دراسة آليات الدفاع النفسية لدی بشّار بن برد
صفحة 1 من اصل 1
دراسة آليات الدفاع النفسية لدی بشّار بن برد
دراسة آليات الدفاع النفسية لدی بشّار بن برد
صدقي، حامد
البروفيسور بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الخوارزمي بطهران.
سهرابي، تورج
الماجستير بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الخوارزمي بطهران. ال?اتب المسؤول :toorajsohrabi67@yahoo.com
خزلي، مسلم
طالب الد?توراه بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الرازي ب?رمانشاه.
أما في ختام هذا المقال استنتجنا أنّ أهمّ آليات الدفاع التي لجأ إليها بشّار للتنفيس عمّا يعتمل بداخله من صراعات وتنافس: التقمّص أو التوحّد، الت?وين الع?سـي، الاستدماج، التقديس، الإسقاط، ال?بت، الإن?ار، التبرير، المزاح والاستهزاء بالآخرين، التواصل، الإزاحة، التعويض فالتسامي، وأحلام اليقظة. قد ي?ون بعض هذه الطرق ايجابية، وقد ت?ون سلبية.
ال?لمات المفتاحية: آليات الدفاع النفسية، زيغموند فرويد، بشّار بن برد، الاضطرابات النفسية والروحية.
دراسة آليات الدفاع النفسية المستعملة لدی بشّار تجاه عقدة نقصه
?لّما تعرّض المرءُ لخطرٍ ما، قد يحدث له نوعٌ من التأزم النفسـي، وعندما ينعكس الإحباطُ على الفرد الذي يعاني منه ينعكس الإحباط على شخصيته بإطارها العام وقد نلاحظ ذل? في جانبٍ من جوانب شخصيته، ثم يسعی إلی معالجة مش?لته ويبذل جهداً يتناسب مع ما يتطلب معتمداً علی طاقاته، ويجب أن نقول إنّ الناس يختلفون في مدى تحمّلهم للضغوط، إذ إنّ لكلّ منّا قدرةً معيّنة على تحمّل بعض الضغوط والإحباط، فإذا تجاوزها فإنّ تغيّرات معاكسة سوف تحدث، فقد نجد موقفاً ما يثير حالةً مِن الاضطراب لدى فرد معين ولكنّه لايثير مثل هذه الحالة لفرد آخر.
يجد الإنسانُ نفسَه أحياناً عرضةً لرغبات متناقضة واضطرابات حادّة، فيسعی لإيجاد حلولٍ ترضي ضميرَه، وقد يفشل في ذل? ويصبح عرضةً للاضطرابات النفسية والتوتّر، وقد يتعلّم في حياته أنواعاً من العمليات والسلو? تساعده علی النجاح، واحدة من تل? العمليات الدفاعية للتخفيف من مشا?له وللمحافظة علی توازنه الداخلي؛ هي »آلية الدفاع النفسي«. يحاول المرء أن يخدع نفسه بهذه الطريقة، ولابدّ من القول إنّ آليات الدفاع تتدخّل عندما يعجز المرء عن إيجاد حلول مناسبة لصراعاته ومشا?له النفسية.
يهدف هذا الباب إلی الحديث عن آليات الدفاع النفسي التي استعملها بشّار بن برد للتخفيف من ضغوطه النفسية.
الفرضية التي يعتمدها هذا البحث هي أنّ بشّاراً لم يمتل? الشعور بالأمن الروحي والنفسي، فاستعمل آليات الدفاع لتقليل الضغوط النفسية الناشئة من إحباطه في الحياة.
وما تقصد الدراسة الإجابة عنه هو هذا السؤال: ما هي آليات الدفاع المستعملة عند بشّار لنيله الهدوء والس?ينة؟
إنّ للدراسات السابقة أهمية وفائدة ?بيرتين في مجال البحث العلمي، والشقّ الآخر من هذه الدراسة هو جهد قائم علی الاستنتاج من ?لّ ما جاء في الدراسات السابقة إلی حدٍ ما، فلابدّ من الرجوع إليها والاستناد عليها.
فيما يلي نذ?ر بعض الدراسات التي ترتبط ببحثنا هذا:
يذ?ر »يوسف حسين ب?ّار« من خلال دراسته »التعويض النفسـي عند بشّار بن برد« (1352ش) أنّ التناسي والتجاهل عن عاهته، الاعتداد بمقدرته الجنسية، اجادته في الوصف والصورة الشعرية، واعتداده بالتفوّق اللغوي؛ تعويض عن شعوره بعاهته، وخلصت دراسته إلی هذه النتيجة: أنّ بشّاراً قام بتعويضات مختلفة عن عاهته وضغوطه.
وإلي? فهرسة لميزة دراستنا وما أغفلته تل? الدراسات مقارنةً بما حاولنا اثباته:
أغفل يوسف حسين ب?ّار في دراسته أن يجزم مباحثه بوجهات النظر عن علم النفس بحيث جعلها دراسة أدبية محضة، وفي حين أنّه أردف اسم دراسته بـ »النفسي«. أما نحن فقد جئنا في دراستنا بالنماذج الشعرية من ديوان بشّار، وأسندناها إلی علم النفس.
ومن خلال استعراضنا للدراسات السابقة نجد أنّ جلّ الدراسات التي تناولت شاعرية بشّار، قد أشارت إلی خصائصه الفنّية وإلی زندقته وإلی مجونه و..، ول?نّها أغفلت دور نفسية بشّار استعانة بالمنهج النفسي -إلی حدّ ?بير وهذا هو الشيء الذي تناولناه، فقد ر?ّزنا علی آليات الدفاع النفسي لدی بشّار، في حين أنّ هنا? دراسات في نفسية بشّار، ول?نّها أغفلت آليات الدفاع النفسي لديه، ولم تتطرّق إليها تل? الدراسات ?دراستنا هذه.
بعد التأمّل في أوضاع عصرٍ عاش فيها بشّار بن برد، ومجتمعه، والظروف القاسية الحا?مة ?الظلم والصراعات بينه وبين أعدائه، وتحقير وتمسخرهم عليه بسبب ?ونه مولیً، ووجود عوامل بيئية، عائلية، ووراثية، مثل الفقر، التنشئة الأسرية وذلّتها، قباحة وجهه، وعاهته التي أدّت إلی ت?وين ال?ثير من المرارة والضغوط النفسية في ضميره، فتل? العوامل ?لّها جرّته إلی ت?وين عقدة النقص، إذ إنّ الإحباط والضغوط كثيراً ما يؤدي إلى الغضب والعدوان، فأدر? بشّار أنّه لا يستطيع مقابلة المبصرين من الشعراء، لأنّه ?ان يشعر أنّه م?شوف لبصرهم، وهم مستورون عنه لايستطيع أن يجسّد معايبهم الخلقية، وقد رسّخ هذا في نفسه ?رهاً للناس وتبرّماً شديداً بهم.
إنّ الشخص المصاب بعقدة الحقارة »النقص«، أو الذي يشعر بالحقارة يحاول أن يسدّ نقصَه الداخلي، أو لأجل إقناع نفسه على الأقل، يقدم على أفعال يتصوّرها صحيحةً ومناسبة، لهذا فإنّه يحاول أن يبرّر كلّ عملٍ من أعماله بأسلوبٍ معقول صحيح حتى يقنع الناس بذلك. وحين يؤدي الشعور بالحقارة إلی الانفعال عند الفرد، فسيسعی إلی م?افحة هذه الحقارة، والتخلّص من هذه الظروف القاسية، وإن لم يستطع الغلبةَ علی حقارته بسبب ضعفٍ ما أو لأسباب أخری؛ يشدَّد ذل? الشعور المرّ، ويعقبه بآلية نفسية [1].
ل?لّ فرد طبيعي أو غير طبيعي آليات للدفاع النفسي، وهي عمليةٌ تلقائية ومنسّقة تعمل لتقليل الاضطرابات النفسية، وهي أساليب عقلية لا شعورية تقوم بتشويه الخبرات وتزييف الأفكار والصراعات التي تمثّل تهديداً ما.
والذي لم يتسلّح بهذه الآليات؛ فلن يقدر أن يدافع عن نفسه تجاه المسائل العاطفية والاجتماعية [2].
ولعلّ أهمّ خاصية لهذه الآليات-كما تناولها أصحاب مدرسة التحليل النفسي- أنّها: 1. تحدث وتعمل لا شعورياً بحيث لا يفطن الفردُ إليها، فمستخدمها لا يعرفها أو يدركها على أنّها آليات دفاعية 2. أنّها قادرة على التكيُّف مع العوامل النفسية المش?لة 3. أنّ آليات الدفاع تُعدّ نوعاً من الحيل، وتحرّف وتنكر وتكبت أجزاءً جوهرية من الواقع 4. أنّ الاستفادة المت?رّرة منها هي سمةٌ لسلبية شخصيته [3].
تحتلّ آليات الدفاع النفسية م?انةً هامّة في نظرية التحليل النفسي بوصفها جزءاً من الآليات الدفاعية التي يمتل?ها الأنا في تعامله مع الواقع الخارجي، فعندما يعجز الأنا عن التوفيق بين الواقع الخارجي واندفاعات الهو ونواهي الأنا الأعلی ينشأ الصراع، وعندما يفشل الأنا في حلّ الصراع تتحوّل الطاقة النفسية المتضاربة إلی قلق لاشعوري غامض، ومن أجل صدّ هذا القلق الغامض والتغلّب عليه يقوم الأنا بحشد وسائل الدفاع النفسي التي تخفّف من حدّة القلق [4].
الهو: هو مستودع الغرائز الفطرية والموروثية والرغبات، ?ما يحتوي علی عمليات م?تسبة ت?وّنت نتيجة لعملية ال?بت في أثناء الصراع مع البيئة، والهو هو الذي يدفع الفرد لتحقيق ملذاته وشهواته ولا يعترف بالواقع أو القيم أو القوانين [5].
الأنا: هو الشخصية الخاصّة بالإنسان ممّا يميّزه عن الآخرين، ينشأ عن مواجهة الطاقة الغريزية بواقع البيئة، يميل الأنا بطبيعته إلی تحقيق رغبات الهو بما يتّفق والواقع [6]، وهو الجزء الشعوري الذي يوفّق بين مطالب الهو والبيئة الخارجية، »يحاول إن يضع مبدأ الواقع محل مبدأ اللذة الذي يسيطر علی الهو.. وهو نظام معقّد من العمليات النفسية التي ت?ون بمثابة الوسيط بين الهو والعالم الخارجي« [7].
الأنا الأعلی: يقوم بعملية ال?فّ وردع الفرد عن إتيان ما يخالف القيم والمثل والقوانين وهو لا شعوري إلی حدّ ?بير [8]، وفي وجوده تحترم اللياقة الاجتماعية وال?رامة الإنسانية.
كان فرويد أوّل من تحدّث عن آليات الدفاع النفسية، ورأى في هذه الآليات نوعاً من الحلّ النفسي الاضطراري لتجنّب الصراعات. أما ابنتُه آنا فرويد؛ فقد كانت أوّل من عمَّق ووسّع مفهومَ آليات الدفاع وقد أجرت أوّل دراسة تامّة ومنتظمة عنها، وصنّفت عشرة أشكال من آليات الدفاع النفسي [9].
فإذا استخدمت الحيل الدفاعية بش?ل مسرف فإنّها تمنع الفردَ من التعامل مع الناس بطريقة واقعية، وتؤثّر سلبياً في نموّه، وتن?ر الواقع، وتغير تف?يرنا.
عبّر عنها علماءُ التحليل النفسي بأنّها تشكل أنماطاً سلوكية لدفاع الأنا عن نفسها في سبيل إعادة التوازن للشخصية. تسبّب أن يحمل الفرد ت?يفاً مع الجوّ المتوتّر. ليست هذه الحيل الدفاعية متساوية فيما تتر? من آثار علی الشخص.آليات الدفاع ا?تسابية، وتستعمل للحيلولة دون فقدان الأنا لقيمتها بصورة تلقائية [10]. هي أساليب عقلية لاشعورية تقوم بتشويه الخبرات وتزييف الأفكار والصراعات التي تمثّل تهديداً، وهي تساعد الناس على خفض القلق حينما يواجهون معلومات تثير التهديد [11].
فيما يلي استعراض لأهمّ آليات الدفاع التي لجأ إليها لاشعورُ بشّار للتنفيس عمّا يعتمل بداخله من صراعات وتنافس :
التقمّص أو التوحّد: »يكتسب به الشخصُ بصورة لاواعية خصائصَ شخص آخَر تربطه به روابط انفعالية قوية« [12]، ويستعير ويتبنّی وينسب إلی نفسه ما في غيره من صفات مرغوبة، ويتراءی علی غرار ذل? الشخص للحدّ من القلق.
إنّه في الواقع بمعنی الاستلهام من الآخرين،وذل? يمهّد السبيل إلی الهوية، ويقوّي الثقة بالنفس لدی الفرد [13].
من المستحسن أن نشير إلی أنّ التقمّص يشبه الإسقاطَ ول?نّه يأخذ اتجاهاً معا?ساً، فبدلاً من أن ي?ون الفرد بعيداً من نفسه ?ما يحدث في الإسقاط، فإنّه في التقمّص يأخذ خصائصَ فردٍ آخر.
فنری بشّاراً يعتبر نفسَه مثل الخليفة في المقام والم?انة الرفيعة، ويساوي نفسه معهم، رغم أنّه ?ان ضريراً مولیً؛ ?لّ ذل? ليغطّي علی عاهاته ويرفع نفسه:
يغدُو الخَلِيفَةُ مِثلِي فِي مَحَاسِنِهِ وَلَستَ مِثلِي فَنَم يا مَاضِغَ المَاءِ1 [14]
وفي م?انٍ آخر يجعل نفسه في معر?ةٍ رافق فيها المقاتلين، ويجعل نفسَه في معر?ةٍ جنباً إلی جنب المحاربين:
أحَلَّت بِهِ أُمُّ المَنَايا بنَاتِهَا بِأسيافِنَا، إنَّا رَدَی مَن نُحارِبُه
إذا المَلِ?ُ الجَبّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ
مَشَينَا إليهِ بِالسُّيوفِ ُعَاتِبُه [15]
الت?وين الع?سي: عبارة عن إبدال المشاعر المسبّبة للحصر بمشاعر مناقضة لا تتسبّب فيه، ?الذي يخاف ولا يريد أن يطلع الناس علی خوفه، فيظهر الشجاعة ويغالي فيها، أو ?الذي يضمر ال?راهية وتستبدّ به ميولُه العدوانية فينجح في ?بتها بأن يظهر الحبّ [16]، معنى التكوين العكسي هو أن يحاول الإنسان تبنّي اتجاهٍ ما أو رأي معين في مسألة أو قضية مطروحة، ولكن هذا الاتجاه أو الرأي يخالف ما يضمره من آراء أو اتجاهات، تسبّب له ضيقاً أو قلقاً أو شعوراً بالذنب.
فإنّ الإنسان قد يُظهر سلوكاً لكنّه يخفي السلوك الحقيقي، ?ما قلنا فإظهار سلوك المودّة والمحبة المبالغ فيهما، قد يكون تكويناً عكسيّاً لحالة العدوان الكامن الذي يمتلكه الفردُ في داخله. وإذا تأمّلنا في هذه الحالة وجدنا أنّ الإنسان يحاول تكوين مقاومة مضادة، خلالها يخفّف من وطأة مشاعره المرتبطة بما يضمره من اتجاه أو آراء مضادة لما يعلنه.
لمّا نَهی الخليفةُ المهديّ بشّاراً عن التغزّل الإباحي والنسيب والتشبيب في النّساء؛ اضطرّ بشّار إلی القيام بعمل يخالف عمله السابق إرضاءً لأمر الخليفة ومخالفاً لضميره، فارتدّ عنه ولم يرجع إلی إنشاد الشعر في النساء، في قولٍ ظاهر الإيمان:
فَقَد ?نتُ فِي ظلّ العَذارَی مُرَفَّلاً أُحَبُّ وَأُعطَی حَاجَتِي حَيثُ حَلَّت فَغَيَّرَ ذَا?َ العَيشَ تَاجٌ لَبِستُهُ وَ طَاعَةُ وَالٍ أحرَمَت وَ أحَلَّت2 وَ نُبِئتُ نِسوَاناً ?َرَهنَ تَحَلُّمِي وَ لِلهِ أوبِي أ?ثَرَت أم أقَلَّت3 إذَا أنَّا لَم أعطِ الخَلِيفَةَ طَائِعاً يَمِيني فَلَا قَامَت لِ?َأسٍ وَ شَلَّت [17]
قَامَ الخَلِيفَةُ دُونَهُ فَصَبَرتُ عَنهُ وَ مَا قَلَيتُهُ وَنَهَانِي المَلِ?ُ الهُمَا مُ عَنِ النَّسَاءِ وَ مَا عَصَيتُهُ [18]
[19] هنا يقرّ بشّار بأنّه ?ان متعوّداً بالتغزل والنسيب للنساء منذ زمنٍ بعيد، ول?نّ العناية بأمر الخليفة المهدي حسبُ منعه عن ذل?، مع أنّ في باطنه الرغبة في الحبّ للنسوان.
