الخبز الحافي !/عبد الكبير الميناوي
صفحة 1 من اصل 1
الخبز الحافي !/عبد الكبير الميناوي
قبل أيام، تابعت على فضائية «المغربية» حلقة من برنامج «في الذاكرة»،
تناولت حياة الكاتب المغربي الراحل محمد شكري، من خلال شهادات كل من
الزبير بن بوشتى وعبد اللطيف بن يحيى ومحمد عز الدين التازي وادريس خوري
وحسن العشاب، وآخرين.
شهادات حاولت أن تقدم شكري، كما هو، وحياته كما عاشها، مع التأثيث لكل ذلك بطرائف وتناقضات وحماقات «مجنون الورد».
في ختام الحلقة، سيقول قارئ التعليق إن المرض كان أقوى من «الخبز الحافي»، غير أنه استدرك، فقال إن «الخبز الحافي» ستخلد اسم كاتبها.
حين نتحدث عن شكري، فإننا لا نفعل أكثر من ربط حياته وتجربته
الإبداعية بـ»الخبز الحافي»، الرواية التي صنعت مجد كاتبها، وبؤسه، في
الآن نفسه. رواية قال عنها النقاد إنها «تؤرخ لحالة البؤس والتهميش التي
عاشتها شرائح عريضة من مغاربة ما قبل منتصف القرن الماضي»، و»تقدم مغرب
القاع الاجتماعي، مغرب المنبوذين والفقراء والأشقياء، مغرب كل تلك
الشخصيات البسيطة التي يحولها الكاتب إلى كائنات ترفل في المطلق الإنساني،
وترفض الحشمة الزائفة».
رجال الإعلام، رأوا في شكري ذلك الكاتب الاستثنائي، وربما، الوحيد،
الذي إذا اتصلت به لتحصل منه على حوار أو تصريح أو وجهة نظر تكون مطمئنة
إلى أن ما سيقوله سيحتل الواجهة أو الصفحة الأولى، لأنه يقول دائما كلاماً
مميزاً ذا نكهة خاصة.
أما رجال السياسة، فقالوا إن شكري «سؤال غامض، لأن ما نراه منه يخفي الجزء الأكبر الذي لا نراه».
ومن بين كتاب الغرب، قال الإسباني خوان غويتصولو إن شكري نظر إلى حياة
بلده من القاع، فرأى ما لا يراه الآخذون بزمام الحكم أو العاجزون عن
رؤيته.
أما شكري، فقال إن هدفه كان أن يجمل ما هو قبيح في حياته وفي حياة
الآخرين، وأنه عندما يكتب عن الدعارة، فليس معنى ذلك أنه يريد أن يشوه
المرأة، طالما أن توظيفه للجنس ليس للإغراء، ولكن للكشف عن الوباءات
الموجودة في المجتمع المغربي.
في إحدى حواراته، المنشورة على الأنترنت، تحدث شكري عن الطريقة التي
اشتغل بها على الترجمة الإنجليزية لـ»الخبز الحافي»، فقال: «كنت أترجمها
ذهنيا من العربية إلى الإسبانية التي أتحدثها، وأمليها على بول بولز، الذي
كان يكتبها بإسبانيته، وبعد ذلك كان يترجمها إلى الإنكليزية». «مغربي
وأمريكي يتفاهمان في طنجة باللغة الإسبانية»، يضيف شكري متفكها.
يعترف شكري للصحافي الإسباني بأنه حاول، غير ما مرة، قتلَ الشهرةَ
التي مَنَحَتها إياه رواية «الخبز الحافي»: «لقد كتبت «زمن الأخطاء» ولم
تمتْ، كتبت «وجوه» ولم تمتْ. إن «الخبز الحافي» لا تريد أن تموت، وهي
تسحقني. أشعر أنني مثل أولئك الكتاب الذين سحقتهم شهرة كتاب واحد، شأن
سرفانتيس مع «دون كِيخُوتِ»، أو فلوبير مع «مدام بوفاري». فـ»الخبز
الحافي» لا تزال حية، رافضة أن تموت، ابنة عاهرة. الأطفال في الشوارع لا
ينادونني شكري، بل ينادونني «الخبز الحافي».
يعترف شكري للصحافي الإسباني بطبعه العنيد، مبرراً ذلك بكونه من برج
الجدي، قبل أن يضيف : «الكاتب لا يُوَدِّعُ الكتابةَ حتي يُودِعُوهُ
قبرَهُ».
وحين سيسأله الصحافي: «أليست لك نية في الذهاب، قريبا، إلى القبر؟»، سيجيبه شكري: «لا، لا، لا!»...
وغير بعيد عن صفحة الحوار، الذي نشر في جريدة «الباييس»، يوم السبت 5
أكتوبر 2002، نقرأ في خبر قديم: «ويوم الاثنين 17 نونبر 2003، بعد صلاة
العصر، بطنجة، وفي محفل رهيب، ووري جثمان الراحل محمد شكري الثرى، بحضور
عدد كبير من الأدباء والشعراء المغاربة وشخصيات من رجال الدولة والسياسة
والفن».
رحل الرجل وعاشت رواية «الخبز الحافي» !
المساء
تناولت حياة الكاتب المغربي الراحل محمد شكري، من خلال شهادات كل من
الزبير بن بوشتى وعبد اللطيف بن يحيى ومحمد عز الدين التازي وادريس خوري
وحسن العشاب، وآخرين.
شهادات حاولت أن تقدم شكري، كما هو، وحياته كما عاشها، مع التأثيث لكل ذلك بطرائف وتناقضات وحماقات «مجنون الورد».
في ختام الحلقة، سيقول قارئ التعليق إن المرض كان أقوى من «الخبز الحافي»، غير أنه استدرك، فقال إن «الخبز الحافي» ستخلد اسم كاتبها.
حين نتحدث عن شكري، فإننا لا نفعل أكثر من ربط حياته وتجربته
الإبداعية بـ»الخبز الحافي»، الرواية التي صنعت مجد كاتبها، وبؤسه، في
الآن نفسه. رواية قال عنها النقاد إنها «تؤرخ لحالة البؤس والتهميش التي
عاشتها شرائح عريضة من مغاربة ما قبل منتصف القرن الماضي»، و»تقدم مغرب
القاع الاجتماعي، مغرب المنبوذين والفقراء والأشقياء، مغرب كل تلك
الشخصيات البسيطة التي يحولها الكاتب إلى كائنات ترفل في المطلق الإنساني،
وترفض الحشمة الزائفة».
رجال الإعلام، رأوا في شكري ذلك الكاتب الاستثنائي، وربما، الوحيد،
الذي إذا اتصلت به لتحصل منه على حوار أو تصريح أو وجهة نظر تكون مطمئنة
إلى أن ما سيقوله سيحتل الواجهة أو الصفحة الأولى، لأنه يقول دائما كلاماً
مميزاً ذا نكهة خاصة.
أما رجال السياسة، فقالوا إن شكري «سؤال غامض، لأن ما نراه منه يخفي الجزء الأكبر الذي لا نراه».
ومن بين كتاب الغرب، قال الإسباني خوان غويتصولو إن شكري نظر إلى حياة
بلده من القاع، فرأى ما لا يراه الآخذون بزمام الحكم أو العاجزون عن
رؤيته.
أما شكري، فقال إن هدفه كان أن يجمل ما هو قبيح في حياته وفي حياة
الآخرين، وأنه عندما يكتب عن الدعارة، فليس معنى ذلك أنه يريد أن يشوه
المرأة، طالما أن توظيفه للجنس ليس للإغراء، ولكن للكشف عن الوباءات
الموجودة في المجتمع المغربي.
في إحدى حواراته، المنشورة على الأنترنت، تحدث شكري عن الطريقة التي
اشتغل بها على الترجمة الإنجليزية لـ»الخبز الحافي»، فقال: «كنت أترجمها
ذهنيا من العربية إلى الإسبانية التي أتحدثها، وأمليها على بول بولز، الذي
كان يكتبها بإسبانيته، وبعد ذلك كان يترجمها إلى الإنكليزية». «مغربي
وأمريكي يتفاهمان في طنجة باللغة الإسبانية»، يضيف شكري متفكها.
يعترف شكري للصحافي الإسباني بأنه حاول، غير ما مرة، قتلَ الشهرةَ
التي مَنَحَتها إياه رواية «الخبز الحافي»: «لقد كتبت «زمن الأخطاء» ولم
تمتْ، كتبت «وجوه» ولم تمتْ. إن «الخبز الحافي» لا تريد أن تموت، وهي
تسحقني. أشعر أنني مثل أولئك الكتاب الذين سحقتهم شهرة كتاب واحد، شأن
سرفانتيس مع «دون كِيخُوتِ»، أو فلوبير مع «مدام بوفاري». فـ»الخبز
الحافي» لا تزال حية، رافضة أن تموت، ابنة عاهرة. الأطفال في الشوارع لا
ينادونني شكري، بل ينادونني «الخبز الحافي».
يعترف شكري للصحافي الإسباني بطبعه العنيد، مبرراً ذلك بكونه من برج
الجدي، قبل أن يضيف : «الكاتب لا يُوَدِّعُ الكتابةَ حتي يُودِعُوهُ
قبرَهُ».
وحين سيسأله الصحافي: «أليست لك نية في الذهاب، قريبا، إلى القبر؟»، سيجيبه شكري: «لا، لا، لا!»...
وغير بعيد عن صفحة الحوار، الذي نشر في جريدة «الباييس»، يوم السبت 5
أكتوبر 2002، نقرأ في خبر قديم: «ويوم الاثنين 17 نونبر 2003، بعد صلاة
العصر، بطنجة، وفي محفل رهيب، ووري جثمان الراحل محمد شكري الثرى، بحضور
عدد كبير من الأدباء والشعراء المغاربة وشخصيات من رجال الدولة والسياسة
والفن».
رحل الرجل وعاشت رواية «الخبز الحافي» !
المساء
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
مواضيع مماثلة
» الخبز الحافي - محمد شكري
» مراكش فيها وفيها !!!
» الزجال المغربي محمد الزياتي الإدريسي صاحب كلمات مقطوعة "ليلي طويل" في ذمة الله
» الراية والراي/عبد الكبير الميناوي
» كلمة الروائي والناقد الكبير محمد برادة التي ألقيت في ملتقى الفكر والأدب بالقصر الكبير.
» مراكش فيها وفيها !!!
» الزجال المغربي محمد الزياتي الإدريسي صاحب كلمات مقطوعة "ليلي طويل" في ذمة الله
» الراية والراي/عبد الكبير الميناوي
» كلمة الروائي والناقد الكبير محمد برادة التي ألقيت في ملتقى الفكر والأدب بالقصر الكبير.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى