الدّهاء من التّريخ والقدر

                                الدّهاء من التّاريخ والقدر ...

يولد الإنسان من صفر ، لا يعرف سوى البكاء حزنا لا يفهمه إلّا الخالق ، يتطوّر بنية ويتعلّم ليدرك وجوده وتواجده ثمّ يستعمل عقله متعلّما من التّقليد والتّربيّة العنيفة لغة وضربا وهكذا تتكوّن طبقات العقل ويحشوها الواقع بتجارب إيجابيّة وأخرى سلبيّة فيقع بين زمرة من المتصارعين فكريّا ومادّيّا ، يحتار ويتيه بين من يحتلّون جسده وأحلامه وخياله ...

يجرّب الإنسان عقله ليخترق سيّاجا بشريّا يخنقه ويفشل تطلّعاته ، يكرّر المسعى ليثبّت قدميه بين المحتلّين والمحتالين ..حينها يحسّ بأنّ الرقيّ لا يكون بالثّقافة أو بالذّكاء أو بالمحاباة ، بل يلاحظه ويرى سلّمه المكوّن من درجات متفاوتة ، دهاء... لا يركبها ولا يتسلّق حواجزها سوى الملغوم بالحيّل والدّسائس بالمنطق أو غيره فالدّهاء يحتاج لأسلحة مادّيّة أو معنويّة لفرض حقبة تاريخيّة أساسها القدر .. غيّر موسى الأشعريّ وضعيّة قانونيّة في التّاريخ حين ثبّت معاويّة ونزع عليّا رضي الله عنه ولو كانت غير قانونيّة حسب الدّين والعرف اعتبر الدّهاء محورا أساسيّا لفرضها ...

الدّهاء درجات يختلف من شخص إلى آخر ومن عصر إلى عصر فإن ظهر ذو دهاء في فترة تاريخيّة بدعامة من القدر أتى الأدهى منه ليزيحه فتأتي حقبة أخرى وهكذا يتنوّع التّاريخ بالدّهاء المقدّر في بني آدم فالتّحوّلات التّاريخيّة لا تحتاج للعقلاء والفقهاء والمثقّفين والسيّاسيّين والأغنيّاء والفقراء والمظاهرات والثّورات والانقلابات بقدر ما تحتاج لداهيّة يقودها ووقودها ...ولو كان أقلّ درجة من الجماعة المؤيّدة له وللتّغيير ، العديد منّا يعتقد في مسيّر يظنّه قويّا ومتفتّحا على مصالح البلاد وضامنا لازدهار العباد ، لكنّه في الحقيقة مسنود بدهاة حوله يحمونه ويحمون قدرهم ليحقّقوا أغراضهم في انتظار من يمحي سطوتهم بالتي هي الأدهى  ... لا يمكن للأفكار أن تضاهي الدّهاء ولا احد يسيّره لأنّه محور الحقب التّاريخيّة وأساس قدر يكتب سطوره وقد استعملت الطّبقات الدّنيا والوسطى لتأييده والاندفاع وراءه ظالما أو عادلا علما بأنّ صراع الدّهاة تكون حلبته في الطّبقة العليا حيث الانتصارات والهزائم مع الكبار المؤرّخين لدور قلب أزمنة البشر وتغييرها ... .