وأيضاً:
هَجَرتُ الآنِسَاتِ وهُنَّ عِندِي ?َمَاء العَينِ فَقدُهُمَا سَوَاءُ وَقَد عرَّضنَ لي واللّهُ دُونِي أعُوذُ بِهِ عَرَضَ البَلَاءُ ولَولَا القَائِمُ المَهدِي فِينَا حَلَبتُ لَهُنَّ مَا وَسعَ الإنَاءُ فَقُل للغَانِياتِ يقِرنَ إنِّي وَقَرتُ وَحَانَ من غَزَلِي انتِهَاءُ نَهَانِي مَالِ?ُ الأملَا?ِ عَنَها فَثَابَ الحِلمُ وانقَطَعَ العَنَاءُ علَی الغَزَلَي سلَامُ اللهِ منِّي وإن صنع الخلِيفةُ ما يشاءُ4
يفهم من الأبيات السالفة أنّ بشّاراً ?ان لا يزال يحنّ للمغازلة، ول?نّه تر?ها طاعةً للخليفة، أما تذ?ره لها فلا يفتأ عنه وإن أباه الخليفة.
وله أيضاً:
لَهَوتُ حتَّی رَاعَنِي غَادِياً صَوتُ أمِيرِ المُؤمِنِينَ المُجَاب لَبَّي?َ لَبَّي?َ هَجَرتُ الصِّبَا وَنَامَ عُذَّالِي وَمَاتَ العِتَاب لَا نَا?ِثاً عَهداً وَلَا طَالِباً سُخطَ?َ مَا غَنَّی الحَمَامُ الطِّراب أبـصَرتُ رُشدي وَهَجَرتُ المُنَی وَرُبَّمَا ذَلَّت لَهُنَّ الرِّقَاب [20]
يقصد بشّار بالبيت الأوّل، ?ان الخوف من الخليفة هو العامل الأصلي للتجنّب عن النسيب والتغزّل بالمحبوبة. يشير (هجرت المنی) في البيت الأخير إلی أنّ الشغف بالجميلات في نفسه ول?ن الإطاعة عن أمر الخليفة أ?ثر أهميةً له.
الاستدماج)الاحتواء):
»يقوم الفرد باستدماج الموضوعات التي يهتمّ بها في داخل ذاته بحيث تصبح جزءاً من ذاته، ?أنّ الفرد يمتصّ موضوعات العالم الخارجي ويدخلها، أو يبتلعها في ذاته« [21].
والاستدماج عبارة عن آلية دفاعية لا شعورية، يأخذ فيها المرء لنفسه خواص وقيم شخص آخر أو مجموعة أخری تربطه به روابط عاطفية قوية جداً. في الواقع هو امتصاص الفرد في داخله قيم الآخرين.
?ان بشّار يعتقد بأنّه هو مَن أحدث في الآخرين تطوّراً ورُقيّاً، أ?سبهم الشهرةَ ف?ان ينسب شهرتَهم في الشعر إلی ذاته هو وقدرته، أي يعزي ?لَّ ما ?سب الناسُ إلی نفسه، فللدافع عنه دون حمّاد –وهو ?ان من أعدائه- زعَمَ أنّ أشعارَ حمّاد تقليدٌ عن أشعاره، وهي زائفة:
إذَا أنشَدَ حَمَّادٌ فَقُل أحسَنَ بَشَّارُ [22]
تَسَـرَقتَ شِعرِي فَإ?تَسِبتَ بِهِ الغِنَی وَ مَا ?َانَ لَقَّاطُ النَّوَی بِ?َسُوبِ [23]
ندر? إلی أنّ بشّاراً انتسب صفة »السارق« إلی أبي هشام الباهلي، إذ ارتزق من أشعاري حتّی وصل إلی الثروة والغنی.
ومنه قوله أيضاً:
وَلَولَا اصطِنَاعِي مَالِ?اً وَ ابنَ مَال?ٍ قَدِيماً لَمَا زَلَّت بِهِ النَّعلُ فِي البَحرِ5 [24]
وَ جَادَت الخَيلُ بِنَا طَنجَةَ ذَاتَ العَجَبِ6 حَتَّی رَدَدنَا المُل?َ فِي أهلِ النَّبِيَّ العَرَبِي [25]
فإنّه يصوّر مدی الاستدماج الذي مارسه بشّار في التغطية علی سلبياته. يتحدّث و?أنّ مفاخر المسلمين والمقاتلين والمجاهدين والمضحّين ?لّها قد اجتمعت لبشّار نفسه وأنّه ?ان واحداً من الذين ردّوا المل? لبني العباس الذين اعتقد أنّهم أهل البيت النبي (ص).
التقديس:
حيلةٌ دفاعية، تستخدم لرفع قيمة الفرد بشكل مبالغ فيه، فيصف ممدوحه بكلّ المحاسن التي فيه، ويضِف عليها محاسن أخری يبالغ فيها ثمّ ينسب جميع هذه المحاسن لنفسه أيضاً، ويحدّ من الصفات السلبية ليجعلها أدنی مستوی [26]. من أهم عيوب هذه الحيلة، أنّها تبعد الشخص عن الحقيقة.
?ان بشّار يفتخر في عهد بني أميّة ب?ونه مولیً من قبيلة قيس وذل? بسبب التشدّد والعصبية السائدة علی عصره، ول?ن في العصر العباسي تغيرت سياسته تجاه العرب، فانصرف عن ولائه وحبّه إليهم، وأزدراهم، انظر إليه وهو يبالغ في مدح أجداده و?يف ينسب لنفسه وأجداده صفات قدسية، ويبرّئ نفسه عن الصفات القبيحة.
وقد بدأ يلجأ إلی نسبه الفارسي، وهنا نراه يقابل محقّري نسبه العجميّ بالافتخار بعجميته:
جَدِّي الّذِي أسمُو بِهِ ?ِسـرَی، وَ سَاسَانُ أبِي وقيصـرٌ خالي إذا عددتُ يوماً نَسَبي [27]
ثم يتحامل علی ما ?ان يفتخر به في ماضي الزمان فينال من العرب ويحقّرهم لشظف العيش في الصحراء:
وَ لَا حَدَا قَطُّ أبِي خَلفَ بِعِيرِ جَرِبِ وَ لَا أتَی حَنظَلَةً يَثقُبُهَا مِن سَغَبِ7 وَ لَا شَوينَا وَرَلاً مُنَضنِضاً بِالذَّنَبِ8 وَ لَا تَقَصَّعتُ وَ لَا أ?َلتُ ضَبَّ الحِزَبِ9 [28]
فَيَا عَجَبَا مِنَ العَبدِ المُذَ?ِّي أيَظلِمُنِي وَلَيسَ بِذِي سِوُارِ10 أقُولُ لَهُ وَلِي فَضلٌ عَلَيهِ ?َفَضلِ القَسوَرِي عَلَي الوِبَارِ11 خُلِقنَا سَادَةً وَخُلقتَ ?َلباً ?َ?َلبِ السُّوءِ يلحَقُ بالقِطَارِ12 أرَادَ بِلؤمِهِ تَدنِيسَ عِرضِي وَأينَ الشَّمسُ مِن دَنَسٍ وَعَارِ [29]
إنّ بشّاراً غلا في ذ?ر محاسنه، ول?ن قام بتضخيم عيوب الآخرين، وتحقيرهم، واعتبر خلقتهم من ال?لب.
الإسقاط: هو ما يعني إطلاق الأفكار والانفعالات الموجودة والأف?ار والآمال داخل الفرد خارج ذاته، بعبارة أخری هو أن ينسب الفرد ما في نفسه من عيوب وصفات غير مرغوب فيها إلی غيره من الناس ويلصقها بهم [30]. ?ما يری «نرمان لي» أنّ: «الإسقاط ردّ فعلٍ تعويضي يستعمَل لأجل الإحالة دون الاضطراب» [31].
فهو أن يلجأ إلی إخراج الدفعات العدوانية مثلاً، أو تهديدات ضمير، بأن ينسبها للعالم الخارجي أو أشخاص آخرين، فبدلاً من أن نقرّ بأنّنا ن?ره شخصاً فإنّنا ننسب ال?راهية للشخص هذا، وقد تُعذبنا ضمائرنا فنخفّف من عذابات الضمير بأن تقول إنّنا مضطهدون. والإسقاط يفيد من حيث أنّه يخفض التوتّر نتيجة استبداله للخطر الأ?بر بخطر أقلّ شأناً، ?ما أنّه يتيح الفرصة لمن يلجأ إلی الإسقاط أن يعبّر عن دفعاته تحت ستار الدفاع عن النفس [32]، وهو محاولة الإنسان أن يسقط ما بداخله من فشل أو مشاعر مؤلمة أو نوازع سلبية على الغير.
?ما تناولنا بالوصف والتوضيح فيما سبق، ?ان بشّار متّهماً بالزندقة وال?فر،وهو في طليعة الزناديق، «ابن قتيبة يتّهم بشّاراً: بأنّه ?ان يرمي بالزندقة» [33]، ومن خصومه الذين اتّهمهم بذل? حمادُ عجرد؛ ول?ن بشّاراً قد اتّهمه بالزندقة ردّاً إليه، وأسقط ما في نفسه -مِن الزندقة وعدم التمسّ? بالدِّين و..-علی حمّاد:
ابنَ نِهيَا رَأسٌ عليَّ ثَقِيلُ واحتِمالُ الرَّأسَينِ خَطبٌ جليل13 ادعُ غَيرِي إلی عبادَةِ الاثنَيـ ـن فإنِّي بواحد مَشغول [34]
وهذا الهجاء من بشّار لعجرد بتر? الصلاة:
وَ ?َيفَ يُؤدِي?َ عَلَی طَائِلٍ مَن لَا يُصَلِّي، إنَّهُ طَامِثُ!14 [35]
ومنه أيضاً في الهجاء لأبي هشام الباهليّ:
وَ مَجِنتَ حتَّی مَا تُصَلِّي رَ?عَةً وَ نَسِيتَ مَا قَالَ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ [36]
هذه الأبيات إشارة إلی اتّهام بشّار حمّاداً بالزندقة لمجونه في شعره وعدم اعتناقه بالدين الإسلام، وقوله بالثنوية في عبادة اثنين.
لِنلاحظ الآن بشّاراً يته?ّم بصلاة المسلمين، وليس يلتزم بالإسلام:
وَ إنَّنِي فِي الصَلَاةِ أحضـُرُهَا ضُح?َةُ أهلِ الصَّلاةِ إن شَهِدُوا أقعُدُ فِي سَجدَةٍ إذَا رَ?َعُوا وَ أرفَعُ الرَأسَ إن هُم سَجَدُوا أسجُدُ وَ القَومُ رَا?ِعُونَ مَعاً وَ أُسرِعُ الوَثبَ إن هُمُ قَعَدُوا وَ لَستُ أدرِي إذَا إمَامُهُمُ سَلَّمَ ?َم ?َانَ ذَلِ?َ العَدَد [37]
ول?ن من العجب أن نراه يريد أن يغري في حمّاد التديّنَ بالإسلام، فيتذ?ّر وقت الصلاة ويومَ الحساب وذ?رَ الموت له:
نِعمَ الفَتَی لَو ?َانَ يَعرِفُ رَبَّهُ وَ يُقِيمُ وَقتَ صَلَاتِهِ حَمَّادُ و ابيضّ مِن شُربِ المُدَامَةِ وَجهُهُ وَ بَيَاضُهُ يَومَ الحِسَابِ سَوَادُ [38]
أمَا يَنهَا?َ يَا حَمَّا دُ ذِ?رُ المَوتِ وَ القَبرُ ألَا بَل مَا تَرَی حَشـراً وَ مَا الزَّندِيقُ وَ الحشـرُ [39]
رأينا بشّاراً فاتر العقيدة تجاه الإسلام يتر? وي?فر بعبادة الله، ثمّ يسقط ?فرَه علی حمّاد.
صدقي، حامد
البروفيسور بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الخوارزمي بطهران.
سهرابي، تورج
الماجستير بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الخوارزمي بطهران. ال?اتب المسؤول :toorajsohrabi67@yahoo.com
خزلي، مسلم
طالب الد?توراه بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الرازي ب?رمانشاه.
الملخّص
يجد الإنسانُ نفسَه أحياناً عرضةً لاضطرابات حادّة، فيسعی إلی معالجة مش?لته، ومن إحدی تل? العمليات الدفاعية للتخفيف من مشا?له وللمحافظة علی توازنه الداخلي؛ هي آليات الدفاع النفسي. ?ان بشّار تحت ضغوط نفسية بحيث لم يمتل? الحسَّ بالأمن الروحي والنفسي، فحاول إقناع نفسه والتخلّص من الظروف القاسية؛ واستعمل آليات الدفاع النفسي بصورة لا شعورية لتقليل ضغوطه النفسية. تهدف هذه الدراسة إلی الحديث عن آليات الدفاع النفسي التي استعملها بشّار بن برد للتخفيف من ضغوطه النفسية. وما تقصد الدراسة الإجابة عنه هو هذا السؤال: ما هي آليات الدفاع المستعملة عند بشّار لنيله الهدوء والس?ينة؟أما في ختام هذا المقال استنتجنا أنّ أهمّ آليات الدفاع التي لجأ إليها بشّار للتنفيس عمّا يعتمل بداخله من صراعات وتنافس: التقمّص أو التوحّد، الت?وين الع?سـي، الاستدماج، التقديس، الإسقاط، ال?بت، الإن?ار، التبرير، المزاح والاستهزاء بالآخرين، التواصل، الإزاحة، التعويض فالتسامي، وأحلام اليقظة. قد ي?ون بعض هذه الطرق ايجابية، وقد ت?ون سلبية.
ال?لمات المفتاحية: آليات الدفاع النفسية، زيغموند فرويد، بشّار بن برد، الاضطرابات النفسية والروحية.
دراسة آليات الدفاع النفسية المستعملة لدی بشّار تجاه عقدة نقصه
التمهيد
يواجه الإنسانُ خلال حياته العديدَ من المواقف أو الظروف التي تثير فيه حالاتِ القلق والتوتّر الناتج عن عدم إشباع حاجاته: نجد إنساناً أحياناً يفترض هدفاً عظيماً لا يستطيعه فيتحسّر في نفسه وتُ?بَت نفسه.?لّما تعرّض المرءُ لخطرٍ ما، قد يحدث له نوعٌ من التأزم النفسـي، وعندما ينعكس الإحباطُ على الفرد الذي يعاني منه ينعكس الإحباط على شخصيته بإطارها العام وقد نلاحظ ذل? في جانبٍ من جوانب شخصيته، ثم يسعی إلی معالجة مش?لته ويبذل جهداً يتناسب مع ما يتطلب معتمداً علی طاقاته، ويجب أن نقول إنّ الناس يختلفون في مدى تحمّلهم للضغوط، إذ إنّ لكلّ منّا قدرةً معيّنة على تحمّل بعض الضغوط والإحباط، فإذا تجاوزها فإنّ تغيّرات معاكسة سوف تحدث، فقد نجد موقفاً ما يثير حالةً مِن الاضطراب لدى فرد معين ولكنّه لايثير مثل هذه الحالة لفرد آخر.
يجد الإنسانُ نفسَه أحياناً عرضةً لرغبات متناقضة واضطرابات حادّة، فيسعی لإيجاد حلولٍ ترضي ضميرَه، وقد يفشل في ذل? ويصبح عرضةً للاضطرابات النفسية والتوتّر، وقد يتعلّم في حياته أنواعاً من العمليات والسلو? تساعده علی النجاح، واحدة من تل? العمليات الدفاعية للتخفيف من مشا?له وللمحافظة علی توازنه الداخلي؛ هي »آلية الدفاع النفسي«. يحاول المرء أن يخدع نفسه بهذه الطريقة، ولابدّ من القول إنّ آليات الدفاع تتدخّل عندما يعجز المرء عن إيجاد حلول مناسبة لصراعاته ومشا?له النفسية.
يهدف هذا الباب إلی الحديث عن آليات الدفاع النفسي التي استعملها بشّار بن برد للتخفيف من ضغوطه النفسية.
الفرضية التي يعتمدها هذا البحث هي أنّ بشّاراً لم يمتل? الشعور بالأمن الروحي والنفسي، فاستعمل آليات الدفاع لتقليل الضغوط النفسية الناشئة من إحباطه في الحياة.
وما تقصد الدراسة الإجابة عنه هو هذا السؤال: ما هي آليات الدفاع المستعملة عند بشّار لنيله الهدوء والس?ينة؟
إنّ للدراسات السابقة أهمية وفائدة ?بيرتين في مجال البحث العلمي، والشقّ الآخر من هذه الدراسة هو جهد قائم علی الاستنتاج من ?لّ ما جاء في الدراسات السابقة إلی حدٍ ما، فلابدّ من الرجوع إليها والاستناد عليها.
فيما يلي نذ?ر بعض الدراسات التي ترتبط ببحثنا هذا:
يذ?ر »يوسف حسين ب?ّار« من خلال دراسته »التعويض النفسـي عند بشّار بن برد« (1352ش) أنّ التناسي والتجاهل عن عاهته، الاعتداد بمقدرته الجنسية، اجادته في الوصف والصورة الشعرية، واعتداده بالتفوّق اللغوي؛ تعويض عن شعوره بعاهته، وخلصت دراسته إلی هذه النتيجة: أنّ بشّاراً قام بتعويضات مختلفة عن عاهته وضغوطه.
وإلي? فهرسة لميزة دراستنا وما أغفلته تل? الدراسات مقارنةً بما حاولنا اثباته:
أغفل يوسف حسين ب?ّار في دراسته أن يجزم مباحثه بوجهات النظر عن علم النفس بحيث جعلها دراسة أدبية محضة، وفي حين أنّه أردف اسم دراسته بـ »النفسي«. أما نحن فقد جئنا في دراستنا بالنماذج الشعرية من ديوان بشّار، وأسندناها إلی علم النفس.
ومن خلال استعراضنا للدراسات السابقة نجد أنّ جلّ الدراسات التي تناولت شاعرية بشّار، قد أشارت إلی خصائصه الفنّية وإلی زندقته وإلی مجونه و..، ول?نّها أغفلت دور نفسية بشّار استعانة بالمنهج النفسي -إلی حدّ ?بير وهذا هو الشيء الذي تناولناه، فقد ر?ّزنا علی آليات الدفاع النفسي لدی بشّار، في حين أنّ هنا? دراسات في نفسية بشّار، ول?نّها أغفلت آليات الدفاع النفسي لديه، ولم تتطرّق إليها تل? الدراسات ?دراستنا هذه.
بعد التأمّل في أوضاع عصرٍ عاش فيها بشّار بن برد، ومجتمعه، والظروف القاسية الحا?مة ?الظلم والصراعات بينه وبين أعدائه، وتحقير وتمسخرهم عليه بسبب ?ونه مولیً، ووجود عوامل بيئية، عائلية، ووراثية، مثل الفقر، التنشئة الأسرية وذلّتها، قباحة وجهه، وعاهته التي أدّت إلی ت?وين ال?ثير من المرارة والضغوط النفسية في ضميره، فتل? العوامل ?لّها جرّته إلی ت?وين عقدة النقص، إذ إنّ الإحباط والضغوط كثيراً ما يؤدي إلى الغضب والعدوان، فأدر? بشّار أنّه لا يستطيع مقابلة المبصرين من الشعراء، لأنّه ?ان يشعر أنّه م?شوف لبصرهم، وهم مستورون عنه لايستطيع أن يجسّد معايبهم الخلقية، وقد رسّخ هذا في نفسه ?رهاً للناس وتبرّماً شديداً بهم.
إنّ الشخص المصاب بعقدة الحقارة »النقص«، أو الذي يشعر بالحقارة يحاول أن يسدّ نقصَه الداخلي، أو لأجل إقناع نفسه على الأقل، يقدم على أفعال يتصوّرها صحيحةً ومناسبة، لهذا فإنّه يحاول أن يبرّر كلّ عملٍ من أعماله بأسلوبٍ معقول صحيح حتى يقنع الناس بذلك. وحين يؤدي الشعور بالحقارة إلی الانفعال عند الفرد، فسيسعی إلی م?افحة هذه الحقارة، والتخلّص من هذه الظروف القاسية، وإن لم يستطع الغلبةَ علی حقارته بسبب ضعفٍ ما أو لأسباب أخری؛ يشدَّد ذل? الشعور المرّ، ويعقبه بآلية نفسية [1].
ل?لّ فرد طبيعي أو غير طبيعي آليات للدفاع النفسي، وهي عمليةٌ تلقائية ومنسّقة تعمل لتقليل الاضطرابات النفسية، وهي أساليب عقلية لا شعورية تقوم بتشويه الخبرات وتزييف الأفكار والصراعات التي تمثّل تهديداً ما.
والذي لم يتسلّح بهذه الآليات؛ فلن يقدر أن يدافع عن نفسه تجاه المسائل العاطفية والاجتماعية [2].
ولعلّ أهمّ خاصية لهذه الآليات-كما تناولها أصحاب مدرسة التحليل النفسي- أنّها: 1. تحدث وتعمل لا شعورياً بحيث لا يفطن الفردُ إليها، فمستخدمها لا يعرفها أو يدركها على أنّها آليات دفاعية 2. أنّها قادرة على التكيُّف مع العوامل النفسية المش?لة 3. أنّ آليات الدفاع تُعدّ نوعاً من الحيل، وتحرّف وتنكر وتكبت أجزاءً جوهرية من الواقع 4. أنّ الاستفادة المت?رّرة منها هي سمةٌ لسلبية شخصيته [3].
تحتلّ آليات الدفاع النفسية م?انةً هامّة في نظرية التحليل النفسي بوصفها جزءاً من الآليات الدفاعية التي يمتل?ها الأنا في تعامله مع الواقع الخارجي، فعندما يعجز الأنا عن التوفيق بين الواقع الخارجي واندفاعات الهو ونواهي الأنا الأعلی ينشأ الصراع، وعندما يفشل الأنا في حلّ الصراع تتحوّل الطاقة النفسية المتضاربة إلی قلق لاشعوري غامض، ومن أجل صدّ هذا القلق الغامض والتغلّب عليه يقوم الأنا بحشد وسائل الدفاع النفسي التي تخفّف من حدّة القلق [4].
الهو: هو مستودع الغرائز الفطرية والموروثية والرغبات، ?ما يحتوي علی عمليات م?تسبة ت?وّنت نتيجة لعملية ال?بت في أثناء الصراع مع البيئة، والهو هو الذي يدفع الفرد لتحقيق ملذاته وشهواته ولا يعترف بالواقع أو القيم أو القوانين [5].
الأنا: هو الشخصية الخاصّة بالإنسان ممّا يميّزه عن الآخرين، ينشأ عن مواجهة الطاقة الغريزية بواقع البيئة، يميل الأنا بطبيعته إلی تحقيق رغبات الهو بما يتّفق والواقع [6]، وهو الجزء الشعوري الذي يوفّق بين مطالب الهو والبيئة الخارجية، »يحاول إن يضع مبدأ الواقع محل مبدأ اللذة الذي يسيطر علی الهو.. وهو نظام معقّد من العمليات النفسية التي ت?ون بمثابة الوسيط بين الهو والعالم الخارجي« [7].
الأنا الأعلی: يقوم بعملية ال?فّ وردع الفرد عن إتيان ما يخالف القيم والمثل والقوانين وهو لا شعوري إلی حدّ ?بير [8]، وفي وجوده تحترم اللياقة الاجتماعية وال?رامة الإنسانية.
كان فرويد أوّل من تحدّث عن آليات الدفاع النفسية، ورأى في هذه الآليات نوعاً من الحلّ النفسي الاضطراري لتجنّب الصراعات. أما ابنتُه آنا فرويد؛ فقد كانت أوّل من عمَّق ووسّع مفهومَ آليات الدفاع وقد أجرت أوّل دراسة تامّة ومنتظمة عنها، وصنّفت عشرة أشكال من آليات الدفاع النفسي [9].
فإذا استخدمت الحيل الدفاعية بش?ل مسرف فإنّها تمنع الفردَ من التعامل مع الناس بطريقة واقعية، وتؤثّر سلبياً في نموّه، وتن?ر الواقع، وتغير تف?يرنا.
عبّر عنها علماءُ التحليل النفسي بأنّها تشكل أنماطاً سلوكية لدفاع الأنا عن نفسها في سبيل إعادة التوازن للشخصية. تسبّب أن يحمل الفرد ت?يفاً مع الجوّ المتوتّر. ليست هذه الحيل الدفاعية متساوية فيما تتر? من آثار علی الشخص.آليات الدفاع ا?تسابية، وتستعمل للحيلولة دون فقدان الأنا لقيمتها بصورة تلقائية [10]. هي أساليب عقلية لاشعورية تقوم بتشويه الخبرات وتزييف الأفكار والصراعات التي تمثّل تهديداً، وهي تساعد الناس على خفض القلق حينما يواجهون معلومات تثير التهديد [11].
فيما يلي استعراض لأهمّ آليات الدفاع التي لجأ إليها لاشعورُ بشّار للتنفيس عمّا يعتمل بداخله من صراعات وتنافس :
التقمّص أو التوحّد: »يكتسب به الشخصُ بصورة لاواعية خصائصَ شخص آخَر تربطه به روابط انفعالية قوية« [12]، ويستعير ويتبنّی وينسب إلی نفسه ما في غيره من صفات مرغوبة، ويتراءی علی غرار ذل? الشخص للحدّ من القلق.
إنّه في الواقع بمعنی الاستلهام من الآخرين،وذل? يمهّد السبيل إلی الهوية، ويقوّي الثقة بالنفس لدی الفرد [13].
من المستحسن أن نشير إلی أنّ التقمّص يشبه الإسقاطَ ول?نّه يأخذ اتجاهاً معا?ساً، فبدلاً من أن ي?ون الفرد بعيداً من نفسه ?ما يحدث في الإسقاط، فإنّه في التقمّص يأخذ خصائصَ فردٍ آخر.
فنری بشّاراً يعتبر نفسَه مثل الخليفة في المقام والم?انة الرفيعة، ويساوي نفسه معهم، رغم أنّه ?ان ضريراً مولیً؛ ?لّ ذل? ليغطّي علی عاهاته ويرفع نفسه:
يغدُو الخَلِيفَةُ مِثلِي فِي مَحَاسِنِهِ وَلَستَ مِثلِي فَنَم يا مَاضِغَ المَاءِ1 [14]
وفي م?انٍ آخر يجعل نفسه في معر?ةٍ رافق فيها المقاتلين، ويجعل نفسَه في معر?ةٍ جنباً إلی جنب المحاربين:
أحَلَّت بِهِ أُمُّ المَنَايا بنَاتِهَا بِأسيافِنَا، إنَّا رَدَی مَن نُحارِبُه
إذا المَلِ?ُ الجَبّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ
مَشَينَا إليهِ بِالسُّيوفِ ُعَاتِبُه [15]
الت?وين الع?سي: عبارة عن إبدال المشاعر المسبّبة للحصر بمشاعر مناقضة لا تتسبّب فيه، ?الذي يخاف ولا يريد أن يطلع الناس علی خوفه، فيظهر الشجاعة ويغالي فيها، أو ?الذي يضمر ال?راهية وتستبدّ به ميولُه العدوانية فينجح في ?بتها بأن يظهر الحبّ [16]، معنى التكوين العكسي هو أن يحاول الإنسان تبنّي اتجاهٍ ما أو رأي معين في مسألة أو قضية مطروحة، ولكن هذا الاتجاه أو الرأي يخالف ما يضمره من آراء أو اتجاهات، تسبّب له ضيقاً أو قلقاً أو شعوراً بالذنب.
فإنّ الإنسان قد يُظهر سلوكاً لكنّه يخفي السلوك الحقيقي، ?ما قلنا فإظهار سلوك المودّة والمحبة المبالغ فيهما، قد يكون تكويناً عكسيّاً لحالة العدوان الكامن الذي يمتلكه الفردُ في داخله. وإذا تأمّلنا في هذه الحالة وجدنا أنّ الإنسان يحاول تكوين مقاومة مضادة، خلالها يخفّف من وطأة مشاعره المرتبطة بما يضمره من اتجاه أو آراء مضادة لما يعلنه.
لمّا نَهی الخليفةُ المهديّ بشّاراً عن التغزّل الإباحي والنسيب والتشبيب في النّساء؛ اضطرّ بشّار إلی القيام بعمل يخالف عمله السابق إرضاءً لأمر الخليفة ومخالفاً لضميره، فارتدّ عنه ولم يرجع إلی إنشاد الشعر في النساء، في قولٍ ظاهر الإيمان:
فَقَد ?نتُ فِي ظلّ العَذارَی مُرَفَّلاً أُحَبُّ وَأُعطَی حَاجَتِي حَيثُ حَلَّت فَغَيَّرَ ذَا?َ العَيشَ تَاجٌ لَبِستُهُ وَ طَاعَةُ وَالٍ أحرَمَت وَ أحَلَّت2 وَ نُبِئتُ نِسوَاناً ?َرَهنَ تَحَلُّمِي وَ لِلهِ أوبِي أ?ثَرَت أم أقَلَّت3 إذَا أنَّا لَم أعطِ الخَلِيفَةَ طَائِعاً يَمِيني فَلَا قَامَت لِ?َأسٍ وَ شَلَّت [17]
قَامَ الخَلِيفَةُ دُونَهُ فَصَبَرتُ عَنهُ وَ مَا قَلَيتُهُ وَنَهَانِي المَلِ?ُ الهُمَا مُ عَنِ النَّسَاءِ وَ مَا عَصَيتُهُ [18]
[19] هنا يقرّ بشّار بأنّه ?ان متعوّداً بالتغزل والنسيب للنساء منذ زمنٍ بعيد، ول?نّ العناية بأمر الخليفة المهدي حسبُ منعه عن ذل?، مع أنّ في باطنه الرغبة في الحبّ للنسوان.
وأيضاً:
هَجَرتُ الآنِسَاتِ وهُنَّ عِندِي ?َمَاء العَينِ فَقدُهُمَا سَوَاءُ وَقَد عرَّضنَ لي واللّهُ دُونِي أعُوذُ بِهِ عَرَضَ البَلَاءُ ولَولَا القَائِمُ المَهدِي فِينَا حَلَبتُ لَهُنَّ مَا وَسعَ الإنَاءُ فَقُل للغَانِياتِ يقِرنَ إنِّي وَقَرتُ وَحَانَ من غَزَلِي انتِهَاءُ نَهَانِي مَالِ?ُ الأملَا?ِ عَنَها فَثَابَ الحِلمُ وانقَطَعَ العَنَاءُ علَی الغَزَلَي سلَامُ اللهِ منِّي وإن صنع الخلِيفةُ ما يشاءُ4
يفهم من الأبيات السالفة أنّ بشّاراً ?ان لا يزال يحنّ للمغازلة، ول?نّه تر?ها طاعةً للخليفة، أما تذ?ره لها فلا يفتأ عنه وإن أباه الخليفة.
وله أيضاً:
لَهَوتُ حتَّی رَاعَنِي غَادِياً صَوتُ أمِيرِ المُؤمِنِينَ المُجَاب لَبَّي?َ لَبَّي?َ هَجَرتُ الصِّبَا وَنَامَ عُذَّالِي وَمَاتَ العِتَاب لَا نَا?ِثاً عَهداً وَلَا طَالِباً سُخطَ?َ مَا غَنَّی الحَمَامُ الطِّراب أبـصَرتُ رُشدي وَهَجَرتُ المُنَی وَرُبَّمَا ذَلَّت لَهُنَّ الرِّقَاب [20]
يقصد بشّار بالبيت الأوّل، ?ان الخوف من الخليفة هو العامل الأصلي للتجنّب عن النسيب والتغزّل بالمحبوبة. يشير (هجرت المنی) في البيت الأخير إلی أنّ الشغف بالجميلات في نفسه ول?ن الإطاعة عن أمر الخليفة أ?ثر أهميةً له.
الاستدماج)الاحتواء):
»يقوم الفرد باستدماج الموضوعات التي يهتمّ بها في داخل ذاته بحيث تصبح جزءاً من ذاته، ?أنّ الفرد يمتصّ موضوعات العالم الخارجي ويدخلها، أو يبتلعها في ذاته« [21].
والاستدماج عبارة عن آلية دفاعية لا شعورية، يأخذ فيها المرء لنفسه خواص وقيم شخص آخر أو مجموعة أخری تربطه به روابط عاطفية قوية جداً. في الواقع هو امتصاص الفرد في داخله قيم الآخرين.
?ان بشّار يعتقد بأنّه هو مَن أحدث في الآخرين تطوّراً ورُقيّاً، أ?سبهم الشهرةَ ف?ان ينسب شهرتَهم في الشعر إلی ذاته هو وقدرته، أي يعزي ?لَّ ما ?سب الناسُ إلی نفسه، فللدافع عنه دون حمّاد –وهو ?ان من أعدائه- زعَمَ أنّ أشعارَ حمّاد تقليدٌ عن أشعاره، وهي زائفة:
إذَا أنشَدَ حَمَّادٌ فَقُل أحسَنَ بَشَّارُ [22]
تَسَـرَقتَ شِعرِي فَإ?تَسِبتَ بِهِ الغِنَی وَ مَا ?َانَ لَقَّاطُ النَّوَی بِ?َسُوبِ [23]
ندر? إلی أنّ بشّاراً انتسب صفة »السارق« إلی أبي هشام الباهلي، إذ ارتزق من أشعاري حتّی وصل إلی الثروة والغنی.
ومنه قوله أيضاً:
وَلَولَا اصطِنَاعِي مَالِ?اً وَ ابنَ مَال?ٍ قَدِيماً لَمَا زَلَّت بِهِ النَّعلُ فِي البَحرِ5 [24]
وَ جَادَت الخَيلُ بِنَا طَنجَةَ ذَاتَ العَجَبِ6 حَتَّی رَدَدنَا المُل?َ فِي أهلِ النَّبِيَّ العَرَبِي [25]
فإنّه يصوّر مدی الاستدماج الذي مارسه بشّار في التغطية علی سلبياته. يتحدّث و?أنّ مفاخر المسلمين والمقاتلين والمجاهدين والمضحّين ?لّها قد اجتمعت لبشّار نفسه وأنّه ?ان واحداً من الذين ردّوا المل? لبني العباس الذين اعتقد أنّهم أهل البيت النبي (ص).
التقديس:
حيلةٌ دفاعية، تستخدم لرفع قيمة الفرد بشكل مبالغ فيه، فيصف ممدوحه بكلّ المحاسن التي فيه، ويضِف عليها محاسن أخری يبالغ فيها ثمّ ينسب جميع هذه المحاسن لنفسه أيضاً، ويحدّ من الصفات السلبية ليجعلها أدنی مستوی [26]. من أهم عيوب هذه الحيلة، أنّها تبعد الشخص عن الحقيقة.
?ان بشّار يفتخر في عهد بني أميّة ب?ونه مولیً من قبيلة قيس وذل? بسبب التشدّد والعصبية السائدة علی عصره، ول?ن في العصر العباسي تغيرت سياسته تجاه العرب، فانصرف عن ولائه وحبّه إليهم، وأزدراهم، انظر إليه وهو يبالغ في مدح أجداده و?يف ينسب لنفسه وأجداده صفات قدسية، ويبرّئ نفسه عن الصفات القبيحة.
وقد بدأ يلجأ إلی نسبه الفارسي، وهنا نراه يقابل محقّري نسبه العجميّ بالافتخار بعجميته:
جَدِّي الّذِي أسمُو بِهِ ?ِسـرَی، وَ سَاسَانُ أبِي وقيصـرٌ خالي إذا عددتُ يوماً نَسَبي [27]
ثم يتحامل علی ما ?ان يفتخر به في ماضي الزمان فينال من العرب ويحقّرهم لشظف العيش في الصحراء:
وَ لَا حَدَا قَطُّ أبِي خَلفَ بِعِيرِ جَرِبِ وَ لَا أتَی حَنظَلَةً يَثقُبُهَا مِن سَغَبِ7 وَ لَا شَوينَا وَرَلاً مُنَضنِضاً بِالذَّنَبِ8 وَ لَا تَقَصَّعتُ وَ لَا أ?َلتُ ضَبَّ الحِزَبِ9 [28]
فَيَا عَجَبَا مِنَ العَبدِ المُذَ?ِّي أيَظلِمُنِي وَلَيسَ بِذِي سِوُارِ10 أقُولُ لَهُ وَلِي فَضلٌ عَلَيهِ ?َفَضلِ القَسوَرِي عَلَي الوِبَارِ11 خُلِقنَا سَادَةً وَخُلقتَ ?َلباً ?َ?َلبِ السُّوءِ يلحَقُ بالقِطَارِ12 أرَادَ بِلؤمِهِ تَدنِيسَ عِرضِي وَأينَ الشَّمسُ مِن دَنَسٍ وَعَارِ [29]
إنّ بشّاراً غلا في ذ?ر محاسنه، ول?ن قام بتضخيم عيوب الآخرين، وتحقيرهم، واعتبر خلقتهم من ال?لب.
الإسقاط: هو ما يعني إطلاق الأفكار والانفعالات الموجودة والأف?ار والآمال داخل الفرد خارج ذاته، بعبارة أخری هو أن ينسب الفرد ما في نفسه من عيوب وصفات غير مرغوب فيها إلی غيره من الناس ويلصقها بهم [30]. ?ما يری «نرمان لي» أنّ: «الإسقاط ردّ فعلٍ تعويضي يستعمَل لأجل الإحالة دون الاضطراب» [31].
فهو أن يلجأ إلی إخراج الدفعات العدوانية مثلاً، أو تهديدات ضمير، بأن ينسبها للعالم الخارجي أو أشخاص آخرين، فبدلاً من أن نقرّ بأنّنا ن?ره شخصاً فإنّنا ننسب ال?راهية للشخص هذا، وقد تُعذبنا ضمائرنا فنخفّف من عذابات الضمير بأن تقول إنّنا مضطهدون. والإسقاط يفيد من حيث أنّه يخفض التوتّر نتيجة استبداله للخطر الأ?بر بخطر أقلّ شأناً، ?ما أنّه يتيح الفرصة لمن يلجأ إلی الإسقاط أن يعبّر عن دفعاته تحت ستار الدفاع عن النفس [32]، وهو محاولة الإنسان أن يسقط ما بداخله من فشل أو مشاعر مؤلمة أو نوازع سلبية على الغير.
?ما تناولنا بالوصف والتوضيح فيما سبق، ?ان بشّار متّهماً بالزندقة وال?فر،وهو في طليعة الزناديق، «ابن قتيبة يتّهم بشّاراً: بأنّه ?ان يرمي بالزندقة» [33]، ومن خصومه الذين اتّهمهم بذل? حمادُ عجرد؛ ول?ن بشّاراً قد اتّهمه بالزندقة ردّاً إليه، وأسقط ما في نفسه -مِن الزندقة وعدم التمسّ? بالدِّين و..-علی حمّاد:
ابنَ نِهيَا رَأسٌ عليَّ ثَقِيلُ واحتِمالُ الرَّأسَينِ خَطبٌ جليل13 ادعُ غَيرِي إلی عبادَةِ الاثنَيـ ـن فإنِّي بواحد مَشغول [34]
وهذا الهجاء من بشّار لعجرد بتر? الصلاة:
وَ ?َيفَ يُؤدِي?َ عَلَی طَائِلٍ مَن لَا يُصَلِّي، إنَّهُ طَامِثُ!14 [35]
ومنه أيضاً في الهجاء لأبي هشام الباهليّ:
وَ مَجِنتَ حتَّی مَا تُصَلِّي رَ?عَةً وَ نَسِيتَ مَا قَالَ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ [36]
هذه الأبيات إشارة إلی اتّهام بشّار حمّاداً بالزندقة لمجونه في شعره وعدم اعتناقه بالدين الإسلام، وقوله بالثنوية في عبادة اثنين.
لِنلاحظ الآن بشّاراً يته?ّم بصلاة المسلمين، وليس يلتزم بالإسلام:
وَ إنَّنِي فِي الصَلَاةِ أحضـُرُهَا ضُح?َةُ أهلِ الصَّلاةِ إن شَهِدُوا أقعُدُ فِي سَجدَةٍ إذَا رَ?َعُوا وَ أرفَعُ الرَأسَ إن هُم سَجَدُوا أسجُدُ وَ القَومُ رَا?ِعُونَ مَعاً وَ أُسرِعُ الوَثبَ إن هُمُ قَعَدُوا وَ لَستُ أدرِي إذَا إمَامُهُمُ سَلَّمَ ?َم ?َانَ ذَلِ?َ العَدَد [37]
ول?ن من العجب أن نراه يريد أن يغري في حمّاد التديّنَ بالإسلام، فيتذ?ّر وقت الصلاة ويومَ الحساب وذ?رَ الموت له:
نِعمَ الفَتَی لَو ?َانَ يَعرِفُ رَبَّهُ وَ يُقِيمُ وَقتَ صَلَاتِهِ حَمَّادُ و ابيضّ مِن شُربِ المُدَامَةِ وَجهُهُ وَ بَيَاضُهُ يَومَ الحِسَابِ سَوَادُ [38]
أمَا يَنهَا?َ يَا حَمَّا دُ ذِ?رُ المَوتِ وَ القَبرُ ألَا بَل مَا تَرَی حَشـراً وَ مَا الزَّندِيقُ وَ الحشـرُ [39]
رأينا بشّاراً فاتر العقيدة تجاه الإسلام يتر? وي?فر بعبادة الله، ثمّ يسقط ?فرَه علی حمّاد.
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
رد: دراسة آليات الدفاع النفسية لدی بشّار بن برد
التجنّب أو الإحجام:
«يحدث التجنّب بصورة مَرضية في حالات الخوف المرضي حيث يتّجه المصاب إلی الابتعاد تماماً عن مصدر الخوف رغم عدم وجود مبرّر ?اف لذل?، وفي حالة اضطراب الشخصية الاجتنابي يميل الشخص إلی العزلة والابتعاد عن الآخرين نظراً للخجل والحساسية الشديدة للانتقاد» [40].
مع أنّ بشّاراً هجّاء، ولم ينجُ أحد من شرّ لسانه، ل?نّه هنا نراه قام بالتجنّب عن الدخول في المشادات. عمله هذا هو بمثابة الدخول في آلية الدفاع الآخر وهو الإحجام أو التجنّب.
نری بشّاراً يشير إلی عدم تورّطه في النزاع مع أعدائه، وإلی ابتعاد نفسه عن لَومهم، واست?راهه في المواجهة معهم:
وَ فِي نَافِععَنِي جَفَاءٌ وَ إنَّنِي لَأُطرِق أحيَاناً وَ ذُو اللُبِ يُطرِقُ15 [41]
يبتعد بشّار عن مجابهة زوج «منجاب»، ولا يلتفت إلی الوشاة أيضاً:
يَسعی بِنَا زَوجُ مُنجَابٍ فَنُعتِبُهُ وَ لَا يَهِمُّ لَنَا يَوماً بِإعتَابِ [42]
ويتنحّی عن المواجهة مع السفلاء والأدنياء، إذ ينفع برأيه الصمتُ والإباء في بعض الأحيان:
إذا ما سامنِي الخُلطاء خَسفاً أبيتُ ورُبَّما نفع الإباءُ [43]
ويقول بشّار: إن استحلّ الأعداءُ عرضي لا أهجوهم:
إنِّي وَإن ?َانَ حِلمِي وَاسِعاً لَهُمُ لَا أستَهلُّ عَلَی جَارٍ بِشُؤبُوب16 [44]
ال?بت: «عمليةٌ عقلية لاشعورية يلجأ إليها الفرد للتخلّص من الشعور بالقلق والضيق الذي يعانيه بسبب ورود عوامل متضاربة الأهداف في نفسه» [45]، وباستخدام هذه الآلية فإنّ الإنسان يحرّر نفسه ولو مؤقتاً من الضغوط المتسلّطة عليه، فيهرب من ذل? الموقف بكبته ومحاولة تحييده على الأقل.
يعتبر ال?بت من الآليات الدفاعية،حيث يتمّ دفع الأف?ار والمشاعر من العقل الواعي، وال?بت ي?ون ب?بح الأف?ار قبل أن تصل إلی الوعي، في?ون بالتخلّص من الأف?ار التي توجد في حيز الوعي، والأشياء التي يتمّ ?بتها لاتنسی بل يتمّ تخزينها في العقل الباطن [46]. فهو الاستبعاد اللاشعوري للمشاعر أو الأف?ار والحوادث المؤلمة.
فسعی بشّار أيضاً أن ينسی أف?ارَه السابقة التي تزخر باللهو واللعب، ويستبعد تل? الأف?ار من منطقة شعوره إلی منطقة اللاشعور. إذ ?ان المهدي شديدَ الحميّة للنساء، غيوراً عليهنَّ، وبلغته أبيات لبشّار فيها مجون؛ فنهاه عن قرض الشعر والتعرّض إلی النساء وذل? أدّي إلی ت?وين ال?بت في نفسية بشّار ?ما سنراه في بعض أبياته:
نَهَانِي الخَلِيفَةُ عَن ذِ?رِهَا وَ ?ُنتُ بِمَا سَرَّهُ أ?دَحُ فَأعرَضتُ عَن حَاجَتِي عِندَهَا وَ لَلمَوتُ مِن تَر?ِهَا أروَحُ عَلَی أنَّ فِي النَّفسِ مِن حُبَّهَا أحَادِيثَ لَيسَ لَهَا مَطرَحُ [47]
تَعَزَّ عَنِ الحَورَاءِ إنّ مَقَامَنَا عَلَيهَا وَتَر?َ المُل?ِ رَأيٌ مُزَلَّجُ [48]
وَ لَقَد أُصرِفُ الفُؤادَ عَنِ الشَـّي ء حَيَاءً وَ حُبُّهُ فِي السَّوَادِ أمسِ?ُ النَّفسَ بِالعِفَافِ وَ أمسـِي ذَا?ِراً فِي غَدِ حَدِيثَ الأعَادِي [49]
دَفَنتُ الهَوَی حَيَّاً فَلَستُ بِزَائِرٍ سُلَيمَی وَلَا صَفرَاء مَا قَرقَرَ القُمرِي [50]
يتذ?ّر أيّاماً مضت مع أحبائه، ول?ن يخطر بباله أمرُ الخليفة المهديّ فذل? يحول دون تل? الذ?ريات، ولا يرجّح بشّار الحوراءَ علی أمر الخليفة، احتراساً من سعاية الناس وأحاديثهم، وليس من المعقول.
إن?ار الواقعية: يعني تجنّب الفرد الواقع المؤلم أو المسبب للقلق، فهذا الفرد ين?ر أنّ حبيبه قد مات رغم وجود الدليل المقنع لهذه الواقعة، ولا يطيق أن يناقش هذا الدليل أو حتّی ف?رة موته [51].
هو رفض الاعتراف بوجود مصدرخارجي مثير للقلق، وتظاهر المرء بتجاهل الواقع، والإنكار اللاشعوري للواقع المؤلم أو المسبّب للقلق، برفض إدراكه أو مواجهته. فالإنسان ين?ر الأشياء التي تسبّب قلقه هنا.
ل?ي يتفادی بشّارُ احباطَه وقلقه قام بنفي وإن?ار الواقع الحقيقي، فأن?ر ?لَّ الأحداث والحقائق التي وصلت إليه من الإهانات وتُهَم الأعداء ومنافسيه؛ ويقصد بهذا العمل في الواقع التخلُّص أو التقليل من إحباطه وضغوطه النفسية، واستخدام الإن?ار بش?ل غير واعي عاملاً دفاعياً بعد أن يسخروا منه ويستهزؤه:
وَ عَيَّرَونِي الأَعدَاءُ وَ العَيبُ فِيهِمُ وَ لَيسَ بِعَارٍ أن يُقَال ضَرِيرُ [52]
قُل مَا بَدَا لَ?َ مِن زُورٍ وَ مِن ?َذِبٍ حِلمِي أصَمُّ وَ أذُنِي غَيرُ صَمَّاءِ [53]
اعتقد بشّار: ليست أحاديثُ الناس إلّا ?ذباً وبهتاناً، مهما ي?ون من الأمر، تل? الأقوال أو التُهَم تم?ن أن ت?ون صدقاً، ول?ن بشّار فنّدها.
التبرير:
«هو أن يخترع المرء أعذاراً لإقناع الناس بأسباب فشله من أجل المحافظة علی ثقتهم واحترامهم، وإبعاد الشعور بالنقص عن نفسه» [54]. و«يبرّر المرء بهذه الحيلة سلو?ه ومعتقداته وآراءه ودوافعه المستهجنة بأن يعطينا أسباباً معقولة لها» [55].
ويختلف التبرير عن الكذب، بأنّ التبرير يكذب فيه الإنسانُ على نفسه، في حين يكون الكذبُ بأن يكذب الإنسانُ على الناس. وهناك فرق بين تبرير الإنسان لشيء أو عمل أو رأي على منطق، والتبرير بغير منطق أو بما لم يؤمن به الإنسان أصلاً، فالتبرير من النوع الثاني هو المقصود بالأسلوب الدفاعي اللاشعوري الذي نحن بصدده، فمثلاً فشلُ الطالب أو رسوبه في الامتحان ينسبه الطالبُ إلى العشوائية في تصحيح أوراق الإجابة.
هذه الآلية تؤدي إلى الراحة المؤقتة السلبية للإنسان، فبدلاً من أن يبحث الإنسانُ عن السبب الحقيقي، تختلق سبباً غير منطقي أو ليس له وجود في الواقع في محاولة إخفاء الحقيقة التي قد تؤلمه.
«وهذا الأسلوب يؤدي إلى الهروب بدلاً من المواجهة، وعندما يتكرّر عند الإنسان يكون مصدراً مهماً من مصادر ضغوطه النفسية التي قد تنتهي به إلى اضطرابات مؤثّرة» [56].
وقد لجأ بشّار إلی التبرير، وذ?ر أسباباً زائفة عندما واجه مواقفاً لا يستطيع أن يتصرف فيها عادياً أو أن يذ?ر الأسبابَ الحقيقية، ليخفّف من لومة نفسه من جراء ضغوطه:
و َما ذَنبُ مَقدُورٍ عَلَيهِ شَقَاؤُهُ مِنَ الحُبِّ عِندَ اللهِ فِي سَابِقِ ال?ُتبِ لَقَد أُعجِبت نَفسـِي بِهَا فَتَبَدَّلَت فَيَا جُهدَ نَفسِـي قَادَهَا لِلشَّقَا عُجبِي وَ لَستُ بِأحيَا مِن «جَمِيلَ بنِ َمُعَمَرِ» وَ «عُروَةَ» إن لَم يَشفِ مِن حُبِّهَا رَبِّي18و 17 فَلَو ?َانَ لِي ذَنبٌ إلَيهَا عَذَرتُهَا بِهَجرِي وَ لَ?ِن قَلَّ فِي حُبِّهَا ذَنبِي [57]
يعدّ ويذ?ر بشّارُ البعضَ من شعراء عشّاق العرب مثل:«جميل بن معمر»، و«عروة»، يقوم بشّار بهذا العمل لئلّا يرميه أحدٌ بالفساد والشذوذ، ولِيزيلَ عنه تهمةَ النسيب للنساء، إذ منعه المهدي عن ذ?ر الحسناوات والتغزّل بهنّ.
المزاح والاستهزاء بالآخرين:
«يجعل المزاح، الهزل، والاستهزاءُ الظروفَ التي يسبّب التعارضَ والضغط النفسي في إطارٍ جديد، وهو تن?يت الآخرين» [58].
لقد حاول بشّارُ أن يعالج عقدته، وأن يعوّض عمّا حرمته الطبيعة من نعمة البصر، عن طريق التحقير والسخرية والإهانة التي عمد إليها في ?ثير من سلو?ه، إذ رأی فيها نوعاً من التسرية، فصارت السخرية تجري علی لسانه. روي أنّ رجلاًقال لبشّار: «إنّ الله عزّ وجلّ ما سلب أحداً ?ريمتيه إلّا عوضه عنهما حُسن صوت، أو ذ?اء فأنت ماذا عوض? من بصر?؟ قال: عوضني فقدان النظر إلی.. مثل?» [59].
ذ?ر النموذج الآخر: «دخل علی المهدي العباسي وعنده خاله يزيد بن منصور الحميري فأنشده قصيدة، فلمّا أتمّ إنشاده قال له يزيد: ما صناعت? يا شيخ؟ فردّ عليه بشّار بجواب ملؤه السخرية قائلاً: أثقب اللؤلؤ. فقال له المهدي: أتهزأ بخالي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، فما ي?ون جوابي لمن يری شيخاً أعمی ينشد شعراً فيسأله عن صناعته؟!» [60].
التواصل:
هو طلب التأييد الاجتماعي من الآخرين، والمشورة حول المشا?ل، دون أن يعتقد بأنّهم هم المسؤولون عن هذا المش?ل، أو دون أن يستعين منهم [61].
التواصل علی نوعين: 1. طلب العطاء والمال من الممدوح 2. بثّ الش?وی وأنين القلب إلی الصديق أو الحبيب أو الممدوح.
النوع الأوّل (طلب المال من الممدوح): واستعان بشّار بهذه الآلية بغية حفظ نفسه، والاتصال بالآخرين:
شِفَاءُ العَمَی طُولُ السُّؤَالِ وَ إنَّمَا تَمَامُ العَمَی طُولُ السُ?وُتِ عَلَی الجَهلِ19 فَ?ُن سَائِلاً عَمَّا عَنَا?َ فَإنَّمَا دُعِيتَ أخَا عَقلٍ لَتَبعَثَ بِالعَ [62]
والنموذج الآخر، يقصد بشّار ب?لمة «اسقني» طلبَ المال والهبّة من ممدوحه «رَوح بن حاتم»، إذ ح?ی بشّار أنّه أصيب ببلاء وفقر:
يا بنَ مُوسی اسقني ودَع عن? بَ?راً إن بَ?راًخِلوٌ وإنِّي مُصاب20 [63]
والنوع الثاني(بثّ الش?وی للأصدقاء):حين يخاطب بشّار صاحبه باثنين وهو شخصٌ واحد؛ ذل? دليل علی أنّه يريد أن يتقاسم نفسه معه، بحيث يمتزج بنفس صديقه، ولذل? هدفٌ نفسيّ:
خَلِيليَّ لَا تستن?ِرا لَوعَة الهوی ولَا سلوةَ المحزَون شطَّت حبائبُه [64]
والتحدّث عن الأحوال الشخصية للأصدقاء؛ منه أيضاً:
أثنِي عَلَي?َ وَ لِي حَالٌ تُ?ذِّبُنِي فِيمَا أقُولُ فَأستَحيِي مِنَ النَّاسِ قَد قُلتُ إن َّ أبا حَفصَ لَأ?رَمُ مَن يَمشـِي فَخَالَفَنِي فِي ذَا?َ إفلَاسِي21 حَتَی إذَا قِيلَ مَا أعطَا?َ مِن صَفَدٍ طَأطأتُ مِن سُوءِ حَالٍ عِندَهَا رَأسِي22 [65]
خَلِيلَيَّ مِن ?َعبٍ أعِينا أخَا ?ُما علی دهرِه إنّ ال?َرِيمَ مُعِينُ23 ولَا تَبخَلَا بُخلَ ابنِ قزعَةَ إنَّه مَخَافَةَ أن يُرجَی نداه حَزِينُ ?أنَّ عُبيدَاللهِ لم يَلقَ مَاجِداً ولَم ولَم يَدرِ أنَّ المَ?رُمَاتِ ت?ُون24 إذا جِئتَهُ فِي حاجَةٍ سدَّ بَابَهُ لفلم تلقَهُ إلَّا وأنتَ ?َمِينُ [66]
هجا بشّار في هذه الأبيات عبُيدَ الله بن قَزَعة، ففيها طلبَ العطاء وامتزج بخليله بحيث ظنّه اثنين في العدد، وواصل أمر صداقة معه حتّی يم?ننا أن نجعلها في عداد: التواصل، من ?لا النوعين.
الإزاحة: هي إعادة توجيه الانفعالات المحبوسة نحو الأشخاص أو الموضوعات التي سبّبت الانفعالات. الإزاحة تنحصر في النقل من موضوعه الأصلي إلی موضوعٍ بديل. معظم الناس حينما يواجهون تحدياً قوياً يصبون نارَ غضبهم في غير مكانها، ويهجمون على أهداف أو ممتلكات، فيكون أشخاص آخرون كبش الفداء، وربّما هم أبرياء، فالإزاحة «عملية يقوم فيها الأنا بنقل دافع أو رغبة مرتبطة بموضوع معين إلی موضوع آخر.. الشخص الذي عنفه رئيسه ولم يستطع أن يرد عليه.. يعتدی علی أوّل شخص يقابله دون أن ي?ون مستحقاً لهذا العدوان» [67].
الإزاحة ?التسامي وسيلةٌ لتغيير مجری الأمور من المجری الطبيعي إلی مجری آخر.
وقد قيل إنّ حمّادَ عجرد ?ان عدواً لبشّار، ول?ن لما ?ان سهيلُ بن سالم صديقَ حمّاد عجرد؛ فإنّ بشّاراً قد هجا سهيلَ بن سالم بدلاً عن حمّاد:
وَ أطَرتُ جنَّةَ عَجرَدٍ وَ أنَّا المُغَنُّ المِشغَبُ25 وَ لَقَد وَضَعتُ عَلَی سُهَيـ لِ مِيسَماً لَا يَذهَبُ26 [68]
ومن ذل? أيضاً، لقّب بشّارُ سهيلاً بـ «جنة عجرد» بسبب أنّ سهيلاً قد اتصل به حمّاد عجرد، وأفسده علی بشّار، بعد أن ?ان صديقاً لبشّار، فهجاه:
وَ لَقَد أفَأتُ عَلَی سُهَيلٍ مِثلَهَا حَمرَاءَ لَيسَ لحَرِّهَا تَقتِير وَلَدَی العَتيرَةِ قَد نَظَمتُ قَلَائِداً مَنهَا عَلَيه غَضَاضَةٌ وَقَتِيرُ27 [69]
أ دَيسَمَ يابن الذئبِ من نسل زارع أ تروي هجائي سَادِرَاً غير مُقصـِرِ28 [70]
هو ديسم العنزي ?ان يحفظ أشعار حمّاد وأبي هشام الباهلي، فغضب بشّارُ من حمّاد ول?ن قال في ديسم هذا البيت.
14. التعويض فالتسامي: إنّ الطفل الذي يتجرّع الضغط والتحقير والسخرية من الآخرين، يحمل حقداً خاصاً في قلبه، ويحاول تدارك الفشل الذي لاقاه في حياته، فيقدم على كلّ عمل خطير،فيحاول تدارك حرمانه بصور مختلفة، ومن تل? الصور: التعويض.
اختلف أدلر مع فرويد حول موضوع الرغبات وطبيعتها، بينما وجد فرويد أنّ هذه الرغبات تتمثّل في الغريزة الجنسية، رأی أدلر أنّها ت?من في التعويض، والتعويض الأعلی أو التسامي. «قدرة التعويض التي يمتل?ها جسم حّي ناقص، استخرج ألفرد أدلر منذ سنة 1907 القانون العامّ الذي علی أساسه ينمو ?لّ فردٍ معاق أو مجروح أو ناقص أو محروم من إحدی وظائفه الحياتية نموّاً طبيعياً ?ي يحيا بنشاطٍ متزايد يسعی من خلاله إلی التعويض عن نقصه وحتی تعديله إلی أن يصبح أخيراً أعلی ممّا ?ان يش?ل عقدة نقصه» [71].
وعلی حسب ما عرّفه أدلر: «هو سَداة ولحمة نفسية تجرّ بعضَ الناس إلی التعويض المضاعف عن حقارتهم الجسمية أو النفسية التي يعانون منها» [72].
إذن التعويض بحسب التعريف العلمي له: «مجموعة من الصفات، وأنواع السلو? أو الأفعال التي هدفُها إزالة الشعور بالدونية» [73]، فعملية الت?بُّر وإعطاء قيمة للذاتو.. ?لّ ذل? ليس سوی عملية تخلُّص من شعور خاص [74]، يجب أن نشير إلی أنّها عمليةٌ لاشعورية أيضاً.
في سيرة أدلر المدرسية يتبيّن أنّه كان التلميذ الأخير في صفه كما كان ضعيفاً جدّاً في الرياضيات لكنّه لم يلبث أن انتقل في العام نفسه إلى المرتبة الأولی في تلك المادة، ثمّ إنّ الكساح الذي أصابه باكراً وضعفَ بنيتهأضفيا على جسمه شكلاً غير عادي، وهذا التشويه الجسماني أوجد في نفسه إرادةَ الكفاح والصراع ليفوق أقرانَه فيغطي بذل? ضعتَه ويستر ضعفه.
و?ما وضّحنا فإنّ التعويض محاولة للشخص المصاب بالعقدة في أن يتغلّب على الشعور بالنقص والضعف إلّا أنّ محاولتهبالتعويض هذه توصله إلى التعالي.
أما التسامي أو الإعلاء: هو حيلة دفاعية ومن أهمّ الحيل، والأكثر انتشاراً، بواسطة هذه الحيلة يستطيع الإنسانُ أن يرتفع بالسلوك العدواني المكبوت إلى فعل آخر مقبول اجتماعياً وشخصياً، فمثلاً النتاجات الفكرية والأدبية والشعرية والفنية.. في علم النفس، هو تحويل طاقة حافزٍ ما أو غريزةٍ ما إلى هدف أسمى أخلاقيا أو ثقافياً.
الحاجةُ إلی التغلّب علی الشعور بالدونية تضغط علی الناس دائماً، ويجرّهم الحبُّ بالتفوّق وراءَه [75]. فيسعون إلی التفوّق والنّجاح للتعويض عن شعورهم بالدونية أو الضعف الذي يقابلهم في الحياة. «هذا الشعور يلازمه طوالَ عمرهم إن ?ان ناتجاً عن النقص الجسمي أو النفسي، ويهدف للارتقاء إلى الأمام» [76].
هو من الحيل النفسية الدفاعية التي يلجأ إليها الفرد للتخلّص من تأثير التوتّر الناشئ في داخله، والتي «تخفّف من شدة الصراعات والتوتّر الداخلي لدى الإنسان من خلال تحويل تلك الأفكار والصراعات إلى مجالات مفيدة وسليمة ومقبولة اجتماعياً، كما أنّها تمكّن الفردَ من الإبقاء على هذه الصراعات مكبوتةً وبعيدة عن الوعي» [77]. عملية الإعلاء عمليةٌ غير مقصودة، ولكنّ الحاجة إليها تكون شعورية.
يجعل أدلر ال?فاحَ من أجل القوة دافعاً وجزءاً من الحياة، ويری أنّ ل?لّ شخصٍ طريقته في ال?فاح من أجل التفوّق.
إنّ ?لّ شخصٍ يتأثّر حتماً في حياته بالضعف في مواجهة القوی المحيطة به، والحياة الإنسانية ت?رّس في الحقيقة للنضال من أجل التفوّق ?تعويض عن ذل? الاحساس، أي «إنّ إرادة القوة هي القوة الدافعة الانسانية الأساسية، والحقيقة أنّ سي?ولوجيا أدلر وثيقةُ الشبه في ?ثير من النقاط بفلسفة نيتشة» [78].
لنا في التأريخ مآثر من أولئك الذين ظلّت تلاحقهم عقدة النقص، ويعرض علينا أدلر من تل? النماذج التأريخية ما يدلّ علی أنّ تل? العقدة استطاعت أن تعلو بشأن بعض الأفراد:
القائد الفرنسي الشهير «نابليون بونابرت» الذي كان يعاني من قصر القامة، ويشتكي منها، لكنّه مع ذلك كان يتمنّى قامةً أطول، وكان يكره من يفوقونه في الطول ونشأت عنده نزعة عدوانية تجاههم وعمِلَ على تعويض شعوره بالنقص الجسمي عن طريق حبّ التسلّط والجبروت .والنموذج الآخر، «تيمور الأعرج»، وهو مؤسّس دولة «التيموريين» الذي ?ان مصاباً بالشلل، فاستطاع أن يتغلّب علی عاهته بإرادته القويّة ومثابرته ودأبه، حتّی أنّه أسّس دولةَ التيموريين، ويقال-أيضاً- أنّ «هتلر» و«موسوليني» و«فران?و» و«ستالين» ?انوا علی شا?لة نابليون من قصر القامة، فحاولوا تعويض شعورهم بهذا النقص من خلال الحصول علی جمع النفوذ السياسي في سلطتهم بعد أن عزّت عليهم الطبيعة [79].
وقد «أوضح أدلر أنّه، ومن خلال نتائج التحليل الإحصائي للمعلومات المستخلصة من الاستبيان، تبين أنّ سبعين في المئة من الرسّامين الشهيرين ?انوا قد أصيبوا بنقص العمی» [80].
علی أيّة حالٍ لم تؤدّ هذه الأحداثُ–?ما قلنا من قبل- إلی اضعاف الروح المعنوية لدی بشّار؛ وبالاستناد إلى ما سبق نعتقد أنّ بشّاراً لم يرزح لعاهته، بل استطاع أن يقوم بعملية التعويض عن عماه، ويجعل من حياته وطفولته ركائز لعبقريته، وهكذا استطاع بإرادته الفذّة التغلّب على ضعفه وعيبه كما استطاع بهذه الإرادة الساعية دوماً أن يحقّق لنفسه شهرةً خلّدت اسمَه وساعدته على أن يتخطّى عاهته وضعفه، وقد ارتقی إلی درجةٍ ما بحيث عبّر عنه«الجاحظ» بهذا التعبير: «بشّار مع العيوق، وليس في الأرض مولد قروي يعدُّ شعره في المحدَث إلّا وبشّار أشعر منه» [81]، و ا?تفی الأصمعي في حقّه بهذا القول: «بشّار خاتمة الشعراء، والله لولا أنّ أيامَه تأخّرت؛ لفضّلتُه علی ?ثير منهم» [82].
فالمتأمّل في شخصية بشّار يجد أنّ عقدة النقص جعلته في م?انٍ مرموق يم?ننا أن نلاحظه بجلاء. صحيح أنّه أعمی؛ ول?نّقوّته القلبية والسمعية طوّرت قوّة الخيّال عنده، فجاء بما لا يقدر البصراءُ أن يأتوا بمثله، فتشبيهاته مع العمی الذي أصابه ?انت من أحسنها، وقد تدار? عاهته، وتجاهل وتناسی أنّه أعمی في أ?ثر الأحيان، من ذل? قوله:
?أنّ مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافَنا ليلٌ تَهاوَی ?وا?بُه [83]
ونراه أيضاً أنّه ?ان يتعمّد في تجاهل عماه، ويأتي بأشياء يحس قارئ شعره معها أنّه شاعر مبصر من ناحية أخری. وأ?ثر ما يتجلّی ذل? في غزله هذا [84]:
وسألت النساء: أبصـرن ما أبصـرت من حسنها، فقال النساء: دون وجه البغيض وحشة هول وعلی وجه من تحب البهاء [85]
وقيل إنّه سُئِل عن ذل?: «فمن أين ل? هذا ولم ترَ الدّنيا قطّ ولا شيئاً فيها؟ قال: أنّ عدم النظر يقوّي ذ?اء القلب ويقطع عنه الشغل بما ينظر إليه من الأشياء فيتوفّر حسّه وتذ?و قريحته» [86]، وأنشد قوله:
إذا وُلِدَ المَولود أعمی وَجَدتَه وَجَدِّ? أهدَی من بَصِيرٍ وأجوَلَا عمِيتُ جَنِيناً والذ?اءُ من العَمَی فجئتُ عجيبَ الظنِّ للعِلم مَعقِلا29 وغَاضَ ضياءُ العينِ للقلب فاغتَدَی بقلبٍ إذا ما ضَيع الناسُ حَصِّلا30 [87]
هذا بشّار يقدّم تحليلاً لذ?اء الم?فوف الذي لا ي?ون بالضرورة موروثاً، بل جعلته طبيعة عاهته عبقرياً.
?ما يقول بشّار نفسُه، لم ي?تفِ بذل?، بل يريد دائماً التفوّق علی المبصرين، ولم ي?ن لديه وسيلةٌ لبلوغ ذل? سوی العبث الذي عبّر به عن وجوده، فأشار في غير موضع من أشعاره إلی أنّه أجاد الوصف مع أنّه ?فيف، وقد ذ?ر ذل? علی لسان إحدی النساء [88]:
عَجَبَت فَطمَةُ مِن نعتي لهَا هل يجِيدُ النعتَ م?فوفُ البَصَـر31 [89]
إنّ بشّار نال إعجاب النقاد، أو ال?ثيرين منهم.
