مزبلة التّاريخ

                         مزبلة التاريخ .!

كلّما سمعنا بعض الحوارات عن شخصيات مرفوضة سياسيا واجتماعيا وإنسانيا تردّدت كلمة مزبلة التاريخ التي يريدها المحلّلون مكانا نهائيا لأعدائهم وأعداء الشعوب التي ينتمون إليها ..وعلى أعمدة الجرائد نقرأ أيضا العبارة نفسها لبعض الكتاب أو الأقلام الهستيرية التي فقدت عقول الأساليب والتعبير ليرموا شخصيات عدائية إلى مزبلة التاريخ ..والتاريخ براء من أوصافهم له , لأن التاريخ سطور خالدة تسجّل في ملفّاتها وبين أوراقها الصفراء والبيضاء وسطورها العادلة كلّ من له بصمة في تغيير حقبه سواء بالظلم أو العدل سواء بالسلم أو الحرب , فالتاريخ يدوّن على صفحاته رجالا ونساء كتبوه بعقولهم أو بدمائهم ، لذلك لا يمكن لنا ونحن خاضعون له بمقاييسه أن ننعته بمزبلة أو نصفه كسلة مهملات لمن ولما نكره ..فالقرآن الكريم والكتب السماوية والكتب الوضعية سجلت ملاحم الأخيار والأشرار ..ولم تمنع سطورها من ذكر أمثال فرعون وأبى لهب واللائحة طويلة إنما الحصر يجعلني أكتفى باسمين فقط ..فلا وجود لمزبلة تضم رجال الماضي سواء أخطأوا أم أصابوا في تاريخ الأمم...نحن العقلاء في التعلّم والثّقافة والذّكاء المتفوّق على الأدنون منا وجب علينا أن نحترم لغتنا ولا نرميها في اتّجاهات لا يقبلها الحقّ ، بدون تريّث ورزانة ..فالأزبال نفايات فضلت عن البشر ولن يكون التاريخ جامعا لفضلات فكرية تتّهمه باحتضان اللي يسوى واللي ما يسوى...,الأزمنة شمولية تتحكّم في الرّقاب وتجعلها خاضعة لتوقيت صاف وحملة الرقاب مؤرّخون إن حضروا الأحداث ورواة إن فاتتهم الأحداث... مرغمون ولا يلقون  أحدا في النفايات الروائية  .., ولماذا يقال لنا منذ قرون وأجيال أنّنا نتعلّم من دروس التاريخ ؟ وتحتوى هذه الدروس على من صنفتهم بعض أقاويل الهذيان عفونة  في مزبلة التاريخ.. ويقول البعض عن فلان الطاغية أنّه سيعود إلى التاريخ ضمن ما آل إليه أمثاله الذين وضعوا فى مزبلته حسب خيالهم....صفحات سرد الحقب نظيفة تتلى وتقرأ موعظة ولا تشغل جامعي الأزبال في عقولهم المنحازة والمنافقة ...  فحسب رأي الذين لا يعرفون قيمة التاريخ ومؤرّخه الأعلى ضامنه ومسيّره يغوصون في غير المعقول ويلقون كلمات لا مجال لها في الواقع المعاش منذ آلاف السنين .... التاريخ فضاء محترم لا يتلطّخ بمن سجّلوا أنفسهم على صفحاته ولا يعتزّ بمن جدولهم من البشرية ...كي يحافظ على دوامه ولمعانه .. لأنه كيان مقدّس ومستقل يحضن حركية القرون  التي يداولها الناس أسيادا وعبيدا من مختلف الطبقات

التاريخ يسيطر والقدر يسيّر ثمّ يحميان الواجبات والحقوق لكي لا تفلت من عصمتهما في أيّ تحول كان...التاريخ لا يملك مزبلة خاصّة بأفواه المنتقدين لأتّ دفّتيه يضمّان ما ينير الأفكار ويوهّج الصدق .....

لست من رواد الخنوع والخضوع ولكنّي أرى التاريخ حاكم فذّ لا يهمّه سوى تسجيل الأحداث خدمة وحفاظا على تراثه ...له جنديّ اسمه القدر  يرعى مصالحه ويحميه من المكيالين..