شوف تشوف
+19
binoo
بديعة
zouaki
zouakine1
ابن الأطلس
ربيع
sabil
kaytouni
nezha
القيطي
صالح
منصور
ع أ ع
المخلوطي
abdou
said
izarine
abdelhamid
iswal
23 مشترك
صفحة 5 من اصل 7
صفحة 5 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
أسماء مستعارة /رشيد نيني
يكفي أن يتأمل المرء أسماء وألقاب من يصنعون الحدث هذه الأيام في المغرب
لكي يتأكد من أن معايير الشهرة لم تعد مرتبطة بالتفوق والموهبة، بقدر ما
أصبحت مرتبطة بالفضائح.
أسماء من عيار «هيفاء»، «نونوسة»، «زعيريطة»، «شكيليطة» وغيرها من
«وجوه الشرع» أصبحت تصنع الحدث وتزاحم أسماء السياسيين على الصفحات الأولى
للجرائد. وطبعا، فالأسماء التي يختارها هؤلاء «الأبطال» هي أسماء مستعارة.
«زعيريطة» يقول أمام المحكمة إن مزوده الرئيسي من الكوكايين هم ابن شباط
عمدة فاس، وشباط يرى شبح المهدي بنبركة وراء هذا الاتهام. «هيفاء» يقول في
محضر للشرطة إنه عاش مغامرات جنسية مع مسؤولين كبار في مراكش، وهؤلاء
يردون بأن «هيفاء» مجنون وإن برلمانيا ينافس أحدهم في الانتخابات هو من
يقف وراء هذه المؤامرة.
وحتى في مجال «الفن» هناك صراع مرير على الأسماء وصل صداه إلى ردهات
المحاكم. فقد انتهى مهرجان «موازين» ولم تنته مشاكله. وهاهو «الداودي»
يتابع «الداودية» بتهمة السطو على اسمه. فتاء التأنيث الساكنة التي
أضافتها الشابة «زينة» للقبها لم تشفع لها أمام «الداودي» وقرر هذا الأخير
أن يجردها من اسمه وتاء تأنيثه الساكنة.
وحسب «الداودي»، فالشابة «زينة» (وهذا اسمها الأصلي) ليست «داودية»
وإنما «مزابية»، ولذلك فنجاحها وشعبيتها راجعة بنسبة تسعين في المائة إلى
اسمه الذي استعارته وأضافت إليه تاء التأنيث الساكنة في آخره. فالجمهور
حسب «الداودي» لا يشتري اللحن أو الكلمات وإنما يشتري الاسم. مع أن
الداودي بنفسه ليس هذا هو اسمه الحقيقي، وإنما اسمه هو عبد الله مخلوف.
وشخصيا، عشت هذه «التجربة» منذ اعتقال بارون المخدرات الملقب
بالنيني. وكنت كل مرة أفتح فيها جريدة أعثر على عنوان كبير يقول «إيداع
نيني في السجن بتهمة الاتجار الدولي في المخدرات». وكان بعضهم يختار عمدا
إسقاط أداة التعريف ويكتب لقب بارون المخدرات مجردا من أل. وكثيرا ما
توصلت بمكالمات ورسائل من قراء يتمنون لي الصبر على هذا المصاب الجلل،
داعين لي بالفرج القريب. وكلهم يقولون إن هذه ليست سوى قضية أخرى ملفقة
سأخرج منها بإذن الله منتصرا كما صنعت دائما.
وقد ذهب الحماس ببعض هؤلاء الزملاء في «الأسبوع السياسي» مؤخرا إلى
حد كتابة اسمي الكامل تحت صورة الوازاني الملقب بالنيني مع خبر صغير يتعلق
بقبول دعواه في المحكمة الأوربية. وعوض أن يكتب مولاي مصطفى العلوي اسم
المهرب الدولي كما هو معروف اختار أن يكتبه هكذا «رشيد نيني».
شخصيا هذا الأمر لا يزعجني تماما، و«قشابتي» واسعة جدا.
الألقاب والأسماء المستعارة عادة قديمة كان المعارضون يلجؤون إليها
لإخفاء الهوية خوفا من الاعتقال والتعذيب، فكانوا يختارون حمل أسماء حركية
يتداولونها في خلاياهم السرية، كما هو الحال مع عبد القادر لوديي الذي
اختار لقب عبد القادر الشاوي واشتهر به في الأدب والسجن والسياسة. أما في
الفن، فإن اختيار الفنانين لألقاب وأسماء مستعارة يتحكم فيه دافع السعي
وراء تحقيق شهرة أوسع في مجال الفن، خصوصا إذا كان الاسم الحقيقي لا
«يطنطن» في الأذن. تصوروا مثلا لو أن عبد الهادي بلخياط اقتحم عالم الغناء
باسمه الحقيقي الذي هو عبد الهادي الزوكاري، فهل سيكون له نفس الحظ في
الانتشار كما صنع بلقب بلخياط. الشيء نفسه صنعه زميله في الشهرة والمجد
عبد الوهاب الدكالي عندما تخلى عن اسمه الأصلي الذي لا يكاد يعرفه أحد وهو
العوني بوكرن، نسبة إلى منطقة «العونات» التي ينحدر منها.
وحتى «الستاتي»، الذي يستطيع أن يجمع سبعين ألف متفرج في سهرة
واحدة، لا يستطيع أكبر حزب سياسي في المغرب على جمع ربعه، كان ذكيا عندما
فكر في تغيير اسمه من «العرباوي» إلى «الستاتي». ويبدو أن «الستاتي» اختار
هذا اللقب تيمنا بالتسمية التي كانوا يطلقونها عليه منذ صغره بسبب توفره
على ستة أصابع في كل يد عوض خمسة التي يتوفر عليها جميع عباد الله.
فالمولود «الستاتي» في منطقة الشاوية تعتبر أقدامه «قدام الربح». (ولا
أعرف لماذا لا تكون أصابعه «أصابع الربح»، مادام الأمر يتعلق بالأصابع
وليس بالأقدام).
ويبقى مجال الغناء الشعبي والعصري المجال الأكثر تداولا للأسماء
المستعارة. فمصطفى «بوركون» مثلا اسمه الحقيقي هو مصطفى «السمرقندي»، نسبة
إلى «سمرقند» في «آسيا الوسطى» والتي وصفها «ابن بطوطة» بقوله «إنها من
أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالا، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادي
القصَّارين، وكانت تضم قصورًا عظيمة، وعمارة تُنْبِئ عن هِمَم أهلها».
وربما من هناك جاء المسلمون الهاربون من «سمرقند»، بسبب بطش «تيمورلنك»، بتقاليد «القصارة» إلى أرض المغرب.
ولعل أشهر الفنانين الذين غيروا أسماءهم الأصلية يبقى «السعدية
قريطيف» التي اختارت لقب ثريا جبران، وعرفها الجمهور وأحبها بهذا اللقب
القادم من أرض الأرز لبنان. وليست وحدها من سقطت في حب الأسماء اللبنانية
المستعارة، فحتى الكاتب إدريس الكص صاحب «حزن في الرأس وفي القلب» وقع في
هذا الحب الجارف، واختار تغيير اسمه من إدريس الكص إلى إدريس الخوري. مع
أن الخوري في لبنان تعني رجل الدين في اللغة الكنسية الكاثوليكية. «شي
حاجة بحال الفقيه عندنا».
وإذا كان هناك من تأثر بالأسماء اللبنانية كجبران والخوري وغيرهما،
فهناك أيضا مغنون تأثروا بالأسماء المصرية. فالبشير مثلا تخلى عن «البشير
المكرد» لكي يشتهر باسم «البشير عبدو». ولا بد أن البشير قد يكون عانى
مثلي من زملائه في الدراسة بترديد لازمة «آ المكرد كول وبرد»، فاسمي كان
مثار سخرية الزملاء على طول المشوار الدراسي، وبمجرد ما ينطق المعلم اسمي
حتى أسمع في الصفوف الخلفية، حيث يجلس الكسالى غالبا، لازمة «نيني يا مومو
حتى يطيب عشانا».
وهناك من تأثر أيضا بالأفلام المصرية وسمى أبناءه بأسماء أبطال هذه
الأفلام، كوالد الجم الذي سماه عنترة تيمنا باسم عنترة ابن شداد العبسي.
وهكذا فالاسم الأصلي لمحمد الجم هو محمد عنترة. مثلما هو الاسم الحقيقي
لأمينة رشيد هو جميلة بن عمر.
وإذا كانت هناك أسماء عائلية تجلب السخرية لأصحابها، فهناك أسماء
أخرى يمكن أن تنتهي بك في قائمة الإرهاب. وهذا ما وقع لعازف العود الحاج
يونس عندما وضع طلبا لدى القنصلية الأمريكية من أجل الحصول على تأشيرة
تلبية لدعوة فنية من واشنطن. وبمجرد ما وضع الحاج يونس طلبه باسمه الحقيقي
الذي هو «الإدريسي الرياحي مولاي محمد»، «طلع» هذا الاسم في لائحة
الإرهابيين المبحوث عنهم على الصعيد الدولي. وعوض أن يطالب الحاج يونس
بالتأشيرة الأمريكية أصبح يطلب «العار غير يرجعو ليه الباسبور ديالو» حتى
لا ينتهي به المطاف في «غوانتانامو». فقد اكتشف أن الاسم الحقيقي الذي
يليق به بعد هذه التهمة الخطيرة هو «الحاج التوهامي» وليس «الحاج يونس».
ومن أغرب الأسباب التي تدفع البعض إلى تغيير أسمائهم ما قام به
الشاعر الراحل أحمد المعداوي، صاحب ديوان «الفروسية»، عندما لقب نفسه
بأحمد المجاطي، مع أن «أمجوط» بالشلحة تعني الأقرع. والسبب في لجوء الراحل
صاحب القصائد الحداثية إلى تسمية نفسه بهذا اللقب هو الحرص على عدم خلط
اسمه باسم الشاعر مصطفى المعداوي الذي كان يكتب شعرا مغرقا في التقليدية.
وهكذا فضل الراحل أحمد المعداوي اسما غريبا فقط لكي لا يخلط قراؤه قصائده
الحداثية بقصائد شاعر تقليدي. «اللهم ملقاك مع القروعية ولا مع الشعر
القديم».
وليس الراحل أحمد المعداوي هو المبدع المغربي الوحيد الذي غير اسمه،
فهناك روائي درسنا جميعا مؤلفاته «رفقة السلاح والقمر» في أقسام الثانوي
اسمه مبارك ربيع، قليلون هم الذين يعرفون أن اسمه الحقيقي هو مبارك
المعاشي، وهناك محمد زفزاف صاحب رائعة «الديدان التي تنحني» واسمه الحقيقي
هو محمد خصال، والناقد إدريس الناقوري اسمه الحقيقي هو إدريس الوادنوني،
نسبة إلى وادي نون مسقط رأسه. أما نبيل الحلو فقليلون يعرفون أن اسمه
الحقيقي هو عبد النبي الحلو، لكن على رأي الستاتي «كاينة ظروف»، وهي
الظروف نفسها التي جعلت أحد الزملاء في مهنة المتاعب يغير اسمه من عبد
الله دجاج إلى عبد الله نهاري، ووزيرا سابقا من بوثعلب إلى بوطالب.
عندما نتأمل أسماءنا في المغرب نحمد الله كثيرا، لأن أشقاءنا في بعض
دول الخليج لديهم أسماء يستحيل أن ننطق بها في المغرب. وأمامكم مثال
النائبة التي نجحت قبل يومين في البرلمان الكويتي، واسمها «معصومة مبارك».
الحاصول تغيير الأسماء لم يكن أبدا مشكلا، «المهم الواحد يبقا فصباغتو والسلام».
المساء
لكي يتأكد من أن معايير الشهرة لم تعد مرتبطة بالتفوق والموهبة، بقدر ما
أصبحت مرتبطة بالفضائح.
أسماء من عيار «هيفاء»، «نونوسة»، «زعيريطة»، «شكيليطة» وغيرها من
«وجوه الشرع» أصبحت تصنع الحدث وتزاحم أسماء السياسيين على الصفحات الأولى
للجرائد. وطبعا، فالأسماء التي يختارها هؤلاء «الأبطال» هي أسماء مستعارة.
«زعيريطة» يقول أمام المحكمة إن مزوده الرئيسي من الكوكايين هم ابن شباط
عمدة فاس، وشباط يرى شبح المهدي بنبركة وراء هذا الاتهام. «هيفاء» يقول في
محضر للشرطة إنه عاش مغامرات جنسية مع مسؤولين كبار في مراكش، وهؤلاء
يردون بأن «هيفاء» مجنون وإن برلمانيا ينافس أحدهم في الانتخابات هو من
يقف وراء هذه المؤامرة.
وحتى في مجال «الفن» هناك صراع مرير على الأسماء وصل صداه إلى ردهات
المحاكم. فقد انتهى مهرجان «موازين» ولم تنته مشاكله. وهاهو «الداودي»
يتابع «الداودية» بتهمة السطو على اسمه. فتاء التأنيث الساكنة التي
أضافتها الشابة «زينة» للقبها لم تشفع لها أمام «الداودي» وقرر هذا الأخير
أن يجردها من اسمه وتاء تأنيثه الساكنة.
وحسب «الداودي»، فالشابة «زينة» (وهذا اسمها الأصلي) ليست «داودية»
وإنما «مزابية»، ولذلك فنجاحها وشعبيتها راجعة بنسبة تسعين في المائة إلى
اسمه الذي استعارته وأضافت إليه تاء التأنيث الساكنة في آخره. فالجمهور
حسب «الداودي» لا يشتري اللحن أو الكلمات وإنما يشتري الاسم. مع أن
الداودي بنفسه ليس هذا هو اسمه الحقيقي، وإنما اسمه هو عبد الله مخلوف.
وشخصيا، عشت هذه «التجربة» منذ اعتقال بارون المخدرات الملقب
بالنيني. وكنت كل مرة أفتح فيها جريدة أعثر على عنوان كبير يقول «إيداع
نيني في السجن بتهمة الاتجار الدولي في المخدرات». وكان بعضهم يختار عمدا
إسقاط أداة التعريف ويكتب لقب بارون المخدرات مجردا من أل. وكثيرا ما
توصلت بمكالمات ورسائل من قراء يتمنون لي الصبر على هذا المصاب الجلل،
داعين لي بالفرج القريب. وكلهم يقولون إن هذه ليست سوى قضية أخرى ملفقة
سأخرج منها بإذن الله منتصرا كما صنعت دائما.
وقد ذهب الحماس ببعض هؤلاء الزملاء في «الأسبوع السياسي» مؤخرا إلى
حد كتابة اسمي الكامل تحت صورة الوازاني الملقب بالنيني مع خبر صغير يتعلق
بقبول دعواه في المحكمة الأوربية. وعوض أن يكتب مولاي مصطفى العلوي اسم
المهرب الدولي كما هو معروف اختار أن يكتبه هكذا «رشيد نيني».
شخصيا هذا الأمر لا يزعجني تماما، و«قشابتي» واسعة جدا.
الألقاب والأسماء المستعارة عادة قديمة كان المعارضون يلجؤون إليها
لإخفاء الهوية خوفا من الاعتقال والتعذيب، فكانوا يختارون حمل أسماء حركية
يتداولونها في خلاياهم السرية، كما هو الحال مع عبد القادر لوديي الذي
اختار لقب عبد القادر الشاوي واشتهر به في الأدب والسجن والسياسة. أما في
الفن، فإن اختيار الفنانين لألقاب وأسماء مستعارة يتحكم فيه دافع السعي
وراء تحقيق شهرة أوسع في مجال الفن، خصوصا إذا كان الاسم الحقيقي لا
«يطنطن» في الأذن. تصوروا مثلا لو أن عبد الهادي بلخياط اقتحم عالم الغناء
باسمه الحقيقي الذي هو عبد الهادي الزوكاري، فهل سيكون له نفس الحظ في
الانتشار كما صنع بلقب بلخياط. الشيء نفسه صنعه زميله في الشهرة والمجد
عبد الوهاب الدكالي عندما تخلى عن اسمه الأصلي الذي لا يكاد يعرفه أحد وهو
العوني بوكرن، نسبة إلى منطقة «العونات» التي ينحدر منها.
وحتى «الستاتي»، الذي يستطيع أن يجمع سبعين ألف متفرج في سهرة
واحدة، لا يستطيع أكبر حزب سياسي في المغرب على جمع ربعه، كان ذكيا عندما
فكر في تغيير اسمه من «العرباوي» إلى «الستاتي». ويبدو أن «الستاتي» اختار
هذا اللقب تيمنا بالتسمية التي كانوا يطلقونها عليه منذ صغره بسبب توفره
على ستة أصابع في كل يد عوض خمسة التي يتوفر عليها جميع عباد الله.
فالمولود «الستاتي» في منطقة الشاوية تعتبر أقدامه «قدام الربح». (ولا
أعرف لماذا لا تكون أصابعه «أصابع الربح»، مادام الأمر يتعلق بالأصابع
وليس بالأقدام).
ويبقى مجال الغناء الشعبي والعصري المجال الأكثر تداولا للأسماء
المستعارة. فمصطفى «بوركون» مثلا اسمه الحقيقي هو مصطفى «السمرقندي»، نسبة
إلى «سمرقند» في «آسيا الوسطى» والتي وصفها «ابن بطوطة» بقوله «إنها من
أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالا، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادي
القصَّارين، وكانت تضم قصورًا عظيمة، وعمارة تُنْبِئ عن هِمَم أهلها».
وربما من هناك جاء المسلمون الهاربون من «سمرقند»، بسبب بطش «تيمورلنك»، بتقاليد «القصارة» إلى أرض المغرب.
ولعل أشهر الفنانين الذين غيروا أسماءهم الأصلية يبقى «السعدية
قريطيف» التي اختارت لقب ثريا جبران، وعرفها الجمهور وأحبها بهذا اللقب
القادم من أرض الأرز لبنان. وليست وحدها من سقطت في حب الأسماء اللبنانية
المستعارة، فحتى الكاتب إدريس الكص صاحب «حزن في الرأس وفي القلب» وقع في
هذا الحب الجارف، واختار تغيير اسمه من إدريس الكص إلى إدريس الخوري. مع
أن الخوري في لبنان تعني رجل الدين في اللغة الكنسية الكاثوليكية. «شي
حاجة بحال الفقيه عندنا».
وإذا كان هناك من تأثر بالأسماء اللبنانية كجبران والخوري وغيرهما،
فهناك أيضا مغنون تأثروا بالأسماء المصرية. فالبشير مثلا تخلى عن «البشير
المكرد» لكي يشتهر باسم «البشير عبدو». ولا بد أن البشير قد يكون عانى
مثلي من زملائه في الدراسة بترديد لازمة «آ المكرد كول وبرد»، فاسمي كان
مثار سخرية الزملاء على طول المشوار الدراسي، وبمجرد ما ينطق المعلم اسمي
حتى أسمع في الصفوف الخلفية، حيث يجلس الكسالى غالبا، لازمة «نيني يا مومو
حتى يطيب عشانا».
وهناك من تأثر أيضا بالأفلام المصرية وسمى أبناءه بأسماء أبطال هذه
الأفلام، كوالد الجم الذي سماه عنترة تيمنا باسم عنترة ابن شداد العبسي.
وهكذا فالاسم الأصلي لمحمد الجم هو محمد عنترة. مثلما هو الاسم الحقيقي
لأمينة رشيد هو جميلة بن عمر.
وإذا كانت هناك أسماء عائلية تجلب السخرية لأصحابها، فهناك أسماء
أخرى يمكن أن تنتهي بك في قائمة الإرهاب. وهذا ما وقع لعازف العود الحاج
يونس عندما وضع طلبا لدى القنصلية الأمريكية من أجل الحصول على تأشيرة
تلبية لدعوة فنية من واشنطن. وبمجرد ما وضع الحاج يونس طلبه باسمه الحقيقي
الذي هو «الإدريسي الرياحي مولاي محمد»، «طلع» هذا الاسم في لائحة
الإرهابيين المبحوث عنهم على الصعيد الدولي. وعوض أن يطالب الحاج يونس
بالتأشيرة الأمريكية أصبح يطلب «العار غير يرجعو ليه الباسبور ديالو» حتى
لا ينتهي به المطاف في «غوانتانامو». فقد اكتشف أن الاسم الحقيقي الذي
يليق به بعد هذه التهمة الخطيرة هو «الحاج التوهامي» وليس «الحاج يونس».
ومن أغرب الأسباب التي تدفع البعض إلى تغيير أسمائهم ما قام به
الشاعر الراحل أحمد المعداوي، صاحب ديوان «الفروسية»، عندما لقب نفسه
بأحمد المجاطي، مع أن «أمجوط» بالشلحة تعني الأقرع. والسبب في لجوء الراحل
صاحب القصائد الحداثية إلى تسمية نفسه بهذا اللقب هو الحرص على عدم خلط
اسمه باسم الشاعر مصطفى المعداوي الذي كان يكتب شعرا مغرقا في التقليدية.
وهكذا فضل الراحل أحمد المعداوي اسما غريبا فقط لكي لا يخلط قراؤه قصائده
الحداثية بقصائد شاعر تقليدي. «اللهم ملقاك مع القروعية ولا مع الشعر
القديم».
وليس الراحل أحمد المعداوي هو المبدع المغربي الوحيد الذي غير اسمه،
فهناك روائي درسنا جميعا مؤلفاته «رفقة السلاح والقمر» في أقسام الثانوي
اسمه مبارك ربيع، قليلون هم الذين يعرفون أن اسمه الحقيقي هو مبارك
المعاشي، وهناك محمد زفزاف صاحب رائعة «الديدان التي تنحني» واسمه الحقيقي
هو محمد خصال، والناقد إدريس الناقوري اسمه الحقيقي هو إدريس الوادنوني،
نسبة إلى وادي نون مسقط رأسه. أما نبيل الحلو فقليلون يعرفون أن اسمه
الحقيقي هو عبد النبي الحلو، لكن على رأي الستاتي «كاينة ظروف»، وهي
الظروف نفسها التي جعلت أحد الزملاء في مهنة المتاعب يغير اسمه من عبد
الله دجاج إلى عبد الله نهاري، ووزيرا سابقا من بوثعلب إلى بوطالب.
عندما نتأمل أسماءنا في المغرب نحمد الله كثيرا، لأن أشقاءنا في بعض
دول الخليج لديهم أسماء يستحيل أن ننطق بها في المغرب. وأمامكم مثال
النائبة التي نجحت قبل يومين في البرلمان الكويتي، واسمها «معصومة مبارك».
الحاصول تغيير الأسماء لم يكن أبدا مشكلا، «المهم الواحد يبقا فصباغتو والسلام».
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
التكوغيطة/رشيد نيني
السؤال الذي يطرحه الجميع بعد انتهاء الحملة، هو أين ستذهب هذه الملايين من أوراق الدعاية الانتخابية. بالأمس، أثار انتباهي ركام من هذه الأوراق في مصعد العمارة، وعندما فتحت صندوق الرسائل وجدت كومة أخرى من الأوراق. وعندما فتحت الباب عثرت على كومة أخرى دسها أحدهم من تحته. ومن كثرة الأوراق التي صرت أعثر عليها في كل مكان أذهب إليه خفت أن أفتح صنبور الحمام فتخرج لي منه أوراق المرشحين وصورهم الملونة ووعودهم المعسولة. ولعل واحدة من مفارقات هذه الانتخابات أن الذين يعدون السكان بتخليص دوائرهم من القمامة في الشوارع في حال التصويت عليهم هم أول من يساهم في تلويث هذه الشوارع بقمامتهم الانتخابية.
فأين ستذهب، إذن، كل هذه الأطنان من الأوراق ؟
في مدينة صغيرة وهادئة من مدن الأطلس الصغير، يعرف الجميع أين تنتهي هذه الأوراق، خصوصا «فاضمة» التي تسارع إلى إمداد زوجها بكمشة منها كلما نادى عليها من داخل المرحاض :
- أفاضمة، أويد شان المرشح...
ما معناه بالأمازيغية الأطلسية «أفاضمة، جيبي شي مرشح». فالعديد من الأسر التي ليست لديها القدرة على تخصيص مصروف يومي لاقتناء ورق المراحيض، تلجأ إلى استغلال الأوراق المجانية التي تجمعها «مولات الدار» من هنا وهناك لاستعمالها كأوراق «طواليط». وبما أن الحملة الانتخابية الأخيرة وفرت الآلاف من الأوراق المجانية التي يحملها المرشحون إلى غاية البيوت، فإن العائلات وجدت صعوبة في الاختيار بسبب وفرة العرض.
انتخابات هذه السنة حركت مطابع بعض المدن الراكدة، وخلقت مناصب شغل مؤقتة. لكن هذا لم يمنع أرباب المطابع من مطالبة وكلاء اللوائح بالدفع المسبق قبل تسليمهم أوراقهم. فالتجربة علمت هؤلاء أن المرشحين الذين يستطيعون الاحتيال على دائرة كاملة لن يجدوا صعوبة في الاحتيال على مدير مطبعة.
وليس أرباب المطابع وحدهم من اشترطوا الدفع المسبق لوكلاء اللوائح قبل تسليمهم أوراقهم المطبوعة، بل حتى الجرائد التي نشرت لبعض هؤلاء إعلانات إشهارية، فلا أحد يضمن للمسؤول التجاري لهذه الجرائد أن المرشح سيدفع تكاليف إعلانه المنشور في حالة سقوطه في الانتخابات، يعني أنه إذا نجح يمكن أن يدفع للإدارة، وإذا سقط ما على الإدارة سوى أن «تشد في البولة الحمرا».
مصير «الكاغيط» مصير مجهول لدى الأغلبية الساحقة من المغاربة. ومع أن الجميع يعرف أين كان ينتهي «كاغيط» قوالب السكر و«كواغط» العطرية التي كانت تشتريها أمهاتنا من الأسواق، فإن الغالبية العظمى تجهل أي مصير ينتظر «كاغيط» الجرائد مثلا.
وقبل أن نشرح لكم أين يمضي «كاغيط الجونان»، دعونا نستحضر قليلا تلك السنوات البعيدة التي كان فيها استعمال أوراق «الطواليط» البيضاء أو الوردية في مراحيضنا ضربا من الترف. طبعا، بالنسبة إلى الذين كانت لديهم مراحيض، فالمعروف أن أكثر من نصف المغاربة كانوا يلجؤون إلى الخلاء للتوسع. وفي آخر إحصاء قدمته منظمة الصحة العالمية خلال «قمة المراحيض» (حاشاكم) المنظمة في الهند، والذي حضرته وزيرة الصحة ياسمينة بادو، أشارت هذه الأخيرة إلى أن نسبة كبيرة من المغاربة يفتقرون في بيوتهم إلى مراحيض.
ولذلك فقلة قليلة من البيوت المغربية كانت تغامر باقتناء هذه «الرولوات» الباهظة التي كان ثمنها يساوي ثمن دفتر من فئة 24 ورقة. وهكذا كان الحل الوحيد، بالإضافة إلى الاستنجاء بالماء، هو اللجوء إلى «كاغيط» قوالب السكر و«راس الحانوت». ومن هنا، أرى ابتسامة بعضكم الساخرة وهو يتذكر كل المرات التي قاده فيها حظه العاثر إلى استعمال «كاغيط» كان يحتوي على «البزار» أو «الفلفلة» السودانية. فمثل هذه الأخطاء «القاتلة» في اختيار «الكاغيط» المناسب تحول الإنسان الوديع إلى ثور جامح بسبب بقايا «البزار» الحار.
وهناك، طبعا، استعمالات أخرى يمكن أن ينفع فيها «الكاغيط» قالب السكر. وأشهرها على الإطلاق هو استعماله في «فتخ» الزعتر وتدخينه لمقاومة أعراض أنفلونزا فصل الشتاء. ومن منا لم «تبرم» له جدته «جوان» من الزعتر المجفف وسط قطعة من «الكاغيط لزرق» لكي يستنشق دخانه ويعافى دون اللجوء إلى المضادات الحيوية التي يصفها الأطباء اليوم للأطفال ويخربون بها مناعتهم منذ الصغر.
وإذا كان الجميع تقريبا يعرف النهاية الطبيعية لأوراق الدعاية الانتخابية، فإن قلة من المغاربة تعرف المصير الذي ينتهي إليه «كاغيط» مرجوعات الجرائد التي لا تجد من يشتريها.
وعلى عكس ما يعتقده البعض، فبعض مسؤولي الجرائد لديهم نسبة مائوية من عائدات بيع مرجوعات جرائدهم، خصوصا الحزبية، ولذلك فليس من مصلحتهم أن تباع الجريدة أصلا، لأنه كلما بيعت الجريدة فإن هامش عائداتهم من ثمن المرجوعات يضيق. ومنهم من يفعل المستحيل لكي يغتال جريدته حتى لا يشتريها أحد، وبذلك يستطيع بيع مرجوعاتها وتحصيل نصيبه من الكعكة. ومادامت مثل هذه الجرائد تحصل على المنحة السنوية من أموال دافعي الضرائب عن طريق خزينة المملكة، فإنها لا تولي مستقبلها أي اهتمام، مادام «الصيروم» مضمونا.
وأستطيع أن أجزم بأن قلة قليلة تعرف أن المربعات الكارتونية التي تشتري فيها البيض من السوق، مصنوعة من عجينة أوراق الجرائد. وهناك شركة في الدار البيضاء تشتري مرجوعات الجرائد بالكيلو وتطحنها لتحولها إلى عجينة، ومن تلك العجينة تصنع «باليطات» البيض التي ترونها في الأسواق.
وهذه الشركة تطحن فقط «كاغيط» الجرائد المكتوبة باللغة العربية، أما الجرائد المكتوبة باللغة الفرنسية فثمنها أغلى في السوق، وهي مخصصة لشيء آخر غير ضمان سلامة البيض. ومن منا لم يلاحظ أن «الطولوريات» الذين يعيدون صباغة السيارات يستعملون فقط الجرائد المكتوبة بالفرنسية. وحجتهم في ذلك أن اللغة العربية التي تكتب بها الجرائد هي لغة القرآن ولا يصح امتهانها بإلصاقها فوق زجاج السيارات وطلائها بالصباغة.
وإذا كان أصحاب بعض الجرائد يجنون أرباحا من وراء عدم إقبال القراء على اقتناء جرائدهم، فإن هناك جرائد أخرى تستهلك «الكاغيط» وتصدر بشكل يكاد يكون سريا. وهي جرائد أسبوعية في الغالب يلجأ إليها بعض المحامين لنشر إعلانات «السيزي» التي تشهدها المحاكم.
وعندما تقلب أوراق تلك الجرائد تعثر على مقالتين غير موقعتين والباقي كله عبارة عن إعلانات قضائية لبعض المحامين في الدار البيضاء. وبما أن القانون يفرض إطلاع الرأي العام عن طريق النشر على أمكنة وتواريخ إجراء هذه «السيزيات»، فإن الهدف من نشر هذه الإعلانات في هذه الجرائد التي لا يعرف أحد بوجودها هو ضمان عدم إطلاع المعنيين بأحكام «السيزي» عليها. وهكذا يغيبون عن الجلسة ويكون هناك من يقتنص الفرصة مكانهم.
وهناك سماسرة يتربصون يوميا في المحاكم بملفات «السيزي»، وحتى إذا قرأ المعني بالأمر الإعلان في تلك الجرائد وجاء للمشاركة في استرجاع ممتلكاته المعروضة في «السيزي» ونجح في ذلك، فإنه يفاجأ بأحد أولئك السماسرة يطالبه بعشرة ملايين سنتيم لكي لا يزايد عليه ويقترح في خلال عشرة أيام التي يمنحها القانون مبلغا أكثر من المبلغ الذي دفعه هذا الأخير للمحكمة.
وهكذا يستثمر هؤلاء السماسرة في تجارة «الكاغيط» ويجنون الملايين دون أن يغادروا مقاعد مقاهيهم بجانب المحاكم.
وكما ترون فلكل نوع من أنواع «الكاغيط» في المغرب استعمال مختلف، لكن في الأخير يلقى «الكاغيط» بعد الانتهاء من استعماله المصير ذاته.
فأين ستذهب، إذن، كل هذه الأطنان من الأوراق ؟
في مدينة صغيرة وهادئة من مدن الأطلس الصغير، يعرف الجميع أين تنتهي هذه الأوراق، خصوصا «فاضمة» التي تسارع إلى إمداد زوجها بكمشة منها كلما نادى عليها من داخل المرحاض :
- أفاضمة، أويد شان المرشح...
ما معناه بالأمازيغية الأطلسية «أفاضمة، جيبي شي مرشح». فالعديد من الأسر التي ليست لديها القدرة على تخصيص مصروف يومي لاقتناء ورق المراحيض، تلجأ إلى استغلال الأوراق المجانية التي تجمعها «مولات الدار» من هنا وهناك لاستعمالها كأوراق «طواليط». وبما أن الحملة الانتخابية الأخيرة وفرت الآلاف من الأوراق المجانية التي يحملها المرشحون إلى غاية البيوت، فإن العائلات وجدت صعوبة في الاختيار بسبب وفرة العرض.
انتخابات هذه السنة حركت مطابع بعض المدن الراكدة، وخلقت مناصب شغل مؤقتة. لكن هذا لم يمنع أرباب المطابع من مطالبة وكلاء اللوائح بالدفع المسبق قبل تسليمهم أوراقهم. فالتجربة علمت هؤلاء أن المرشحين الذين يستطيعون الاحتيال على دائرة كاملة لن يجدوا صعوبة في الاحتيال على مدير مطبعة.
وليس أرباب المطابع وحدهم من اشترطوا الدفع المسبق لوكلاء اللوائح قبل تسليمهم أوراقهم المطبوعة، بل حتى الجرائد التي نشرت لبعض هؤلاء إعلانات إشهارية، فلا أحد يضمن للمسؤول التجاري لهذه الجرائد أن المرشح سيدفع تكاليف إعلانه المنشور في حالة سقوطه في الانتخابات، يعني أنه إذا نجح يمكن أن يدفع للإدارة، وإذا سقط ما على الإدارة سوى أن «تشد في البولة الحمرا».
مصير «الكاغيط» مصير مجهول لدى الأغلبية الساحقة من المغاربة. ومع أن الجميع يعرف أين كان ينتهي «كاغيط» قوالب السكر و«كواغط» العطرية التي كانت تشتريها أمهاتنا من الأسواق، فإن الغالبية العظمى تجهل أي مصير ينتظر «كاغيط» الجرائد مثلا.
وقبل أن نشرح لكم أين يمضي «كاغيط الجونان»، دعونا نستحضر قليلا تلك السنوات البعيدة التي كان فيها استعمال أوراق «الطواليط» البيضاء أو الوردية في مراحيضنا ضربا من الترف. طبعا، بالنسبة إلى الذين كانت لديهم مراحيض، فالمعروف أن أكثر من نصف المغاربة كانوا يلجؤون إلى الخلاء للتوسع. وفي آخر إحصاء قدمته منظمة الصحة العالمية خلال «قمة المراحيض» (حاشاكم) المنظمة في الهند، والذي حضرته وزيرة الصحة ياسمينة بادو، أشارت هذه الأخيرة إلى أن نسبة كبيرة من المغاربة يفتقرون في بيوتهم إلى مراحيض.
ولذلك فقلة قليلة من البيوت المغربية كانت تغامر باقتناء هذه «الرولوات» الباهظة التي كان ثمنها يساوي ثمن دفتر من فئة 24 ورقة. وهكذا كان الحل الوحيد، بالإضافة إلى الاستنجاء بالماء، هو اللجوء إلى «كاغيط» قوالب السكر و«راس الحانوت». ومن هنا، أرى ابتسامة بعضكم الساخرة وهو يتذكر كل المرات التي قاده فيها حظه العاثر إلى استعمال «كاغيط» كان يحتوي على «البزار» أو «الفلفلة» السودانية. فمثل هذه الأخطاء «القاتلة» في اختيار «الكاغيط» المناسب تحول الإنسان الوديع إلى ثور جامح بسبب بقايا «البزار» الحار.
وهناك، طبعا، استعمالات أخرى يمكن أن ينفع فيها «الكاغيط» قالب السكر. وأشهرها على الإطلاق هو استعماله في «فتخ» الزعتر وتدخينه لمقاومة أعراض أنفلونزا فصل الشتاء. ومن منا لم «تبرم» له جدته «جوان» من الزعتر المجفف وسط قطعة من «الكاغيط لزرق» لكي يستنشق دخانه ويعافى دون اللجوء إلى المضادات الحيوية التي يصفها الأطباء اليوم للأطفال ويخربون بها مناعتهم منذ الصغر.
وإذا كان الجميع تقريبا يعرف النهاية الطبيعية لأوراق الدعاية الانتخابية، فإن قلة من المغاربة تعرف المصير الذي ينتهي إليه «كاغيط» مرجوعات الجرائد التي لا تجد من يشتريها.
وعلى عكس ما يعتقده البعض، فبعض مسؤولي الجرائد لديهم نسبة مائوية من عائدات بيع مرجوعات جرائدهم، خصوصا الحزبية، ولذلك فليس من مصلحتهم أن تباع الجريدة أصلا، لأنه كلما بيعت الجريدة فإن هامش عائداتهم من ثمن المرجوعات يضيق. ومنهم من يفعل المستحيل لكي يغتال جريدته حتى لا يشتريها أحد، وبذلك يستطيع بيع مرجوعاتها وتحصيل نصيبه من الكعكة. ومادامت مثل هذه الجرائد تحصل على المنحة السنوية من أموال دافعي الضرائب عن طريق خزينة المملكة، فإنها لا تولي مستقبلها أي اهتمام، مادام «الصيروم» مضمونا.
وأستطيع أن أجزم بأن قلة قليلة تعرف أن المربعات الكارتونية التي تشتري فيها البيض من السوق، مصنوعة من عجينة أوراق الجرائد. وهناك شركة في الدار البيضاء تشتري مرجوعات الجرائد بالكيلو وتطحنها لتحولها إلى عجينة، ومن تلك العجينة تصنع «باليطات» البيض التي ترونها في الأسواق.
وهذه الشركة تطحن فقط «كاغيط» الجرائد المكتوبة باللغة العربية، أما الجرائد المكتوبة باللغة الفرنسية فثمنها أغلى في السوق، وهي مخصصة لشيء آخر غير ضمان سلامة البيض. ومن منا لم يلاحظ أن «الطولوريات» الذين يعيدون صباغة السيارات يستعملون فقط الجرائد المكتوبة بالفرنسية. وحجتهم في ذلك أن اللغة العربية التي تكتب بها الجرائد هي لغة القرآن ولا يصح امتهانها بإلصاقها فوق زجاج السيارات وطلائها بالصباغة.
وإذا كان أصحاب بعض الجرائد يجنون أرباحا من وراء عدم إقبال القراء على اقتناء جرائدهم، فإن هناك جرائد أخرى تستهلك «الكاغيط» وتصدر بشكل يكاد يكون سريا. وهي جرائد أسبوعية في الغالب يلجأ إليها بعض المحامين لنشر إعلانات «السيزي» التي تشهدها المحاكم.
وعندما تقلب أوراق تلك الجرائد تعثر على مقالتين غير موقعتين والباقي كله عبارة عن إعلانات قضائية لبعض المحامين في الدار البيضاء. وبما أن القانون يفرض إطلاع الرأي العام عن طريق النشر على أمكنة وتواريخ إجراء هذه «السيزيات»، فإن الهدف من نشر هذه الإعلانات في هذه الجرائد التي لا يعرف أحد بوجودها هو ضمان عدم إطلاع المعنيين بأحكام «السيزي» عليها. وهكذا يغيبون عن الجلسة ويكون هناك من يقتنص الفرصة مكانهم.
وهناك سماسرة يتربصون يوميا في المحاكم بملفات «السيزي»، وحتى إذا قرأ المعني بالأمر الإعلان في تلك الجرائد وجاء للمشاركة في استرجاع ممتلكاته المعروضة في «السيزي» ونجح في ذلك، فإنه يفاجأ بأحد أولئك السماسرة يطالبه بعشرة ملايين سنتيم لكي لا يزايد عليه ويقترح في خلال عشرة أيام التي يمنحها القانون مبلغا أكثر من المبلغ الذي دفعه هذا الأخير للمحكمة.
وهكذا يستثمر هؤلاء السماسرة في تجارة «الكاغيط» ويجنون الملايين دون أن يغادروا مقاعد مقاهيهم بجانب المحاكم.
وكما ترون فلكل نوع من أنواع «الكاغيط» في المغرب استعمال مختلف، لكن في الأخير يلقى «الكاغيط» بعد الانتهاء من استعماله المصير ذاته.
المساء
العدد 848 الجمعه 12 يونيو 2009
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
تـذكــر : رشيد نيني
وأنت تغسل أسنانك في الصباح تاركا للمياه أن تنهمر من الصنبور، تذكر أن
غيرك يقف في صف طويل أمام الآبار والسواقي في انتظار دوره للحصول على قطرة
ماء، وغالبا ما يعود إلى البيت بدونه.
وأنت تدير مفتاحك في قفل باب بيتك الحديدي المصفح، تذكر أن غيرك مازال بلا بيت، وآخرين لازالوا يسندون أبواب أكواخهم بالمكنسة.
وأنت تملأ حوض السباحة في إقامتك الفارهة تحسبا لضيوف مفاجئين مع هذا
الحر المفاجئ، تذكر أن غيرك لازال يملأ الأسطل وأواني الغسيل تحسبا لعطش
مفاجئ.
وأنت تدخن سيجارك الكوبي الفاخر المفتول فوق سيقان كوبيات عذراوات،
تذكر أن غيرك يحاول توفير ثمن ما تدخنه أنت لكي يستطيع اقتناء أنبوب
«الفونطولين» لأطفاله المصابين بالربو. وعندما تختنق أنت بسبب الضحك
وتغرورق عيناك من القهقهة في سهراتك الليلية، تذكر أن غيرك يختنق في سهره
الليلي بسبب السعال وتغرورق عيناه بالدموع عندما لا يجد ما يخفف به عن
فلذات كبده المحترقة.
وأنت تشتري الخبز الفرنسي المستورد من المخبزات الأنيقة، تذكر أن غيرك لازال يسخن خبز الأمس بعد أن يرشه بالماء.
وأنت تحمل أطفالك بين ذراعيك لتنزل بهم إلى الشاطئ ليقضوا نهارا
سعيدا، تذكر أن غيرك يحمل أطفاله بين ذراعيه أيضا ويقف بهم أمام أبواب
المستشفيات الموصدة في انتظار حقنة أو قرص أسبرين.
وأنت تدهن جسدك بالمرهم تحت الشمس فوق رمال الشاطئ لتنتزع لحظة
ممتعة، تذكر أن غيرك يقف تحت الشمس أيضا بجسد مدهون عن آخره بالعرق لينتزع
رغيف الخبز لأبنائه من بين أنياب الزمن المتوحش.
وأنت تدفع ألف درهم لكي تدخل سهرة وتلتقط صورة مع مطربك المفضل،
تذكر أن غيرك يوفر المبلغ نفسه لشهور طويلة لكي يلتقط لأطفاله صورا
إشعاعية على الصدر.
وأنت تفتح ثلاجتك في المطبخ لكي تأخذ مبردا، تذكر أن غيرك يفتح باب الفرن لتلفحه نيران الحطب التي تنضج خبز الجيران.
وأنت تنتظرين أبناءك لكي يعودوا هذا الصيف من الدول البعيدة حيث
يتابعون تعليمهم العالي، تذكري أن أمهات كثيرات غيرك ينتظرن فقط هاتفا من
أبنائهن الذين هجروا الوطن على ظهر مركب في ليلة مقمرة ولم يعودوا أبدا.
وأنت تذرفين الدموع لأنك تودعين ابنتك الذاهبة للعيش مع زوجها في
بلاد أخرى، تذكري أن أمهات غيرك ينتحبن وهن يودعن بناتهن الذاهبات إلى
المدن البعيدة ليشتغلن خادمات في بيوت الآخرين.
وأنت ترمي بقايا الأكل في القمامة، تذكر أن غيرك مازال عندما يعثر
على كسرة خبز مرمية في الطريق يحملها بين راحتيه ويقبلها ثم يدسها في ثقب
على الجدار ويمضي مرتاح البال.
وأنت تخطط داخل سيارتك المصفحة لكي تصل إلى منصب مرموق، تذكر أن غيرك
يخطط فقط داخل سيارة أجرة حقيرة لكي يصل إلى بيته سالما وبأطرافه كاملة.
وأنت تسقي حديقة بيتك الصغيرة كل مساء، تذكر أن غيرك يقف وسط حقله كل
صباح ويرفع عينيه إلى السماء باحثا عن أثر للغيوم، بينما دموعه تسقي لحيته
المطرزة بالشيب.
وأنت تفكر في ماذا ستصنع هذه الليلة لترفه عن نفسك، تذكر أن غيرك
يفكر في ماذا سيصنع هذه الليلة إذا فاجأ المخاض زوجته وليس في جيبه ما
يدفعه للمصحة مقابل العملية القيصرية التي لا مفر منها.
وأنت تشعر بالغضب لأن ابنتك أصبحت تدخل إلى البيت متأخرة، تذكر أن
غيرك لم يعد يشعر سوى بالأسى منذ غادرت كل بناته البيت ليحترفن النوم في
بيوت الغرباء.
وأنت تصوب بندقيتك نحو الطيور في نزهة قنص عندما تريد أن تنفس عن
قلبك، تذكر أن غيرك هناك من يصوبون نحو جسده عصيهم في الشوارع عندما يريد
أن ينفس عن وضعيته بالاحتجاج.
وأنت تشكو من ضيق موقف سيارتك، تذكر أن غيرك يشكو من ضيق في جيبه.
وأنت تبكي لأن حبيبتك تركتك في أجمل سنوات العمر، تذكر أن غيرك يبكي لأن الوطن تخلى عنه في أحلك أوقات العمر.
وأنت تستعد للنوم، تذكر أن غيرك يستعد للأرق.
وأنت تفتح عينيك في الصباح، تذكر أن غيرك تبقى عيناه مغلقتان إلى الأبد.
وأنت تستجمع قواك و تنهض من الفراش، تذكر أن غيرك ليست له قوى يجمعها ويبقى فوق فراشه لبقية العمر.
وأنت تنظر في الصباح من خلال النافذة لترى العالم وتقول لجارك صباح
الخير، تذكر أن غيرك يحاول أن ينظر فلا يرى سوى الظلمة من حوله ويحاول أن
يتكلم فلا تخرج من فمك كلمة واحدة.
وأنت تحار أمام واجهات المتاجر الراقية أي هدية يمكن أن تشتري
لزوجتك، تذكر أن غيرك يحار وهو يقف أمام باب منزله أي مفاجأة تعيسة يمكن
أن يزفها أولا إلى زوجته، مفاجأة طرده من العمل أم مفاجأة طردهما معا من
البيت.
وأنت تندب حظك لأنك لم تصبح بعد كل هذا الوقت وزيرا، تذكر أن غيرك يندب حظه لأنه لم يصبح بعد كل هذا العمر فقط إنسانا في نظر حكومته.
وأنت تتوقف بسيارتك في الشارع لتلتقط فتاة من الرصيف، تذكر أن هذه
الفتاة التعيسة كان يمكن أن تكون، بقليل من سوء الحظ، ابنتك أو أختك.
وأنت تعطي الأوامر بضرب شاب يحتج على وضعيته البائسة، تذكر أن هذا الشاب كان يمكن أن يكون أنت لو أنك أتيت في وقت آخر.
وأنت مزهو بسيارة أبيك وبمنصب أبيك وباسم أبيك، تذكر أن غيرك قد دفن
أباه منذ وقت طويل وخرج إلى الحياة يصارعها بذراعيه العاريتين، وكل الزهو
الذي يشعر به هو عندما يقولون له من أنت، فيجيبهم باسمه الشخصي وليس
العائلي.
وأنت تنظر باحتقار إلى طوابير المتسولين من وراء زجاج سيارتك
الرسمية، تذكر وجوه هؤلاء البؤساء جيدا. فغدا قد تأتي بدورك لتتسول
أصواتهم.
وأنت تقرأ هذا الكلام تذكر أن غيرك لا يستطيع القراءة، لأنه عوض أن يعلموه حروف الهجاء علموه فقط حروف الطاعة والولاء.
المساء
غيرك يقف في صف طويل أمام الآبار والسواقي في انتظار دوره للحصول على قطرة
ماء، وغالبا ما يعود إلى البيت بدونه.
وأنت تدير مفتاحك في قفل باب بيتك الحديدي المصفح، تذكر أن غيرك مازال بلا بيت، وآخرين لازالوا يسندون أبواب أكواخهم بالمكنسة.
وأنت تملأ حوض السباحة في إقامتك الفارهة تحسبا لضيوف مفاجئين مع هذا
الحر المفاجئ، تذكر أن غيرك لازال يملأ الأسطل وأواني الغسيل تحسبا لعطش
مفاجئ.
وأنت تدخن سيجارك الكوبي الفاخر المفتول فوق سيقان كوبيات عذراوات،
تذكر أن غيرك يحاول توفير ثمن ما تدخنه أنت لكي يستطيع اقتناء أنبوب
«الفونطولين» لأطفاله المصابين بالربو. وعندما تختنق أنت بسبب الضحك
وتغرورق عيناك من القهقهة في سهراتك الليلية، تذكر أن غيرك يختنق في سهره
الليلي بسبب السعال وتغرورق عيناه بالدموع عندما لا يجد ما يخفف به عن
فلذات كبده المحترقة.
وأنت تشتري الخبز الفرنسي المستورد من المخبزات الأنيقة، تذكر أن غيرك لازال يسخن خبز الأمس بعد أن يرشه بالماء.
وأنت تحمل أطفالك بين ذراعيك لتنزل بهم إلى الشاطئ ليقضوا نهارا
سعيدا، تذكر أن غيرك يحمل أطفاله بين ذراعيه أيضا ويقف بهم أمام أبواب
المستشفيات الموصدة في انتظار حقنة أو قرص أسبرين.
وأنت تدهن جسدك بالمرهم تحت الشمس فوق رمال الشاطئ لتنتزع لحظة
ممتعة، تذكر أن غيرك يقف تحت الشمس أيضا بجسد مدهون عن آخره بالعرق لينتزع
رغيف الخبز لأبنائه من بين أنياب الزمن المتوحش.
وأنت تدفع ألف درهم لكي تدخل سهرة وتلتقط صورة مع مطربك المفضل،
تذكر أن غيرك يوفر المبلغ نفسه لشهور طويلة لكي يلتقط لأطفاله صورا
إشعاعية على الصدر.
وأنت تفتح ثلاجتك في المطبخ لكي تأخذ مبردا، تذكر أن غيرك يفتح باب الفرن لتلفحه نيران الحطب التي تنضج خبز الجيران.
وأنت تنتظرين أبناءك لكي يعودوا هذا الصيف من الدول البعيدة حيث
يتابعون تعليمهم العالي، تذكري أن أمهات كثيرات غيرك ينتظرن فقط هاتفا من
أبنائهن الذين هجروا الوطن على ظهر مركب في ليلة مقمرة ولم يعودوا أبدا.
وأنت تذرفين الدموع لأنك تودعين ابنتك الذاهبة للعيش مع زوجها في
بلاد أخرى، تذكري أن أمهات غيرك ينتحبن وهن يودعن بناتهن الذاهبات إلى
المدن البعيدة ليشتغلن خادمات في بيوت الآخرين.
وأنت ترمي بقايا الأكل في القمامة، تذكر أن غيرك مازال عندما يعثر
على كسرة خبز مرمية في الطريق يحملها بين راحتيه ويقبلها ثم يدسها في ثقب
على الجدار ويمضي مرتاح البال.
وأنت تخطط داخل سيارتك المصفحة لكي تصل إلى منصب مرموق، تذكر أن غيرك
يخطط فقط داخل سيارة أجرة حقيرة لكي يصل إلى بيته سالما وبأطرافه كاملة.
وأنت تسقي حديقة بيتك الصغيرة كل مساء، تذكر أن غيرك يقف وسط حقله كل
صباح ويرفع عينيه إلى السماء باحثا عن أثر للغيوم، بينما دموعه تسقي لحيته
المطرزة بالشيب.
وأنت تفكر في ماذا ستصنع هذه الليلة لترفه عن نفسك، تذكر أن غيرك
يفكر في ماذا سيصنع هذه الليلة إذا فاجأ المخاض زوجته وليس في جيبه ما
يدفعه للمصحة مقابل العملية القيصرية التي لا مفر منها.
وأنت تشعر بالغضب لأن ابنتك أصبحت تدخل إلى البيت متأخرة، تذكر أن
غيرك لم يعد يشعر سوى بالأسى منذ غادرت كل بناته البيت ليحترفن النوم في
بيوت الغرباء.
وأنت تصوب بندقيتك نحو الطيور في نزهة قنص عندما تريد أن تنفس عن
قلبك، تذكر أن غيرك هناك من يصوبون نحو جسده عصيهم في الشوارع عندما يريد
أن ينفس عن وضعيته بالاحتجاج.
وأنت تشكو من ضيق موقف سيارتك، تذكر أن غيرك يشكو من ضيق في جيبه.
وأنت تبكي لأن حبيبتك تركتك في أجمل سنوات العمر، تذكر أن غيرك يبكي لأن الوطن تخلى عنه في أحلك أوقات العمر.
وأنت تستعد للنوم، تذكر أن غيرك يستعد للأرق.
وأنت تفتح عينيك في الصباح، تذكر أن غيرك تبقى عيناه مغلقتان إلى الأبد.
وأنت تستجمع قواك و تنهض من الفراش، تذكر أن غيرك ليست له قوى يجمعها ويبقى فوق فراشه لبقية العمر.
وأنت تنظر في الصباح من خلال النافذة لترى العالم وتقول لجارك صباح
الخير، تذكر أن غيرك يحاول أن ينظر فلا يرى سوى الظلمة من حوله ويحاول أن
يتكلم فلا تخرج من فمك كلمة واحدة.
وأنت تحار أمام واجهات المتاجر الراقية أي هدية يمكن أن تشتري
لزوجتك، تذكر أن غيرك يحار وهو يقف أمام باب منزله أي مفاجأة تعيسة يمكن
أن يزفها أولا إلى زوجته، مفاجأة طرده من العمل أم مفاجأة طردهما معا من
البيت.
وأنت تندب حظك لأنك لم تصبح بعد كل هذا الوقت وزيرا، تذكر أن غيرك يندب حظه لأنه لم يصبح بعد كل هذا العمر فقط إنسانا في نظر حكومته.
وأنت تتوقف بسيارتك في الشارع لتلتقط فتاة من الرصيف، تذكر أن هذه
الفتاة التعيسة كان يمكن أن تكون، بقليل من سوء الحظ، ابنتك أو أختك.
وأنت تعطي الأوامر بضرب شاب يحتج على وضعيته البائسة، تذكر أن هذا الشاب كان يمكن أن يكون أنت لو أنك أتيت في وقت آخر.
وأنت مزهو بسيارة أبيك وبمنصب أبيك وباسم أبيك، تذكر أن غيرك قد دفن
أباه منذ وقت طويل وخرج إلى الحياة يصارعها بذراعيه العاريتين، وكل الزهو
الذي يشعر به هو عندما يقولون له من أنت، فيجيبهم باسمه الشخصي وليس
العائلي.
وأنت تنظر باحتقار إلى طوابير المتسولين من وراء زجاج سيارتك
الرسمية، تذكر وجوه هؤلاء البؤساء جيدا. فغدا قد تأتي بدورك لتتسول
أصواتهم.
وأنت تقرأ هذا الكلام تذكر أن غيرك لا يستطيع القراءة، لأنه عوض أن يعلموه حروف الهجاء علموه فقط حروف الطاعة والولاء.
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: شوف تشوف
الســـــــــــــــلام عليكــــــم ورحمة الله تعـــــالــى وبــركــــــــاته
موضوع رائـــــــع ومؤثـــــر جداااا ولكن شْكُونْ فِينَا الِّلي كَيْدَّكَرْ هَادْشِي كُولُّو إلا من رحم ربي الحَاصُولْ الله يَهْدِينــَـــا وْيَهـْــــــِدي مـَـــا خْلـَقْ. آآآميييييين
تقبلــــــــــــوا مروووووري وتحيــــــــــــــــــاتــي والســــــــــــــــــــــــلام.
موضوع رائـــــــع ومؤثـــــر جداااا ولكن شْكُونْ فِينَا الِّلي كَيْدَّكَرْ هَادْشِي كُولُّو إلا من رحم ربي الحَاصُولْ الله يَهْدِينــَـــا وْيَهـْــــــِدي مـَـــا خْلـَقْ. آآآميييييين
تقبلــــــــــــوا مروووووري وتحيــــــــــــــــــاتــي والســــــــــــــــــــــــلام.
رد: شوف تشوف
سبقه إلى هذا الكلام المناضل المخادع، الذي كان يرتعش منه البرلمان، فتح الله ولعلو،وكذلك حسن نجمي، صاحب العمود الرنان في جريدة الإتحاد الإشتراي.
زائر- زائر
برنامج «مخطوفون»/رشيد نيني
في إحدى المقابر المغربية كان نفر من المشيعين يدفنون أحد أموات المسلمين، فمر بالقرب منهم أحد العابرين وسألهم من يكون الميت. فأجابه أحدهم بأنه سياسي مغربي نظيف. فابتسم مستغربا وسألهم كيف يستطيعون دفن رجلين في قبر واحد. فأجابوه مندهشين من كلامه بأنهم لا يدفنون رجلين في قبر واحد وإنما رجلا واحدا فقط. فقال لهم إن الرجل في المغرب لا يمكن أن يكون سياسيا ونظيفا في الوقت نفسه.
طبعا، صاحبنا يعمم حكمه على جميع السياسيين، وفي هذا غبن لقلة قليلة منهم يصرون على المحافظة على نظافة ذممهم وسط الوحل الذي يشتغلون فيه.
في مقبرة أخرى هذه المرة، واسمها مقبرة سيدي سليمان بالقرب من باب دكالة بمراكش، كانت عائلة المنصوري، تواري الثرى جثمان فرد من أفرادها قبل أسبوع، ويتعلق الأمر بعبد الرحمان المنصوري، باشا مراكش السابق وسفير المغرب السابق في دولة الإمارات.
وقد كانت هذه الجنازة مناسبة جمعت في مقبرة سيدي سليمان أغلب سياسيي مراكش وحزبييها ومسؤوليها ورسمييها. وهكذا اختلطت عبارات عزاء ومواساة بعضهم بآخر أخبار التحالفات الحزبية في المدينة، خصوصا بعدما أفصح حزب الأصالة والمعاصرة عن نيته ترشيح المحامية فاطمة الزهراء المنصوري لمنصب العمدة مكان الجزولي. وهي، بالمناسبة، ابنة الراحل عبد الرحمن المنصوري الذي غادر دار الباطل إلى دار الحق.
وإذا كان باشا مراكش السابق قد غادر إلى دار الحق، فإن كثيرا من المرشحين الناجحين في الانتخابات الجماعية قد غادروا دورهم إلى دور أخرى سرية لا يعلم مكانها حتى الجن الأزرق. وفجأة اختفى عشرات الأعضاء الجماعيين المنتخبين حديثا عن الأنظار في أغلب المدن، وأصبحوا محط بحث من طرف عائلاتهم، إلى الحد الذي أصبح معه بعضها يفكر في التوجه إلى برنامج «مختفون» لكي يبحث لها عن هؤلاء «المخطوفين». والواقع أن هؤلاء الأعضاء ليسوا مختطفين كما تنشر الصحافة هذه الأيام. وإنما هم مختفون عن الأنظار في فيلات وفيرمات فلاحية نائية، يأكلون «البصطيلة» ويشربون الأنخاب وينامون في انتظار تشكيل المجالس البلدية. وهكذا يجمع الباحثون عن رئاسة المجالس الأعضاء الذين يعطونهم «الكلمة» للتصويت عليهم للرئاسة في ضيعة أو فيلا بعيدة، و«يعتقلونهم» هناك إلى حين وصول يوم انتخاب الرئيس، فيسوقونهم سوقا إلى مقر البلدية مباشرة نحو قاعة الاقتراع.
وكم يبدو سعر الصوت الذي باعه المواطنون خلال الانتخابات مضحكا وسخيفا بالمقارنة مع أسعار أصوات «المخطوفين». فثمن صوت «المخطوف» يتراوح بين 50 مليونا و120 مليون سنتيم. وطبعا، هذه الأسعار مرشحة للمزيد من الارتفاع، خصوصا في المدن الكبرى التي تتصرف مجالسها البلدية في ميزانيات تقدر بملايير الدراهم.
وهنا نفهم إصرار بعض المرشحين على دخول غمار الانتخابات والاستماتة في الفوز بمقعد مهما كلف الثمن. فهم يعرفون أن المقعد الذي سيفوزون به سيجعلهم يسترجعون كل الأموال التي صرفوها في شراء الأصوات منذ الأسبوع الأول لفوزهم.
برنامج «مخطوفون» الذي يتم تصوير حلقاته في أغلب المدن هذه الأيام يكشف بوضوح أن انتخابات المجالس البلدية لم تتغير عما كانت عليه زمن إدريس البصري، حتى إن وجوها كالحة من ذلك الزمن الغابر (من التغبار) خرجت من صناديق الاقتراع وعادت إلى مجالس المدن التي نهبتها في السابق.
ولعل الفرق الوحيد بين انتخابات السي ادريس وانتخابات السي بنموسى هي نسبة المشاركة التي يقولون اليوم إنها وصلت إلى 51 في المائة. فالنسب المائوية الخارقة للعادة والتي كانت تعلن عنها وزارة الداخلية في عهد البصري كانت كلها مزورة.
وإذا كانت لدى داخلية البصري طريقة مفضوحة في رفع نسب المشاركة، وذلك بالإعلان دائما عن تسعين في المائة فما فوق، فإن داخلية بنموسى لديها طرق أكثر دهاء، وهذا راجع إلى مهارات المهندس شكيب الحامل لدبلوم «إيمايتي» الأكثر شهرة في العالم.
ولكي ترفع وزارة بنموسى نسبة المشاركة لجأت إلى طريقة بسيطة تتكون من فكرتين. الأولى إلغاء تسجيل كل تلك الملايين من الناخبين الميؤوس من مشاركتهم في الاقتراع. وهي تلك الملايين من المواطنين الذين سجلتهم وزارة الداخلية خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة وخيبوا آمالها ولم يصوتوا. وبما أن المهندس بنموسى يطبق منطوق الحديث الشريف الذي يقول إن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين، فقد استوعب درس مقاطعة ملايين المواطنين المسجلين لصناديق الاقتراع. ولذلك عندما ذهب كثير من هؤلاء الذين قاطعوا الانتخابات البرلمانية للمشاركة في الانتخابات الجماعية اكتشفوا أنهم غير مسجلين. فقد شطبت عليهم وزارة الداخلية من لوائحها حتى تتجنب الإعلان عن نسبة عالية للمسجلين في اللوائح. وطبعا، عندما تخفض الداخلية من نسبة المسجلين في اللوائح فإن نسبة المشاركة في الاقتراع ترتفع، وكلما زادت نسبة المسجلين كلما نزلت نسبة المشاركة. وهذا ما يسميه المغاربة «كمشة نحل حسن من شواري دبان».
الطريقة الثانية التي رفعت بها وزارة بنموسى نسبة المشاركة هي وقوفها على الحياد عندما وصلتها أخبار نسب المشاركة المتدنية خلال الفترة الصباحية والزوالية. وهكذا فهمت أن تشددها في مراقبة استعمال المال في الانتخابات سيؤدي إلى بقاء نسبة المشاركة في حدود العشرة في المائة. وهي النسبة التي كانت ستكلف بنموسى ورجاله مناصبهم لا محالة.
وهكذا شهدت كل مدن المملكة في الفترة الممتدة ما بين الثانية بعد الزوال إلى حدود الساعة السابعة، موعد إقفال مكاتب التصويت، استعمالا سخيا للمال من أجل شراء الأصوات بالعلالي. ورأينا كيف هدد بعض المنتخبين بإحراق أنفسهم في الدار البيضاء احتجاجا على استعمال خصومهم للمال من أجل الفوز، وكيف تعرى البعض الآخر وسط الشارع وهو يرى التزام السلطة الحياد أمام المرشحين الذين كانوا «يتفاصلون» مع المواطنين على أصواتهم بدون خوف من المتابعة.
وهكذا «حجت» الألوف المؤلفة من الناخبين نحو صناديق الاقتراع. ومنهم من جاء بهم أصحاب دعوتهم في الحافلات والسيارات الخاصة لكي يلبوا نداء الواجب الوطني مدفوع الأجر مسبقا.
وهكذا حصلنا، في النهاية، بفضل عبقرية وزارة بنموسى، على نسبة مشاركة تفوق الخمسين في المائة، في الوقت الذي رأينا فيه كيف تندب أعرق الديمقراطيات بأوربا حظها التعيس وهي تكتشف أن نسبة مشاركة مواطنيها في الانتخابات البرلمانية الأوربية لم تتجاوز أربعين في المائة.
وكم اندهشت وأنا أتابع تقريرا في إحدى القنوات الفرنسية عشية الإعلان عن نتائج الانتخابات الأوربية حول مواطنين فضلوا الذهاب في ذلك الأحد إلى شاطئ البحر عوض الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وقلت في نفسي أنه لو غامر مدير أخبار في التلفزيون المغربي بإنجاز تقرير مماثل لعلقوه أمام باب مكتبه لكي يكون عبرة لغيره. فبسبب تخويف المواطنين من العزوف وتصويره ككارثة مدمرة تتهدد استقرار البلد، أصبح الجميع يتجنب الحديث عن العزوف مخافة اتهامه بزعزعة عقيدة ناخب. هذا في الوقت الذي تتحدث فيه قنوات الإعلام العمومي في أوربا عن العزوف بدون عقد، محاولة فهم أسبابه وقراءة رسائله السرية.
وهكذا أغفلت وزارة بنموسى الحديث عن كل التجاوزات التي عرفتها الانتخابات الجماعية، وتلك التي تعرفها الآن، وأصبحت تتحدث فقط عن المشاركة.
سيقرأ بنموسى هذا الكلام وطبعا لن «يصور» منه لا حقا ولا باطلا، وكل ما سيقوله في سره وهو يبتسم: المهم هو المشاركة ...
المساء
طبعا، صاحبنا يعمم حكمه على جميع السياسيين، وفي هذا غبن لقلة قليلة منهم يصرون على المحافظة على نظافة ذممهم وسط الوحل الذي يشتغلون فيه.
في مقبرة أخرى هذه المرة، واسمها مقبرة سيدي سليمان بالقرب من باب دكالة بمراكش، كانت عائلة المنصوري، تواري الثرى جثمان فرد من أفرادها قبل أسبوع، ويتعلق الأمر بعبد الرحمان المنصوري، باشا مراكش السابق وسفير المغرب السابق في دولة الإمارات.
وقد كانت هذه الجنازة مناسبة جمعت في مقبرة سيدي سليمان أغلب سياسيي مراكش وحزبييها ومسؤوليها ورسمييها. وهكذا اختلطت عبارات عزاء ومواساة بعضهم بآخر أخبار التحالفات الحزبية في المدينة، خصوصا بعدما أفصح حزب الأصالة والمعاصرة عن نيته ترشيح المحامية فاطمة الزهراء المنصوري لمنصب العمدة مكان الجزولي. وهي، بالمناسبة، ابنة الراحل عبد الرحمن المنصوري الذي غادر دار الباطل إلى دار الحق.
وإذا كان باشا مراكش السابق قد غادر إلى دار الحق، فإن كثيرا من المرشحين الناجحين في الانتخابات الجماعية قد غادروا دورهم إلى دور أخرى سرية لا يعلم مكانها حتى الجن الأزرق. وفجأة اختفى عشرات الأعضاء الجماعيين المنتخبين حديثا عن الأنظار في أغلب المدن، وأصبحوا محط بحث من طرف عائلاتهم، إلى الحد الذي أصبح معه بعضها يفكر في التوجه إلى برنامج «مختفون» لكي يبحث لها عن هؤلاء «المخطوفين». والواقع أن هؤلاء الأعضاء ليسوا مختطفين كما تنشر الصحافة هذه الأيام. وإنما هم مختفون عن الأنظار في فيلات وفيرمات فلاحية نائية، يأكلون «البصطيلة» ويشربون الأنخاب وينامون في انتظار تشكيل المجالس البلدية. وهكذا يجمع الباحثون عن رئاسة المجالس الأعضاء الذين يعطونهم «الكلمة» للتصويت عليهم للرئاسة في ضيعة أو فيلا بعيدة، و«يعتقلونهم» هناك إلى حين وصول يوم انتخاب الرئيس، فيسوقونهم سوقا إلى مقر البلدية مباشرة نحو قاعة الاقتراع.
وكم يبدو سعر الصوت الذي باعه المواطنون خلال الانتخابات مضحكا وسخيفا بالمقارنة مع أسعار أصوات «المخطوفين». فثمن صوت «المخطوف» يتراوح بين 50 مليونا و120 مليون سنتيم. وطبعا، هذه الأسعار مرشحة للمزيد من الارتفاع، خصوصا في المدن الكبرى التي تتصرف مجالسها البلدية في ميزانيات تقدر بملايير الدراهم.
وهنا نفهم إصرار بعض المرشحين على دخول غمار الانتخابات والاستماتة في الفوز بمقعد مهما كلف الثمن. فهم يعرفون أن المقعد الذي سيفوزون به سيجعلهم يسترجعون كل الأموال التي صرفوها في شراء الأصوات منذ الأسبوع الأول لفوزهم.
برنامج «مخطوفون» الذي يتم تصوير حلقاته في أغلب المدن هذه الأيام يكشف بوضوح أن انتخابات المجالس البلدية لم تتغير عما كانت عليه زمن إدريس البصري، حتى إن وجوها كالحة من ذلك الزمن الغابر (من التغبار) خرجت من صناديق الاقتراع وعادت إلى مجالس المدن التي نهبتها في السابق.
ولعل الفرق الوحيد بين انتخابات السي ادريس وانتخابات السي بنموسى هي نسبة المشاركة التي يقولون اليوم إنها وصلت إلى 51 في المائة. فالنسب المائوية الخارقة للعادة والتي كانت تعلن عنها وزارة الداخلية في عهد البصري كانت كلها مزورة.
وإذا كانت لدى داخلية البصري طريقة مفضوحة في رفع نسب المشاركة، وذلك بالإعلان دائما عن تسعين في المائة فما فوق، فإن داخلية بنموسى لديها طرق أكثر دهاء، وهذا راجع إلى مهارات المهندس شكيب الحامل لدبلوم «إيمايتي» الأكثر شهرة في العالم.
ولكي ترفع وزارة بنموسى نسبة المشاركة لجأت إلى طريقة بسيطة تتكون من فكرتين. الأولى إلغاء تسجيل كل تلك الملايين من الناخبين الميؤوس من مشاركتهم في الاقتراع. وهي تلك الملايين من المواطنين الذين سجلتهم وزارة الداخلية خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة وخيبوا آمالها ولم يصوتوا. وبما أن المهندس بنموسى يطبق منطوق الحديث الشريف الذي يقول إن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين، فقد استوعب درس مقاطعة ملايين المواطنين المسجلين لصناديق الاقتراع. ولذلك عندما ذهب كثير من هؤلاء الذين قاطعوا الانتخابات البرلمانية للمشاركة في الانتخابات الجماعية اكتشفوا أنهم غير مسجلين. فقد شطبت عليهم وزارة الداخلية من لوائحها حتى تتجنب الإعلان عن نسبة عالية للمسجلين في اللوائح. وطبعا، عندما تخفض الداخلية من نسبة المسجلين في اللوائح فإن نسبة المشاركة في الاقتراع ترتفع، وكلما زادت نسبة المسجلين كلما نزلت نسبة المشاركة. وهذا ما يسميه المغاربة «كمشة نحل حسن من شواري دبان».
الطريقة الثانية التي رفعت بها وزارة بنموسى نسبة المشاركة هي وقوفها على الحياد عندما وصلتها أخبار نسب المشاركة المتدنية خلال الفترة الصباحية والزوالية. وهكذا فهمت أن تشددها في مراقبة استعمال المال في الانتخابات سيؤدي إلى بقاء نسبة المشاركة في حدود العشرة في المائة. وهي النسبة التي كانت ستكلف بنموسى ورجاله مناصبهم لا محالة.
وهكذا شهدت كل مدن المملكة في الفترة الممتدة ما بين الثانية بعد الزوال إلى حدود الساعة السابعة، موعد إقفال مكاتب التصويت، استعمالا سخيا للمال من أجل شراء الأصوات بالعلالي. ورأينا كيف هدد بعض المنتخبين بإحراق أنفسهم في الدار البيضاء احتجاجا على استعمال خصومهم للمال من أجل الفوز، وكيف تعرى البعض الآخر وسط الشارع وهو يرى التزام السلطة الحياد أمام المرشحين الذين كانوا «يتفاصلون» مع المواطنين على أصواتهم بدون خوف من المتابعة.
وهكذا «حجت» الألوف المؤلفة من الناخبين نحو صناديق الاقتراع. ومنهم من جاء بهم أصحاب دعوتهم في الحافلات والسيارات الخاصة لكي يلبوا نداء الواجب الوطني مدفوع الأجر مسبقا.
وهكذا حصلنا، في النهاية، بفضل عبقرية وزارة بنموسى، على نسبة مشاركة تفوق الخمسين في المائة، في الوقت الذي رأينا فيه كيف تندب أعرق الديمقراطيات بأوربا حظها التعيس وهي تكتشف أن نسبة مشاركة مواطنيها في الانتخابات البرلمانية الأوربية لم تتجاوز أربعين في المائة.
وكم اندهشت وأنا أتابع تقريرا في إحدى القنوات الفرنسية عشية الإعلان عن نتائج الانتخابات الأوربية حول مواطنين فضلوا الذهاب في ذلك الأحد إلى شاطئ البحر عوض الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وقلت في نفسي أنه لو غامر مدير أخبار في التلفزيون المغربي بإنجاز تقرير مماثل لعلقوه أمام باب مكتبه لكي يكون عبرة لغيره. فبسبب تخويف المواطنين من العزوف وتصويره ككارثة مدمرة تتهدد استقرار البلد، أصبح الجميع يتجنب الحديث عن العزوف مخافة اتهامه بزعزعة عقيدة ناخب. هذا في الوقت الذي تتحدث فيه قنوات الإعلام العمومي في أوربا عن العزوف بدون عقد، محاولة فهم أسبابه وقراءة رسائله السرية.
وهكذا أغفلت وزارة بنموسى الحديث عن كل التجاوزات التي عرفتها الانتخابات الجماعية، وتلك التي تعرفها الآن، وأصبحت تتحدث فقط عن المشاركة.
سيقرأ بنموسى هذا الكلام وطبعا لن «يصور» منه لا حقا ولا باطلا، وكل ما سيقوله في سره وهو يبتسم: المهم هو المشاركة ...
المساء
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
ابتسم أنت في المغرب /رشيد نيني
في مثل هذا الشهر من سنة 1999، أخذت الحافلة وذهبت إلى مدينة صغيرة اسمها
«فياخويوسا» بنواحي «أليكانتي» الإسبانية. كنت قد قرأت إعلانا في الجريدة
لشركة فرنسية للبيع عبر الهاتف تطلب مستخدمين يجيدون الحديث بالفرنسية.
طبعا، لم أنجح في الحصول على وظيفة معهم لأنهم لم يكونوا يقبلون تشغيل
المهاجرين السريين. لكن ما علق بذاكرتي وأنا جالس في قاعة الانتظار، هو
ملصق كبير مكتوبة عليه القاعدة الذهبية للعمل في تلك الشركة «ابتسم في
الهاتف».
عندما سألت أحدهم كيف سيعرف المواطن الذي يوجد في الطرف الآخر من
الخط أنك تبتسم أو تكشر عن أنيابك، قال لي إن الابتسامة تجعل الحديث عبر
الهاتف أكثر حميمية وإقناعا.
تذكرت هذا الإعلان وأنا أقرأ إعلانا آخر قبل يومين حول مهرجان ينظمه المجلس الجهوي للسياحة بأكادير تحت شعار «أكادير أرض الابتسامة».
فوزارة السياحة لديها قناعة بأن المواطنين الذين يعيشون في مدينة
سياحية مثل أكادير يمكنهم أن يساهموا بابتساماتهم في تشجيع السياح على
المجيء إلى مدينتهم. ولذلك أعطى مندوب السياحة في أكادير الانطلاقة لهذا
المهرجان من مطار المسيرة باستقبال السياح بابتسامات واسعة. مع أن الأنسب
كان سيكون هو استقبال هؤلاء السياح بكمامات فوق الفم والأنف كما تنص على
ذلك تحذيرات منظمة الصحة العالمية، خصوصا بعد وصول مرض أنفلونزا الخنازير
إلى مرحلة الوباء العالمي، وظهور ثماني إصابات في المغرب، كلها خرجت من
بوابات المطارات.
ولم تقف مندوبية السياحة عند هذا الحد، بل نظمت موائد مستديرة حول
موضوع «العلاج بالابتسامة»، كما ستنظم مسابقة لاختيار الشركة السياحية
الأكثر «تفرنيسا» مع تخصيص جائزة لصاحب أو صاحبة «التفرنيسة» الأكثر
جمالا.
وقد دعا المجلس الجهوي للسياحة جميع القطاعات التي لها علاقة
بالسياحة إلى الانخراط في الدورة الثانية من مهرجان «التفرنيس» للقضاء على
«التغوبيش» السياحي الذي ضرب فنادق المدينة بسبب الأزمة العالمية.
وقد استجاب الناشطون في القطاع السياحي بالمدينة لدعوة المنظمين،
بما فيهم جمعيات سائقي سيارات الأجرة، إلا جمعية واحدة لهؤلاء السائقين
ظلت متشبثة بربط «الغوباشة» وعدم الانخراط في مهرجان «التفرنيس». فأغلبهم
«طالع ليه الدم» بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، ومنهم من لم ترتسم الابتسامة
على وجهه منذ مدة، خصوصا أولئك الذين يشتغلون طيلة النهار لكي يجمعوا
«الروصيطة» لأصحاب «الكريمة» الجالسين في بيوتهم.
فكرة المجلس الجهوي للسياحة ليست جديدة. فقد سبقته إليها دول أخرى،
كمصر والصين، هذه الأخيرة التي جندت متطوعين لحث مواطنيها على «التفرنيس»
حتى تظهر مدينة «شنغهاي» في أفضل صورها أمام ضيوفها خلال المعرض العالمي
الذي ستحتضنه سنة 2010.
فقد اكتشفت الصين بعد نشر دراسة لإحدى شركات العلكة أن اثنين في
المائة فقط من الصينيين يبتسمون في وجه الغرباء. ونحن في أمس الحاجة اليوم
إلى دراسة مماثلة تقوم بها شركة «المسكة» التي يشارك عادل الدويري، وزير
السياحة السابق، في رأسمالها، لكي يعرف بوسعيد، وزير السياحة الحالي، عدد
المغاربة الذين يعانون من صعوبات في «التفرنيس» للسياح.
والواقع أننا نحن المغاربة ليست لدينا صعوبات في الابتسام في وجوه
السياح فقط، وإنما لدينا صعوبات حتى في الابتسام في وجوه بعضنا البعض.
وأحيانا تفاجأ بشخص لا تعرفه وليس بينك وبينه عداوة ينظر إليك بغضب مقوسا
حاجبيه كما لو أنك قتلت له أحد أفراد أسرته. وكم مرة تدخل قاعة انتظار أو
مصعدا وتلقي التحية فيردون عليك جميعا بنظرات «فشي شكل»، وكأنهم يقولون لك
«هاداك السلام ديالك غير زيدو فيك».
وعندما تتعمق في أصل المشكل، تجد أن المغاربة لا يبتسمون في وجوه
بعضهم البعض، ليس لأنهم متكبرون أو متعجرفون أو لأنهم يعشقون ربط
«الغوباشة»، ولكن أحيانا فقط لأن أسنان أغلبهم لا تصلح لعرضها أمام
الآخرين في «تفرنيسة» واسعة كلما التقت نظراتهم ببعضهم البعض. ولذلك تجد
أغلبهم يربي «موسطاشا» كثيفا لكي يغطي به على الواجهة الأمامية الخربة
لأسنانه «المهرمشة».
وحسب آخر دراسة لوزارة الصحة، فإن أسنان الفئة العمرية المتراوحة ما بين 35 و44 عاما من المغاربة تصل نسبة التسوس فيها
إلى 97.7 % بمعدل 12.72 % من الأسنان المسوسة لكل فرد. وإذا كان المغاربة متساوين في شيء، ففي السوسة.
ولهذا، فقبل أن تدعو وزارة السياحة المواطنين إلى الابتسام في وجه
السياح وتخصص لمهرجان «التفرنيس» بأكادير مبلغ 550 ألف درهم، كان عليها أن
تضع يدها في يد وزارة الصحة ثم تضعا يديهما معا في جيب وزير المالية لكي
يقوموا جميعا بحملة مجانية لتقويم أسنان المغاربة والقضاء على السوسة. ولو
أن السوسة الحقيقية التي يعاني منها المغاربة توجد في مكان آخر غير
الأسنان.
وما لا تريد أن تفهمه الحكومة هو أن شعبا يعاني من تسوس الأسنان
وتواجه أغلبيته خطر تساقطها، بغض النظر عن الذين يسقطونها لهم أمام مبنى
البرلمان، هو شعب مكلف من الناحية الصحية. فمشاكل الأسنان التي تظهر لأول
وهلة سطحية وبسيطة يمكن أن تتسبب في مشاكل وخيمة على القلب والجهاز الهضمي
ترفع الطلب على الخدمات الصحية العمومية، وبالتالي تضاعف ميزانية وزارة
الصحة.
وإلى حدود اليوم، هناك أربعة آلاف طبيب أسنان تابعين لوزارة الصحة،
في مقابل عشرة آلاف «صانع أسنان» تابعين لوزارة الصناعة التقليدية. وبسبب
ارتفاع تكاليف العلاج، فإن الأغلبية الساحقة من المغاربة يفضلون «تصاويب
الفم» في ورشات «ميكانيسيانات» الأسنان المنتشرين في كل الحومات، والذين
يفصلون «الفام» مثلما يفصل الصانع التقليدي «الشرابل»، فكلاهما يمارس حرفة
تدخل في إطار الصناعة التقليدية التي يشرف عليها ولد بركان الوزير أنيس
بيرو.
وليس خافيا على أحد أن كثيرا من «صانعي الأسنان» هؤلاء لا يحترمون
الشروط الصحية في ما يخص الأدوات التي يشتغلون بها في أفواه عباد الله.
وهكذا تصبح هذه الورشات منجما لنقل الأمراض المعدية والفيروسات القاتلة
لكل تلك الآلاف من المواطنين الفقراء الذين يسلمون أفواههم لهؤلاء الصناع
التقليديين.
ولعل هذا ما يفسر كون ثلاثة في المائة من المغاربة يحملون فيروس
الالتهاب الكبدي الوبائي من نوعي باء وسين. وهي نسبة مخيفة ترجع بالأساس
إلى عدم تشديد المراقبة على مهن تقليدية لها علاقة بتلوث الدم، كصناعة
الأسنان والحجامة والحلاقة وتختين الأطفال بأدوات غير معقمة.
هذه هي الحملة الحقيقية التي يجب على وزارة الصحة القيام بها
للمساهمة، إلى جانب وزارة السياحة، في تشجيع قدوم السياح إلى المغرب. لأن
أحد أسباب إحجام السياح عن اختيار المغرب كوجهة سياحية هو النسب المقلقة
لانتشار الأمراض المعدية والقاتلة. وهناك أكثر من دولة تضع المغرب ضمن
قائمة الدول الخطرة وغير الآمنة صحيا وتنصح مواطنيها بتجنب الذهاب إليها
حرصا على سلامتهم.
«بقات فالتفرنيس».
المساء
«فياخويوسا» بنواحي «أليكانتي» الإسبانية. كنت قد قرأت إعلانا في الجريدة
لشركة فرنسية للبيع عبر الهاتف تطلب مستخدمين يجيدون الحديث بالفرنسية.
طبعا، لم أنجح في الحصول على وظيفة معهم لأنهم لم يكونوا يقبلون تشغيل
المهاجرين السريين. لكن ما علق بذاكرتي وأنا جالس في قاعة الانتظار، هو
ملصق كبير مكتوبة عليه القاعدة الذهبية للعمل في تلك الشركة «ابتسم في
الهاتف».
عندما سألت أحدهم كيف سيعرف المواطن الذي يوجد في الطرف الآخر من
الخط أنك تبتسم أو تكشر عن أنيابك، قال لي إن الابتسامة تجعل الحديث عبر
الهاتف أكثر حميمية وإقناعا.
تذكرت هذا الإعلان وأنا أقرأ إعلانا آخر قبل يومين حول مهرجان ينظمه المجلس الجهوي للسياحة بأكادير تحت شعار «أكادير أرض الابتسامة».
فوزارة السياحة لديها قناعة بأن المواطنين الذين يعيشون في مدينة
سياحية مثل أكادير يمكنهم أن يساهموا بابتساماتهم في تشجيع السياح على
المجيء إلى مدينتهم. ولذلك أعطى مندوب السياحة في أكادير الانطلاقة لهذا
المهرجان من مطار المسيرة باستقبال السياح بابتسامات واسعة. مع أن الأنسب
كان سيكون هو استقبال هؤلاء السياح بكمامات فوق الفم والأنف كما تنص على
ذلك تحذيرات منظمة الصحة العالمية، خصوصا بعد وصول مرض أنفلونزا الخنازير
إلى مرحلة الوباء العالمي، وظهور ثماني إصابات في المغرب، كلها خرجت من
بوابات المطارات.
ولم تقف مندوبية السياحة عند هذا الحد، بل نظمت موائد مستديرة حول
موضوع «العلاج بالابتسامة»، كما ستنظم مسابقة لاختيار الشركة السياحية
الأكثر «تفرنيسا» مع تخصيص جائزة لصاحب أو صاحبة «التفرنيسة» الأكثر
جمالا.
وقد دعا المجلس الجهوي للسياحة جميع القطاعات التي لها علاقة
بالسياحة إلى الانخراط في الدورة الثانية من مهرجان «التفرنيس» للقضاء على
«التغوبيش» السياحي الذي ضرب فنادق المدينة بسبب الأزمة العالمية.
وقد استجاب الناشطون في القطاع السياحي بالمدينة لدعوة المنظمين،
بما فيهم جمعيات سائقي سيارات الأجرة، إلا جمعية واحدة لهؤلاء السائقين
ظلت متشبثة بربط «الغوباشة» وعدم الانخراط في مهرجان «التفرنيس». فأغلبهم
«طالع ليه الدم» بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، ومنهم من لم ترتسم الابتسامة
على وجهه منذ مدة، خصوصا أولئك الذين يشتغلون طيلة النهار لكي يجمعوا
«الروصيطة» لأصحاب «الكريمة» الجالسين في بيوتهم.
فكرة المجلس الجهوي للسياحة ليست جديدة. فقد سبقته إليها دول أخرى،
كمصر والصين، هذه الأخيرة التي جندت متطوعين لحث مواطنيها على «التفرنيس»
حتى تظهر مدينة «شنغهاي» في أفضل صورها أمام ضيوفها خلال المعرض العالمي
الذي ستحتضنه سنة 2010.
فقد اكتشفت الصين بعد نشر دراسة لإحدى شركات العلكة أن اثنين في
المائة فقط من الصينيين يبتسمون في وجه الغرباء. ونحن في أمس الحاجة اليوم
إلى دراسة مماثلة تقوم بها شركة «المسكة» التي يشارك عادل الدويري، وزير
السياحة السابق، في رأسمالها، لكي يعرف بوسعيد، وزير السياحة الحالي، عدد
المغاربة الذين يعانون من صعوبات في «التفرنيس» للسياح.
والواقع أننا نحن المغاربة ليست لدينا صعوبات في الابتسام في وجوه
السياح فقط، وإنما لدينا صعوبات حتى في الابتسام في وجوه بعضنا البعض.
وأحيانا تفاجأ بشخص لا تعرفه وليس بينك وبينه عداوة ينظر إليك بغضب مقوسا
حاجبيه كما لو أنك قتلت له أحد أفراد أسرته. وكم مرة تدخل قاعة انتظار أو
مصعدا وتلقي التحية فيردون عليك جميعا بنظرات «فشي شكل»، وكأنهم يقولون لك
«هاداك السلام ديالك غير زيدو فيك».
وعندما تتعمق في أصل المشكل، تجد أن المغاربة لا يبتسمون في وجوه
بعضهم البعض، ليس لأنهم متكبرون أو متعجرفون أو لأنهم يعشقون ربط
«الغوباشة»، ولكن أحيانا فقط لأن أسنان أغلبهم لا تصلح لعرضها أمام
الآخرين في «تفرنيسة» واسعة كلما التقت نظراتهم ببعضهم البعض. ولذلك تجد
أغلبهم يربي «موسطاشا» كثيفا لكي يغطي به على الواجهة الأمامية الخربة
لأسنانه «المهرمشة».
وحسب آخر دراسة لوزارة الصحة، فإن أسنان الفئة العمرية المتراوحة ما بين 35 و44 عاما من المغاربة تصل نسبة التسوس فيها
إلى 97.7 % بمعدل 12.72 % من الأسنان المسوسة لكل فرد. وإذا كان المغاربة متساوين في شيء، ففي السوسة.
ولهذا، فقبل أن تدعو وزارة السياحة المواطنين إلى الابتسام في وجه
السياح وتخصص لمهرجان «التفرنيس» بأكادير مبلغ 550 ألف درهم، كان عليها أن
تضع يدها في يد وزارة الصحة ثم تضعا يديهما معا في جيب وزير المالية لكي
يقوموا جميعا بحملة مجانية لتقويم أسنان المغاربة والقضاء على السوسة. ولو
أن السوسة الحقيقية التي يعاني منها المغاربة توجد في مكان آخر غير
الأسنان.
وما لا تريد أن تفهمه الحكومة هو أن شعبا يعاني من تسوس الأسنان
وتواجه أغلبيته خطر تساقطها، بغض النظر عن الذين يسقطونها لهم أمام مبنى
البرلمان، هو شعب مكلف من الناحية الصحية. فمشاكل الأسنان التي تظهر لأول
وهلة سطحية وبسيطة يمكن أن تتسبب في مشاكل وخيمة على القلب والجهاز الهضمي
ترفع الطلب على الخدمات الصحية العمومية، وبالتالي تضاعف ميزانية وزارة
الصحة.
وإلى حدود اليوم، هناك أربعة آلاف طبيب أسنان تابعين لوزارة الصحة،
في مقابل عشرة آلاف «صانع أسنان» تابعين لوزارة الصناعة التقليدية. وبسبب
ارتفاع تكاليف العلاج، فإن الأغلبية الساحقة من المغاربة يفضلون «تصاويب
الفم» في ورشات «ميكانيسيانات» الأسنان المنتشرين في كل الحومات، والذين
يفصلون «الفام» مثلما يفصل الصانع التقليدي «الشرابل»، فكلاهما يمارس حرفة
تدخل في إطار الصناعة التقليدية التي يشرف عليها ولد بركان الوزير أنيس
بيرو.
وليس خافيا على أحد أن كثيرا من «صانعي الأسنان» هؤلاء لا يحترمون
الشروط الصحية في ما يخص الأدوات التي يشتغلون بها في أفواه عباد الله.
وهكذا تصبح هذه الورشات منجما لنقل الأمراض المعدية والفيروسات القاتلة
لكل تلك الآلاف من المواطنين الفقراء الذين يسلمون أفواههم لهؤلاء الصناع
التقليديين.
ولعل هذا ما يفسر كون ثلاثة في المائة من المغاربة يحملون فيروس
الالتهاب الكبدي الوبائي من نوعي باء وسين. وهي نسبة مخيفة ترجع بالأساس
إلى عدم تشديد المراقبة على مهن تقليدية لها علاقة بتلوث الدم، كصناعة
الأسنان والحجامة والحلاقة وتختين الأطفال بأدوات غير معقمة.
هذه هي الحملة الحقيقية التي يجب على وزارة الصحة القيام بها
للمساهمة، إلى جانب وزارة السياحة، في تشجيع قدوم السياح إلى المغرب. لأن
أحد أسباب إحجام السياح عن اختيار المغرب كوجهة سياحية هو النسب المقلقة
لانتشار الأمراض المعدية والقاتلة. وهناك أكثر من دولة تضع المغرب ضمن
قائمة الدول الخطرة وغير الآمنة صحيا وتنصح مواطنيها بتجنب الذهاب إليها
حرصا على سلامتهم.
«بقات فالتفرنيس».
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
جدول الضرب / رشيد نيني
أثارت انتباهي دراسة نشرت قبل مدة تتعرض لتعامل الأزواج المغاربة مع زوجاتهم. وكنت، قبل الاطلاع على هذه الدراسة، أعتقد أننا نحن الرجال المغاربة نعامل زوجاتنا بلطف، وأننا، من فرط ما ضربنا الأخماس في الأسداس حسرة على حالنا، لم تعد لدينا القدرة على رفع أيدينا لضرب زوجاتنا.
ومن الأفضل للبنات اللواتي يفكرن في الزواج أن يلقين نظرة متفحصة على هذه الدراسة قبل أن يقررن الاقتران برجل مغربي. فربما يقررن -بعد قراءة الأرقام التي أوردها التقرير حول النسب المائوية للرجال المغاربة الذين يضربون زوجاتهم، والذي أنجزته إحدى مراكز الاستماع ضحايا العنف، البقاء عازبات على أن يقضين حياتهن الزوجية يبادلن رجالهن الحب، بينما هم نبادلنهن الحب باللكمات.
والواقع أن الرجل المغربي معذور في ما يقوم به مع زوجته، فهو يقضي عمره كله مضروبا، يضربه أبواه وهو طفل ويجبرانه على الأكل بحجة أنهما يريدانه أن يكبر بسرعة، وعندما يأكل يضربانه لكي يتأدب ويقفل فمه عند الأكل، وعندما يكبر ويشاهد الآخرين يأكلون رزقه يغضب، فيضربونه من جديد ليبتلع لسانه ويمضغ كرامته بفم مغلق.
يضربونه في الجامعة وهو طالب، وعندما يتخرج ويطالب بشغل يضربونه وهو عاطل. وحتى عندما يحصل على عمل يحصل عليه بضربة حظ.
إذ ليس هناك رجل مغربي لم يضرب في حياته. فمن لم يضربه أبوه بالحزام الجلدي ضربه المعلم بالمسطرة الحديدية، ومن لم يضربه المعلم ضربه الشرطي بحذائه، ومن لم يضربه كل هؤلاء لا بد أن يكون قد ضربه حمار الليل على الأقل !
وحتى أبناء الذوات، الذين يولدون وفي أفواههم ملاعق من ذهب ولم يحدث أن مد عليهم أحد يده في البيت أو في المدرسة أو في الشارع، فكثير منهم يضربهم الله.
لذلك، فالرجل المغربي المسكين بمجرد ما يتزوج يوفر واجب الانخراط الشهري في نوادي فنون الحرب، ويبقي على اشتراكه اليومي في النوادي الأخرى، ويتفرغ لتمرين عضلاته مع زوجته بين عراك وآخر، منتقما لنفسه من ذلك الرصيد التاريخي من الضرب الذي أكله طوال حياته السابقة.
والواقع أنه لا يجب أخذ التقارير الذي تنشر حول ضرب الأزواج لزوجاتهم كما لو كانت وحيا منزلا، فليس كل الرجال يحبون سلخ زوجاتهم هكذا لوجه الله. لأن هناك بعض الزوجات اللواتي يدفعن رجالهن إلى سلخهن، ولا يرتحن إلا عندما يفرجن بافتخار جاراتهن في الحمام على البقع الزرقاء التي تطبع أطرافهن أو تحيط بإحدى أعينهن المغلقة !
والعيب الوحيد في مثل هذه التقرير، في نظري، هو أنها تغفل إعطاء أرقام تتعلق بمعشر الرجال الذين تضربهم زوجاتهم، وهم في المغرب كثر، بلا شك.
أعرف وزيرا سابقا كان، عندما يدرك أن أعصاب زوجته متوترة، يذهب إلى أقرب فندق ليقضي ليلته هناك بعيدا عن شبشب زوجته. وأعرف روائيا مشهورا يحفظ عدد أدراج العمارة التي يقطن بها أكثر مما يحفظ عناوين رواياته، لأن زوجته «كركبته» عبرها أكثر من مرة كلما عاد مخمورا في آخر الليل!
هذا دون أن أتحدث عن بعض زعمائنا السياسيين الذين يتجنبون إحضار زوجاتهم في الحفلات والمناسبات خوفا من أن يغرهن الشيطان ويتحولن، في نهاية السهرة، إلى ملاكمات من الوزن الثقيل.
وإذا كانت لدى النساء مراكز استماع ومكاتب للنجدة، فإن الرجال المساكين ليس أمامهم إذا أرادوا إسماع شكاواهم غير رفع أكفهم إلى الله، وإذا أرادوا النجدة من زوجات بعضهم السمينات فليس لهم سوى سيقانهم ليطلقوها للريح.
ولا يجب أن ننخدع بالمظاهر، فكم من رجل تراه في الشارع يمشي فتخلطه بعنترة بن شداد العبسي، وعندما يدخل إلى العمل يزرع الرعب في موظفيه، لكنه عندما يدخل إلى بيته ويقف أمام زوجته يتحول إلى فأر مذعور ينتظر فقط أن يطلع النهار ليغادر قفص الزوجيّة.
وقد كنت دائما مقتنعا بأن كل الرجال الذين يعطون أنفسهم مظهرا صارما فوق العادة خارج البيت وفي العمل، يختفي خلف ملامحهم الجامدة رجل خائف ومرعوب تُرهِبه زوجته وتضربه بالشربيل.
أنظروا جيدا في عيون رؤسائكم المتسلطين في الوزارات والمؤسسات العمومية، وسترون داخلها زوجاتهم السمينات واقفات وفي أيديهن «مدلك».
ومع أنني أعرف سلفا أن قراءتي لتقارير مراكز نجدة النساء ضحايا العنف لن تروق للنساء اللواتي يشرفن على المراكز، إلا أنني لا أستطيع مقاومة إغراء مشاطرتهن رأيي فيها.
والجميل في هذه التقارير أنها تكشف أن الرجل المغربي لا يميز بين ربة البيت الأمية وبين الطبيبة المتعلمة، فعندما يتعلق الأمر بالضرب تتساوى كل النساء مثل أسنان المشط. وربما ليس هناك نشاط آخر تتساوى فيه المرأة المغربية، سواء كانت جاهلة أو متعلمة، فقيرة أو ثرية، شابة أو ناضجة، غير الضرب. وهنا، يقدم الرجل المغربي مثالا واضحا على حس المساواة والعدالة، عكس الرجل الغربي الذي كلما نشب بينه وبين زوجته خلاف وجه رصاصة إلى صدغه أو رمى نفسه من قنطرة عالية.
وتكشف التقارير أن النسبة العالية من الرجال الذين يضربون زوجاتهم يعملون بسلك الشرطة والجندية والدرك الملكي. وهذا طبيعي، في نظري، فالشرطي يعود إلى البيت متعبا وبسبب ساعات العمل الطويلة يحدث له إرهاق ويخلط البيت بالكوميسارية ويخلط زوجته بإحدى المعتقلات ويبدأ الضرب والجرح !
أما الجندي فهو معذور لأن راتبه لا يكفي لتلبية طلبات زوجته، فيضطر غالبا إلى تلبية هذه الطلبات بعضلاته، فيما الدركي تعود على انتزاع الاعترافات بالقوة، وكلما استنطق زوجته عن الأماكن التي ذهبت إليها في غيابه ولاحظ تناقضات في اعترافاتها لجأ إلى وسائل التعذيب المعروفة. وغالبا ما ينجح هو في انتزاع اعتراف صغير، وغالبا ما تنجح هي في انتزاع ورقة الطلاق!
بعد هؤلاء، يأتي العمال والموظفون في المرتبة الثانية في التقارير. وأعتقد أن وتيرة الضرب عند هذه الشريحة الاجتماعية ترتفع، خصوصا في نهاية الشهر، عندما يبدأ الرجال في الدخول إلى البيت في ساعة متأخرة لكي يجدوا زوجاتهم غارقات في النوم حتى يتجنبوا سماع لائحة مطالبهن. لكن تسعة في المائة من هؤلاء النساء يبقين يقظات في انتظار أزواجهن، ويا ليتهن ينمن ويعفين مراكز النجدة من سماع استغاثاتهن !
في المرتبة الثالثة، وبنسبة ستة في المائة، نجد المهاجرين، فهؤلاء بسبب غيابهم المستمر عن بيت الزوجية يوفرون ضرباتهم إلى حين عودتهم إلى المغرب في الصيف. وعندما يصلون يجدون زوجاتهم في انتظارهم ويسددون ديونهم كاملة . وأحيانا يسددون حتى الفوائد المتأخرة!
في المرتبة الرابعة، وبنسبة خمسة ونصف في المائة، نجد المتقاعدين. والحقيقة أن هذه الشريحة الاجتماعية لا يجب مؤاخذتها على ما تفعله. فكلنا يعرف أن الزوجين عندما يكبران في السن ويبقيان لوحدهما في البيت، الشيطان نفسه لن يستطيع تحملهما!
لذلك، فالرجال المتقاعدون يلجؤون إلى ضرب زوجاتهم فقط لتزجية الوقت وتحريك مفاصلهم التي يتهددها الروماتيزم.
أما رجال التعليم، فيجب أن يحرروا رسالة شكر إلى محرري هذه التقارير لأنهم وضعوهم في أسفل الترتيب مع الأطباء والصيادلة والمحامين، وهي الشريحة الاجتماعية التي يضرب فيها الرجال زوجاتهم بنسبة أقل.
وطبعا، فالمعلمون والأساتذة في زمننا لم يكونوا بحاجة إلى ضرب زوجاتهم لأنهم كانوا يقضون السنة الدراسية في ضربنا نحن لنجتهد وننجح، وكم من تلميذ أكل من الفلقة ما لو وزع على كل تلاميذ المدارس اليوم لكفاهم، وفي الأخير كره الدراسة والمعلم والعالم بأسره!
وإذا كان رجال التعليم غير مضطرين إلى ضرب زوجاتهم بسبب الاكتفاء الذاتي في القسم، فإن الأطباء والصيادلة لا يضربون زوجاتهم لأن لديهم فكرة عن أثمنان الأدوية وتكاليف العلاج، فيما المحامون فيعرفون القانون جيدا، ويعرفون كيف يخرجون أنفسهم كالشعرة من العجين بالقانون وبلا حاجة إلى ضرب...
ومن الأفضل للبنات اللواتي يفكرن في الزواج أن يلقين نظرة متفحصة على هذه الدراسة قبل أن يقررن الاقتران برجل مغربي. فربما يقررن -بعد قراءة الأرقام التي أوردها التقرير حول النسب المائوية للرجال المغاربة الذين يضربون زوجاتهم، والذي أنجزته إحدى مراكز الاستماع ضحايا العنف، البقاء عازبات على أن يقضين حياتهن الزوجية يبادلن رجالهن الحب، بينما هم نبادلنهن الحب باللكمات.
والواقع أن الرجل المغربي معذور في ما يقوم به مع زوجته، فهو يقضي عمره كله مضروبا، يضربه أبواه وهو طفل ويجبرانه على الأكل بحجة أنهما يريدانه أن يكبر بسرعة، وعندما يأكل يضربانه لكي يتأدب ويقفل فمه عند الأكل، وعندما يكبر ويشاهد الآخرين يأكلون رزقه يغضب، فيضربونه من جديد ليبتلع لسانه ويمضغ كرامته بفم مغلق.
يضربونه في الجامعة وهو طالب، وعندما يتخرج ويطالب بشغل يضربونه وهو عاطل. وحتى عندما يحصل على عمل يحصل عليه بضربة حظ.
إذ ليس هناك رجل مغربي لم يضرب في حياته. فمن لم يضربه أبوه بالحزام الجلدي ضربه المعلم بالمسطرة الحديدية، ومن لم يضربه المعلم ضربه الشرطي بحذائه، ومن لم يضربه كل هؤلاء لا بد أن يكون قد ضربه حمار الليل على الأقل !
وحتى أبناء الذوات، الذين يولدون وفي أفواههم ملاعق من ذهب ولم يحدث أن مد عليهم أحد يده في البيت أو في المدرسة أو في الشارع، فكثير منهم يضربهم الله.
لذلك، فالرجل المغربي المسكين بمجرد ما يتزوج يوفر واجب الانخراط الشهري في نوادي فنون الحرب، ويبقي على اشتراكه اليومي في النوادي الأخرى، ويتفرغ لتمرين عضلاته مع زوجته بين عراك وآخر، منتقما لنفسه من ذلك الرصيد التاريخي من الضرب الذي أكله طوال حياته السابقة.
والواقع أنه لا يجب أخذ التقارير الذي تنشر حول ضرب الأزواج لزوجاتهم كما لو كانت وحيا منزلا، فليس كل الرجال يحبون سلخ زوجاتهم هكذا لوجه الله. لأن هناك بعض الزوجات اللواتي يدفعن رجالهن إلى سلخهن، ولا يرتحن إلا عندما يفرجن بافتخار جاراتهن في الحمام على البقع الزرقاء التي تطبع أطرافهن أو تحيط بإحدى أعينهن المغلقة !
والعيب الوحيد في مثل هذه التقرير، في نظري، هو أنها تغفل إعطاء أرقام تتعلق بمعشر الرجال الذين تضربهم زوجاتهم، وهم في المغرب كثر، بلا شك.
أعرف وزيرا سابقا كان، عندما يدرك أن أعصاب زوجته متوترة، يذهب إلى أقرب فندق ليقضي ليلته هناك بعيدا عن شبشب زوجته. وأعرف روائيا مشهورا يحفظ عدد أدراج العمارة التي يقطن بها أكثر مما يحفظ عناوين رواياته، لأن زوجته «كركبته» عبرها أكثر من مرة كلما عاد مخمورا في آخر الليل!
هذا دون أن أتحدث عن بعض زعمائنا السياسيين الذين يتجنبون إحضار زوجاتهم في الحفلات والمناسبات خوفا من أن يغرهن الشيطان ويتحولن، في نهاية السهرة، إلى ملاكمات من الوزن الثقيل.
وإذا كانت لدى النساء مراكز استماع ومكاتب للنجدة، فإن الرجال المساكين ليس أمامهم إذا أرادوا إسماع شكاواهم غير رفع أكفهم إلى الله، وإذا أرادوا النجدة من زوجات بعضهم السمينات فليس لهم سوى سيقانهم ليطلقوها للريح.
ولا يجب أن ننخدع بالمظاهر، فكم من رجل تراه في الشارع يمشي فتخلطه بعنترة بن شداد العبسي، وعندما يدخل إلى العمل يزرع الرعب في موظفيه، لكنه عندما يدخل إلى بيته ويقف أمام زوجته يتحول إلى فأر مذعور ينتظر فقط أن يطلع النهار ليغادر قفص الزوجيّة.
وقد كنت دائما مقتنعا بأن كل الرجال الذين يعطون أنفسهم مظهرا صارما فوق العادة خارج البيت وفي العمل، يختفي خلف ملامحهم الجامدة رجل خائف ومرعوب تُرهِبه زوجته وتضربه بالشربيل.
أنظروا جيدا في عيون رؤسائكم المتسلطين في الوزارات والمؤسسات العمومية، وسترون داخلها زوجاتهم السمينات واقفات وفي أيديهن «مدلك».
ومع أنني أعرف سلفا أن قراءتي لتقارير مراكز نجدة النساء ضحايا العنف لن تروق للنساء اللواتي يشرفن على المراكز، إلا أنني لا أستطيع مقاومة إغراء مشاطرتهن رأيي فيها.
والجميل في هذه التقارير أنها تكشف أن الرجل المغربي لا يميز بين ربة البيت الأمية وبين الطبيبة المتعلمة، فعندما يتعلق الأمر بالضرب تتساوى كل النساء مثل أسنان المشط. وربما ليس هناك نشاط آخر تتساوى فيه المرأة المغربية، سواء كانت جاهلة أو متعلمة، فقيرة أو ثرية، شابة أو ناضجة، غير الضرب. وهنا، يقدم الرجل المغربي مثالا واضحا على حس المساواة والعدالة، عكس الرجل الغربي الذي كلما نشب بينه وبين زوجته خلاف وجه رصاصة إلى صدغه أو رمى نفسه من قنطرة عالية.
وتكشف التقارير أن النسبة العالية من الرجال الذين يضربون زوجاتهم يعملون بسلك الشرطة والجندية والدرك الملكي. وهذا طبيعي، في نظري، فالشرطي يعود إلى البيت متعبا وبسبب ساعات العمل الطويلة يحدث له إرهاق ويخلط البيت بالكوميسارية ويخلط زوجته بإحدى المعتقلات ويبدأ الضرب والجرح !
أما الجندي فهو معذور لأن راتبه لا يكفي لتلبية طلبات زوجته، فيضطر غالبا إلى تلبية هذه الطلبات بعضلاته، فيما الدركي تعود على انتزاع الاعترافات بالقوة، وكلما استنطق زوجته عن الأماكن التي ذهبت إليها في غيابه ولاحظ تناقضات في اعترافاتها لجأ إلى وسائل التعذيب المعروفة. وغالبا ما ينجح هو في انتزاع اعتراف صغير، وغالبا ما تنجح هي في انتزاع ورقة الطلاق!
بعد هؤلاء، يأتي العمال والموظفون في المرتبة الثانية في التقارير. وأعتقد أن وتيرة الضرب عند هذه الشريحة الاجتماعية ترتفع، خصوصا في نهاية الشهر، عندما يبدأ الرجال في الدخول إلى البيت في ساعة متأخرة لكي يجدوا زوجاتهم غارقات في النوم حتى يتجنبوا سماع لائحة مطالبهن. لكن تسعة في المائة من هؤلاء النساء يبقين يقظات في انتظار أزواجهن، ويا ليتهن ينمن ويعفين مراكز النجدة من سماع استغاثاتهن !
في المرتبة الثالثة، وبنسبة ستة في المائة، نجد المهاجرين، فهؤلاء بسبب غيابهم المستمر عن بيت الزوجية يوفرون ضرباتهم إلى حين عودتهم إلى المغرب في الصيف. وعندما يصلون يجدون زوجاتهم في انتظارهم ويسددون ديونهم كاملة . وأحيانا يسددون حتى الفوائد المتأخرة!
في المرتبة الرابعة، وبنسبة خمسة ونصف في المائة، نجد المتقاعدين. والحقيقة أن هذه الشريحة الاجتماعية لا يجب مؤاخذتها على ما تفعله. فكلنا يعرف أن الزوجين عندما يكبران في السن ويبقيان لوحدهما في البيت، الشيطان نفسه لن يستطيع تحملهما!
لذلك، فالرجال المتقاعدون يلجؤون إلى ضرب زوجاتهم فقط لتزجية الوقت وتحريك مفاصلهم التي يتهددها الروماتيزم.
أما رجال التعليم، فيجب أن يحرروا رسالة شكر إلى محرري هذه التقارير لأنهم وضعوهم في أسفل الترتيب مع الأطباء والصيادلة والمحامين، وهي الشريحة الاجتماعية التي يضرب فيها الرجال زوجاتهم بنسبة أقل.
وطبعا، فالمعلمون والأساتذة في زمننا لم يكونوا بحاجة إلى ضرب زوجاتهم لأنهم كانوا يقضون السنة الدراسية في ضربنا نحن لنجتهد وننجح، وكم من تلميذ أكل من الفلقة ما لو وزع على كل تلاميذ المدارس اليوم لكفاهم، وفي الأخير كره الدراسة والمعلم والعالم بأسره!
وإذا كان رجال التعليم غير مضطرين إلى ضرب زوجاتهم بسبب الاكتفاء الذاتي في القسم، فإن الأطباء والصيادلة لا يضربون زوجاتهم لأن لديهم فكرة عن أثمنان الأدوية وتكاليف العلاج، فيما المحامون فيعرفون القانون جيدا، ويعرفون كيف يخرجون أنفسهم كالشعرة من العجين بالقانون وبلا حاجة إلى ضرب...
المساء المغربية
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: شوف تشوف
الســـــــــــــــلام عليكــــــم ورحمة الله تعـــــالــى وبــركــــــــاته
هادشي كاين أسي رشيد نيني ولكن نسيت مهدرتيش لنا على الناس ديال الصحافة كيفاش كيتعاملو مع زوجات ديالهم، غير ﯖول ما تحشمش يكما
نتوما اللي كتكلوالعصا يوميا ومقدرتيش ﺘﯖولها
هادشي كاين أسي رشيد نيني ولكن نسيت مهدرتيش لنا على الناس ديال الصحافة كيفاش كيتعاملو مع زوجات ديالهم، غير ﯖول ما تحشمش يكما
نتوما اللي كتكلوالعصا يوميا ومقدرتيش ﺘﯖولها
الترويج فيه وفيه /رشيد نيني
هذه الأيام، يتحدث الجميع في المغرب حول «الترويج». فالشامي، وزير الصناعة
والتجارة والتكنولوجيا، لا يكف عن الحديث عن برنامج «رواج» لعصرنة القطاع
التجاري في أفق 2020، أما مدير المركز السينمائي المغربي الذي صرف مليارين
و790 مليون سنتيم في ميزانية 2008، فقد برر عجزه، المالي طبعا، بكونه صرف
من الميزانية مليارين و150 مليون على «الترويج». وكمثال على هذه
«الترويجة» نجد أن مبلغ 200 مليون سنتيم صرفه مدير المركز السينمائي
المغربي على مهرجان «كان» السينمائي الفرنسي في إطار «الترويج».
حكاية «الترويج» ليست جديدة، فقد كان أول من اخترعها هو وزير
الثقافة السابق محمد الأشعري، عندما خصص ميزانية للفرق المسرحية سماها
ميزانية «الترويج»، قبل أن يكتشف أن بعض مدراء الفرق المسرحية كانوا
يتسلمون ميزانية «الترويج» لكي ينفقوها في بارات المملكة على جلسات
«الروج».
فكانت فكرة ميزانية «الترويج» بمثابة رصاصة الرحمة التي قتلت المسرح
في المغرب، بسبب تعويل الفرق المسرحية على ميزانية الوزارة عوض الاعتماد
على جيب الجمهور كما تصنع كل الفرق المسرحية في العالم.
وبعد «ترويج» وزير الثقافة السابق للمسرح، وقتله، هاهي وزيرة الثقافة
الحالية تخترع ميزانية لدعم وترويج الأغنية المغربية. والكارثة أن كل
ميزانيات الترويج هذه تخرج من جيوب دافعي الضرائب.
والحال أن الفنانين في كل بلدان العالم لا يعيشون بفضل دعم الدولة
لهم وإنما بفضل دعم الجمهور لأعمالهم. والفنان الذي لا يستطيع أن ينتج فنا
يقدر على الصمود والبقاء والمنافسة فما عليه سوى أن ينسحب ويغير مهنته.
لكن للأسف، عندنا نحن في المغرب الجميع يريد أن يعيش على ظهر دافعي
الضرائب، وكل من فشل في المسرح أو السينما أو الغناء ولم يستطع العيش على
عائدات أعماله الفنية، كما يصنع كل الفنانين في العالم، يبدأ في البكاء
والشكوى مطالبا بنصيبه من الدعم وميزانيات «الترويج» المقتطعة من ميزانية
الدولة.
وهكذا أصبح جل المسرحيين والسينمائيين والمغنين المغاربة يحترفون فن
«كور وعطي لعور»، لأنهم يعرفون سلفا أن حكم الجمهور ليس مهما مادامت
الدولة هي التي تمولهم وليس الجمهور. وهكذا انهار الذوق الفني وأصبح
الفنانون شبه موظفين «يقترفون» عملا فنيا كل سنة ويقدمونه إلى وزارة
الثقافة أو المركز السينمائي وينتظرون مواعيد توزيع ميزانيات الدعم
و«الترويج» عليهم.
لكن «الرواج» الحقيقي في المغرب ليس «رواج» وزير الصناعة والتجارة أو
«رواج» نور الدين الصايل، وإنما هو الرواج الكبير الذي تعرفه منتجات شركات
«الروج» في المغرب. فقد وصلت مبيعات هذه الشركات خلال سنة 2008 إلى حوالي
38 مليون «قرعة» من «الروج». أما «البيرة» فحدث ولا حرج، فقد باعت شركة
«براسري دي ماروك» خلال سنة واحدة 400 مليون ما بين «قرعة» و«كانيط». أما
«الويسكي» و«الفودكا» فقد شرب منهما المغاربة حوالي مليونين ونصف «قرعة».
وحسب العارفين بهذا الميدان فالسبب الرئيسي الذي جعل مبيعات
«الفودكا» تتحسن في المغرب هو إقبال المزيد من النساء والشباب على هذا
المشروب في السنوات الأخيرة. وحسب إحصائيات المندوب السامي للتخطيط، الذي
أدخل «الويسكي» ضمن 500 مادة يستهلكها المغاربة المتوسطين من أجل ضبط
مؤشرات معدل الاستهلاك، فالويسكي تنتظره أيام زاهرة في المغرب.
أما «الشامبانيا» التي تساوي كل قنينة منها ألفي درهم، أي معدل دخل
الطبقة الوسطى في المغرب كل شهر، فيفتح منها المغاربة 140 ألف قنينة
سنويا، بمعنى أن المغاربة يشربون في السنة الواحدة ما معدله 131 مليون لتر
من الخمور بكل أنواعها، بمعدل أربعة لترات فاصلة ثلاثة في السنة لكل
مواطن. وهي نسبة تفوق بكثير معدل الاستهلاك السنوي للمغاربة من الحليب.
والخطير في كل هذه الإحصائيات هو أن استهلاك الخمور في المغرب يرتفع
سنويا بمعدل يتراوح ما بين ثلاثة وستة في المائة، وهو معدل مخيف إذا
قارناه بنسبة تراجع استهلاك الخمور في الدول الأوربية، خصوصا في صفوف
الشباب والنساء.
ونحن هنا نتحدث عن «الترويج» حسب الأرقام الرسمية التي تعرف بها
الدولة، ويحصيها المندوب السامي للتخطيط. أما إذا أردنا أن نتحدث عن زبناء
«الكرابة» الذين يشترون الخمور المهربة التي تأتي من سبتة وتمر من تحت أنف
رجال «الديوانة» و«حساسبية» المندوبية السامية، فإننا بلا شك سنعثر على
رقم مهول يبعث على الرعب.
وهناك أيضا طبقة أخرى من المغاربة تستهلكها «الماحيا» التي يعصرها من
«الشريحة» متخصصون في المنازل ويبيعونها تحت المعاطف. ففي المغرب كل واحد
يسكر حسب إمكانياته. وإلى الآن، لازال هناك مغاربة يسكرون بقراعي «الريحة
مولات إطرو»، أو ما يسمونه «ريحة الشابو»، نظرا إلى مزاياها «المزنزنة».
وإذا كان القانون المغربي متساهلا مع شركات إنتاج الخمور، فإن هناك
اليوم في فرنسا وإسبانيا حملات شرسة ضد هذه الشركات، خصوصا تلك التي لا
تحترم قوانين الاستهلاك المشددة. كما أن هناك عقوبات صارمة تترصد الأسواق
الممتازة ومحلات بيع الخمور والملاهي والمطاعم إذا ما غامرت ببيع
المشروبات الروحية للقاصرين أو مستعملي الطريق.
والسبب هو أن كل الدول الغربية، العلمانية في أغلبها، اقتنعت بأن
استهلاك الخمور يتسبب في كوارث اجتماعية وصحية خطيرة، ولذلك شددت الخناق
على شركات إنتاج الخمور وأصبحت تفرض عليها دفع إعانات مالية سخية لمختبرات
البحث حول الأمراض السرطانية. مثلها مثل شركات التبغ بحكم مسؤولية هذه
الشركات المباشرة عن إصابة المواطنين بهذا المرض القاتل.
وحتى مرور إعلانات شركات الخمور في الإعلام يخضع لرقابة صارمة، وكل
شركة تريد نشر إعلان لخمورها ملزمة بالإشارة إلى كون مشروبها يمكن أن
يتسبب لمستهلكه في أمراض سرطانية، ولذلك تنصحه باستهلاكه باعتدال. عندنا
في المغرب، البلد المسلم الذي يمنع قانونه إشهار الخمور وبيعها للمسلمين،
تنشر المجلات المغربية كل أسبوع إعلانات ملونة للفودكا والويسكي و«الروج»
بدون أية إشارة إلى المخاطر الصحية التي يمكن أن تتسبب فيها هذه المشروبات
لمستهلكيها.
في أمريكا، هناك مطاعم وعلب ليلية وحانات في فلوريدا ونيويورك عندما
تريد جماعة من المواطنين دخولها يسألها حارس الباب عن الشخص الذي لن يشرب،
وعندما يدلونه عليه يضع في يده سوارا ملونا، ويكون هناك من يراقبه داخل
الحانة ويفاجئه بشم الكأس الذي يشرب فيه بحثا عن أثر للكحول. أما إذا أتيت
بمفردك لدخول واحدة من هذه الأماكن، فإن الحارس يضع في معصمك السوار
مباشرة، لأنك ستأخذ سيارتك عندما ستخرج، وإذا شربت فيمكن أن تتسبب في
حادثة سير، مما يعني أن صاحب المطعم أو الحانة سيتحمل معك نصيبا من
المسؤولية.
والشرطة الأمريكية هي أحسن من يطبق الحديث الشريف الذي يقول إن النية
أبلغ من العمل. والدليل على ذلك أن الشرطي الأمريكي إذا أوقف سيارتك ووجد
داخلها قنينة «بيرة» مفتوحة فإنه يعتقلك مباشرة ويقدمك أمام القاضي، لأن
مكان وضع الخمور في السيارة هو «الكوفر»، وإذا كنت تحتفظ بقنينة خمر
مفتوحة بجانبك فلأنك كنت تنوي شربها، وحتى لو لم تشربها فإن ذلك لا يعفيك
من «المينوط»، فالنية أبلغ من العمل. أما إذا ضبطك وقد شربت منها فإنه
يأخذك إلى الحبس «نيشان، ما فيها لا هادي لا هاديك».
أما عندنا، فلم نسمع يوما أن شركة «براسري دي ماروك» أو واحدة من
شركات «زنيبر» أو «هضاب الأطلس» أو «تولال» فكرت في المساهمة لصالح مراكز
العلاج المتخصصة في أمراض السرطان. مع أن هذه الشركات تتحمل المسؤولية
المباشرة عن ارتفاع حالات سرطان الكبد والجهاز الهضمي والحنجرة لدى
المغاربة.
الإعلام العمومي ضميره مرتاح من هذه الناحية، فحسب الرواية الرسمية
فكل هذه الملايين من اللترات يستهلكها السياح الأجانب وغير المسلمين. «على
هاد الحساب فتنا عشرة ملايين سائح شحال هادي».
أما في الإعلام المكتوب، فهناك خوف مزمن عند أغلب الصحافيين من
الاقتراب من هذا الموضوع خشية أن يخرج لهم من ينعتهم بالإسلاميين
و«الخوانجية».
وإلى حدود اليوم فالوحيدون الذين يثيرون هذا الموضوع في البرلمان هم
أعضاء فريق العدالة والتنمية، مع أن هذه النسبة المخيفة التي يستهلك بها
المغاربة الخمور والتي تتطور سنة بعد أخرى يجب أن تكون الشغل الشاغل لكل
الطبقة السياسية بمختلق توجهاتها، لأن الأمر يتعلق بالصحة العامة وليس فقط
بقضية دينية أو أخلاقية.
ارتفاع استهلاك الخمور سنويا بستة في المائة يجب أن يستنفر جميع
جمعيات مكافحة السرطان وأمراض السكري والكبد، لأن معركتها الحقيقية ليست
فقط ضمان التكفل بالمرضى، وإنما أيضا الحد من جبروت هذه الشركات المتوحشة
التي تغزو بمشروباتها البيوت والأزقة والأسواق التجارية، دون أن يكون هناك
من يوعي المغاربة بمخاطر هذا الغزو الصامت الذي يدمر حياتهم وحياة
أبنائهم.
والتجارة والتكنولوجيا، لا يكف عن الحديث عن برنامج «رواج» لعصرنة القطاع
التجاري في أفق 2020، أما مدير المركز السينمائي المغربي الذي صرف مليارين
و790 مليون سنتيم في ميزانية 2008، فقد برر عجزه، المالي طبعا، بكونه صرف
من الميزانية مليارين و150 مليون على «الترويج». وكمثال على هذه
«الترويجة» نجد أن مبلغ 200 مليون سنتيم صرفه مدير المركز السينمائي
المغربي على مهرجان «كان» السينمائي الفرنسي في إطار «الترويج».
حكاية «الترويج» ليست جديدة، فقد كان أول من اخترعها هو وزير
الثقافة السابق محمد الأشعري، عندما خصص ميزانية للفرق المسرحية سماها
ميزانية «الترويج»، قبل أن يكتشف أن بعض مدراء الفرق المسرحية كانوا
يتسلمون ميزانية «الترويج» لكي ينفقوها في بارات المملكة على جلسات
«الروج».
فكانت فكرة ميزانية «الترويج» بمثابة رصاصة الرحمة التي قتلت المسرح
في المغرب، بسبب تعويل الفرق المسرحية على ميزانية الوزارة عوض الاعتماد
على جيب الجمهور كما تصنع كل الفرق المسرحية في العالم.
وبعد «ترويج» وزير الثقافة السابق للمسرح، وقتله، هاهي وزيرة الثقافة
الحالية تخترع ميزانية لدعم وترويج الأغنية المغربية. والكارثة أن كل
ميزانيات الترويج هذه تخرج من جيوب دافعي الضرائب.
والحال أن الفنانين في كل بلدان العالم لا يعيشون بفضل دعم الدولة
لهم وإنما بفضل دعم الجمهور لأعمالهم. والفنان الذي لا يستطيع أن ينتج فنا
يقدر على الصمود والبقاء والمنافسة فما عليه سوى أن ينسحب ويغير مهنته.
لكن للأسف، عندنا نحن في المغرب الجميع يريد أن يعيش على ظهر دافعي
الضرائب، وكل من فشل في المسرح أو السينما أو الغناء ولم يستطع العيش على
عائدات أعماله الفنية، كما يصنع كل الفنانين في العالم، يبدأ في البكاء
والشكوى مطالبا بنصيبه من الدعم وميزانيات «الترويج» المقتطعة من ميزانية
الدولة.
وهكذا أصبح جل المسرحيين والسينمائيين والمغنين المغاربة يحترفون فن
«كور وعطي لعور»، لأنهم يعرفون سلفا أن حكم الجمهور ليس مهما مادامت
الدولة هي التي تمولهم وليس الجمهور. وهكذا انهار الذوق الفني وأصبح
الفنانون شبه موظفين «يقترفون» عملا فنيا كل سنة ويقدمونه إلى وزارة
الثقافة أو المركز السينمائي وينتظرون مواعيد توزيع ميزانيات الدعم
و«الترويج» عليهم.
لكن «الرواج» الحقيقي في المغرب ليس «رواج» وزير الصناعة والتجارة أو
«رواج» نور الدين الصايل، وإنما هو الرواج الكبير الذي تعرفه منتجات شركات
«الروج» في المغرب. فقد وصلت مبيعات هذه الشركات خلال سنة 2008 إلى حوالي
38 مليون «قرعة» من «الروج». أما «البيرة» فحدث ولا حرج، فقد باعت شركة
«براسري دي ماروك» خلال سنة واحدة 400 مليون ما بين «قرعة» و«كانيط». أما
«الويسكي» و«الفودكا» فقد شرب منهما المغاربة حوالي مليونين ونصف «قرعة».
وحسب العارفين بهذا الميدان فالسبب الرئيسي الذي جعل مبيعات
«الفودكا» تتحسن في المغرب هو إقبال المزيد من النساء والشباب على هذا
المشروب في السنوات الأخيرة. وحسب إحصائيات المندوب السامي للتخطيط، الذي
أدخل «الويسكي» ضمن 500 مادة يستهلكها المغاربة المتوسطين من أجل ضبط
مؤشرات معدل الاستهلاك، فالويسكي تنتظره أيام زاهرة في المغرب.
أما «الشامبانيا» التي تساوي كل قنينة منها ألفي درهم، أي معدل دخل
الطبقة الوسطى في المغرب كل شهر، فيفتح منها المغاربة 140 ألف قنينة
سنويا، بمعنى أن المغاربة يشربون في السنة الواحدة ما معدله 131 مليون لتر
من الخمور بكل أنواعها، بمعدل أربعة لترات فاصلة ثلاثة في السنة لكل
مواطن. وهي نسبة تفوق بكثير معدل الاستهلاك السنوي للمغاربة من الحليب.
والخطير في كل هذه الإحصائيات هو أن استهلاك الخمور في المغرب يرتفع
سنويا بمعدل يتراوح ما بين ثلاثة وستة في المائة، وهو معدل مخيف إذا
قارناه بنسبة تراجع استهلاك الخمور في الدول الأوربية، خصوصا في صفوف
الشباب والنساء.
ونحن هنا نتحدث عن «الترويج» حسب الأرقام الرسمية التي تعرف بها
الدولة، ويحصيها المندوب السامي للتخطيط. أما إذا أردنا أن نتحدث عن زبناء
«الكرابة» الذين يشترون الخمور المهربة التي تأتي من سبتة وتمر من تحت أنف
رجال «الديوانة» و«حساسبية» المندوبية السامية، فإننا بلا شك سنعثر على
رقم مهول يبعث على الرعب.
وهناك أيضا طبقة أخرى من المغاربة تستهلكها «الماحيا» التي يعصرها من
«الشريحة» متخصصون في المنازل ويبيعونها تحت المعاطف. ففي المغرب كل واحد
يسكر حسب إمكانياته. وإلى الآن، لازال هناك مغاربة يسكرون بقراعي «الريحة
مولات إطرو»، أو ما يسمونه «ريحة الشابو»، نظرا إلى مزاياها «المزنزنة».
وإذا كان القانون المغربي متساهلا مع شركات إنتاج الخمور، فإن هناك
اليوم في فرنسا وإسبانيا حملات شرسة ضد هذه الشركات، خصوصا تلك التي لا
تحترم قوانين الاستهلاك المشددة. كما أن هناك عقوبات صارمة تترصد الأسواق
الممتازة ومحلات بيع الخمور والملاهي والمطاعم إذا ما غامرت ببيع
المشروبات الروحية للقاصرين أو مستعملي الطريق.
والسبب هو أن كل الدول الغربية، العلمانية في أغلبها، اقتنعت بأن
استهلاك الخمور يتسبب في كوارث اجتماعية وصحية خطيرة، ولذلك شددت الخناق
على شركات إنتاج الخمور وأصبحت تفرض عليها دفع إعانات مالية سخية لمختبرات
البحث حول الأمراض السرطانية. مثلها مثل شركات التبغ بحكم مسؤولية هذه
الشركات المباشرة عن إصابة المواطنين بهذا المرض القاتل.
وحتى مرور إعلانات شركات الخمور في الإعلام يخضع لرقابة صارمة، وكل
شركة تريد نشر إعلان لخمورها ملزمة بالإشارة إلى كون مشروبها يمكن أن
يتسبب لمستهلكه في أمراض سرطانية، ولذلك تنصحه باستهلاكه باعتدال. عندنا
في المغرب، البلد المسلم الذي يمنع قانونه إشهار الخمور وبيعها للمسلمين،
تنشر المجلات المغربية كل أسبوع إعلانات ملونة للفودكا والويسكي و«الروج»
بدون أية إشارة إلى المخاطر الصحية التي يمكن أن تتسبب فيها هذه المشروبات
لمستهلكيها.
في أمريكا، هناك مطاعم وعلب ليلية وحانات في فلوريدا ونيويورك عندما
تريد جماعة من المواطنين دخولها يسألها حارس الباب عن الشخص الذي لن يشرب،
وعندما يدلونه عليه يضع في يده سوارا ملونا، ويكون هناك من يراقبه داخل
الحانة ويفاجئه بشم الكأس الذي يشرب فيه بحثا عن أثر للكحول. أما إذا أتيت
بمفردك لدخول واحدة من هذه الأماكن، فإن الحارس يضع في معصمك السوار
مباشرة، لأنك ستأخذ سيارتك عندما ستخرج، وإذا شربت فيمكن أن تتسبب في
حادثة سير، مما يعني أن صاحب المطعم أو الحانة سيتحمل معك نصيبا من
المسؤولية.
والشرطة الأمريكية هي أحسن من يطبق الحديث الشريف الذي يقول إن النية
أبلغ من العمل. والدليل على ذلك أن الشرطي الأمريكي إذا أوقف سيارتك ووجد
داخلها قنينة «بيرة» مفتوحة فإنه يعتقلك مباشرة ويقدمك أمام القاضي، لأن
مكان وضع الخمور في السيارة هو «الكوفر»، وإذا كنت تحتفظ بقنينة خمر
مفتوحة بجانبك فلأنك كنت تنوي شربها، وحتى لو لم تشربها فإن ذلك لا يعفيك
من «المينوط»، فالنية أبلغ من العمل. أما إذا ضبطك وقد شربت منها فإنه
يأخذك إلى الحبس «نيشان، ما فيها لا هادي لا هاديك».
أما عندنا، فلم نسمع يوما أن شركة «براسري دي ماروك» أو واحدة من
شركات «زنيبر» أو «هضاب الأطلس» أو «تولال» فكرت في المساهمة لصالح مراكز
العلاج المتخصصة في أمراض السرطان. مع أن هذه الشركات تتحمل المسؤولية
المباشرة عن ارتفاع حالات سرطان الكبد والجهاز الهضمي والحنجرة لدى
المغاربة.
الإعلام العمومي ضميره مرتاح من هذه الناحية، فحسب الرواية الرسمية
فكل هذه الملايين من اللترات يستهلكها السياح الأجانب وغير المسلمين. «على
هاد الحساب فتنا عشرة ملايين سائح شحال هادي».
أما في الإعلام المكتوب، فهناك خوف مزمن عند أغلب الصحافيين من
الاقتراب من هذا الموضوع خشية أن يخرج لهم من ينعتهم بالإسلاميين
و«الخوانجية».
وإلى حدود اليوم فالوحيدون الذين يثيرون هذا الموضوع في البرلمان هم
أعضاء فريق العدالة والتنمية، مع أن هذه النسبة المخيفة التي يستهلك بها
المغاربة الخمور والتي تتطور سنة بعد أخرى يجب أن تكون الشغل الشاغل لكل
الطبقة السياسية بمختلق توجهاتها، لأن الأمر يتعلق بالصحة العامة وليس فقط
بقضية دينية أو أخلاقية.
ارتفاع استهلاك الخمور سنويا بستة في المائة يجب أن يستنفر جميع
جمعيات مكافحة السرطان وأمراض السكري والكبد، لأن معركتها الحقيقية ليست
فقط ضمان التكفل بالمرضى، وإنما أيضا الحد من جبروت هذه الشركات المتوحشة
التي تغزو بمشروباتها البيوت والأزقة والأسواق التجارية، دون أن يكون هناك
من يوعي المغاربة بمخاطر هذا الغزو الصامت الذي يدمر حياتهم وحياة
أبنائهم.
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
من أجل زينب
كل المغاربة الذين شاهدوا الخادمة الصغيرة زينب ذات الإحدى عشرة سنة وهي
تحكي في نشرة الأخبار كيف كان يعذبها مشغلها وزوجته بوحشية داخل فيلتهما
بوجدة، أجهشوا بالبكاء. ولذلك، لم أستغرب عندما وجدت في الغد رسائل كثيرة
في بريدي الشخصي قادمة من مختلف بقاع العالم، يرغب أصحابها في مساعدة
الطفلة زينب ماديا ومعنويا لتضميد الجراح العميقة التي خلفتها مخالب
الوحشين الآدميين على جسدها الطري.
عندما قرأت تلك الرسائل، تساءلت مع نفسي لماذا لم تكلف وزيرة الأسرة
والتضامن، التقدمية نزهة الصقلي، نفسها عناء التنقل إلى المستشفى العمومي
بوجدة حيث تتلقى الطفلة زينب العلاج، هي التي وضعت قانونا لمحاربة تشغيل
الفتيات الصغيرات في الأمانة العامة للحكومة وجلست تنتظر؟ بل أين هو عبد
الواحد الراضي وزير العدل، الغارق هذه الأيام في الإعداد لمشروع شامل
لإصلاح القضاء، لكي يخرج قليلا من الرباط ويزور محكمة وجدة حيث يشتغل
القاضي الذي احتجز وعذب طفلة بريئة بهذه الطريقة الحيوانية؟
إذا كان الراضي قد استوعب، فعلا، مضامين الخطاب الملكي الأخير حول
إصلاح القضاء، فإن أول شيء يجب عليه القيام به هو اعتقال القاضي وزوجته
اللذين ارتكبا هذه الجريمة الوحشية ضد طفلة بريئة باعها والدها للسماسرة
لكي يتاجروا في براءتها في سوق النخاسة.
هذا القاضي، يا سعادة وزير العدل، استعمل السفافيد الحامية لكيّ
الطفلة في فمها، وعندما رأت زوجته أنه متردد في الاستمرار في جلسات تعذيبه
وشككت في رجولته إن امتنع عن الاستمرار، وضع السفافيد فوق فم الطفلة وكوى
جانبي فمها واقتلع جلدتها الطرية.
ولم يكتف الوحشان بهذا القدر، بل ذهبت زوجة القاضي لتغلي الزيت
وعندما أصبح حاميا رشته على جهاز الطفلة التناسلي. لقد شاهدت الصور يا
سعادة وزير العدل، وأستطيع أن أؤكد لك أن جوانب جهازها التناسلي ذابت
بالكامل. هل هناك بشر في قلبه ذرة من الرحمة تسمح له إنسانيته وآدميته بأن
يرش الزيت المغلى على مناطق حساسة لطفلة في الحادية عشرة من عمرها؟!
وعندما لم تكف الوحشين هذه الجلسة التعذيبية، أحضر سعادة القاضي مكنسة
وشرع في ضربها بها؛ وعندما تكسرت المكنسة أحضر خيطا كهربائيا وسلخ جلدها
به. لدينا الصور يا سعادة وزير العدل إن كنت تريد رؤيتها، إنها فظيعة. جسد
صغير مشرط بالكامل بالسياط والضربات والكدمات والحروقات.
ومع كل هذا، لازال سعادة القاضي وزوجته حرين طليقين، بينما ضحيتهما
ترقد في المستشفى. عن أي إصلاح شامل للقضاء تتحدث يا وزير العدل؟! إن
المكان الطبيعي للوحشين اللذين ارتكبا هذه الجريمة النكراء هو السجن،
والمتابعة القضائية الصارمة والحكم عليهما بأحكام ثقيلة جدا، لأنهما
اغتصبا براءة طفلة صغيرة واحتجزاها واستعبداها وعذباها بأبشع الطرق.
إن أول جريمة ارتكبها هذا القاضي هي جريمة تشغيله لطفلة قاصر، مع أنه
يعلم، قبل غيره، بأن القانون الذي ينطق بأحكامه كل يوم في جلساته يمنع
ذلك. والجريمة الثانية والأبشع هي ممارسته التعذيب السادي على جسدها
الصغير بالزيت المغلى والأسلاك الكهربائية.. حتى في المعتقلات السرية لم
يصلوا بعد إلى هذا الحد من الهمجية. وإذا كان القاضي، المفروضة فيه حماية
حقوق الأطفال والقاصرين، هو أول من يشغلهم ويستغلهم ويعذبهم، فليس أمامنا
سوى قراءة اللطيف على إصلاح القضاء.
إذا كان وزير العدل قد استوعب جيدا ما قاله الملك في خطابه الأخير،
فإن أول شيء يجب أن يأمر به، بوصفه رئيس النيابة العامة، هو متابعة القاضي
الذي تتهمه الطفلة بتعذيبها في حالة اعتقال. فأمام وحشية مماثلة، ليس هناك
أي مكان لاستعمال الامتياز القضائي، لأن الأمر يتعلق بجريمة احتجاز وتعذيب
قاصر، وهي الجريمة التي يتشدد معها القانون المغربي أكثر من تشدده مع
جرائم القتل. والأدلة الماثلة على جسد الضحية كافية لكي تقتنعوا، يا سعادة
وزير العدل، بأن زينب لا تكذب ولم تختلق هذه القصة من خيالها الصغير
للإيقاع بالقاضي وزوجته. إن آثار السياط المعدنية والتهابات الكي في فمها
وجهازها التناسلي وبقية أعضائها الحساسة لن تمحوها الأدوية والضمادات،
لأنها ستظل محفورة في قلب الطفلة إلى الأبد. وهذا هو الوجه الأكثر بشاعة
لهذه الجريمة. لقد قتل الوحشان هذه الطفلة إلى الأبد. ومهما تلقت من علاج
ودعم نفسي، فإن حياتها لن تكون عادية أبدا.
ولذلك، فإن العقاب الذي يجب أن ينزل بالمجرمين يجب أن يتناسب وحجم الضرر الذي تسببا فيه لهذه الطفلة.
أما والد الطفلة الذي جاء في التلفزيون يذرف دموع التماسيح، فهو أيضا
يجب أن يتابع أمام القضاء بتهمة بيعه ابنته للسماسرة من أجل حفنة من
الدراهم نهاية كل شهر، حتى يكون عبرة لكل قساة القلوب من الآباء الذين
يهون عليهم بيع فلذات أكبادهم للغرباء طمعا في راتب مالي بائس مغموس في
الذل والاستعباد والمهانة.
أما القضايا التي حكم فيها القاضي، الذي تتهمه الطفلة بتعذيبها، فإن
أول شيء يجب أن تقوم به وزارة العدل هو إعادة النظر فيها بكاملها، لأن
الشخص الذي كان يبت فيها ليس عاديا بالمرة، فألوان العذاب التي أذاقها
للطفلة زينب تؤكد أنه شخص سادي ولديه نوازع إجرامية، ولذلك فأحكامه لن
تكون متوازنة بالضرورة.
وزير العدل يوجد، اليوم، أمام امتحان حاسم لتفعيل تعليمات الملك حول
إصلاح القضاء على أرض الواقع. فهناك، أولا، قضية القاضي والطفلة زينب
بوجدة؛ وهناك، ثانيا، قضية البرلماني الذي تم توقيف رجال درك سوق أربعاء
الغرب لشاحنة تابعة له محملة برمال مسروقة كانت ذاهبة إلى فاس؛ وهناك،
ثالثا، ملف «اطريحة ومن معه» والذي بدأ لوبي الفساد في القضاء تحركاته
الخفية لتخليص بعض الأسماء من شباك المتابعة فيه.
إن طريقة إدارة هذه الملفات الثلاثة وحدها كفيلة بإقناع المغاربة
بالرغبة الحقيقية لدى وزارة العدل في تطبيق مضامين الخطاب الملكي الأخير
من عدمها.
إن مشكلة القضاء المغربي ليست في كون القضاة يجدون صعوبة في تطبيق
القانون على عامة الشعب، وإنما المشكلة الحقيقية هي أن القضاة تواجههم كل
مصاعب العالم عندما يتعلق الأمر بتحريك المتابعة ضد مسؤولين يحظون
بالامتياز القضائي أو بالحضانة البرلمانية. هؤلاء المواطنون فوق العادة
الذين يستعملون نفوذهم وسلطتهم لتلبية غرائزهم ورغباتهم المنحطة دون خوف
من المتابعة. ولذلك، فإن الإصلاح الحقيقي للقضاء لن يتم دون بعث رسالة
واضحة إلى هؤلاء الطغاة مفادها أنهم، منذ اليوم، لم يعودوا في منأى عن
المتابعة القضائية في حالة ارتكابهم لما يستوجب ذلك. آنذاك، سيشعر المغربي
العادي بأنه يتساوى أمام القضاء مع المغربي الذي ظل يعتبر نفسه مغربيا
«فورست كلاص»؛ وعندها فقط، سيتحقق الأمن القضائي المنشود. أما إذا استمر
الأمر على ما هو عليه، وبقي القاضي حرا طليقا يستمع إليه وكيل الملك في
حالة سراح، كما لو أنه أحرق الضوء الأحمر في الشارع وليس جسد طفلة في
الحادية عشرة من عمرها، فإن الأمر يشبه الضرب في جسد الميت.
وبغض النظر عن تحمل وزير العدل لواجبه في هذه الجريمة من عدمه، فإن
جمعيات المجتمع المدني وجمعيات حماية الطفولة مطالبة بتنصيب نفسها كمطالب
بالحق المدني في هذه القضية. عليهم جميعا أن يعتبروا زينب أختهم الصغرى
التي ترقد في المستشفى لأن ذئبا بشريا افترس لحمها الطري.
فهل يقبل أي واحد منا أن يرى العضو التناسلي لأخته أو بنته الصغرى
محروقا بالزيت المغلـى وجراحها مفتوحة بسبب الضرب بسلك كهربائي، ومع ذلك
يبقى مكتوف الأيدي؟
إذا استطعنا أن نتحمل بشاعة هذا المنظر ونبقى محايدين، فيجب أن نتأكد
من أن شيئا ما قد مات بداخلنا إلى الأبد؛ وإلا فيجب أن نكون كلنا إلى جانب
زينب، من أجل ألا تتكرر هذه المأساة مرة أخرى، من أجل حق أطفالنا في اللعب
والتعليم والتغذية السليمة، من أجل الكرامة؛ والأهم من ذلك، من أجل
استقلال القضاء وإصلاحه.
رشيد نيني - المساء
تحكي في نشرة الأخبار كيف كان يعذبها مشغلها وزوجته بوحشية داخل فيلتهما
بوجدة، أجهشوا بالبكاء. ولذلك، لم أستغرب عندما وجدت في الغد رسائل كثيرة
في بريدي الشخصي قادمة من مختلف بقاع العالم، يرغب أصحابها في مساعدة
الطفلة زينب ماديا ومعنويا لتضميد الجراح العميقة التي خلفتها مخالب
الوحشين الآدميين على جسدها الطري.
عندما قرأت تلك الرسائل، تساءلت مع نفسي لماذا لم تكلف وزيرة الأسرة
والتضامن، التقدمية نزهة الصقلي، نفسها عناء التنقل إلى المستشفى العمومي
بوجدة حيث تتلقى الطفلة زينب العلاج، هي التي وضعت قانونا لمحاربة تشغيل
الفتيات الصغيرات في الأمانة العامة للحكومة وجلست تنتظر؟ بل أين هو عبد
الواحد الراضي وزير العدل، الغارق هذه الأيام في الإعداد لمشروع شامل
لإصلاح القضاء، لكي يخرج قليلا من الرباط ويزور محكمة وجدة حيث يشتغل
القاضي الذي احتجز وعذب طفلة بريئة بهذه الطريقة الحيوانية؟
إذا كان الراضي قد استوعب، فعلا، مضامين الخطاب الملكي الأخير حول
إصلاح القضاء، فإن أول شيء يجب عليه القيام به هو اعتقال القاضي وزوجته
اللذين ارتكبا هذه الجريمة الوحشية ضد طفلة بريئة باعها والدها للسماسرة
لكي يتاجروا في براءتها في سوق النخاسة.
هذا القاضي، يا سعادة وزير العدل، استعمل السفافيد الحامية لكيّ
الطفلة في فمها، وعندما رأت زوجته أنه متردد في الاستمرار في جلسات تعذيبه
وشككت في رجولته إن امتنع عن الاستمرار، وضع السفافيد فوق فم الطفلة وكوى
جانبي فمها واقتلع جلدتها الطرية.
ولم يكتف الوحشان بهذا القدر، بل ذهبت زوجة القاضي لتغلي الزيت
وعندما أصبح حاميا رشته على جهاز الطفلة التناسلي. لقد شاهدت الصور يا
سعادة وزير العدل، وأستطيع أن أؤكد لك أن جوانب جهازها التناسلي ذابت
بالكامل. هل هناك بشر في قلبه ذرة من الرحمة تسمح له إنسانيته وآدميته بأن
يرش الزيت المغلى على مناطق حساسة لطفلة في الحادية عشرة من عمرها؟!
وعندما لم تكف الوحشين هذه الجلسة التعذيبية، أحضر سعادة القاضي مكنسة
وشرع في ضربها بها؛ وعندما تكسرت المكنسة أحضر خيطا كهربائيا وسلخ جلدها
به. لدينا الصور يا سعادة وزير العدل إن كنت تريد رؤيتها، إنها فظيعة. جسد
صغير مشرط بالكامل بالسياط والضربات والكدمات والحروقات.
ومع كل هذا، لازال سعادة القاضي وزوجته حرين طليقين، بينما ضحيتهما
ترقد في المستشفى. عن أي إصلاح شامل للقضاء تتحدث يا وزير العدل؟! إن
المكان الطبيعي للوحشين اللذين ارتكبا هذه الجريمة النكراء هو السجن،
والمتابعة القضائية الصارمة والحكم عليهما بأحكام ثقيلة جدا، لأنهما
اغتصبا براءة طفلة صغيرة واحتجزاها واستعبداها وعذباها بأبشع الطرق.
إن أول جريمة ارتكبها هذا القاضي هي جريمة تشغيله لطفلة قاصر، مع أنه
يعلم، قبل غيره، بأن القانون الذي ينطق بأحكامه كل يوم في جلساته يمنع
ذلك. والجريمة الثانية والأبشع هي ممارسته التعذيب السادي على جسدها
الصغير بالزيت المغلى والأسلاك الكهربائية.. حتى في المعتقلات السرية لم
يصلوا بعد إلى هذا الحد من الهمجية. وإذا كان القاضي، المفروضة فيه حماية
حقوق الأطفال والقاصرين، هو أول من يشغلهم ويستغلهم ويعذبهم، فليس أمامنا
سوى قراءة اللطيف على إصلاح القضاء.
إذا كان وزير العدل قد استوعب جيدا ما قاله الملك في خطابه الأخير،
فإن أول شيء يجب أن يأمر به، بوصفه رئيس النيابة العامة، هو متابعة القاضي
الذي تتهمه الطفلة بتعذيبها في حالة اعتقال. فأمام وحشية مماثلة، ليس هناك
أي مكان لاستعمال الامتياز القضائي، لأن الأمر يتعلق بجريمة احتجاز وتعذيب
قاصر، وهي الجريمة التي يتشدد معها القانون المغربي أكثر من تشدده مع
جرائم القتل. والأدلة الماثلة على جسد الضحية كافية لكي تقتنعوا، يا سعادة
وزير العدل، بأن زينب لا تكذب ولم تختلق هذه القصة من خيالها الصغير
للإيقاع بالقاضي وزوجته. إن آثار السياط المعدنية والتهابات الكي في فمها
وجهازها التناسلي وبقية أعضائها الحساسة لن تمحوها الأدوية والضمادات،
لأنها ستظل محفورة في قلب الطفلة إلى الأبد. وهذا هو الوجه الأكثر بشاعة
لهذه الجريمة. لقد قتل الوحشان هذه الطفلة إلى الأبد. ومهما تلقت من علاج
ودعم نفسي، فإن حياتها لن تكون عادية أبدا.
ولذلك، فإن العقاب الذي يجب أن ينزل بالمجرمين يجب أن يتناسب وحجم الضرر الذي تسببا فيه لهذه الطفلة.
أما والد الطفلة الذي جاء في التلفزيون يذرف دموع التماسيح، فهو أيضا
يجب أن يتابع أمام القضاء بتهمة بيعه ابنته للسماسرة من أجل حفنة من
الدراهم نهاية كل شهر، حتى يكون عبرة لكل قساة القلوب من الآباء الذين
يهون عليهم بيع فلذات أكبادهم للغرباء طمعا في راتب مالي بائس مغموس في
الذل والاستعباد والمهانة.
أما القضايا التي حكم فيها القاضي، الذي تتهمه الطفلة بتعذيبها، فإن
أول شيء يجب أن تقوم به وزارة العدل هو إعادة النظر فيها بكاملها، لأن
الشخص الذي كان يبت فيها ليس عاديا بالمرة، فألوان العذاب التي أذاقها
للطفلة زينب تؤكد أنه شخص سادي ولديه نوازع إجرامية، ولذلك فأحكامه لن
تكون متوازنة بالضرورة.
وزير العدل يوجد، اليوم، أمام امتحان حاسم لتفعيل تعليمات الملك حول
إصلاح القضاء على أرض الواقع. فهناك، أولا، قضية القاضي والطفلة زينب
بوجدة؛ وهناك، ثانيا، قضية البرلماني الذي تم توقيف رجال درك سوق أربعاء
الغرب لشاحنة تابعة له محملة برمال مسروقة كانت ذاهبة إلى فاس؛ وهناك،
ثالثا، ملف «اطريحة ومن معه» والذي بدأ لوبي الفساد في القضاء تحركاته
الخفية لتخليص بعض الأسماء من شباك المتابعة فيه.
إن طريقة إدارة هذه الملفات الثلاثة وحدها كفيلة بإقناع المغاربة
بالرغبة الحقيقية لدى وزارة العدل في تطبيق مضامين الخطاب الملكي الأخير
من عدمها.
إن مشكلة القضاء المغربي ليست في كون القضاة يجدون صعوبة في تطبيق
القانون على عامة الشعب، وإنما المشكلة الحقيقية هي أن القضاة تواجههم كل
مصاعب العالم عندما يتعلق الأمر بتحريك المتابعة ضد مسؤولين يحظون
بالامتياز القضائي أو بالحضانة البرلمانية. هؤلاء المواطنون فوق العادة
الذين يستعملون نفوذهم وسلطتهم لتلبية غرائزهم ورغباتهم المنحطة دون خوف
من المتابعة. ولذلك، فإن الإصلاح الحقيقي للقضاء لن يتم دون بعث رسالة
واضحة إلى هؤلاء الطغاة مفادها أنهم، منذ اليوم، لم يعودوا في منأى عن
المتابعة القضائية في حالة ارتكابهم لما يستوجب ذلك. آنذاك، سيشعر المغربي
العادي بأنه يتساوى أمام القضاء مع المغربي الذي ظل يعتبر نفسه مغربيا
«فورست كلاص»؛ وعندها فقط، سيتحقق الأمن القضائي المنشود. أما إذا استمر
الأمر على ما هو عليه، وبقي القاضي حرا طليقا يستمع إليه وكيل الملك في
حالة سراح، كما لو أنه أحرق الضوء الأحمر في الشارع وليس جسد طفلة في
الحادية عشرة من عمرها، فإن الأمر يشبه الضرب في جسد الميت.
وبغض النظر عن تحمل وزير العدل لواجبه في هذه الجريمة من عدمه، فإن
جمعيات المجتمع المدني وجمعيات حماية الطفولة مطالبة بتنصيب نفسها كمطالب
بالحق المدني في هذه القضية. عليهم جميعا أن يعتبروا زينب أختهم الصغرى
التي ترقد في المستشفى لأن ذئبا بشريا افترس لحمها الطري.
فهل يقبل أي واحد منا أن يرى العضو التناسلي لأخته أو بنته الصغرى
محروقا بالزيت المغلـى وجراحها مفتوحة بسبب الضرب بسلك كهربائي، ومع ذلك
يبقى مكتوف الأيدي؟
إذا استطعنا أن نتحمل بشاعة هذا المنظر ونبقى محايدين، فيجب أن نتأكد
من أن شيئا ما قد مات بداخلنا إلى الأبد؛ وإلا فيجب أن نكون كلنا إلى جانب
زينب، من أجل ألا تتكرر هذه المأساة مرة أخرى، من أجل حق أطفالنا في اللعب
والتعليم والتغذية السليمة، من أجل الكرامة؛ والأهم من ذلك، من أجل
استقلال القضاء وإصلاحه.
رشيد نيني - المساء
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رد: شوف تشوف
الســـــــــــــــلام عليكــــــم ورحمة الله تعـــــالــى وبــركــــــــاته
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم حسبنا الله ونعم الوكيل.
هل مازالت مثل هذه النماذج فوق الكرة تفكر بهذا المنطق ولها هذه العقلية المتحجرة والمتخلفة ؟!؟!؟!؟
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم حسبنا الله ونعم الوكيل.
هل مازالت مثل هذه النماذج فوق الكرة تفكر بهذا المنطق ولها هذه العقلية المتحجرة والمتخلفة ؟!؟!؟!؟
الرجوع لله أ الفقيه/رشيد نيني
سمعت كغيري عن فتوى إباحة شرب الخمر للمرأة الحامل المنسوبة إلى عبد
الباري الزمزمي، واعتقدت كغيري أنها مجرد محاولة لنسب فتاوى غريبة إلى
الرجل لتلطيخ صورته، خصوصا وأنني قرأت تصريحا صحافيا على لسانه يشتكي فيه
من بعض الفتاوى الغريبة التي ينسبونها إليه في المواقع الإلكترونية
للتشويش عليه.
لكنني اندهشت عندما كنت في سيارة أحد الأصدقاء وسمعت عبد الباري
بعظمة لسانه يردد فتواه على أثير إذاعة خاصة ليلة الجمعة الماضية، حيث
يؤكد على جواز شرب المرأة الحامل للخمر إذا ما أحست بأن حرمان نفسها من
هذه النزوة أثناء الوحم قد يتسبب في تشوه الجنين.
وقد كانت هذه الفتوى ستمر مرور الكرام لولا أن صاحبها شيخ وبرلماني
لديه شعبية ويستمع الناس إلى فتاواه ويصدقونها. والأخطر من ذلك أن هذه
الفتوى لم تعد حبيسة موقعه الإلكتروني الشخصي، بل أصبحت تتردد على أمواج
الإذاعات التي يسمعها مئات الآلاف من الناس. ولذلك وجبت بعض التوضيحات
بخصوص هذه الفتوى التي تعتبر تهديدا مباشرا للصحة العامة، وخصوصا صحة
النساء الحوامل.
ولعله من المستغرب ألا نجد أثرا لمثل هذه الفتوى في كل التاريخ
الإسلامي، منذ البعثة إلى الآن، علما بأن الخمر والحمل والوحم كانت كلها
ظواهر شائعة ومعروفة منذ 14 قرنا من تاريخ الإسلام. وحتى في العصر العباسي
الذي كان معروفا بشيوع الخمور والمجون، لم يتجرأ فقيه على إباحة الخمر
للحامل. فكان لا بد من انتظار سنة 2009 لكي يفتي داعية مغربي بجواز شرب
المرأة الحامل للخمر لتجنب تشوهات خلقية للجنين. مع أن السيد الزمزمي لا
يتوفر على إحصائيات علمية تثبت وجود الحاجة إلى مثل هذه الفتوى. فلا أحد
حقا يعرف، بمن فيهم الزمزمي، كم من النساء الحوامل المسلمات «يتوحمن» على
الخمر. فلكي يصدر فتوى يجب أن تكون هناك حاجة شرعية إليها، وأن يكون
الداعي إليها تلبية حاجة شريحة واسعة من المسلمين يحتاجون إلى حكم شرعي
واضح حول مسألة ما، أو من أجل رفع ضرر جماعي عن الأمة. أما إذا كانت
الحالة معزولة وفردية وشاذة فالشاذ لا حكم له.
والخطير في فتوى الزمزمي هو أنها تسير عكس ما يقوله العلم والطب. فكل
الدراسات الطبية تحذر المرأة الحامل من شرب الخمر. وعندما تشرب المرأة
الحامل كأسا واحدة من الخمر فإن الكحول تذهب مباشرة إلى الجنين عبر الدم.
وما يجهله الزمزمي هو أن الأجنة يتنفسون في أرحام أمهاتهم عن طريق الدم.
وهكذا فإن نسبة الكحول ترتفع في دماء الجنين أكثر مما ترتفع في دماء الأم.
وهذا يهدد دماغ الجنين وجهازه التنفسي بتشوهات خلقية خطيرة، خصوصا خلال
الثلاثة أشهر الأولى من الحمل، وهي فترة الوحم التي رخص خلالها الزمزمي
للمرأة الحامل بشرب الخمر.
ولو أن الزمزمي سأل أول طبيب نساء يصادفه عن الأعراض التي يتسبب فيها
شرب الخمر بالنسبة إلى المرأة الحامل، لأخبره بأن ذلك من شأنه أن يتسبب في
رفع الضغط الدموي عند المرأة، وأن هذا يمكن أن يؤدي إلى الإجهاض. وهذا هو
الخطر الحقيقي الذي يجب على الزمزمي أن يدعو النساء الحوامل إلى تجنبه
حرصا على سلامة أجنتهن، لا أن يجيز لهن شرب الخمر إذا جاءهن الوحم عليه،
وكأن وحم المرأة يبيح المحظورات.
وإذا أردنا أن نقيس على فتوى الزمزمي ونذهب معه بعيدا في القياس،
فما قوله في المرأة الحامل إذا جاءها الوحم على تدخين «شي جوان»، فهل
سيبيح الشيخ لزوجها النزول إلى الشارع والبحث عن «البزنازة» لكي يشتري لها
المطلوب خوفا على الجنين من التشوه. وإذا جاء وحم امرأة أخرى على «مهند»
مثلا، فهل سيبيح لزوجها أن يسافر بها إلى تركيا بحثا عن شبيه لهذا الممثل
لتلبية نزوتها خوفا على جنينها من التشوه كما أباح لها شرب الخمر للغاية
نفسها، علما بأن الزنى شرعا يعتبر كبيرة من الكبائر، لكن الخمر يعتبر أم
الكبائر. فهل يتساهل الشيخ مع أم الكبائر ويتشدد مع إحدى بناتها.