أحلام اليقظة:
هي عبارة عن سلسلة من الصور أو الأفكار أو الانفعالات التي تتمثّل لعقل المرء، وقد وصف بعضُهم الأحلام بأنّها مسرحيات تحدث في الذهن وتصوّر بعض الجوانب اللاشعورية. بعبارة أخری لا ي?في الفردَ إرضاءٌ نفسي وعاطفي قد أحصلته الوقائع والحقائق في حياته، فيتفحّص عن ذل? الإرضاء في عالم الموهومات والنوم [90].
عندما يعجز الفردُ عن تحقيق دوافعه بالطريق الطبيعي، وتصطدم رغباته وحاجاته بعقبات شديدة، وينسلخ عن العالم الواقعي فيلجأ إلی عالم آخر هو عالم الخيال.
وعلی هذا الأساس، إنّ في الخيال يستطيع الفردُ أن يتجنّب السدّ والضغط الواقع عليه من البيئة الخارجية، ويخفّف من الإنسان ال?ثيرَ من الضغوط الواقعة عليه.
النموذج من أحلام اليقظة في بشّار:
وَ أرَی النَّاسَ يَرَونِي أسَداً فَيَقُولُونَ بِقَصدٍ وَ هُدَی32 [91]
وهذا بشّار يستهدف التخلّص من حالة التوتّر والقلق فيجد طريقاً للنجاة منها في الأحلام بطريقة غير واقعية من أجل التخفيف عن شعوره بالفشل والإحباط.
نعم إنّ حيل الدفاع حيل تخفّف من التوتّر والقلق، لكنّها لا تحلّ المشكلة بأكملها.. لأنّها لا تحقّق التوافق الكامل بين الفرد ونفسه أو بين الفرد وبيئته.. ومع ذلك ليست حيلاً شاذة، لأنّ كلّ الناس تستخدمها، سواء بقدر كبير أو قليل، وإن كانت تبدو بصورة واضحة لدى بعض النّاس، غير أنّها تصبح ضارّةً إن أفرط الفرد في الالتجاء إليها عند كلّ صدمة أو موقف متأزم.
قد ت?ون هذه الطرق ايجابية تؤدي بالشخص إلی الت?يف السليم وإيجاد حلول لمشا?له أو التعايش معها بصورة جيدة، أو قد ت?ون سلبية تؤدي إلی تفاقم المش?لة. وفي ضوء هذه الاعتبارات نتناول فيما يلي آليات الدفاع ممثّلةً في نوعين:
النوع الأول: يتضمن الأساليب العفوية غير المدركة من جانب الإنسان والتي حين يبالغ فيها تؤدي به إلى مزيد من الاضطراب، وتكرارُ استخدامها دلالةٌ على المرض، لذا نطلق عليها: آليات الدفاع السلبية.
والنوع الثاني: يمثّل أساليب مجاهدة النفس والتي من شأن استخدامها على المستوى البسيط أو المفرط أن يؤدّي إلى صحة نفسية، لذا نطلق عليها آليات الدفاع الموجبة، وكلا النوعين يشير إليه القرآن الكريم.
أولاً: آليات الدفاع السلبية:
يضمّ هذا النوع عديداً من الأساليب التي تتخذها النفس للدفاع عن توازنها وهي في اتخاذ الإنسان لها على المستوى البسيط أو غير المزمن تعدّ مفيدة، حيث تتواصل الحياة بأقلّ قدر من عدم التوازن أما الإفراط فيها، أو كونها مزمنة فهو دلالة على اضطراب الإنسان نفسياً أو عقلياً.
من آليات الدفاع النفسية السلبيّة تل?، ما استعمله بشّار تجاه أعدائه ومنها:
ش?ل1-1
ثانياً: آليات الدفاع الإيجابية:
يضمّ هذا النوع من الأساليب عديداً من الإيجابيات التي تقوم النفس بمقتضاها بالحفاظ على التوازن، ولعلّ أهمّ خاصية لهذه الأساليب أنّها تساير الفطرة الإنسانية، لذا تعدّ أكثر فاعلية لتوازن الإنسان.
ومن آليات الدفاع النفسية الايجابية التي استعملها بشّار:
ش?ل 2-1
يم?ن القول إنّه ليست هذه الحيلُ الدفاعية متساوية فيما تتر? من آثار علی الشخص، وتصنّف إلی أربعة أنواع أخری ?ما يلي [92]:
ش?ل3-1
«يحدث التجنّب بصورة مَرضية في حالات الخوف المرضي حيث يتّجه المصاب إلی الابتعاد تماماً عن مصدر الخوف رغم عدم وجود مبرّر ?اف لذل?، وفي حالة اضطراب الشخصية الاجتنابي يميل الشخص إلی العزلة والابتعاد عن الآخرين نظراً للخجل والحساسية الشديدة للانتقاد» [40].
مع أنّ بشّاراً هجّاء، ولم ينجُ أحد من شرّ لسانه، ل?نّه هنا نراه قام بالتجنّب عن الدخول في المشادات. عمله هذا هو بمثابة الدخول في آلية الدفاع الآخر وهو الإحجام أو التجنّب.
نری بشّاراً يشير إلی عدم تورّطه في النزاع مع أعدائه، وإلی ابتعاد نفسه عن لَومهم، واست?راهه في المواجهة معهم:
وَ فِي نَافِععَنِي جَفَاءٌ وَ إنَّنِي لَأُطرِق أحيَاناً وَ ذُو اللُبِ يُطرِقُ15 [41]
يبتعد بشّار عن مجابهة زوج «منجاب»، ولا يلتفت إلی الوشاة أيضاً:
يَسعی بِنَا زَوجُ مُنجَابٍ فَنُعتِبُهُ وَ لَا يَهِمُّ لَنَا يَوماً بِإعتَابِ [42]
ويتنحّی عن المواجهة مع السفلاء والأدنياء، إذ ينفع برأيه الصمتُ والإباء في بعض الأحيان:
إذا ما سامنِي الخُلطاء خَسفاً أبيتُ ورُبَّما نفع الإباءُ [43]
ويقول بشّار: إن استحلّ الأعداءُ عرضي لا أهجوهم:
إنِّي وَإن ?َانَ حِلمِي وَاسِعاً لَهُمُ لَا أستَهلُّ عَلَی جَارٍ بِشُؤبُوب16 [44]
ال?بت: «عمليةٌ عقلية لاشعورية يلجأ إليها الفرد للتخلّص من الشعور بالقلق والضيق الذي يعانيه بسبب ورود عوامل متضاربة الأهداف في نفسه» [45]، وباستخدام هذه الآلية فإنّ الإنسان يحرّر نفسه ولو مؤقتاً من الضغوط المتسلّطة عليه، فيهرب من ذل? الموقف بكبته ومحاولة تحييده على الأقل.
يعتبر ال?بت من الآليات الدفاعية،حيث يتمّ دفع الأف?ار والمشاعر من العقل الواعي، وال?بت ي?ون ب?بح الأف?ار قبل أن تصل إلی الوعي، في?ون بالتخلّص من الأف?ار التي توجد في حيز الوعي، والأشياء التي يتمّ ?بتها لاتنسی بل يتمّ تخزينها في العقل الباطن [46]. فهو الاستبعاد اللاشعوري للمشاعر أو الأف?ار والحوادث المؤلمة.
فسعی بشّار أيضاً أن ينسی أف?ارَه السابقة التي تزخر باللهو واللعب، ويستبعد تل? الأف?ار من منطقة شعوره إلی منطقة اللاشعور. إذ ?ان المهدي شديدَ الحميّة للنساء، غيوراً عليهنَّ، وبلغته أبيات لبشّار فيها مجون؛ فنهاه عن قرض الشعر والتعرّض إلی النساء وذل? أدّي إلی ت?وين ال?بت في نفسية بشّار ?ما سنراه في بعض أبياته:
نَهَانِي الخَلِيفَةُ عَن ذِ?رِهَا وَ ?ُنتُ بِمَا سَرَّهُ أ?دَحُ فَأعرَضتُ عَن حَاجَتِي عِندَهَا وَ لَلمَوتُ مِن تَر?ِهَا أروَحُ عَلَی أنَّ فِي النَّفسِ مِن حُبَّهَا أحَادِيثَ لَيسَ لَهَا مَطرَحُ [47]
تَعَزَّ عَنِ الحَورَاءِ إنّ مَقَامَنَا عَلَيهَا وَتَر?َ المُل?ِ رَأيٌ مُزَلَّجُ [48]
وَ لَقَد أُصرِفُ الفُؤادَ عَنِ الشَـّي ء حَيَاءً وَ حُبُّهُ فِي السَّوَادِ أمسِ?ُ النَّفسَ بِالعِفَافِ وَ أمسـِي ذَا?ِراً فِي غَدِ حَدِيثَ الأعَادِي [49]
دَفَنتُ الهَوَی حَيَّاً فَلَستُ بِزَائِرٍ سُلَيمَی وَلَا صَفرَاء مَا قَرقَرَ القُمرِي [50]
يتذ?ّر أيّاماً مضت مع أحبائه، ول?ن يخطر بباله أمرُ الخليفة المهديّ فذل? يحول دون تل? الذ?ريات، ولا يرجّح بشّار الحوراءَ علی أمر الخليفة، احتراساً من سعاية الناس وأحاديثهم، وليس من المعقول.
إن?ار الواقعية: يعني تجنّب الفرد الواقع المؤلم أو المسبب للقلق، فهذا الفرد ين?ر أنّ حبيبه قد مات رغم وجود الدليل المقنع لهذه الواقعة، ولا يطيق أن يناقش هذا الدليل أو حتّی ف?رة موته [51].
هو رفض الاعتراف بوجود مصدرخارجي مثير للقلق، وتظاهر المرء بتجاهل الواقع، والإنكار اللاشعوري للواقع المؤلم أو المسبّب للقلق، برفض إدراكه أو مواجهته. فالإنسان ين?ر الأشياء التي تسبّب قلقه هنا.
ل?ي يتفادی بشّارُ احباطَه وقلقه قام بنفي وإن?ار الواقع الحقيقي، فأن?ر ?لَّ الأحداث والحقائق التي وصلت إليه من الإهانات وتُهَم الأعداء ومنافسيه؛ ويقصد بهذا العمل في الواقع التخلُّص أو التقليل من إحباطه وضغوطه النفسية، واستخدام الإن?ار بش?ل غير واعي عاملاً دفاعياً بعد أن يسخروا منه ويستهزؤه:
وَ عَيَّرَونِي الأَعدَاءُ وَ العَيبُ فِيهِمُ وَ لَيسَ بِعَارٍ أن يُقَال ضَرِيرُ [52]
قُل مَا بَدَا لَ?َ مِن زُورٍ وَ مِن ?َذِبٍ حِلمِي أصَمُّ وَ أذُنِي غَيرُ صَمَّاءِ [53]
اعتقد بشّار: ليست أحاديثُ الناس إلّا ?ذباً وبهتاناً، مهما ي?ون من الأمر، تل? الأقوال أو التُهَم تم?ن أن ت?ون صدقاً، ول?ن بشّار فنّدها.
التبرير:
«هو أن يخترع المرء أعذاراً لإقناع الناس بأسباب فشله من أجل المحافظة علی ثقتهم واحترامهم، وإبعاد الشعور بالنقص عن نفسه» [54]. و«يبرّر المرء بهذه الحيلة سلو?ه ومعتقداته وآراءه ودوافعه المستهجنة بأن يعطينا أسباباً معقولة لها» [55].
ويختلف التبرير عن الكذب، بأنّ التبرير يكذب فيه الإنسانُ على نفسه، في حين يكون الكذبُ بأن يكذب الإنسانُ على الناس. وهناك فرق بين تبرير الإنسان لشيء أو عمل أو رأي على منطق، والتبرير بغير منطق أو بما لم يؤمن به الإنسان أصلاً، فالتبرير من النوع الثاني هو المقصود بالأسلوب الدفاعي اللاشعوري الذي نحن بصدده، فمثلاً فشلُ الطالب أو رسوبه في الامتحان ينسبه الطالبُ إلى العشوائية في تصحيح أوراق الإجابة.
هذه الآلية تؤدي إلى الراحة المؤقتة السلبية للإنسان، فبدلاً من أن يبحث الإنسانُ عن السبب الحقيقي، تختلق سبباً غير منطقي أو ليس له وجود في الواقع في محاولة إخفاء الحقيقة التي قد تؤلمه.
«وهذا الأسلوب يؤدي إلى الهروب بدلاً من المواجهة، وعندما يتكرّر عند الإنسان يكون مصدراً مهماً من مصادر ضغوطه النفسية التي قد تنتهي به إلى اضطرابات مؤثّرة» [56].
وقد لجأ بشّار إلی التبرير، وذ?ر أسباباً زائفة عندما واجه مواقفاً لا يستطيع أن يتصرف فيها عادياً أو أن يذ?ر الأسبابَ الحقيقية، ليخفّف من لومة نفسه من جراء ضغوطه:
و َما ذَنبُ مَقدُورٍ عَلَيهِ شَقَاؤُهُ مِنَ الحُبِّ عِندَ اللهِ فِي سَابِقِ ال?ُتبِ لَقَد أُعجِبت نَفسـِي بِهَا فَتَبَدَّلَت فَيَا جُهدَ نَفسِـي قَادَهَا لِلشَّقَا عُجبِي وَ لَستُ بِأحيَا مِن «جَمِيلَ بنِ َمُعَمَرِ» وَ «عُروَةَ» إن لَم يَشفِ مِن حُبِّهَا رَبِّي18و 17 فَلَو ?َانَ لِي ذَنبٌ إلَيهَا عَذَرتُهَا بِهَجرِي وَ لَ?ِن قَلَّ فِي حُبِّهَا ذَنبِي [57]
يعدّ ويذ?ر بشّارُ البعضَ من شعراء عشّاق العرب مثل:«جميل بن معمر»، و«عروة»، يقوم بشّار بهذا العمل لئلّا يرميه أحدٌ بالفساد والشذوذ، ولِيزيلَ عنه تهمةَ النسيب للنساء، إذ منعه المهدي عن ذ?ر الحسناوات والتغزّل بهنّ.
المزاح والاستهزاء بالآخرين:
«يجعل المزاح، الهزل، والاستهزاءُ الظروفَ التي يسبّب التعارضَ والضغط النفسي في إطارٍ جديد، وهو تن?يت الآخرين» [58].
لقد حاول بشّارُ أن يعالج عقدته، وأن يعوّض عمّا حرمته الطبيعة من نعمة البصر، عن طريق التحقير والسخرية والإهانة التي عمد إليها في ?ثير من سلو?ه، إذ رأی فيها نوعاً من التسرية، فصارت السخرية تجري علی لسانه. روي أنّ رجلاًقال لبشّار: «إنّ الله عزّ وجلّ ما سلب أحداً ?ريمتيه إلّا عوضه عنهما حُسن صوت، أو ذ?اء فأنت ماذا عوض? من بصر?؟ قال: عوضني فقدان النظر إلی.. مثل?» [59].
ذ?ر النموذج الآخر: «دخل علی المهدي العباسي وعنده خاله يزيد بن منصور الحميري فأنشده قصيدة، فلمّا أتمّ إنشاده قال له يزيد: ما صناعت? يا شيخ؟ فردّ عليه بشّار بجواب ملؤه السخرية قائلاً: أثقب اللؤلؤ. فقال له المهدي: أتهزأ بخالي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، فما ي?ون جوابي لمن يری شيخاً أعمی ينشد شعراً فيسأله عن صناعته؟!» [60].
التواصل:
هو طلب التأييد الاجتماعي من الآخرين، والمشورة حول المشا?ل، دون أن يعتقد بأنّهم هم المسؤولون عن هذا المش?ل، أو دون أن يستعين منهم [61].
التواصل علی نوعين: 1. طلب العطاء والمال من الممدوح 2. بثّ الش?وی وأنين القلب إلی الصديق أو الحبيب أو الممدوح.
النوع الأوّل (طلب المال من الممدوح): واستعان بشّار بهذه الآلية بغية حفظ نفسه، والاتصال بالآخرين:
شِفَاءُ العَمَی طُولُ السُّؤَالِ وَ إنَّمَا تَمَامُ العَمَی طُولُ السُ?وُتِ عَلَی الجَهلِ19 فَ?ُن سَائِلاً عَمَّا عَنَا?َ فَإنَّمَا دُعِيتَ أخَا عَقلٍ لَتَبعَثَ بِالعَ [62]
والنموذج الآخر، يقصد بشّار ب?لمة «اسقني» طلبَ المال والهبّة من ممدوحه «رَوح بن حاتم»، إذ ح?ی بشّار أنّه أصيب ببلاء وفقر:
يا بنَ مُوسی اسقني ودَع عن? بَ?راً إن بَ?راًخِلوٌ وإنِّي مُصاب20 [63]
والنوع الثاني(بثّ الش?وی للأصدقاء):حين يخاطب بشّار صاحبه باثنين وهو شخصٌ واحد؛ ذل? دليل علی أنّه يريد أن يتقاسم نفسه معه، بحيث يمتزج بنفس صديقه، ولذل? هدفٌ نفسيّ:
خَلِيليَّ لَا تستن?ِرا لَوعَة الهوی ولَا سلوةَ المحزَون شطَّت حبائبُه [64]
والتحدّث عن الأحوال الشخصية للأصدقاء؛ منه أيضاً:
أثنِي عَلَي?َ وَ لِي حَالٌ تُ?ذِّبُنِي فِيمَا أقُولُ فَأستَحيِي مِنَ النَّاسِ قَد قُلتُ إن َّ أبا حَفصَ لَأ?رَمُ مَن يَمشـِي فَخَالَفَنِي فِي ذَا?َ إفلَاسِي21 حَتَی إذَا قِيلَ مَا أعطَا?َ مِن صَفَدٍ طَأطأتُ مِن سُوءِ حَالٍ عِندَهَا رَأسِي22 [65]
خَلِيلَيَّ مِن ?َعبٍ أعِينا أخَا ?ُما علی دهرِه إنّ ال?َرِيمَ مُعِينُ23 ولَا تَبخَلَا بُخلَ ابنِ قزعَةَ إنَّه مَخَافَةَ أن يُرجَی نداه حَزِينُ ?أنَّ عُبيدَاللهِ لم يَلقَ مَاجِداً ولَم ولَم يَدرِ أنَّ المَ?رُمَاتِ ت?ُون24 إذا جِئتَهُ فِي حاجَةٍ سدَّ بَابَهُ لفلم تلقَهُ إلَّا وأنتَ ?َمِينُ [66]
هجا بشّار في هذه الأبيات عبُيدَ الله بن قَزَعة، ففيها طلبَ العطاء وامتزج بخليله بحيث ظنّه اثنين في العدد، وواصل أمر صداقة معه حتّی يم?ننا أن نجعلها في عداد: التواصل، من ?لا النوعين.
الإزاحة: هي إعادة توجيه الانفعالات المحبوسة نحو الأشخاص أو الموضوعات التي سبّبت الانفعالات. الإزاحة تنحصر في النقل من موضوعه الأصلي إلی موضوعٍ بديل. معظم الناس حينما يواجهون تحدياً قوياً يصبون نارَ غضبهم في غير مكانها، ويهجمون على أهداف أو ممتلكات، فيكون أشخاص آخرون كبش الفداء، وربّما هم أبرياء، فالإزاحة «عملية يقوم فيها الأنا بنقل دافع أو رغبة مرتبطة بموضوع معين إلی موضوع آخر.. الشخص الذي عنفه رئيسه ولم يستطع أن يرد عليه.. يعتدی علی أوّل شخص يقابله دون أن ي?ون مستحقاً لهذا العدوان» [67].
الإزاحة ?التسامي وسيلةٌ لتغيير مجری الأمور من المجری الطبيعي إلی مجری آخر.
وقد قيل إنّ حمّادَ عجرد ?ان عدواً لبشّار، ول?ن لما ?ان سهيلُ بن سالم صديقَ حمّاد عجرد؛ فإنّ بشّاراً قد هجا سهيلَ بن سالم بدلاً عن حمّاد:
وَ أطَرتُ جنَّةَ عَجرَدٍ وَ أنَّا المُغَنُّ المِشغَبُ25 وَ لَقَد وَضَعتُ عَلَی سُهَيـ لِ مِيسَماً لَا يَذهَبُ26 [68]
ومن ذل? أيضاً، لقّب بشّارُ سهيلاً بـ «جنة عجرد» بسبب أنّ سهيلاً قد اتصل به حمّاد عجرد، وأفسده علی بشّار، بعد أن ?ان صديقاً لبشّار، فهجاه:
وَ لَقَد أفَأتُ عَلَی سُهَيلٍ مِثلَهَا حَمرَاءَ لَيسَ لحَرِّهَا تَقتِير وَلَدَی العَتيرَةِ قَد نَظَمتُ قَلَائِداً مَنهَا عَلَيه غَضَاضَةٌ وَقَتِيرُ27 [69]
أ دَيسَمَ يابن الذئبِ من نسل زارع أ تروي هجائي سَادِرَاً غير مُقصـِرِ28 [70]
هو ديسم العنزي ?ان يحفظ أشعار حمّاد وأبي هشام الباهلي، فغضب بشّارُ من حمّاد ول?ن قال في ديسم هذا البيت.
14. التعويض فالتسامي: إنّ الطفل الذي يتجرّع الضغط والتحقير والسخرية من الآخرين، يحمل حقداً خاصاً في قلبه، ويحاول تدارك الفشل الذي لاقاه في حياته، فيقدم على كلّ عمل خطير،فيحاول تدارك حرمانه بصور مختلفة، ومن تل? الصور: التعويض.
اختلف أدلر مع فرويد حول موضوع الرغبات وطبيعتها، بينما وجد فرويد أنّ هذه الرغبات تتمثّل في الغريزة الجنسية، رأی أدلر أنّها ت?من في التعويض، والتعويض الأعلی أو التسامي. «قدرة التعويض التي يمتل?ها جسم حّي ناقص، استخرج ألفرد أدلر منذ سنة 1907 القانون العامّ الذي علی أساسه ينمو ?لّ فردٍ معاق أو مجروح أو ناقص أو محروم من إحدی وظائفه الحياتية نموّاً طبيعياً ?ي يحيا بنشاطٍ متزايد يسعی من خلاله إلی التعويض عن نقصه وحتی تعديله إلی أن يصبح أخيراً أعلی ممّا ?ان يش?ل عقدة نقصه» [71].
وعلی حسب ما عرّفه أدلر: «هو سَداة ولحمة نفسية تجرّ بعضَ الناس إلی التعويض المضاعف عن حقارتهم الجسمية أو النفسية التي يعانون منها» [72].
إذن التعويض بحسب التعريف العلمي له: «مجموعة من الصفات، وأنواع السلو? أو الأفعال التي هدفُها إزالة الشعور بالدونية» [73]، فعملية الت?بُّر وإعطاء قيمة للذاتو.. ?لّ ذل? ليس سوی عملية تخلُّص من شعور خاص [74]، يجب أن نشير إلی أنّها عمليةٌ لاشعورية أيضاً.
في سيرة أدلر المدرسية يتبيّن أنّه كان التلميذ الأخير في صفه كما كان ضعيفاً جدّاً في الرياضيات لكنّه لم يلبث أن انتقل في العام نفسه إلى المرتبة الأولی في تلك المادة، ثمّ إنّ الكساح الذي أصابه باكراً وضعفَ بنيتهأضفيا على جسمه شكلاً غير عادي، وهذا التشويه الجسماني أوجد في نفسه إرادةَ الكفاح والصراع ليفوق أقرانَه فيغطي بذل? ضعتَه ويستر ضعفه.
و?ما وضّحنا فإنّ التعويض محاولة للشخص المصاب بالعقدة في أن يتغلّب على الشعور بالنقص والضعف إلّا أنّ محاولتهبالتعويض هذه توصله إلى التعالي.
أما التسامي أو الإعلاء: هو حيلة دفاعية ومن أهمّ الحيل، والأكثر انتشاراً، بواسطة هذه الحيلة يستطيع الإنسانُ أن يرتفع بالسلوك العدواني المكبوت إلى فعل آخر مقبول اجتماعياً وشخصياً، فمثلاً النتاجات الفكرية والأدبية والشعرية والفنية.. في علم النفس، هو تحويل طاقة حافزٍ ما أو غريزةٍ ما إلى هدف أسمى أخلاقيا أو ثقافياً.
الحاجةُ إلی التغلّب علی الشعور بالدونية تضغط علی الناس دائماً، ويجرّهم الحبُّ بالتفوّق وراءَه [75]. فيسعون إلی التفوّق والنّجاح للتعويض عن شعورهم بالدونية أو الضعف الذي يقابلهم في الحياة. «هذا الشعور يلازمه طوالَ عمرهم إن ?ان ناتجاً عن النقص الجسمي أو النفسي، ويهدف للارتقاء إلى الأمام» [76].
هو من الحيل النفسية الدفاعية التي يلجأ إليها الفرد للتخلّص من تأثير التوتّر الناشئ في داخله، والتي «تخفّف من شدة الصراعات والتوتّر الداخلي لدى الإنسان من خلال تحويل تلك الأفكار والصراعات إلى مجالات مفيدة وسليمة ومقبولة اجتماعياً، كما أنّها تمكّن الفردَ من الإبقاء على هذه الصراعات مكبوتةً وبعيدة عن الوعي» [77]. عملية الإعلاء عمليةٌ غير مقصودة، ولكنّ الحاجة إليها تكون شعورية.
يجعل أدلر ال?فاحَ من أجل القوة دافعاً وجزءاً من الحياة، ويری أنّ ل?لّ شخصٍ طريقته في ال?فاح من أجل التفوّق.
إنّ ?لّ شخصٍ يتأثّر حتماً في حياته بالضعف في مواجهة القوی المحيطة به، والحياة الإنسانية ت?رّس في الحقيقة للنضال من أجل التفوّق ?تعويض عن ذل? الاحساس، أي «إنّ إرادة القوة هي القوة الدافعة الانسانية الأساسية، والحقيقة أنّ سي?ولوجيا أدلر وثيقةُ الشبه في ?ثير من النقاط بفلسفة نيتشة» [78].
لنا في التأريخ مآثر من أولئك الذين ظلّت تلاحقهم عقدة النقص، ويعرض علينا أدلر من تل? النماذج التأريخية ما يدلّ علی أنّ تل? العقدة استطاعت أن تعلو بشأن بعض الأفراد:
القائد الفرنسي الشهير «نابليون بونابرت» الذي كان يعاني من قصر القامة، ويشتكي منها، لكنّه مع ذلك كان يتمنّى قامةً أطول، وكان يكره من يفوقونه في الطول ونشأت عنده نزعة عدوانية تجاههم وعمِلَ على تعويض شعوره بالنقص الجسمي عن طريق حبّ التسلّط والجبروت .والنموذج الآخر، «تيمور الأعرج»، وهو مؤسّس دولة «التيموريين» الذي ?ان مصاباً بالشلل، فاستطاع أن يتغلّب علی عاهته بإرادته القويّة ومثابرته ودأبه، حتّی أنّه أسّس دولةَ التيموريين، ويقال-أيضاً- أنّ «هتلر» و«موسوليني» و«فران?و» و«ستالين» ?انوا علی شا?لة نابليون من قصر القامة، فحاولوا تعويض شعورهم بهذا النقص من خلال الحصول علی جمع النفوذ السياسي في سلطتهم بعد أن عزّت عليهم الطبيعة [79].
وقد «أوضح أدلر أنّه، ومن خلال نتائج التحليل الإحصائي للمعلومات المستخلصة من الاستبيان، تبين أنّ سبعين في المئة من الرسّامين الشهيرين ?انوا قد أصيبوا بنقص العمی» [80].
علی أيّة حالٍ لم تؤدّ هذه الأحداثُ–?ما قلنا من قبل- إلی اضعاف الروح المعنوية لدی بشّار؛ وبالاستناد إلى ما سبق نعتقد أنّ بشّاراً لم يرزح لعاهته، بل استطاع أن يقوم بعملية التعويض عن عماه، ويجعل من حياته وطفولته ركائز لعبقريته، وهكذا استطاع بإرادته الفذّة التغلّب على ضعفه وعيبه كما استطاع بهذه الإرادة الساعية دوماً أن يحقّق لنفسه شهرةً خلّدت اسمَه وساعدته على أن يتخطّى عاهته وضعفه، وقد ارتقی إلی درجةٍ ما بحيث عبّر عنه«الجاحظ» بهذا التعبير: «بشّار مع العيوق، وليس في الأرض مولد قروي يعدُّ شعره في المحدَث إلّا وبشّار أشعر منه» [81]، و ا?تفی الأصمعي في حقّه بهذا القول: «بشّار خاتمة الشعراء، والله لولا أنّ أيامَه تأخّرت؛ لفضّلتُه علی ?ثير منهم» [82].
فالمتأمّل في شخصية بشّار يجد أنّ عقدة النقص جعلته في م?انٍ مرموق يم?ننا أن نلاحظه بجلاء. صحيح أنّه أعمی؛ ول?نّقوّته القلبية والسمعية طوّرت قوّة الخيّال عنده، فجاء بما لا يقدر البصراءُ أن يأتوا بمثله، فتشبيهاته مع العمی الذي أصابه ?انت من أحسنها، وقد تدار? عاهته، وتجاهل وتناسی أنّه أعمی في أ?ثر الأحيان، من ذل? قوله:
?أنّ مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافَنا ليلٌ تَهاوَی ?وا?بُه [83]
ونراه أيضاً أنّه ?ان يتعمّد في تجاهل عماه، ويأتي بأشياء يحس قارئ شعره معها أنّه شاعر مبصر من ناحية أخری. وأ?ثر ما يتجلّی ذل? في غزله هذا [84]:
وسألت النساء: أبصـرن ما أبصـرت من حسنها، فقال النساء: دون وجه البغيض وحشة هول وعلی وجه من تحب البهاء [85]
وقيل إنّه سُئِل عن ذل?: «فمن أين ل? هذا ولم ترَ الدّنيا قطّ ولا شيئاً فيها؟ قال: أنّ عدم النظر يقوّي ذ?اء القلب ويقطع عنه الشغل بما ينظر إليه من الأشياء فيتوفّر حسّه وتذ?و قريحته» [86]، وأنشد قوله:
إذا وُلِدَ المَولود أعمی وَجَدتَه وَجَدِّ? أهدَی من بَصِيرٍ وأجوَلَا عمِيتُ جَنِيناً والذ?اءُ من العَمَی فجئتُ عجيبَ الظنِّ للعِلم مَعقِلا29 وغَاضَ ضياءُ العينِ للقلب فاغتَدَی بقلبٍ إذا ما ضَيع الناسُ حَصِّلا30 [87]
هذا بشّار يقدّم تحليلاً لذ?اء الم?فوف الذي لا ي?ون بالضرورة موروثاً، بل جعلته طبيعة عاهته عبقرياً.
?ما يقول بشّار نفسُه، لم ي?تفِ بذل?، بل يريد دائماً التفوّق علی المبصرين، ولم ي?ن لديه وسيلةٌ لبلوغ ذل? سوی العبث الذي عبّر به عن وجوده، فأشار في غير موضع من أشعاره إلی أنّه أجاد الوصف مع أنّه ?فيف، وقد ذ?ر ذل? علی لسان إحدی النساء [88]:
عَجَبَت فَطمَةُ مِن نعتي لهَا هل يجِيدُ النعتَ م?فوفُ البَصَـر31 [89]
إنّ بشّار نال إعجاب النقاد، أو ال?ثيرين منهم.
أحلام اليقظة:
هي عبارة عن سلسلة من الصور أو الأفكار أو الانفعالات التي تتمثّل لعقل المرء، وقد وصف بعضُهم الأحلام بأنّها مسرحيات تحدث في الذهن وتصوّر بعض الجوانب اللاشعورية. بعبارة أخری لا ي?في الفردَ إرضاءٌ نفسي وعاطفي قد أحصلته الوقائع والحقائق في حياته، فيتفحّص عن ذل? الإرضاء في عالم الموهومات والنوم [90].
عندما يعجز الفردُ عن تحقيق دوافعه بالطريق الطبيعي، وتصطدم رغباته وحاجاته بعقبات شديدة، وينسلخ عن العالم الواقعي فيلجأ إلی عالم آخر هو عالم الخيال.
وعلی هذا الأساس، إنّ في الخيال يستطيع الفردُ أن يتجنّب السدّ والضغط الواقع عليه من البيئة الخارجية، ويخفّف من الإنسان ال?ثيرَ من الضغوط الواقعة عليه.
النموذج من أحلام اليقظة في بشّار:
وَ أرَی النَّاسَ يَرَونِي أسَداً فَيَقُولُونَ بِقَصدٍ وَ هُدَی32 [91]
وهذا بشّار يستهدف التخلّص من حالة التوتّر والقلق فيجد طريقاً للنجاة منها في الأحلام بطريقة غير واقعية من أجل التخفيف عن شعوره بالفشل والإحباط.
نعم إنّ حيل الدفاع حيل تخفّف من التوتّر والقلق، لكنّها لا تحلّ المشكلة بأكملها.. لأنّها لا تحقّق التوافق الكامل بين الفرد ونفسه أو بين الفرد وبيئته.. ومع ذلك ليست حيلاً شاذة، لأنّ كلّ الناس تستخدمها، سواء بقدر كبير أو قليل، وإن كانت تبدو بصورة واضحة لدى بعض النّاس، غير أنّها تصبح ضارّةً إن أفرط الفرد في الالتجاء إليها عند كلّ صدمة أو موقف متأزم.
قد ت?ون هذه الطرق ايجابية تؤدي بالشخص إلی الت?يف السليم وإيجاد حلول لمشا?له أو التعايش معها بصورة جيدة، أو قد ت?ون سلبية تؤدي إلی تفاقم المش?لة. وفي ضوء هذه الاعتبارات نتناول فيما يلي آليات الدفاع ممثّلةً في نوعين:
النوع الأول: يتضمن الأساليب العفوية غير المدركة من جانب الإنسان والتي حين يبالغ فيها تؤدي به إلى مزيد من الاضطراب، وتكرارُ استخدامها دلالةٌ على المرض، لذا نطلق عليها: آليات الدفاع السلبية.
والنوع الثاني: يمثّل أساليب مجاهدة النفس والتي من شأن استخدامها على المستوى البسيط أو المفرط أن يؤدّي إلى صحة نفسية، لذا نطلق عليها آليات الدفاع الموجبة، وكلا النوعين يشير إليه القرآن الكريم.
أولاً: آليات الدفاع السلبية:
يضمّ هذا النوع عديداً من الأساليب التي تتخذها النفس للدفاع عن توازنها وهي في اتخاذ الإنسان لها على المستوى البسيط أو غير المزمن تعدّ مفيدة، حيث تتواصل الحياة بأقلّ قدر من عدم التوازن أما الإفراط فيها، أو كونها مزمنة فهو دلالة على اضطراب الإنسان نفسياً أو عقلياً.
من آليات الدفاع النفسية السلبيّة تل?، ما استعمله بشّار تجاه أعدائه ومنها:
ش?ل1-1
ثانياً: آليات الدفاع الإيجابية:
يضمّ هذا النوع من الأساليب عديداً من الإيجابيات التي تقوم النفس بمقتضاها بالحفاظ على التوازن، ولعلّ أهمّ خاصية لهذه الأساليب أنّها تساير الفطرة الإنسانية، لذا تعدّ أكثر فاعلية لتوازن الإنسان.
ومن آليات الدفاع النفسية الايجابية التي استعملها بشّار:
ش?ل 2-1
يم?ن القول إنّه ليست هذه الحيلُ الدفاعية متساوية فيما تتر? من آثار علی الشخص، وتصنّف إلی أربعة أنواع أخری ?ما يلي [92]:
ش?ل3-1
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
رد: دراسة آليات الدفاع النفسية لدی بشّار بن برد
الهوامش:
#- 1- أراد بماضغ الماء ال?ناية عن الحمق وسوء وضع الأشياء موضعها.#- 2- أراد بالتاج: الشيب. وبالوالي: الخليفة المهدي.
#- 3- أي ?رهن اتصافي بالحلم وأصالة الرأي دون سفه الحب. أولي: رجوعي. أ?ثرت أي النساء.
#- 4- معنی «علی الغزلي سلام الله» أنّه يحييها ويذ?رها بحسن الذ?ر.
#- 5- لعلّ مال?اً وابن مال? ?انا من الملّاحة في دجلة ?ان بشّار يحسن إليهما.
#- 6- «طنجة» اسم بلد بالمغرب الأقصی، ولايصلح أن ي?ون مراد بشّار واسم متنزّه بمصر يظهر أنّه مراد بشّار، أي ذات العجب بمحاسنها.
#- 7- الحنظل:ثمر شجر من شجر العضاه يأ?لونه في المجاعة.
#- 8- الورل: دويبة مثل الضب، ومنضنض: متحر? بذنبه، صفة لورل.
#- 9- التقصع: احتراش الضب من نقب جحره المسمی القاصعاء، والحزب: اسم جمع حزباء، وهي الأرض الغليظة.
#- 10- «المذ?ي» المسن أو البدن. الشطر الثاني، إشارة إلی المثل «لو ذات سوار لطمتني». قيل: إنّ قائله حاتم الطائي حين أسر في بعض أيامهم، فلطمته أمة لأهل البيت الذين ?انأسيرا فيهم، وذل? يضرب مثلاً ل?ريم يعتدي عليه دنيء.
#- 11- القسوري: الأسد، الوبار (ب?سر الواو) جمع وبر، وهو دويبة تَشبه الأرنب وتجتر ?الأرنب.
#- 12- يريد أنّه ليس مثل ?لب مرغوب فيه، بل مثل ?لب السوء الذي يتر?ه أهله حين يرتحلون فيلتحق بهم. القِطار جماعة الإبل الراحلة السائرة علی نسق مقرباً بعضها من بعض. وال?لب يتبع القوم ي?ون سائراً وراءهم.
#- 13- ابن نهيا: هو حمّاد، ومعنی «ثقيل» أنّه يثقل عليه من الخُمار، ووجه ذ?ره ذل? لينتقل إلی الرأسين الذي هو مجاز هنا في الإلهين لأنّ الرأس يطلق علی السيّد ونحوه، فإطلاقه علی الربّ لعلّه اصطلاح للزنادقة لقصد الت?تم. وقد ظنّ بعض أهل الأدب من هذا أنّ المجوس يعبدون رأسين.
#- 14- «يؤدي?»: يعين?، يقال: آداه علی فلان إذا أعانه عليه. والمعنی لايعين? علی طائل. و«طائل» فضل وهو ما فيه ?فاية من مرغوب. أي لايرجی العون علی الفضائل ممّن لا يصلّي.
#- 15- نافع: هو الأمير نافع بن عقبة بن سلم، وقوله «لأطرق» أي أس?ت حياء، والإطراق: س?وت مع النظر إلی الأرض، والمعنی أنّي لا أؤاخذه بجفائه حياء منه، لأنّه لو ?ان غيره لهجاه، فمنعه من هجوه الحياء.
#- 16- الشؤبوب: المطر الشديد، والمراد هنا شديد الهجاء.
#- 17- جميل بن معمر بن عبدالله العذري، ويقال: جميل بن عبدالله بن معمر، صاحب بثينة، أحد عشاق العرب من شعراء صدر الدولة الأموية، أما عروة فهو عروة بن حزام بن مهاصر العذري، شاعر إسلامي، أحد المتيمين الذين قتلهم العشق، عشق عفراء ابنة عمه عقال أبن مهاصر.
#- 18- قوله «لست بأحيا» هو تفضيل من حيي، وأراد بالتفضيل طوال الزمان، أي لستُ باقياً أ?ثر من بقاء جميل بن معمر وعروةبن حزام، أي أنّي هال? بحبّ عبدة ?ما هل?ا.
#- 19- العَمَی: مستعار للضلال والخطأ.
#- 20- ابن موسی: من ندمائه.
#- 21- المعنی: أنّه لو ?ان ?ريماً لما ?نت مفلساً مع أنّي مدحته، وذل? معنی قوله «أثني علي?».
#- 22- طأطأة الرأس ?ناية عن الحياء.
#- 23- «?عب» هو ?عب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهو أبو عقيل الذين هم موالي بشّار.
#- 24- قال المبرد: عبيد الله بن قزعة، هو أبو المغيرة، وهو أخو الملوي المت?لّم، والملوي من أصحاب إبراهيم النظام.
#- 25- جنة عجرد: لعلّه يعني به سهيل بن سالم الذي لجأ إليه حمّاد عجرد وأفسده علی بشّار، ويعني بشّار بقوله: أطرت: أنّه هجاه وهاجه، والمغن: هو الذي يأتي بعجائب الأمور. والمعنی: لقد هجوتُ سهيل بن سالم (جنة عجرد) وأهجته لأنّني بهجائي أجيء بالعجائب، وأثير حوله الشغب.
#- 26- سهيل: هو سهيل بن سالم مولی بني سعد، ?ان من أشراف البصرة.
#- 27- لعلّ «ولدی» صوابه «ولذي»، ولعلّه أراد بـ «ذي العتيرة» رجلاً بعينه هجاه بشعره، و القيتِير: أراد به القترة وهي الغبرة.
#- 28- السادر: اللامبالي. نسل زارع: يقال لل?لاب أولاد زارع.
#- 29- المعقِل: اسم غلب علی الحصن لأنّه يعقل إليه أي يلجأ إليه. والموئل: اسم الم?ان الذي يؤوی إليه.
#- 30- معنی غاض: غاب في الأرض، يقال: غاض الماء.
#- 31- يروني: الأصل أن ت?ون يرونني. المعنی: الناس يرونني صاحب شمائل، ويتحدّثون عني.
المصادر والمراجع
ال?تب
الأجنبية:#- آزاد، حسين، آسيب شناسي رواني، تهران، انتشارات بعثت، 1374ش.
#- پور اف?اري، نصرت الله، فرهنگ جامع روانشناسي، تهران، نشر فرهنگ معاصر، 1373ش.
#- سليمي، علي، النقد والناقدون في الأدب العربي، الطبعة الأولی، ?رمانشاه، انتشارات دانشگاه رازي، 1387ش.
#- شالچيان، طاهره، آشنايي با اصول روانشناسي، چاپ دوم، تهران، بدر، 1373ش.
#- منصور، محمود، احساس ?هتري، تهران، دانشگاه تهران، 1371ش.
العربية:
#- ابن عاشور، محمد طاهر، ديوان بشّار بن برد، الطبعة الأولی، القاهرة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1429هـ، ج1و2و3و4.
#- الاصبهاني، أبوالفرج، الأغاني، بيروت، دار احياء التراث العربي، لاتا، ج1و3.
#- الاصبهاني، راغب، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، مصر، الهلال، 1902م.
#- الحفني، عبدالمنعم، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، القاهرة، م?تبة مدبولي، 1978م.
#- دافيدوف، ل.لندا، مدخل إلى علم النفس، ترجمة سيد الطواب وآخرون، القاهرة، دارماكجروهيل، 1983م.
#- الشربيني، لطفي، معجم مصطلحات الطب النفسـي، مراجعة عادل صادق، ?ويت، مر?ز تعريب العلوم الصحية، لاتا.
#- عباس، فيصل، التحليل النفسـي والإتجاهات الفرويدية المقاربة العيادية، الطبعة الأولی، بيروت، دار الف?ر العربي، 1996م.
#- عبد القادر طه، فرج، أصول النفس الحديث، القاهرة، دار انباء للطباعة والنشـر والتوزيع؛ عبدة غريب، 2000م.
#- عطوي، نجيب، بشار بن برد حياته وشعره، بيروت، دار ال?تب العلمية، 1411هـ.
#- بن علو، الأزرق، ?يف تتغلب علی القلق وتنعم بالحياة، القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 2003م.
#- فلوجل، ج، ?، علم النفس في مائة عام، ترجمة لطيفي فطيم، الطبعة الأولی، بيروت، 1973م.
#- ?لارنس ج، راو، مباحث عمده در روان پزش?ي، ترجمة جواد وهاب زاده، الطبعة الثالثة،تهران، شر?ت انتشارات علمي وفرهنگي، 1373ش.
#- كمال، علي، النفس انفعالاتها وأمراضها، بغداد، دار واسط، 1988م.
#- محمد عويضة، ?امل محمد، رحلة في علم النفس، الطبعة الأولی، بيروت، دار ال?تب العلمية، 1996م.
#- وهبي، ?مال، و?مال أبو شهدة، مقدمة في التحليل النفسـي، الطبعة الأولی، بيروت، دار الف?ر العربي، 1997م.
المقالات
#- حسين ب?ار، يوسف«التعويض النفسـي عند بشّار بن برد، أسبابه ومظاهره»، مطالعات اسلامي، 1352ش، العدد 8، صص 346- 331.#- طاهري، حبيب الله«عقده حقارت وراه?ارهاي آن در منابع اسلامي»، 1385ش، مجله پژوهشهاي ديني، شماره چهارم، صص 30- 5.
#- محمد، أحمد علي «المجون في شعر بشار بن برد؛ دوافعه وأبعاده»، التراث العربي، 1426م، العدد 98، صص 105- 91.
المنابع الإنترنتية:
#- www.arab ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=1008=جميل رضوان، سامر(لا تا) الدفاع النفسي (آليات).
ملاحظة
The study of psychological defense mechanisms on Bashar ibn BurdSedghi, Hamed
Professor Arabic Language and Literature, Kharazmi University of Tehran.
Sohrabi, Tooraj
M.A in Arabic Language and Literature, Kharazmi University of Tehran, toorajsohrabi67@yahoo.com
Khezeli, Moslem
PhD student in Arabic Language and Literature, Razi University of Kermanshah.
Abstract:
Man finds himself sometimes under the influence of sharp disorders, seeks to address treatment., And one of the defense mechanism to reduce the problem and to province internal balance; is a psychological defense mechanisms. Bashar was under psychological pressure so that no have a sense of spiritual and psychological security, try to convince himself and get rid of extreme conditions; and use psychological defense mechanisms are unconscious to reduce the psychological pressure. The aim of this study was to talk about the psychological defense mechanisms used by Bashar ibn Burd to reduce the psychological pressure.What do you mean study to answer this question is: What are the defense mechanisms used when Bashar quietly?
The most important defense mechanisms used by its Bashar to survive what is going on inside of conflicts and competition: Identification, Reaction Formation, idealism, Projection, Repression, Denial, Rationalization, ridiculing of others, Displacement, Compensation and Sublimation, Day Dream (fantasy) and…
Key Words: psychological defense mechanisms, Sigmund Freud , Bashar ibn Burd, Psychological and spiritual disorders.
حواشي
[1] فرجي، 1352ش، ص66[2] عبدي، 1373ش، ص2
[3] احمدوند، 1382ش، ص27
[4] جميل رضوان، موقع الموسوعة العربية
[5] مطاوع، 1981م، ص127
[6] المصدر السابق
[7] وهبي وأبو شهدة، 1997م، ص 38
[8] مطاوع، 1981م، ص127
[9] ور اف?اري، 1373ش، ج1 ، ص 371
[10] آزاد، 1374ش، ص 120
[11] دافيدوف، 1983م، ص 625
[12] شالچيان، 1373ش، ص211
[13] فرجي، 1352ش، ص 66
[14] الديوان، 1429ق، ج1، ص148
[15] المصدر السابق، ص334
[16] عباس، 1996م، ص 39
[17] الديوان، 1429ق، ج2، ص9
[18] الديوان، 1429ق، ج2، ص20
[19] نهاني المل?ُ
[20] المصدر السابق، ص 298- 297
[21] عبدالقادر طه، 2000م، ص105
[22] الديوان، 1429م، ج4، ص87
[23] المصدر السابق، ج1 ، ص381
[24] المصدر السابق، ج3، ص 252
[25] المصدر السابق، ج1، ص391
[26] استوارت، 1388ش، ص152
[27] الديوان، 1429م، ج1، ص 389
[28] المصدر السابق، ص390
[29] المصدر السابق، ص 244- 242
[30] ?لارنس، 1373ش، ص 96
[31] 1342ش، ص 138
[32] عباس، 1996م، ص 39
[33] عطوي، 1411ق، ص52
[34] الديوان، 1429ق، ج4، ص 157
[35] المصدر السابق، ج2، ص 48
[36] المصدر السابق، ص225
[37] الديوان، 1429ق، ج4، ص 56
[38] المصدر السابق، ج4، ص 55
[39] المصدر الساابق، ج3، ص 272
[40] الشربيني، لا تا، ص 16
[41] الديوان، 1429ق، ج4، ص 138
[42] المصدر السابق، ج 1، ص 386
[43] المصدر السابق، ص 127
[44] المصدر السابق، ص 284
[45] ?مال، 1988م، ص 63
[46] الشربيني، لا تا، ص 158- 157
[47] المصدر السابق، ج2، ص 81
[48] الديوان، 1429م، ج2، ص 64
[49] المصدر السابق، ص 129
[50] المصدر السابق، ج3، ص 249
[51] محمد عويضة، 1996: 64
[52] الديوان، 1429م، ج4، ص65
[53] الديوان، 1429م، ج1، ص 150
[54] بن علو، 2003م، ص 221
[55] الحفني، 1978م، ص 203
[56] فونتانا، 1994م، ص 134
[57] الديوان، 1429ق، ج1، ص 216- 215
[58] ?ار، 1385ش، ص 437
[59] الأغاني، لاتا، ج3، ص 161
[60] الأغاني، لا تا، ج3، ص 202
[61] ?ار، 1385ش، ص 427
[62] الديوان، 1429م، ج4، ص 164- 163
[63] المصدر السابق، ج1، ص 349
[64] المصدر السابق، ج1، ص 325
[65] المصدر السابق، ج4، ص 99
[66] المصدر السابق، ص 234- 233
[67] عبدالقادر طه، 2000م، ص 144
[68] الديوان، 1416ق، ج1، ص 317
[69] الديوان، 1429ق، ج3، ص 267
[70] الديوان، 1416ق، ج2، ص 393
[71] مو?يالي، 1988م، ص 27
[72] منصور، 1358ش، ص 145- 144
[73] منصور، 1358: 146
[74] مو?يالي، 1988م، ص 64
[75] فيست وهم?اران، 1389ش، ص 88
[76] سياسي، 1370ش، ص 111؛ شالچيان، 1373ش، ص 29
[77] ?مال، 1988م، ص 67
[78] فلوجل، 1973م، ص 204
[79] رشيدپور، 1369ش، ص 597
[80] منصور، 1369ش، ص 23
[81] مقدمة الديوان، 1429ق، ج1، ص 93
[82] الأغاني، لاتا، ج1، ص 143
[83] الديوان، 1429ق، ج1، ص 335
[84] حسين ب?ار، 1352ش، ص 340
[85] الديوان، 1429، ج1، ص 145
[86] الأغاني، لا تا، ج3 ، ص 136
[87] الديوان، 1429ق، ج4، ص 158
[88] علی محمد، 1426ق، ص98
[89] الديوان، 1429ق، ج4، ص 82
[90] شالچيان، 1373ش، ص 211
[91] الديوان، 1416ق، ج1، ص 80
[92] ?ار، 1385ش، ص 435
----
https://zouakine-zaman.jeun.fr/t17820-topic#76172
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
مواضيع مماثلة
» دراسة تأثير عقدة النقص فی هجو بشار بن برد نشأة وتجلّيات
» بشّار الفنّان
» لعبة بديل بشّار السفّاح
» مفهوم الذهن الشعري: آليات توليد البنيات الشعرية (*)
» بشّار التّلميذ أمام الحارس العام
» بشّار الفنّان
» لعبة بديل بشّار السفّاح
» مفهوم الذهن الشعري: آليات توليد البنيات الشعرية (*)
» بشّار التّلميذ أمام الحارس العام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى