رجة 2007، لبحث سبل الخروج من تلك الوضعية المزرية التي وصل إليها المسير الديمقراطي في المغرب.
ومن هنا، عبر بعض الإخوان وجزء منهم كان ينتمي إلى اليسار، عن رغبتهم في إنشاء جمعية أرادوا لها أن تكون لكل الديمقراطيين فسموها حركة لكل الديمقراطيين، وأطلقوا مجموعة من الاتصالات مع عدد من الهيئات السياسية لإطلاعها على مشروعهم. ونحن في حزب التقدم والاشتراكية باركنا هذه الخطوة، لما من شأنها أن تساهم في تحريك المشهد السياسي وجمع شمل الديمقراطيين.
وما حدث بعد ذلك، يؤسف له في الحقيقة. فقد لاحظنا كيف تغيرت مسارات الأمور، وتوجه أصحاب حركة لكل الديمقراطيين نحو تأسيس حزب سياسي، وهذا حقهم ولم نكن نرى مانعا في ذلك بتاتا. إلا أن كل شي تبدل بعدما راح حزب الأصالة والمعاصرة يجمع كل من هب ودب وينشل عناصر من هنا ومن هناك، ومن ثمة، كان موقفنا أن ما هذا بشيء مقبول من الناحية السياسية والأخلاقية على السواء.
لم يكن موقفنا مواريا ولا متواريا، بل كان صريحا. وكنت قد وظفت مصطلحا لوصف الوضع الذي وجد ذلك الحزب نفسه فيه، وأيضا طريقة نظرنا نحوه، لكن صحفيا حرفه وحوله إلى مصطلح يتضمن إيحاءات غير مقبولة، فقد ادعى أنني وصفت ذلك الحزب بمجموعة من اللقطاء، وهذه كلمة كما يعرف الجميع، تحمل دلالات سلبية وشحنة من المعاني المتدنية في مجتمعنا، فما كان مني إلا أن صدمت لهذا التحريف وأصدرت نفيا.
وما حدث في الواقع، أنني أجريت مقارنة مع الوضع الذي كنا نرى حزب الأصالة والمعاصرة عليه، وبعض الدوواويير في جهة الغرب مما كان يأتيها بعض الأفاقيين من أصول مختلفة ويسكنوها لأغراض شخصية مثل دوار «الملاكيط».
ورأيي، كان وما يزال، يقول بأن حزب الأصالة والمعاصرة في حال ما إذا كانت له أهداف واضحة وتندرج في إطار الحل الوسط التاريخي الذي ما فتئنا نؤكد عليه دائما، فإنه لن يكون لدينا مانع من أن نتعامل معه. وأما إذا كانت له أهداف بعيدة كل البعد عن هذا التصور، وهذا سيتضح ولا يمكن إخفاؤه، فإننا وباقي الهيئات السياسية المعنية، سنتخذ القرار المناسب في ذلك الوقت.
* كان هنالك حديث عن وجود مفاوضات بين حركة لكل الديمقراطيين وحزب التقدم والاشتراكية من أجل تأسيس حزب جديد يجمع بينكما، هل هذا صحيح؟
- لا أبدا، لم يحدث أن جرى الحديث عن هذا الموضوع خلال اللقاء الذي جمعنا بحركة لكل الديمقراطيين، كما لم تكن الفكرة واردة أصلا.
* تسلمت وسام العرش مؤخرا، ليكون ثاني توشيح بعد وسام العرش لعام 1993، ما هي دلالات هذا التوشيح؟
- أعتقد أن التأويل الذي قد أعطيه لتوشيحي من قبل جلالة الملك محمد السادس بوسام العرش هذه السنة، هو أن صاحب الجلالة أراد من خلالي، أن يعبر عن تقديره لعمل هيئة سياسية متميزة في البلاد، وأقدمها في الوجود رغم ما عرفته من تغييرات في الاسم. وهو كذلك نوع من التقدير من قبل جلالته لكافة المناضلين الأوفياء لخدمة بلدهم وشعبهم.
* إحك لنا عن حياتك الشخصية الأكثر خصوصية؟
- حياتي الشخصية بسيطة، لدي ثلاثة أبناء، (بنت وولدان)، يوسف هو ابن زواج أول مع سيدة تونسية الجنسية، وكنا ندرس معا، وتعرفنا على بعض، وأفكارنا كانت متطابقة، وعلاقتنا بقيت علاقة صداقة واحترام متبادل بعد الافتراق.
وبعد فراقي معها، أعدت بناء بيتي من جديد، وتزوجت من رفيقة حياتي الآن، ولنا معا ولد وبنت، وللأسف ولدنا عبد الحميد مصاب بمرض وراثي جعل حالته تتدهور مع مرور الزمن، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يكون أسرته هو أيضا.
لدي ستة أحفاد، كلهم ذكور، وكم وددت لو كانت لدي حفيدة بنت لتلطيف الأجواء لأن الأحفاد الذكور مشاكسون جدا.
ابنتي طبيبة في القطاع العمومي بالدار البيضاء، وولدي الأكبر مهندس في الإعلاميات يشتغل مع مقاولة أجنبية، وعبد الحميد أقعده مرضه، وأتحمل أنا تبعات مرضه، وهذا شيء طبيعي.
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
رد: مولاي إسماعيل العلوي... أوراق من ذاكرة السياسة
المصدر : بيان اليوم (رمضان )
http://tinyurl.com/mz7wj4k
http://tinyurl.com/mz7wj4k
slimani- عدد الرسائل : 579
العمر : 66
Localisation : SALE
تاريخ التسجيل : 12/08/2006
مواضيع مماثلة
» مولاي إسماعيل يغادر حياة العزوبية ويدخل «قفص» الزوجية
» ميلاد مولود ذكر للأمير مولاي إسماعيل
» الملف الاسبوعي لجريدة الاتحاد الاشتراكي : التعديلات الدستورية والبروتوكول الملكي
» قاعِديّون بجامعة مكناس يُحاكمون فتاةً ويقضون بَحلقِ شَعْرَها وحَاجِبَيْها
» المغرب المنقرض / والتر هاريس
» ميلاد مولود ذكر للأمير مولاي إسماعيل
» الملف الاسبوعي لجريدة الاتحاد الاشتراكي : التعديلات الدستورية والبروتوكول الملكي
» قاعِديّون بجامعة مكناس يُحاكمون فتاةً ويقضون بَحلقِ شَعْرَها وحَاجِبَيْها
» المغرب المنقرض / والتر هاريس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى