شوف تشوف
+19
binoo
بديعة
zouaki
zouakine1
ابن الأطلس
ربيع
sabil
kaytouni
nezha
القيطي
صالح
منصور
ع أ ع
المخلوطي
abdou
said
izarine
abdelhamid
iswal
23 مشترك
صفحة 7 من اصل 7
صفحة 7 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
الله ينعلها قاعيدة - رشيد نيني
عندما شاهد زبائن خمارة «خمسة على خمسة» في طنجة
أفرادا من الفرقة الوطنية، التي أرسلها عبد الحق الخيام من الدار البيضاء
لتحقق في اتهامات بمحاولات رشوة أعضاء في مجلس المدينة، وهم يدخلون بصحبة
أعضاء في حزب الأصالة والمعاصرة، فهموا أن «الفرقة الوطنية» جاءت إلى طنجة
بدعوة كريمة من إلياس العماري لإنقاذ حساب أخيه الإداري العسير، الذي لم
يبتلعه أعضاء المجلس وأسقطوه بالأغلبية الساحقة.
واليوم بعدما اتهم العمدة فؤاد العماري أعضاء في مجلس المدينة بتلقي رشاوى
من أجل التصويت ضد الحساب الإداري، هل ستكون له الجرأة لكي يكشف للرأي
العام كم كان نصيبه من هذه الرشوة مادام قد صوت هو أيضا بلا على الحساب؟
واضح إذن أن سفر أفراد من الفرقة الوطنية إلى طنجة جاء بطلب من الهمة، الذي
يتحكم في دواليب وزارة الداخلية والأمن والمخابرات، لإنقاذ إحدى قلاعه
الانتخابية من الانهيار. والمهمة الانتحارية للفرقة الوطنية هذه الأيام هي
تخليص الحسابات الإدارية العالقة في مجالس المدن، التي يسيرها حزب الهمة
مباشرة، كمجلس طنجة، أو يتحكم في تسييرها من وراء الستار كمجلس الدار
البيضاء، من الورطة التي وضعتها فيها المعارضة برفضها التصويت لصالح هذه
الحسابات.
إننا اليوم أمام أمثلة واضحة لوضع عبد الحق الخيام رجال فرقته الوطنية في
خدمة إلياس العماري ومصالحه التي يرعاها بفضل ذراعه الحزبي داخل أكبر وأهم
مجلسي مدينة، هما الدار البيضاء وطنجة.
وعوض أن تفتح الفرقة الوطنية التحقيقات حول تهم الارتشاء والفساد الإداري
والسياسي، فالأحرى أن تفتح جهة ما تحقيقا قضائيا نزيها ومستقلا مع عبد الحق
الخيام وفرقته الوطنية للتحقق من الاتهامات التي باتت تواجهها هذه الفرقة،
والمتعلقة أساسا بضلوعها في عملية تصفية الحسابات بين الأطراف السياسية
والحزبية والأمنية.
إن قضية العميد الإقليمي للأمن بالناضور، الدكتور محمد جلماد، الذي يوجد
اليوم معتقلا ومضربا عن الطعام في سجن عكاشة بعدما «تورط» في تحطيم الرقم
القياسي بحجزه ثمانية أطنان من المخدرات وتفكيك شبكة «الزعيمي»، ليست سوى
النقطة التي أفاضت كأس هذه الفرقة، التي تجيد اللعب مع بعض القضاة وفق
تقنية «حط ليا نسماتشي»، وذلك عن طريق توريط المخابرات للمطلوبة رؤوسهم في
ملفات مفبركة وإعداد الفرقة الوطنية محاضر تحت الطلب بشأنهم تعطي للقضاة
إمكانية «تكفين» المتهمين وإرسالهم إلى السجن.
ولكي نفهم الطريقة التي تم بها حبك السيناريو الذي انتهى بالعميد جلماد
معتقلا بتهمة ثقيلة هي طلب رشوة بالملايير بناء على جملة في مكالمة هاتفية
قال فيها العميد لوسيط مفترض للبارون الزعيمي «ما يكون غير الخير»، يجب أن
نذهب إلى الناضور، وبالضبط إلى مكتب المدير الجهوي لمديرية مراقبة التراب
الوطني المعروفة اختصارا بـ«الديستي»، والذي «خيم» في منصبه بالناضور لما
يزيد عن عشرين سنة، ست سنوات منها قضاها مديرا جهويا لهذا الجهاز الحساس.
طيلة هذه السنوات، ومنذ كان مفتشا عاديا في الناضور وإلى أن صار مديرا
جهويا، استطاع هذا المدير أن يكون «خبرة» كبيرة في عالم بارونات المخدرات
وشبكاتهم المتشعبة. وبالنسبة إلى هؤلاء «التجار» فالمدير الجهوي لمديرية
مراقبة التراب الوطني هو بمثابة «قابض الأرواح»، يستطيع بجرة قلم أن يحذف
اسم «تاجر» مخدرات من لائحة المطلوبين، كما يستطيع أن يضيفه بجرة قلم أخرى.
عندما جاء العميد محمد جلماد إلى الناضور، قادما إليها من سلا بعد فترة
توقيف ظالمة بسبب حادثة عرقلة الموكب الملكي المفبركة، سيبدأ في تجفيف
منابع شبكات تجار المخدرات، وبالتالي أصبح يشكل خطرا على عائدات هذه
التجارة، التي يتوصل بها بانتظام أولئك الذين يضمنون الحماية الأمنية
والتغطية القضائية على نشاطاتهم.
ولعل أخطر مسؤول يخشاه جميع تجار المخدرات هو المدير الجهوي لمديرية مراقبة
التراب الوطني. فهذا المسؤول هو العين اللاقطة التي «تسلطها» أجهزة الأمن
على كل النشاطات المشبوهة التي يشتغل أصحابها خارج القانون.
ولسنوات طويلة كان نشاط تجار المخدرات هادئا لا يشوبه أي تهديد، فقد كانت
تقارير المدير الجهوي تستهدف التجار الصغار والحمالين، بينما تستثني كبار
البارونات الذين كانوا يتحركون بحرية كبيرة.
والدليل على ذلك أن الزعيمي كان مبحوثا عنه منذ 2009 ولم يتم إزعاجه أبدا
من طرف المدير الجهوي لمديرية التراب الوطني، خصوصا أن أخت الزعيمي متزوجة
من ضابط متقاعد في «الديستي» يعرف جيدا أنشطة صهره.
وطالما أن المبحوث عنهم «يفهمون رؤوسهم»، فإن حملات الاعتقالات تستثنيهم،
وعندما «تسخن عليهم» رؤوسهم ويعتقدون أنهم أصبحوا غير مدينين بالولاء
والعطاء لمن يوفرون لهم الحماية، يتم اعتقالهم فورا، مثلما حدث مع ميمون
السوسي، الذي وجد نفسه رهن الاعتقال بعدما استفاد من «تغماض العينين» فترة
طويلة. ولعل الوسيط «البوهالي» يعرف الشيء الكثير عن عائدات هذه «الواسيطة»
المدرة للدخل بين المسؤول المخباراتي والمبحوث عنهم.
إن كل من اشتغل مع الدكتور محمد جلماد يعرف أن الرجل ذهب ضحية تصفية حسابات
إلياس العماري مع ابن عمه البرلماني سعيد شعو، والذي حاول توريطه في شبكة
«الزعيمي» لكي «يضرب» به المثل لكل من يحاول أن يتحدى سلطة إلياس العماري
في الريف.
فمن يستطيع أن يرسل عميدا إقليميا للأمن إلى السجن، ويستطيع أن يتحكم في
تعيين كبار المسؤولين العموميين في الريف ومنتخبي الحزب في ربوع المملكة
كسعيد الرحموني، رئيس المجلس الإقليمي للناضور، الذي سبق له أن أدين في ملف
للمخدرات القوية، أو العربي المحرشي، رئيس المجلس الإقليمي لوزان، الذي
سبق له أن أدين هو الآخر بخمس سنوات، وشارك في الانتخابات ضدا على القانون
وفاز، يستحق فعلا أن «يبندق» له الجميع خوفا على رقبته من «الطيران».
ولكي تنجح هذه الخطة الجهنمية تم نصب كمين للعميد جلماد بمساعدة أحد شركاء
الزعيمي، وبتنسيق مع المدير الجهوي لمديرية مراقبة التراب الوطني. ولكل
واحد من هؤلاء الثلاثة، الذين نسجوا خيوط المؤامرة ضد العميد جلماد، مصلحة
معينة، فإلياس يريد رأس ابن عمه سعيد شعو، والمدير الجهوي لمديرية مراقبة
التراب الوطني يريد رأس العميد جلماد، وشريك الزعيمي يريد رأس الزعيمي لكي
يرسله إلى السجن ويتفرغ للسطو على ممتلكاته وعقاراته التي يشترك فيها معه،
ومنها عمارتان في الناضور وسيارات فاخرة تم تهريبها إلى مليلية بعد اعتقال
الزعيمي.
وهكذا انتهى العميد جلماد نزيلا عند الفرقة الوطنية بالدار البيضاء بسبب
مكالمة هاتفية حاول فيها شريك الزعيمي توريطه في موعد وهمي، اصطحب العميد
عناصر من الأمن للذهاب إليه.
وأصبحت جملة «ما يكون غير الخير» كافية لإثبات نية الارتشاء عند العميد
بمبالغ وصلت إلى مليارات السنتيمات، هو الذي ظل منذ حصوله على الدكتوراة
مواظبا على الذهاب إلى الجامعة لإعطاء الدروس من أجل مائتي درهم في الشهر،
مع أن سلطاته كانت تسمح له بالاغتناء السريع كما صنع بعض أقرانه وأصبحوا من
ملاكي الضيعات التي يربون فيها الخيول، مثلما يصنع رئيس الفرقة الولائية
الجنائية بالدار البيضاء عبد الإله بلكوشية.
إن توظيف الفرقة الوطنية من أجل تصفية الحسابات ليس أمرا جديدا، فالجميع
يتذكر أدوارها الرائدة خلال حملة التطهير، التي طبخت فيها ملفات الكثير من
رجال الأعمال والموظفين الذين طحنتهم آلة البصري الجهنمية. كما يتذكر
الجميع دورها الكبير في فبركة ملفات معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية.
ولعل آخر «منجزات» عبد الحق الخيام على رأس الفرقة الوطنية إرساله رئيس
الفرقة الولائية الجنائية رفقة رجاله إلى السجن بتهمة ابتزاز عاهرات عجز
«الخيام» عن إحضارهن لتقديم شهادتهن بذريعة أن الأمن لم يهتد إلى عناوينهن.
ولعل ما يجمع بين زعزاعي رئيس الفرقة الولائية الجنائية بالدار البيضاء،
وجلماد العميد الإقليمي للأمن بالناضور، هو أن هذا الأخير تم رميه في سجن
عكاشة بعد حجزه ثمانية أطنان من المخدرات، بينما تم رمي زعزاعي في سجن
عكاشة بعد تفكيكه عصابة خطيرة متخصصة في تزوير أختام الوزير الأول وجوازات
السفر والعملة. فهذا هو جزاء كل من يفكر في القيام بواجبه كما يمليه عليه
ضميره في هذه البلاد.
وإذا كان السبب وراء اعتقال العميد جلماد في الناضور هو نجاحه في تجفيف
منابع الرشوة، التي يقدمها أباطرة المخدرات من أجل ضمان الحماية والبقاء
خارج دائرة مذكرات التوقيف، فإن السبب وراء اعتقال زعزاعي في الدار البيضاء
هو تجفيفه منابع الأموال، التي تأتي من الدعارة وعالم الليل وأصحاب
الملاهي والخمارات بالدار البيضاء، الذين يدفعون يوميا من أجل الاستمرار في
استغلال القاصرات وترويج المخدرات وخرق القوانين المتعلقة بمواقيت
الإغلاق.
وهكذا أصبح الرجلان مزعجين أكثر من اللازم، وأصبح بقاؤهما في منصبيهما يعني
فطم كل الذين تعودوا رضع «البزولة». ولأن الفرقة الوطنية هي الوسيلة
الأكثر فعالية لردع مثل هؤلاء الموظفين الذين يؤدون رسالتهم بأمانة وإخلاص،
فإن اللجوء إلى «خدماتها» أصبح قاعدة.
«والله ينعلها قاعيدة».المساء15-4-2011
أفرادا من الفرقة الوطنية، التي أرسلها عبد الحق الخيام من الدار البيضاء
لتحقق في اتهامات بمحاولات رشوة أعضاء في مجلس المدينة، وهم يدخلون بصحبة
أعضاء في حزب الأصالة والمعاصرة، فهموا أن «الفرقة الوطنية» جاءت إلى طنجة
بدعوة كريمة من إلياس العماري لإنقاذ حساب أخيه الإداري العسير، الذي لم
يبتلعه أعضاء المجلس وأسقطوه بالأغلبية الساحقة.
واليوم بعدما اتهم العمدة فؤاد العماري أعضاء في مجلس المدينة بتلقي رشاوى
من أجل التصويت ضد الحساب الإداري، هل ستكون له الجرأة لكي يكشف للرأي
العام كم كان نصيبه من هذه الرشوة مادام قد صوت هو أيضا بلا على الحساب؟
واضح إذن أن سفر أفراد من الفرقة الوطنية إلى طنجة جاء بطلب من الهمة، الذي
يتحكم في دواليب وزارة الداخلية والأمن والمخابرات، لإنقاذ إحدى قلاعه
الانتخابية من الانهيار. والمهمة الانتحارية للفرقة الوطنية هذه الأيام هي
تخليص الحسابات الإدارية العالقة في مجالس المدن، التي يسيرها حزب الهمة
مباشرة، كمجلس طنجة، أو يتحكم في تسييرها من وراء الستار كمجلس الدار
البيضاء، من الورطة التي وضعتها فيها المعارضة برفضها التصويت لصالح هذه
الحسابات.
إننا اليوم أمام أمثلة واضحة لوضع عبد الحق الخيام رجال فرقته الوطنية في
خدمة إلياس العماري ومصالحه التي يرعاها بفضل ذراعه الحزبي داخل أكبر وأهم
مجلسي مدينة، هما الدار البيضاء وطنجة.
وعوض أن تفتح الفرقة الوطنية التحقيقات حول تهم الارتشاء والفساد الإداري
والسياسي، فالأحرى أن تفتح جهة ما تحقيقا قضائيا نزيها ومستقلا مع عبد الحق
الخيام وفرقته الوطنية للتحقق من الاتهامات التي باتت تواجهها هذه الفرقة،
والمتعلقة أساسا بضلوعها في عملية تصفية الحسابات بين الأطراف السياسية
والحزبية والأمنية.
إن قضية العميد الإقليمي للأمن بالناضور، الدكتور محمد جلماد، الذي يوجد
اليوم معتقلا ومضربا عن الطعام في سجن عكاشة بعدما «تورط» في تحطيم الرقم
القياسي بحجزه ثمانية أطنان من المخدرات وتفكيك شبكة «الزعيمي»، ليست سوى
النقطة التي أفاضت كأس هذه الفرقة، التي تجيد اللعب مع بعض القضاة وفق
تقنية «حط ليا نسماتشي»، وذلك عن طريق توريط المخابرات للمطلوبة رؤوسهم في
ملفات مفبركة وإعداد الفرقة الوطنية محاضر تحت الطلب بشأنهم تعطي للقضاة
إمكانية «تكفين» المتهمين وإرسالهم إلى السجن.
ولكي نفهم الطريقة التي تم بها حبك السيناريو الذي انتهى بالعميد جلماد
معتقلا بتهمة ثقيلة هي طلب رشوة بالملايير بناء على جملة في مكالمة هاتفية
قال فيها العميد لوسيط مفترض للبارون الزعيمي «ما يكون غير الخير»، يجب أن
نذهب إلى الناضور، وبالضبط إلى مكتب المدير الجهوي لمديرية مراقبة التراب
الوطني المعروفة اختصارا بـ«الديستي»، والذي «خيم» في منصبه بالناضور لما
يزيد عن عشرين سنة، ست سنوات منها قضاها مديرا جهويا لهذا الجهاز الحساس.
طيلة هذه السنوات، ومنذ كان مفتشا عاديا في الناضور وإلى أن صار مديرا
جهويا، استطاع هذا المدير أن يكون «خبرة» كبيرة في عالم بارونات المخدرات
وشبكاتهم المتشعبة. وبالنسبة إلى هؤلاء «التجار» فالمدير الجهوي لمديرية
مراقبة التراب الوطني هو بمثابة «قابض الأرواح»، يستطيع بجرة قلم أن يحذف
اسم «تاجر» مخدرات من لائحة المطلوبين، كما يستطيع أن يضيفه بجرة قلم أخرى.
عندما جاء العميد محمد جلماد إلى الناضور، قادما إليها من سلا بعد فترة
توقيف ظالمة بسبب حادثة عرقلة الموكب الملكي المفبركة، سيبدأ في تجفيف
منابع شبكات تجار المخدرات، وبالتالي أصبح يشكل خطرا على عائدات هذه
التجارة، التي يتوصل بها بانتظام أولئك الذين يضمنون الحماية الأمنية
والتغطية القضائية على نشاطاتهم.
ولعل أخطر مسؤول يخشاه جميع تجار المخدرات هو المدير الجهوي لمديرية مراقبة
التراب الوطني. فهذا المسؤول هو العين اللاقطة التي «تسلطها» أجهزة الأمن
على كل النشاطات المشبوهة التي يشتغل أصحابها خارج القانون.
ولسنوات طويلة كان نشاط تجار المخدرات هادئا لا يشوبه أي تهديد، فقد كانت
تقارير المدير الجهوي تستهدف التجار الصغار والحمالين، بينما تستثني كبار
البارونات الذين كانوا يتحركون بحرية كبيرة.
والدليل على ذلك أن الزعيمي كان مبحوثا عنه منذ 2009 ولم يتم إزعاجه أبدا
من طرف المدير الجهوي لمديرية التراب الوطني، خصوصا أن أخت الزعيمي متزوجة
من ضابط متقاعد في «الديستي» يعرف جيدا أنشطة صهره.
وطالما أن المبحوث عنهم «يفهمون رؤوسهم»، فإن حملات الاعتقالات تستثنيهم،
وعندما «تسخن عليهم» رؤوسهم ويعتقدون أنهم أصبحوا غير مدينين بالولاء
والعطاء لمن يوفرون لهم الحماية، يتم اعتقالهم فورا، مثلما حدث مع ميمون
السوسي، الذي وجد نفسه رهن الاعتقال بعدما استفاد من «تغماض العينين» فترة
طويلة. ولعل الوسيط «البوهالي» يعرف الشيء الكثير عن عائدات هذه «الواسيطة»
المدرة للدخل بين المسؤول المخباراتي والمبحوث عنهم.
إن كل من اشتغل مع الدكتور محمد جلماد يعرف أن الرجل ذهب ضحية تصفية حسابات
إلياس العماري مع ابن عمه البرلماني سعيد شعو، والذي حاول توريطه في شبكة
«الزعيمي» لكي «يضرب» به المثل لكل من يحاول أن يتحدى سلطة إلياس العماري
في الريف.
فمن يستطيع أن يرسل عميدا إقليميا للأمن إلى السجن، ويستطيع أن يتحكم في
تعيين كبار المسؤولين العموميين في الريف ومنتخبي الحزب في ربوع المملكة
كسعيد الرحموني، رئيس المجلس الإقليمي للناضور، الذي سبق له أن أدين في ملف
للمخدرات القوية، أو العربي المحرشي، رئيس المجلس الإقليمي لوزان، الذي
سبق له أن أدين هو الآخر بخمس سنوات، وشارك في الانتخابات ضدا على القانون
وفاز، يستحق فعلا أن «يبندق» له الجميع خوفا على رقبته من «الطيران».
ولكي تنجح هذه الخطة الجهنمية تم نصب كمين للعميد جلماد بمساعدة أحد شركاء
الزعيمي، وبتنسيق مع المدير الجهوي لمديرية مراقبة التراب الوطني. ولكل
واحد من هؤلاء الثلاثة، الذين نسجوا خيوط المؤامرة ضد العميد جلماد، مصلحة
معينة، فإلياس يريد رأس ابن عمه سعيد شعو، والمدير الجهوي لمديرية مراقبة
التراب الوطني يريد رأس العميد جلماد، وشريك الزعيمي يريد رأس الزعيمي لكي
يرسله إلى السجن ويتفرغ للسطو على ممتلكاته وعقاراته التي يشترك فيها معه،
ومنها عمارتان في الناضور وسيارات فاخرة تم تهريبها إلى مليلية بعد اعتقال
الزعيمي.
وهكذا انتهى العميد جلماد نزيلا عند الفرقة الوطنية بالدار البيضاء بسبب
مكالمة هاتفية حاول فيها شريك الزعيمي توريطه في موعد وهمي، اصطحب العميد
عناصر من الأمن للذهاب إليه.
وأصبحت جملة «ما يكون غير الخير» كافية لإثبات نية الارتشاء عند العميد
بمبالغ وصلت إلى مليارات السنتيمات، هو الذي ظل منذ حصوله على الدكتوراة
مواظبا على الذهاب إلى الجامعة لإعطاء الدروس من أجل مائتي درهم في الشهر،
مع أن سلطاته كانت تسمح له بالاغتناء السريع كما صنع بعض أقرانه وأصبحوا من
ملاكي الضيعات التي يربون فيها الخيول، مثلما يصنع رئيس الفرقة الولائية
الجنائية بالدار البيضاء عبد الإله بلكوشية.
إن توظيف الفرقة الوطنية من أجل تصفية الحسابات ليس أمرا جديدا، فالجميع
يتذكر أدوارها الرائدة خلال حملة التطهير، التي طبخت فيها ملفات الكثير من
رجال الأعمال والموظفين الذين طحنتهم آلة البصري الجهنمية. كما يتذكر
الجميع دورها الكبير في فبركة ملفات معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية.
ولعل آخر «منجزات» عبد الحق الخيام على رأس الفرقة الوطنية إرساله رئيس
الفرقة الولائية الجنائية رفقة رجاله إلى السجن بتهمة ابتزاز عاهرات عجز
«الخيام» عن إحضارهن لتقديم شهادتهن بذريعة أن الأمن لم يهتد إلى عناوينهن.
ولعل ما يجمع بين زعزاعي رئيس الفرقة الولائية الجنائية بالدار البيضاء،
وجلماد العميد الإقليمي للأمن بالناضور، هو أن هذا الأخير تم رميه في سجن
عكاشة بعد حجزه ثمانية أطنان من المخدرات، بينما تم رمي زعزاعي في سجن
عكاشة بعد تفكيكه عصابة خطيرة متخصصة في تزوير أختام الوزير الأول وجوازات
السفر والعملة. فهذا هو جزاء كل من يفكر في القيام بواجبه كما يمليه عليه
ضميره في هذه البلاد.
وإذا كان السبب وراء اعتقال العميد جلماد في الناضور هو نجاحه في تجفيف
منابع الرشوة، التي يقدمها أباطرة المخدرات من أجل ضمان الحماية والبقاء
خارج دائرة مذكرات التوقيف، فإن السبب وراء اعتقال زعزاعي في الدار البيضاء
هو تجفيفه منابع الأموال، التي تأتي من الدعارة وعالم الليل وأصحاب
الملاهي والخمارات بالدار البيضاء، الذين يدفعون يوميا من أجل الاستمرار في
استغلال القاصرات وترويج المخدرات وخرق القوانين المتعلقة بمواقيت
الإغلاق.
وهكذا أصبح الرجلان مزعجين أكثر من اللازم، وأصبح بقاؤهما في منصبيهما يعني
فطم كل الذين تعودوا رضع «البزولة». ولأن الفرقة الوطنية هي الوسيلة
الأكثر فعالية لردع مثل هؤلاء الموظفين الذين يؤدون رسالتهم بأمانة وإخلاص،
فإن اللجوء إلى «خدماتها» أصبح قاعدة.
«والله ينعلها قاعيدة».المساء15-4-2011
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
من أين لك هذا... الخبر رشيد نيني
يحدث أن يتحول الصحافي من صانع للخبر إلى خبر في حد ذاته.
هذه الأيام، أجد نفسي قد تحولت، رغما عني، إلى مادة أخبار دسمة تتقاذفها
المواقع الإلكترونية والصحف. فيبدو أن بعض زملائنا تركوا أخبار المبذرين
ولصوص المال العام الذين تتحدث عنهم التقارير القضائية، وتفرغوا لملاحقتي
بمقالاتهم التي يبحثون من ورائها عن مضاعفة عدد قرائهم.
فبين موقع إلكتروني يتحدث عن حجز المحكمة على ممتلكاتي وعقاراتي، وبين
جريدة تتحدث عن حجز على حسابات والدتي وأخواتي، ولم لا جدتي التي لا تستطيع
التمييز بين دفتر الشيكات وكناش «الكريدي»، يضيع الخبر بين ثنايا الإثارة
وتختلط الحسابات الشخصية بالحسابات البنكية.
أولا وقبل كل شيء، على هؤلاء الذين يتحدثون عن ممتلكاتي وعقاراتي أن يخجلوا
من أنفسهم قليلا، لأنهم يعرفون قبل غيرهم أنني، إلى حدود اليوم، لا أملك
أي عقار أو ممتلكات. ولو أنهم كلفوا أنفسهم مشقة التحرك إلى غاية المحافظة
العقارية وطلبوا جدولا بلائحة ممتلكاتي وعقاراتي لتأكدوا من كوني لا أتوفر
على تلك الممتلكات التي عددوها في مقالاتهم.
ليس هناك أي عيب في أن يتوفر مدراء المؤسسات الإعلامية على عقارات
وممتلكات، طالما أنهم حصلوا عليها بعملهم ولم يسرقوها. وقد كنت سأكون فخورا
بممتلكاتي لو أنني كنت أتوفر عليها حقيقة، لكنني إلى حدود اليوم لازلت
أقطن في منزل للكراء، وهذا ليس عيبا، وأنا أسعى إلى اقتناء شقة، وعندما
سأكمل دفعاتها سأكون سعيدا بإخبار هؤلاء الزملاء بهذا «الخبر» لكي ينشروه
في الصفحة الأولى.
أما أخبار الحجز على الحسابات البنكية لوالدتي وأخواتي وبنات أخواتي، فأنا
لا أعرف حقيقة من أين أتوا بها. فأنا أزور والدتي كل يوم تقريبا ولم تتوصل
بأي إشعار من المحكمة بالحجز على حسابها أو حساب بناتها.
كل ما حدث هو أن محامي نواب الملك الأربعة استخلص الأموال المحجوزة في حساب
«المساء» البنكي وفي حسابي الشخصي، وإذا كان يريد تمديد الحجز لكي يشمل
«ممتلكاتي» و«عقاراتي» فليتفضل ليحجز عليها، إن وجدها.
ولم أكد أكمل قراءة هذه الأخبار «المتضاربة» حول الحجوزات والعقارات
والممتلكات التي دوخت الزملاء، حتى وجدت بانتظاري في الجريدة، صباح أول أمس
الثلاثاء، استدعاء من الفرقة الوطنية، مجموعة مكافحة الجرائم الاقتصادية
والمالية.
وقبل أن أصل إلى مقر الفرقة الوطنية، سبقتني الأخبار إلى المواقع إياها،
فمنها من تحدث عن استدعائي للتحقيق معي حول أسفارٍ إلى إسبانيا ونقل أموال
إليها بطرق غير قانونية، ومنها من تحدث عن حسابات في الخارج.
والحال أن استدعاء الفرقة الوطنية جاء بناء على طلب من الوكيل العام للملك،
العلوي البلغيثي، للاستماع إلي حول مجموعة من المقالات التي نشرتها في
عمودي. الوكيل العام للملك يريد أن يعرف الأدلة التي استندت إليها لكتابة
ما كتبته. قلت لهم إنني سأجيبكم بجملة واحدة ولن أزيد عليها كلمة واحدة،
وهي أن كل ما لدي لكي أقوله قد قلته في هذه الأعمدة، وكل ما كتبته تحققت
منه قبل نشره من مصادري الموثوقة والتي أحتفظ بحق حمايتها وعدم الكشف عنها.
بدأ الاستماع إلي من طرف عناصر الفرقة الوطنية، والتي كانت في منتهى
اللياقة والأدب، حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف واستمر إلى حدود الثانية
زوالا، وتابعت الاستماع إلي من الثالثة زوالا إلى السادسة مساء.
بالنسبة إلى عناصر الفرقة الوطنية فقد كانت تقوم بواجبها الذي أمرها به
الوكيل العام للملك، ولو أنني كنت أتمنى أن يذهب محضر الاستماع من مقر
الفرقة إلى مكتب الوكيل العام للملك دون أن يمر على جريدة «الصباح» التي
كانت الجريدة الوحيدة التي تم إطلاعها على فحوى جلسة الاستماع التي كان من
المفروض، والقانوني، أن تبقى سرية.
لكن ما باليد حيلة، فهذه الجريدة أصبحت منذ مدة طرفا في القضايا المعروضة
على القضاء، وأصبحت صفحاتها ملاذا مفضلا لمحاضر الضابطة القضائية والتقارير
الأمنية والقضايا الرائجة أمام المحاكم.
ولذلك، فليس من المستغرب أن تحظى هذه الجريدة بهذا «السبق» الصحافي الذي سيرفع، ولو ليوم واحد، مبيعاتها المتدنية.
وأنا أغادر مقر الفرقة الوطنية، فكرت في اقتراح لتقديمه إلى المعنيين
بقوانين التصريح بالممتلكات و«قانون من أين لك هذا؟»، وهو أن يضيفوا إلى
لائحة قوانينهم قانونا جديدا اسمه «من أين لك هذا الخبر؟».
فيبدو أننا سنحاكم بناء على هذا القانون الجديد الذي يتحول فيه الخبر إلى
جريمة يجب تبريرها. فنحن متلبسون بنشر الأخبار التي لا تروق لبعض النافذين
الذين يعتقدون أن مصير الناس رهن أيديهم، ولذلك يجب متابعتنا بهذه الجريمة
النكراء، أما الأشخاص الذين يتحدث عنهم الخبر فلا أحد يزعجهم باستدعاء
صغير.
يقولون إنهم يريدون منا أن نعطيهم الأدلة الدامغة التي تؤكد الأخبار التي
ننشرها، وأن ندلهم على أسماء الأشخاص الذين نقصدهم باتهاماتنا. يعتقدون
أننا مخبرون نشتغل لحسابهم، وأننا يجب أن نكون مستعدين لإعطائهم مفكرات
عناويننا وأسماء مصادرنا لكي يحققوا معهم ويتأكدوا من حقيقة ما ننشره، وكأن
هذه الأجهزة الأمنية والقضائية، التي تشغل مئات الموظفين والمخبرين
والمحققين وترصد لها الدولة ملايير الدراهم سنويا، أصبحت عاجزة عن استكمال
البحث والتحقيق حول ما ننشره، لكي تعول علينا نحن الصحافيين لنأتيها بالخبر
والأدلة وأسماء المتهمين. لماذا لا يوزعون علينا الأصفاد والمسدسات لكي
نذهب ونعتقل لهم هؤلاء اللصوص والمهربين والمرتشين ونضعهم في السجون؟
الحقيقة أنني لم أتفاجأ لكون الوكيل العام للملك أمر باستدعائي للاستماع
إلي حول ما أكتبه، فسعادة الوكيل العام يعرف أنني أصبحت منذ خمس سنوات
زبونا دائما لديه. لكن ما فاجأني حقيقة هو أنني كنت أنتظر أن أكتب أخبارا
حول استدعاء النيابة العامة للمسؤولين العموميين الذين نشر التقرير الأخير
للمجلس الأعلى للحسابات أسماءهم ومخالفاتهم المالية والإدارية، فإذا بي
أجدني أكتب خبرا حول استدعاء الوكيل العام للملك لي. «شي يديرها وشي تجي
فيه».
كنا ننتظر قراءة أخبار حول قرارات قضائية بالحجز على أموال وممتلكات
«عليوة» و«الفراع» و«بنعلو» و«برق الليل» وبقية المتابعين في جرائم تبذير
المال العام، فإذا بنا نقرأ أخبارا حول حجز وسحب حجوزات من حساب «المساء»
وحسابي البنكي.
وحتى الذين كانوا يقولون اللهم إن هذا منكر، كيف تحكم محكمة في المغرب، حيث
الحد الأدنى للأجور لا يتعدى 1500 درهم، بستمائة مليون سنتيم على مدير
جريدة، أصبحوا يستنكرون تباطؤ المحكمة في تنفيذ قرار الحجز ويطالبونها
بتنفيذ هذه الأحكام، وكأن الحكم بستمائة مليون، في نظرهم، أصبح حكما عادلا
صادرا عن محكمة مستقلة، والحال أن هذا الحكم حكم ظالم حبكته المخابرات من
أوله إلى آخره وأرادت أن تجعل منه سيفا مسلطا على رقبتي إلى الأبد.
اليوم آن لهذا السيف أن ينزل لننتهي من هذه المهزلة. لينزل هذا السيف الصدأ
ولتصادروا ما شئتم من ممتلكات تعشش في خيالكم. صادروا كل شيء واتركوا لنا
حريتنا وكرامتنا، فهي غير قابلة للتفاوض أو المصادرة.
إن خطأنا الجسيم ربما هو أننا استوعبنا مضامين الخطاب الملكي الأخير الذي
تحدث فيه الملك عن تقوية دور وسائل المراقبة والمحاسبة في الدستور المقبل.
ويبدو أننا انسقنا بحماس وراء هذه الدعوة ونسينا أن هناك جيوب مقاومة كثيرة
ستشهر عصيها لعرقلة عجلات هذه العربة الملكية.
وهاهي العصي «تجبدات»، وربما لن نكون وحدنا من ستنزل هذه العصي على ظهره
لكي يتوارى إلى الخلف ويتخلف عن الزحف، إلى جانب الملك، على هذا الفساد
المستشري في البلاد والعباد.
قدر المغاربة الشرفاء والنزيهين والمخلصين لدينهم ووطنهم وملكهم أن يعدوا
ظهورهم للضربات القادمة وأن يقبضوا على مبادئهم كالقابض على الجمر، وأن
يستميتوا في البقاء داخل خندق المقاومة لمجابهة هذا الغول المسمى فسادا.
نحن لا ننتظر منهم أن يلقوا إلينا بالورود، فنحن نعرف أن طريق الصدق والحقيقة مفروش بالأشواك، ولذلك فنحن مستعدون للأسوأ.
ماذا تساوي ساعات من الاستنطاق أو الاستماع في ضيافة الأمن، أو سنوات من
السجن، أو ضياع بضعة ملايين في الحجز أمام الثمن الباهظ الذي تؤديه الشعوب
العربية اليوم وتسدده حتى آخر قطرة من دماء أبنائها من أجل الحق في الكرامة
والحرية.
نحن في المغرب لدينا فرصة تاريخية لتحقيق الحرية والكرامة والعدل بدون أن
تسيل قطرة دم واحدة في الشوارع. يكفي أن يفهم أولئك اللصوص والفاسدون،
الذين ظلوا يمصون دماءنا منذ ثلاثين سنة، أن زمنهم انتهى وأن ساعتهم دقت
وأن عليهم الرحيل اليوم قبل الغد.
«وسيرو بخاطركم حسن ليكم قبل ما تعودو غادين بزز».
المساء
هذه الأيام، أجد نفسي قد تحولت، رغما عني، إلى مادة أخبار دسمة تتقاذفها
المواقع الإلكترونية والصحف. فيبدو أن بعض زملائنا تركوا أخبار المبذرين
ولصوص المال العام الذين تتحدث عنهم التقارير القضائية، وتفرغوا لملاحقتي
بمقالاتهم التي يبحثون من ورائها عن مضاعفة عدد قرائهم.
فبين موقع إلكتروني يتحدث عن حجز المحكمة على ممتلكاتي وعقاراتي، وبين
جريدة تتحدث عن حجز على حسابات والدتي وأخواتي، ولم لا جدتي التي لا تستطيع
التمييز بين دفتر الشيكات وكناش «الكريدي»، يضيع الخبر بين ثنايا الإثارة
وتختلط الحسابات الشخصية بالحسابات البنكية.
أولا وقبل كل شيء، على هؤلاء الذين يتحدثون عن ممتلكاتي وعقاراتي أن يخجلوا
من أنفسهم قليلا، لأنهم يعرفون قبل غيرهم أنني، إلى حدود اليوم، لا أملك
أي عقار أو ممتلكات. ولو أنهم كلفوا أنفسهم مشقة التحرك إلى غاية المحافظة
العقارية وطلبوا جدولا بلائحة ممتلكاتي وعقاراتي لتأكدوا من كوني لا أتوفر
على تلك الممتلكات التي عددوها في مقالاتهم.
ليس هناك أي عيب في أن يتوفر مدراء المؤسسات الإعلامية على عقارات
وممتلكات، طالما أنهم حصلوا عليها بعملهم ولم يسرقوها. وقد كنت سأكون فخورا
بممتلكاتي لو أنني كنت أتوفر عليها حقيقة، لكنني إلى حدود اليوم لازلت
أقطن في منزل للكراء، وهذا ليس عيبا، وأنا أسعى إلى اقتناء شقة، وعندما
سأكمل دفعاتها سأكون سعيدا بإخبار هؤلاء الزملاء بهذا «الخبر» لكي ينشروه
في الصفحة الأولى.
أما أخبار الحجز على الحسابات البنكية لوالدتي وأخواتي وبنات أخواتي، فأنا
لا أعرف حقيقة من أين أتوا بها. فأنا أزور والدتي كل يوم تقريبا ولم تتوصل
بأي إشعار من المحكمة بالحجز على حسابها أو حساب بناتها.
كل ما حدث هو أن محامي نواب الملك الأربعة استخلص الأموال المحجوزة في حساب
«المساء» البنكي وفي حسابي الشخصي، وإذا كان يريد تمديد الحجز لكي يشمل
«ممتلكاتي» و«عقاراتي» فليتفضل ليحجز عليها، إن وجدها.
ولم أكد أكمل قراءة هذه الأخبار «المتضاربة» حول الحجوزات والعقارات
والممتلكات التي دوخت الزملاء، حتى وجدت بانتظاري في الجريدة، صباح أول أمس
الثلاثاء، استدعاء من الفرقة الوطنية، مجموعة مكافحة الجرائم الاقتصادية
والمالية.
وقبل أن أصل إلى مقر الفرقة الوطنية، سبقتني الأخبار إلى المواقع إياها،
فمنها من تحدث عن استدعائي للتحقيق معي حول أسفارٍ إلى إسبانيا ونقل أموال
إليها بطرق غير قانونية، ومنها من تحدث عن حسابات في الخارج.
والحال أن استدعاء الفرقة الوطنية جاء بناء على طلب من الوكيل العام للملك،
العلوي البلغيثي، للاستماع إلي حول مجموعة من المقالات التي نشرتها في
عمودي. الوكيل العام للملك يريد أن يعرف الأدلة التي استندت إليها لكتابة
ما كتبته. قلت لهم إنني سأجيبكم بجملة واحدة ولن أزيد عليها كلمة واحدة،
وهي أن كل ما لدي لكي أقوله قد قلته في هذه الأعمدة، وكل ما كتبته تحققت
منه قبل نشره من مصادري الموثوقة والتي أحتفظ بحق حمايتها وعدم الكشف عنها.
بدأ الاستماع إلي من طرف عناصر الفرقة الوطنية، والتي كانت في منتهى
اللياقة والأدب، حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف واستمر إلى حدود الثانية
زوالا، وتابعت الاستماع إلي من الثالثة زوالا إلى السادسة مساء.
بالنسبة إلى عناصر الفرقة الوطنية فقد كانت تقوم بواجبها الذي أمرها به
الوكيل العام للملك، ولو أنني كنت أتمنى أن يذهب محضر الاستماع من مقر
الفرقة إلى مكتب الوكيل العام للملك دون أن يمر على جريدة «الصباح» التي
كانت الجريدة الوحيدة التي تم إطلاعها على فحوى جلسة الاستماع التي كان من
المفروض، والقانوني، أن تبقى سرية.
لكن ما باليد حيلة، فهذه الجريدة أصبحت منذ مدة طرفا في القضايا المعروضة
على القضاء، وأصبحت صفحاتها ملاذا مفضلا لمحاضر الضابطة القضائية والتقارير
الأمنية والقضايا الرائجة أمام المحاكم.
ولذلك، فليس من المستغرب أن تحظى هذه الجريدة بهذا «السبق» الصحافي الذي سيرفع، ولو ليوم واحد، مبيعاتها المتدنية.
وأنا أغادر مقر الفرقة الوطنية، فكرت في اقتراح لتقديمه إلى المعنيين
بقوانين التصريح بالممتلكات و«قانون من أين لك هذا؟»، وهو أن يضيفوا إلى
لائحة قوانينهم قانونا جديدا اسمه «من أين لك هذا الخبر؟».
فيبدو أننا سنحاكم بناء على هذا القانون الجديد الذي يتحول فيه الخبر إلى
جريمة يجب تبريرها. فنحن متلبسون بنشر الأخبار التي لا تروق لبعض النافذين
الذين يعتقدون أن مصير الناس رهن أيديهم، ولذلك يجب متابعتنا بهذه الجريمة
النكراء، أما الأشخاص الذين يتحدث عنهم الخبر فلا أحد يزعجهم باستدعاء
صغير.
يقولون إنهم يريدون منا أن نعطيهم الأدلة الدامغة التي تؤكد الأخبار التي
ننشرها، وأن ندلهم على أسماء الأشخاص الذين نقصدهم باتهاماتنا. يعتقدون
أننا مخبرون نشتغل لحسابهم، وأننا يجب أن نكون مستعدين لإعطائهم مفكرات
عناويننا وأسماء مصادرنا لكي يحققوا معهم ويتأكدوا من حقيقة ما ننشره، وكأن
هذه الأجهزة الأمنية والقضائية، التي تشغل مئات الموظفين والمخبرين
والمحققين وترصد لها الدولة ملايير الدراهم سنويا، أصبحت عاجزة عن استكمال
البحث والتحقيق حول ما ننشره، لكي تعول علينا نحن الصحافيين لنأتيها بالخبر
والأدلة وأسماء المتهمين. لماذا لا يوزعون علينا الأصفاد والمسدسات لكي
نذهب ونعتقل لهم هؤلاء اللصوص والمهربين والمرتشين ونضعهم في السجون؟
الحقيقة أنني لم أتفاجأ لكون الوكيل العام للملك أمر باستدعائي للاستماع
إلي حول ما أكتبه، فسعادة الوكيل العام يعرف أنني أصبحت منذ خمس سنوات
زبونا دائما لديه. لكن ما فاجأني حقيقة هو أنني كنت أنتظر أن أكتب أخبارا
حول استدعاء النيابة العامة للمسؤولين العموميين الذين نشر التقرير الأخير
للمجلس الأعلى للحسابات أسماءهم ومخالفاتهم المالية والإدارية، فإذا بي
أجدني أكتب خبرا حول استدعاء الوكيل العام للملك لي. «شي يديرها وشي تجي
فيه».
كنا ننتظر قراءة أخبار حول قرارات قضائية بالحجز على أموال وممتلكات
«عليوة» و«الفراع» و«بنعلو» و«برق الليل» وبقية المتابعين في جرائم تبذير
المال العام، فإذا بنا نقرأ أخبارا حول حجز وسحب حجوزات من حساب «المساء»
وحسابي البنكي.
وحتى الذين كانوا يقولون اللهم إن هذا منكر، كيف تحكم محكمة في المغرب، حيث
الحد الأدنى للأجور لا يتعدى 1500 درهم، بستمائة مليون سنتيم على مدير
جريدة، أصبحوا يستنكرون تباطؤ المحكمة في تنفيذ قرار الحجز ويطالبونها
بتنفيذ هذه الأحكام، وكأن الحكم بستمائة مليون، في نظرهم، أصبح حكما عادلا
صادرا عن محكمة مستقلة، والحال أن هذا الحكم حكم ظالم حبكته المخابرات من
أوله إلى آخره وأرادت أن تجعل منه سيفا مسلطا على رقبتي إلى الأبد.
اليوم آن لهذا السيف أن ينزل لننتهي من هذه المهزلة. لينزل هذا السيف الصدأ
ولتصادروا ما شئتم من ممتلكات تعشش في خيالكم. صادروا كل شيء واتركوا لنا
حريتنا وكرامتنا، فهي غير قابلة للتفاوض أو المصادرة.
إن خطأنا الجسيم ربما هو أننا استوعبنا مضامين الخطاب الملكي الأخير الذي
تحدث فيه الملك عن تقوية دور وسائل المراقبة والمحاسبة في الدستور المقبل.
ويبدو أننا انسقنا بحماس وراء هذه الدعوة ونسينا أن هناك جيوب مقاومة كثيرة
ستشهر عصيها لعرقلة عجلات هذه العربة الملكية.
وهاهي العصي «تجبدات»، وربما لن نكون وحدنا من ستنزل هذه العصي على ظهره
لكي يتوارى إلى الخلف ويتخلف عن الزحف، إلى جانب الملك، على هذا الفساد
المستشري في البلاد والعباد.
قدر المغاربة الشرفاء والنزيهين والمخلصين لدينهم ووطنهم وملكهم أن يعدوا
ظهورهم للضربات القادمة وأن يقبضوا على مبادئهم كالقابض على الجمر، وأن
يستميتوا في البقاء داخل خندق المقاومة لمجابهة هذا الغول المسمى فسادا.
نحن لا ننتظر منهم أن يلقوا إلينا بالورود، فنحن نعرف أن طريق الصدق والحقيقة مفروش بالأشواك، ولذلك فنحن مستعدون للأسوأ.
ماذا تساوي ساعات من الاستنطاق أو الاستماع في ضيافة الأمن، أو سنوات من
السجن، أو ضياع بضعة ملايين في الحجز أمام الثمن الباهظ الذي تؤديه الشعوب
العربية اليوم وتسدده حتى آخر قطرة من دماء أبنائها من أجل الحق في الكرامة
والحرية.
نحن في المغرب لدينا فرصة تاريخية لتحقيق الحرية والكرامة والعدل بدون أن
تسيل قطرة دم واحدة في الشوارع. يكفي أن يفهم أولئك اللصوص والفاسدون،
الذين ظلوا يمصون دماءنا منذ ثلاثين سنة، أن زمنهم انتهى وأن ساعتهم دقت
وأن عليهم الرحيل اليوم قبل الغد.
«وسيرو بخاطركم حسن ليكم قبل ما تعودو غادين بزز».
المساء
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
رد: شوف تشوف
عمود شوف تشوف في الصفحة الاخيرة من جريدة المساء المغربية ليومي 30 ابريل و 01 ماي 2011
جبلية وأفتخر- عدد الرسائل : 53
العمر : 35
Localisation : تطوان
Emploi : طالبة
تاريخ التسجيل : 14/03/2011
جبلية وأفتخر- عدد الرسائل : 53
العمر : 35
Localisation : تطوان
Emploi : طالبة
تاريخ التسجيل : 14/03/2011
استراحة محارب
لعل السؤال الذي يطرحه كثيرون هو متى سأعود إلى كتابة عمود «شوف تشوف» في
الصفحة الأخيرة من «المساء»؟. سأجيب عن هذا السؤال بسرعة حتى لا يطول
التشويق بالنسبة للبعض، و«التشويك» بالنسبة للبعض الآخر.
قبل حوالي خمس سنوات، وضعت وصل إيداع تأسيس جريدة «المساء» لدى وكيل الملك.
وبعد صدور الحكم النهائي في حقي بالحبس سنة نافذة قدمت استقالتي من إدارة
تحرير «المساء»، تفاديا لاحتمال إغلاقها بحكم وجود مدير نشرها قيد
الاعتقال. واليوم بعد قضائي عقوبتي الحبسية كاملة، وهذه أول مرة يحدث فيها
أن يقضي صحافي في المغرب عقوبته الحبسية كاملة، أعتقد أن فترة من الراحة
والتأمل أصبحت تفرض نفسها علي بإلحاح، خصوصا أنه لم تعد لي علاقة مهنية
بمؤسسة «المساء»، التي أتمنى لها الاستمرارية والتألق والنجاح.
داخل زنزانتي الانفرادية، وبين عملية اغتيال صرصار وآخر، فكرت طويلا في
قرار العودة إلى الصفحة الأخيرة من «المساء» لكتابة العمود الشهير، الذي
بسببه أوجد في زنزانة رطبة أترصد جحافل الصراصير والعناكب وبقية الحشرات
التي تقتحم علي عزلتي المحروسة والمراقبة على مدار اليوم والليلة.
بعد تفكير طويل، وبعدما تعلمت التعايش مع الحشرات، الضارة منها والنافعة،
(هذا لأن هناك حشرات نافعة للإنسان أكثر أحيانا مما يستطيع البشر أن يكون)،
فهمت أخيرا عمق تلك الجملة التي تركها الكاتب الروسي الكبير تولستوي عندما
قال ذات يوم: «لا يجب أن تكتب إلا في اللحظة التي تشعر فيها أنك عندما
تغطس ريشتك في المحبرة تترك طرفا من لحمك داخلها».
طبعا لا يجب أن ننسى ونحن نستحضر العظيم تولستوي ما قاله العبقري بريخت في
إحدى قصائده عندما كتب «إنهم لن يقولوا كانت الأزمنة رديئة، وإنما سيقولون
لماذا صمت الشعراء».
وطيلة كل هذا الوقت الذي قضيته في تأمل هذا البيت الشعري العميق، الذي يتهم
الشعراء باقتراف الصمت خلال الأزمنة الرديئة، ويشهد الله أن زمننا لا يقل
رداءة عن الزمن الذي تحدث عنه بريخت، لم أعثر على تعليق أبلغ من ذلك الذي
كتبه الروائي والمثقف الكبير الراحل عبد الرحمن منيف عندما قال: «نعم
سيسألون لماذا صمت الشعراء، ولماذا غاب المثقفون، ولماذا امتلأ الوطن بهذا
المقدار الهائل من الصمت والسواد... إلا إذا تكلم المثقفون، وقالوا بصدق ما
يجب أن يقال، عندئذ سيتغير السؤال».
أن تكتب لكي تقول ما يجب أن يقال، لا ما يحب البعض أن يسمع، هو ما قصده
تحديدا تولستوي عندما تحدث عن ترك لحمك في المحبرة في كل مرة تغطس فيها
ريشتك لكي تكتب.
هذا النوع من الكتابة في المغرب يقود صاحبه إلى ثلاث محطات، إما الصمت أو
النفي الذاتي أو السجن. وهذا الأخير جربته في أسوأ صوره وأكثرها تعبيرا عن
الحقد والضغينة. وفي غياب قانون يحمي حق الصحافي في الحصول على الخبر وحقه
في حماية مصادره، وفي ظل قضاء فاسد وغير مستقل، يبقى «اقتراف» هذا النوع من
الكتابة تحريضا لكل أعداء الكلمة الحرة على الأقلام التي ترفض الركوع
والخنوع.
وإذا كان جان جينيه، دفين العرائش، قد علمنا أنه «ليس على الكاتب أن يطلب
إذنا من أحد كي يكتب»، فإن أسد الريف المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي
قد علمنا أنه «ليس في قضية الحرية حل وسط»، فإما أن نكتب بحرية، أي أن نقول
ما يجب أن يقال، وإما أن نختار فضيلة الصمت.
سيقول قائل إنني عندما أنحاز إلى فضيلة الصمت، في الظروف الحالية، إنما
أعلن هزيمتي. ليس هناك من جواب أنسب لاتهام مماثل أعمق مما قاله الأمير
الخطابي «ليس هناك نجاح أو فشل، انتصار أو هزيمة، بل هناك شيء اسمه الواجب،
وأنا قمت به قدر استطاعتي».
إن أحد أكبر أسباب تخلفنا وتراجعنا عالميا في سلم الحريات هو تراجع إحساسنا
جميعا بالمسؤولية. ومرة أخرى نستحضر ما قاله الأمير الخطابي بهذا الصدد
عندما كتب أن «عدم الإحساس بالمسؤولية هو السبب في الفشل، فكل واحد ينتظر
أن يبدأ غيره».
ولعل أحسن من فهم عمق هذه المقولة النيرة هو الكاتب الكبير عبد الرحمان
منيف الذي قال، وكأنما كان يقرأ في ذهن الأمير الريفي الثائر، «الرداءة هي
حالة وليست طبيعة، وهي تحديات وصعوبات وليست قدرا، وبرغم الكثير من المرارة
والسواد والتشاؤم أحيانا، فإن هناك نورا في نهاية الدهليز. قد لا أستطيع
الوصول إليه أنا، ولكن المطلوب هو الوصول إليه، والجميع معنيون».
في مقابل صمت الجبناء والمنافقين والمداهنين، وصمت العملاء، وصمت
المأجورين، وصمت حملة المسدسات الكاتمة للصوت الذين يطلقون رصاص غدرهم في
الظهر، هناك صمت المحارب الجريح، الذي يستريح فوق الربوة حيث يلعق جراحه
ويلملم شظاياه بانتظار أن يعود إليه فرسه الذي فرقت بينه وبين صهوته
النصال وسهام الغدر وسط غبار المعركة.
البعض يعتقد أن روح هذا المحارب المثخن بالجراح ماتت، لكن، كما قالت
الشاعرة الروسية أنا أخماتوفا لبوليس ستالين، «أنا مفعمة بالحياة داخل هذا
التابوت»، يقول المحارب الجريح بدوره لبوليس الكلمة الحرة إن صوته سيظل
مجلجلا رغم الصمت. فأحيانا يكون الصمت أبلغ من الكلام، خصوصا إذا عثر على
آذان تصيخ السمع لوعود الربيع الذي وإن داسوا زهوره بأحذيتهم الثقيلة فإنه
لا محالة آت.
لن تفوتني الفرصة في هذه العجالة أن أتقدم بشكري وامتناني لكل من رفع صوته
في شارع أو ساحة أو محفل وطني أو دولي، أو رفع قلمه في صحيفة أو يافطة، أو
رفع كفيه بدعاء في صلاة وآزرني في محنتي، مستنكرا هذا الظلم المنكر الذي
لحقني. شكرا من القلب.
وقد بحثت طويلا عن شيء أختم به الإعلان عن هذه الاستراحة، التي أعتبرها
مستحقة بعد خمس سنوات متواصلة من الكتابة اليومية وسنة من الحبس الانفرادي
والعزلة المحروسة، فلم أعثر على شيء أحسن من هذا الدعاء الذي كتبه القاضي
أبو علي التنوخي، الذي عاش في عراق القرن الثالث الهجري، بسبب محنة لحقته،
فقال مبتهلا: «لا أحوجك الله إلى اقتضاء ثمن معروف أسديته، ولا ألجأك إلى
قبض عوض عن جميل أوليته، ولا جعل يدك السفلى لمن كانت عليه هي العليا،
وأعاذك من عز مفقود وعيش مجهود، وأحياك ما كانت الحياة أجمل بك، وتوفاك إذا
كانت الوفاة أصلح لك، وختم بالحسنى عملك، وبلغك في الأولى أملك، وأحسن في
الأخرى منقلبك، إنه سميع مجيب، جواد قريب».
دعونا نفترق على دعاء رفع المحنة هذا بانتظار أن تنفرج الأجواء لنلتقي مجددا فتصبح المحنة مجرد ذكرى لاستخلاص الدروس والعبر.
شكرا لمحبتكم، ودمتم أوفياء للكلمة الحرة رغم الكمامات، أوفياء لشارة النصر رغم الأصفاد.
المساء
الصفحة الأخيرة من «المساء»؟. سأجيب عن هذا السؤال بسرعة حتى لا يطول
التشويق بالنسبة للبعض، و«التشويك» بالنسبة للبعض الآخر.
قبل حوالي خمس سنوات، وضعت وصل إيداع تأسيس جريدة «المساء» لدى وكيل الملك.
وبعد صدور الحكم النهائي في حقي بالحبس سنة نافذة قدمت استقالتي من إدارة
تحرير «المساء»، تفاديا لاحتمال إغلاقها بحكم وجود مدير نشرها قيد
الاعتقال. واليوم بعد قضائي عقوبتي الحبسية كاملة، وهذه أول مرة يحدث فيها
أن يقضي صحافي في المغرب عقوبته الحبسية كاملة، أعتقد أن فترة من الراحة
والتأمل أصبحت تفرض نفسها علي بإلحاح، خصوصا أنه لم تعد لي علاقة مهنية
بمؤسسة «المساء»، التي أتمنى لها الاستمرارية والتألق والنجاح.
داخل زنزانتي الانفرادية، وبين عملية اغتيال صرصار وآخر، فكرت طويلا في
قرار العودة إلى الصفحة الأخيرة من «المساء» لكتابة العمود الشهير، الذي
بسببه أوجد في زنزانة رطبة أترصد جحافل الصراصير والعناكب وبقية الحشرات
التي تقتحم علي عزلتي المحروسة والمراقبة على مدار اليوم والليلة.
بعد تفكير طويل، وبعدما تعلمت التعايش مع الحشرات، الضارة منها والنافعة،
(هذا لأن هناك حشرات نافعة للإنسان أكثر أحيانا مما يستطيع البشر أن يكون)،
فهمت أخيرا عمق تلك الجملة التي تركها الكاتب الروسي الكبير تولستوي عندما
قال ذات يوم: «لا يجب أن تكتب إلا في اللحظة التي تشعر فيها أنك عندما
تغطس ريشتك في المحبرة تترك طرفا من لحمك داخلها».
طبعا لا يجب أن ننسى ونحن نستحضر العظيم تولستوي ما قاله العبقري بريخت في
إحدى قصائده عندما كتب «إنهم لن يقولوا كانت الأزمنة رديئة، وإنما سيقولون
لماذا صمت الشعراء».
وطيلة كل هذا الوقت الذي قضيته في تأمل هذا البيت الشعري العميق، الذي يتهم
الشعراء باقتراف الصمت خلال الأزمنة الرديئة، ويشهد الله أن زمننا لا يقل
رداءة عن الزمن الذي تحدث عنه بريخت، لم أعثر على تعليق أبلغ من ذلك الذي
كتبه الروائي والمثقف الكبير الراحل عبد الرحمن منيف عندما قال: «نعم
سيسألون لماذا صمت الشعراء، ولماذا غاب المثقفون، ولماذا امتلأ الوطن بهذا
المقدار الهائل من الصمت والسواد... إلا إذا تكلم المثقفون، وقالوا بصدق ما
يجب أن يقال، عندئذ سيتغير السؤال».
أن تكتب لكي تقول ما يجب أن يقال، لا ما يحب البعض أن يسمع، هو ما قصده
تحديدا تولستوي عندما تحدث عن ترك لحمك في المحبرة في كل مرة تغطس فيها
ريشتك لكي تكتب.
هذا النوع من الكتابة في المغرب يقود صاحبه إلى ثلاث محطات، إما الصمت أو
النفي الذاتي أو السجن. وهذا الأخير جربته في أسوأ صوره وأكثرها تعبيرا عن
الحقد والضغينة. وفي غياب قانون يحمي حق الصحافي في الحصول على الخبر وحقه
في حماية مصادره، وفي ظل قضاء فاسد وغير مستقل، يبقى «اقتراف» هذا النوع من
الكتابة تحريضا لكل أعداء الكلمة الحرة على الأقلام التي ترفض الركوع
والخنوع.
وإذا كان جان جينيه، دفين العرائش، قد علمنا أنه «ليس على الكاتب أن يطلب
إذنا من أحد كي يكتب»، فإن أسد الريف المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي
قد علمنا أنه «ليس في قضية الحرية حل وسط»، فإما أن نكتب بحرية، أي أن نقول
ما يجب أن يقال، وإما أن نختار فضيلة الصمت.
سيقول قائل إنني عندما أنحاز إلى فضيلة الصمت، في الظروف الحالية، إنما
أعلن هزيمتي. ليس هناك من جواب أنسب لاتهام مماثل أعمق مما قاله الأمير
الخطابي «ليس هناك نجاح أو فشل، انتصار أو هزيمة، بل هناك شيء اسمه الواجب،
وأنا قمت به قدر استطاعتي».
إن أحد أكبر أسباب تخلفنا وتراجعنا عالميا في سلم الحريات هو تراجع إحساسنا
جميعا بالمسؤولية. ومرة أخرى نستحضر ما قاله الأمير الخطابي بهذا الصدد
عندما كتب أن «عدم الإحساس بالمسؤولية هو السبب في الفشل، فكل واحد ينتظر
أن يبدأ غيره».
ولعل أحسن من فهم عمق هذه المقولة النيرة هو الكاتب الكبير عبد الرحمان
منيف الذي قال، وكأنما كان يقرأ في ذهن الأمير الريفي الثائر، «الرداءة هي
حالة وليست طبيعة، وهي تحديات وصعوبات وليست قدرا، وبرغم الكثير من المرارة
والسواد والتشاؤم أحيانا، فإن هناك نورا في نهاية الدهليز. قد لا أستطيع
الوصول إليه أنا، ولكن المطلوب هو الوصول إليه، والجميع معنيون».
في مقابل صمت الجبناء والمنافقين والمداهنين، وصمت العملاء، وصمت
المأجورين، وصمت حملة المسدسات الكاتمة للصوت الذين يطلقون رصاص غدرهم في
الظهر، هناك صمت المحارب الجريح، الذي يستريح فوق الربوة حيث يلعق جراحه
ويلملم شظاياه بانتظار أن يعود إليه فرسه الذي فرقت بينه وبين صهوته
النصال وسهام الغدر وسط غبار المعركة.
البعض يعتقد أن روح هذا المحارب المثخن بالجراح ماتت، لكن، كما قالت
الشاعرة الروسية أنا أخماتوفا لبوليس ستالين، «أنا مفعمة بالحياة داخل هذا
التابوت»، يقول المحارب الجريح بدوره لبوليس الكلمة الحرة إن صوته سيظل
مجلجلا رغم الصمت. فأحيانا يكون الصمت أبلغ من الكلام، خصوصا إذا عثر على
آذان تصيخ السمع لوعود الربيع الذي وإن داسوا زهوره بأحذيتهم الثقيلة فإنه
لا محالة آت.
لن تفوتني الفرصة في هذه العجالة أن أتقدم بشكري وامتناني لكل من رفع صوته
في شارع أو ساحة أو محفل وطني أو دولي، أو رفع قلمه في صحيفة أو يافطة، أو
رفع كفيه بدعاء في صلاة وآزرني في محنتي، مستنكرا هذا الظلم المنكر الذي
لحقني. شكرا من القلب.
وقد بحثت طويلا عن شيء أختم به الإعلان عن هذه الاستراحة، التي أعتبرها
مستحقة بعد خمس سنوات متواصلة من الكتابة اليومية وسنة من الحبس الانفرادي
والعزلة المحروسة، فلم أعثر على شيء أحسن من هذا الدعاء الذي كتبه القاضي
أبو علي التنوخي، الذي عاش في عراق القرن الثالث الهجري، بسبب محنة لحقته،
فقال مبتهلا: «لا أحوجك الله إلى اقتضاء ثمن معروف أسديته، ولا ألجأك إلى
قبض عوض عن جميل أوليته، ولا جعل يدك السفلى لمن كانت عليه هي العليا،
وأعاذك من عز مفقود وعيش مجهود، وأحياك ما كانت الحياة أجمل بك، وتوفاك إذا
كانت الوفاة أصلح لك، وختم بالحسنى عملك، وبلغك في الأولى أملك، وأحسن في
الأخرى منقلبك، إنه سميع مجيب، جواد قريب».
دعونا نفترق على دعاء رفع المحنة هذا بانتظار أن تنفرج الأجواء لنلتقي مجددا فتصبح المحنة مجرد ذكرى لاستخلاص الدروس والعبر.
شكرا لمحبتكم، ودمتم أوفياء للكلمة الحرة رغم الكمامات، أوفياء لشارة النصر رغم الأصفاد.
المساء
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
رد: شوف تشوف
المشاغب - رشيد نيني
يحتفظ التلاميذ في مرحلة الطفولة الأولى بذكريات لا تمحى عن أساتذتهم.
يتذكرون ملامح الأساتذة بدقة كبيرة، أولئك العابسون دائما، والباسمون المرحون، والعصبيات حد الجنون، والحنونات الرؤوفات، والصارمون المستعدون لكسر كل المساطر والألواح الخشبية فوق رؤوس التلاميذ الكسالى.
في المدرسة كانت هناك أقسام شبيهة بغرف التعذيب يجرب فيها بعض المعلمين مهاراتهم في استنطاق التلاميذ عوض استظهارهم، وأخرى شبيهة بمدينة الملاهي لفرط اللعب التي كان يجلبها بعض المعلمين للتلاميذ من أجل توضيح الدروس، وثالثة يسودها وقار وصمت المساجد بسبب الاحترام الشديد الذي يفرضه المعلم على تلامذته وتلميذاته.
اليوم تغيرت الأمور، أصبح ممكنا أن تفتح أستاذة صفحة في «الفيسبوك» وتقبل طلبات الصداقة من تلامذتها وتشاركهم نصوصها التي تحكي فيها عن مغامراتها الجنسية والعاطفية.
في فصول الدراسة خلال الزمن الماضي، زمن السبعينات البهية، كان هناك التلاميذ الذين ينجزون واجباتهم المدرسية حتى آخر تمرين، والتلاميذ الذين يمسحون السبورة بثيابهم ويجلبون أصابع الطباشير من الفصول المجاورة، كما كان هناك التلاميذ المشاغبون الذين يجلبون المتاعب للمعلم ويساهمون، إلى جانب الكلور والصوديوم، في رفع ضغطه والتعجيل بنهايته. ولكل قسم مشاغبوه كما لكل معلم تلامذته الطيعون الذين ينفذون أوامره مثل عساكر صغار في مستعمرة بعيدة.
التلاميذ المشاغبون كانوا تلاميذ محترمين في الغالب، لكن وسط أقرانهم فقط، وهم عندما يدخلون حجرة الدرس يتنحون قليلا مثل نبلاء كي يتركوا للفوضى أن تتقدمهم كرفيقة قديمة وأن تدخل معهم. وهم يفعلون ذلك لأن مهمة التلميذ المشاغب مهمة عاجلة وضرورية، فمن دون شغب يتحول القسم إلى جحيم صغير لا يطاق.
أتذكر تلك الحقبة عندما كان المعلم يدخل القسم مثلما يدخل إمبراطور مملكة، ونقف احتراما له أو خوفا منه على الأرجح، ثم نقول له حسب ما يقرره الوقت إما «صباح الخير يا أستاذ» إذا كان الوقت صباحا أو «مساء الخير يا أستاذ» إذا كان الوقت مساء، قبل أن نجلس فوق خشب لا يشبه الخشب كثيرا ونخرج دفاترنا ومطالعاتنا وأقلامنا موحدة اللون، لنعيد على مسامع المعلم أن عشرة قابلة للقسمة على اثنين، وأن السكوت من ذهب، وأن نردد بخشوع وضراعة «عليك مني السلام يا أرض أجدادي ففيك طاب المقام وطاب إنشادي»، كما نحفظ عن ظهر قلب قطعة «الثور الأحمر» لأن معلما نحيلا كان يجبرنا على القيام بتشخيص القصة، فيقف ثلاثة تلاميذ في جهة ويقف تلميذ آخر وحيدا في جهة أخرى، ونشرع في الاستماع إلى حواراتهم ولا يستفيق الكسالى منا إلا عند اقتراب الساعة الخامسة، حين يقرع الحارس رأس الجرس العجوز المعلق قرب باب المدرسة، لأنهم يعرفون، بسبب تكرار المسرحية كل مساء، أن الأسد سيأتي على أكل الثيران الثلاثة الواحد بعد الآخر، بعد عثرات كثيرة وأخطاء نحوية وقهقهات، تجعل المعلم ينزع سترته أكثر من مرة ليحول غرفة الدرس إلى دهليز للتعذيب.
في أحد أيام فصل الربيع اتفقنا، نحن ثلاثة تلاميذ، لكي لا أقول شياطين، على النزول باكرا إلى أحد المستنقعات التي وعد كل النواب البرلمانيين الذين تعاقبوا على المدينة، أنهم سيجففونها ثم عادوا جميعا، كأي برلماني يحترم نفسه، ونكثوا بوعدهم، وشرعنا ننبش الأرض بحثا عن بعض الجذور والألياف النباتية التي تسبب ألما حارقا لكل من يتم حكها على قفاه.
وكذلك كان، حفرنا مئات الأمتار مثل دجاج جائع بحثا عن جذر واحد، وعندما انتهينا إليه صحنا جميعا تلك الصيحة الكبيرة والمزمجرة التي كنا نشاهد طرزان يفعلها عندما يصرع أسدا أو رجلا من البيض، في كتب الأفلام المصورة التي كنا نسرقها من الباعة المتجولين في السوق، ثم هرولنا باتجاه المدرسة كأنما حصلنا على الكنز الذي طمره الخمسة عشر رجلا في قصة «جزيرة الكنز».
دخلنا القسم بعد أن وقفنا في الصف طويلا وأيدينا على أكتاف بعضنا البعض، ومحافظنا الرثة تحت آباطنا، دخلنا بعد أن رددنا أناشيد الصباح وأمعاؤنا تتشابك مثل خيوط بكرة خيوط صوفية، وبعضنا كانت ركبتاه تصطكان من البرد وأسنانه تحدث صوتا تسمعه العصافير الذاهبة إلى حقولها، فلا تفهم سبب إصرار صغار الأطفال على أن يشبهوا صغار اللقالق.
جلسنا متقاربين مثل مجرمين، وقد أخفى كل واحد منا في صدره قهقهة تستطيع أن تحرك المدرسة من مكانها بأشجارها التي لا تثمر وقططها التي تأكل أكثر مما يأكل التلاميذ اليتامى في المطعم.
كنا قد اخترنا الضحية قبل أسابيع طويلة وحددنا الطريقة التي سوف ننتقم بها من ذلك التلميذ ذي الخدين الورديين، الذي يحمل معه دائما في حقيبته الجميلة تفاحة وكعكة، والذي عندما يغادر المعلم الفصل ويأمره بحراسة التلاميذ، يسارع إلى تسجيل أسمائنا على ظهر ورقة صغيرة وينتظر مثل حكيم وصول المعلم ليسلمه الوشاية الحقيرة.
وبسبب كرهه الشديد لنا، كان دائما يواظب على أن نكون نحن الثلاثة على رأس اللائحة السوداء، كأنما يروق له أن يجلس في طاولته الأمامية ويشاهد أقدامنا المرفوعة في الهواء والمعلم ينهال عليها بعصاه حتى تتورم، فنسقط عندما نقف على أرجلنا من شدة الألم ونبكي في مقاعدنا الخلفية مثل سجناء رأي لم يبدوا رأيا أبدا.
وكنا ننتظر بفارغ الصبر يوما واحدا نضبط فيه هذا التلميذ السمين خارج سور المدرسة، غير أن أمه كانت تأتي لتحمله في سيارتها، بينما نحمل نحن الحجارة ونقفز خلف سور المدرسة لنرجم الحمار المتخم بالموت في الحفرة التي كانت ستكون بئرا، لولا أن الماء حمل أغراضه وذهب أبعد من مَعَاول الحفارين.
لم نختلف للحظة حول من سيتكفل بالمهمة ومن سينفذ العقوبة التي نصت عليها اجتماعاتنا المطولة وسط حقول الذرة والبرسيم، لأن كل واحد منا كان سيقبل أن ترفع قدماه في الهواء بكل سرور، إذا ما منحت له فرصة التلميذ السمين وهو يتلوى ألما، وربما أجهش بالبكاء في الوقت الذي سينفجر هو من الضحك، حتى ولو استعان المعلم بالمدير وبنائب الوزير وبالوزير نفسه لجلد التلميذ المشاغب وتأديبه.
شرع المعلم في تلاوة قطعة «أقوى من الساحر»، فيما شرع أكثرنا جرأة وبسالة في الاستعداد لتنفيذ المؤامرة، دس يده النحيلة في جيبه وأخرج الجذور الرطبة بعد أن حرص أيما حرص على الجلوس مباشرة خلف طاولة التلميذ السمين، وعندما سكت المعلم ليدخن سيجارة وليبصق في أرجاء القسم على عادته في مثل تلك الساعة، التقطنا أنفاسنا لأنه كان لطيفا ولم يبصق على وجوهنا مثلما كان يفعل عندما يكون غاضبا من طريقة إنصات بعضنا، أو ربما غاضبا فقط من حفيف أغصان الأشجار المتلصصة من النوافذ.
ثم فجأة، وفي غفلة من المعلم ومن التلاميذ ومن الريح والأشجار، امتدت يد المشاغب إلى عنق التلميذ السمين وحكت شيئا ما فوقه في حركات سريعة وماهرة. لم يفهم التلميذ السمين ماذا حل به، واعتبر أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة من زميله لاستمالته كي يمرر إليه إعراب الجمل التي طلب المعلم إنجازه على وجه السرعة. هز كتفيه في إعياء مكابر وغرس رأسه في كتابه. لم تمض دقيقة واحدة بعد ذلك حتى أخذ التلميذ السمين في الصياح والركض بين الصفوف مثل ثور هائج، ودموعه تكاد تغرق حجرة الدرس والمدرسة وحقول الذرة والبرسيم المجاورة.
وفي الوقت الذي كان مقعده في الصف الأمامي شاغرا، كانت أقدامنا نحن الثلاثة مرفوعة في الهواء والمعلم بعصاه يقتص منا بالتساوي، فيما التلاميذ ينظرون إلينا مثل أبطال صغار عادوا من حرب ضارية برؤوس الخونة والوشاة.
ومع ذلك لم نكن لنترك دموعنا تنزل، بل كنا نسمع قهقهات بعضنا البعض داخل أقفاصنا الصدرية ونبتسم خلسة.
يحتفظ التلاميذ في مرحلة الطفولة الأولى بذكريات لا تمحى عن أساتذتهم.
يتذكرون ملامح الأساتذة بدقة كبيرة، أولئك العابسون دائما، والباسمون المرحون، والعصبيات حد الجنون، والحنونات الرؤوفات، والصارمون المستعدون لكسر كل المساطر والألواح الخشبية فوق رؤوس التلاميذ الكسالى.
في المدرسة كانت هناك أقسام شبيهة بغرف التعذيب يجرب فيها بعض المعلمين مهاراتهم في استنطاق التلاميذ عوض استظهارهم، وأخرى شبيهة بمدينة الملاهي لفرط اللعب التي كان يجلبها بعض المعلمين للتلاميذ من أجل توضيح الدروس، وثالثة يسودها وقار وصمت المساجد بسبب الاحترام الشديد الذي يفرضه المعلم على تلامذته وتلميذاته.
اليوم تغيرت الأمور، أصبح ممكنا أن تفتح أستاذة صفحة في «الفيسبوك» وتقبل طلبات الصداقة من تلامذتها وتشاركهم نصوصها التي تحكي فيها عن مغامراتها الجنسية والعاطفية.
في فصول الدراسة خلال الزمن الماضي، زمن السبعينات البهية، كان هناك التلاميذ الذين ينجزون واجباتهم المدرسية حتى آخر تمرين، والتلاميذ الذين يمسحون السبورة بثيابهم ويجلبون أصابع الطباشير من الفصول المجاورة، كما كان هناك التلاميذ المشاغبون الذين يجلبون المتاعب للمعلم ويساهمون، إلى جانب الكلور والصوديوم، في رفع ضغطه والتعجيل بنهايته. ولكل قسم مشاغبوه كما لكل معلم تلامذته الطيعون الذين ينفذون أوامره مثل عساكر صغار في مستعمرة بعيدة.
التلاميذ المشاغبون كانوا تلاميذ محترمين في الغالب، لكن وسط أقرانهم فقط، وهم عندما يدخلون حجرة الدرس يتنحون قليلا مثل نبلاء كي يتركوا للفوضى أن تتقدمهم كرفيقة قديمة وأن تدخل معهم. وهم يفعلون ذلك لأن مهمة التلميذ المشاغب مهمة عاجلة وضرورية، فمن دون شغب يتحول القسم إلى جحيم صغير لا يطاق.
أتذكر تلك الحقبة عندما كان المعلم يدخل القسم مثلما يدخل إمبراطور مملكة، ونقف احتراما له أو خوفا منه على الأرجح، ثم نقول له حسب ما يقرره الوقت إما «صباح الخير يا أستاذ» إذا كان الوقت صباحا أو «مساء الخير يا أستاذ» إذا كان الوقت مساء، قبل أن نجلس فوق خشب لا يشبه الخشب كثيرا ونخرج دفاترنا ومطالعاتنا وأقلامنا موحدة اللون، لنعيد على مسامع المعلم أن عشرة قابلة للقسمة على اثنين، وأن السكوت من ذهب، وأن نردد بخشوع وضراعة «عليك مني السلام يا أرض أجدادي ففيك طاب المقام وطاب إنشادي»، كما نحفظ عن ظهر قلب قطعة «الثور الأحمر» لأن معلما نحيلا كان يجبرنا على القيام بتشخيص القصة، فيقف ثلاثة تلاميذ في جهة ويقف تلميذ آخر وحيدا في جهة أخرى، ونشرع في الاستماع إلى حواراتهم ولا يستفيق الكسالى منا إلا عند اقتراب الساعة الخامسة، حين يقرع الحارس رأس الجرس العجوز المعلق قرب باب المدرسة، لأنهم يعرفون، بسبب تكرار المسرحية كل مساء، أن الأسد سيأتي على أكل الثيران الثلاثة الواحد بعد الآخر، بعد عثرات كثيرة وأخطاء نحوية وقهقهات، تجعل المعلم ينزع سترته أكثر من مرة ليحول غرفة الدرس إلى دهليز للتعذيب.
في أحد أيام فصل الربيع اتفقنا، نحن ثلاثة تلاميذ، لكي لا أقول شياطين، على النزول باكرا إلى أحد المستنقعات التي وعد كل النواب البرلمانيين الذين تعاقبوا على المدينة، أنهم سيجففونها ثم عادوا جميعا، كأي برلماني يحترم نفسه، ونكثوا بوعدهم، وشرعنا ننبش الأرض بحثا عن بعض الجذور والألياف النباتية التي تسبب ألما حارقا لكل من يتم حكها على قفاه.
وكذلك كان، حفرنا مئات الأمتار مثل دجاج جائع بحثا عن جذر واحد، وعندما انتهينا إليه صحنا جميعا تلك الصيحة الكبيرة والمزمجرة التي كنا نشاهد طرزان يفعلها عندما يصرع أسدا أو رجلا من البيض، في كتب الأفلام المصورة التي كنا نسرقها من الباعة المتجولين في السوق، ثم هرولنا باتجاه المدرسة كأنما حصلنا على الكنز الذي طمره الخمسة عشر رجلا في قصة «جزيرة الكنز».
دخلنا القسم بعد أن وقفنا في الصف طويلا وأيدينا على أكتاف بعضنا البعض، ومحافظنا الرثة تحت آباطنا، دخلنا بعد أن رددنا أناشيد الصباح وأمعاؤنا تتشابك مثل خيوط بكرة خيوط صوفية، وبعضنا كانت ركبتاه تصطكان من البرد وأسنانه تحدث صوتا تسمعه العصافير الذاهبة إلى حقولها، فلا تفهم سبب إصرار صغار الأطفال على أن يشبهوا صغار اللقالق.
جلسنا متقاربين مثل مجرمين، وقد أخفى كل واحد منا في صدره قهقهة تستطيع أن تحرك المدرسة من مكانها بأشجارها التي لا تثمر وقططها التي تأكل أكثر مما يأكل التلاميذ اليتامى في المطعم.
كنا قد اخترنا الضحية قبل أسابيع طويلة وحددنا الطريقة التي سوف ننتقم بها من ذلك التلميذ ذي الخدين الورديين، الذي يحمل معه دائما في حقيبته الجميلة تفاحة وكعكة، والذي عندما يغادر المعلم الفصل ويأمره بحراسة التلاميذ، يسارع إلى تسجيل أسمائنا على ظهر ورقة صغيرة وينتظر مثل حكيم وصول المعلم ليسلمه الوشاية الحقيرة.
وبسبب كرهه الشديد لنا، كان دائما يواظب على أن نكون نحن الثلاثة على رأس اللائحة السوداء، كأنما يروق له أن يجلس في طاولته الأمامية ويشاهد أقدامنا المرفوعة في الهواء والمعلم ينهال عليها بعصاه حتى تتورم، فنسقط عندما نقف على أرجلنا من شدة الألم ونبكي في مقاعدنا الخلفية مثل سجناء رأي لم يبدوا رأيا أبدا.
وكنا ننتظر بفارغ الصبر يوما واحدا نضبط فيه هذا التلميذ السمين خارج سور المدرسة، غير أن أمه كانت تأتي لتحمله في سيارتها، بينما نحمل نحن الحجارة ونقفز خلف سور المدرسة لنرجم الحمار المتخم بالموت في الحفرة التي كانت ستكون بئرا، لولا أن الماء حمل أغراضه وذهب أبعد من مَعَاول الحفارين.
لم نختلف للحظة حول من سيتكفل بالمهمة ومن سينفذ العقوبة التي نصت عليها اجتماعاتنا المطولة وسط حقول الذرة والبرسيم، لأن كل واحد منا كان سيقبل أن ترفع قدماه في الهواء بكل سرور، إذا ما منحت له فرصة التلميذ السمين وهو يتلوى ألما، وربما أجهش بالبكاء في الوقت الذي سينفجر هو من الضحك، حتى ولو استعان المعلم بالمدير وبنائب الوزير وبالوزير نفسه لجلد التلميذ المشاغب وتأديبه.
شرع المعلم في تلاوة قطعة «أقوى من الساحر»، فيما شرع أكثرنا جرأة وبسالة في الاستعداد لتنفيذ المؤامرة، دس يده النحيلة في جيبه وأخرج الجذور الرطبة بعد أن حرص أيما حرص على الجلوس مباشرة خلف طاولة التلميذ السمين، وعندما سكت المعلم ليدخن سيجارة وليبصق في أرجاء القسم على عادته في مثل تلك الساعة، التقطنا أنفاسنا لأنه كان لطيفا ولم يبصق على وجوهنا مثلما كان يفعل عندما يكون غاضبا من طريقة إنصات بعضنا، أو ربما غاضبا فقط من حفيف أغصان الأشجار المتلصصة من النوافذ.
ثم فجأة، وفي غفلة من المعلم ومن التلاميذ ومن الريح والأشجار، امتدت يد المشاغب إلى عنق التلميذ السمين وحكت شيئا ما فوقه في حركات سريعة وماهرة. لم يفهم التلميذ السمين ماذا حل به، واعتبر أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة من زميله لاستمالته كي يمرر إليه إعراب الجمل التي طلب المعلم إنجازه على وجه السرعة. هز كتفيه في إعياء مكابر وغرس رأسه في كتابه. لم تمض دقيقة واحدة بعد ذلك حتى أخذ التلميذ السمين في الصياح والركض بين الصفوف مثل ثور هائج، ودموعه تكاد تغرق حجرة الدرس والمدرسة وحقول الذرة والبرسيم المجاورة.
وفي الوقت الذي كان مقعده في الصف الأمامي شاغرا، كانت أقدامنا نحن الثلاثة مرفوعة في الهواء والمعلم بعصاه يقتص منا بالتساوي، فيما التلاميذ ينظرون إلينا مثل أبطال صغار عادوا من حرب ضارية برؤوس الخونة والوشاة.
ومع ذلك لم نكن لنترك دموعنا تنزل، بل كنا نسمع قهقهات بعضنا البعض داخل أقفاصنا الصدرية ونبتسم خلسة.
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
رد: شوف تشوف
مجانين الحركة الأمازيغية مليكة زان زان (2/1)
إلى حدود الساعة لم يصدر أي تعليق عن أحمد عصيد، الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، حول اتهامه من طرف مليكة مزان، التي سبق لها أن عرضت نفسها على الأكراد لممارسة الجنس معها، بالتحرش بها جنسيا والتسبب في طلاقها وتفتيت عائلتها. وهي للعلم اتهامات ثقيلة يعاقب عليها القانون في حال لجوء المشتكية إلى القضاء وثبوت التهم في حق المشتكى به.
ولعل ما يثير الانتباه في قضية مزان وعصيد، هو تلك الوثيقة التي نشرتها المعنية بالأمر في صفحتها بـ«الفيسبوك» والتي تدعي التوثيق لعقد زواج وثني تحت ظل إله يدعى ياكوش، رب الأمازيغ، كما جاء في العقد الممهور بتوقيع عصيد، حسب ما تدعي ذلك ناشرته.
وما لم تفطن إليه مزان، التي سبق لها أن طالبت بتسمية المدارس بأسماء «ماسينيسا» و«كسيلة»، عوض عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد، وهي تنشر هذه الوثيقة، هو أنها تعرض حياة عصيد للخطر، بحكم أن الوثيقة تتحدث عن إله وثني يدين له عصيد ومزان بالولاء، وهو ما يعني بصيغة أخرى التحريض على سفك دم عصيد بحكم أنه وثني ومرتد عن الدين الإسلامي.
لكن الأكثر إثارة للاستهجان هو نشر مزان لشريط مسجل بكاميرا الهاتف لعصيد بصدر عارٍ، واضعا فوطة فوق كتفيه وهو جالس إلى مائدة الإفطار يتحدث في الهاتف. والشريط كما قالت ناشرته في صفحتها على «الفيسبوك» يعود لعصيد عندما كان يقضي الليالي في بيتها، قبل أن تسحبه بعدما قالت إنها تلقت مكالمة باكية من أحد النشطاء الأمازيغيين في المهجر يقول لها إن ما تقوم به ضد عصيد جعل العروبيين يشمتون في الأمازيغ الذين أشهروا «الجناوة» بينهم عوض أن يشهروها في وجه أعدائهم.
ولعل كل من شاهد شريط عصيد الملفوف بالفوطة، الذي ليس فيه ما يثير، استنتج أن مزان لديها في جعبتها أشياء أخرى تدخل ضمن الحياة الخاصة للأفراد، وما نشرها لذلك المقتطف سوى تهديد مبطن بالآتي، والذي يمكن أن تكون نتائجه فادحة على مستوى الحياة الخاصة لعصيد. وهذا ربما ما دفع عصيد إلى إرسال رسالة هاتفية قصيرة إلى هاتف مزان يحذرها من الاستمرار في غيها ويهددها بكشف حقيقتها.
ولعل مزان تجهل أن ما قامت بنشره يدخل تحت طائلة القانون، بل إنها تجهل أن مجرد التهديد بنشر أشياء تتعلق بالحياة الخاصة للأفراد أمر معاقب عليه قانونيا. هذا دون الحديث عن المستوى الأخلاقي الذي انحدرت إليه مزان بلجوئها إلى تصفية حساباتها العاطفية بهذه الطريقة التي تفتقر إلى الذوق.
واضح إذن أن هذه السيدة، التي عاشت علاقة عاطفية مع عصيد انتهت بالفشل، تحاول اليوم جاهدة أن تنتقم لكبريائها بنشر غسيلهما معا على الملأ. وهو سلوك صبياني لا يرقى إلى مستوى النضج المفروض في أناس يعرفون كيف يدبرون خلافاتهم العاطفية.
ومن يتابع خرجات مزان يستنتج أنها بين وقت وآخر تقوم بدور «سكران وحاضي حوايجو»، فهي تدعي جنون الشعر في الوقت الذي تأخذ مطالبها أبعادا سياسية صرفة تتناغم مع تصورات قوى عالية ترى في المغرب أرضا خصبة للتقسيم حسب الأعراق.
أليست هي القائلة «يشرفني أنا مليكة مزان المناضلة الأمازيغية المعروفة بوفائها وإخلاصها لشعبها الأمازيغي، أن أعلن نفسي تلك الزعيمة العلمانية التي يحتاج إليها الأمازيغ ، وأميرة على دولتهم الأمازيغية العلمانية المرتقبة في شمال إفريقيا، مع وعدي الكامل والصارم للجميع بأن أكون عند حسن ظنهم كما كنت دائما. وأن أبذل كل ما في وسعي من أجل بناء وطن أمازيغي موحد وقوي، وضمان كافة حقوق وحريات شعبنا العريق الكريم الصامد».
فكيف إذن سيستطيع هؤلاء أن يدبروا بشكل حضاري خلافاتهم الإيديولوجية، طالما أنهم يجهلون طرق تدبير الخلافات العاطفية؟
لنضع الحدث، الذي يبدو طريفا في ظاهره، في سياقه العام.
قبل أسابيع سمعنا البرلماني السابق وبارون المخدرات، سعيد شعو، المطلوب من طرف الشرطة الدولية، ينادي في هولندا باستقلال للريف عن المغرب. يومان بعد ذلك رأينا شريطا لمغربي أمازيغي موتور في شوارع أمريكا، يشتم ويسب الملك ويطالب أمازيغ المغرب بحمل السلاح ضد العرب لحملهم على مغادرة المغرب والذهاب إلى الجزيرة العربية من حيث أتوا أول مرة.
وهي النغمة ذاتها التي سمعنا من فم أحد الناشطين الأمازيغيين في منتدى مراكش العالمي لحقوق الإنسان، بخصوص حمل السلاح لطرد العرب من المغرب، وهي الدعوة التي لا يجب أن تمر دون تحليل مرامي ومضامين هذا الخطاب الأمازيغي العدواني الذي أصبح يعبر عن نفسه علانية.
وهو الخطاب الذي بدأ ينتشر خصوصا مع شيوع استعمال وسائط التواصل الاجتماعية، والاستغلال الذكي الذي تعرفه هذه الوسائط من طرف أصحاب هذا الخطاب المتدثر أحيانا بجبة الخطاب الحقوقي كما في كتابات أحمد الدغرني، وأحيانا بجنون الشعر، كما هو الحال بالنسبة لمليكة مزان، أو على الأصح «مليكة زان زان»، والتي قالت عني ضمن اتهامها لعصيد بالأنانية، أنني عدو الأمازيغ، وهي مناسبة لكي أقول لها ولأمثالها أنني «أمازيغي حر بلهلا يتبتو ليك، لا نتي ولا غيرك». وأنا لا أحتاج شهادة من أحد لكي أعتز بأمازيغيتي، لأنني ببساطة ولدت حرا وسأبقى حرا إلى أن أموت حرا، وهذا في نظري هو المعنى الحقيقي لأن تكون أمازيغيا.
ما يثيرنا دوما في بعض الحركات «الأمازيغاوية» المتطرفة، سواء في المغرب أو الجزائر أو في بعض مناطق بلدان شمال إفريقيا، هو تماهيها شبه المطلق مع وضعية اليهود في العالم، ففي نظر منظري التطرف الأمازيغي، فإن الشعبين الأمازيغي واليهودي تعرضا معا للاجتثاث والظلم التاريخي، وهي الوضعية التي يجب، حسبهم، «تصحيحها» تاريخيا من خلال تسخير أدوات الاستقطاب والاستقلاب السياسي من خلال الضغط عبر التنظيمات الدولية.
ومن هنا أوجه الشبه ما بين الكونغريس العالمي الأمازيغي، مثلا، الشبيه قلبا وقالبا مع الكونغريس العالمي اليهودي.
وقد بلغ بهما التماهي حدا وصل فيه «التطرف الأمازيغي» إلى تحديد غاياتهم الحضارية الأولى، وهي استعادة الشعب الأمازيغي لهويته على «أرض تامزغا» الممتدة من جزر الكاناري إلى بحيرة سيوة بمصر شرقا، واسترداد ما سرقه الاستعمار العربي الإسلامي منهم».
ذهاب الدغرني ومجيئه المستمر من وإلى إسرائيل، هو وحفنة من «أمازيغ»، قطر بهم سقف التطرف والتزلف، يوطد طرح التماهي الذي أشرنا إليه أعلاه، بل ويرسخ عمل هذه التنظيمات المتفرقة داخل أجندات هي في العمق تتستر وراء «قضية الهوية الأمازيغية المضطهدة»، لتشغل أزرار عمليات مشبوهة مليئة لاستعمال «الورقات الهوياتية» في «الاختراق الأمني»، وتقويض أسس الاستقرار عبر إشعال فتيل النعرات العرقية، طالما أن المغرب ليست فيه نعرات دينية كالتي بين السنة والشيعة والشيع الأخرى كما يحدث في الشرق.
إلى حدود الساعة لم يصدر أي تعليق عن أحمد عصيد، الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، حول اتهامه من طرف مليكة مزان، التي سبق لها أن عرضت نفسها على الأكراد لممارسة الجنس معها، بالتحرش بها جنسيا والتسبب في طلاقها وتفتيت عائلتها. وهي للعلم اتهامات ثقيلة يعاقب عليها القانون في حال لجوء المشتكية إلى القضاء وثبوت التهم في حق المشتكى به.
ولعل ما يثير الانتباه في قضية مزان وعصيد، هو تلك الوثيقة التي نشرتها المعنية بالأمر في صفحتها بـ«الفيسبوك» والتي تدعي التوثيق لعقد زواج وثني تحت ظل إله يدعى ياكوش، رب الأمازيغ، كما جاء في العقد الممهور بتوقيع عصيد، حسب ما تدعي ذلك ناشرته.
وما لم تفطن إليه مزان، التي سبق لها أن طالبت بتسمية المدارس بأسماء «ماسينيسا» و«كسيلة»، عوض عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد، وهي تنشر هذه الوثيقة، هو أنها تعرض حياة عصيد للخطر، بحكم أن الوثيقة تتحدث عن إله وثني يدين له عصيد ومزان بالولاء، وهو ما يعني بصيغة أخرى التحريض على سفك دم عصيد بحكم أنه وثني ومرتد عن الدين الإسلامي.
لكن الأكثر إثارة للاستهجان هو نشر مزان لشريط مسجل بكاميرا الهاتف لعصيد بصدر عارٍ، واضعا فوطة فوق كتفيه وهو جالس إلى مائدة الإفطار يتحدث في الهاتف. والشريط كما قالت ناشرته في صفحتها على «الفيسبوك» يعود لعصيد عندما كان يقضي الليالي في بيتها، قبل أن تسحبه بعدما قالت إنها تلقت مكالمة باكية من أحد النشطاء الأمازيغيين في المهجر يقول لها إن ما تقوم به ضد عصيد جعل العروبيين يشمتون في الأمازيغ الذين أشهروا «الجناوة» بينهم عوض أن يشهروها في وجه أعدائهم.
ولعل كل من شاهد شريط عصيد الملفوف بالفوطة، الذي ليس فيه ما يثير، استنتج أن مزان لديها في جعبتها أشياء أخرى تدخل ضمن الحياة الخاصة للأفراد، وما نشرها لذلك المقتطف سوى تهديد مبطن بالآتي، والذي يمكن أن تكون نتائجه فادحة على مستوى الحياة الخاصة لعصيد. وهذا ربما ما دفع عصيد إلى إرسال رسالة هاتفية قصيرة إلى هاتف مزان يحذرها من الاستمرار في غيها ويهددها بكشف حقيقتها.
ولعل مزان تجهل أن ما قامت بنشره يدخل تحت طائلة القانون، بل إنها تجهل أن مجرد التهديد بنشر أشياء تتعلق بالحياة الخاصة للأفراد أمر معاقب عليه قانونيا. هذا دون الحديث عن المستوى الأخلاقي الذي انحدرت إليه مزان بلجوئها إلى تصفية حساباتها العاطفية بهذه الطريقة التي تفتقر إلى الذوق.
واضح إذن أن هذه السيدة، التي عاشت علاقة عاطفية مع عصيد انتهت بالفشل، تحاول اليوم جاهدة أن تنتقم لكبريائها بنشر غسيلهما معا على الملأ. وهو سلوك صبياني لا يرقى إلى مستوى النضج المفروض في أناس يعرفون كيف يدبرون خلافاتهم العاطفية.
ومن يتابع خرجات مزان يستنتج أنها بين وقت وآخر تقوم بدور «سكران وحاضي حوايجو»، فهي تدعي جنون الشعر في الوقت الذي تأخذ مطالبها أبعادا سياسية صرفة تتناغم مع تصورات قوى عالية ترى في المغرب أرضا خصبة للتقسيم حسب الأعراق.
أليست هي القائلة «يشرفني أنا مليكة مزان المناضلة الأمازيغية المعروفة بوفائها وإخلاصها لشعبها الأمازيغي، أن أعلن نفسي تلك الزعيمة العلمانية التي يحتاج إليها الأمازيغ ، وأميرة على دولتهم الأمازيغية العلمانية المرتقبة في شمال إفريقيا، مع وعدي الكامل والصارم للجميع بأن أكون عند حسن ظنهم كما كنت دائما. وأن أبذل كل ما في وسعي من أجل بناء وطن أمازيغي موحد وقوي، وضمان كافة حقوق وحريات شعبنا العريق الكريم الصامد».
فكيف إذن سيستطيع هؤلاء أن يدبروا بشكل حضاري خلافاتهم الإيديولوجية، طالما أنهم يجهلون طرق تدبير الخلافات العاطفية؟
لنضع الحدث، الذي يبدو طريفا في ظاهره، في سياقه العام.
قبل أسابيع سمعنا البرلماني السابق وبارون المخدرات، سعيد شعو، المطلوب من طرف الشرطة الدولية، ينادي في هولندا باستقلال للريف عن المغرب. يومان بعد ذلك رأينا شريطا لمغربي أمازيغي موتور في شوارع أمريكا، يشتم ويسب الملك ويطالب أمازيغ المغرب بحمل السلاح ضد العرب لحملهم على مغادرة المغرب والذهاب إلى الجزيرة العربية من حيث أتوا أول مرة.
وهي النغمة ذاتها التي سمعنا من فم أحد الناشطين الأمازيغيين في منتدى مراكش العالمي لحقوق الإنسان، بخصوص حمل السلاح لطرد العرب من المغرب، وهي الدعوة التي لا يجب أن تمر دون تحليل مرامي ومضامين هذا الخطاب الأمازيغي العدواني الذي أصبح يعبر عن نفسه علانية.
وهو الخطاب الذي بدأ ينتشر خصوصا مع شيوع استعمال وسائط التواصل الاجتماعية، والاستغلال الذكي الذي تعرفه هذه الوسائط من طرف أصحاب هذا الخطاب المتدثر أحيانا بجبة الخطاب الحقوقي كما في كتابات أحمد الدغرني، وأحيانا بجنون الشعر، كما هو الحال بالنسبة لمليكة مزان، أو على الأصح «مليكة زان زان»، والتي قالت عني ضمن اتهامها لعصيد بالأنانية، أنني عدو الأمازيغ، وهي مناسبة لكي أقول لها ولأمثالها أنني «أمازيغي حر بلهلا يتبتو ليك، لا نتي ولا غيرك». وأنا لا أحتاج شهادة من أحد لكي أعتز بأمازيغيتي، لأنني ببساطة ولدت حرا وسأبقى حرا إلى أن أموت حرا، وهذا في نظري هو المعنى الحقيقي لأن تكون أمازيغيا.
ما يثيرنا دوما في بعض الحركات «الأمازيغاوية» المتطرفة، سواء في المغرب أو الجزائر أو في بعض مناطق بلدان شمال إفريقيا، هو تماهيها شبه المطلق مع وضعية اليهود في العالم، ففي نظر منظري التطرف الأمازيغي، فإن الشعبين الأمازيغي واليهودي تعرضا معا للاجتثاث والظلم التاريخي، وهي الوضعية التي يجب، حسبهم، «تصحيحها» تاريخيا من خلال تسخير أدوات الاستقطاب والاستقلاب السياسي من خلال الضغط عبر التنظيمات الدولية.
ومن هنا أوجه الشبه ما بين الكونغريس العالمي الأمازيغي، مثلا، الشبيه قلبا وقالبا مع الكونغريس العالمي اليهودي.
وقد بلغ بهما التماهي حدا وصل فيه «التطرف الأمازيغي» إلى تحديد غاياتهم الحضارية الأولى، وهي استعادة الشعب الأمازيغي لهويته على «أرض تامزغا» الممتدة من جزر الكاناري إلى بحيرة سيوة بمصر شرقا، واسترداد ما سرقه الاستعمار العربي الإسلامي منهم».
ذهاب الدغرني ومجيئه المستمر من وإلى إسرائيل، هو وحفنة من «أمازيغ»، قطر بهم سقف التطرف والتزلف، يوطد طرح التماهي الذي أشرنا إليه أعلاه، بل ويرسخ عمل هذه التنظيمات المتفرقة داخل أجندات هي في العمق تتستر وراء «قضية الهوية الأمازيغية المضطهدة»، لتشغل أزرار عمليات مشبوهة مليئة لاستعمال «الورقات الهوياتية» في «الاختراق الأمني»، وتقويض أسس الاستقرار عبر إشعال فتيل النعرات العرقية، طالما أن المغرب ليست فيه نعرات دينية كالتي بين السنة والشيعة والشيع الأخرى كما يحدث في الشرق.
بديعة- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 6241
العمر : 39
Localisation : الدارالبيضاء
Emploi : موظفة
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
صفحة 7 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
صفحة 7 من اصل 7
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى