حنفاء ولكن (أخيرة)

يقول الله تعالى في محكم تنزيله : (حنفاء لله غير مشركين به000) الحج 31) 0

ويقول جل شأنه في محكم تنزيله : (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكّر أولو الألباب )(الزمر9)

من الصعب بمكان أن نلم بجميع من كان على الملة الحنيفية قبل البعثة النبوية ؛ ونذكر من مات منهم على حنيفيته ، ومن انحرف عنها ، ومن امتد به العمر ليشهد البعثة النبوية فيهدي الله قلبه للإيمان ، أو من ران على قلبه فكفر وعند وحسد ؛ ولكننا حاولنا قدر المستطاع بما أعاننا الله تعالى أن نلقي ومضة على هذا الموضوع الشائق ، والله نسأل أن نكون قد وفقنا فيما قدمنا 0

فقد ذكر الإخباريون أن من الحنفاء أيضاً : الملتمس بن أمية الكناني ووكيع بن سلمة بن زهير الإيادي ، وسويد بن عامر المصطلقي ، وأرياب بن رئاب ، وعمير بن جندب الجهني ، وأسعد أبو كرب الحميري ، وأبو قيس بن الأسلت ـ قال ابن هشام في سيرته ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أبو قيس ‏‏‏‏:‏‏‏‏ صيفي بن الأسلت واسم الأسلت‏:‏ عامر ‏‏بن جشم بن وائل بن زيدبن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس ؛ قال صاحب أسد الغابة:كان هو وأخوه وحوح بن الأسلت قد صارا إلى مكة مع قريش فسكناها وأسلما يوم الفتح0

كان أبو قيس بن الأسلت يحب قريشاً ، وكان لهم صهراً ؛ فقد كانت زوجته أرنب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي ،وكان يقيم هو وزوجته بمكة فترات طويلة 0

وقيل : شاعر أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وكان قد وفد على آل جفنة ـ وهم ملوك الشام ـ يسأل عن دينإبراهيم ؛ وهو أحد الذين رغبوا عن دين قومهم وعن اليهودية والمسيحية؛كان يساوى بقيس بن الخطيم في الشعر والشجاعة وكان قبل بعثة النبي سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم يتأله ويدعي الحنيفية؛ حضَّ قريشاً على اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد بعثته0

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ فأبو قيس بن الأسلت ‏‏:‏‏ من بني وائل ؛ ووائل ، وواقف ، وخطمةإخوة من الأوس0 ‏‏

ويقول العلامة جواد علي في كتابه المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام: اختلف في إسلام أبي قيس بن الأسلت ؛ فمنهم من صيره مسلماً، وجعله في عداد الصحابة، ومنهم من جعله متألهاً حنيفياً على دين إبراهيم، وكان يقول: ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد بن عمرو بن نفيل، ومنهم من زعم أنه قال: والله لا أسلم إلى سنة، فمات قبل الحول على رأس عشرة أشهر من الهجرة ، وذكر بعضهم أنه هرب إلى مكة فأقام بها مع قريش إلى عام الفتح؛ والله أعلم 0

ومن الحنفاء أيضاً : عدي بن زيد العبادي الذي يذكر المؤرخون أنه أول من كتب وترجم من وإلى العربية في ديوان كسرى ؛ وكانت وفاته قبل الهجرة النبوية بـ (35)عاماً 0

ومن الحنفاء أيضاًأبو قيس صرمة بن أبي أنس؛ قال ابن اسحاق: كان أبو قيس صرمة بن أبي أنس قد ترهب في الجاهلية وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة وهَمَّ بالنصرانية ثم أمسك ، وكان يقول : إنه على دين إبراهيم ؛ وكان قوالاً بالحق وله شعر حسن ،وكان لا يدخل بيتاً فيه جنب ولا حائض وكان معظماً في قومه إلى أن أدرك الإسلام شيخاً كبيراً0

وقال المرزباني (297-384) هجرية في معجمه : أبو قيس صرمة بن أنس بن قيس بن مالك عاش نحواً من عشرين ومائة سنة وأدرك الإسلام فأسلم وهو شيخ كبير

ومن الحنفاء أيضاً العباس بن مرداس ؛ وهو غير العباس ابن فرناس (810- 887) ميلادية (أول من حاول الطيران) رائد الفضاء والمخترع والشاعر والفيلسوف القرطبي الأندلسي0

فالعباس بن مرداس هو ابن أبي عامر بن حارثة بن عبد قيس بن رفاعة بن يحيى بن الحارث بن بهثة بن سليم ؛ يكنى أبو الهيثم ؛ والهيثم كما يقول صاحب المعجم : الهَيْثَم: الصَّقْر، وقيل: فَرْخ النَّسْر، وقيل: هو فرخ العُقاب

كان من المخضرمين عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام حيث أسلم قبل فتح مكة ؛ وهو من المؤلفة قلوبهم ؛ وكان سيداً مطاعاً في قومه ؛ وصاحب كلمة نافذة فيهم 0

ويقول أهل الأخبار: ما مات أحد من كبراء قريش في الجاهلية إلا ترك الخمر إما حرمه على نفسه أو تركه استحياء مما فيه من الدنس0

وتذكر جمانة محمد نايف الباحثة بمركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل أن من الذين حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية عبد الله بن جدعان ؛ وصفوان بن أمية بن محرث الكناني ، وعمرو بن عبسة السلمي ، والأسلوم اليامي ، ومقيس بن عدي السهمي ، وعفيف بن معديكرب الكناني ، وقيس بن عاصم المنقري ، وعامر بن الظرب العدواني ؛ يقول الدكتور محمد نايف الديلمي في كتابه (جمهرة وصايا العرب) إن عامر بن الظرب الذي دعا قومه إلى التوحيد وترك وصية لقومه تحدث فيها عن الخلق والخالق ، لقد لمس هذا الرجل من ماديات الحياة ما جعله يتيقن كل اليقين أن هذا العالم بما فيه لم يكن ليخلق نفسه، ولابد من خالق, وأن الميت سيعود حياً, وأن اللا شيء سيكون شيئاً ؛ ومن أجل ذلك خلقت السموات والأرض...

ويردف الدكتور الديلمي :هذه الدلائل والمؤشرات تجعلني أميل إلى أن أخا عدوان كان من الأحناف كقيس بن ساعدة الإيادي وورقة بن نوفل ، وزيد بن عمرو بن نفيل وغيرهم ممن عرف طريق الصواب بالملموس والمحسوس0

وروى ابن حزم الأندلسي (384- 456) هجرية أن عامر بن الظرب حاكم العرب في الجاهلية وحكيمهم هو أول من قضى بأول دية مقدارها مائة من الإبل؛ وكان ذلك بعد أن قتل زيد بن بكر بن هوازن أخاه معاوية بن بكر بن هوازن؛ وما زال المعمرون من أبناء التوامة يطلقون على القاضي (الحاكم)0

ومن الذين حرموا على أنفسهم الخمر أيضاً قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنه الذي وفد مسلماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة للهجرة فأكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عنه : سيد أهل الوبر ؛ وعندما سئل الأحنف ابن قيس عن الحلم قال تعلمته من قيس بن عاصم المنقري 0

وكذلك عفيف بن معد يكرب الكناني فقد ذكره الإمام ابن عبد البر في كتابه "الاستيعاب" والإمام ابن الأثير في كتابه "أسد الغابة" أنه من الصحابة الكرام توفي سنة (38) هجرية ، وأنه من سكان حضرموت باليمن ؛ قدم إلى مكةفي أيام الجاهلية، وحالف آنذاك العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم0

ومن الذين أدركوا الإسلام أيضاً عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه حيث جاء في صحيح الإمام مسلم :

قال عمرو بن عَبَسَة السلمي: " كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ ـ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ ـ. فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفياً جُرَآءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟

قَالَ: أَنَا نَبِيٌّ.

فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟

قَالَ: أَرْسَلَنِي اللَّهُ.

فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟

قَالَ: أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ.

قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟

قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ ـ قَالَ وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ

فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ.

قَالَ: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ! وَلَكِنْ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي.

قَالَ عمرو بن عبسة فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. وَكُنْتُ فِي أَهْلِي فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الْأَخْبَارَ وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ؟

فَقَالُوا النَّاسُ إِلَيْهِ سِرَاعٌ، وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ.

فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَعْرِفُنِي؟

قَالَ نَعَمْ، أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ؟

قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى...

يقول الدكتور عبد الرحيم الشريف رئيس قسمي الفقه وأصول الدين في جامعة الزرقاء الخاصة بالأردن: مما يستفاد من هذه القصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم متيقن من أن الإسلام سيقوى وتكون له شوكة ودولة، وأن ذلك سيكون على عهده صلى الله عليه وسلم

وما يهم هنا: أن عمرو بن عبسة سيمتد به العمر حتى يُسلِمَ بعد ظهور الإسلام، وإلا لما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيتركه دون أن يخبره بتعاليم الإسلام، مع احتمال وفاته على غير إسلام كامل؛ بل يؤجل ذلك إلى ما بعد الهجرة0

أما طلبُ تأجيل إشهار إسلام عمرو بن عبسة فمن باب السياسة الشرعية، والأخذ بالأسباب.

فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأفضل لعمرو بن عبسة تأخير إعلان إسلامه والالتحاق بالسابقين الأولين ؛ رحمة به، وادخاره للمستقبل، وإبعاداً له عن مظان الخطر والله أعلم0

عبدالرحيم كتب:

شكرا الاخ ابو الحزم.الموضوع سبق ونقله الى المنتدى الاخ عبدالحميد..المزيد...

الأخ عبد الرحيم هذا الموضوع عنوانه (حنفاء ولكن 000أخيرة )يتحدث فيه الكاتب السوري فؤاد الدقس جزاه الله كل الخير عن الحنفاء الذين انصرفوا عن الحنيفية أي كانوا حنفاء ثم ضلوا ؛ بينما الموضوع الذي نقله الأخ الكريم عبد الحميد بارك الله به عنوانه (أتباع الملة الحنيفية ) وهو يدور حول الحنفاء الذين ماتوا وهم حنفاء 0