واضح إذن أن عبد الباري الزمزمي لا يتابع ما ينشر حول الصحة
الإنجابية، ولذلك فهو يعتقد بأن شرب المرأة الحامل للخمر خلال الوحم (واش
غير كويس ولا قرعة كاملة، الله أعلم) يمكنه أن يجنب الجنين تشوهات خلقية.
ولمعلومات الفقيه الشخصية، يمكننا أن نسوق في عجالة أخطر التشوهات التي
يمكن أن تحدث للجنين بسبب شرب المرأة الحامل للخمر ولو بنسب ضعيفة،
استنادا إلى موقع وزارة الصحة الفرنسية.
أول هذه العاهات هي تشوهات على مستوى وجه الجنين، ثانيا التأخر في
النمو; ثالثا تشوه في الجمجمة والدماغ إضافة إلى اضطرابات عصبية.. تشوهات
على المستوى العصبي يمكن أن تؤدي إلى ضعف التركيز والنشاط الزائد وضعف
الذاكرة وقلة الاستيعاب.
لكل هذه الأسباب، تبقى فتوى الشيخ غير مبنية على سند علمي أو شرعي
منطقي، فإلى حدود اليوم لم تثبت علميا العلاقة بين الوحم وتشوه الجنين
فأقصى ما يمكن أن يحدث للجنين هو «توحيمة» في مكان ما من جسده. وحتى في
روسيا مهد «الفودكا»، رأينا كيف أن تعاطي النساء لهذا النوع القوي من
الخمور لم يمنع من وجود «توحيمة» فوق صلعة «غورباتشوف» بحجم خريطة
سيبيريا.
وقد سمعنا في المغرب عن حوامل جاءهن الوحم على «الفاخر» أو «الصابون
البلدي»، لكننا لم نسمع قط بحوامل «يتوحمن» على «موغرابي» أو «بو البادر»
أو الويسكي.
والمصيبة أن الحوامل من حقهن، حسب الزمزمي، التوحم على الخمر لكن
ليس «البابوش»، لأن «البابوش» يرد في موقع الشيخ الإلكتروني ضمن الميتة
التي يحرم القرآن أكلها.
الحقيقة أن فوضى الفتاوى هذه التي بدأت تتسرب إلى المغرب يجب وضع حد
لها قبل أن تفتن الناس في دينهم. فهناك مجلس أعلى للإفتاء وهناك وزارة
للشؤون الإسلامية يجب أن تحمل على عاتقها سد الجوع الروحي للمغاربة، لا أن
تترك هؤلاء عرضة لفتاوى عبر الفضائيات وعبر المواقع الإلكترونية، والآن
عبر أمواج الإذاعات الخاصة التي ينسى «منشطوها» أن أبسط شروط العمل
الإعلامي المهني هو استدعاء طبيب أو خبير للرد على فتوى الزمزمي لكي يكون
هناك توازن في الرأي، لا أن تطلق الفتاوى عبر الأثير وكأنها الحقيقة
المطلقة التي لا يأتيها الباطل من أي مكان.
وعندما نرى تسرع الأئمة اليوم في إطلاق الفتاوى نتحسر على زمن الإمام
مالك الذي كان عندما يسألونه عن فتوى في قضية لا يفهمها يقول، رغم علمه
وفراسته، «لا أدري، لا أجيد». فقد كان رضي الله عنه أدرى القوم بأن أكثر
الناس جهالة أسرعهم إلى الإفتاء.
ثم أين هو موقع وزارة الصحة في هذا النقاش، ألا يعنيها في شيء أن
سلطة دينية وتشريعية كالزمزمي تطلق فتوى مضرة بالصحة العامة وتغلفها
بالشرعية الدينية؟ وأين هو موقع وزارة الشؤون الإسلامية من هذا النقاش؟
وأيضا أين هو موقع وزارة الداخلية التي تمنع بالقانون تعاطي المسلمين
للخمور؟
وفي الوقت الذي ينشغل فيه شيخنا بأحكام «البابوش» والخمور، هناك
علماء أجلاء يجتهدون في مكان آخر لشرح الإسلام بشكل متنور ومتسامح يعلي من
شأن التعايش والمودة والعلم على حساب الضغينة والقتل والحروب.
وقد قرأت للكاتب المصري جمال البنا تعريفا للجهاد مغايرا للتعريف الذي يعتقد به عامة المسلمين اليوم.
فقد قال جمال البنا إن الجهاد الإسلامي المطلوب في هذه المرحلة لا
يعني الغزو، بل مناهضة التخلف والسعي إلى الارتقاء بأساليب الحياة في
العالم الإسلامي. وهذا يعني تغيير مفهوم الجهاد إلى انتزاع حق الحياة
بكرامة وليس الموت في المعارك.
وأضاف أن شعار الجهاد قديما كان هو «من يبايعني على الموت في سبيل
الله»، واليوم أصبح الشعار هو «من يبايعني على الحياة في سبيل الله».
فالجهاد الآن هو حشد إرادة الشعوب لتحريرها من التبعية الاقتصادية
والسياسية والتخلف ومواجهة العولمة والاستغلال وصولا إلى نهضة وتنمية تحفظ
للشعوب كرامتها.
هذه هي الفتاوى والأفكار والشروحات التي نريد، لا فتاوى «البابوش» و«خودنجال».
المساء
الباري الزمزمي، واعتقدت كغيري أنها مجرد محاولة لنسب فتاوى غريبة إلى
الرجل لتلطيخ صورته، خصوصا وأنني قرأت تصريحا صحافيا على لسانه يشتكي فيه
من بعض الفتاوى الغريبة التي ينسبونها إليه في المواقع الإلكترونية
للتشويش عليه.
لكنني اندهشت عندما كنت في سيارة أحد الأصدقاء وسمعت عبد الباري
بعظمة لسانه يردد فتواه على أثير إذاعة خاصة ليلة الجمعة الماضية، حيث
يؤكد على جواز شرب المرأة الحامل للخمر إذا ما أحست بأن حرمان نفسها من
هذه النزوة أثناء الوحم قد يتسبب في تشوه الجنين.
وقد كانت هذه الفتوى ستمر مرور الكرام لولا أن صاحبها شيخ وبرلماني
لديه شعبية ويستمع الناس إلى فتاواه ويصدقونها. والأخطر من ذلك أن هذه
الفتوى لم تعد حبيسة موقعه الإلكتروني الشخصي، بل أصبحت تتردد على أمواج
الإذاعات التي يسمعها مئات الآلاف من الناس. ولذلك وجبت بعض التوضيحات
بخصوص هذه الفتوى التي تعتبر تهديدا مباشرا للصحة العامة، وخصوصا صحة
النساء الحوامل.
ولعله من المستغرب ألا نجد أثرا لمثل هذه الفتوى في كل التاريخ
الإسلامي، منذ البعثة إلى الآن، علما بأن الخمر والحمل والوحم كانت كلها
ظواهر شائعة ومعروفة منذ 14 قرنا من تاريخ الإسلام. وحتى في العصر العباسي
الذي كان معروفا بشيوع الخمور والمجون، لم يتجرأ فقيه على إباحة الخمر
للحامل. فكان لا بد من انتظار سنة 2009 لكي يفتي داعية مغربي بجواز شرب
المرأة الحامل للخمر لتجنب تشوهات خلقية للجنين. مع أن السيد الزمزمي لا
يتوفر على إحصائيات علمية تثبت وجود الحاجة إلى مثل هذه الفتوى. فلا أحد
حقا يعرف، بمن فيهم الزمزمي، كم من النساء الحوامل المسلمات «يتوحمن» على
الخمر. فلكي يصدر فتوى يجب أن تكون هناك حاجة شرعية إليها، وأن يكون
الداعي إليها تلبية حاجة شريحة واسعة من المسلمين يحتاجون إلى حكم شرعي
واضح حول مسألة ما، أو من أجل رفع ضرر جماعي عن الأمة. أما إذا كانت
الحالة معزولة وفردية وشاذة فالشاذ لا حكم له.
والخطير في فتوى الزمزمي هو أنها تسير عكس ما يقوله العلم والطب. فكل
الدراسات الطبية تحذر المرأة الحامل من شرب الخمر. وعندما تشرب المرأة
الحامل كأسا واحدة من الخمر فإن الكحول تذهب مباشرة إلى الجنين عبر الدم.
وما يجهله الزمزمي هو أن الأجنة يتنفسون في أرحام أمهاتهم عن طريق الدم.
وهكذا فإن نسبة الكحول ترتفع في دماء الجنين أكثر مما ترتفع في دماء الأم.
وهذا يهدد دماغ الجنين وجهازه التنفسي بتشوهات خلقية خطيرة، خصوصا خلال
الثلاثة أشهر الأولى من الحمل، وهي فترة الوحم التي رخص خلالها الزمزمي
للمرأة الحامل بشرب الخمر.
ولو أن الزمزمي سأل أول طبيب نساء يصادفه عن الأعراض التي يتسبب فيها
شرب الخمر بالنسبة إلى المرأة الحامل، لأخبره بأن ذلك من شأنه أن يتسبب في
رفع الضغط الدموي عند المرأة، وأن هذا يمكن أن يؤدي إلى الإجهاض. وهذا هو
الخطر الحقيقي الذي يجب على الزمزمي أن يدعو النساء الحوامل إلى تجنبه
حرصا على سلامة أجنتهن، لا أن يجيز لهن شرب الخمر إذا جاءهن الوحم عليه،
وكأن وحم المرأة يبيح المحظورات.
وإذا أردنا أن نقيس على فتوى الزمزمي ونذهب معه بعيدا في القياس،
فما قوله في المرأة الحامل إذا جاءها الوحم على تدخين «شي جوان»، فهل
سيبيح الشيخ لزوجها النزول إلى الشارع والبحث عن «البزنازة» لكي يشتري لها
المطلوب خوفا على الجنين من التشوه. وإذا جاء وحم امرأة أخرى على «مهند»
مثلا، فهل سيبيح لزوجها أن يسافر بها إلى تركيا بحثا عن شبيه لهذا الممثل
لتلبية نزوتها خوفا على جنينها من التشوه كما أباح لها شرب الخمر للغاية
نفسها، علما بأن الزنى شرعا يعتبر كبيرة من الكبائر، لكن الخمر يعتبر أم
الكبائر. فهل يتساهل الشيخ مع أم الكبائر ويتشدد مع إحدى بناتها.
واضح إذن أن عبد الباري الزمزمي لا يتابع ما ينشر حول الصحة
الإنجابية، ولذلك فهو يعتقد بأن شرب المرأة الحامل للخمر خلال الوحم (واش
غير كويس ولا قرعة كاملة، الله أعلم) يمكنه أن يجنب الجنين تشوهات خلقية.
ولمعلومات الفقيه الشخصية، يمكننا أن نسوق في عجالة أخطر التشوهات التي
يمكن أن تحدث للجنين بسبب شرب المرأة الحامل للخمر ولو بنسب ضعيفة،
استنادا إلى موقع وزارة الصحة الفرنسية.
أول هذه العاهات هي تشوهات على مستوى وجه الجنين، ثانيا التأخر في
النمو; ثالثا تشوه في الجمجمة والدماغ إضافة إلى اضطرابات عصبية.. تشوهات
على المستوى العصبي يمكن أن تؤدي إلى ضعف التركيز والنشاط الزائد وضعف
الذاكرة وقلة الاستيعاب.
لكل هذه الأسباب، تبقى فتوى الشيخ غير مبنية على سند علمي أو شرعي
منطقي، فإلى حدود اليوم لم تثبت علميا العلاقة بين الوحم وتشوه الجنين
فأقصى ما يمكن أن يحدث للجنين هو «توحيمة» في مكان ما من جسده. وحتى في
روسيا مهد «الفودكا»، رأينا كيف أن تعاطي النساء لهذا النوع القوي من
الخمور لم يمنع من وجود «توحيمة» فوق صلعة «غورباتشوف» بحجم خريطة
سيبيريا.
وقد سمعنا في المغرب عن حوامل جاءهن الوحم على «الفاخر» أو «الصابون
البلدي»، لكننا لم نسمع قط بحوامل «يتوحمن» على «موغرابي» أو «بو البادر»
أو الويسكي.
والمصيبة أن الحوامل من حقهن، حسب الزمزمي، التوحم على الخمر لكن
ليس «البابوش»، لأن «البابوش» يرد في موقع الشيخ الإلكتروني ضمن الميتة
التي يحرم القرآن أكلها.
الحقيقة أن فوضى الفتاوى هذه التي بدأت تتسرب إلى المغرب يجب وضع حد
لها قبل أن تفتن الناس في دينهم. فهناك مجلس أعلى للإفتاء وهناك وزارة
للشؤون الإسلامية يجب أن تحمل على عاتقها سد الجوع الروحي للمغاربة، لا أن
تترك هؤلاء عرضة لفتاوى عبر الفضائيات وعبر المواقع الإلكترونية، والآن
عبر أمواج الإذاعات الخاصة التي ينسى «منشطوها» أن أبسط شروط العمل
الإعلامي المهني هو استدعاء طبيب أو خبير للرد على فتوى الزمزمي لكي يكون
هناك توازن في الرأي، لا أن تطلق الفتاوى عبر الأثير وكأنها الحقيقة
المطلقة التي لا يأتيها الباطل من أي مكان.
وعندما نرى تسرع الأئمة اليوم في إطلاق الفتاوى نتحسر على زمن الإمام
مالك الذي كان عندما يسألونه عن فتوى في قضية لا يفهمها يقول، رغم علمه
وفراسته، «لا أدري، لا أجيد». فقد كان رضي الله عنه أدرى القوم بأن أكثر
الناس جهالة أسرعهم إلى الإفتاء.
ثم أين هو موقع وزارة الصحة في هذا النقاش، ألا يعنيها في شيء أن
سلطة دينية وتشريعية كالزمزمي تطلق فتوى مضرة بالصحة العامة وتغلفها
بالشرعية الدينية؟ وأين هو موقع وزارة الشؤون الإسلامية من هذا النقاش؟
وأيضا أين هو موقع وزارة الداخلية التي تمنع بالقانون تعاطي المسلمين
للخمور؟
وفي الوقت الذي ينشغل فيه شيخنا بأحكام «البابوش» والخمور، هناك
علماء أجلاء يجتهدون في مكان آخر لشرح الإسلام بشكل متنور ومتسامح يعلي من
شأن التعايش والمودة والعلم على حساب الضغينة والقتل والحروب.
وقد قرأت للكاتب المصري جمال البنا تعريفا للجهاد مغايرا للتعريف الذي يعتقد به عامة المسلمين اليوم.
فقد قال جمال البنا إن الجهاد الإسلامي المطلوب في هذه المرحلة لا
يعني الغزو، بل مناهضة التخلف والسعي إلى الارتقاء بأساليب الحياة في
العالم الإسلامي. وهذا يعني تغيير مفهوم الجهاد إلى انتزاع حق الحياة
بكرامة وليس الموت في المعارك.
وأضاف أن شعار الجهاد قديما كان هو «من يبايعني على الموت في سبيل
الله»، واليوم أصبح الشعار هو «من يبايعني على الحياة في سبيل الله».
فالجهاد الآن هو حشد إرادة الشعوب لتحريرها من التبعية الاقتصادية
والسياسية والتخلف ومواجهة العولمة والاستغلال وصولا إلى نهضة وتنمية تحفظ
للشعوب كرامتها.
هذه هي الفتاوى والأفكار والشروحات التي نريد، لا فتاوى «البابوش» و«خودنجال».
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: شوف تشوف
وهذا الراجل راه مسرفق في راسو
وهذا الشيئ الذي فضل وعلى حد قول الرجل الفاسي من هذه الى الكارو اي السيجارة
وهذا الشيئ الذي فضل وعلى حد قول الرجل الفاسي من هذه الى الكارو اي السيجارة
nezha- عدد الرسائل : 6218
العمر : 61
Localisation : s/a/g
تاريخ التسجيل : 16/04/2008
رد: شوف تشوف
الســـــــــــــــلام عليكــــــم ورحمة الله تعـــــالــى وبــركــــــــاته
لا لا لا يا أخي أبو حاتم لا تسبق الأحداث فهذا الكلام غير منطقي ولا يستصيغه العقل تماما فكيف يعقل لعالم في الفقه أن يقول كلام جاهل لا يا أخي هذا كلام ملفق وأظنها إشاعة للإطاحة بسمعة الفقيه الداعية عبد الباري الزمزمي فأعداؤه كثيرون. والله أعلم.
لا لا لا يا أخي أبو حاتم لا تسبق الأحداث فهذا الكلام غير منطقي ولا يستصيغه العقل تماما فكيف يعقل لعالم في الفقه أن يقول كلام جاهل لا يا أخي هذا كلام ملفق وأظنها إشاعة للإطاحة بسمعة الفقيه الداعية عبد الباري الزمزمي فأعداؤه كثيرون. والله أعلم.
رد: شوف تشوف
واخا ندوزو ا ها هذه المرة يمن تكون غا حسابات ثنائية
nezha- عدد الرسائل : 6218
العمر : 61
Localisation : s/a/g
تاريخ التسجيل : 16/04/2008
رضينا بالهم والهم ما رضا بينا / رشيد نيني
أخيرا، استفاق عباس الفاسي والفاسي الفهري من غيبوبتيهما ورأيا وجه العقيد القذافي على حقيقته. فبعد كل الغزل الذي كتبته جريدة عباس في حق نظام القذافي المفدى، وبعد إعطائه موافقته على جر ثلاث جرائد يومية أمام القضاء من أجل سواد عيون القذافي، وبعد تحمل الفاسي الفهري لكل الإهانات التي كالها المسؤولون الليبيون للمغاربة المهاجرين بليبيا، وبعد تخليه عن المطالبة بإطلاق سراح أخ الخادم المغربي الذي عذبه حنيبعل، ابن القذافي، في سويسرا، بعد كل هذا يفاجئ القذافي الوفد المغربي، الذي ذهب لكي يبارك له السنة الأربعين لجلوسه على كرسي الحكم في ليبيا، باستدعائه لزعيم جبهة البوليساريو للجلوس خلفه في المنصة الشرفية. «رضينا بالهم والهم ما رضا بينا».
لكي يخففوا من ألم هذه الصفعة التي أكلوها يقولون إنهم تلقوا ضمانات قبل تلبية دعوة القذافي بألا يحضر ممثل عن جبهة البوليساريو في منصة الحفل العسكري. لكن متى كان القذافي يتلزم بوعوده. اسألوا كم معارضا لاجئا في الخارج صدق وعوده بالصفح عن كل من يعود منهم إلى ليبيا، ابتلع الطعم وعاد إلى بلاده.
القذافي هذه المرة لم يهن الحكومة المغربية وإنما أهان الشعب المغربي الذي ضحى أبناؤه بدمائهم من أجل الصحراء. وإمعانا في قلي السم للمغرب، جعل القذافي من بوتفليقة ضيف الشرف في هذا الاحتفال، وأجلسه عن يمينه وعزف له نشيد الثورة الجزائرية، النشيد الذي قال عنه القذافي إنه كان أكبر محفز له على القيام بثورته على الملك السنوسي في ليبيا والجلوس على عرشه أربعين سنة.
لقد دللت الخارجية المغربية العقيد كثيرا، وسكتت عن حماقاته وابتلعت لسانها في كل مرة تصدر عنه فيها تصريحات معادية لوحدتنا الترابية. ورغم أن الفاسي الفهري سمع القذافي يقول في الاجتماع الأخير لمنظمة الوحدة الإفريقية، يوم الثلاثاء الماضي، إن الحل الوحيد لقضية الصحراء هو الاستفتاء في إطار مشروع تقرير المصير، فقد تصرف وكأنه لم يسمع شيئا وذهب عند العقيد، مع أن الموقف السياسي الأنسب كان هو إلغاء السفر بعد هذا التصريح المعادي لوحدة المغرب الترابية.
ورغم أن العقيد كان واضحا في موقفه فإن الخارجية المغربية فضلت، مرة أخرى، أن تدس رأسها في الرمال، وأن تذهب لتبارك له عيد الفاتح من سبتمبر. وهاهي تتلقى صفعة مدوية هي والتجريدة العسكرية التي ذهبت لتشارك في الاستعراض العسكري المقام بالمناسبة، بعد اكتشاف الفاسي الفهري لعبد العزيز المراكشي بين المدعوين، تماما كما اكتشف في مفاوضات «فيينا»، أسابيع قبل الآن، حضور وزير جزائري ضمن وفد البوليساريو المفاوض. يبدو أن وزيرنا في الخارجية يكتشف المفاجآت السيئة بشكل متأخر دائما. والمسكين معذور، فهو منشغل بتواريخ وأماكن المعارض التي تقيمها زوجته الرسامة، وغارق في البحث عن أسماء الأساتذة والباحثين الذين يستدعيهم ابنه ذو الخمسة والعشرين عاما لمؤسسته من أجل التفكير في مصير العالم.
ولعل ما دفع العقيد القذافي إلى إهانة الوفد المغربي، الذي جاء للاحتفال معه، هو كونه يعيش هذه الأيام منتشيا بالانتصارات الدبلوماسية الباهرة التي حققها بفضل آبار نفطه، فقد نجح في خلق أزمة سياسية في سويسرا عندما أجبر حكومة هذه الأخيرة على الاعتذار إليه بسبب اعتقالها لابنه وزوجته، فنشبت الحرب بين الحكومة والمعارضة والصحافة السويسرية التي اعتبرت موقف الوزير الأول مخجلا ومثيرا للشفقة؛ ونجح القذافي في خلق أزمة سياسية في بريطانيا عندما صرح ابنه بأن عملية إطلاق المقرحي كانت نقطة ضمن صفقات بترولية وقعتها ليبيا وبريطانيا، فقامت القيامة في لندن وشنت الصحافة حربا شرسة على ما تبقى من حكومة «بلير»، إلى الحد الذي وجدت معه الحكومة نفسها مضطرة إلى نشر وثائق ومراسلات حول إطلاق سراح المقرحي لكي تنفي عنها التهمة وتلصقها بالسلطات الأسكتلندية.
ونجح في خلق الفتنة، هذه الأيام، في نيويورك بين عمدتها وأسر ضحايا طائرة «لوكربي» عندما راسل العمدة يطلب ترخيصا لنصب خيمته البدوية في إحدى حدائق نيويورك خلال زيارته المتوقعة قريبا. وعندما رفضوا طلبه، تحداهم وقرر نصب خيمته في محيط سفارة ليبيا بنيويورك.
ونجح، قبل يومين، في خلق فتنة في السودان عندما قال إنه يؤيد انفصال شمال السودان عن جنوبه، ووعد الجنوب بدعمه إذا ما قرر الانفصال.
إن موهبة القذافي الوحيدة هي براعته في دعم الانفصال أينما كان. وإذا كانت هناك من وظيفة يمكن أن يقوم بها القذافي أحسن قيام فهي وظيفة «متعهد انقلابات» على وزن «متعهد حفلات». وما لا يريد الفاسي الفهري أن يفهمه هو أن القذافي ليس صديق المغرب، ولن يكون في يوم من الأيام صديقا للمغرب، فهو من أنشأ البوليساريو، وهو من احتضن المعارضة اليسارية الراديكالية ودعمها بالمال والسلاح عندما كانت تخطط للقيام بانقلاب على الحسن الثاني، وهو من كان يتصل بكل الحركات المعارضة داخل المغرب لكي يقترح عليها مدها بالسلاح لقلب نظام الحكم، وهو من كان يرسل العتاد إلى الجزائريين عندما كانوا يتحاربون ضد المغرب، وبسلاحه مات الآلاف من الشهداء المغاربة في رمال الصحراء، وهو من يحرض اليوم الدول الإفريقية ويبتزها لكي يقايضها النفط مقابل الاعتراف بالبوليساريو، والدليل على ذلك أن المغرب انسحب أيام الحسن الثاني من عضوية منظمة المؤتمر الإفريقي بسبب إصرار القذافي على الاحتفاظ بمقعد لممثل الانفصاليين إلى جانبه في المؤتمر، تماما كما يصنع اليوم عندما يجلسه خلفه في المنصة الشرفية لاحتفالاته بالذكرى الأربعين للانقلاب.
إن هوايات القذافي المفضلة هي هذه، وهو لا يستطيع العيش بدونها. ومن شدة ما أسكرته «خبطاته الدبلوماسية» الأخيرة أصبح يتخيل أنه انتصر على القوى الاستعمارية الرأسمالية العالمية ومرغ أنفها في التراب، فهو يجهل أن برلسكوني الذي وقع له اعتذارا عن سنوات الاستعمار وقع مع الاعتذار عقود صفقات بملايين الدولارات ستعيد إلى ليبيا الاستعمار الإيطالي من جديد، لكن هذه المرة بواسطة الشركات الإيطالية العملاقة وليس بواسطة الدبابات والطائرات.
ونسي أن الوزير الأول السويسري، عندما قدم إليه اعتذارا رسميا عن اعتقال ابنه، وقع أيضا مع الاعتذار عقودا للاستمرار في الاستفادة من أنابيب الغاز والبترول مقابل الإبقاء على ثورات القذافي في البنوك السويسرية التي تستثمر هذه الثروات ومن فوائدها تؤدي فواتير النفط والغاز الذي تشتريه من ليبيا، أي أن سويسرا هي أحسن من يطبق المثل المغربي القائل «من ليحيتو لقم ليه».
وبريطانيا، التي شاركت في مفاوضات إطلاق سراح المقرحي، استفادت هي أيضا من صفقات الغاز والبترول مقابل إطلاق سراح مدان بالإرهاب لن يمهله مرض السرطان طويلا، أي أنها فضلت أن يموت المقرحي عند القذافي وتستفيد من ورائه على أن يموت في سجونها ولا تستفيد شيئا من موته. وإذا كانت سويسرا هي أحسن من يطبق مثل «من ليحيتو لقم ليه»، فإن بريطانيا هي أحسن من يطبق المقولة المأثورة التي تقول «الحي أولى من الميت».
وهكذا، فما يعتبره القذافي انتصارات ليس في الواقع سوى «بطولات» وهمية يشتريها ويسدد ثمنها بالدولار لكي يشفي غروره ويظهر لشعبه أنه قادر على جعل أقوى الدول الصناعية تخضع أمام ملك ملوك إفريقيا.
لذلك على الدبلوماسية المغربية أن تصحو من أوهامها وتتعلم من أخطائها وتتخلى عن «نيتها» وسذاجتها، فالقذافي ماض في مخططاته المجنونة التي تريد أن تجمع بين المتناقضات، فهو يريد أن يوحد إفريقيا في الولايات المتحدة الإفريقية ويريد في الوقت ذاته تقسيم الدول وفصل شمالها عن جنوبها.
نعرف أن ثمن اتخاذ موقف واضح من الزعيم الليبي يتطلب بعض التضحيات، فهو لن يتردد في طرد آلاف المهاجرين المغاربة المقيمين بليبيا، ولن يتردد في سحب شركاته التي تستثمر دولارات النفط في المغرب.
لكن، ألا تستحق الصحراء، التي ضحى من أجلها آلاف المغاربة واسترخصوا أرواحهم في سبيلها، أن تضحي الحكومة من أجلها بهذه الحفنة من دولارات العقيد. بلى، تستحق وأكثر. أما المغاربة الذين قد يطردهم العقيد، فعلى الحكومة أن تجد لهم شغلا يحفظ لهم كرامتهم في بلدهم ويعفيهم من تحمل الذل والهوان في بلاد لا أثر فيها لحقوق الإنسان، فبالأحرى أن يكون فيها أثر لحقوق المهاجرين.
فهذا سيكون أحسن رد على العقيد الذي يتصور أن المغاربة سيموتون من الجوع إذا عادوا إلى بلدهم.
قليلا من الكرامة والنخوة. هذا كل ما نطلبه من عباس ووزيره في الخارجية. وآخر ما يمكن أن نقوله لهذين الوزيرين هو:
«طيحتو علينا الذل، الله ياخذ فيكم الحق.. آمين».
لكي يخففوا من ألم هذه الصفعة التي أكلوها يقولون إنهم تلقوا ضمانات قبل تلبية دعوة القذافي بألا يحضر ممثل عن جبهة البوليساريو في منصة الحفل العسكري. لكن متى كان القذافي يتلزم بوعوده. اسألوا كم معارضا لاجئا في الخارج صدق وعوده بالصفح عن كل من يعود منهم إلى ليبيا، ابتلع الطعم وعاد إلى بلاده.
القذافي هذه المرة لم يهن الحكومة المغربية وإنما أهان الشعب المغربي الذي ضحى أبناؤه بدمائهم من أجل الصحراء. وإمعانا في قلي السم للمغرب، جعل القذافي من بوتفليقة ضيف الشرف في هذا الاحتفال، وأجلسه عن يمينه وعزف له نشيد الثورة الجزائرية، النشيد الذي قال عنه القذافي إنه كان أكبر محفز له على القيام بثورته على الملك السنوسي في ليبيا والجلوس على عرشه أربعين سنة.
لقد دللت الخارجية المغربية العقيد كثيرا، وسكتت عن حماقاته وابتلعت لسانها في كل مرة تصدر عنه فيها تصريحات معادية لوحدتنا الترابية. ورغم أن الفاسي الفهري سمع القذافي يقول في الاجتماع الأخير لمنظمة الوحدة الإفريقية، يوم الثلاثاء الماضي، إن الحل الوحيد لقضية الصحراء هو الاستفتاء في إطار مشروع تقرير المصير، فقد تصرف وكأنه لم يسمع شيئا وذهب عند العقيد، مع أن الموقف السياسي الأنسب كان هو إلغاء السفر بعد هذا التصريح المعادي لوحدة المغرب الترابية.
ورغم أن العقيد كان واضحا في موقفه فإن الخارجية المغربية فضلت، مرة أخرى، أن تدس رأسها في الرمال، وأن تذهب لتبارك له عيد الفاتح من سبتمبر. وهاهي تتلقى صفعة مدوية هي والتجريدة العسكرية التي ذهبت لتشارك في الاستعراض العسكري المقام بالمناسبة، بعد اكتشاف الفاسي الفهري لعبد العزيز المراكشي بين المدعوين، تماما كما اكتشف في مفاوضات «فيينا»، أسابيع قبل الآن، حضور وزير جزائري ضمن وفد البوليساريو المفاوض. يبدو أن وزيرنا في الخارجية يكتشف المفاجآت السيئة بشكل متأخر دائما. والمسكين معذور، فهو منشغل بتواريخ وأماكن المعارض التي تقيمها زوجته الرسامة، وغارق في البحث عن أسماء الأساتذة والباحثين الذين يستدعيهم ابنه ذو الخمسة والعشرين عاما لمؤسسته من أجل التفكير في مصير العالم.
ولعل ما دفع العقيد القذافي إلى إهانة الوفد المغربي، الذي جاء للاحتفال معه، هو كونه يعيش هذه الأيام منتشيا بالانتصارات الدبلوماسية الباهرة التي حققها بفضل آبار نفطه، فقد نجح في خلق أزمة سياسية في سويسرا عندما أجبر حكومة هذه الأخيرة على الاعتذار إليه بسبب اعتقالها لابنه وزوجته، فنشبت الحرب بين الحكومة والمعارضة والصحافة السويسرية التي اعتبرت موقف الوزير الأول مخجلا ومثيرا للشفقة؛ ونجح القذافي في خلق أزمة سياسية في بريطانيا عندما صرح ابنه بأن عملية إطلاق المقرحي كانت نقطة ضمن صفقات بترولية وقعتها ليبيا وبريطانيا، فقامت القيامة في لندن وشنت الصحافة حربا شرسة على ما تبقى من حكومة «بلير»، إلى الحد الذي وجدت معه الحكومة نفسها مضطرة إلى نشر وثائق ومراسلات حول إطلاق سراح المقرحي لكي تنفي عنها التهمة وتلصقها بالسلطات الأسكتلندية.
ونجح في خلق الفتنة، هذه الأيام، في نيويورك بين عمدتها وأسر ضحايا طائرة «لوكربي» عندما راسل العمدة يطلب ترخيصا لنصب خيمته البدوية في إحدى حدائق نيويورك خلال زيارته المتوقعة قريبا. وعندما رفضوا طلبه، تحداهم وقرر نصب خيمته في محيط سفارة ليبيا بنيويورك.
ونجح، قبل يومين، في خلق فتنة في السودان عندما قال إنه يؤيد انفصال شمال السودان عن جنوبه، ووعد الجنوب بدعمه إذا ما قرر الانفصال.
إن موهبة القذافي الوحيدة هي براعته في دعم الانفصال أينما كان. وإذا كانت هناك من وظيفة يمكن أن يقوم بها القذافي أحسن قيام فهي وظيفة «متعهد انقلابات» على وزن «متعهد حفلات». وما لا يريد الفاسي الفهري أن يفهمه هو أن القذافي ليس صديق المغرب، ولن يكون في يوم من الأيام صديقا للمغرب، فهو من أنشأ البوليساريو، وهو من احتضن المعارضة اليسارية الراديكالية ودعمها بالمال والسلاح عندما كانت تخطط للقيام بانقلاب على الحسن الثاني، وهو من كان يتصل بكل الحركات المعارضة داخل المغرب لكي يقترح عليها مدها بالسلاح لقلب نظام الحكم، وهو من كان يرسل العتاد إلى الجزائريين عندما كانوا يتحاربون ضد المغرب، وبسلاحه مات الآلاف من الشهداء المغاربة في رمال الصحراء، وهو من يحرض اليوم الدول الإفريقية ويبتزها لكي يقايضها النفط مقابل الاعتراف بالبوليساريو، والدليل على ذلك أن المغرب انسحب أيام الحسن الثاني من عضوية منظمة المؤتمر الإفريقي بسبب إصرار القذافي على الاحتفاظ بمقعد لممثل الانفصاليين إلى جانبه في المؤتمر، تماما كما يصنع اليوم عندما يجلسه خلفه في المنصة الشرفية لاحتفالاته بالذكرى الأربعين للانقلاب.
إن هوايات القذافي المفضلة هي هذه، وهو لا يستطيع العيش بدونها. ومن شدة ما أسكرته «خبطاته الدبلوماسية» الأخيرة أصبح يتخيل أنه انتصر على القوى الاستعمارية الرأسمالية العالمية ومرغ أنفها في التراب، فهو يجهل أن برلسكوني الذي وقع له اعتذارا عن سنوات الاستعمار وقع مع الاعتذار عقود صفقات بملايين الدولارات ستعيد إلى ليبيا الاستعمار الإيطالي من جديد، لكن هذه المرة بواسطة الشركات الإيطالية العملاقة وليس بواسطة الدبابات والطائرات.
ونسي أن الوزير الأول السويسري، عندما قدم إليه اعتذارا رسميا عن اعتقال ابنه، وقع أيضا مع الاعتذار عقودا للاستمرار في الاستفادة من أنابيب الغاز والبترول مقابل الإبقاء على ثورات القذافي في البنوك السويسرية التي تستثمر هذه الثروات ومن فوائدها تؤدي فواتير النفط والغاز الذي تشتريه من ليبيا، أي أن سويسرا هي أحسن من يطبق المثل المغربي القائل «من ليحيتو لقم ليه».
وبريطانيا، التي شاركت في مفاوضات إطلاق سراح المقرحي، استفادت هي أيضا من صفقات الغاز والبترول مقابل إطلاق سراح مدان بالإرهاب لن يمهله مرض السرطان طويلا، أي أنها فضلت أن يموت المقرحي عند القذافي وتستفيد من ورائه على أن يموت في سجونها ولا تستفيد شيئا من موته. وإذا كانت سويسرا هي أحسن من يطبق مثل «من ليحيتو لقم ليه»، فإن بريطانيا هي أحسن من يطبق المقولة المأثورة التي تقول «الحي أولى من الميت».
وهكذا، فما يعتبره القذافي انتصارات ليس في الواقع سوى «بطولات» وهمية يشتريها ويسدد ثمنها بالدولار لكي يشفي غروره ويظهر لشعبه أنه قادر على جعل أقوى الدول الصناعية تخضع أمام ملك ملوك إفريقيا.
لذلك على الدبلوماسية المغربية أن تصحو من أوهامها وتتعلم من أخطائها وتتخلى عن «نيتها» وسذاجتها، فالقذافي ماض في مخططاته المجنونة التي تريد أن تجمع بين المتناقضات، فهو يريد أن يوحد إفريقيا في الولايات المتحدة الإفريقية ويريد في الوقت ذاته تقسيم الدول وفصل شمالها عن جنوبها.
نعرف أن ثمن اتخاذ موقف واضح من الزعيم الليبي يتطلب بعض التضحيات، فهو لن يتردد في طرد آلاف المهاجرين المغاربة المقيمين بليبيا، ولن يتردد في سحب شركاته التي تستثمر دولارات النفط في المغرب.
لكن، ألا تستحق الصحراء، التي ضحى من أجلها آلاف المغاربة واسترخصوا أرواحهم في سبيلها، أن تضحي الحكومة من أجلها بهذه الحفنة من دولارات العقيد. بلى، تستحق وأكثر. أما المغاربة الذين قد يطردهم العقيد، فعلى الحكومة أن تجد لهم شغلا يحفظ لهم كرامتهم في بلدهم ويعفيهم من تحمل الذل والهوان في بلاد لا أثر فيها لحقوق الإنسان، فبالأحرى أن يكون فيها أثر لحقوق المهاجرين.
فهذا سيكون أحسن رد على العقيد الذي يتصور أن المغاربة سيموتون من الجوع إذا عادوا إلى بلدهم.
قليلا من الكرامة والنخوة. هذا كل ما نطلبه من عباس ووزيره في الخارجية. وآخر ما يمكن أن نقوله لهذين الوزيرين هو:
«طيحتو علينا الذل، الله ياخذ فيكم الحق.. آمين».
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
اللي ماجمع فراشو وغسل كساتو وطيب عشاتو..:رشيد نيني
إن أحسن موقف يمكن أن يتخذه المغرب بعد الصفعة الأخيرة التي تلقاها من
معمر القذافي، عندما استضاف هذا الأخير عبد العزيز المراكشي، زعيم
البوليساريو، في منصة احتفالاته بالذكرى الأربعين لانقلابه المجيد، هو أن
يجمع «رأسه» ويراجع أوراقه ويسلح نفسه ويقوي جبهته الداخلية ويطهر صفوف
قواته المسلحة من الزوائد والشوائب استعدادا للأسوأ. فيبدو أننا مقبلون
على أزمنة صعبة في الصحراء، بسبب ما تقوم به الجزائر من سباق نحو التسلح
وضغط ومقايضة بالنفط لشراء المواقف المعادية لوحدة المغرب.
علينا أن نرجع إلى المقولة التي كان يرددها الحسن الثاني بافتخار
كلما سأله الصحافيون عن قضية الصحراء: «المغرب في أرضه أحب من أحب وكره من
كره».
عندما نتحدث عن تقوية الجبهة الداخلية، فأول شيء يجب أن ننتبه إليه
هو خطورة ما يسمى بانفصاليي الداخل، هؤلاء الصحراويون الذين يحملون بطاقة
التعريف الوطنية ويدرسون في جامعات مغربية ويتقاضون منحا من خزينة الدولة
ويستعملون النقل العمومي المغربي، ومع ذلك تجدهم مستعدين لإحراق العلم
المغربي في أول مناسبة ورفع علم البوليساريو. أمثال هؤلاء هم الذين
يحاولون هذه الأيام اختلاق مصادمات مع رجال الأمن في الصحراء حتى تجد
اللجنة، التي كلفها الكونغرس الأمريكي بإعداد تقرير حول أوضاع حقوق
الإنسان في الصحراء، أشياء تكتبها على صفحات تقريرها المنتظر تقديمه خلال
أيام. هذا التقرير هو الذي سيحدد ما إذا كانت لجنة المالية في الكونغرس
ستوافق على منح المغرب مساعدات مالية برسم هذه السنة أم لا؛ لذلك تجد
هؤلاء الانفصاليين هذه الأيام يحاولون اختلاق حالات اختطاف واعتداء وهمية
عليهم من طرف رجال الأمن، واستدراج الصحافة لنشر تلك الأخبار لكي يترجموها
ويبعثوا بها إلى المنظمات الحقوقية العالمية.
وكل الدول التي تفكر في مستقبلها وأمنها تعد أبناءها إعدادا صلبا
يليق بمفاجآت الغد؛ فنحن نعيش في عالم يأكل فيه القوي الضعيف، عالم متوحش
لا مجال فيه للرحمة، عالم إذا غلبك فيه عدو استباح عرضك واغتصب بناتك
ونساءك، مع تصوير كل ذلك على أشرطة وتوزيعه على وسائل الإعلام حتى تكون
فضيحتك أكبر. ومثال العراقيين لازال طريا في الأذهان. لذلك يجب أن يفهم
أبناء المغاربة اليوم أن الغد لن يكون سهلا بالشكل الذي يتصورونه. ستأتي
الأزمنة الرديئة، ويجب أن نكون مستعدين لها من الآن. وليس بجيل من
العاطلين عن العمل والتفكير سنواجه تحديات المستقبل. وشخصيا، أصبحت أنزعج
كثيرا عندما يقترب مني شاب في العشرين من عمره يلبس أحسن مني، ومع ذلك لا
يخجل من أن يطلب درهما أو درهمين ليأخذ الحافلة إلى بيته. لقد أصبح عاديا
أن يتسول الشباب ذوو الأكتاف العريضة في الشوارع بلا إحساس بالذنب،
والمصيبة أن بعضهم لا يخجل من توقيف فتاة في مثل عمره ومطالبتها بدرهم أو
درهمين؛ وأصبحت بعض الفتيات من أجل ساندويتش من «النقانق» وعصير «باناشي»
يقبلن بركوب أول سيارة تقف أمامهن؛ هذا يعني أن شبابنا يحتاج فعلا إلى
«الحكان». لذلك فثلاثة عشر شهرا من الخدمة العسكرية ستكون مفيدة لآلاف
الشباب والشابات لكي يعرفوا بحق «الخبز الحرفي» الذي يتعفرون عليه في
الصباح عندما يستيقظون في منتصف النهار «معمشين» بعد قضاء الليل كله أمام
القنوات الفضائية يتابعون أغاني «الفيديو سليب». ثلاثة عشر شهرا من
«الكرفي» ستكون مفيدة لكي يعرف الشبان ما معنى الدفاع الذاتي في الغابات
عوض الجلوس طيلة النهار فوق كراسي الحدائق العمومية لتدخين «الجوانات»،
و«يشللو» آذانهم بسماع أزيز الرصاص عوض سماع أغاني «آه ونص»، والمشي عبر
الجبال بحذاء مليء بالحصى عوض التسكع في الشوارع بحذاء يساوي راتبا شهريا
لموظف في السلم الخامس وسروال مجرور فوق الأرض مثل سراويل «هداوة».
وخلال السبعينيات والثمانينيات، كان أكثر ما يخيف الشباب العاطل هو
أن يحمل إليهم المقدم استدعاء للمثول أمام باب «قشلة» العسكر. كان «لابلي»
شبحا يخيف آلاف الشباب الذين يقضون نهارهم متكئين على الحيطان في الدروب،
وكأنهم يمسكونها حتى لا تسقط. ولذلك عندما كان يشيع خبر وصول تلك
الاستدعاءات يسافر الشباب إلى مدن بعيدة حتى لا يعثر عليهم مقدم الحي،
ومنهم من كان يطلي رجله أو ذراعه بالجبس ويستعير عكاز جده لكي يتظاهر
بالعجز ويتم استثناؤه من الخدمة
العسكرية.
وطيلة سنوات، تم تجميد قانون الخدمة العسكرية. لم يعد الشباب مجبرين
على قضاء كل تلك الأشهر الطويلة وراء أسوار «القشالي» يعيشون على العدس
ولحم الجاموسة ويتدربون على القتال وفنون الحرب. لذلك فعلى كل الشبان
والشابات الذين لا شغل لهم غير التسكع في الشوارع أن يعدوا أنفسهم لخلع
سراويل «الطاي باص» والأحذية الرياضية لكي يستبدلوها بالبذلة العسكرية
والحذاء الثقيل. وشخصيا، أجد هذا القرار أكثر من صائب، لأنه سيمكن الآلاف
من أبنائنا المدللين وبناتنا المدللات من الابتعاد قليلا عن حضن آبائهم،
وسيجربون الاستيقاظ في الفجر عوض البقاء «خامرين» في الفراش إلى الحادية
عشرة زوالا.
فيبدو أننا إذا سرنا على هذه الوتيرة فإننا سنحصل، في السنوات
القليلة القادمة، على جيل مترهل؛ والأخطر من ذلك أننا قد نحصل على جيل
عديم الخشونة، يعير كل الاهتمام إلى الثقوب التي في سراويله عوض الثقوب
التي في عقله. وهنا، تظهر أهمية الخدمة العسكرية كمدرسة لحك الشباب
وإعدادهم للمحن. فليس بهذه الأجيال من الكسالى والعاجزين سنواجه تحديات
المستقبل.
ولهذا تحرص كل الدول التي تضع حسابا للمستقبل على فرض التجنيد
الإجباري. وفي أمريكا، مثلا، يستحيل على فار من التجنيد الإجباري أن ينجح
في الانتخابات، فالجميع بغض النظر عن مستواه الاجتماعي يمر عبر صفوف
«المارينز»؛ وفي إسرائيل، جميع المواطنين خضعوا للتدريب العسكري واستعمال
السلاح؛ أما في إنجلترا، فحتى الأمراء يتم إرسالهم إلى أفغانستان لقضاء
فترة تدريب عسكري في الجبال. هكذا، يكتشف الشباب حياة أخرى أكثر خشونة
وقسوة.
ونظرا إلى أنني قريب بعض الشيء من عالم شباب اليوم، أستطيع أن أؤكد
لكم أن هاوية سحيقة تنتظرنا في المستقبل. فأغلب الشباب والمراهقين أصبح
لديهم تصور خاطئ حول النجاح، إذ يكفي أن يعرف الواحد منهم أسماء المغنيات
ويثقب أنفه أو أذنه حتى يتصور نفسه قد دخل المستقبل من بابه الواسع.
وطبعا، فهؤلاء الشباب لا يتحملون مسؤولية هذا الفهم الخاطئ بمفردهم،
فوسائل الإعلام تسوق أمامهم يوميا نماذج ورقية خادعة لهذا النجاح الموعود.
يكفي أن تجيد الرقص وأن يكون لديك صوت جميل لكي تضمن مستقبلك، وكأن
الموهبة الوحيدة التي يمكن أن تنفع صاحبها في هذه البلاد هي «التلواز».
وهذا اختزال خطير للموهبة ولفكرة المستقبل برمتها، والنتيجة هي ما أصبحنا
نراه ونسمعه يوميا.. شباب ضعيف البنية والشخصية والتكوين يتصور أن الحياة
هي ساعة «سواتش» في المعصم وحلقة ذهبية في الأذن وما يكفي من الثقوب في
السراويل، وبنات قاصرات يعرضن أجسادهن على المواقع الإلكترونية أمام
الغرباء.
أتمنى أن يطبق قانون الخدمة العسكرية الإجبارية في أسرع وقت، وأن
يشمل الجميع بدون استثناء، من أبناء الفقراء إلى أبناء الفاسي الفهري.
هكذا، ستلتقي الطبقات الاجتماعية في ما بينها داخل الثكنات وتتعارف عن
قرب، وربما تتغير نظرة هؤلاء وأولئك نحو الأحسن فتقل نسبة الكراهية التي
يشعر بها الاثنان نحو بعضهما البعض.
كما أن هناك الآلاف من الشباب الذين ستتغير نظرتهم إلى الحياة
والمستقبل عندما سيقضون كل تلك الأشهر بالزي العسكري. على الأقل، سترتاح
بعض كراسي المقاهي منهم، وبعضهم الآخر سيريح والديه من مصروف قهوته
وسجائره اليومي، وسيتعلمون مثل رجال حقيقيين كيف يغسلون ثيابهم ويعدون
طعامهم ويجمعون فراشهم. ورحم الله سيدي عبد الرحمن المجذوب الذي قال ذات
قصيدة «اللي ماجمع فراشو وغسل كساتو وطيب عشاتو، موتو حسن لو من حياتو».
معمر القذافي، عندما استضاف هذا الأخير عبد العزيز المراكشي، زعيم
البوليساريو، في منصة احتفالاته بالذكرى الأربعين لانقلابه المجيد، هو أن
يجمع «رأسه» ويراجع أوراقه ويسلح نفسه ويقوي جبهته الداخلية ويطهر صفوف
قواته المسلحة من الزوائد والشوائب استعدادا للأسوأ. فيبدو أننا مقبلون
على أزمنة صعبة في الصحراء، بسبب ما تقوم به الجزائر من سباق نحو التسلح
وضغط ومقايضة بالنفط لشراء المواقف المعادية لوحدة المغرب.
علينا أن نرجع إلى المقولة التي كان يرددها الحسن الثاني بافتخار
كلما سأله الصحافيون عن قضية الصحراء: «المغرب في أرضه أحب من أحب وكره من
كره».
عندما نتحدث عن تقوية الجبهة الداخلية، فأول شيء يجب أن ننتبه إليه
هو خطورة ما يسمى بانفصاليي الداخل، هؤلاء الصحراويون الذين يحملون بطاقة
التعريف الوطنية ويدرسون في جامعات مغربية ويتقاضون منحا من خزينة الدولة
ويستعملون النقل العمومي المغربي، ومع ذلك تجدهم مستعدين لإحراق العلم
المغربي في أول مناسبة ورفع علم البوليساريو. أمثال هؤلاء هم الذين
يحاولون هذه الأيام اختلاق مصادمات مع رجال الأمن في الصحراء حتى تجد
اللجنة، التي كلفها الكونغرس الأمريكي بإعداد تقرير حول أوضاع حقوق
الإنسان في الصحراء، أشياء تكتبها على صفحات تقريرها المنتظر تقديمه خلال
أيام. هذا التقرير هو الذي سيحدد ما إذا كانت لجنة المالية في الكونغرس
ستوافق على منح المغرب مساعدات مالية برسم هذه السنة أم لا؛ لذلك تجد
هؤلاء الانفصاليين هذه الأيام يحاولون اختلاق حالات اختطاف واعتداء وهمية
عليهم من طرف رجال الأمن، واستدراج الصحافة لنشر تلك الأخبار لكي يترجموها
ويبعثوا بها إلى المنظمات الحقوقية العالمية.
وكل الدول التي تفكر في مستقبلها وأمنها تعد أبناءها إعدادا صلبا
يليق بمفاجآت الغد؛ فنحن نعيش في عالم يأكل فيه القوي الضعيف، عالم متوحش
لا مجال فيه للرحمة، عالم إذا غلبك فيه عدو استباح عرضك واغتصب بناتك
ونساءك، مع تصوير كل ذلك على أشرطة وتوزيعه على وسائل الإعلام حتى تكون
فضيحتك أكبر. ومثال العراقيين لازال طريا في الأذهان. لذلك يجب أن يفهم
أبناء المغاربة اليوم أن الغد لن يكون سهلا بالشكل الذي يتصورونه. ستأتي
الأزمنة الرديئة، ويجب أن نكون مستعدين لها من الآن. وليس بجيل من
العاطلين عن العمل والتفكير سنواجه تحديات المستقبل. وشخصيا، أصبحت أنزعج
كثيرا عندما يقترب مني شاب في العشرين من عمره يلبس أحسن مني، ومع ذلك لا
يخجل من أن يطلب درهما أو درهمين ليأخذ الحافلة إلى بيته. لقد أصبح عاديا
أن يتسول الشباب ذوو الأكتاف العريضة في الشوارع بلا إحساس بالذنب،
والمصيبة أن بعضهم لا يخجل من توقيف فتاة في مثل عمره ومطالبتها بدرهم أو
درهمين؛ وأصبحت بعض الفتيات من أجل ساندويتش من «النقانق» وعصير «باناشي»
يقبلن بركوب أول سيارة تقف أمامهن؛ هذا يعني أن شبابنا يحتاج فعلا إلى
«الحكان». لذلك فثلاثة عشر شهرا من الخدمة العسكرية ستكون مفيدة لآلاف
الشباب والشابات لكي يعرفوا بحق «الخبز الحرفي» الذي يتعفرون عليه في
الصباح عندما يستيقظون في منتصف النهار «معمشين» بعد قضاء الليل كله أمام
القنوات الفضائية يتابعون أغاني «الفيديو سليب». ثلاثة عشر شهرا من
«الكرفي» ستكون مفيدة لكي يعرف الشبان ما معنى الدفاع الذاتي في الغابات
عوض الجلوس طيلة النهار فوق كراسي الحدائق العمومية لتدخين «الجوانات»،
و«يشللو» آذانهم بسماع أزيز الرصاص عوض سماع أغاني «آه ونص»، والمشي عبر
الجبال بحذاء مليء بالحصى عوض التسكع في الشوارع بحذاء يساوي راتبا شهريا
لموظف في السلم الخامس وسروال مجرور فوق الأرض مثل سراويل «هداوة».
وخلال السبعينيات والثمانينيات، كان أكثر ما يخيف الشباب العاطل هو
أن يحمل إليهم المقدم استدعاء للمثول أمام باب «قشلة» العسكر. كان «لابلي»
شبحا يخيف آلاف الشباب الذين يقضون نهارهم متكئين على الحيطان في الدروب،
وكأنهم يمسكونها حتى لا تسقط. ولذلك عندما كان يشيع خبر وصول تلك
الاستدعاءات يسافر الشباب إلى مدن بعيدة حتى لا يعثر عليهم مقدم الحي،
ومنهم من كان يطلي رجله أو ذراعه بالجبس ويستعير عكاز جده لكي يتظاهر
بالعجز ويتم استثناؤه من الخدمة
العسكرية.
وطيلة سنوات، تم تجميد قانون الخدمة العسكرية. لم يعد الشباب مجبرين
على قضاء كل تلك الأشهر الطويلة وراء أسوار «القشالي» يعيشون على العدس
ولحم الجاموسة ويتدربون على القتال وفنون الحرب. لذلك فعلى كل الشبان
والشابات الذين لا شغل لهم غير التسكع في الشوارع أن يعدوا أنفسهم لخلع
سراويل «الطاي باص» والأحذية الرياضية لكي يستبدلوها بالبذلة العسكرية
والحذاء الثقيل. وشخصيا، أجد هذا القرار أكثر من صائب، لأنه سيمكن الآلاف
من أبنائنا المدللين وبناتنا المدللات من الابتعاد قليلا عن حضن آبائهم،
وسيجربون الاستيقاظ في الفجر عوض البقاء «خامرين» في الفراش إلى الحادية
عشرة زوالا.
فيبدو أننا إذا سرنا على هذه الوتيرة فإننا سنحصل، في السنوات
القليلة القادمة، على جيل مترهل؛ والأخطر من ذلك أننا قد نحصل على جيل
عديم الخشونة، يعير كل الاهتمام إلى الثقوب التي في سراويله عوض الثقوب
التي في عقله. وهنا، تظهر أهمية الخدمة العسكرية كمدرسة لحك الشباب
وإعدادهم للمحن. فليس بهذه الأجيال من الكسالى والعاجزين سنواجه تحديات
المستقبل.
ولهذا تحرص كل الدول التي تضع حسابا للمستقبل على فرض التجنيد
الإجباري. وفي أمريكا، مثلا، يستحيل على فار من التجنيد الإجباري أن ينجح
في الانتخابات، فالجميع بغض النظر عن مستواه الاجتماعي يمر عبر صفوف
«المارينز»؛ وفي إسرائيل، جميع المواطنين خضعوا للتدريب العسكري واستعمال
السلاح؛ أما في إنجلترا، فحتى الأمراء يتم إرسالهم إلى أفغانستان لقضاء
فترة تدريب عسكري في الجبال. هكذا، يكتشف الشباب حياة أخرى أكثر خشونة
وقسوة.
ونظرا إلى أنني قريب بعض الشيء من عالم شباب اليوم، أستطيع أن أؤكد
لكم أن هاوية سحيقة تنتظرنا في المستقبل. فأغلب الشباب والمراهقين أصبح
لديهم تصور خاطئ حول النجاح، إذ يكفي أن يعرف الواحد منهم أسماء المغنيات
ويثقب أنفه أو أذنه حتى يتصور نفسه قد دخل المستقبل من بابه الواسع.
وطبعا، فهؤلاء الشباب لا يتحملون مسؤولية هذا الفهم الخاطئ بمفردهم،
فوسائل الإعلام تسوق أمامهم يوميا نماذج ورقية خادعة لهذا النجاح الموعود.
يكفي أن تجيد الرقص وأن يكون لديك صوت جميل لكي تضمن مستقبلك، وكأن
الموهبة الوحيدة التي يمكن أن تنفع صاحبها في هذه البلاد هي «التلواز».
وهذا اختزال خطير للموهبة ولفكرة المستقبل برمتها، والنتيجة هي ما أصبحنا
نراه ونسمعه يوميا.. شباب ضعيف البنية والشخصية والتكوين يتصور أن الحياة
هي ساعة «سواتش» في المعصم وحلقة ذهبية في الأذن وما يكفي من الثقوب في
السراويل، وبنات قاصرات يعرضن أجسادهن على المواقع الإلكترونية أمام
الغرباء.
أتمنى أن يطبق قانون الخدمة العسكرية الإجبارية في أسرع وقت، وأن
يشمل الجميع بدون استثناء، من أبناء الفقراء إلى أبناء الفاسي الفهري.
هكذا، ستلتقي الطبقات الاجتماعية في ما بينها داخل الثكنات وتتعارف عن
قرب، وربما تتغير نظرة هؤلاء وأولئك نحو الأحسن فتقل نسبة الكراهية التي
يشعر بها الاثنان نحو بعضهما البعض.
كما أن هناك الآلاف من الشباب الذين ستتغير نظرتهم إلى الحياة
والمستقبل عندما سيقضون كل تلك الأشهر بالزي العسكري. على الأقل، سترتاح
بعض كراسي المقاهي منهم، وبعضهم الآخر سيريح والديه من مصروف قهوته
وسجائره اليومي، وسيتعلمون مثل رجال حقيقيين كيف يغسلون ثيابهم ويعدون
طعامهم ويجمعون فراشهم. ورحم الله سيدي عبد الرحمن المجذوب الذي قال ذات
قصيدة «اللي ماجمع فراشو وغسل كساتو وطيب عشاتو، موتو حسن لو من حياتو».
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مالكم على حالتكم/رشيد نيني
كم من الحماقات ترتكب باسم الحرية. هكذا فكرت وأنا أقرأ خبر «الإفطار
الجماعي» الذي أراد ستة شباب تنظيمه أمام محطة القطار بالمحمدية أول أمس
قبل سبع ساعات من موعد أذان المغرب.
وحسب متزعمة حركة الإفطار العلني في رمضان، فإن هذه المبادرة تأتي
احتجاجا على فصل في القانون المغربي ينص على اعتقال كل شخص مسلم يجاهر
بإفطاره خلال رمضان، واحتجاجا أيضا على الاعتقالات التي تتم كل سنة
لمفطرين يتجرؤون على المجاهرة بإفطارهم. وأضافت زعيمة الحركة أن الشرطة
اعتقلت خلال رمضان الحالي أشخاصا بسبب إفطارهم في مدن مغربية مختلفة.
كصحافي يطالع وكالات الأنباء والصحف يوميا، لا أذكر أنني قرأت خبر
اعتقال مفطر خلال رمضان الحالي. وإذا ما طالبنا زعيمة حركة «فطارين رمضان»
بأسماء هؤلاء «الضحايا» فإنها ستكون عاجزة عن تقديم اسم واحد.
في المغرب هناك الآلاف من الأشخاص الذين لا يصومون، ليس بسبب عارض
صحي، وإنما لأنهم يعتقدون أنهم بإفطارهم يمارسون حريتهم الشخصية. ولا أحد
جاء لكي يعتقلهم ويرميهم في السجن بسبب إفطارهم. نعرف مقرات مجلات تصفر
فيها الكوكوت بالنهار طيلة شهر رمضان، ومع ذلك لا أحد اقتحم على هؤلاء
المفطرين مقراتهم من أجل اعتقالهم في حالة تلبس بفتخ «جوان» أو أكل صحن من
المرقة ساعة الغداء.
لماذا، إذن، هذا الخروج إلى العلن و»الإفطار الجماعي» في محطة
للمسافرين، ولماذا حظيت هذه الوقفة بتغطية واسعة من طرف الصحافة الإسبانية
التي كان عدد صحافييها ومصوريها يضاعف عدد المشاركين في الوقفة.
لعل واحدة من أكبر المفارقات أن الصحافية، التي تتزعم حركة «فطارين
رمضان» والتي تعتبر الإفطار العلني في بلاد تصوم الأغلبية الساحقة من
سكانها حقا من حقوقها الفردية، تخوض حملة إعلامية شرسة ضد المغربيات
اللواتي يذهبن إلى المسابح الخاصة للسباحة بثياب تستر أجسادهن. فهؤلاء
النساء، حسب الصحافية، يلوثن بثيابهن مياه المسبح، ولذلك فدفاعها عن
المايوه ليس بسبب موقف ثقافي وإنما فقط بسبب موقف صحي له علاقة بالنظافة
أكثر من شيء آخر. هكذا، يصبح المايوه مرادفا للنظافة والطهارة بينما يصبح
الحجاب مرادفا للقذارة والميكروبات.
ولعل هذا أكبر تناقض تسقط فيه «زميلتنا» المبتدئة في النضال. فهي
تقول إن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ، ولذلك يجب الدفاع عن الحقوق الفردية
بجميع أشكالها. لكن عندما يتعلق الأمر بحق المرأة في السباحة بلباس آخر
غير المايوه، تختفي هذه الحقوق الفردية وتشهر الورقة الحمراء في وجه
الراغبات في الاستمتاع بحقهن في الاستحمام بلباس يخترنه بكل حرية.
وحتى في فرنسا التي يعتبرها دعاة الحقوق الفردية في المغرب نموذجا
مثاليا في هذا الموضوع، فإن الحكومة كونت لجنة خاصة لتدارس ظاهرة النساء
المنقبات، وطالب وزير الداخلية علانية بمنع هذا اللباس الذي لا يتناسب مع
مبادئ الجمهورية، رغم أن النساء الثلاثمائة اللواتي يلبسن النقاب في كل
فرنسا أغلبهن فرنسيات أبا عن جد ودخلن الإسلام عن طواعية؛ فأين هي الحرية
الفردية في ارتداء اللباس الذي تريده النساء في فرنسا يا ترى؟ وفي هولندا،
هناك اليوم حملة في البرلمان لمنع الحجاب والعلامات الدينية البارزة، فأين
هي حرية اللباس والتدين في بلاد محكمة لاهاي الدولية؟
إذن، فالهدف من هذه الوقفة في محطة القطار حيث يكثر المسافرون كان هو
الاستفزاز ولا شيء آخر غير الاستفزاز. استفزاز مشاعر الصائمين ودفع بعض
المتعصبين إلى ارتكاب حماقة تلتقطها عدسات المصورين من أجل نشرها عبر
العالم لكشف «وحشية» و«همجية» المسلمين الذين يصومون رمضان ولا يتسامحون
مع من يختار إفطاره. والجميع يعرف خطورة الصورة في عالمنا الراهن، وكيف
تستطيع صورة واحدة أن تقلب بلادا رأسا على عقب. لكن لحسن الحظ لم يستطع
المشاركون في الوقفة التهام «الفقاص» الذي أحضروه معهم في «صيكانهم»،
واكتفوا بإعطاء تصريحات للصحافة والتقاط صور ظهرت في الصحافة الإسبانية
الليلة نفسها مرفقة بمقالات منها واحد صدر بجريدة «إلموندو» عنوانه «100
شرطي ضد 10 سندويتشات».
ورغم أن القوانين المغربية تعاقب على الإفطار العلني في رمضان، فإن
هذا الفصل يعيش عطالة مزمنة، وإذا كان هناك من مغربي يريد دخول
«ماكدونالدز» للإفطار فلا أحد سيمنعه. وهناك مقاه تفتح أبوابها للسياح
الأجانب والمفطرين الذين لا يصومون بسبب عارض صحي أو بدونه.
ومثلما أن السجون المغربية لا يوجد بها معتقلون بتهمة إفطار رمضان،
فإنها تخلو أيضا من معتقلين شواذ دخلوا السجن لمجرد أنهم أعلنوا عن
شذوذهم. فالشواذ الذين يوجدون اليوم في السجون المغربية هم شواذ اعتقلوا
بتهمة الدعارة واعتقلوا في حالة تلبس برفقة سياح أو برفقة عاهرات يمارسن
الفساد. أما الشواذ الذين يعترفون بشذوذهم علنيا في وسائل الإعلام
ويفتخرون به، فإن الأبواب التي تفتح لهم في المغرب ليست أبواب «عكاشة» أو
«الزاكي» وإنما أبواب قناة عين السبع. وأكبر مثال على هذا الاحتفاء
الإعلامي بمن يعترف بشذوذه أن القناة الثانية خصصت للكاتب المغربي الشاذ
عبد الله الطايع من اللقاءات والبرامج ما لم تخصصه لعبد الله العروي أو
المنجرة. ورغم اعترافه بشذوذه واعتراف آخرين معه بذلك على صفحات الجرائد
والمجلات، فإنهم ظلوا أحرارا ولم تصدر أية متابعة في حقهم.
ثم إن القانون المغربي يمنع تعاطي الخمور وبيعها للمسلمين، ويعاقب
عليها بالسجن والغرامة. هل سمعتم ذات يوم أن رجال الأمن داهموا خمارة أو
بارا أو كازينوها يسكر فيه المغاربة المسلمون واقتادوهم إلى المخفر لتسجيل
محاضر لهم وإرسالهم إلى المحاكمة. شخصيا، لم أسمع بهذا مطلقا، بل الذي
يحدث هو العكس، فمن كثرة ما تمنحه وزارة الداخلية من تراخيص لأصحاب
البارات والخمارات، أصبحت هذه الأماكن تقتحم على المغاربة أحياءهم
السكنية. والقانون المغربي لا يعاقب على السكر، وإنما على السكر العلني.
وهذا موجود في قوانين كل الأنظمة الديمقراطية.
لماذا، إذن، الخروج إلى العلن للدفاع عما يسمى حق المغربي في
المجاهرة بشذوذه الجنسي وحقه في المجاهرة بإفطاره في رمضان، مادام القانون
معطلا في هذا الباب ومتسامحا إلى أبعد الحدود؛ وليس القانون وحده بل حتى
المغاربة متسامحون في هذا الشأن.
فدعاة الشذوذ يرتكزون في معركتهم على واقعة يتيمة حدثت في إحدى
الجامعات عندما حاكم فصيل طلابي بفاس أحد الشواذ الجنسيين داخل الحرم
الجامعي؛ وعدا هذه الواقعة لم يحدث أن تعرضت حياة شاذ مغربي للخطر بسبب
شذوذه. اللهم في القصر الكبير عندما قرر شواذ المدينة أن يخرجوا إلى العلن
ويستفزوا مشاعر السكان المحافظين، فكادت تحدث الكارثة، علما بأن هؤلاء
الشواذ كبروا وترعرعوا في المدينة ويعرف الجميع بشذوذهم، ومع ذلك لم يتعرض
لهم أحد بسوء قبل واقعة «عرس الشواذ».
لذلك فالسبب الرئيسي في مجاهرة هؤلاء الشباب بشذوذهم وإفطارهم
لرمضان هو القطع مع مرحلة السرية والدخول في مرحلة العلنية من أجل التطبيع
مع هذه الظواهر تمهيدا لقبولها من طرف المغاربة.
وهذا يتزامن مع الدعوة التي أطلقتها مؤخرا المنظمات العالمية
المدافعة عن الحقوق الفردية في البلدان الإسلامية، والرامية إلى الظهور
العلني لهؤلاء «المناضلين» في وسائل الإعلام والأماكن العمومية.
صيام رمضان في الدين الإسلامي لم يكن بالإكراه؛ الدين كله في الإسلام
ليس بالإكراه. لكن، في المقابل، إذا كانت للفرد حرية عدم الصيام والقيام
بالفرائض الدينية، فإن الأكثرية الساحقة التي تمارس هذه الفرائض لديها
أيضا حريتها الخاصة التي يجب احترامها. وإذا أرادت حفنة من الأشخاص
استفزاز ملايين المغاربة في مشاعرهم الدينية، بحثا عن الشهرة أو خدمة
لمصالح أطراف أجنبية، فإن الخاسر الأكبر سيكون هو التعايش والتسامح الذي
يجب أن يعيش تحت سقفه جميع المغاربة بصائميهم ومفطريهم، بمؤمنيهم وغير
مؤمنيهم، بشواذهم وغير شواذهم.
فهذه الظواهر كانت دائما موجودة في المغرب، وإفطار رمضان لم يظهر
اليوم مع هؤلاء الشباب بل ظهر خلال السبعينيات مع موجة «الهيبي»
والشيوعيين وأطراف في اليسار واستمر إلى اليوم.
ولعل تسمية «مالي» التي أطلقها هؤلاء الشباب على حركتهم تحتاج إلى
بعض التعديل لكي تعكس حالة التيه النفسي والفكري التي يعيشونها لكي تصبح
«مالي على حالتي».
«اللي بغا يفطر يفطر، شكون تسوق ليه».
الجماعي» الذي أراد ستة شباب تنظيمه أمام محطة القطار بالمحمدية أول أمس
قبل سبع ساعات من موعد أذان المغرب.
وحسب متزعمة حركة الإفطار العلني في رمضان، فإن هذه المبادرة تأتي
احتجاجا على فصل في القانون المغربي ينص على اعتقال كل شخص مسلم يجاهر
بإفطاره خلال رمضان، واحتجاجا أيضا على الاعتقالات التي تتم كل سنة
لمفطرين يتجرؤون على المجاهرة بإفطارهم. وأضافت زعيمة الحركة أن الشرطة
اعتقلت خلال رمضان الحالي أشخاصا بسبب إفطارهم في مدن مغربية مختلفة.
كصحافي يطالع وكالات الأنباء والصحف يوميا، لا أذكر أنني قرأت خبر
اعتقال مفطر خلال رمضان الحالي. وإذا ما طالبنا زعيمة حركة «فطارين رمضان»
بأسماء هؤلاء «الضحايا» فإنها ستكون عاجزة عن تقديم اسم واحد.
في المغرب هناك الآلاف من الأشخاص الذين لا يصومون، ليس بسبب عارض
صحي، وإنما لأنهم يعتقدون أنهم بإفطارهم يمارسون حريتهم الشخصية. ولا أحد
جاء لكي يعتقلهم ويرميهم في السجن بسبب إفطارهم. نعرف مقرات مجلات تصفر
فيها الكوكوت بالنهار طيلة شهر رمضان، ومع ذلك لا أحد اقتحم على هؤلاء
المفطرين مقراتهم من أجل اعتقالهم في حالة تلبس بفتخ «جوان» أو أكل صحن من
المرقة ساعة الغداء.
لماذا، إذن، هذا الخروج إلى العلن و»الإفطار الجماعي» في محطة
للمسافرين، ولماذا حظيت هذه الوقفة بتغطية واسعة من طرف الصحافة الإسبانية
التي كان عدد صحافييها ومصوريها يضاعف عدد المشاركين في الوقفة.
لعل واحدة من أكبر المفارقات أن الصحافية، التي تتزعم حركة «فطارين
رمضان» والتي تعتبر الإفطار العلني في بلاد تصوم الأغلبية الساحقة من
سكانها حقا من حقوقها الفردية، تخوض حملة إعلامية شرسة ضد المغربيات
اللواتي يذهبن إلى المسابح الخاصة للسباحة بثياب تستر أجسادهن. فهؤلاء
النساء، حسب الصحافية، يلوثن بثيابهن مياه المسبح، ولذلك فدفاعها عن
المايوه ليس بسبب موقف ثقافي وإنما فقط بسبب موقف صحي له علاقة بالنظافة
أكثر من شيء آخر. هكذا، يصبح المايوه مرادفا للنظافة والطهارة بينما يصبح
الحجاب مرادفا للقذارة والميكروبات.
ولعل هذا أكبر تناقض تسقط فيه «زميلتنا» المبتدئة في النضال. فهي
تقول إن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ، ولذلك يجب الدفاع عن الحقوق الفردية
بجميع أشكالها. لكن عندما يتعلق الأمر بحق المرأة في السباحة بلباس آخر
غير المايوه، تختفي هذه الحقوق الفردية وتشهر الورقة الحمراء في وجه
الراغبات في الاستمتاع بحقهن في الاستحمام بلباس يخترنه بكل حرية.
وحتى في فرنسا التي يعتبرها دعاة الحقوق الفردية في المغرب نموذجا
مثاليا في هذا الموضوع، فإن الحكومة كونت لجنة خاصة لتدارس ظاهرة النساء
المنقبات، وطالب وزير الداخلية علانية بمنع هذا اللباس الذي لا يتناسب مع
مبادئ الجمهورية، رغم أن النساء الثلاثمائة اللواتي يلبسن النقاب في كل
فرنسا أغلبهن فرنسيات أبا عن جد ودخلن الإسلام عن طواعية؛ فأين هي الحرية
الفردية في ارتداء اللباس الذي تريده النساء في فرنسا يا ترى؟ وفي هولندا،
هناك اليوم حملة في البرلمان لمنع الحجاب والعلامات الدينية البارزة، فأين
هي حرية اللباس والتدين في بلاد محكمة لاهاي الدولية؟
إذن، فالهدف من هذه الوقفة في محطة القطار حيث يكثر المسافرون كان هو
الاستفزاز ولا شيء آخر غير الاستفزاز. استفزاز مشاعر الصائمين ودفع بعض
المتعصبين إلى ارتكاب حماقة تلتقطها عدسات المصورين من أجل نشرها عبر
العالم لكشف «وحشية» و«همجية» المسلمين الذين يصومون رمضان ولا يتسامحون
مع من يختار إفطاره. والجميع يعرف خطورة الصورة في عالمنا الراهن، وكيف
تستطيع صورة واحدة أن تقلب بلادا رأسا على عقب. لكن لحسن الحظ لم يستطع
المشاركون في الوقفة التهام «الفقاص» الذي أحضروه معهم في «صيكانهم»،
واكتفوا بإعطاء تصريحات للصحافة والتقاط صور ظهرت في الصحافة الإسبانية
الليلة نفسها مرفقة بمقالات منها واحد صدر بجريدة «إلموندو» عنوانه «100
شرطي ضد 10 سندويتشات».
ورغم أن القوانين المغربية تعاقب على الإفطار العلني في رمضان، فإن
هذا الفصل يعيش عطالة مزمنة، وإذا كان هناك من مغربي يريد دخول
«ماكدونالدز» للإفطار فلا أحد سيمنعه. وهناك مقاه تفتح أبوابها للسياح
الأجانب والمفطرين الذين لا يصومون بسبب عارض صحي أو بدونه.
ومثلما أن السجون المغربية لا يوجد بها معتقلون بتهمة إفطار رمضان،
فإنها تخلو أيضا من معتقلين شواذ دخلوا السجن لمجرد أنهم أعلنوا عن
شذوذهم. فالشواذ الذين يوجدون اليوم في السجون المغربية هم شواذ اعتقلوا
بتهمة الدعارة واعتقلوا في حالة تلبس برفقة سياح أو برفقة عاهرات يمارسن
الفساد. أما الشواذ الذين يعترفون بشذوذهم علنيا في وسائل الإعلام
ويفتخرون به، فإن الأبواب التي تفتح لهم في المغرب ليست أبواب «عكاشة» أو
«الزاكي» وإنما أبواب قناة عين السبع. وأكبر مثال على هذا الاحتفاء
الإعلامي بمن يعترف بشذوذه أن القناة الثانية خصصت للكاتب المغربي الشاذ
عبد الله الطايع من اللقاءات والبرامج ما لم تخصصه لعبد الله العروي أو
المنجرة. ورغم اعترافه بشذوذه واعتراف آخرين معه بذلك على صفحات الجرائد
والمجلات، فإنهم ظلوا أحرارا ولم تصدر أية متابعة في حقهم.
ثم إن القانون المغربي يمنع تعاطي الخمور وبيعها للمسلمين، ويعاقب
عليها بالسجن والغرامة. هل سمعتم ذات يوم أن رجال الأمن داهموا خمارة أو
بارا أو كازينوها يسكر فيه المغاربة المسلمون واقتادوهم إلى المخفر لتسجيل
محاضر لهم وإرسالهم إلى المحاكمة. شخصيا، لم أسمع بهذا مطلقا، بل الذي
يحدث هو العكس، فمن كثرة ما تمنحه وزارة الداخلية من تراخيص لأصحاب
البارات والخمارات، أصبحت هذه الأماكن تقتحم على المغاربة أحياءهم
السكنية. والقانون المغربي لا يعاقب على السكر، وإنما على السكر العلني.
وهذا موجود في قوانين كل الأنظمة الديمقراطية.
لماذا، إذن، الخروج إلى العلن للدفاع عما يسمى حق المغربي في
المجاهرة بشذوذه الجنسي وحقه في المجاهرة بإفطاره في رمضان، مادام القانون
معطلا في هذا الباب ومتسامحا إلى أبعد الحدود؛ وليس القانون وحده بل حتى
المغاربة متسامحون في هذا الشأن.
فدعاة الشذوذ يرتكزون في معركتهم على واقعة يتيمة حدثت في إحدى
الجامعات عندما حاكم فصيل طلابي بفاس أحد الشواذ الجنسيين داخل الحرم
الجامعي؛ وعدا هذه الواقعة لم يحدث أن تعرضت حياة شاذ مغربي للخطر بسبب
شذوذه. اللهم في القصر الكبير عندما قرر شواذ المدينة أن يخرجوا إلى العلن
ويستفزوا مشاعر السكان المحافظين، فكادت تحدث الكارثة، علما بأن هؤلاء
الشواذ كبروا وترعرعوا في المدينة ويعرف الجميع بشذوذهم، ومع ذلك لم يتعرض
لهم أحد بسوء قبل واقعة «عرس الشواذ».
لذلك فالسبب الرئيسي في مجاهرة هؤلاء الشباب بشذوذهم وإفطارهم
لرمضان هو القطع مع مرحلة السرية والدخول في مرحلة العلنية من أجل التطبيع
مع هذه الظواهر تمهيدا لقبولها من طرف المغاربة.
وهذا يتزامن مع الدعوة التي أطلقتها مؤخرا المنظمات العالمية
المدافعة عن الحقوق الفردية في البلدان الإسلامية، والرامية إلى الظهور
العلني لهؤلاء «المناضلين» في وسائل الإعلام والأماكن العمومية.
صيام رمضان في الدين الإسلامي لم يكن بالإكراه؛ الدين كله في الإسلام
ليس بالإكراه. لكن، في المقابل، إذا كانت للفرد حرية عدم الصيام والقيام
بالفرائض الدينية، فإن الأكثرية الساحقة التي تمارس هذه الفرائض لديها
أيضا حريتها الخاصة التي يجب احترامها. وإذا أرادت حفنة من الأشخاص
استفزاز ملايين المغاربة في مشاعرهم الدينية، بحثا عن الشهرة أو خدمة
لمصالح أطراف أجنبية، فإن الخاسر الأكبر سيكون هو التعايش والتسامح الذي
يجب أن يعيش تحت سقفه جميع المغاربة بصائميهم ومفطريهم، بمؤمنيهم وغير
مؤمنيهم، بشواذهم وغير شواذهم.
فهذه الظواهر كانت دائما موجودة في المغرب، وإفطار رمضان لم يظهر
اليوم مع هؤلاء الشباب بل ظهر خلال السبعينيات مع موجة «الهيبي»
والشيوعيين وأطراف في اليسار واستمر إلى اليوم.
ولعل تسمية «مالي» التي أطلقها هؤلاء الشباب على حركتهم تحتاج إلى
بعض التعديل لكي تعكس حالة التيه النفسي والفكري التي يعيشونها لكي تصبح
«مالي على حالتي».
«اللي بغا يفطر يفطر، شكون تسوق ليه».
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: شوف تشوف
الســـــــــــــــلام عليكــــــم ورحمة الله تعـــــالــى وبــركــــــــاته
أقول لهذه الحثالة من الناس إذا لم تستحيوا من خالقكم فافعلوا ما شئتم.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
جامعة طاوية/رشيد نيني
خنقُ الأستاذِ الجامعي حتى الموت للطالبة سناء هدي في مختبر كلية العلوم
بأكادير، حيث كان يشرف على أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه، ليس في الواقع
سوى الشجرة التي تخفي الغابة؛ فالأستاذ الذي اعترف بجريمته سبق لطالبات
كثيرات أن بلغن عن تحرشاته إدارة الكلية شفهيا، لكن يبدو أن الإدارة لم
تول أهمية لهذه الشكاوى، مثلها في ذلك مثل الأغلبية الساحقة من إدارات
الكليات والجامعات التي تتلقى يوميا شكاوى من طرف الطالبات بسبب تحرش بعض
أساتذتهن بهن.
الجريمة التي وقعت في كلية أكادير تميط اللثام عن جريمة أخرى أفظع
تعيشها رحاب الجامعات والكليات المغربية، وهي جريمة تحرش بعض الأساتذة
الجامعيين بالطالبات وابتزازهن جنسيا من أجل مقايضتهن النقطة بالخدمات
الجنسية المجانية.
في الجامعة يمتلك الأستاذ سلطة قبول بحوث الطالبات وسلطة إنجاحهن أو
جعلهن يكررن السنة، وهي سلطة تفتح لبعض الأساتذة المكبوتين والمنحرفين
جنسيا عيونهم الجائعة على وسعها، فيشرعون في ابتزاز الطالبات ومساومتهن
على شرفهن. وعندما تبدي إحداهن تمنعا يلجأ هؤلاء المكابيت إلى وضع شروط
وعقبات أمام الطالبات تضطر بعضهن إلى الرضوخ لمطالب هؤلاء الأساتذة
المشرفين حرصا على استكمال البحث أو اجتياز السنة الدراسية بأقل الخسائر
الممكنة.
وسواء اشتكت الضحية إلى إدارة الجامعة أو لم تشتك، فإن الإدارة تقف
دائما إلى صف الأستاذ، في إطار «التضامن المهني» الذي يجعل من ضحية
الأستاذ مجرد طالبة تبحث عن الشهرة من خلال تشهيرها بالأستاذ الشريف
والعفيف.
الابتزاز في رحاب الجامعات والكليات لا يقف فقط عند حدود التحرش
والاستغلال الجنسي للطالبات، وإنما يصل أيضا إلى حدود الاستغلال المالي؛
فهناك أستاذة جامعيون حولوا الجامعة إلى بورصة لبيع وشراء البحوث وحددوا
سقفا للإشراف على الأطروحات الجامعية يصل سعر بعضها إلى 15 مليونا للبحث.
وهذا ما يفسر امتلاء رفوف خزانات هذه الكليات بالبحوث المنقولة حرفيا من
الأنترنيت والمسروقة من الكتب العلمية. والمصيبة أن هؤلاء الدكاترة
المزورين يصل بعضهم إلى الكليات ويصبحون أساتذة جامعيين يشرفون بدورهم على
بحوث الطلبة والطالبات. وهكذا، أصبحت لدينا في الجامعات فصيلة من الأساتذة
يحترفون جمع المال عوض جمع العلم، ويستعملون سلطتهم العلمية في تفريغ
كبتهم الجنسي باستغلال طالباتهم جنسيا ومقايضتهن النجاح والبحوث بالمتعة
المجانية.
ولو أن وزارة التعليم العالي وضعت خطا أخضر لتلقي شكاوى الطالبات
اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي من طرف أساتذتهن، لما بقي في سجلات المشرفين
على استقبال المكالمات مكان فارغ يسجلون فيه مزيدا من الشكايات؛ فالظاهرة
أصبحت عامة لا تكاد تخلو منها كلية أو جامعة بشكل أصبح معه السكوت عن هذه
الفضيحة جريمة لا تغتفر.
قبل أشهر، نشرت وزارة التعليم العالي دراسة صادمة للدكتور محمد
الشرقاوي، الخبير في علم الاجتماع، حول البحث العلمي في الجامعات
المغربية. وحسب هذه الدراسة، فهناك 55 في المائة من الأساتذة الجامعيين
الذين لم ينشروا ولو سطرا واحدا طيلة حياتهم الجامعية، وبالمقابل يمكن أن
تعثر على أغلب هؤلاء «ناشرين» أرجلهم على أرصفة المقاهي «يخرجون» الكلمات
المسهمة. وحسب التقرير، فقد انخفض الإنتاج العلمي ما بين 2002 و2006 بنسبة
الثلث؛ فيبدو أن أغلب هؤلاء الأساتذة الجامعيين منشغلون بالبحث عن البقع
الأرضية التي يعيدون بيعها، أو السيارات المستعملة للمتاجرة في قطع
الغيار. كما كشفت الدراسة أن 70 في المائة من الأساتذة الجامعيين غير
راضين عن دورهم المهني، مع أن بعضهم راضون عن رواتبهم التي يتقاضونها
مقابل تدريس ساعتين في الأسبوع. والأفظع في الدراسة هو ما تذكره من أن 46
في المائة من الأساتذة الجامعيين المستجوبين يريدون تغيير مهنتهم بمهنة في
القطاع الخاص، بينما 40 في المائة عبروا عن رغبتهم في ممارسة مهنة مستقلة
كالتجارة والمقاولات.
والظاهر أن هناك نسبة «محترمة» من أساتذة الجامعات الذين يخلطون بين
المقاولات والتجارة والتدريس الجامعي، خصوصا أولئك الأساتذة الذين يطبعون
محاضراتهم في كتب ويشترطون على الطلبة اقتناءها وإحضارها في امتحانات
الشفوي. في السابق، كانوا يطبعونها بـ«الستانسيل» و«البوليكوب»، واليوم
أصبحوا يفضلون طباعتها في كتب لأن أرباحها أكبر. وبمجرد ما يدخل الطالب
غرفة الامتحان، يسأله الأستاذ عن كتابه أولا قبل أن يسأله عن أي شيء آخر.
وإذا غامر الطالب بالدخول على الأستاذ بيدين فارغتين، فإن هذا الأخير
يسأله أسئلة من قبيل «كم شجرة توجد في غابة الأمازون».
وحتى يضمن الأستاذ اقتناء كل طالب لنسخة من كتابه، فإنه يبادر عند
نهاية «الاستنطاق» الشفوي إلى كتابة إهداء للطالب على الصفحة الأولى من
الكتاب، ليس من أجل سواد عيونه طبعا، ولكن لكي يضمن الأستاذ عدم «تسليف»
الطالب كتابَه للطالب الذي سيأتي بعده.
أعرف أن ما أقوله سيغضب بعض الأساتذة الجامعيين، لكن هذه هي الحقيقة
الصادمة ويجب أن تكون لدينا الجرأة لكي نعترف بالمستوى المتدني الذي وصلت
إليه الجامعة المغربية.
ولعل أوضح مثال على البيع والشراء الذي أصبح يسود الجامعات والكليات
هو موضة «الماستر» التي أصبحت على كل لسان. وبمجرد ما تسأل طالبا أو طالبة
عن مستواه الجامعي، يقول لك «داير ماستر فالمحاسبة» أو «دايرة ماستر
فتسيير المقاولات». و»الماستر» شهادة جامعية مؤدى عنها، أي أن الطالب يدفع
ما بين 50 و60 ألف درهم للجامعة من أجل الحصول عليها خلال ثلاثة فصول
دراسية؛ فيضع الأستاذ المشرف على «الماستر» 70 في المائة من هذا المبلغ في
جيبه، بينما تذهب عشرة في المائة إلى الجامعة وعشرة في المائة إلى الكلية
والعشرة الأخرى تذهب إلى ميزانية المعدات.
وبالإضافة إلى «الماستر» مدفوع الأجر، هناك «الماتسر» المجاني الذي
تتحمل الوزارة تكاليفه. ولكي يتم قبول بعض الطلبة في هذا «الماستر»،
فعليهم أن «يحكو» جيوبهم، أما بعض الطالبات فلكي يتم قبلوهن فعليهن حك
مكان آخر.
وطبعا، هناك شواهد «ماستر» أغلى سعرا، فالشهادات الجامعية بالكليات
المغربية «كلها وثمانها». والأساتذة الذين يشرفون على تأطير الطلبة للحصول
على «الماستر» يتقاضون، حسب القانون الداخلي للوزارة، حوالي 1200 درهم عن
كل ساعتين من التدريس الذي يكون عادة خلال عطلة نهاية الأسبوع أو في
الفترة الليلية. وبما أن الوزارة ليس لديها نظام مضبوط لمراقبة ساعات
العمل، فإن إمكانية تضخيم هذه الساعات و«تجبيدها» من طرف بعض الأساتذة
الجشعين تبقى متاحة، مما يضاعف تعويضاتهم الشهرية.
وهكذا، يمكن أن نعثر على أساتذة درسوا خلال الأسبوع الواحد ضمن دروس
«الماستر» أربعين ساعة في الوقت الذي لم يدرسوا فيه في الواقع سوى عشر
ساعات. «وضرب ربعين ساعة فـ1200 درهم وشوف شحال جات فالشهر».
هذه يا سادة هي أخطر الأمراض التي تعاني منها الجامعة المغربية.
وطبعا، فنحن لا نعمم الأحكام، فهناك داخل الجامعة المغربية أساتذة شرفاء
يقبضون على نزاهتهم كالقابض على الجمر في فضاء موبوء وملوث بشتى أنواع
العقد والأمراض الاجتماعية. وهؤلاء الأساتذة بدورهم يشتكون من ممارسات
زملائهم المخلة بالآداب والمهنية، ويطالبون الوزارة بالقيام بحملة لتطهير
الجامعة من هذه الطفيليات الضارة.
لهذه الأسباب مجتمعة، نفهم لماذا توجد اليوم الجامعة المغربية في
مؤخرة ترتيب الجامعات العالمية. فحسب آخر الإحصائيات الأوربية، توجد جامعة
الأخوين، التي تعتبر عندنا مفخرة التعليم العالي، في المرتبة الخامسة
والعشرين عربيا والـ3653 عالميا؛ وحلت جامعة القاضي عياض بمراكش في
المرتبة الـ28 عربيا والـ3956 عالميا؛ فيما جاءت المدرسة المحمدية
للمهندسين، أقدم المدارس العمومية في تكوين المهندسين بالمغرب، في الرتبة
الـ36 عربيا والـ4618 عالميا؛ وتذيلت كلية الطب بالرباط والمعهد الوطني
للاتصالات السلكية واللاسلكية ترتيب القائمة لتحلا في المركزين الـ96
والـ99 على التوالي.
المساء
العدد 941 الاربعاء 30 سبتمبر 2009
بأكادير، حيث كان يشرف على أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه، ليس في الواقع
سوى الشجرة التي تخفي الغابة؛ فالأستاذ الذي اعترف بجريمته سبق لطالبات
كثيرات أن بلغن عن تحرشاته إدارة الكلية شفهيا، لكن يبدو أن الإدارة لم
تول أهمية لهذه الشكاوى، مثلها في ذلك مثل الأغلبية الساحقة من إدارات
الكليات والجامعات التي تتلقى يوميا شكاوى من طرف الطالبات بسبب تحرش بعض
أساتذتهن بهن.
الجريمة التي وقعت في كلية أكادير تميط اللثام عن جريمة أخرى أفظع
تعيشها رحاب الجامعات والكليات المغربية، وهي جريمة تحرش بعض الأساتذة
الجامعيين بالطالبات وابتزازهن جنسيا من أجل مقايضتهن النقطة بالخدمات
الجنسية المجانية.
في الجامعة يمتلك الأستاذ سلطة قبول بحوث الطالبات وسلطة إنجاحهن أو
جعلهن يكررن السنة، وهي سلطة تفتح لبعض الأساتذة المكبوتين والمنحرفين
جنسيا عيونهم الجائعة على وسعها، فيشرعون في ابتزاز الطالبات ومساومتهن
على شرفهن. وعندما تبدي إحداهن تمنعا يلجأ هؤلاء المكابيت إلى وضع شروط
وعقبات أمام الطالبات تضطر بعضهن إلى الرضوخ لمطالب هؤلاء الأساتذة
المشرفين حرصا على استكمال البحث أو اجتياز السنة الدراسية بأقل الخسائر
الممكنة.
وسواء اشتكت الضحية إلى إدارة الجامعة أو لم تشتك، فإن الإدارة تقف
دائما إلى صف الأستاذ، في إطار «التضامن المهني» الذي يجعل من ضحية
الأستاذ مجرد طالبة تبحث عن الشهرة من خلال تشهيرها بالأستاذ الشريف
والعفيف.
الابتزاز في رحاب الجامعات والكليات لا يقف فقط عند حدود التحرش
والاستغلال الجنسي للطالبات، وإنما يصل أيضا إلى حدود الاستغلال المالي؛
فهناك أستاذة جامعيون حولوا الجامعة إلى بورصة لبيع وشراء البحوث وحددوا
سقفا للإشراف على الأطروحات الجامعية يصل سعر بعضها إلى 15 مليونا للبحث.
وهذا ما يفسر امتلاء رفوف خزانات هذه الكليات بالبحوث المنقولة حرفيا من
الأنترنيت والمسروقة من الكتب العلمية. والمصيبة أن هؤلاء الدكاترة
المزورين يصل بعضهم إلى الكليات ويصبحون أساتذة جامعيين يشرفون بدورهم على
بحوث الطلبة والطالبات. وهكذا، أصبحت لدينا في الجامعات فصيلة من الأساتذة
يحترفون جمع المال عوض جمع العلم، ويستعملون سلطتهم العلمية في تفريغ
كبتهم الجنسي باستغلال طالباتهم جنسيا ومقايضتهن النجاح والبحوث بالمتعة
المجانية.
ولو أن وزارة التعليم العالي وضعت خطا أخضر لتلقي شكاوى الطالبات
اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي من طرف أساتذتهن، لما بقي في سجلات المشرفين
على استقبال المكالمات مكان فارغ يسجلون فيه مزيدا من الشكايات؛ فالظاهرة
أصبحت عامة لا تكاد تخلو منها كلية أو جامعة بشكل أصبح معه السكوت عن هذه
الفضيحة جريمة لا تغتفر.
قبل أشهر، نشرت وزارة التعليم العالي دراسة صادمة للدكتور محمد
الشرقاوي، الخبير في علم الاجتماع، حول البحث العلمي في الجامعات
المغربية. وحسب هذه الدراسة، فهناك 55 في المائة من الأساتذة الجامعيين
الذين لم ينشروا ولو سطرا واحدا طيلة حياتهم الجامعية، وبالمقابل يمكن أن
تعثر على أغلب هؤلاء «ناشرين» أرجلهم على أرصفة المقاهي «يخرجون» الكلمات
المسهمة. وحسب التقرير، فقد انخفض الإنتاج العلمي ما بين 2002 و2006 بنسبة
الثلث؛ فيبدو أن أغلب هؤلاء الأساتذة الجامعيين منشغلون بالبحث عن البقع
الأرضية التي يعيدون بيعها، أو السيارات المستعملة للمتاجرة في قطع
الغيار. كما كشفت الدراسة أن 70 في المائة من الأساتذة الجامعيين غير
راضين عن دورهم المهني، مع أن بعضهم راضون عن رواتبهم التي يتقاضونها
مقابل تدريس ساعتين في الأسبوع. والأفظع في الدراسة هو ما تذكره من أن 46
في المائة من الأساتذة الجامعيين المستجوبين يريدون تغيير مهنتهم بمهنة في
القطاع الخاص، بينما 40 في المائة عبروا عن رغبتهم في ممارسة مهنة مستقلة
كالتجارة والمقاولات.
والظاهر أن هناك نسبة «محترمة» من أساتذة الجامعات الذين يخلطون بين
المقاولات والتجارة والتدريس الجامعي، خصوصا أولئك الأساتذة الذين يطبعون
محاضراتهم في كتب ويشترطون على الطلبة اقتناءها وإحضارها في امتحانات
الشفوي. في السابق، كانوا يطبعونها بـ«الستانسيل» و«البوليكوب»، واليوم
أصبحوا يفضلون طباعتها في كتب لأن أرباحها أكبر. وبمجرد ما يدخل الطالب
غرفة الامتحان، يسأله الأستاذ عن كتابه أولا قبل أن يسأله عن أي شيء آخر.
وإذا غامر الطالب بالدخول على الأستاذ بيدين فارغتين، فإن هذا الأخير
يسأله أسئلة من قبيل «كم شجرة توجد في غابة الأمازون».
وحتى يضمن الأستاذ اقتناء كل طالب لنسخة من كتابه، فإنه يبادر عند
نهاية «الاستنطاق» الشفوي إلى كتابة إهداء للطالب على الصفحة الأولى من
الكتاب، ليس من أجل سواد عيونه طبعا، ولكن لكي يضمن الأستاذ عدم «تسليف»
الطالب كتابَه للطالب الذي سيأتي بعده.
أعرف أن ما أقوله سيغضب بعض الأساتذة الجامعيين، لكن هذه هي الحقيقة
الصادمة ويجب أن تكون لدينا الجرأة لكي نعترف بالمستوى المتدني الذي وصلت
إليه الجامعة المغربية.
ولعل أوضح مثال على البيع والشراء الذي أصبح يسود الجامعات والكليات
هو موضة «الماستر» التي أصبحت على كل لسان. وبمجرد ما تسأل طالبا أو طالبة
عن مستواه الجامعي، يقول لك «داير ماستر فالمحاسبة» أو «دايرة ماستر
فتسيير المقاولات». و»الماستر» شهادة جامعية مؤدى عنها، أي أن الطالب يدفع
ما بين 50 و60 ألف درهم للجامعة من أجل الحصول عليها خلال ثلاثة فصول
دراسية؛ فيضع الأستاذ المشرف على «الماستر» 70 في المائة من هذا المبلغ في
جيبه، بينما تذهب عشرة في المائة إلى الجامعة وعشرة في المائة إلى الكلية
والعشرة الأخرى تذهب إلى ميزانية المعدات.
وبالإضافة إلى «الماستر» مدفوع الأجر، هناك «الماتسر» المجاني الذي
تتحمل الوزارة تكاليفه. ولكي يتم قبول بعض الطلبة في هذا «الماستر»،
فعليهم أن «يحكو» جيوبهم، أما بعض الطالبات فلكي يتم قبلوهن فعليهن حك
مكان آخر.
وطبعا، هناك شواهد «ماستر» أغلى سعرا، فالشهادات الجامعية بالكليات
المغربية «كلها وثمانها». والأساتذة الذين يشرفون على تأطير الطلبة للحصول
على «الماستر» يتقاضون، حسب القانون الداخلي للوزارة، حوالي 1200 درهم عن
كل ساعتين من التدريس الذي يكون عادة خلال عطلة نهاية الأسبوع أو في
الفترة الليلية. وبما أن الوزارة ليس لديها نظام مضبوط لمراقبة ساعات
العمل، فإن إمكانية تضخيم هذه الساعات و«تجبيدها» من طرف بعض الأساتذة
الجشعين تبقى متاحة، مما يضاعف تعويضاتهم الشهرية.
وهكذا، يمكن أن نعثر على أساتذة درسوا خلال الأسبوع الواحد ضمن دروس
«الماستر» أربعين ساعة في الوقت الذي لم يدرسوا فيه في الواقع سوى عشر
ساعات. «وضرب ربعين ساعة فـ1200 درهم وشوف شحال جات فالشهر».
هذه يا سادة هي أخطر الأمراض التي تعاني منها الجامعة المغربية.
وطبعا، فنحن لا نعمم الأحكام، فهناك داخل الجامعة المغربية أساتذة شرفاء
يقبضون على نزاهتهم كالقابض على الجمر في فضاء موبوء وملوث بشتى أنواع
العقد والأمراض الاجتماعية. وهؤلاء الأساتذة بدورهم يشتكون من ممارسات
زملائهم المخلة بالآداب والمهنية، ويطالبون الوزارة بالقيام بحملة لتطهير
الجامعة من هذه الطفيليات الضارة.
لهذه الأسباب مجتمعة، نفهم لماذا توجد اليوم الجامعة المغربية في
مؤخرة ترتيب الجامعات العالمية. فحسب آخر الإحصائيات الأوربية، توجد جامعة
الأخوين، التي تعتبر عندنا مفخرة التعليم العالي، في المرتبة الخامسة
والعشرين عربيا والـ3653 عالميا؛ وحلت جامعة القاضي عياض بمراكش في
المرتبة الـ28 عربيا والـ3956 عالميا؛ فيما جاءت المدرسة المحمدية
للمهندسين، أقدم المدارس العمومية في تكوين المهندسين بالمغرب، في الرتبة
الـ36 عربيا والـ4618 عالميا؛ وتذيلت كلية الطب بالرباط والمعهد الوطني
للاتصالات السلكية واللاسلكية ترتيب القائمة لتحلا في المركزين الـ96
والـ99 على التوالي.
المساء
العدد 941 الاربعاء 30 سبتمبر 2009
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
انتصار بطعم الهزيمة/رشيد نيني
بمجرد ما وطئت قدما اللاعب الفرنسي «تييري هنري» عشب ملعب «بيلباو»
بإسبانيا، استقبله الجمهور بالصفير الحاد عوض التصفيق. للإشارة فقط،
فاللاعب «تييري هنري» هو من «تسبب» في تأهل المنتخب الفرنسي للمونديال
بواسطة هدف مرره بيده، عوض قدمه، إلى زميله «ويليام غالاس» الذي أودعه في
شباك «الإيرلنديين».
وهكذا، ففي الوقت الذي تحتفل فيه الجزائر بتأهلها لمونديال جنوب
إفريقيا، وفي الوقت الذي تندب وتلطم فيه مصر خدودها احتجاجا على فشلها في
تحقيق حلم ثمانين مليون مصري بالتأهل إلى المونديال، تعم فرنسا هذه الأيام
سحابة من الحزن والغضب والخجل بسبب المنتخب الفرنسي الذي مس بكرامة
الفرنسيين وقدم إليهم فوزا غير مستحق أثار امتعاضهم.
وحسب مؤسسة France 2/Opinion Way لاستطلاع الرأي، هناك اليوم 81 في
المائة من الفرنسيين الذين يعتقدون أن منتخبهم الوطني لا يستحق الفوز
بورقة التأهل إلى المونديال، مما يعني أن المنتخب الوطني الفرنسي لم يعد
يسانده سوى 19 في المائة من الفرنسيين. والسبب هو الإحساس شبه الجماعي
للفرنسيين بأن انتصار منتخبهم على منتخب «إيرلندا» كان نتيجة هدف مغشوش
استعمل فيه «تييري هنري» يده على طريقة «مارادونا» و«ميسي». وهذه أكبر
نكسة شعبية يتعرض لها فريق الزرق الذي سبق له أن أهدى الفرنسيين بطولة كأس
العالم.
أما «تييري هنري» الذي تسبب لمسه للكرة بيده في تسجيل هدف التأهل،
فقد بدأت رحلة عذابه مباشرة بعد نهاية المباراة، في مستودع الملابس حيث
رأى كيف أن زملاءه اللاعبين أعرضوا عنه، فقرر الخروج إلى الندوة الصحافية
التي أعقبت المباراة وأقر بلمسه للكرة بيده واعترف بخطئه.
وحتى مسؤولو اتحاد الكرة الفرنسي امتنعوا عن الدفاع عن «تييري هنري»
ولم يصدر عنهم أي تعليق إلا عندما أصدر محاميه ورجل أعماله بيانا
بالإنجليزية.
هذا، إذن، فريق وطني لديه تاريخ عريق في الانتصارات يحرز ورقة المرور
إلى المونديال، وعوض أن يخرج الشعب الفرنسي إلى الشوارع للاحتفال بشكل
دموي بالتأهل ويموت منهم 14 شخصا ويجرح 400 كما وقع مع الجمهور الجزائري،
خيم جو ثقيل من الحزن شبيه بأجواء الخسارة على سماء فرنسا. فقد شعر
الفرنسيون بأنهم بهذا النصر «ربحوا» ورقة التأهل وخسروا صورة منتخبهم
وهيبته وخسروا معها القيم الفرنسية التي يمثلها ويدافع عنها حملة القميص
والراية الفرنسية.
ليس الجمهور الفرنسي وحده من قدم إلى العرب درسا في الدفاع عن القيم
الرياضية النبيلة، بل الجمهور الإيرلندي أيضا قدم درسا عميقا إلى الجمهور
العربي في التصرف بطريقة حضارية أمام الهزيمة وقبول نتائج المباراة ومعها
قرار «الفيفا» الذي زكى نتيجة المباراة وقضى بعدم إعادتها رغم اعتراف
«تييري هنري» بخطئه.
الإيرلنديون ليسوا أصحاب دماء باردة، وليسوا جبناء ولا فاقدي شعور
وطني فوار، فصلابتهم وشكيمتهم وتمسكهم بهويتهم ووطنهم وعنفهم الثوري يشهد
به الإنجليز قبل غيرهم، ولعقود طويلة وهم يتصارعون معهم بالنار والحديد من
أجل استقلالهم. ومع ذلك، قبل الإيرلنديون بالخسارة الظالمة ورضخوا لحكم
«الفيفا» ولم يسلط رئيسهم إعلامه العمومي والخاص وفنانيه ومثقفيه وصحافييه
على فرنسا لكي يشتموا تاريخها وشعبها وحضارتها، كما صنع الرئيس حسني مبارك
وولديه وجوقة الفنانين والصحافيين والمثقفين الذين يأكلون من فتات المائدة
الرئاسية.
وأنا أتساءل لو أن لاعبا مصريا أو جزائريا أو مغربيا سجل هدفا بيده
و«تسبب» في تأهل فريقه إلى المونديال، ماذا كان سيحدث. هل كان اللاعب الذي
غش واستعمل يده سيعتذر عن فعلته. هل كانت شعبية الفريق المؤهل ستنزل إلى
الحضيض. هل كان الفريق المنهزم سيسكت عن هزيمته ويقبل بها.
لقد رأينا كيف أن النظام المصري -مسنودا بجيش عرمرم من الصحافيين
والمعلقين والفنانين، وحتى المحامين الذين لم يخجلوا عندما أحرقوا العلم
الجزائري في الشارع- تجند لتحويل هزيمة كروية عادية إلى ظلم تاريخي. إلى
درجة أن أصواتا مصرية طالبت بعقد مباراة لجبر الخواطر بين المنتخبين
المصري والإيرلندي، بحكم أنهما منتخبان مظلومان.
ويبدو أن المصريين أحسوا بأنهم «زودوها شوية» كما يقولون، ولذلك
بدأنا نسمع عن مبادرات لرأب الصدع بين «الأشقاء» المصريين والجزائريين.
ولكن «بعد إيه»، بعد خراب مالطة كما يقولون.
وبدأنا نقرأ في الصحافة المصرية مقالات تتحدث عن وجود صحافي إسرائيلي
مندس بين الجمهور الجزائري، نسي تحرير تغطيته الإعلامية وتفرغ لتحريض
الجزائريين ضد المصريين، وهكذا نشبت المعركة التي سقط فيها «شهداء»
الفراعنة.
وانطلقت حرب داحس والغبراء من شوارع الخرطوم إلى المواقع الإلكترونية
حين هاجم قراصنة «هاكرز» جزائريون موقع مكتبة الإسكندرية مفخرة المصريين
وكتبوا على بوابتها الإلكترونية «لكل فرعون موساه». فرد المصريون بقرصنة
موقع التلفزيون الرسمي الجزائري وكتبوا على بوابة استقباله «إذا كنتو
حاسبين إنو عندكو هاكرز فإحنا اللي صنعناهم». فبعض المصريين بسبب اقتناعهم
بأن مصر أم الدنيا فعلا، يرجعون كل المواهب والاختراعات والإنجازات
العربية (على قلتها) إلى مصر.
واليوم، يبدو أن المصريين عثروا على وجه النحس الذي تسبب لهم في سوء
الفهم الكبير مع الجزائريين، إلى درجة أن المصريين أصبحوا غير آمنين على
حياتهم في الجزائر، والجزائريين غير آمنين على حياتهم في مصر. إنه صحافي
إسرائيلي تابع «الماتش» متنكرا في ثياب مشجع حاقد، وهو الذي أشعل نار
الفتنة وحرض الجزائريين على المصريين.
وكأن هذا المشجع الإسرائيلي الحاقد هو من كان يهمس في آذان المعلقين
والصحافيين والفنانين والسياسيين المصريين لكي يشتموا الجزائر ولغة المغرب
العربي برمتها وبرابرته الذين يأتون في مرتبة أقل من مرتبة البشر.
وكأن هذا الصحافي الإسرائيلي هو من أوحى إلى ابن الرئيس بوصف الجزائر
بـ«دولة الجنرالات والباشوات» والجمهور الجزائري بـ«المرتزقة»، وهو أيضا
من أوحى لوالده الرئيس حسني مبارك بأن يقول للمصريين «أنا كمان باغضب، لكن
بازبط أعصابي».
واضح أن الرئيس المصري «زابط أعصابو مزيان»، وإلا لما تجرأت إسرائيل
على قتل أطفال غزة وبناء آلاف المستوطنات في القدس دون أن تتحرك شعرة
واحدة في رأس فخامته.
إلى حدود اليوم، لم نسمع في مصر سوى الصوت الرسمي ورجع صداه العصابي
المتردد عبر الفضائيات والجرائد المقربة من النظام. ويبدو أننا سنسمع في
الأيام القليلة صوت العقل القادم من أحرار مصر، وأصحاب حركة «كفاية»
والروائي علاء الأصواني والمفكر فهمي هويدي وسائر الأقلام المتنورة التي
تعكس الروح الحقيقية لمصر وحضارتها وفكرها المتوهج.
وما الوقفة التي دعت إليها إحدى النقابات الفنية تحت شعار «وقفة
الغضب»، لاحتواء توتر العلاقات بين مصر والجزائر، سوى بداية لهذه اليقظة
من هذه السكتة الدماغية التي حلت بضمير مصر.
إن الجزائريين والمصريين ومعهم المغاربة وسائر دول الأمة الإسلامية
مدعوون إلى الاستفادة من الدرس الفرنسي، عندما رفض 80 في المائة من
الجمهور نصرا مغشوشا أهـّل منتخبهم للمونديال. فالعبرة ليست بالتأهل ولكن
بالطريقة التي سيتم بها هذا التأهل. والحق أن المنتخب الجزائري تأهل
بطريقة مفجعة كشفت عن الوجه الحقيقي للحقد العربي الدفين. فقد بدا واضحا
أن هذه الأمة العربية ليس هناك ما هو أخطر عليها من نفسها.
وأخشى ما أخشاه هو أن تسفر القرعة عن ضرورة مواجهة المنتخب الجزائري
للمنتخب الفرنسي في جنوب إفريقيا. فقد رأينا كيف خرج الفرنسيون من أصل
جزائري إلى جادة الشانزيليزيه للاحتفال بتأهل المنتخب الجزائري، رافعين
الرايات الجزائرية، وهو الاحتفال الذي لم يخصوا به المنتخب الفرنسي. وإذا
قدر الله وواجه المنتخب الجزائري المنتخب الفرنسي في «جوهانسبورغ» وانهزم
الجزائريون، فإن جمهورهم ومناصريهم من فرنسيي الجزائر سيقلبون فرنسا
سافلها على عاليها.
«غير الله يستر وصافي».
بإسبانيا، استقبله الجمهور بالصفير الحاد عوض التصفيق. للإشارة فقط،
فاللاعب «تييري هنري» هو من «تسبب» في تأهل المنتخب الفرنسي للمونديال
بواسطة هدف مرره بيده، عوض قدمه، إلى زميله «ويليام غالاس» الذي أودعه في
شباك «الإيرلنديين».
وهكذا، ففي الوقت الذي تحتفل فيه الجزائر بتأهلها لمونديال جنوب
إفريقيا، وفي الوقت الذي تندب وتلطم فيه مصر خدودها احتجاجا على فشلها في
تحقيق حلم ثمانين مليون مصري بالتأهل إلى المونديال، تعم فرنسا هذه الأيام
سحابة من الحزن والغضب والخجل بسبب المنتخب الفرنسي الذي مس بكرامة
الفرنسيين وقدم إليهم فوزا غير مستحق أثار امتعاضهم.
وحسب مؤسسة France 2/Opinion Way لاستطلاع الرأي، هناك اليوم 81 في
المائة من الفرنسيين الذين يعتقدون أن منتخبهم الوطني لا يستحق الفوز
بورقة التأهل إلى المونديال، مما يعني أن المنتخب الوطني الفرنسي لم يعد
يسانده سوى 19 في المائة من الفرنسيين. والسبب هو الإحساس شبه الجماعي
للفرنسيين بأن انتصار منتخبهم على منتخب «إيرلندا» كان نتيجة هدف مغشوش
استعمل فيه «تييري هنري» يده على طريقة «مارادونا» و«ميسي». وهذه أكبر
نكسة شعبية يتعرض لها فريق الزرق الذي سبق له أن أهدى الفرنسيين بطولة كأس
العالم.
أما «تييري هنري» الذي تسبب لمسه للكرة بيده في تسجيل هدف التأهل،
فقد بدأت رحلة عذابه مباشرة بعد نهاية المباراة، في مستودع الملابس حيث
رأى كيف أن زملاءه اللاعبين أعرضوا عنه، فقرر الخروج إلى الندوة الصحافية
التي أعقبت المباراة وأقر بلمسه للكرة بيده واعترف بخطئه.
وحتى مسؤولو اتحاد الكرة الفرنسي امتنعوا عن الدفاع عن «تييري هنري»
ولم يصدر عنهم أي تعليق إلا عندما أصدر محاميه ورجل أعماله بيانا
بالإنجليزية.
هذا، إذن، فريق وطني لديه تاريخ عريق في الانتصارات يحرز ورقة المرور
إلى المونديال، وعوض أن يخرج الشعب الفرنسي إلى الشوارع للاحتفال بشكل
دموي بالتأهل ويموت منهم 14 شخصا ويجرح 400 كما وقع مع الجمهور الجزائري،
خيم جو ثقيل من الحزن شبيه بأجواء الخسارة على سماء فرنسا. فقد شعر
الفرنسيون بأنهم بهذا النصر «ربحوا» ورقة التأهل وخسروا صورة منتخبهم
وهيبته وخسروا معها القيم الفرنسية التي يمثلها ويدافع عنها حملة القميص
والراية الفرنسية.
ليس الجمهور الفرنسي وحده من قدم إلى العرب درسا في الدفاع عن القيم
الرياضية النبيلة، بل الجمهور الإيرلندي أيضا قدم درسا عميقا إلى الجمهور
العربي في التصرف بطريقة حضارية أمام الهزيمة وقبول نتائج المباراة ومعها
قرار «الفيفا» الذي زكى نتيجة المباراة وقضى بعدم إعادتها رغم اعتراف
«تييري هنري» بخطئه.
الإيرلنديون ليسوا أصحاب دماء باردة، وليسوا جبناء ولا فاقدي شعور
وطني فوار، فصلابتهم وشكيمتهم وتمسكهم بهويتهم ووطنهم وعنفهم الثوري يشهد
به الإنجليز قبل غيرهم، ولعقود طويلة وهم يتصارعون معهم بالنار والحديد من
أجل استقلالهم. ومع ذلك، قبل الإيرلنديون بالخسارة الظالمة ورضخوا لحكم
«الفيفا» ولم يسلط رئيسهم إعلامه العمومي والخاص وفنانيه ومثقفيه وصحافييه
على فرنسا لكي يشتموا تاريخها وشعبها وحضارتها، كما صنع الرئيس حسني مبارك
وولديه وجوقة الفنانين والصحافيين والمثقفين الذين يأكلون من فتات المائدة
الرئاسية.
وأنا أتساءل لو أن لاعبا مصريا أو جزائريا أو مغربيا سجل هدفا بيده
و«تسبب» في تأهل فريقه إلى المونديال، ماذا كان سيحدث. هل كان اللاعب الذي
غش واستعمل يده سيعتذر عن فعلته. هل كانت شعبية الفريق المؤهل ستنزل إلى
الحضيض. هل كان الفريق المنهزم سيسكت عن هزيمته ويقبل بها.
لقد رأينا كيف أن النظام المصري -مسنودا بجيش عرمرم من الصحافيين
والمعلقين والفنانين، وحتى المحامين الذين لم يخجلوا عندما أحرقوا العلم
الجزائري في الشارع- تجند لتحويل هزيمة كروية عادية إلى ظلم تاريخي. إلى
درجة أن أصواتا مصرية طالبت بعقد مباراة لجبر الخواطر بين المنتخبين
المصري والإيرلندي، بحكم أنهما منتخبان مظلومان.
ويبدو أن المصريين أحسوا بأنهم «زودوها شوية» كما يقولون، ولذلك
بدأنا نسمع عن مبادرات لرأب الصدع بين «الأشقاء» المصريين والجزائريين.
ولكن «بعد إيه»، بعد خراب مالطة كما يقولون.
وبدأنا نقرأ في الصحافة المصرية مقالات تتحدث عن وجود صحافي إسرائيلي
مندس بين الجمهور الجزائري، نسي تحرير تغطيته الإعلامية وتفرغ لتحريض
الجزائريين ضد المصريين، وهكذا نشبت المعركة التي سقط فيها «شهداء»
الفراعنة.
وانطلقت حرب داحس والغبراء من شوارع الخرطوم إلى المواقع الإلكترونية
حين هاجم قراصنة «هاكرز» جزائريون موقع مكتبة الإسكندرية مفخرة المصريين
وكتبوا على بوابتها الإلكترونية «لكل فرعون موساه». فرد المصريون بقرصنة
موقع التلفزيون الرسمي الجزائري وكتبوا على بوابة استقباله «إذا كنتو
حاسبين إنو عندكو هاكرز فإحنا اللي صنعناهم». فبعض المصريين بسبب اقتناعهم
بأن مصر أم الدنيا فعلا، يرجعون كل المواهب والاختراعات والإنجازات
العربية (على قلتها) إلى مصر.
واليوم، يبدو أن المصريين عثروا على وجه النحس الذي تسبب لهم في سوء
الفهم الكبير مع الجزائريين، إلى درجة أن المصريين أصبحوا غير آمنين على
حياتهم في الجزائر، والجزائريين غير آمنين على حياتهم في مصر. إنه صحافي
إسرائيلي تابع «الماتش» متنكرا في ثياب مشجع حاقد، وهو الذي أشعل نار
الفتنة وحرض الجزائريين على المصريين.
وكأن هذا المشجع الإسرائيلي الحاقد هو من كان يهمس في آذان المعلقين
والصحافيين والفنانين والسياسيين المصريين لكي يشتموا الجزائر ولغة المغرب
العربي برمتها وبرابرته الذين يأتون في مرتبة أقل من مرتبة البشر.
وكأن هذا الصحافي الإسرائيلي هو من أوحى إلى ابن الرئيس بوصف الجزائر
بـ«دولة الجنرالات والباشوات» والجمهور الجزائري بـ«المرتزقة»، وهو أيضا
من أوحى لوالده الرئيس حسني مبارك بأن يقول للمصريين «أنا كمان باغضب، لكن
بازبط أعصابي».
واضح أن الرئيس المصري «زابط أعصابو مزيان»، وإلا لما تجرأت إسرائيل
على قتل أطفال غزة وبناء آلاف المستوطنات في القدس دون أن تتحرك شعرة
واحدة في رأس فخامته.
إلى حدود اليوم، لم نسمع في مصر سوى الصوت الرسمي ورجع صداه العصابي
المتردد عبر الفضائيات والجرائد المقربة من النظام. ويبدو أننا سنسمع في
الأيام القليلة صوت العقل القادم من أحرار مصر، وأصحاب حركة «كفاية»
والروائي علاء الأصواني والمفكر فهمي هويدي وسائر الأقلام المتنورة التي
تعكس الروح الحقيقية لمصر وحضارتها وفكرها المتوهج.
وما الوقفة التي دعت إليها إحدى النقابات الفنية تحت شعار «وقفة
الغضب»، لاحتواء توتر العلاقات بين مصر والجزائر، سوى بداية لهذه اليقظة
من هذه السكتة الدماغية التي حلت بضمير مصر.
إن الجزائريين والمصريين ومعهم المغاربة وسائر دول الأمة الإسلامية
مدعوون إلى الاستفادة من الدرس الفرنسي، عندما رفض 80 في المائة من
الجمهور نصرا مغشوشا أهـّل منتخبهم للمونديال. فالعبرة ليست بالتأهل ولكن
بالطريقة التي سيتم بها هذا التأهل. والحق أن المنتخب الجزائري تأهل
بطريقة مفجعة كشفت عن الوجه الحقيقي للحقد العربي الدفين. فقد بدا واضحا
أن هذه الأمة العربية ليس هناك ما هو أخطر عليها من نفسها.
وأخشى ما أخشاه هو أن تسفر القرعة عن ضرورة مواجهة المنتخب الجزائري
للمنتخب الفرنسي في جنوب إفريقيا. فقد رأينا كيف خرج الفرنسيون من أصل
جزائري إلى جادة الشانزيليزيه للاحتفال بتأهل المنتخب الجزائري، رافعين
الرايات الجزائرية، وهو الاحتفال الذي لم يخصوا به المنتخب الفرنسي. وإذا
قدر الله وواجه المنتخب الجزائري المنتخب الفرنسي في «جوهانسبورغ» وانهزم
الجزائريون، فإن جمهورهم ومناصريهم من فرنسيي الجزائر سيقلبون فرنسا
سافلها على عاليها.
«غير الله يستر وصافي».
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: شوف تشوف
تخيلوا لو أن عنتر يحيى لاعب المنتخب الجزائري هو من سجل تلك الكرة بيده في مرمى عصام الحضري، فكيف ستكون ردة فعل اللاعبين المصريين والجمهور المصري والإعلام المصري ...؟؟؟
المئذنة التي تخفي الغابة /رشيد نيني
في كل الدول الأوربية التي تعيش بها جالية مسلمة كبيرة، يحاول اليمين اليوم إثارة نقاشات مرتبطة بالمهاجرين ومدى اندماجهم في النسيج المجتمعي الأوربي.
عندما خرج الفرنسيون من أصل جزائري إلى جادة الشانزيليزيه للاحتفال بتأهل المنتخب الجزائري للمونديال، حاملين الأعلام الجزائرية، استغرب الفرنسيون الموقف واستنتجوا أن هؤلاء الفرنسيين من أصل جزائري ليسوا فرنسيين مائة في المائة.
وتزامن هذا الاستنتاج مع طرح الرئيس الفرنسي وحزبه نقاشا عموميا حول الهوية الوطنية. وفي إسبانيا، أعدت الحكومة قانونا جديدا حول الهجرة موجها أساسا لتقييد هجرة واستقرار عائلات المهاجرين المغاربة في شبه الجزيرة الإيبيرية.
في إيطاليا، هناك عودة قوية لتحالف الشمال الذي يدعو إلى تضييق الخناق على المهاجرين، خصوصا منهم المغاربة، وذلك بتسليط الأضواء عليهم في قضية الحجاب والصيام. يجب أن نتذكر، بهذا الخصوص، أن هذا التحالف كان وراء إجبار العمال المغاربة المهاجرين على الإفطار في رمضان أثناء العمل.
وبينما يخلط الرئيس الفرنسي، عن قصد، بين البرقع كلباس وبين الإسلام كدين، نجد أنهم في سويسرا استبقوا الأمور وصوتوا لصالح حظر بناء المآذن في مساجد المسلمين.
هل هي مصادفة، إذن، أن تتزامن كل هذه النكبات على مسلمي أوربا في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها القارة العجوز. ليس هناك مكان للصدفة، كل شيء مخطط له بإحكام شديد.
فالقرن الواحد والعشرون، كما تنبئ له بذلك أندريه مالرو، سيكون دينيا أو لا يكون.
لكن هذه الحرب، الخفية تارة والمعلنة تارة أخرى، ضد الوجود الإسلامي في أوربا، تأخذ أشكالا «ديمقراطية» و«قانونية» حتى لا يظهر العالم الحر والمتقدم عاريا على حقيقته، فتتحطم الصورة المثالية التي يريد تقديمها عن نفسه كمجتمع يعطي الدروس حول الأخلاق والمبادئ الديمقراطية لدول العالم الثالث وبلدان العالم «المتوحش».
لذلك، فالعالم «الحر» يتخذ قراراته من أجل التضييق على المسلمين بطريقة ديمقراطية، وذلك عبر الاستفتاء والتصويت وقوانين الهجرة التي يصوت عليها ممثلو الشعب في البرلمان ومجالس الشيوخ.
وهكذا، مثلا، عوض أن ينصب النقاش الإعلامي اليوم في إسبانيا على قانون الهجرة الجديد الذي يعد الأسوأ في تاريخ إسبانيا، بعد قانون الاشتراكي «فيليني غونزاليس»، نظرا إلى تشدده مع المغاربة، خصوصا في ما يتعلق بالتجمع العائلي، نجد أن النقاش اتجه نحو اقتراح الرئيس الإسباني الاشتراكي تقديم إسبانيا اعتذارها الرسمي على طرد الكنسية الكاثوليكية للموريسكيين من الأندلس نحو شمال إفريقيا، والمغرب على وجه الخصوص.
شخصيا، وجدت أن هذا النقاش يبعث على قدر كبير من السخرية. فإسبانيا، التي تخطط لأكبر عملية طرد «قانونية» للمغاربة من فوق أراضيها، منشغلة بقضية الاعتذار إلى مغاربة مسلمين سبق لها أن طردتهم من أراضيها قبل قرون.
وإذا كانت الكنسية الكاثوليكية هي من تولى طرد العرب والمسلمين من الأندلس قبل قرون على عهد الملكة «إزابيلا» والملك «فيرديناند»، فإن بصمات الآلة الكنسية المتحكمة في دواليب القرار في قصر المونكلوا بمدريد، عبر وسائل إعلامها وصحافييها ومثقفيها النافذين في الحزب الشعبي اليميني، ليست بعيدة عن صياغة بعض بنود القوانين المتشددة مع المهاجرين المغاربة الذين يشكلون أغلبية المهاجرين بعد الجالية الأمريكية اللاتينية. ما يقلق الكنسية الإسبانية هو سرعة توالد المهاجرين المغاربة، حيث قفزت نسبة الجالية المسلمة في إسبانيا من 3.2 في المائة عام 1998 إلى 13.4 في المائة في 2007.
ما يقلق الكنيسة الكاثوليكية الإسبانية أيضا هو ارتفاع أعداد الإسبان الذين يعتنقون الإسلام. وهذا ما أكده مدير مسجد غرناطة مؤخرا، «عبد الحسيب كاستينيرا»، عندما قال إن عدد الإسبان الذين يدخلون في الإسلام أكثر من عدد معتنقيه في كل الدول الأوربية الأخرى. وأضاف: «في مسجد غرناطة لا يمر أسبوع إلا ويدخل في الإسلام واحد، اثنان أو ثلاثة. فقد أصبح عادة عندنا النطق بالشهادتين بعد صلاة الجمعة».
والخوف من الإسلام وقدرته الكبيرة على الانتشار ليست مقتصرة على إسبانيا، ففي روسيا أعربت دوائر أمنية صراحة عن مخاوفها من زيادة نسبة الأشخاص المعتنقين للدين الإسلامي من أصل روسي مؤخرا. وأشارت معطيات نشرتها صحيفة «أزفيتسيا»، الصادرة في موسكو، إلى أن هناك 300 ألف روسي اعتنقوا الإسلام مؤخرا. وألمانيا، على سبيل المثال، يفوق عدد المسلمين بها عدد المسلمين بلبنان.
أما صحيفة «الديلي تليجراف» البريطانية فقد نشرت مؤخرا تقريرا حذر من أن أوربا تواجه قنبلة زمنية ديموغرافية تتمثل في تزايد مطرد للجاليات المسلمة المهاجرة، مما يهدد القارة بتغيرات جذرية لا يمكن تدارك أبعادها خلال العقدين المقبلين. والأفكار والأرقام التي نشرتها «الديلي تلغراف» ليست سوى ترجمة أمينة للأرقام والمعطيات التي قدمها «فيلدرز»، الأمين العام للحزب اليميني الهولندي المتطرف «هولندا الحرة» ومخرج فيلم «فتنة»، والذي طالب في خطاب وجهه إلى حكومة هولندا والحكومات الأوربية، بوصفه عضواً بالبرلمان الأوربي، بضرورة اتخاذ إجراءات من شأنها إلزام المسلمين المهاجرين إلى أوربا بتحديد النسل، والاكتفاء بطفل أو طفلين كالأسر الأوربية، مؤكدا أن الديموغرافيا السكانية تسير لصالح المسلمين، فبحلول عام 2050 سيشكل المسلمون نسبة %20 من سكان أوربا بعد أن كانوا لا يزيدون على %5، أي أن الأسماء التي ستكون أكثر تداولا في أوربا بعد أربعين سنة من الآن هي محمد وآدم وريان وأيوب ومهدي وأمين وحمزة، وهذا وحده يشكل بالنسبة إلى الفاتيكان كابوسا مخيفا.
لذلك، بدأت كل الحكومات الأوربية في التنسيق في ما بينها على الصعيد الأوربي لوقف هذا الزحف الأخضر. فجاءت قوانين فرنسا لحظر ارتداء الحجاب في المدارس قبل سنوات، وتبعها حظر ارتداء البرقع الأفغاني، مع أنه لا علاقة له بالإسلام بل هو زي «ابتدعه طالبان، وتبعته بريطانيا عندما وضعت قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب، اتضح أنها كانت موجهة أساسا لتجفيف منابع تمويل الجمعيات الإسلامية الخيرية في بريطانيا. ووصلت هذه الحمى إلى إسبانيا عندما منعت مدارسٌ دخولَ طالبات بالحجاب، ومنع قاض محامية مسلمة تضع الحجاب من دخول قاعة المحكمة قبل أسبوعين. لكي نصل، في نهاية المطاف، إلى كارثة تصويت السويسريين لصالح منع بناء المآذن في المساجد الإسلامية فوق أراضيهم استجابة لدعوة عنصرية أطلقها الحزب اليميني وباركتها الحكومة من وراء الستار بقبولها عرض المسألة للتصويت.
ورافق التشدد والصرامة في تطبيق هذه القوانين تراخ واضح في التصدي للجرائم العنصرية التي يتعرض لها المهاجرون المسلمون في كثير من الدول الأوربية. والرسالة التي تريد هذه الحكومات الأوربية إيصالها إلى مسلمي أوربا واضحة بما لا يدع مجالا للشك، وهي أن المكان لم يعد يتسع للجميع، عليكم أن تختاروا: إما أن تندمجوا معنا كليا أو أن ترحلوا إلى بلدانكم حيث تستطيعون القيام بما يحلو لكم. هذا هو عمق دعوة ساركوزي حول قضية الهوية الوطنية. فإما أن يقبل المسلم في فرنسا بالانسلاخ والتجرد من جذوره الإسلامية العربية أو الإفريقية أو الأمازيغية لكي ينتمي بالكامل إلى العرق الفرنسي والثقافة الفرنسية والهوية الفرنسية، وإما أن يعود إلى حيث توجد جذوره التي يفتخر بها.
إن وضع أوربا، كقارة تجمع دولا تتفق جميعها على احترام المبادئ الديمقراطية، لا يسمح لها بأن تقوم بإحياء محاكم تفتيش جديدة على الطريقة الكاثوليكية لطرد العرب والمسلمين من أراضيها كما وقع في إسبانيا، ولذلك تلجأ إلى استعمال القوانين للضغط وإحراج ومضايقة وإهانة هؤلاء المهاجرين حتى يفهموا أن الخلاص يكمن في عودتهم إلى بلدانهم.
إنها، في نهاية المطاف، حلقة جديدة ومعدلة ومنقحة من مسلسل «محاكم التفتيش» التي اعتاد الغرب المسيحي القيام بها كلما أحس بزحف الإسلام والمسلمين على أراضيه. وما وقع في سويسرا مؤخرا ليس سوى المئذنة التي تخفي الغابة.
عندما خرج الفرنسيون من أصل جزائري إلى جادة الشانزيليزيه للاحتفال بتأهل المنتخب الجزائري للمونديال، حاملين الأعلام الجزائرية، استغرب الفرنسيون الموقف واستنتجوا أن هؤلاء الفرنسيين من أصل جزائري ليسوا فرنسيين مائة في المائة.
وتزامن هذا الاستنتاج مع طرح الرئيس الفرنسي وحزبه نقاشا عموميا حول الهوية الوطنية. وفي إسبانيا، أعدت الحكومة قانونا جديدا حول الهجرة موجها أساسا لتقييد هجرة واستقرار عائلات المهاجرين المغاربة في شبه الجزيرة الإيبيرية.
في إيطاليا، هناك عودة قوية لتحالف الشمال الذي يدعو إلى تضييق الخناق على المهاجرين، خصوصا منهم المغاربة، وذلك بتسليط الأضواء عليهم في قضية الحجاب والصيام. يجب أن نتذكر، بهذا الخصوص، أن هذا التحالف كان وراء إجبار العمال المغاربة المهاجرين على الإفطار في رمضان أثناء العمل.
وبينما يخلط الرئيس الفرنسي، عن قصد، بين البرقع كلباس وبين الإسلام كدين، نجد أنهم في سويسرا استبقوا الأمور وصوتوا لصالح حظر بناء المآذن في مساجد المسلمين.
هل هي مصادفة، إذن، أن تتزامن كل هذه النكبات على مسلمي أوربا في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها القارة العجوز. ليس هناك مكان للصدفة، كل شيء مخطط له بإحكام شديد.
فالقرن الواحد والعشرون، كما تنبئ له بذلك أندريه مالرو، سيكون دينيا أو لا يكون.
لكن هذه الحرب، الخفية تارة والمعلنة تارة أخرى، ضد الوجود الإسلامي في أوربا، تأخذ أشكالا «ديمقراطية» و«قانونية» حتى لا يظهر العالم الحر والمتقدم عاريا على حقيقته، فتتحطم الصورة المثالية التي يريد تقديمها عن نفسه كمجتمع يعطي الدروس حول الأخلاق والمبادئ الديمقراطية لدول العالم الثالث وبلدان العالم «المتوحش».
لذلك، فالعالم «الحر» يتخذ قراراته من أجل التضييق على المسلمين بطريقة ديمقراطية، وذلك عبر الاستفتاء والتصويت وقوانين الهجرة التي يصوت عليها ممثلو الشعب في البرلمان ومجالس الشيوخ.
وهكذا، مثلا، عوض أن ينصب النقاش الإعلامي اليوم في إسبانيا على قانون الهجرة الجديد الذي يعد الأسوأ في تاريخ إسبانيا، بعد قانون الاشتراكي «فيليني غونزاليس»، نظرا إلى تشدده مع المغاربة، خصوصا في ما يتعلق بالتجمع العائلي، نجد أن النقاش اتجه نحو اقتراح الرئيس الإسباني الاشتراكي تقديم إسبانيا اعتذارها الرسمي على طرد الكنسية الكاثوليكية للموريسكيين من الأندلس نحو شمال إفريقيا، والمغرب على وجه الخصوص.
شخصيا، وجدت أن هذا النقاش يبعث على قدر كبير من السخرية. فإسبانيا، التي تخطط لأكبر عملية طرد «قانونية» للمغاربة من فوق أراضيها، منشغلة بقضية الاعتذار إلى مغاربة مسلمين سبق لها أن طردتهم من أراضيها قبل قرون.
وإذا كانت الكنسية الكاثوليكية هي من تولى طرد العرب والمسلمين من الأندلس قبل قرون على عهد الملكة «إزابيلا» والملك «فيرديناند»، فإن بصمات الآلة الكنسية المتحكمة في دواليب القرار في قصر المونكلوا بمدريد، عبر وسائل إعلامها وصحافييها ومثقفيها النافذين في الحزب الشعبي اليميني، ليست بعيدة عن صياغة بعض بنود القوانين المتشددة مع المهاجرين المغاربة الذين يشكلون أغلبية المهاجرين بعد الجالية الأمريكية اللاتينية. ما يقلق الكنسية الإسبانية هو سرعة توالد المهاجرين المغاربة، حيث قفزت نسبة الجالية المسلمة في إسبانيا من 3.2 في المائة عام 1998 إلى 13.4 في المائة في 2007.
ما يقلق الكنيسة الكاثوليكية الإسبانية أيضا هو ارتفاع أعداد الإسبان الذين يعتنقون الإسلام. وهذا ما أكده مدير مسجد غرناطة مؤخرا، «عبد الحسيب كاستينيرا»، عندما قال إن عدد الإسبان الذين يدخلون في الإسلام أكثر من عدد معتنقيه في كل الدول الأوربية الأخرى. وأضاف: «في مسجد غرناطة لا يمر أسبوع إلا ويدخل في الإسلام واحد، اثنان أو ثلاثة. فقد أصبح عادة عندنا النطق بالشهادتين بعد صلاة الجمعة».
والخوف من الإسلام وقدرته الكبيرة على الانتشار ليست مقتصرة على إسبانيا، ففي روسيا أعربت دوائر أمنية صراحة عن مخاوفها من زيادة نسبة الأشخاص المعتنقين للدين الإسلامي من أصل روسي مؤخرا. وأشارت معطيات نشرتها صحيفة «أزفيتسيا»، الصادرة في موسكو، إلى أن هناك 300 ألف روسي اعتنقوا الإسلام مؤخرا. وألمانيا، على سبيل المثال، يفوق عدد المسلمين بها عدد المسلمين بلبنان.
أما صحيفة «الديلي تليجراف» البريطانية فقد نشرت مؤخرا تقريرا حذر من أن أوربا تواجه قنبلة زمنية ديموغرافية تتمثل في تزايد مطرد للجاليات المسلمة المهاجرة، مما يهدد القارة بتغيرات جذرية لا يمكن تدارك أبعادها خلال العقدين المقبلين. والأفكار والأرقام التي نشرتها «الديلي تلغراف» ليست سوى ترجمة أمينة للأرقام والمعطيات التي قدمها «فيلدرز»، الأمين العام للحزب اليميني الهولندي المتطرف «هولندا الحرة» ومخرج فيلم «فتنة»، والذي طالب في خطاب وجهه إلى حكومة هولندا والحكومات الأوربية، بوصفه عضواً بالبرلمان الأوربي، بضرورة اتخاذ إجراءات من شأنها إلزام المسلمين المهاجرين إلى أوربا بتحديد النسل، والاكتفاء بطفل أو طفلين كالأسر الأوربية، مؤكدا أن الديموغرافيا السكانية تسير لصالح المسلمين، فبحلول عام 2050 سيشكل المسلمون نسبة %20 من سكان أوربا بعد أن كانوا لا يزيدون على %5، أي أن الأسماء التي ستكون أكثر تداولا في أوربا بعد أربعين سنة من الآن هي محمد وآدم وريان وأيوب ومهدي وأمين وحمزة، وهذا وحده يشكل بالنسبة إلى الفاتيكان كابوسا مخيفا.
لذلك، بدأت كل الحكومات الأوربية في التنسيق في ما بينها على الصعيد الأوربي لوقف هذا الزحف الأخضر. فجاءت قوانين فرنسا لحظر ارتداء الحجاب في المدارس قبل سنوات، وتبعها حظر ارتداء البرقع الأفغاني، مع أنه لا علاقة له بالإسلام بل هو زي «ابتدعه طالبان، وتبعته بريطانيا عندما وضعت قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب، اتضح أنها كانت موجهة أساسا لتجفيف منابع تمويل الجمعيات الإسلامية الخيرية في بريطانيا. ووصلت هذه الحمى إلى إسبانيا عندما منعت مدارسٌ دخولَ طالبات بالحجاب، ومنع قاض محامية مسلمة تضع الحجاب من دخول قاعة المحكمة قبل أسبوعين. لكي نصل، في نهاية المطاف، إلى كارثة تصويت السويسريين لصالح منع بناء المآذن في المساجد الإسلامية فوق أراضيهم استجابة لدعوة عنصرية أطلقها الحزب اليميني وباركتها الحكومة من وراء الستار بقبولها عرض المسألة للتصويت.
ورافق التشدد والصرامة في تطبيق هذه القوانين تراخ واضح في التصدي للجرائم العنصرية التي يتعرض لها المهاجرون المسلمون في كثير من الدول الأوربية. والرسالة التي تريد هذه الحكومات الأوربية إيصالها إلى مسلمي أوربا واضحة بما لا يدع مجالا للشك، وهي أن المكان لم يعد يتسع للجميع، عليكم أن تختاروا: إما أن تندمجوا معنا كليا أو أن ترحلوا إلى بلدانكم حيث تستطيعون القيام بما يحلو لكم. هذا هو عمق دعوة ساركوزي حول قضية الهوية الوطنية. فإما أن يقبل المسلم في فرنسا بالانسلاخ والتجرد من جذوره الإسلامية العربية أو الإفريقية أو الأمازيغية لكي ينتمي بالكامل إلى العرق الفرنسي والثقافة الفرنسية والهوية الفرنسية، وإما أن يعود إلى حيث توجد جذوره التي يفتخر بها.
إن وضع أوربا، كقارة تجمع دولا تتفق جميعها على احترام المبادئ الديمقراطية، لا يسمح لها بأن تقوم بإحياء محاكم تفتيش جديدة على الطريقة الكاثوليكية لطرد العرب والمسلمين من أراضيها كما وقع في إسبانيا، ولذلك تلجأ إلى استعمال القوانين للضغط وإحراج ومضايقة وإهانة هؤلاء المهاجرين حتى يفهموا أن الخلاص يكمن في عودتهم إلى بلدانهم.
إنها، في نهاية المطاف، حلقة جديدة ومعدلة ومنقحة من مسلسل «محاكم التفتيش» التي اعتاد الغرب المسيحي القيام بها كلما أحس بزحف الإسلام والمسلمين على أراضيه. وما وقع في سويسرا مؤخرا ليس سوى المئذنة التي تخفي الغابة.
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
يهود التاريخ/رشيد نيني
قبل قيام ألمانيا النازية بجمع اليهود في معسكرات ومعتقلات من كل أوربا، قامت آلة إعلامية رهيبة ومنظمة بتسهيل المشروع الألماني لهتلر، وذلك بتصوير اليهود كسبب رئيسي للأزمة الاقتصادية التي كانت تعيشها الدول التي كانوا مستقرين بها. وهكذا عندما دك هتلر أوربا تحت أقدامه، سلمته الدول يهودها ولم يحرك ذلك في نفوس الأوربيين أي شعور بالرأفة أو الشفقة تجاههم. فقد كانوا جميعهم يرون أن ثراء اليهودي هو سبب بؤس المسيحي. هذا ما يحدث للمسلمين اليوم على يد الإعلام الأوربي اليميني، فالدعاية اليمينية تصور الهاجرين المسلمين اليوم في الإعلام كلصوص يسرقون خبز الأوربيين من أفواه أبنائهم.
ومثلما تكفلت شركة «س.م.ن.س» بتزويد «الغيستابو» بالبيانات الإلكترونية الكاملة حول اليهود وعناوينهم وصورهم، مما سهل عملية اعتقالهم، تقوم اليوم بالشيء نفسه مع العرب والمسلمين شركة «طاليس» التي تجمع بيوميتريا بصمات وبيانات كل المسلمين والعرب وتجمعها في «مركز الأمن القومي الأوربي» بوارسو عاصمة بولندة، والذي دشنه «فرانكو فراتيني» عندما كان مكلفا بحقيبة الأمن بالمفوضية الأوربية.
ولعل اجتماع وزير الداخلية الفرنسي «بروس أورتوفو» في مدينة «فيشي»، سيئة الذكر، عندما كان مكلفا بحقيبة وزارة الهجرة والاندماج مع نظرائه في الاتحاد الأوربي لتدارس القوانين الجديدة التي ستفرض على المهاجرين، يحمل دلالة تاريخية خاصة، ففي تلك المدينة بالضبط تم تعيين حكومة «فيشي» التي تعاونت مع هتلر وسلمت يهود فرنسا إلى معتقلات النازية بعد أن شحنتهم في القطارات.
إنه التاريخ يعيد نفسه، لكن بضحايا آخرين سيكونون هذه المرة هم المسلمون وليس اليهود. ومن يريد أن يفهم هذه الحقيقة التاريخية عليه أن يقرأ مظفر النواب، خصوصا قصيدته التي ينبئ فيها قائلا «سنصبح يهود التاريخ ونعوي في الصحراء بلا مأوى».
يحدث هذا رغم أن المسلمين تفوقوا في إحصاء أعلنت عنه كنيسة الفاتكيان السنة الماضية ولأول مرة في التاريخ عدديا على المسيحيين الكاثوليكيين، مرجعة سبب هذا التفوق إلى ارتفاع نسبة المواليد عند المسلمين. وبفضل هذا «النشاط» الجنسي، الذي نساهم به نحن المسلمين في تكثير «سواد» الأمة، وصل عددنا إلى مليار مسلم فاصلة ثلاثة على وجه الكرة الأرضية.
لا أعرف لماذا عندما سمعت نتيجة هذا الإحصاء وخبر هذا «التفوق» العددي على أصحاب الكتب السماوية الأخرى من يهود ونصارى، ورأيت أمواج الحجاج المتلاطمة بملايين أثواب الإحرام حول بيت الله الحرام، تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال للصحابة مستشرفا حال أمته بعد موته بقرون طويلة: «ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، «قالوا» أمِن قلة نحن يومئذ يا رسول الله، «قال» بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، «قالوا» وما الوهن يا رسول الله، «قال» حب الدنيا وكراهية الموت».
هذا الحديث الشريف ينطبق حرفيا على حال المسلمين اليوم. فنحن والحمد لله، الذي لا يحمد على مكروه سواه، كثيرو العدد ونتكاثر مثل الجراد. وفي الجزيرة العربية، حيث ظهر الإسلام غريبا أول مرة، يوجد أحد أهم مصادر الطاقة في العالم. وفي ظرف الثلاثين سنة الأخيرة، تحول الحفاة العراة عراء الشاة إلى أثرياء يتطاولون في البنيان. وأصبحت الجزيرة العربية القاحلة الجرداء، التي كانت تذرعها قوافل النوق والجمال، حدائق غناء تتوسطها الأبراج العائمة التي يخترق طولها عنان السماء. وبعدما كانت قبائل العربان تمتطي الخيول والمهور سعيا وراء الظباء والغزلان لصيدها والعيش على لحومها، أصبحت العربان اليوم تذرع رمال الصحراء ممتطية سيارات «الهامر» أمريكية الصنع بحثا بأجهزة «الجي بي إس» كورية الصنع عن طيور الحبار للتسلي بصيدها.
وها هم بسبب الأزمة الاقتصادية يرون كيف ستنهار أمام أعينهم ناطحات سحابهم وكيف ستنفجر فقاعة الصابون المالية لكي تبتلع جزرهم الاصطناعية العائمة، فيعودون إلى سابق بداوتهم.
ورغم توفر كل هذه الثروات في جزيرة العرب، ورغم تحكمهم في أسهم البورصات العالمية بفضل إنتاج النفط، فإنهم عاجزون حتى عن إنتاج المواد الغذائية التي يقتاتون عليها. وبفضل أموال النفط صاروا عاجزين حتى عن العمل. وفي قطر وحدها، يوجد بفضل عائدات الغاز الطبيعي ثلاثة أجانب في خدمة كل مواطن قطري.
وفي الجزائر، أول مصدر للغاز الطبيعي في العالم، لا يمكن أن تعثر على شاب واحد لا يفكر في مغادرة الجزائر نحو أوربا. الجزائر التي عندما تراكمت الأموال على خزائن الدولة بفضل عائدات صادراتها من الغاز لم تجد شيئا آخر تستثمر فيه هذه المليارات من الدولارات سوى تسديد ديونها كاملة للبنك الدولي، مع أن أغنى الدول في العالم لم تفكر يوما في تسديد ديونها كاملة لهذا البنك رغم توفرها على أضعاف أضعاف السيولة التي اجتمعت للجزائر من أموال الغاز.
أما ليبيا التي تصدر النفط ويوزع قائدها المفدى جزءا من عائداته على المواطنين الليبيين «كاش» أمام أبواب بيوتهم مثل الصدقات، فلازالت تفتقر إلى البنيات التحتية الأساسية للدولة الحديثة، فلا رئيس آخر غير قائد الثورة، ولا كتاب آخر غير الكتاب الأخضر، حتى إن فكرة تدريس اللغات الأجنبية لم تشرق في ذهن فخامة الرئيس سوى العام الماضي. وفي الوقت الذي يقذف فيه المعارضون رؤساءهم بالطرطة على وجوههم، لازال قائد الجماهيرية الأوحد يرسل أمام القضاء وزراءه لمجرد أن أحدهم قاطع فخامته وأخذ الثاني «راحته» معه في الحديث أمام الملأ.
ورغم كل هذه الثروات الكبيرة التي حبانا الله بها في هذا العالم الإسلامي، ورغم هذه الثروة البشرية التي تجاوزت المليار مسلم، لازلنا نفر من بلداننا الإسلامية كما تفر النوق من الجمل الأجرب. والمغرب وحده صدر إلى الآن ثلاثة ملايين من مواطنيه إلى مختلف بلدان العالم. وهكذا نرى أننا لم نعد خير أمة أخرجت للناس وإنما أصبحنا خير أمة أخرجت من بيوتها نحو بلدان الناس.
وهكذا، فالذين ظهر فيهم دين الرحمة أصبحوا هم أصحاب أكثر القلوب قسوة في العالم، والذين ظهر فيهم نبي السلام أصبحوا هم أكثر الشعوب نزوعا نحو التقاتل ونهش بعضهم البعض. وما وقع بين الجزائر ومصر مؤخرا يعطينا مثالا واضحا على أن أكبر خطر على العرب والمسلمين هو أنفسهم. وأصبحت أمة «إقرأ» هي أمة «ما أنا بقارئ»، فبينما يقرأ كتابا واحدا 500 بريطاني، يقرأ في العالم العربي الكتابَ الواحدَ حوالي 12 ألف عربي. وخلال الـ35 عاما الأخيرة من حكم هؤلاء الملوك والرؤساء الخالدين في العالم الإسلامي، ارتفع عدد الأميين في أمة «إقرأ» من 50 إلى 70 مليونا.
وفي الوقت الذي ترفض فيه بعض الدول الإسلامية الترخيص للبنوك التي لا تتعامل بالربا، نرى كيف أن فرنسا وإنجلترا ودول علمانية أخرى بدأت تقرر شُعَبا متخصصة في جامعات اقتصادها في الاقتصاد الإسلامي، ومنها من بدأ بالترخيص لهذه البنوك بالعمل. أكثر من ذلك، هناك من اقتنع أن النظام البنكي الإسلامي هو الحل للجم الرأسمال الجشع.
والنتيجة هي أن المسلمين فروا هاربين من بلدانهم إلى أوربا وأمريكا وتشردوا على سائر بقاع العالم كما تشرد اليهود من قبلهم. وها هو العالم اليوم يعيش أزمة اقتصادية خانقة كتلك التي عاشتها أوربا قبل تغوّل النازية. والمشجب الذي يريد اليمين العنصري المتطرف في الغرب أن يعلق عليه اليوم أزمته ومشاكله هو العرب والمسلمون. فربط الإعلام صورتهم بالإرهاب وربط الإسلام بالتطرف، وأصبحت اللغة العربية مشبوهة، فبدأت المضايقات والاستفزازات والتلميحات إلى أن المشكلة تكمن في طريقة تفسير المسلمين للإسلام، إلى أن وصلنا اليوم إلى حد أصبحوا معه يقولون صراحة إن المشكلة ليست في المسلمين فقط بل في الإسلام كدين.
المثير في الأمر أن اليهود، الذين تعرضوا على يد النازية للاعتقال والإبادة في المعسكرات، هم من يحرض الغرب على طرد العرب والمسلمين من بلدانهم عبر الإعلام الذي يتحكمون في دواليبه، وعبر السينما التي يصورن فيها المسلم كمرادف للإرهابي السفاك.
فهل سيفهم المسلمون أن دورهم قد أتى لكي يكونوا يهود التاريخ، أم إنهم سيفسرون كل هذه المؤامرات التي تحاك ضدهم كمصادفات تاريخية لا غير.
المساء
ومثلما تكفلت شركة «س.م.ن.س» بتزويد «الغيستابو» بالبيانات الإلكترونية الكاملة حول اليهود وعناوينهم وصورهم، مما سهل عملية اعتقالهم، تقوم اليوم بالشيء نفسه مع العرب والمسلمين شركة «طاليس» التي تجمع بيوميتريا بصمات وبيانات كل المسلمين والعرب وتجمعها في «مركز الأمن القومي الأوربي» بوارسو عاصمة بولندة، والذي دشنه «فرانكو فراتيني» عندما كان مكلفا بحقيبة الأمن بالمفوضية الأوربية.
ولعل اجتماع وزير الداخلية الفرنسي «بروس أورتوفو» في مدينة «فيشي»، سيئة الذكر، عندما كان مكلفا بحقيبة وزارة الهجرة والاندماج مع نظرائه في الاتحاد الأوربي لتدارس القوانين الجديدة التي ستفرض على المهاجرين، يحمل دلالة تاريخية خاصة، ففي تلك المدينة بالضبط تم تعيين حكومة «فيشي» التي تعاونت مع هتلر وسلمت يهود فرنسا إلى معتقلات النازية بعد أن شحنتهم في القطارات.
إنه التاريخ يعيد نفسه، لكن بضحايا آخرين سيكونون هذه المرة هم المسلمون وليس اليهود. ومن يريد أن يفهم هذه الحقيقة التاريخية عليه أن يقرأ مظفر النواب، خصوصا قصيدته التي ينبئ فيها قائلا «سنصبح يهود التاريخ ونعوي في الصحراء بلا مأوى».
يحدث هذا رغم أن المسلمين تفوقوا في إحصاء أعلنت عنه كنيسة الفاتكيان السنة الماضية ولأول مرة في التاريخ عدديا على المسيحيين الكاثوليكيين، مرجعة سبب هذا التفوق إلى ارتفاع نسبة المواليد عند المسلمين. وبفضل هذا «النشاط» الجنسي، الذي نساهم به نحن المسلمين في تكثير «سواد» الأمة، وصل عددنا إلى مليار مسلم فاصلة ثلاثة على وجه الكرة الأرضية.
لا أعرف لماذا عندما سمعت نتيجة هذا الإحصاء وخبر هذا «التفوق» العددي على أصحاب الكتب السماوية الأخرى من يهود ونصارى، ورأيت أمواج الحجاج المتلاطمة بملايين أثواب الإحرام حول بيت الله الحرام، تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال للصحابة مستشرفا حال أمته بعد موته بقرون طويلة: «ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، «قالوا» أمِن قلة نحن يومئذ يا رسول الله، «قال» بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، «قالوا» وما الوهن يا رسول الله، «قال» حب الدنيا وكراهية الموت».
هذا الحديث الشريف ينطبق حرفيا على حال المسلمين اليوم. فنحن والحمد لله، الذي لا يحمد على مكروه سواه، كثيرو العدد ونتكاثر مثل الجراد. وفي الجزيرة العربية، حيث ظهر الإسلام غريبا أول مرة، يوجد أحد أهم مصادر الطاقة في العالم. وفي ظرف الثلاثين سنة الأخيرة، تحول الحفاة العراة عراء الشاة إلى أثرياء يتطاولون في البنيان. وأصبحت الجزيرة العربية القاحلة الجرداء، التي كانت تذرعها قوافل النوق والجمال، حدائق غناء تتوسطها الأبراج العائمة التي يخترق طولها عنان السماء. وبعدما كانت قبائل العربان تمتطي الخيول والمهور سعيا وراء الظباء والغزلان لصيدها والعيش على لحومها، أصبحت العربان اليوم تذرع رمال الصحراء ممتطية سيارات «الهامر» أمريكية الصنع بحثا بأجهزة «الجي بي إس» كورية الصنع عن طيور الحبار للتسلي بصيدها.
وها هم بسبب الأزمة الاقتصادية يرون كيف ستنهار أمام أعينهم ناطحات سحابهم وكيف ستنفجر فقاعة الصابون المالية لكي تبتلع جزرهم الاصطناعية العائمة، فيعودون إلى سابق بداوتهم.
ورغم توفر كل هذه الثروات في جزيرة العرب، ورغم تحكمهم في أسهم البورصات العالمية بفضل إنتاج النفط، فإنهم عاجزون حتى عن إنتاج المواد الغذائية التي يقتاتون عليها. وبفضل أموال النفط صاروا عاجزين حتى عن العمل. وفي قطر وحدها، يوجد بفضل عائدات الغاز الطبيعي ثلاثة أجانب في خدمة كل مواطن قطري.
وفي الجزائر، أول مصدر للغاز الطبيعي في العالم، لا يمكن أن تعثر على شاب واحد لا يفكر في مغادرة الجزائر نحو أوربا. الجزائر التي عندما تراكمت الأموال على خزائن الدولة بفضل عائدات صادراتها من الغاز لم تجد شيئا آخر تستثمر فيه هذه المليارات من الدولارات سوى تسديد ديونها كاملة للبنك الدولي، مع أن أغنى الدول في العالم لم تفكر يوما في تسديد ديونها كاملة لهذا البنك رغم توفرها على أضعاف أضعاف السيولة التي اجتمعت للجزائر من أموال الغاز.
أما ليبيا التي تصدر النفط ويوزع قائدها المفدى جزءا من عائداته على المواطنين الليبيين «كاش» أمام أبواب بيوتهم مثل الصدقات، فلازالت تفتقر إلى البنيات التحتية الأساسية للدولة الحديثة، فلا رئيس آخر غير قائد الثورة، ولا كتاب آخر غير الكتاب الأخضر، حتى إن فكرة تدريس اللغات الأجنبية لم تشرق في ذهن فخامة الرئيس سوى العام الماضي. وفي الوقت الذي يقذف فيه المعارضون رؤساءهم بالطرطة على وجوههم، لازال قائد الجماهيرية الأوحد يرسل أمام القضاء وزراءه لمجرد أن أحدهم قاطع فخامته وأخذ الثاني «راحته» معه في الحديث أمام الملأ.
ورغم كل هذه الثروات الكبيرة التي حبانا الله بها في هذا العالم الإسلامي، ورغم هذه الثروة البشرية التي تجاوزت المليار مسلم، لازلنا نفر من بلداننا الإسلامية كما تفر النوق من الجمل الأجرب. والمغرب وحده صدر إلى الآن ثلاثة ملايين من مواطنيه إلى مختلف بلدان العالم. وهكذا نرى أننا لم نعد خير أمة أخرجت للناس وإنما أصبحنا خير أمة أخرجت من بيوتها نحو بلدان الناس.
وهكذا، فالذين ظهر فيهم دين الرحمة أصبحوا هم أصحاب أكثر القلوب قسوة في العالم، والذين ظهر فيهم نبي السلام أصبحوا هم أكثر الشعوب نزوعا نحو التقاتل ونهش بعضهم البعض. وما وقع بين الجزائر ومصر مؤخرا يعطينا مثالا واضحا على أن أكبر خطر على العرب والمسلمين هو أنفسهم. وأصبحت أمة «إقرأ» هي أمة «ما أنا بقارئ»، فبينما يقرأ كتابا واحدا 500 بريطاني، يقرأ في العالم العربي الكتابَ الواحدَ حوالي 12 ألف عربي. وخلال الـ35 عاما الأخيرة من حكم هؤلاء الملوك والرؤساء الخالدين في العالم الإسلامي، ارتفع عدد الأميين في أمة «إقرأ» من 50 إلى 70 مليونا.
وفي الوقت الذي ترفض فيه بعض الدول الإسلامية الترخيص للبنوك التي لا تتعامل بالربا، نرى كيف أن فرنسا وإنجلترا ودول علمانية أخرى بدأت تقرر شُعَبا متخصصة في جامعات اقتصادها في الاقتصاد الإسلامي، ومنها من بدأ بالترخيص لهذه البنوك بالعمل. أكثر من ذلك، هناك من اقتنع أن النظام البنكي الإسلامي هو الحل للجم الرأسمال الجشع.
والنتيجة هي أن المسلمين فروا هاربين من بلدانهم إلى أوربا وأمريكا وتشردوا على سائر بقاع العالم كما تشرد اليهود من قبلهم. وها هو العالم اليوم يعيش أزمة اقتصادية خانقة كتلك التي عاشتها أوربا قبل تغوّل النازية. والمشجب الذي يريد اليمين العنصري المتطرف في الغرب أن يعلق عليه اليوم أزمته ومشاكله هو العرب والمسلمون. فربط الإعلام صورتهم بالإرهاب وربط الإسلام بالتطرف، وأصبحت اللغة العربية مشبوهة، فبدأت المضايقات والاستفزازات والتلميحات إلى أن المشكلة تكمن في طريقة تفسير المسلمين للإسلام، إلى أن وصلنا اليوم إلى حد أصبحوا معه يقولون صراحة إن المشكلة ليست في المسلمين فقط بل في الإسلام كدين.
المثير في الأمر أن اليهود، الذين تعرضوا على يد النازية للاعتقال والإبادة في المعسكرات، هم من يحرض الغرب على طرد العرب والمسلمين من بلدانهم عبر الإعلام الذي يتحكمون في دواليبه، وعبر السينما التي يصورن فيها المسلم كمرادف للإرهابي السفاك.
فهل سيفهم المسلمون أن دورهم قد أتى لكي يكونوا يهود التاريخ، أم إنهم سيفسرون كل هذه المؤامرات التي تحاك ضدهم كمصادفات تاريخية لا غير.
المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 5 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
صفحة 5 من اصل 7
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى