شوف تشوف
+19
binoo
بديعة
zouaki
zouakine1
ابن الأطلس
ربيع
sabil
kaytouni
nezha
القيطي
صالح
منصور
ع أ ع
المخلوطي
abdou
said
izarine
abdelhamid
iswal
23 مشترك
صفحة 3 من اصل 7
صفحة 3 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
دروس من الهند والبرازيل
تحولت فكرة مليون محفظة فجأة إلى مليون مشكلة. وعوض أن يأخذ الآباء
أبناءهم إلى المدارس أصبحوا يأخذونهم للوقوف أمام القيادات وبيوت المدراء
للاحتجاج بالشعارات الغاضبة على حرمان أطفالهم من حقهم في المحفظة
الملكية.
وحتى الذين تسلموا محافظهم وجد بعضهم أنها فارغة من الدفاتر والكتب
والأقلام. أما باعة الأدوات المدرسية فقد انزعجوا من كون برنامج مليون
محفظة حرمهم من مداخيل بيع أدوات السنة الدراسية الخاصة بالسنة الأولى.
أما المدرسون فقد انشغلوا بتنظيم عملية توزيع المحافظ ولم يعد لديهم وقت
لتنظيم عملية الدخول الدراسي الجديد.
وهكذا تحولت فكرة جيدة إلى مشكلة حقيقية. ولعل «الفتنة» التي
أحدثتها هذه المحافظ جديرة بالتأمل. فهي تعكس حالة التردي الشامل الذي وصل
إليه التعليم في المغرب. فهل بمحفظة بسيطة وبضعة أقلام ودفاتر وكتاب مدرسي
سيستطيع التعليم الأساسي الخروج من أزمته القاتلة.
جميل أن تتوجه «المحفظة الملكية» إلى أطفال الأسر الفقيرة. تلك التي
يمكن أن «يسمح» الأب في تعليم أبنائه لمجرد أنه لا يستطيع شراء أدوات
المدرسة لهم. لكن هل بالحقيبة وحدها يمكن أن نضمن استمرار أبناء الفقراء
في الذهاب إلى المدرسة إلى آخر المشوار الدراسي. طبعا لا.
في البرازيل، تفتقت عبقرية الرئيس لولا عن فكرة خلاقة لتشجيع الأسر
الفقيرة على إرسال أبنائها إلى المدارس. ليس طبعا بتوزيع الحقائب على
أطفال الفقراء، وإنما بتوزيع منح شهرية على كل أسرة تتعهد بإرسال أطفالها
إلى المدرسة مع ضرورة التوفر على كناش طبي لكل طفل يثبت تلقي الطفل
للقاحات الضرورية في وقتها.
هذه الفكرة التي أطلقها الرئيس لولا، الذي لم يتخرج لا من مدرسة
القناطر والطرق بباريس، مثل المستشار الملكي مزيان بلفقيه صاحب مشروع
إصلاح التعليم، وإنما من معمل حقير للنجارة فقد فيه أحد أصابعه، اسمها
«البورصة العائلية». وقد تم إحداثها في برازيليا لاستهداف العائلات
الفقيرة والفقيرة جدا، قبل أن يتم تعميمها بعد النجاح الذي عرفته سنة 2003
على كامل التراب البرازيلي.
واليوم يستفيد من «البورصة العائلية» حوالي 46 مليون برازيلي ينتمون
إلى 12 مليون عائلة فقيرة. ويمكن للعائلة الفقيرة الواحدة أن تحصل شهريا
على منحة قدرها 40 أورو، أما العائلة الفقيرة جدا فيمكن أن تحصل على 70
أورو في الشهر.
وبفضل هذه البورصة العائلية استطاعت الحكومة البرازيلية أن تنقذ من
عتبة الفقر ملايين العائلات، بحيث نزلت نسبة الفقر من 34 بالمائة سنة 2003
إلى 25 بالمائة سنة 2006. وأظهرت المؤشرات الاقتصادية تقلصا ظاهرا للفوارق
الاجتماعية بين البرازيليين. والنتيجة أنه خلال سنة 2007 فقد حوالي 1،4
مليون برازيلي الحق في الاستفادة من منحة «البورصة العائلية»، لأنهم
ببساطة غادروا عتبة الفقر ولم يعودوا في عداد الفقراء الذين يستجيبون
لشروط الاستفادة من المنحة.
مشكلتنا في المغرب مع عباقرة الإصلاح التعليمي أنهم يعتقدون أن
التلميذ هو المحفظة وكفى. وينسون أن مئات الآلاف من التلاميذ يحرمون من
الدراسة فقط لأن آباءهم يحتاجون إليهم في الحقول والمزارع والحظائر
كمساعدين لكسب قوتهم اليومي. كما ينسون أن مئات الآلاف من الفتيات يمنعهن
آباؤهن من الذهاب إلى المدرسة في القرى فقط لأن المراحيض مختلطة وليس فيها
مراحيض خاصة بالفتيات.
وإذا كان تلاميذ بعض مدراس مراكش يلجؤون إلى الحجارة للاستنجاء بسبب غياب الماء، فمن المستحسن أن لا نتخيل حالة مدارس القرى البعيدة.
ثم كيف تريد من تلميذ يقطع خمسة كيلومترات مشيا على الأقدام تحت الشمس
والمطر، ببطن فارغة في الغالب، أن يستوعب الدرس وأن يحب المدرسة وأن يستمر
على هذا الإيقاع السيزيفي سنوات أخرى إلى أن ينتقل إلى المدينة.
الجواب يأتي من دولة لديها 450 مليون مواطن يعيشون تحت عتبة الفقر،
هي الهند. فقد قررت وزارة التعليم الهندية أن تمنح أطفال المدارس وجبة
غذاء يومية. هكذا توزع الهند يوميا 118 مليون وجبة على المدارس لتشجيع
الآباء على إرسال أبنائهم إليها.
إن الحل واضح للقضاء على الهدر المدرسي وتشجيع العائلات على إرسال
أطفالهم في العالم القروي إلى المدرسة. يجب أولا دعم هذه العائلات ماديا
وربط هذا الدعم بضرورة الحرص على تمدرس الأبناء، ثم بعد ذلك يجب التكفل
بتغذية هؤلاء الأطفال الجائعين الذين يأتون إلى المدرسة ببطون فارغة.
وعندما أتذكر أيام المطعم في المدرسة سنوات السبعينات وكيف كان
الأطفال الفقراء والأيتام وأبناء الجنود المرابطين في الصحراء يتناولون
وجباتهم بانتظام بعد الانتهاء من الحصة الصباحية والمسائية في المطعم،
أتأسف على ذلك الزمن الجميل الذي كانت فيه المدرسة امتدادا للبيت.
كان المغرب آنذاك يتوصل بمعونات عن طريق «برنامج ميدا» الأوربي،
وكانت أطنان الزيت والدقيق والزبدة ومصبرات سمك التونة والجبنة الغنية
بالبروتينات والمواد المقوية للجسم تأتي من أمريكا في إطار برنامج
المساعدات الغذائية. ويبدو أن بعض مسؤولي ذلك الزمن لم يفهموا جيدا عبارة
«هدية من الولايات المتحدة الأمريكية لا تباع ولا تشترى» التي كان
الأمريكيون يكتبونها فوق مساعداتهم، ولذلك شرعوا ينزلون تلك المساعدات إلى
الأسواق لبيعها. فطارت المساعدات وطارت معها «الميدا» التي كان يرسل عبرها
الأوربيون إعاناتهم وبقي أطفال المدارس بلا طعام.
عباقرة الإصلاح التعليمي يغمضون أعينهم عن كل هذه التفاصيل التي
بدونها تفقد المدرسة طعمها، خصوصا في دولة كالمغرب يعيش ربع سكانها على
عتبة الفقر. وفي مقابل الصمت حول هذه التفاصيل، يحلو لهؤلاء العباقرة
تقديم المشروع الاستعجالي الحالي كثورة حقيقية في مجال إصلاح التعليم، في
الوقت الذي نرى أن الأرقام التي قدمها المشروع في ما يخص بناء الفصول
الدراسية لا تخرج عن الأرقام العادية المعمول بها منذ سنوات التسعينات.
فعندما يقول وزير التعليم وكاتبته العامة أن الوزارة ستهيئ 12000 فصل
دراسي، فإنهما ينسيان أن عبد الله ساعف مثلا عندما كان وزيرا للتعليم ترك
نفس هذا العدد من الفصول، منها 40 ألف فصل في العالم القروي. وفي المخطط
الحالي تفتخر وزارة التعليم في توقعاتها بإنشاء 12 ألف قسم بمعدل ثلاثة
آلاف قسم كل سنة. وتنسى أنه بين سنة 1999 و2002 بنت الوزارة أكثر من هذا
الرقم، والشيء نفسه بالنسبة للداخليات ومستلزماتها. وهكذا فوزارة التعليم
الحالية على عهد خشيشن تريد أن تقدم مشاريع أطلقت منذ سنوات كمشاريع أطلقت
للتو في إطار البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم. وهذا اسمه الطنز
بالعربية تاعرابت.
عندما أعطينا مثالين لدولتين كالهند والبرازيل استطاعتا أن تضعا
برامج فعالة وملموسة لتشجيع التعليم والقضاء على الفقر، فقد كنا نريد أن
نقول بأننا في المغرب مطالبون بالسير في نفس الاتجاه. لقد أدركت الهند أن
التعليم والتكوين هو قشة الخلاص الذي يمكن أن يجعل منها إحدى الدول
الرائدة في التكنولوجيا الدقيقة. واليوم يستحيل أن تعثر على دولة واحدة لا
تصدر إليها الهند تقنياتها الحديثة في مجال المعلوميات الدقيقة. أما
البرازيل فقد فهمت بأن مستقبلها رهين بتعليم أبنائها وإخراجهم من الفقر
والشوارع. واليوم لم نعد نسمع عن عصابات تسخرها الشرطة في المدن السياحية
البرازيلية لصيد أطفال الشوارع بالرصاص وأخذ مقابل مادي على كل رأس.
إننا مقبلون خلال سنوات قليلة على وضعية مشابهة لما عاشته البرازيل
سنوات التسعينات بسبب كارثة أطفال الشوارع. فلدينا في شوارع الدار البيضاء
وحدها خمسة آلاف أم عازبة تجر أبناءها معها رغم وجود 600 حالة إجهاض سري
يوميا في المغرب أغلبها ناتج عن حمل غير شرعي.
إذا لم تضع الدولة مخططا عاجلا لإعادة الأطفال إلى مقاعد المدارس،
وخلق بنيات لاستقبال أطفال الشوارع والأطفال المتخلى عنهم وإعادة إدماج
أمهاتهم عوض تركهم في الشوارع يفرخن قنابل الغد، فإن المغرب سيجد نفسه بعد
سنوات قليلة وجها لوجه أمام كارثة إنسانية حقيقية.
وأعتقد أن هذا التحدي يتطلب لمواجهته شيئا آخر أكبر وأمتن من محفظة من القماش.
رشيد نيني
المساء
29/9/2008
أبناءهم إلى المدارس أصبحوا يأخذونهم للوقوف أمام القيادات وبيوت المدراء
للاحتجاج بالشعارات الغاضبة على حرمان أطفالهم من حقهم في المحفظة
الملكية.
وحتى الذين تسلموا محافظهم وجد بعضهم أنها فارغة من الدفاتر والكتب
والأقلام. أما باعة الأدوات المدرسية فقد انزعجوا من كون برنامج مليون
محفظة حرمهم من مداخيل بيع أدوات السنة الدراسية الخاصة بالسنة الأولى.
أما المدرسون فقد انشغلوا بتنظيم عملية توزيع المحافظ ولم يعد لديهم وقت
لتنظيم عملية الدخول الدراسي الجديد.
وهكذا تحولت فكرة جيدة إلى مشكلة حقيقية. ولعل «الفتنة» التي
أحدثتها هذه المحافظ جديرة بالتأمل. فهي تعكس حالة التردي الشامل الذي وصل
إليه التعليم في المغرب. فهل بمحفظة بسيطة وبضعة أقلام ودفاتر وكتاب مدرسي
سيستطيع التعليم الأساسي الخروج من أزمته القاتلة.
جميل أن تتوجه «المحفظة الملكية» إلى أطفال الأسر الفقيرة. تلك التي
يمكن أن «يسمح» الأب في تعليم أبنائه لمجرد أنه لا يستطيع شراء أدوات
المدرسة لهم. لكن هل بالحقيبة وحدها يمكن أن نضمن استمرار أبناء الفقراء
في الذهاب إلى المدرسة إلى آخر المشوار الدراسي. طبعا لا.
في البرازيل، تفتقت عبقرية الرئيس لولا عن فكرة خلاقة لتشجيع الأسر
الفقيرة على إرسال أبنائها إلى المدارس. ليس طبعا بتوزيع الحقائب على
أطفال الفقراء، وإنما بتوزيع منح شهرية على كل أسرة تتعهد بإرسال أطفالها
إلى المدرسة مع ضرورة التوفر على كناش طبي لكل طفل يثبت تلقي الطفل
للقاحات الضرورية في وقتها.
هذه الفكرة التي أطلقها الرئيس لولا، الذي لم يتخرج لا من مدرسة
القناطر والطرق بباريس، مثل المستشار الملكي مزيان بلفقيه صاحب مشروع
إصلاح التعليم، وإنما من معمل حقير للنجارة فقد فيه أحد أصابعه، اسمها
«البورصة العائلية». وقد تم إحداثها في برازيليا لاستهداف العائلات
الفقيرة والفقيرة جدا، قبل أن يتم تعميمها بعد النجاح الذي عرفته سنة 2003
على كامل التراب البرازيلي.
واليوم يستفيد من «البورصة العائلية» حوالي 46 مليون برازيلي ينتمون
إلى 12 مليون عائلة فقيرة. ويمكن للعائلة الفقيرة الواحدة أن تحصل شهريا
على منحة قدرها 40 أورو، أما العائلة الفقيرة جدا فيمكن أن تحصل على 70
أورو في الشهر.
وبفضل هذه البورصة العائلية استطاعت الحكومة البرازيلية أن تنقذ من
عتبة الفقر ملايين العائلات، بحيث نزلت نسبة الفقر من 34 بالمائة سنة 2003
إلى 25 بالمائة سنة 2006. وأظهرت المؤشرات الاقتصادية تقلصا ظاهرا للفوارق
الاجتماعية بين البرازيليين. والنتيجة أنه خلال سنة 2007 فقد حوالي 1،4
مليون برازيلي الحق في الاستفادة من منحة «البورصة العائلية»، لأنهم
ببساطة غادروا عتبة الفقر ولم يعودوا في عداد الفقراء الذين يستجيبون
لشروط الاستفادة من المنحة.
مشكلتنا في المغرب مع عباقرة الإصلاح التعليمي أنهم يعتقدون أن
التلميذ هو المحفظة وكفى. وينسون أن مئات الآلاف من التلاميذ يحرمون من
الدراسة فقط لأن آباءهم يحتاجون إليهم في الحقول والمزارع والحظائر
كمساعدين لكسب قوتهم اليومي. كما ينسون أن مئات الآلاف من الفتيات يمنعهن
آباؤهن من الذهاب إلى المدرسة في القرى فقط لأن المراحيض مختلطة وليس فيها
مراحيض خاصة بالفتيات.
وإذا كان تلاميذ بعض مدراس مراكش يلجؤون إلى الحجارة للاستنجاء بسبب غياب الماء، فمن المستحسن أن لا نتخيل حالة مدارس القرى البعيدة.
ثم كيف تريد من تلميذ يقطع خمسة كيلومترات مشيا على الأقدام تحت الشمس
والمطر، ببطن فارغة في الغالب، أن يستوعب الدرس وأن يحب المدرسة وأن يستمر
على هذا الإيقاع السيزيفي سنوات أخرى إلى أن ينتقل إلى المدينة.
الجواب يأتي من دولة لديها 450 مليون مواطن يعيشون تحت عتبة الفقر،
هي الهند. فقد قررت وزارة التعليم الهندية أن تمنح أطفال المدارس وجبة
غذاء يومية. هكذا توزع الهند يوميا 118 مليون وجبة على المدارس لتشجيع
الآباء على إرسال أبنائهم إليها.
إن الحل واضح للقضاء على الهدر المدرسي وتشجيع العائلات على إرسال
أطفالهم في العالم القروي إلى المدرسة. يجب أولا دعم هذه العائلات ماديا
وربط هذا الدعم بضرورة الحرص على تمدرس الأبناء، ثم بعد ذلك يجب التكفل
بتغذية هؤلاء الأطفال الجائعين الذين يأتون إلى المدرسة ببطون فارغة.
وعندما أتذكر أيام المطعم في المدرسة سنوات السبعينات وكيف كان
الأطفال الفقراء والأيتام وأبناء الجنود المرابطين في الصحراء يتناولون
وجباتهم بانتظام بعد الانتهاء من الحصة الصباحية والمسائية في المطعم،
أتأسف على ذلك الزمن الجميل الذي كانت فيه المدرسة امتدادا للبيت.
كان المغرب آنذاك يتوصل بمعونات عن طريق «برنامج ميدا» الأوربي،
وكانت أطنان الزيت والدقيق والزبدة ومصبرات سمك التونة والجبنة الغنية
بالبروتينات والمواد المقوية للجسم تأتي من أمريكا في إطار برنامج
المساعدات الغذائية. ويبدو أن بعض مسؤولي ذلك الزمن لم يفهموا جيدا عبارة
«هدية من الولايات المتحدة الأمريكية لا تباع ولا تشترى» التي كان
الأمريكيون يكتبونها فوق مساعداتهم، ولذلك شرعوا ينزلون تلك المساعدات إلى
الأسواق لبيعها. فطارت المساعدات وطارت معها «الميدا» التي كان يرسل عبرها
الأوربيون إعاناتهم وبقي أطفال المدارس بلا طعام.
عباقرة الإصلاح التعليمي يغمضون أعينهم عن كل هذه التفاصيل التي
بدونها تفقد المدرسة طعمها، خصوصا في دولة كالمغرب يعيش ربع سكانها على
عتبة الفقر. وفي مقابل الصمت حول هذه التفاصيل، يحلو لهؤلاء العباقرة
تقديم المشروع الاستعجالي الحالي كثورة حقيقية في مجال إصلاح التعليم، في
الوقت الذي نرى أن الأرقام التي قدمها المشروع في ما يخص بناء الفصول
الدراسية لا تخرج عن الأرقام العادية المعمول بها منذ سنوات التسعينات.
فعندما يقول وزير التعليم وكاتبته العامة أن الوزارة ستهيئ 12000 فصل
دراسي، فإنهما ينسيان أن عبد الله ساعف مثلا عندما كان وزيرا للتعليم ترك
نفس هذا العدد من الفصول، منها 40 ألف فصل في العالم القروي. وفي المخطط
الحالي تفتخر وزارة التعليم في توقعاتها بإنشاء 12 ألف قسم بمعدل ثلاثة
آلاف قسم كل سنة. وتنسى أنه بين سنة 1999 و2002 بنت الوزارة أكثر من هذا
الرقم، والشيء نفسه بالنسبة للداخليات ومستلزماتها. وهكذا فوزارة التعليم
الحالية على عهد خشيشن تريد أن تقدم مشاريع أطلقت منذ سنوات كمشاريع أطلقت
للتو في إطار البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم. وهذا اسمه الطنز
بالعربية تاعرابت.
عندما أعطينا مثالين لدولتين كالهند والبرازيل استطاعتا أن تضعا
برامج فعالة وملموسة لتشجيع التعليم والقضاء على الفقر، فقد كنا نريد أن
نقول بأننا في المغرب مطالبون بالسير في نفس الاتجاه. لقد أدركت الهند أن
التعليم والتكوين هو قشة الخلاص الذي يمكن أن يجعل منها إحدى الدول
الرائدة في التكنولوجيا الدقيقة. واليوم يستحيل أن تعثر على دولة واحدة لا
تصدر إليها الهند تقنياتها الحديثة في مجال المعلوميات الدقيقة. أما
البرازيل فقد فهمت بأن مستقبلها رهين بتعليم أبنائها وإخراجهم من الفقر
والشوارع. واليوم لم نعد نسمع عن عصابات تسخرها الشرطة في المدن السياحية
البرازيلية لصيد أطفال الشوارع بالرصاص وأخذ مقابل مادي على كل رأس.
إننا مقبلون خلال سنوات قليلة على وضعية مشابهة لما عاشته البرازيل
سنوات التسعينات بسبب كارثة أطفال الشوارع. فلدينا في شوارع الدار البيضاء
وحدها خمسة آلاف أم عازبة تجر أبناءها معها رغم وجود 600 حالة إجهاض سري
يوميا في المغرب أغلبها ناتج عن حمل غير شرعي.
إذا لم تضع الدولة مخططا عاجلا لإعادة الأطفال إلى مقاعد المدارس،
وخلق بنيات لاستقبال أطفال الشوارع والأطفال المتخلى عنهم وإعادة إدماج
أمهاتهم عوض تركهم في الشوارع يفرخن قنابل الغد، فإن المغرب سيجد نفسه بعد
سنوات قليلة وجها لوجه أمام كارثة إنسانية حقيقية.
وأعتقد أن هذا التحدي يتطلب لمواجهته شيئا آخر أكبر وأمتن من محفظة من القماش.
رشيد نيني
المساء
29/9/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
حكومة القطنية
دعونا نعقد مقارنة بسيطة بين دولتين جارتين هما المغرب والجزائر تشتركان
معا في تخلفهما وتتقاسمان رتبا متقاربة في سلالم ضعف التنمية البشرية
وانتشار الفساد في تقارير المنظمات الدولية.
قبل أيام وقعت فيضانات في كل من المغرب والجزائر جرفت في طريقها
مدنا بحالها. في الجزائر نالت مدينة غرداية نصيبا أوفر من التدمير، أما في
المغرب فقد جرفت الأمطار والسيول مدينة إمينتانوت، وأوقعت قتلى وجرحى
ومنكوبين فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم.
والغريب في الأمر هو أن جريدة الوزير الأول عباس الفاسي الناطقة باسم
حزب الاستقلال الذي لديه في حكومته الموقرة (نسبة إلى الوقر الذي في
آذانها وليس إلى الوقار) وزير للتجهيز وآخر للتعمير وثالثة للصحة كلهم
استقلاليون، فضلت أن تتحدث عن فيضانات غرداية بالجزائر في الوقت الذي ضربت
فيه «الطم» عن فيضانات إمينتانوت. وأفرزت مكانا على صدر صفحتها الأولى
لنشر برقية التضامن والعزاء التي بعث بها الملك إلى الرئيس الجزائري عبد
العزيز بوتفليقة يواسيه ويواسي الشعب الجزائري في مصابهم، في الوقت الذي
أمسك فيه حزب الاستقلال لسان حاله عن الحديث حول الوفد الوزاري الذي ألغى
زيارته لإمينتانوت في آخر لحظة، والتي كانت مبرمجة ليوم الجمعة الماضية من
أجل الوقوف على الكارثة التي ضربت المدينة والتعبير للسكان عن مساندة
الحكومة لهم في هذه الظروف القاسية.
وبما أن لسان حال الوزير الأول مهتم أكثر بمأساة سكان مدينة غرداية
الجزائرية أكثر من مأساة سكان إمينتانوت المغربية، فقد كان على هذا
«اللسان» أن يتحدث عن الندوة الصحافية التي عقدها أويحي رئيس الحكومة
الجزائرية قبل أمس، والتي أعلن فيها أمام وسائل الإعلام الجزائرية
والدولية عن تخصيص حكومته لأكثر من 322 مليون دولار لإعادة إعمار مدينة
غرداية التي دمرتها الفيضانات.
هل كلف الوزير الأول عباس الفاسي نفسه المشي حتى مقر وزارة الاتصال،
هو الذي يدمن رياضة المشي في أوقات الفراغ، لعقد ندوة صحافية يخبرنا فيها
بالمبلغ المالي الذي خصصته حكومته لإعادة إعمار مدينة إمينتانوت التي
دمرتها الفيضانات.
ولأن الوزير الأول مشغول بتمثيل الملك في الأعياد الوطنية للدول
الشقيقة والصديقة وإعطاء الحوارات للمجلات الأجنبية حيث يحصي إنجازاته
الحكومية، فإن الذي يتدخل في مثل هذه الكوارث الوطنية هو وزير الداخلية.
وقد جاء تدخل شكيب بنموسى سريعا كما عودنا دائما، وأرسل تعزيزات أمنية
كبيرة إلى المنطقة المنكوبة، وحملة الاعتقالات جارية، والحمد لله الذي لا
يحمد على مكروه سواه، على قدم وساق.
وفي الوقت الذي خصصت الحكومة الجزائرية مبلغ 322 مليون دولار لإعادة
إعمار غرداية التي تبكي لحالها جريدة عباس الفاسي، خصصت الحكومة المغربية
دعما عاجلا وتاريخيا غير مسبوق لإنقاذ ضحايا فيضانات إمينتانوت. ويشتمل
هذا البرنامج الإنساني المستعجل على عشرة كيلوغرامات من الدقيق وكيلو غرام
واحد من العدس واللوبيا وعلبة شاي وخمسة لترات من زيت المائدة و«كاشة»
واحدة لكل عائلة تضررت من الفيضانات.
تخيلوا ماذا يمكن أن تصنع عائلة فقدت كل تجهيزات بيتها المطبخية،
وكل «قشها هزه الماء»، وانتهت بدون ماء للشرب في الصنابير ولا كهرباء في
الأسلاك، بكيلو من العدس واللوبيا. عدا ترقيدهما في الماء الذي اجتاح
البيوت، لا أحد سيتمكن من طهي هذه القطنية وأكلها. ببساطة لأن هؤلاء
المنكوبين فقدوا مطابخهم. اللهم إذا كانت حكومة عباس تنتظر من هؤلاء
المنكوبين أن يعودوا إلى العصر الحجري ويعدوا طعامهم على نار الحطب، الذي
بالمناسبة جلبته السيول من الأعالي إلى غاية بيوت المواطنين.
في كل البلدان التي تحترم نفسها، عندما تتعرض إحدى مناطقها للنكبات
الطبيعية فإن أول شيء تقدمه فرق التدخل والإنقاذ للمنكوبين هو الأغطية
والأدوية والسوائل والأكلات الجاهزة التي تحتوي على سعرات حرارية عالية.
ولم يسبق أن سمعنا في أي مكان من العالم أن منكوبي الفيضانات في منطقة ما
أسعفتهم حكومتهم بالفول أو العدس أو اللوبيا. اللهم إذا كانت هذه الحكومة
تريد أن تضيف إلى مشاكل المنكوبين النفسية والعصبية مشاكل أخرى في الجهاز
الهضمي بسبب الرياح الغليظة التي تتسبب فيها القطنية لمستهلكيها. وكأن
الرياح القوية التي هبت على المنطقة لا تكفي الحكومة.
وعندما نرى كيف خصصت الدولة «كاشة» واحدة لكل عائلة متضررة من
الفيضانات، نستغرب كيف أن الدولة التي يفتخر عباس الفاسي في جريدته بتصنيف
اسمها من طرف أسبوعية «الصانداي تايمز» ضمن الدول السبع التي تمكنت من
تحقيق نتائج ايجابية رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، عاجزة رغم نموها
الاقتصادي الباهر عن تحقيق شعار «كاشة» لكل مواطن منكوب. مادامت هذه
الدولة عاجزة عن تحقيق الشعار الذي رفعته حكومة الجزائر والقاضي ببناء
أربعة آلاف منزل لمنكوبي فيضانات غرداية قبل نهاية 2008. أي بمعدل منزل
لكل عائلة منكوبة.
وبالله عليكم ماذا ستصنع عائلة منكوبة متعددة الأبناء بكاشة يتيمة.
هل سيتغطى بها الأب أم الأم أم الأبناء. اللهم إذا كانت الدولة تريد أن
تطبق بهذه الكاشة مفهوم «التجمع العائلي». بحيث يقتسم كل أفراد العائلة
المنكوبة الكاشة الواحدة بعد أن يصطفوا للنوم مثل السردين. ولا يخفى على
الحكومة الموقرة والدولة المصونة كل المشاكل العائلية التي تنجم عن هذا
النوع من «التجمعات العائلية». خصوصا عندما تشرع الأطراف العائلية في جذب
«أطراف» الكاشة المسكينة كل نحو جهته. والذين تقاسموا في طفولتهم النوم مع
إخوانهم تحت «دربالة» واحدة يفهمون أكثر من غيرهم حرب المواقع هذه والتي
تشتد بين من ينام في أقصى اليمين وبين من ينام في أقصى اليسار.
لكن يبدو أن الحكومة هذه الأيام ليس لديها الوقت للبحث عن «كاشات»
للمنكوبين، فكل مجهودها مركز على إرسال «الكواش» إلى الرأي العام حتى يبقى
غارقا في نومه الدافئ، خصوصا مع هذه الأزمة العالمية التي تتربص بالعالم
بأسره.
فالمغرب، وبفضل «كاشات» حكومته الرشيدة، يوجد في منأى من هذه الأزمة
الشريرة التي تتربص بالبورصات والبنوك، وكأن المغرب يعيش في كوكب آخر غير
كوكب الأرض.
إنهم يكذبون على أنفسهم ويحاولون إقناعنا بأن المغرب لم يتأثر ولن
يتأثر بالأزمة العالمية. على الرغم من السقوط المريع لأسهم شركات العقار
في بورصة الدار البيضاء، وتراجع «النشاط» السياحي بسرعة مخيفة، وفقدان
الآلاف من المهاجرين المغاربة لوظائفهم في بلدان أوربية كثيرة.
وإذا كان هؤلاء المتفائلون الأغبياء يريدون إقناعنا بأن المغرب لديه
مناعة خارقة للعادة (من دون بلادات الناس)، فعليهم أن يكونوا متواضعين
قليلا ويعترفوا على الأقل بأن المغرب ليس بمنأى عن التأثر بالتقلبات
المناخية العالمية. ما دامت تقلبات الأسواق المالية لم تصور منه لا حق ولا
باطل. ولعل ما حدث مؤخرا من فيضانات في الشمال والجنوب والوسط المغربي
دليل واضح على أن مناخ المغرب تغير، وأن ما ينتظرنا أسوأ بكثير مما نتوقع.
وإذا كانت حكومة عباس غير قادرة على توفير الغذاء والدواء والغطاء
للمنكوبين في حالة وقوع فيضانات مهولة، فعلى الأقل يجب على هذه الحكومة أن
تطور مرصد توقعاتها الجوية، حتى تخبر المواطنين «على تيساع» في وسائل
الإعلام العمومية بالفيضانات التي ستجرف بيوتهم، فيستعدوا لها بأذرعهم
العارية وأسطلهم وغراريفهم.
ولعل أهم نشرة يجب على الدولة والحكومة إعطاءها أهمية قصوى في هذه
الظروف المناخية الصعبة التي يعيشها المغرب هي نشرة أحوال الطقس. أما نشرة
الأخبار فقد يئس منها المغاربة كما يئس الكفار من أصحاب القبور.
ودائما عندما نتحدث عن الفيضانات ومخلفاتها الكارثية نستحضر مسؤولية
الحكومة والدولة وننسى مسؤولية مرصد أحوال الطقس. والسؤال هو التالي،
لماذا تصلح رادارات وآلات الرصد التي اقتنتها مندوبية الأرصاد بالملايير
إذا كانت عاجزة عن ترصد المنخفضات والمرتفعات الجوية التي تهدد المغرب
بالأمطار الطوفانية والفيضانات، وإشعار المواطنين وإنذارهم حتى يتسنى لهم
اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
وربما يجهل عباس وحكومته أن هناك في حي الرياض بالرباط مركزا يحمل
اسم «مركز الاستشعار الفضائي» تابعا للجنرال حسني بنسليمان ميزانيته تخرج
من جيوب دافعي الضرائب. مهمته الأساسية هي مراقبة المغرب فضائيا عبر
الأقمار الاصطناعية. وعوض أن يساهم هذا المركز في حماية المواطنين من
الفيضانات والكوارث الطبيعية عبر استشعارها قبل وقوعها وإخبار الرأي العام
بها، يفضل المركز إنجاز دراسات للمسح الفضائي للقرض الفلاحي حتى يعرف
«القرض» مجموع الأراضي الفلاحية التي تمت زراعتها هذه السنة، لكي يبني
عليها نسبة القروض التي سيمنحها للفلاحين خلال السنة المقبلة.
وأمام كل هذه «اللهطة» لجمع المال وتسخير المؤسسات العمومية لخدمة
المصالح الخاصة للشركات والمؤسسات المالية الكبرى، لا يسعنا سوى أن نطلب
من الحكومة الموقرة أن تفعل كل ما بوسعها لإخبارنا بمواعيد الفيضانات
والأمطار والكوارث الطبيعية قبل وقوعها بيوم واحد على الأقل.
وهذا أضعف الإيمان.
رشيد نيني
المساء
08/10/2008
معا في تخلفهما وتتقاسمان رتبا متقاربة في سلالم ضعف التنمية البشرية
وانتشار الفساد في تقارير المنظمات الدولية.
قبل أيام وقعت فيضانات في كل من المغرب والجزائر جرفت في طريقها
مدنا بحالها. في الجزائر نالت مدينة غرداية نصيبا أوفر من التدمير، أما في
المغرب فقد جرفت الأمطار والسيول مدينة إمينتانوت، وأوقعت قتلى وجرحى
ومنكوبين فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم.
والغريب في الأمر هو أن جريدة الوزير الأول عباس الفاسي الناطقة باسم
حزب الاستقلال الذي لديه في حكومته الموقرة (نسبة إلى الوقر الذي في
آذانها وليس إلى الوقار) وزير للتجهيز وآخر للتعمير وثالثة للصحة كلهم
استقلاليون، فضلت أن تتحدث عن فيضانات غرداية بالجزائر في الوقت الذي ضربت
فيه «الطم» عن فيضانات إمينتانوت. وأفرزت مكانا على صدر صفحتها الأولى
لنشر برقية التضامن والعزاء التي بعث بها الملك إلى الرئيس الجزائري عبد
العزيز بوتفليقة يواسيه ويواسي الشعب الجزائري في مصابهم، في الوقت الذي
أمسك فيه حزب الاستقلال لسان حاله عن الحديث حول الوفد الوزاري الذي ألغى
زيارته لإمينتانوت في آخر لحظة، والتي كانت مبرمجة ليوم الجمعة الماضية من
أجل الوقوف على الكارثة التي ضربت المدينة والتعبير للسكان عن مساندة
الحكومة لهم في هذه الظروف القاسية.
وبما أن لسان حال الوزير الأول مهتم أكثر بمأساة سكان مدينة غرداية
الجزائرية أكثر من مأساة سكان إمينتانوت المغربية، فقد كان على هذا
«اللسان» أن يتحدث عن الندوة الصحافية التي عقدها أويحي رئيس الحكومة
الجزائرية قبل أمس، والتي أعلن فيها أمام وسائل الإعلام الجزائرية
والدولية عن تخصيص حكومته لأكثر من 322 مليون دولار لإعادة إعمار مدينة
غرداية التي دمرتها الفيضانات.
هل كلف الوزير الأول عباس الفاسي نفسه المشي حتى مقر وزارة الاتصال،
هو الذي يدمن رياضة المشي في أوقات الفراغ، لعقد ندوة صحافية يخبرنا فيها
بالمبلغ المالي الذي خصصته حكومته لإعادة إعمار مدينة إمينتانوت التي
دمرتها الفيضانات.
ولأن الوزير الأول مشغول بتمثيل الملك في الأعياد الوطنية للدول
الشقيقة والصديقة وإعطاء الحوارات للمجلات الأجنبية حيث يحصي إنجازاته
الحكومية، فإن الذي يتدخل في مثل هذه الكوارث الوطنية هو وزير الداخلية.
وقد جاء تدخل شكيب بنموسى سريعا كما عودنا دائما، وأرسل تعزيزات أمنية
كبيرة إلى المنطقة المنكوبة، وحملة الاعتقالات جارية، والحمد لله الذي لا
يحمد على مكروه سواه، على قدم وساق.
وفي الوقت الذي خصصت الحكومة الجزائرية مبلغ 322 مليون دولار لإعادة
إعمار غرداية التي تبكي لحالها جريدة عباس الفاسي، خصصت الحكومة المغربية
دعما عاجلا وتاريخيا غير مسبوق لإنقاذ ضحايا فيضانات إمينتانوت. ويشتمل
هذا البرنامج الإنساني المستعجل على عشرة كيلوغرامات من الدقيق وكيلو غرام
واحد من العدس واللوبيا وعلبة شاي وخمسة لترات من زيت المائدة و«كاشة»
واحدة لكل عائلة تضررت من الفيضانات.
تخيلوا ماذا يمكن أن تصنع عائلة فقدت كل تجهيزات بيتها المطبخية،
وكل «قشها هزه الماء»، وانتهت بدون ماء للشرب في الصنابير ولا كهرباء في
الأسلاك، بكيلو من العدس واللوبيا. عدا ترقيدهما في الماء الذي اجتاح
البيوت، لا أحد سيتمكن من طهي هذه القطنية وأكلها. ببساطة لأن هؤلاء
المنكوبين فقدوا مطابخهم. اللهم إذا كانت حكومة عباس تنتظر من هؤلاء
المنكوبين أن يعودوا إلى العصر الحجري ويعدوا طعامهم على نار الحطب، الذي
بالمناسبة جلبته السيول من الأعالي إلى غاية بيوت المواطنين.
في كل البلدان التي تحترم نفسها، عندما تتعرض إحدى مناطقها للنكبات
الطبيعية فإن أول شيء تقدمه فرق التدخل والإنقاذ للمنكوبين هو الأغطية
والأدوية والسوائل والأكلات الجاهزة التي تحتوي على سعرات حرارية عالية.
ولم يسبق أن سمعنا في أي مكان من العالم أن منكوبي الفيضانات في منطقة ما
أسعفتهم حكومتهم بالفول أو العدس أو اللوبيا. اللهم إذا كانت هذه الحكومة
تريد أن تضيف إلى مشاكل المنكوبين النفسية والعصبية مشاكل أخرى في الجهاز
الهضمي بسبب الرياح الغليظة التي تتسبب فيها القطنية لمستهلكيها. وكأن
الرياح القوية التي هبت على المنطقة لا تكفي الحكومة.
وعندما نرى كيف خصصت الدولة «كاشة» واحدة لكل عائلة متضررة من
الفيضانات، نستغرب كيف أن الدولة التي يفتخر عباس الفاسي في جريدته بتصنيف
اسمها من طرف أسبوعية «الصانداي تايمز» ضمن الدول السبع التي تمكنت من
تحقيق نتائج ايجابية رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، عاجزة رغم نموها
الاقتصادي الباهر عن تحقيق شعار «كاشة» لكل مواطن منكوب. مادامت هذه
الدولة عاجزة عن تحقيق الشعار الذي رفعته حكومة الجزائر والقاضي ببناء
أربعة آلاف منزل لمنكوبي فيضانات غرداية قبل نهاية 2008. أي بمعدل منزل
لكل عائلة منكوبة.
وبالله عليكم ماذا ستصنع عائلة منكوبة متعددة الأبناء بكاشة يتيمة.
هل سيتغطى بها الأب أم الأم أم الأبناء. اللهم إذا كانت الدولة تريد أن
تطبق بهذه الكاشة مفهوم «التجمع العائلي». بحيث يقتسم كل أفراد العائلة
المنكوبة الكاشة الواحدة بعد أن يصطفوا للنوم مثل السردين. ولا يخفى على
الحكومة الموقرة والدولة المصونة كل المشاكل العائلية التي تنجم عن هذا
النوع من «التجمعات العائلية». خصوصا عندما تشرع الأطراف العائلية في جذب
«أطراف» الكاشة المسكينة كل نحو جهته. والذين تقاسموا في طفولتهم النوم مع
إخوانهم تحت «دربالة» واحدة يفهمون أكثر من غيرهم حرب المواقع هذه والتي
تشتد بين من ينام في أقصى اليمين وبين من ينام في أقصى اليسار.
لكن يبدو أن الحكومة هذه الأيام ليس لديها الوقت للبحث عن «كاشات»
للمنكوبين، فكل مجهودها مركز على إرسال «الكواش» إلى الرأي العام حتى يبقى
غارقا في نومه الدافئ، خصوصا مع هذه الأزمة العالمية التي تتربص بالعالم
بأسره.
فالمغرب، وبفضل «كاشات» حكومته الرشيدة، يوجد في منأى من هذه الأزمة
الشريرة التي تتربص بالبورصات والبنوك، وكأن المغرب يعيش في كوكب آخر غير
كوكب الأرض.
إنهم يكذبون على أنفسهم ويحاولون إقناعنا بأن المغرب لم يتأثر ولن
يتأثر بالأزمة العالمية. على الرغم من السقوط المريع لأسهم شركات العقار
في بورصة الدار البيضاء، وتراجع «النشاط» السياحي بسرعة مخيفة، وفقدان
الآلاف من المهاجرين المغاربة لوظائفهم في بلدان أوربية كثيرة.
وإذا كان هؤلاء المتفائلون الأغبياء يريدون إقناعنا بأن المغرب لديه
مناعة خارقة للعادة (من دون بلادات الناس)، فعليهم أن يكونوا متواضعين
قليلا ويعترفوا على الأقل بأن المغرب ليس بمنأى عن التأثر بالتقلبات
المناخية العالمية. ما دامت تقلبات الأسواق المالية لم تصور منه لا حق ولا
باطل. ولعل ما حدث مؤخرا من فيضانات في الشمال والجنوب والوسط المغربي
دليل واضح على أن مناخ المغرب تغير، وأن ما ينتظرنا أسوأ بكثير مما نتوقع.
وإذا كانت حكومة عباس غير قادرة على توفير الغذاء والدواء والغطاء
للمنكوبين في حالة وقوع فيضانات مهولة، فعلى الأقل يجب على هذه الحكومة أن
تطور مرصد توقعاتها الجوية، حتى تخبر المواطنين «على تيساع» في وسائل
الإعلام العمومية بالفيضانات التي ستجرف بيوتهم، فيستعدوا لها بأذرعهم
العارية وأسطلهم وغراريفهم.
ولعل أهم نشرة يجب على الدولة والحكومة إعطاءها أهمية قصوى في هذه
الظروف المناخية الصعبة التي يعيشها المغرب هي نشرة أحوال الطقس. أما نشرة
الأخبار فقد يئس منها المغاربة كما يئس الكفار من أصحاب القبور.
ودائما عندما نتحدث عن الفيضانات ومخلفاتها الكارثية نستحضر مسؤولية
الحكومة والدولة وننسى مسؤولية مرصد أحوال الطقس. والسؤال هو التالي،
لماذا تصلح رادارات وآلات الرصد التي اقتنتها مندوبية الأرصاد بالملايير
إذا كانت عاجزة عن ترصد المنخفضات والمرتفعات الجوية التي تهدد المغرب
بالأمطار الطوفانية والفيضانات، وإشعار المواطنين وإنذارهم حتى يتسنى لهم
اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
وربما يجهل عباس وحكومته أن هناك في حي الرياض بالرباط مركزا يحمل
اسم «مركز الاستشعار الفضائي» تابعا للجنرال حسني بنسليمان ميزانيته تخرج
من جيوب دافعي الضرائب. مهمته الأساسية هي مراقبة المغرب فضائيا عبر
الأقمار الاصطناعية. وعوض أن يساهم هذا المركز في حماية المواطنين من
الفيضانات والكوارث الطبيعية عبر استشعارها قبل وقوعها وإخبار الرأي العام
بها، يفضل المركز إنجاز دراسات للمسح الفضائي للقرض الفلاحي حتى يعرف
«القرض» مجموع الأراضي الفلاحية التي تمت زراعتها هذه السنة، لكي يبني
عليها نسبة القروض التي سيمنحها للفلاحين خلال السنة المقبلة.
وأمام كل هذه «اللهطة» لجمع المال وتسخير المؤسسات العمومية لخدمة
المصالح الخاصة للشركات والمؤسسات المالية الكبرى، لا يسعنا سوى أن نطلب
من الحكومة الموقرة أن تفعل كل ما بوسعها لإخبارنا بمواعيد الفيضانات
والأمطار والكوارث الطبيعية قبل وقوعها بيوم واحد على الأقل.
وهذا أضعف الإيمان.
رشيد نيني
المساء
08/10/2008
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الكاميرا الخفية
منذ أسبوع وولاية الرباط تستعد لتصوير أكبر برنامج للكاميرا الخفية في
المغرب. ضيف الشرف هذه الحلقة التي سيتم بثها اليوم الجمعة، هو الملك
شخصيا. فبمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان كما هي العادة كل جمعة
ثانية من أكتوبر، لم تجد ولاية الرباط ومجلس مدينتها من طريقة أخرى للكذب
على الملك سوى طلي واجهة بنايات شركة «باليما» بالصباغة البيضاء، والإبقاء
على أوساخ الواجهة الخلفية السوداء التي لم تذق طعم الصباغة منذ سنوات.
ومن كثرة الخوف (يخافو ما يحشمو)، فقد صبغوا أيضا واجهة محطة القطار
حتى قبل أن ينشف المرطوب الذي ضربه عمال البناء الثلاثة «المقلزين» منذ
أشهر هناك للحيطان التي نبشوها من أجل ترميمها. ومن يراقب وتيرة العمل في
محطة القطار الرئيسية لعاصمة الملك، ويرى كيف أن المحطة التابعة لوزارة
التجهيز والنقل، يشتغل فيها عمال بناء بعدد أصابع اليد منذ أشهر طويلة،
حتى دون أن يضع أي واحد منهم خوذة الوقاية، يفهم أن كريم غلاب الذي «يفرع»
لنا رؤوسنا بدروسه حول السلامة الطرقية بلافتات إشهارية معلقة في الشوارع
يشبه فيها رؤوس سائقي الدراجات النارية برؤوس «الكرعة المفرشخة»، ينطبق
عليه المثل القائل «خلات تشطب باب دارها ومشات تشطب باب الجامع». وعوض أن
ينشغل غلاب فقط باحترام شروط السلامة الطرقية، عليه أن ينشغل أيضا باحترام
شروط السلامة المهنية في أوراش البناء التابعة لوزارته. فليس هناك ورش
واحد في جميع محطات السكك الحديدية التي تخضع للتجديد عامل واحد يضع خوذة
واقية كما ينص على ذلك قانون الشغل.
حتى المقر الفارغ الذي يشكل امتدادا للبرلمان صبغوا حيطانه المتسخة،
ومسحوا زجاج المقر الجديد لمجلس المستشارين، الذي لم يتم تدشينه رسميا بعد
رغم أنه كلف غلافا ماليا قدره 242،8 مليون درهم. وهذه أيضا كارثة من كوارث
غلاب. فالمقر الجديد الذي تكلفت ببنائه وزارة التجهيز كلف ضعف ميزانيته
بسبب تعثر الأشغال وطولها، والتي حطمت رقما قياسيا باستغراقها لعشر سنوات
كاملة. فالمشروع انطلق منذ الفترة التي كان فيها جلال السعيد رئيسا
للبرلمان إلى اليوم. ومن يرى كل الوقت والبطء الذي استغرقه بناء مقر جديد
لمجلس المستشارين جنب البرلمان دون أن يحرك هذا البرلمان ساكنا، يفهم صمت
هذه المؤسسة بخصوص كل المشاريع الأخرى التي تسرح بخطوات السلاحف في ربوع
المملكة.
والواقع أن ما حدث هذه الأيام في شارع محمد الخامس بالرباط الذي تعكر
له السلطات المحلية طواراته بذلك الأحمر الفاقع، والذي لكثرة الماء فيه
يسيح فوق زفت الطريق، يعطينا صورة فاضحة حول الطريقة التي ينصب بها بعضهم
على الملك بطريقة الكاميرا الخفية. ويكفي لاكتشاف «حيالات» هذه الكاميرا
ومخرجيها العباقرة أن يغير الملك مسار موكبه نحو البرلمان ويمر من الممرات
الخلفية لشارع محمد الخامس، كشارع علال بنعبد الله مثلا حيث يعم الظلام
لكي يكتشف حيطان البنايات المتسخة، وأسطل القمامة التي تصطف أمام البنوك
والمؤسسات، والأرصفة المقلعة الرخام. وإذا انعطف نحو الأعلى في طريق عودته
نحو المشور وألقى نظرة نحو النافورة الرخامية التي أنجزها المهندس العبقري
لشارع محمد الخامس، فسيكتشف أن رخامها طار وأن بزابيزها نهبت وأن المياه
الوحيدة التي توجد بداخلها هي مياه الأمطار الأخيرة والتي «خززت»، ولم يعد
ينقصها سوى كورال من «الجران» يؤدي أغنية «يا إخوتي جاء المطر».
لقد أصبح بعض المسؤولين مخرجين كبارا في تقنية الكاميرا الخفية. إلى
درجة أن بعضهم في تطوان بمجرد ما أنهى تصوير تدشين الملك لمستوصف طبي
وغادر إلى قصره، حتى جمعوا الآلات الطبية التي صوروا الملك معها، وأعادوها
إلى المستشفى الذي استعاروها منه وأغلقوا المستوصف في وجه المرضى، حتى
تدشين آخر. فقد اتضح أن المستوصف الذي دشنه الملك لا يتوفر سوى على
الحيطان، أما المعدات الطبية فكلها مستعارة من مستشفى آخر. فهل كل هذه
التقنيات الإخراجية مرت من تحت أنف زليخة نصري مستشارة الملك دون أن تشتم
رائحة الخدعة السينمائية فيها. أم أنها مجبرة على البحث عن مؤسسات يدشنها
الملك حتى ولو كانت «ديال بلعاني».
وعلى العموم فالمسؤولية تتحملها زليخة نصري، لأنها هي المشرفة
المباشرة على المشاريع التي يدشنها الملك في المدن التي يزورها. وجرت
العادة أن تسبق زليخة الملك إلى المدن التي سيزورها لكي تضع اللمسات
النهائية للمشاريع التي سيدشنها. وعندما تضع زليخة إشارة الموافقة على
مشروع يحظى بزيارة الملك، فالمفروض أن تكون متأكدة من «شغلها»، وأن تحرص
على عدم توريط الملك وصورته في مشاريع كارتونية تنهار أبوابها وأسوارها
وتغرق معداتها في مياه الأمطار مباشرة بعد تدشينها. فالذي يتضرر في
الحقيقة ليس الأسوار والأبواب فقط ولكن صورة الملك أيضا.
فباب المستشفى متعدد الاختصاصات، وهذه كذبة أخرى لأن المستشفى ليس
فيه سوى تخصصين يتيمين أما بقية التخصصات الأخرى التي تم عرض أطبائها أمام
الملك فقد استعاروهم من مستشفى محمد السادس، انهار يوما واحدا قبل زيارة
الملك. وعندما زاره الملك سقط سوره في اليوم الموالي وأغرقت المياه أقسام
جراحته.
والمسجد الذي دشنه الملك بتطوان جردوه بعد ذهاب الملك من مكيفات
الهواء، وسقط بابه يومين بعد تدشينه، ولولا الألطاف الإلهية لكان قتل أحد
المصلين الذي اتكأ عليه لكي يلبس حذاءه فتهاوى الباب الضخم أمامه مثل
ورقة.
أما «مشاريع الخير والنماء» كما يسميها مصطفى العلوي في نشرة «كولو
العام زين» بالقناة الأولى، في الناضور وتطوان والفنيدق فقد جرفتها مياه
الأمطار في ليلة واحدة، وكأن هذه الطرق والقناطر مبنية جميعها بالمسوس.
وعندما نرى كيف أن مؤسسات عمومية، كالمكتب الوطني للمطارات، يسيرها
مهندسون اختارهم المهندس الأكبر مزيان بلفقيه من بين خريجي «مدرسة الطرق
والقناطر» العريقة بباريس، تعاني محطاته الجوية الحديثة في مطار محمد
الخامس ومطار مراكش من تسرب «القطرة» بعد نزول الأمطار، نفهم أن بعضهم لم
تصور فيه دروس الهندسة بباريس لا حق ولا باطل، وأن الخبرة الوحيدة التي
تعلموها في «مدرسة الطرق والقناطر» هي سياسة «التقنطير».
إن سبب استمرار هؤلاء المخرجين السينمائيين الرديئين في تصوير
منجزاتهم بنجاح أمام الملك بتقنية الكاميرا الخفية، هو عدم محاسبتهم بعد
انفضاح أمرهم بتهمة النصب والاحتيال على الملك والشعب.
اليوم سيفتتح الملك البرلمان. هل يستطيع أحد أن يقول لنا أين وصل
البحث الذي أمر به الملك في مثل هذا اليوم من السنة الماضية عندما انقطع
التيار الكهربائي في البرلمان في حضوره.
أكيد أن الجميع نسي هذه الحادثة. إن مشكلتنا الكبيرة نحن المغاربة
هي أننا ننسى بسرعة. ولهذا نلدغ من الجحر ذاته مرات ومرات دون أن نتعظ.
كان المغاربة في السابق يخرجون لأداء صلاة الاستسقاء لكي يجود الله
علينا بالأمطار، لكن مع هؤلاء المسوؤلين الغشاشين يبدو أن المغاربة
سيعوضون صلاة الاستسقاء بصلاة الاستنشاف. فاللهم «ملقاك مع الجفاف ولا
ملقاك مع الفيضان». على الأقل الجفاف عندما يضرب لا يجرف الطرق والقناطر
المغشوشة. اللهم نص خسارة ولا خسارة كاملة.
رش نيني
المساء
10/10/2008
المغرب. ضيف الشرف هذه الحلقة التي سيتم بثها اليوم الجمعة، هو الملك
شخصيا. فبمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان كما هي العادة كل جمعة
ثانية من أكتوبر، لم تجد ولاية الرباط ومجلس مدينتها من طريقة أخرى للكذب
على الملك سوى طلي واجهة بنايات شركة «باليما» بالصباغة البيضاء، والإبقاء
على أوساخ الواجهة الخلفية السوداء التي لم تذق طعم الصباغة منذ سنوات.
ومن كثرة الخوف (يخافو ما يحشمو)، فقد صبغوا أيضا واجهة محطة القطار
حتى قبل أن ينشف المرطوب الذي ضربه عمال البناء الثلاثة «المقلزين» منذ
أشهر هناك للحيطان التي نبشوها من أجل ترميمها. ومن يراقب وتيرة العمل في
محطة القطار الرئيسية لعاصمة الملك، ويرى كيف أن المحطة التابعة لوزارة
التجهيز والنقل، يشتغل فيها عمال بناء بعدد أصابع اليد منذ أشهر طويلة،
حتى دون أن يضع أي واحد منهم خوذة الوقاية، يفهم أن كريم غلاب الذي «يفرع»
لنا رؤوسنا بدروسه حول السلامة الطرقية بلافتات إشهارية معلقة في الشوارع
يشبه فيها رؤوس سائقي الدراجات النارية برؤوس «الكرعة المفرشخة»، ينطبق
عليه المثل القائل «خلات تشطب باب دارها ومشات تشطب باب الجامع». وعوض أن
ينشغل غلاب فقط باحترام شروط السلامة الطرقية، عليه أن ينشغل أيضا باحترام
شروط السلامة المهنية في أوراش البناء التابعة لوزارته. فليس هناك ورش
واحد في جميع محطات السكك الحديدية التي تخضع للتجديد عامل واحد يضع خوذة
واقية كما ينص على ذلك قانون الشغل.
حتى المقر الفارغ الذي يشكل امتدادا للبرلمان صبغوا حيطانه المتسخة،
ومسحوا زجاج المقر الجديد لمجلس المستشارين، الذي لم يتم تدشينه رسميا بعد
رغم أنه كلف غلافا ماليا قدره 242،8 مليون درهم. وهذه أيضا كارثة من كوارث
غلاب. فالمقر الجديد الذي تكلفت ببنائه وزارة التجهيز كلف ضعف ميزانيته
بسبب تعثر الأشغال وطولها، والتي حطمت رقما قياسيا باستغراقها لعشر سنوات
كاملة. فالمشروع انطلق منذ الفترة التي كان فيها جلال السعيد رئيسا
للبرلمان إلى اليوم. ومن يرى كل الوقت والبطء الذي استغرقه بناء مقر جديد
لمجلس المستشارين جنب البرلمان دون أن يحرك هذا البرلمان ساكنا، يفهم صمت
هذه المؤسسة بخصوص كل المشاريع الأخرى التي تسرح بخطوات السلاحف في ربوع
المملكة.
والواقع أن ما حدث هذه الأيام في شارع محمد الخامس بالرباط الذي تعكر
له السلطات المحلية طواراته بذلك الأحمر الفاقع، والذي لكثرة الماء فيه
يسيح فوق زفت الطريق، يعطينا صورة فاضحة حول الطريقة التي ينصب بها بعضهم
على الملك بطريقة الكاميرا الخفية. ويكفي لاكتشاف «حيالات» هذه الكاميرا
ومخرجيها العباقرة أن يغير الملك مسار موكبه نحو البرلمان ويمر من الممرات
الخلفية لشارع محمد الخامس، كشارع علال بنعبد الله مثلا حيث يعم الظلام
لكي يكتشف حيطان البنايات المتسخة، وأسطل القمامة التي تصطف أمام البنوك
والمؤسسات، والأرصفة المقلعة الرخام. وإذا انعطف نحو الأعلى في طريق عودته
نحو المشور وألقى نظرة نحو النافورة الرخامية التي أنجزها المهندس العبقري
لشارع محمد الخامس، فسيكتشف أن رخامها طار وأن بزابيزها نهبت وأن المياه
الوحيدة التي توجد بداخلها هي مياه الأمطار الأخيرة والتي «خززت»، ولم يعد
ينقصها سوى كورال من «الجران» يؤدي أغنية «يا إخوتي جاء المطر».
لقد أصبح بعض المسؤولين مخرجين كبارا في تقنية الكاميرا الخفية. إلى
درجة أن بعضهم في تطوان بمجرد ما أنهى تصوير تدشين الملك لمستوصف طبي
وغادر إلى قصره، حتى جمعوا الآلات الطبية التي صوروا الملك معها، وأعادوها
إلى المستشفى الذي استعاروها منه وأغلقوا المستوصف في وجه المرضى، حتى
تدشين آخر. فقد اتضح أن المستوصف الذي دشنه الملك لا يتوفر سوى على
الحيطان، أما المعدات الطبية فكلها مستعارة من مستشفى آخر. فهل كل هذه
التقنيات الإخراجية مرت من تحت أنف زليخة نصري مستشارة الملك دون أن تشتم
رائحة الخدعة السينمائية فيها. أم أنها مجبرة على البحث عن مؤسسات يدشنها
الملك حتى ولو كانت «ديال بلعاني».
وعلى العموم فالمسؤولية تتحملها زليخة نصري، لأنها هي المشرفة
المباشرة على المشاريع التي يدشنها الملك في المدن التي يزورها. وجرت
العادة أن تسبق زليخة الملك إلى المدن التي سيزورها لكي تضع اللمسات
النهائية للمشاريع التي سيدشنها. وعندما تضع زليخة إشارة الموافقة على
مشروع يحظى بزيارة الملك، فالمفروض أن تكون متأكدة من «شغلها»، وأن تحرص
على عدم توريط الملك وصورته في مشاريع كارتونية تنهار أبوابها وأسوارها
وتغرق معداتها في مياه الأمطار مباشرة بعد تدشينها. فالذي يتضرر في
الحقيقة ليس الأسوار والأبواب فقط ولكن صورة الملك أيضا.
فباب المستشفى متعدد الاختصاصات، وهذه كذبة أخرى لأن المستشفى ليس
فيه سوى تخصصين يتيمين أما بقية التخصصات الأخرى التي تم عرض أطبائها أمام
الملك فقد استعاروهم من مستشفى محمد السادس، انهار يوما واحدا قبل زيارة
الملك. وعندما زاره الملك سقط سوره في اليوم الموالي وأغرقت المياه أقسام
جراحته.
والمسجد الذي دشنه الملك بتطوان جردوه بعد ذهاب الملك من مكيفات
الهواء، وسقط بابه يومين بعد تدشينه، ولولا الألطاف الإلهية لكان قتل أحد
المصلين الذي اتكأ عليه لكي يلبس حذاءه فتهاوى الباب الضخم أمامه مثل
ورقة.
أما «مشاريع الخير والنماء» كما يسميها مصطفى العلوي في نشرة «كولو
العام زين» بالقناة الأولى، في الناضور وتطوان والفنيدق فقد جرفتها مياه
الأمطار في ليلة واحدة، وكأن هذه الطرق والقناطر مبنية جميعها بالمسوس.
وعندما نرى كيف أن مؤسسات عمومية، كالمكتب الوطني للمطارات، يسيرها
مهندسون اختارهم المهندس الأكبر مزيان بلفقيه من بين خريجي «مدرسة الطرق
والقناطر» العريقة بباريس، تعاني محطاته الجوية الحديثة في مطار محمد
الخامس ومطار مراكش من تسرب «القطرة» بعد نزول الأمطار، نفهم أن بعضهم لم
تصور فيه دروس الهندسة بباريس لا حق ولا باطل، وأن الخبرة الوحيدة التي
تعلموها في «مدرسة الطرق والقناطر» هي سياسة «التقنطير».
إن سبب استمرار هؤلاء المخرجين السينمائيين الرديئين في تصوير
منجزاتهم بنجاح أمام الملك بتقنية الكاميرا الخفية، هو عدم محاسبتهم بعد
انفضاح أمرهم بتهمة النصب والاحتيال على الملك والشعب.
اليوم سيفتتح الملك البرلمان. هل يستطيع أحد أن يقول لنا أين وصل
البحث الذي أمر به الملك في مثل هذا اليوم من السنة الماضية عندما انقطع
التيار الكهربائي في البرلمان في حضوره.
أكيد أن الجميع نسي هذه الحادثة. إن مشكلتنا الكبيرة نحن المغاربة
هي أننا ننسى بسرعة. ولهذا نلدغ من الجحر ذاته مرات ومرات دون أن نتعظ.
كان المغاربة في السابق يخرجون لأداء صلاة الاستسقاء لكي يجود الله
علينا بالأمطار، لكن مع هؤلاء المسوؤلين الغشاشين يبدو أن المغاربة
سيعوضون صلاة الاستسقاء بصلاة الاستنشاف. فاللهم «ملقاك مع الجفاف ولا
ملقاك مع الفيضان». على الأقل الجفاف عندما يضرب لا يجرف الطرق والقناطر
المغشوشة. اللهم نص خسارة ولا خسارة كاملة.
رش نيني
المساء
10/10/2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
سكارى وما هم بسكارى
كما كان منتظرا أصدرت المحكمة حكم البراءة في حق ابن والي مدينة كلميم
الذي كان متابعا بتهمة السياقة في حالة سكر، والإفطار العلني في رمضان،
والتسبب في قتل مواطن المقرون بحالة الفرار، ومقاومة رجال الأمن وإلحاق
الأذى بأحدهم.
فقد قررت المحكمة أن المهندس ابن الوالي غير مسؤول عن كل ما قام به
ذلك اليوم، لأنه يعاني من خلل عقلي ويتابع علاجه مع طبيب مختص في سويسرا.
والواقع أن سعادة الوالي الذي أتعب نفسه بإحضار شهادة طبية لابنه من
الطبيب السويسري لكي يدلي بها للمحكمة، كان عليه أن يوفر تعبه على نفسه.
فالشرقي أضريص مدير الإدارة العامة للأمن الوطني سبقه إلى إعفاء السكارى
الذين تعتقلهم الشرطة في الأمكنة العامة من كل مسؤولية عما يقومون به أو
يقترفونه من مخالفات.
ففي مذكرته الداخلية رقم 3282، الصادرة في 18 يوليوز المنصرم،
والحاملة لعنوان «الاعتقالات في الأمكنة العمومية»، والتي مرجعها مذكرة
صادرة في 2 مارس 2001 تحت رقم 3136، يخبر سعادة مدير الأمن جميع رجال
الشرطة العاملين تحت إمرته بالكف عن اعتقال المتلبسين بالسكر العلني،
وضرورة التعامل معهم بوصفهم مرضى وليس كمخالفين للقانون. وعوض اعتقالهم
واقتيادهم إلى مخفر الأمن على الشرطي أن يتصل بسيارة إسعاف لكي تأخذ
السكير إلى المكان الذي يطلبه، أو إلى أقرب مركز صحي لتقديم الإسعافات
الضرورية له.
لهذا لم يكن ضروريا أن يتعب جناب الوالي نفسه في البحث عن وثائق
طبية لتبرير كل الخسائر في العتاد والأرواح التي كبدها ابنه بسيارته
«الزيبرا» للأمن والمواطنين في تلك الأمسية الرمضانية. لأن مدير الأمن
بنفسه وقع على مذكرة يوصي فيها رجاله خيرا بالسكارى الذين يتسكعون في
الشارع العام، ويهددون بسياراتهم أرواح الأبرياء.
ومن اليوم فصاعدا من حق كل السكارى أن يحتجوا على رجال الأمن إذا ما
وضعوا الأصفاد في أيديهم وحشروهم في سيارة الأمن لاقتيادهم نحو المخفر من
أجل تسجيل محضر بتهمة السكر العلني قبل تقديمهم إلى المحكمة. فمذكرة
الشرقي أضريص لا تعتبر السكر العلني جنحة يعاقب عليها القانون، وإنما مرضا
يستوجب تقديم المساعدة الطبية للمبليين به.
وهكذا سنرى بفضل هذه المذكرة العجيبة أن سيارات الإسعاف في المغرب
ستترك جانبا المرضى الحقيقيين والمصابين في الحرائق وضحايا السائقين
السكارى مرميين في الطرقات لكي تتفرغ لنقل السكارى من أبناء «الألبة» إلى
المستعجلات من أجل تقديم المساعدة الطبية لهم و«تطيير» السكر من رؤوسهم.
والواقع أن ظاهر هذه المذكرة الأمنية العجيبة هو إظهار الوجه
الإنساني للإدارة الأمنية في التعامل مع السكارى والمخمورين، وباطنها هو
تأمين الحماية للسكارى من فئة خمس نجوم ضد الاعتقال في حالة سكر طافح.
خصوصا عندما يقترفون ما يستوجب اعتقالهم. فيبدو أن الإدارة العامة للأمن
الوطني أصابها الإحراج من كثرة الحوادث التي يتورط فيها أبناء بعض الوزراء
والولاة وكبار الشخصيات، فأخرجت لهم هذه الفتوى الغريبة التي تخرج السكر
العلني من سياقه الجنحي إلى سياق صحي. ولذلك فليس من المستبعد أن تبرئ
المحكمة صاحب سيارة الجاغوار الذي دهس حارسي أمن في فندق «أونفيتريت»
بالصخيرات وقتل أحدهما وعطب الآخر الصيف الماضي. فهو أيضا اقترف ما اقترفه
عندما كان في حالة سكر. بمعنى أنه كان مريضا بحاجة إلى علاج وعوض أخذه إلى
مخفر الأمن كان أولى برجال الشرطة أخذه إلى مستشفى الرازي. هكذا يكون
بمستطاع عائلته أن تحضر شهادة طبية تثبت إصابته بخلل عقلي هو الآخر لكي
تبرئه المحكمة في أولى جلساتها. كما فعلت مع ابن الوالي الذي مرت محاكمته
بسرعة قياسية في الوقت الذي تراوح فيه قضايا حوادث السير التي يتورطة فيها
المواطنون البسطاء مكانها لشهور طويلة.
والغريب في تعامل الأمن والعدالة مع الشخصيات المنتمية إلى طبقة
«الألبة» هو أنهم عندما يقترفون إما هم أو أبناؤهم جرائم أو مخالفات في حق
المواطنين البسطاء، يتحولون بقدرة قادر إما إلى حماق أو مدمنين على
المخدرات، ويحضرون شواهد طبية من سويسرا وإيطاليا لكي يحصلوا على البراءة
من المحكمة.
هذا إذا ذهبوا إلى المحكمة أصلا. فقد رأى الجميع كيف أن اليعقوبي،
زوج عمة الملك، الذي أطلق النار على شرطي مرور لم يكلف نفسه حتى مرافقة
الشرطة إلى مخفر الأمن، واعتصم داخل سيارته الفارهة حتى تطوع شرطي لكي
يقوم بدور «الشيفور» وأخرجه من وسط المعمعة التي اجتمعت حوله في مكان
الجريمة، وأوصله إلى حيث أراد «الشريف» وليس حيث يريد القانون.
وقبله رأينا كيف أن ابن العنصر عندما كان والده وزيرا في الفلاحة
والصيد البحري سبق له أن دهس وقتل كناسا بسيطا في الرباط قرب باب العرفان،
بسبب قيادته لسيارته في حالة سكر وبدون رخصة. فالابن المدلل سحبت منه
رخصته بسبب دهسه سابقا لمواطنة في إفران. وخرج ابن الوزير التي توبع في
حالة سراح بحكم جد مخفف ليس أكثر من ستة أشهر موقوفة التنفيذ، حتى لا يفقد
سعادته وظيفته العمومية.
وخلال الصيف الماضي رأينا كيف زور الكولونيل التريكي محضر الدرك
لصالح ابن أحد الأثرياء المخمورين بعدما دهس بسيارته حارسين، لكي يخرجه من
القضية مثل الشعرة من العجين. لكن لسوء حظه انكشف أمره فانتهى مبعدا عن
وظيفته دون أن يطاله القانون.
وقبلهم جميعا رأينا كيف دهست مارية بنجلون ابنة وزير الإعلام السابق،
شرطية مرور في الشارع العام، وخرجت من السجن بعفو ملكي خاص حتى قبل أن
تندمل جراح الشرطية الغائرة. وسمعنا والد «بنت الفشوش» يقول في الصحافة أن
ابنته مريضة نفسيا وتتابع علاجا خاصا بمدمني المخدرات في سويسرا أو فلندا
أو لا أعرف أية «قرينة كحلة».
والغريب في الأمر أنه في السابق كانت الشرطة تعتقل الجناة من أبناء
هؤلاء الوزراء السابقين والمسؤولين الكبار عندما يقترفون مخالفات في حالة
سكر أو يعتدون على رجال الأمن، وتحكم المحكمة عليهم بالسجن، قبل أن يتم
العفو عنهم فيما بعد. كطريقة «مهذبة» لإشعار الأمن والقضاء بأن ما يسري
على أبناء «بوزبال» لا يسري بالضرورة على الشرفاء والوزراء وسلالتهم
المجيدة. أما اليوم فقد خرجوا لها «طاي طاي»، وأصبح اعتقالهم مستحيلا،
كحالة اليعقوبي، وحتى في حالة اعتقالهم فإدانتهم تبقى شيئا صعب المنال،
كحالة المهندس ابن والي كلميم. ولكي يكملها ويجملها مدير الأمن الوطني
أصدر فتواه الغريبة حول السكارى الذين يجب الكف عن اعتقالهم وطلب سيارة
إسعاف لسعادتهم وأخذهم إلى أقرب مستشفى لتمكينهم من العلاج.
في كل المجتمعات الديمقراطية يعتبر السكر العلني شيئا ممنوعا. أما
السياقة في حالة سكر فهي الإجرام بعينه. لأن السائق السكير الذي يقود
سيارته لا يهدد فقط حياته وإنما يهدد حياة الأبرياء الذين يستعملون الطريق
معه.
وعوض التشديد على الصرامة في التعامل مع هذه الفئة المستهترة بحياتها
وحياة المواطنين، وتذكير رجال الأمن بضرورة تطبيق القانون، نرى كيف يوصي
مدير الأمن رجاله خيرا بهؤلاء المستهترين بحياة الناس. بقي فقط أن يعلق
الشرقي أضريص مذكرته في كل بارات المملكة حتى يأخذ السكارى من مستعملي
الطريق راحتهم في الشرب حتى الثمالة. فالقانون أصبح في صفهم، مادام السكر
العلني أصبح مرضا يعفي صاحبه من المتابعة.
وإذا كانت المحكمة الموقرة قد اقتنعت بأن المهندس ابن الوالي يعاني
من مرض نفسي خطير يجعله غير مسؤول عن تصرفاته، فيجب على هذه المحكمة
الموقرة، وحرصا على سلامة المواطنين، أن تأمر بفتح تحقيق في المشاريع
الهندسية التي قد يكون اشتغل عليها المهندس المريض في مكتبه. لأن شخصا
لديه كل هذه النوازع الإجرامية، مادامت تلك المجزرة التي قام بها لم تكن
بنظر المحكمة بسبب الخمر وإنما بسبب المرض، ليس مخولا قانونيا لرسم تصاميم
هندسية لبيوت أو عمارات يسكن فيها المواطنون. تخيلوا أن ينسى رسم سارية في
شقة أو أن يخلط في حساب الأضلع والزوايا في عمارة. سيكون الأمر كارثيا لا
قدر الله. نتمنى أن تنورنا «هيئة المهندسين» في هذه النازلة، والله لا
يضيع أجر المحسنين.
كما يجب على المحكمة الموقرة، وحرصا على سلامة المواطنين، أن تفتح
تحقيقا في ظروف وملابسات حصول ابن الوالي المريض نفسيا على رخصة السياقة.
فيبدو أنه في هذه البلاد أصبح حصول المرضى النفسيين والمخبولين على رخص
لحمل السلاح ورخص للسياقة أسهل من حصول العقلاء عليها.
وللمحكمة الموقرة واسع النظر.
رشيد نيني
المساء
15*10*2008
الذي كان متابعا بتهمة السياقة في حالة سكر، والإفطار العلني في رمضان،
والتسبب في قتل مواطن المقرون بحالة الفرار، ومقاومة رجال الأمن وإلحاق
الأذى بأحدهم.
فقد قررت المحكمة أن المهندس ابن الوالي غير مسؤول عن كل ما قام به
ذلك اليوم، لأنه يعاني من خلل عقلي ويتابع علاجه مع طبيب مختص في سويسرا.
والواقع أن سعادة الوالي الذي أتعب نفسه بإحضار شهادة طبية لابنه من
الطبيب السويسري لكي يدلي بها للمحكمة، كان عليه أن يوفر تعبه على نفسه.
فالشرقي أضريص مدير الإدارة العامة للأمن الوطني سبقه إلى إعفاء السكارى
الذين تعتقلهم الشرطة في الأمكنة العامة من كل مسؤولية عما يقومون به أو
يقترفونه من مخالفات.
ففي مذكرته الداخلية رقم 3282، الصادرة في 18 يوليوز المنصرم،
والحاملة لعنوان «الاعتقالات في الأمكنة العمومية»، والتي مرجعها مذكرة
صادرة في 2 مارس 2001 تحت رقم 3136، يخبر سعادة مدير الأمن جميع رجال
الشرطة العاملين تحت إمرته بالكف عن اعتقال المتلبسين بالسكر العلني،
وضرورة التعامل معهم بوصفهم مرضى وليس كمخالفين للقانون. وعوض اعتقالهم
واقتيادهم إلى مخفر الأمن على الشرطي أن يتصل بسيارة إسعاف لكي تأخذ
السكير إلى المكان الذي يطلبه، أو إلى أقرب مركز صحي لتقديم الإسعافات
الضرورية له.
لهذا لم يكن ضروريا أن يتعب جناب الوالي نفسه في البحث عن وثائق
طبية لتبرير كل الخسائر في العتاد والأرواح التي كبدها ابنه بسيارته
«الزيبرا» للأمن والمواطنين في تلك الأمسية الرمضانية. لأن مدير الأمن
بنفسه وقع على مذكرة يوصي فيها رجاله خيرا بالسكارى الذين يتسكعون في
الشارع العام، ويهددون بسياراتهم أرواح الأبرياء.
ومن اليوم فصاعدا من حق كل السكارى أن يحتجوا على رجال الأمن إذا ما
وضعوا الأصفاد في أيديهم وحشروهم في سيارة الأمن لاقتيادهم نحو المخفر من
أجل تسجيل محضر بتهمة السكر العلني قبل تقديمهم إلى المحكمة. فمذكرة
الشرقي أضريص لا تعتبر السكر العلني جنحة يعاقب عليها القانون، وإنما مرضا
يستوجب تقديم المساعدة الطبية للمبليين به.
وهكذا سنرى بفضل هذه المذكرة العجيبة أن سيارات الإسعاف في المغرب
ستترك جانبا المرضى الحقيقيين والمصابين في الحرائق وضحايا السائقين
السكارى مرميين في الطرقات لكي تتفرغ لنقل السكارى من أبناء «الألبة» إلى
المستعجلات من أجل تقديم المساعدة الطبية لهم و«تطيير» السكر من رؤوسهم.
والواقع أن ظاهر هذه المذكرة الأمنية العجيبة هو إظهار الوجه
الإنساني للإدارة الأمنية في التعامل مع السكارى والمخمورين، وباطنها هو
تأمين الحماية للسكارى من فئة خمس نجوم ضد الاعتقال في حالة سكر طافح.
خصوصا عندما يقترفون ما يستوجب اعتقالهم. فيبدو أن الإدارة العامة للأمن
الوطني أصابها الإحراج من كثرة الحوادث التي يتورط فيها أبناء بعض الوزراء
والولاة وكبار الشخصيات، فأخرجت لهم هذه الفتوى الغريبة التي تخرج السكر
العلني من سياقه الجنحي إلى سياق صحي. ولذلك فليس من المستبعد أن تبرئ
المحكمة صاحب سيارة الجاغوار الذي دهس حارسي أمن في فندق «أونفيتريت»
بالصخيرات وقتل أحدهما وعطب الآخر الصيف الماضي. فهو أيضا اقترف ما اقترفه
عندما كان في حالة سكر. بمعنى أنه كان مريضا بحاجة إلى علاج وعوض أخذه إلى
مخفر الأمن كان أولى برجال الشرطة أخذه إلى مستشفى الرازي. هكذا يكون
بمستطاع عائلته أن تحضر شهادة طبية تثبت إصابته بخلل عقلي هو الآخر لكي
تبرئه المحكمة في أولى جلساتها. كما فعلت مع ابن الوالي الذي مرت محاكمته
بسرعة قياسية في الوقت الذي تراوح فيه قضايا حوادث السير التي يتورطة فيها
المواطنون البسطاء مكانها لشهور طويلة.
والغريب في تعامل الأمن والعدالة مع الشخصيات المنتمية إلى طبقة
«الألبة» هو أنهم عندما يقترفون إما هم أو أبناؤهم جرائم أو مخالفات في حق
المواطنين البسطاء، يتحولون بقدرة قادر إما إلى حماق أو مدمنين على
المخدرات، ويحضرون شواهد طبية من سويسرا وإيطاليا لكي يحصلوا على البراءة
من المحكمة.
هذا إذا ذهبوا إلى المحكمة أصلا. فقد رأى الجميع كيف أن اليعقوبي،
زوج عمة الملك، الذي أطلق النار على شرطي مرور لم يكلف نفسه حتى مرافقة
الشرطة إلى مخفر الأمن، واعتصم داخل سيارته الفارهة حتى تطوع شرطي لكي
يقوم بدور «الشيفور» وأخرجه من وسط المعمعة التي اجتمعت حوله في مكان
الجريمة، وأوصله إلى حيث أراد «الشريف» وليس حيث يريد القانون.
وقبله رأينا كيف أن ابن العنصر عندما كان والده وزيرا في الفلاحة
والصيد البحري سبق له أن دهس وقتل كناسا بسيطا في الرباط قرب باب العرفان،
بسبب قيادته لسيارته في حالة سكر وبدون رخصة. فالابن المدلل سحبت منه
رخصته بسبب دهسه سابقا لمواطنة في إفران. وخرج ابن الوزير التي توبع في
حالة سراح بحكم جد مخفف ليس أكثر من ستة أشهر موقوفة التنفيذ، حتى لا يفقد
سعادته وظيفته العمومية.
وخلال الصيف الماضي رأينا كيف زور الكولونيل التريكي محضر الدرك
لصالح ابن أحد الأثرياء المخمورين بعدما دهس بسيارته حارسين، لكي يخرجه من
القضية مثل الشعرة من العجين. لكن لسوء حظه انكشف أمره فانتهى مبعدا عن
وظيفته دون أن يطاله القانون.
وقبلهم جميعا رأينا كيف دهست مارية بنجلون ابنة وزير الإعلام السابق،
شرطية مرور في الشارع العام، وخرجت من السجن بعفو ملكي خاص حتى قبل أن
تندمل جراح الشرطية الغائرة. وسمعنا والد «بنت الفشوش» يقول في الصحافة أن
ابنته مريضة نفسيا وتتابع علاجا خاصا بمدمني المخدرات في سويسرا أو فلندا
أو لا أعرف أية «قرينة كحلة».
والغريب في الأمر أنه في السابق كانت الشرطة تعتقل الجناة من أبناء
هؤلاء الوزراء السابقين والمسؤولين الكبار عندما يقترفون مخالفات في حالة
سكر أو يعتدون على رجال الأمن، وتحكم المحكمة عليهم بالسجن، قبل أن يتم
العفو عنهم فيما بعد. كطريقة «مهذبة» لإشعار الأمن والقضاء بأن ما يسري
على أبناء «بوزبال» لا يسري بالضرورة على الشرفاء والوزراء وسلالتهم
المجيدة. أما اليوم فقد خرجوا لها «طاي طاي»، وأصبح اعتقالهم مستحيلا،
كحالة اليعقوبي، وحتى في حالة اعتقالهم فإدانتهم تبقى شيئا صعب المنال،
كحالة المهندس ابن والي كلميم. ولكي يكملها ويجملها مدير الأمن الوطني
أصدر فتواه الغريبة حول السكارى الذين يجب الكف عن اعتقالهم وطلب سيارة
إسعاف لسعادتهم وأخذهم إلى أقرب مستشفى لتمكينهم من العلاج.
في كل المجتمعات الديمقراطية يعتبر السكر العلني شيئا ممنوعا. أما
السياقة في حالة سكر فهي الإجرام بعينه. لأن السائق السكير الذي يقود
سيارته لا يهدد فقط حياته وإنما يهدد حياة الأبرياء الذين يستعملون الطريق
معه.
وعوض التشديد على الصرامة في التعامل مع هذه الفئة المستهترة بحياتها
وحياة المواطنين، وتذكير رجال الأمن بضرورة تطبيق القانون، نرى كيف يوصي
مدير الأمن رجاله خيرا بهؤلاء المستهترين بحياة الناس. بقي فقط أن يعلق
الشرقي أضريص مذكرته في كل بارات المملكة حتى يأخذ السكارى من مستعملي
الطريق راحتهم في الشرب حتى الثمالة. فالقانون أصبح في صفهم، مادام السكر
العلني أصبح مرضا يعفي صاحبه من المتابعة.
وإذا كانت المحكمة الموقرة قد اقتنعت بأن المهندس ابن الوالي يعاني
من مرض نفسي خطير يجعله غير مسؤول عن تصرفاته، فيجب على هذه المحكمة
الموقرة، وحرصا على سلامة المواطنين، أن تأمر بفتح تحقيق في المشاريع
الهندسية التي قد يكون اشتغل عليها المهندس المريض في مكتبه. لأن شخصا
لديه كل هذه النوازع الإجرامية، مادامت تلك المجزرة التي قام بها لم تكن
بنظر المحكمة بسبب الخمر وإنما بسبب المرض، ليس مخولا قانونيا لرسم تصاميم
هندسية لبيوت أو عمارات يسكن فيها المواطنون. تخيلوا أن ينسى رسم سارية في
شقة أو أن يخلط في حساب الأضلع والزوايا في عمارة. سيكون الأمر كارثيا لا
قدر الله. نتمنى أن تنورنا «هيئة المهندسين» في هذه النازلة، والله لا
يضيع أجر المحسنين.
كما يجب على المحكمة الموقرة، وحرصا على سلامة المواطنين، أن تفتح
تحقيقا في ظروف وملابسات حصول ابن الوالي المريض نفسيا على رخصة السياقة.
فيبدو أنه في هذه البلاد أصبح حصول المرضى النفسيين والمخبولين على رخص
لحمل السلاح ورخص للسياقة أسهل من حصول العقلاء عليها.
وللمحكمة الموقرة واسع النظر.
رشيد نيني
المساء
15*10*2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الحاضي الله
الآن بعد أن حصل المغرب على وضع القانون المتقدم في الاتحاد الأوربي، عليه
أن يطلب مساعدة عاجلة من دول الاتحاد في ما يتعلق بالأمن ومكافحة الجريمة
والمخدرات. وعلى وزير الداخلية شكيب بنموسى أن يستغل وجود وزيري داخلية
فرنسا وإسبانيا في الرباط هذه الأيام لكي يطلب منهما مساعدته على وضع مخطط
مستعجل لإعادة الأمن إلى أحياء المدن المغربية.
فيبدو الآن واضحا أن الدولة عاجزة عن وضع حد للتسيب الأمني في كثير
من المدن الكبرى، والتي يعول عليها الاقتصاد الوطني لكي تجر قاطرة
السياحة، كفاس ومراكش وطنجة والرباط والدار البيضاء.
ويكفي أن نرى كيف اعتقلت الشرطة في مراكش بداية هذا الأسبوع أصغر
زعيم عصابة في العالم عمره لا يتعدى عشر سنوات، يتسلح بسيف أطول منه، لكي
نفهم أن الجريمة أصبحت رياضة وطنية يمكن مزاولتها في كل الأعمار. من كثرة
ما أصبح المجرمون والمبحوث عنهم يتحكمون في أحياء كاملة ويأخذون سكانها
رهائن، صاروا لا يخشون رجال الأمن ومسدساتهم، وصاروا لا يتورعون عن
مهاجمتهم بالسيوف والغازات المسيلة للدموع.
والمغرب لا يستحق دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية بسبب زعيم عصابة
مراكش الذي لا يتعدى عمره عشر سنوات، وإنما يستحق دخول كتاب الأرقام
القياسية بسبب الطرق الجهنمية غير المسبوقة التي أصبح اللصوص يستعملونها
لنهب ضحاياهم.
وآخر هذه الطرق هي الاستعانة بسراق الزيت و«الطوبات» لسرقة الفتيات
والنساء اللواتي يقدن السيارات. وفي كثير من شوارع وأزقة الدار البيضاء
يستغل هؤلاء اللصوص وقوف الفتيات والنساء بسياراتهن عند الإشارات الضوئية
فيرمون داخل السيارة من زجاجها المفتوح خنشة من سراق الزيت أو الطوبات
(حسب النوع الحيواني المتوفر ذلك اليوم في السوق). وبمجرد ما ترى صاحبة
السيارة جحافل سراق الزيت تزحف في كل الاتجاهات أو قطيعا من الطوبات
تتقافز فوق «الطابل دوبور» و«الكوسانات» (كل طوبة يا طوبة) حتى يطير
صوابها وتقفز خارج سيارتها هاربة بجلدها تاركة مفاتيح السيارة وحقيبة اليد
وكل ما بداخلها من هواتف وحافظة نقود وغيره من الممتلكات الخاصة.
فالنساء عموما وفي كل الدنيا لديهن خوف تاريخي من الصراصير
والجرذان، وهناك من النساء من يحرم عليها صرصار تافه دخول المطبخ لأيام.
كما أن هناك من تغادر بيتها وتتركه بسبب جرذ سخيف يتسلى بحرق أعصابها. فما
بالك بخنشة من الصراصير والجرذان تنهال على إحداهن دفعة واحدة داخل سيارة
مغلقة. إن مجرد تخيل هذا المنظر يجعل لحم الواحدة «يتشوك».
لذلك فالنصيحة التي يجب على كل النساء اللواتي يقدن سياراتهن في
شوارع المملكة هي أن يحكمن إغلاق زجاج نوافذهن جيدا. وما على اللواتي
يعانين من رهاب الأماكن المغلقة سوى تربية «مش» أو «مشيشة»، حسب الاختيار،
وحملها معهن داخل السيارة تحسبا لنزول هؤلاء الضيوف المزعجين عليهن «على
غفلة».
والكارثة أن اللصوص في المغرب أصبحوا «مفششين» ويتشرطون على ضحاياهم
ويتخيرون في ما ينهبونه منهم. فقد أصبحوا لا يرضون بسرقة الهواتف النقالة
القديمة، وإذا وقعوا على مواطن يملك واحدا من تلك «البورطابلات العيانة»
والتي لا يتعدى ثمنها مائتي درهم، يشبعونه ضربا ويرشمون له حنكه بعلامة
«النايك»، حتى يتعلم «طاسيلتو» في المرة المقبلة أن يحمل معه هاتفا متطورا
يمكن أن «يحمر» لهؤلاء اللصوص وجوههم أمام زملائهم إذا ما أخذوا الهاتف
للسويقة لإعادة بيعه.
ونصيحتنا للجميع في هذه الأيام الصعبة هي أن يحملوا معهم قبل خروجهم
من البيت، تحسبا للطوارئ، هواتف «تحمر» الوجه، خصوصا إذا كانوا يريدون
العودة إلى بيوتهم في المساء ووجوههم خالية من آثار «التحناك».
قد يبدو الأمر كما نصوره مضحكا بالنسبة لوزير الداخلية والمدير
العام للأمن الوطني، المسؤولان المباشران عن التردي الأمني الذي وصل إليه
المغرب، لكن ماذا يمكن أن نصنع لكي يفهما أن المواطنين أصبحوا يشعرون
بالخوف كلما وضعوا أرجلهم خارج بيوتهم. وكما قال الشاعر فشر البلية ما
يضحك. لكنه، وكما قال شاعر آخر، ضحك كالبكاء.
فمن جهة نقرأ كل يوم عن مهاجمة مجرم أو عصابة لرجال الأمن، تنتهي
بالمجرم في المقبرة وتنتهي برجال الأمن في المستعجلات. ومن جهة نقرأ عن
تورط بعض رجال الأمن أنفسهم في العمل لصالح العصابات. فهذا ضابط صف بالجيش
في الدار البيضاء تعتقله الشرطة القضائية بتهمة المشاركة ضمن عصابة لسرقة
السيارات. وهذان رجلا أمن في الدار البيضاء يعتقلهما زملاؤهما منذ أسبوعين
بتهمة ابتزاز سياح أجانب في كورنيش عين الذياب.
فأصبح المواطن المسكين «ماحيلتو يحضي راسو» من المجرمين «ما حيلتو يحضي راسو» من بعض رجال الأمن.
والمصيبة أن رجال الأمن في بعض المدن أصبحوا عاجزين عن اقتحام الأحياء
التي يتحصن فيها المجرمون المبحوث عنهم، بدعوى أن هؤلاء المجرمين مسجلين
خطر. ويبدو أن قوات الأمن عندما حطمت بيوت المواطنين في سيدي إفني واقتحمت
عليهم غرف نومهم واعتقلت المبحوثين عنهم المسجلين لدى الداخلية «خطر» بسبب
أفكارهم ومواقفهم، لم يساورها الخوف. بل شربت حليب السباع وجندت ثلاثة
آلاف رجل لحماية أمن الميناء ومستثمريه. أما عندما يتعلق الأمر بحماية أمن
المواطنين في المدن فإن جهاز الأمن يصبح عاجزا وخائفا من سيوف المجرمين
المسلولة.
ومن خلال الوضع المتقدم الذي أحرز عليه المغرب مع الاتحاد الأوربي،
لا شك أن المغرب وقع على تعهدات في ما يخص الالتزام بمحاربة الإرهاب، إلى
جانب تعهدات أخرى يعلم وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري خباياها.
ورجاؤنا هو أن يعتبر المغرب حربه ضد التسيب والتدهور الأمني نوعا من
أنواع محاربة الإرهاب. فالمواطنون أصبحوا مرهوبين وخائفين على أنفسهم وعلى
حياة أطفالهم وبناتهم. إن ما أصبحت تعيشه بعض أحياء المدن الكبرى من
مواجهات بين المجرمين وتجار المخدرات ورجال الأمن والمواطنين أشبه ما يكون
بحرب شوارع مفتوحة، تستحق إعلان بعض الأحياء مناطق «محررة» من طرف هؤلاء
العصابات.
إن الإرهاب الحقيقي هو عندما يفقد الإنسان الشعور بالأمن وهو عائد
إلى بيته في المساء، خوفا من أن تعترض سبيله عصابة من المجرمين شاهرين
سيوفهم. والإرهاب الحقيقي هو عندما يتجنب الإنسان قيادة سيارته خوفا من أن
يرمي أحدهم من فوق القنطرة مقلعا من الأحجار، أو أن يضعوها في طريقه لكي
تنقلب به السيارة فيسارعوا إلى سرقته بينما هو يتلوى من الألم أو يحتضر.
في سورة «قريش» يقول الله تعالى «لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ
رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ
الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ». فالأمن من
الخوف في القرآن يأتي مباشرة بعد الأمن الغذائي. وعندما رأيت كيف أن
ميزانية السنة المقبلة تضع في اعتبارها زيادة ميزانية التعليم والصحة
والقضاء تساءلت لماذا لم يتم التفكير في زيادة ميزانية الأمن. فلا معنى
للزيادة في ميزانيات كل هذه القطاعات، على أهميتها، إذا لم يقترن ذلك
بزيادة ميزانية الأمن الوطني. فالأمن الجسدي أهم شيء بعد الأمن الغذائي.
ولكي نفهم ذلك ما علينا سوى أن نتأمل المسيرات الاحتجاجية التي أصبحت تخرج
في المدن، لكي نفهم أنها كلها تطالب الدولة بالأمن. مما يعني أن الشعب
يعاني من إرهاب إجرامي حقيقي غير مسبوق في حقه، يفوق الجرائم التي تم
اقترافها ضده طيلة ثلاثين سنة على مستوى التعليم والصحة والقضاء.
فهل فهمت وزارة الداخلية الرسالة، أم أنها تنتظر حتى يتحول المغرب
إلى «أخطر دولة في العالم»، مادام شعار «أجمل دولة في العالم» أصبح اليوم
ضربا من الخيال.
رشيد نيني
المساء**16-10-2008
أن يطلب مساعدة عاجلة من دول الاتحاد في ما يتعلق بالأمن ومكافحة الجريمة
والمخدرات. وعلى وزير الداخلية شكيب بنموسى أن يستغل وجود وزيري داخلية
فرنسا وإسبانيا في الرباط هذه الأيام لكي يطلب منهما مساعدته على وضع مخطط
مستعجل لإعادة الأمن إلى أحياء المدن المغربية.
فيبدو الآن واضحا أن الدولة عاجزة عن وضع حد للتسيب الأمني في كثير
من المدن الكبرى، والتي يعول عليها الاقتصاد الوطني لكي تجر قاطرة
السياحة، كفاس ومراكش وطنجة والرباط والدار البيضاء.
ويكفي أن نرى كيف اعتقلت الشرطة في مراكش بداية هذا الأسبوع أصغر
زعيم عصابة في العالم عمره لا يتعدى عشر سنوات، يتسلح بسيف أطول منه، لكي
نفهم أن الجريمة أصبحت رياضة وطنية يمكن مزاولتها في كل الأعمار. من كثرة
ما أصبح المجرمون والمبحوث عنهم يتحكمون في أحياء كاملة ويأخذون سكانها
رهائن، صاروا لا يخشون رجال الأمن ومسدساتهم، وصاروا لا يتورعون عن
مهاجمتهم بالسيوف والغازات المسيلة للدموع.
والمغرب لا يستحق دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية بسبب زعيم عصابة
مراكش الذي لا يتعدى عمره عشر سنوات، وإنما يستحق دخول كتاب الأرقام
القياسية بسبب الطرق الجهنمية غير المسبوقة التي أصبح اللصوص يستعملونها
لنهب ضحاياهم.
وآخر هذه الطرق هي الاستعانة بسراق الزيت و«الطوبات» لسرقة الفتيات
والنساء اللواتي يقدن السيارات. وفي كثير من شوارع وأزقة الدار البيضاء
يستغل هؤلاء اللصوص وقوف الفتيات والنساء بسياراتهن عند الإشارات الضوئية
فيرمون داخل السيارة من زجاجها المفتوح خنشة من سراق الزيت أو الطوبات
(حسب النوع الحيواني المتوفر ذلك اليوم في السوق). وبمجرد ما ترى صاحبة
السيارة جحافل سراق الزيت تزحف في كل الاتجاهات أو قطيعا من الطوبات
تتقافز فوق «الطابل دوبور» و«الكوسانات» (كل طوبة يا طوبة) حتى يطير
صوابها وتقفز خارج سيارتها هاربة بجلدها تاركة مفاتيح السيارة وحقيبة اليد
وكل ما بداخلها من هواتف وحافظة نقود وغيره من الممتلكات الخاصة.
فالنساء عموما وفي كل الدنيا لديهن خوف تاريخي من الصراصير
والجرذان، وهناك من النساء من يحرم عليها صرصار تافه دخول المطبخ لأيام.
كما أن هناك من تغادر بيتها وتتركه بسبب جرذ سخيف يتسلى بحرق أعصابها. فما
بالك بخنشة من الصراصير والجرذان تنهال على إحداهن دفعة واحدة داخل سيارة
مغلقة. إن مجرد تخيل هذا المنظر يجعل لحم الواحدة «يتشوك».
لذلك فالنصيحة التي يجب على كل النساء اللواتي يقدن سياراتهن في
شوارع المملكة هي أن يحكمن إغلاق زجاج نوافذهن جيدا. وما على اللواتي
يعانين من رهاب الأماكن المغلقة سوى تربية «مش» أو «مشيشة»، حسب الاختيار،
وحملها معهن داخل السيارة تحسبا لنزول هؤلاء الضيوف المزعجين عليهن «على
غفلة».
والكارثة أن اللصوص في المغرب أصبحوا «مفششين» ويتشرطون على ضحاياهم
ويتخيرون في ما ينهبونه منهم. فقد أصبحوا لا يرضون بسرقة الهواتف النقالة
القديمة، وإذا وقعوا على مواطن يملك واحدا من تلك «البورطابلات العيانة»
والتي لا يتعدى ثمنها مائتي درهم، يشبعونه ضربا ويرشمون له حنكه بعلامة
«النايك»، حتى يتعلم «طاسيلتو» في المرة المقبلة أن يحمل معه هاتفا متطورا
يمكن أن «يحمر» لهؤلاء اللصوص وجوههم أمام زملائهم إذا ما أخذوا الهاتف
للسويقة لإعادة بيعه.
ونصيحتنا للجميع في هذه الأيام الصعبة هي أن يحملوا معهم قبل خروجهم
من البيت، تحسبا للطوارئ، هواتف «تحمر» الوجه، خصوصا إذا كانوا يريدون
العودة إلى بيوتهم في المساء ووجوههم خالية من آثار «التحناك».
قد يبدو الأمر كما نصوره مضحكا بالنسبة لوزير الداخلية والمدير
العام للأمن الوطني، المسؤولان المباشران عن التردي الأمني الذي وصل إليه
المغرب، لكن ماذا يمكن أن نصنع لكي يفهما أن المواطنين أصبحوا يشعرون
بالخوف كلما وضعوا أرجلهم خارج بيوتهم. وكما قال الشاعر فشر البلية ما
يضحك. لكنه، وكما قال شاعر آخر، ضحك كالبكاء.
فمن جهة نقرأ كل يوم عن مهاجمة مجرم أو عصابة لرجال الأمن، تنتهي
بالمجرم في المقبرة وتنتهي برجال الأمن في المستعجلات. ومن جهة نقرأ عن
تورط بعض رجال الأمن أنفسهم في العمل لصالح العصابات. فهذا ضابط صف بالجيش
في الدار البيضاء تعتقله الشرطة القضائية بتهمة المشاركة ضمن عصابة لسرقة
السيارات. وهذان رجلا أمن في الدار البيضاء يعتقلهما زملاؤهما منذ أسبوعين
بتهمة ابتزاز سياح أجانب في كورنيش عين الذياب.
فأصبح المواطن المسكين «ماحيلتو يحضي راسو» من المجرمين «ما حيلتو يحضي راسو» من بعض رجال الأمن.
والمصيبة أن رجال الأمن في بعض المدن أصبحوا عاجزين عن اقتحام الأحياء
التي يتحصن فيها المجرمون المبحوث عنهم، بدعوى أن هؤلاء المجرمين مسجلين
خطر. ويبدو أن قوات الأمن عندما حطمت بيوت المواطنين في سيدي إفني واقتحمت
عليهم غرف نومهم واعتقلت المبحوثين عنهم المسجلين لدى الداخلية «خطر» بسبب
أفكارهم ومواقفهم، لم يساورها الخوف. بل شربت حليب السباع وجندت ثلاثة
آلاف رجل لحماية أمن الميناء ومستثمريه. أما عندما يتعلق الأمر بحماية أمن
المواطنين في المدن فإن جهاز الأمن يصبح عاجزا وخائفا من سيوف المجرمين
المسلولة.
ومن خلال الوضع المتقدم الذي أحرز عليه المغرب مع الاتحاد الأوربي،
لا شك أن المغرب وقع على تعهدات في ما يخص الالتزام بمحاربة الإرهاب، إلى
جانب تعهدات أخرى يعلم وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري خباياها.
ورجاؤنا هو أن يعتبر المغرب حربه ضد التسيب والتدهور الأمني نوعا من
أنواع محاربة الإرهاب. فالمواطنون أصبحوا مرهوبين وخائفين على أنفسهم وعلى
حياة أطفالهم وبناتهم. إن ما أصبحت تعيشه بعض أحياء المدن الكبرى من
مواجهات بين المجرمين وتجار المخدرات ورجال الأمن والمواطنين أشبه ما يكون
بحرب شوارع مفتوحة، تستحق إعلان بعض الأحياء مناطق «محررة» من طرف هؤلاء
العصابات.
إن الإرهاب الحقيقي هو عندما يفقد الإنسان الشعور بالأمن وهو عائد
إلى بيته في المساء، خوفا من أن تعترض سبيله عصابة من المجرمين شاهرين
سيوفهم. والإرهاب الحقيقي هو عندما يتجنب الإنسان قيادة سيارته خوفا من أن
يرمي أحدهم من فوق القنطرة مقلعا من الأحجار، أو أن يضعوها في طريقه لكي
تنقلب به السيارة فيسارعوا إلى سرقته بينما هو يتلوى من الألم أو يحتضر.
في سورة «قريش» يقول الله تعالى «لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ
رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ
الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ». فالأمن من
الخوف في القرآن يأتي مباشرة بعد الأمن الغذائي. وعندما رأيت كيف أن
ميزانية السنة المقبلة تضع في اعتبارها زيادة ميزانية التعليم والصحة
والقضاء تساءلت لماذا لم يتم التفكير في زيادة ميزانية الأمن. فلا معنى
للزيادة في ميزانيات كل هذه القطاعات، على أهميتها، إذا لم يقترن ذلك
بزيادة ميزانية الأمن الوطني. فالأمن الجسدي أهم شيء بعد الأمن الغذائي.
ولكي نفهم ذلك ما علينا سوى أن نتأمل المسيرات الاحتجاجية التي أصبحت تخرج
في المدن، لكي نفهم أنها كلها تطالب الدولة بالأمن. مما يعني أن الشعب
يعاني من إرهاب إجرامي حقيقي غير مسبوق في حقه، يفوق الجرائم التي تم
اقترافها ضده طيلة ثلاثين سنة على مستوى التعليم والصحة والقضاء.
فهل فهمت وزارة الداخلية الرسالة، أم أنها تنتظر حتى يتحول المغرب
إلى «أخطر دولة في العالم»، مادام شعار «أجمل دولة في العالم» أصبح اليوم
ضربا من الخيال.
رشيد نيني
المساء**16-10-2008
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
فرفر يعلق الجرس/رشيد نيني/17*10*2008
إذا كان حسن بنعدي، الأمين العام لحزب «الأصالة والمعاصرة» نجح في شيء ما
خلال مروره الأخير في برنامج مصطفى العلوي، فهو نجاحه في الكشف عن قدرة
كبيرة على «التمركيش».
وقد ظهرت هذه القدرات خصوصا عندما وصف كل من يحاولون فهم الأسرار
الخفية وراء إنشاء حزب من طرف صديق الملك، بالأناس الذين أصيبوا بالعمى
مباشرة بعد رؤيتهم للفأر. وهكذا أصبحوا كلما حدثهم أحد عن «مخلوق» جديد لا
يستطيعون تخيله على هيئة شيء آخر غير الفأر.
هذه الحكاية الطريفة، حتى لا نقول السخيفة، تذكرنا بحكاية أخرى
طالعناها في تلاوة «اقرأ» للراحل «بوكماخ» عنوانها «فرفر يعلق الجرس».
وتروي الحكاية قصة مجموعة من الفئران المرعوبة داخل جحورها بسبب قط مفترس
يتهدد حياتها كل يوم ويحرم عليها الخروج للعب أمام الجحور. وهكذا عقدت
الفئران الخائفة على مستقبلها اجتماعا طارئا في برلمانها الداخلي وخرجت
منه بقرار تاريخي يقضي بتعليق جرس في عنق القط، حتى إذا خرج للصيد سمعت
رنين الجرس من بعيد، فيكون باستطاعتها الفرار بجلودها في الوقت المناسب.
المشكلة التي واجهتها الفئران هي في اختيار من سيتطوع لتعليق الجرس.
وهنا ظهرت شخصية «فرفر» المنقذ كبطل قومي لشعب الفئران الخائفة. فغادر
جحره ونزل إلى الساحة وحمل الجرس وترصد القط وقفز فوق ظهره وعلق الجرس حول
رقبته، وعاد سالما لعشيرة القوارض التي ينحدر منها.
ويبدو أن فؤاد عالي الهمة مؤسس الحزب الذي جاء حسن بنعدي يبشر
بتعاليمه الجديدة، يحب عالم الحيوان كثيرا، لذلك اهتزت نظارتاه الطبيتان
وهو يكشف عن أسنانه في ضحكة واسعة بعد سماعه لحسن بنعدي يشبه معارضيه
السياسيين بالعميان الذين لم يسبق لهم أن شاهدوا شيئا آخر في حياتهم غير
الفأر. وبما أن حسن بنعدي معجب بابن المقفع وحكاياته حول الحيوان فقد ضيع
على صديقه فؤاد فرصة الاستشهاد ببيت الشاعر العربي الذي قال في باب
الاستخفاف بضحك البعض «إذا رأيت أنياب الليث بارزة فلا تحسبن أن الليث
يبتسم».
لكن ضحك فؤاد عالي الهمة المستمر في كل مرة تلتقطه كاميرا المخرج،
كان ضحكا أقرب ما يكون من ضحك «البهلان» منه إلى الضحك الذي يخرج من
القلب. وهذا ما يسميه المغاربة بالضحكة «الصفرا»، أو الضحك «ديال بلعاني».
لكن الهمة معذور في خلطه بين حلقة مصطفى العلوي وحلقة في ساحة جامع
الفنا. خصوصا عندما استعان حسن بنعدي بالفئران، بعد أن كان خلال ماضيه
اليساري يستعين بديناصورات الفكر الماوي، لكي يشرح فلسفة حزبه العتيد.
ولكي يوصل حسن بنعدي «الحلقة» إلى مستوى الفرجة القصوى، أو ما يسمى
عند رجال المسرح بـ Le paroxisme، عبر عن إحساس عارم بالشفقة من التقارب
الحاصل اليوم بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية. وسبب شفقته، على
الاتحاد الاشتراكي طبعا لأن العدالة والتنمية لا تستحق منه سوى التشفي، هو
كون هذا التقارب ضد الطبيعة. أي بعبارة أخرى فحسن بنعدي يتهم الاتحاد
الاشتراكي بالشذوذ. السياسي طبعا.
وعندما يتحدث بنعدي عن التقارب ضد الطبيعة بين الإخوة الأعداء في
الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية ، ويجد أن تحالف الاشتراكي اليساري
التقدمي مع الإسلامي اليميني الرجعي اليوم بعد أن كانوا بالأمس يكتفون
بـ«التحالف» على بعضهم البعض في افتتاحيات جرائدهم المتخاصمة، هو ضرب من
الشذوذ السياسي غير المقبول، فإن أستاذ الفلسفة السابق ينسى درسا فلسفيا
مهما يعرفه كل طلبة السنة الأولى في شعبة علم النفس اسمه الإسقاط. أي أن
الأعراض التي يعاني منها المريض النفساني يقوم بإسقاطها على الآخرين كشكل
من أشكال الدفاع عن النفس المريضة بأوهامها وعقدها.
وحسن بنعدي عندما يتحدث عن التحالفات التي تحدث خارج الطبيعة في
الحقل السياسي المغربي، ينسى أن حزبه حقق نجاحا باهرا في تخصص «التحالفات
السياسية» يستحق أن يدرج في أرقى جامعات العلوم السياسية العالمية. ونجح
في إنجاز خوارق سياسية بفئران تجارب منتقاة بعناية من مختبرات حزبية
أصابها الإفلاس. وإذا كان تحالف الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية خارج
الطبيعة، فكيف يشرح لنا اندماج حزب الكولونيل القادري، صنيعة إدريس
البصري، داخل حزب الأصالة والمعاصرة الذي جاء لكي يقطع مع الماضي ويؤسس
لتقاليد ديمقراطية حديثة. وماذا يمكن أن نسمي جلوس الشيوعيين واليساريين
والمعتقلين السابقين إلى جانب اليمينيين والليبراليين والانتهازيين والذين
بدون بوصلة ولا خريطة سياسية. إذا لم يكن اندماج خمسة أحزاب يمينية داخل
حزب يفكر بدماغ مخزني وينطق بلسان يساري ويتحرك بأطراف إدارية، فإننا
نعترف بأننا لم نفهم معنى «الشذوذ السياسي».
لكن يبقى أحسن شيء قاله حسن بنعدي في «الحلقة» هو أن الجميع يتحدث عن
مغرب نافع ومغرب غير نافع، فيما يفضل حسن بنعدي الحديث عن «المغرب
التافه».
وهنا اكتشفت تفاهة «الحلقة» وتفاهة الموضوع المطروح وتفاهة الأسئلة.
لأن الموضوع الحقيقي الذي كان يجب أن يناقش ذلك المساء في قنوات القطب
العمومي السبع هو تحديدا ذلك المغرب التافه الذي يتنفس هذه الأيام تحت
الماء، ويحتضر ببطء.
مدن وقرى ومداشر كاملة تغطيها المياه، وآلاف المواطنين العزل يبيتون
في العراء جوعانين وعطشى عرضة لتيارات البرد في الخلاء. آلاف القطعان من
الماشية جرفتها المياه، وقرى كاملة مسحت من وجه الأرض في الراشيدية
والناظور وميسور وبقية المدن المنكوبة. ورغم كل ذلك يجد التلفزيون الوقت
الكافي للضحك على ذقون المغاربة بحكايات ابن المقفع في طبعته المزيدة
والمنقحة.
إن المطلوب اليوم بعد الفيضانات المهولة التي تعرفها مناطق كثيرة من
المغرب الذي يسميه بنعدي «تافها» هو إعلان حالة الطوارئ وإعلان هذه
المناطق مناطق منكوبة، وإخراج الجيش من ثكناته ونشر وحداته في جميع هذه
المناطق لإغاثة السكان بالمواد الغذائية الضرورية ومساعدتهم في إنقاذ ما
يمكن إنقاذه وإعادة بناء القناطر والطرق المحطمة والبيوت التي جرفتها
المياه.
هذا هو النقاش المهم الذي يجب فتحه اليوم في الإعلام العمومي. وعندما
سننقذ المواطنين العالقين في الجبال وحيواناتهم الغارقة في الأوحال، ونفتح
الطرق المقطوعة ونبني القناطر المحطمة، آنذاك يمكن أن نتحدث عن فئران
بنعدي وقططه السمينة.
أما أن يغض فيصل العرايشي الطرف عن كل هذه الكوارث والنكبات التي
تحل بالمغرب التافه، ويكتفي بالنظر في الوجه العزيز للهمة وأصدقائه،
فالمسكين سيتوحشهم لأنه يجمع حقائبه للذهاب إلى واشنطن، فإن «الحلقة»
تتحول إلى مسخرة لا تضحك أحدا، عدا المصابين بعادة «الضحك بلا سبب».
لذلك فقد كان من الممكن، في إطار حمى الاندماج السائد حاليا، دمج
برنامج «حوار» مع برنامج «كوميديا» الذي سبقه بدقائق قليلة في نفس الأمسية
التلفزيونية، مع تغيير اسم البرنامج لكي يصبح «تراجيكوميدايا». فمكان
بنعدي الحقيقي كان فوق الخشبة أمام «الأستاذ» الخياري. فالأكيد أن حكاية
العميان والفأر كانت ستعجب «الأستاذ» وتؤهل صاحبها للنهائيات.
خلال مروره الأخير في برنامج مصطفى العلوي، فهو نجاحه في الكشف عن قدرة
كبيرة على «التمركيش».
وقد ظهرت هذه القدرات خصوصا عندما وصف كل من يحاولون فهم الأسرار
الخفية وراء إنشاء حزب من طرف صديق الملك، بالأناس الذين أصيبوا بالعمى
مباشرة بعد رؤيتهم للفأر. وهكذا أصبحوا كلما حدثهم أحد عن «مخلوق» جديد لا
يستطيعون تخيله على هيئة شيء آخر غير الفأر.
هذه الحكاية الطريفة، حتى لا نقول السخيفة، تذكرنا بحكاية أخرى
طالعناها في تلاوة «اقرأ» للراحل «بوكماخ» عنوانها «فرفر يعلق الجرس».
وتروي الحكاية قصة مجموعة من الفئران المرعوبة داخل جحورها بسبب قط مفترس
يتهدد حياتها كل يوم ويحرم عليها الخروج للعب أمام الجحور. وهكذا عقدت
الفئران الخائفة على مستقبلها اجتماعا طارئا في برلمانها الداخلي وخرجت
منه بقرار تاريخي يقضي بتعليق جرس في عنق القط، حتى إذا خرج للصيد سمعت
رنين الجرس من بعيد، فيكون باستطاعتها الفرار بجلودها في الوقت المناسب.
المشكلة التي واجهتها الفئران هي في اختيار من سيتطوع لتعليق الجرس.
وهنا ظهرت شخصية «فرفر» المنقذ كبطل قومي لشعب الفئران الخائفة. فغادر
جحره ونزل إلى الساحة وحمل الجرس وترصد القط وقفز فوق ظهره وعلق الجرس حول
رقبته، وعاد سالما لعشيرة القوارض التي ينحدر منها.
ويبدو أن فؤاد عالي الهمة مؤسس الحزب الذي جاء حسن بنعدي يبشر
بتعاليمه الجديدة، يحب عالم الحيوان كثيرا، لذلك اهتزت نظارتاه الطبيتان
وهو يكشف عن أسنانه في ضحكة واسعة بعد سماعه لحسن بنعدي يشبه معارضيه
السياسيين بالعميان الذين لم يسبق لهم أن شاهدوا شيئا آخر في حياتهم غير
الفأر. وبما أن حسن بنعدي معجب بابن المقفع وحكاياته حول الحيوان فقد ضيع
على صديقه فؤاد فرصة الاستشهاد ببيت الشاعر العربي الذي قال في باب
الاستخفاف بضحك البعض «إذا رأيت أنياب الليث بارزة فلا تحسبن أن الليث
يبتسم».
لكن ضحك فؤاد عالي الهمة المستمر في كل مرة تلتقطه كاميرا المخرج،
كان ضحكا أقرب ما يكون من ضحك «البهلان» منه إلى الضحك الذي يخرج من
القلب. وهذا ما يسميه المغاربة بالضحكة «الصفرا»، أو الضحك «ديال بلعاني».
لكن الهمة معذور في خلطه بين حلقة مصطفى العلوي وحلقة في ساحة جامع
الفنا. خصوصا عندما استعان حسن بنعدي بالفئران، بعد أن كان خلال ماضيه
اليساري يستعين بديناصورات الفكر الماوي، لكي يشرح فلسفة حزبه العتيد.
ولكي يوصل حسن بنعدي «الحلقة» إلى مستوى الفرجة القصوى، أو ما يسمى
عند رجال المسرح بـ Le paroxisme، عبر عن إحساس عارم بالشفقة من التقارب
الحاصل اليوم بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية. وسبب شفقته، على
الاتحاد الاشتراكي طبعا لأن العدالة والتنمية لا تستحق منه سوى التشفي، هو
كون هذا التقارب ضد الطبيعة. أي بعبارة أخرى فحسن بنعدي يتهم الاتحاد
الاشتراكي بالشذوذ. السياسي طبعا.
وعندما يتحدث بنعدي عن التقارب ضد الطبيعة بين الإخوة الأعداء في
الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية ، ويجد أن تحالف الاشتراكي اليساري
التقدمي مع الإسلامي اليميني الرجعي اليوم بعد أن كانوا بالأمس يكتفون
بـ«التحالف» على بعضهم البعض في افتتاحيات جرائدهم المتخاصمة، هو ضرب من
الشذوذ السياسي غير المقبول، فإن أستاذ الفلسفة السابق ينسى درسا فلسفيا
مهما يعرفه كل طلبة السنة الأولى في شعبة علم النفس اسمه الإسقاط. أي أن
الأعراض التي يعاني منها المريض النفساني يقوم بإسقاطها على الآخرين كشكل
من أشكال الدفاع عن النفس المريضة بأوهامها وعقدها.
وحسن بنعدي عندما يتحدث عن التحالفات التي تحدث خارج الطبيعة في
الحقل السياسي المغربي، ينسى أن حزبه حقق نجاحا باهرا في تخصص «التحالفات
السياسية» يستحق أن يدرج في أرقى جامعات العلوم السياسية العالمية. ونجح
في إنجاز خوارق سياسية بفئران تجارب منتقاة بعناية من مختبرات حزبية
أصابها الإفلاس. وإذا كان تحالف الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية خارج
الطبيعة، فكيف يشرح لنا اندماج حزب الكولونيل القادري، صنيعة إدريس
البصري، داخل حزب الأصالة والمعاصرة الذي جاء لكي يقطع مع الماضي ويؤسس
لتقاليد ديمقراطية حديثة. وماذا يمكن أن نسمي جلوس الشيوعيين واليساريين
والمعتقلين السابقين إلى جانب اليمينيين والليبراليين والانتهازيين والذين
بدون بوصلة ولا خريطة سياسية. إذا لم يكن اندماج خمسة أحزاب يمينية داخل
حزب يفكر بدماغ مخزني وينطق بلسان يساري ويتحرك بأطراف إدارية، فإننا
نعترف بأننا لم نفهم معنى «الشذوذ السياسي».
لكن يبقى أحسن شيء قاله حسن بنعدي في «الحلقة» هو أن الجميع يتحدث عن
مغرب نافع ومغرب غير نافع، فيما يفضل حسن بنعدي الحديث عن «المغرب
التافه».
وهنا اكتشفت تفاهة «الحلقة» وتفاهة الموضوع المطروح وتفاهة الأسئلة.
لأن الموضوع الحقيقي الذي كان يجب أن يناقش ذلك المساء في قنوات القطب
العمومي السبع هو تحديدا ذلك المغرب التافه الذي يتنفس هذه الأيام تحت
الماء، ويحتضر ببطء.
مدن وقرى ومداشر كاملة تغطيها المياه، وآلاف المواطنين العزل يبيتون
في العراء جوعانين وعطشى عرضة لتيارات البرد في الخلاء. آلاف القطعان من
الماشية جرفتها المياه، وقرى كاملة مسحت من وجه الأرض في الراشيدية
والناظور وميسور وبقية المدن المنكوبة. ورغم كل ذلك يجد التلفزيون الوقت
الكافي للضحك على ذقون المغاربة بحكايات ابن المقفع في طبعته المزيدة
والمنقحة.
إن المطلوب اليوم بعد الفيضانات المهولة التي تعرفها مناطق كثيرة من
المغرب الذي يسميه بنعدي «تافها» هو إعلان حالة الطوارئ وإعلان هذه
المناطق مناطق منكوبة، وإخراج الجيش من ثكناته ونشر وحداته في جميع هذه
المناطق لإغاثة السكان بالمواد الغذائية الضرورية ومساعدتهم في إنقاذ ما
يمكن إنقاذه وإعادة بناء القناطر والطرق المحطمة والبيوت التي جرفتها
المياه.
هذا هو النقاش المهم الذي يجب فتحه اليوم في الإعلام العمومي. وعندما
سننقذ المواطنين العالقين في الجبال وحيواناتهم الغارقة في الأوحال، ونفتح
الطرق المقطوعة ونبني القناطر المحطمة، آنذاك يمكن أن نتحدث عن فئران
بنعدي وقططه السمينة.
أما أن يغض فيصل العرايشي الطرف عن كل هذه الكوارث والنكبات التي
تحل بالمغرب التافه، ويكتفي بالنظر في الوجه العزيز للهمة وأصدقائه،
فالمسكين سيتوحشهم لأنه يجمع حقائبه للذهاب إلى واشنطن، فإن «الحلقة»
تتحول إلى مسخرة لا تضحك أحدا، عدا المصابين بعادة «الضحك بلا سبب».
لذلك فقد كان من الممكن، في إطار حمى الاندماج السائد حاليا، دمج
برنامج «حوار» مع برنامج «كوميديا» الذي سبقه بدقائق قليلة في نفس الأمسية
التلفزيونية، مع تغيير اسم البرنامج لكي يصبح «تراجيكوميدايا». فمكان
بنعدي الحقيقي كان فوق الخشبة أمام «الأستاذ» الخياري. فالأكيد أن حكاية
العميان والفأر كانت ستعجب «الأستاذ» وتؤهل صاحبها للنهائيات.
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
«أخبار الحمقى والمغفلين»
لم تكد تمر عشرون يوما على الحادثة التي يتابع فيها ابن والي كلميم بتهمة
القتل الخطأ والسكر العلني والإفطار في رمضان، بعد اتهامه بصدم رجل شرطة
وقتل مواطن، ها نحن نرى قبل أمس كيف أن شابا لم يتجاوز عمره ستة وعشرين
عاما يجرجر فوق مقدمة سيارته شرطي مرور لأكثر من كيلومتر بعد أن حاول
إيقافه بدون فائدة.
وإلى حدود الساعة لا نعرف ما إذا كان والد الشاب قد أدلى للشرطة
بملف طبي يثبت إصابة ابنه بمرض «الاكتئاب الحاد» أو «الكورساكوف» أو
«الكلاشنكوف». كما لا نعرف ما إذا تحولت «كانيطات» البيرة التي كانت في
سيارته إلى «كانيطات» لبيرة حلال.
وقبل هذه «التجرجيرة»، تعرض رجلا شرطة في مراكش قبل أسبوع لوابل من
الشتائم من طرف أبناء أحد الأثرياء لمجرد أن هذا الأخير مر «طائرا»
بسيارته من أمام الشرطة، فصفر عليه أحدهم لكي يتوقف. لكن السائق واصل
طيرانه وذهب لكي يوصل الفتيات اللواتي كن معه في السيارة، قبل أن يعود
للبوليسيين ويشبعهما شتما وسبا. ولكي يختم مداخلته الشامتة قال لهما «غادي
ندير لدين مكم مدار ليكم اليعقوبي».
وهنا اعتقله الشرطيان وسلماه للدائرة السادسة حيث مكث أربعة وعشرين
ساعة رهن اعتقال من فئة خمس نجوم. وعندما عرض أمام وكيل الملك قرر هذا
الأخير إطلاق سراحه وعدم متابعته لا بتهمة إهانة رجال الأمن ولا بتهمة
السياقة في حالة سكر ولا بتهمة السرعة غير القانونية. ويبدو والله أعلم أن
أحدا من عائلته تطوع ربما وأقنع القضاء بعدم متابعة الولد بسبب حالته
النفسية الصعبة.
فأبناء الأثرياء والذوات و«الألبة» في المغرب أصبحوا كلهم بمجرد ما
يصبحون محل متابعة قضائية مخبولين ومعقدين نفسيين وحمقى يستخرج لهم أولياء
أمورهم فجأة شواهد طبية تعفيهم من تحمل مسؤولية أفعالهم.
وعندما سمعت أن هيئة المحكمة بالدار البيضاء قررت الإفراج عن ابن
الوالي ومتابعته في حالة سراح، وإسقاط المسؤولية المباشرة عنه في كل ما
قام به نظرا لظروفه النفسية المرضية، تذكرت شيخا عجوزا يبلغ من العمر
تسعين عاما اسمه أحمد ناصر وقف أمام هيئة المحكمة في اليوسفية بتهمة إهانة
المقدسات. ورغم أن الرجل تقدم أمام هيئة المحكمة فوق كرسي متحرك، وكان
واضحا من خلال هيئته وطريقة كلامه أنه يدخل في خانة الذين رفع عنهم القلم،
ورغم أن عائلته لديها كل الشواهد الطبية الضرورية التي تثبت اختلال الرجل
العقلي والنفسي، إلا أن هيئة المحكمة أصدرت في حق الرجل المقعد المجنون
والذي شارف على التسعين من عمره، حكما بالسجن النافذ لخمس سنوات كاملة.
ولأن ظروف المعتقل أحمد ناصر الصحية جسميا وعقليا كانت فعلا صعبة،
وتحتاج إلى عناية طبية مركزة وتساهل كبير من طرف العدالة، فقد مات الرجل
في السجن دون أن يظفر بأية معاملة إنسانية تفضيلية كما يتمتع بها أبناء
الذوات والعائلات الكريمة.
والفرق بين هؤلاء الذين لا «تأكل» شواهدهم الطبية أمام القضاء وبين
أولئك الذين «تأكل» شواهدهم الطبية من اليوم الأول للاعتقال، هو الفرق
نفسه الذي يوجد بين مجانين عائلات المزاليط ومجانين عائلات «الألبة».
مع فارق مهم كبير وهو أن عائلات المزاليط أكثر حرصا على سلامة
المجتمع من حماقات ذريتهم، مقارنة بعائلات بعض «الألبة». فرغم الفقر
والحاجة فإن هذه العائلات البسيطة عندما ترى أن أحد أبنائها أو بناتها
أصبح يشكل خطرا على نفسه وعائلته وجيرانه، يأخذونه مباشرة إلى «بويا عمر»
أو أحد أضرحة الأولياء الصالحين الذين يعتقدون بقدرتهم على شفاء الأمراض
النفسية المستعصية، فيربطونه هناك بالسلاسل حتى يعود إلى رشده. فالعائلات
المزلوطة ليست لديها الإمكانيات المادية لإرسال أبنائها المرضى إلى مصحات
متخصصة في سويسرا أو إيطاليا كما تصنع العائلات الميسورة مع أبنائها
المرضى العقليين.
والنقاش الذي أثير هذه الأيام بخصوص المرض النفسي والجريمة في وسائل
الإعلام كان يجب أن يفتح عيون وزارة الصحة على الطريقة المهينة والفظيعة
التي يدبر بها ملايين المغاربة الصحة العقلية والنفسية لأبنائهم. فأغلبهم
بسبب انعدام مؤسسات صحية عمومية متخصصة في العلاج النفسي والعقلي بمدنهم
يلجؤون إلى الأضرحة والأولياء لاعتقال ذريتهم عراة حفاة وفي ظروف صحية
مخجلة. اعتقادا منهم بأن اعتقال أبنائهم بالسلاسل والأقفال الصدئة في تلك
الأماكن المتسخة والمظلمة سيساعدهم على استرجاع قدراتهم العقلية.
والواقع أن هذه الملايين من هذه العائلات الفقيرة تلجأ إلى هذا الحل
لتكلفته البسيطة من جهة، ومن جهة أخرى لاتقاء شر أبنائهم المرضى العقليين.
فاليوم في المغرب أصبحت أغلب العائلات لديها مريض نفسي أو مريضة عقلية
يتعايشون معهم في البيت، ويحسبون لانفعالاتهم ونوازعهم الإجرامية ألف
حساب. والذين يعيشون مع مختل عقلي أو مريض نفسي بالانفصام أو غيره من
الأمراض النفسية الخطيرة، يعرفون أي جحيم هو أن تكون مجبرا طيلة الوقت على
إخفاء سكاكين المطبخ والآلات الحادة في أماكن يصعب على المريض الاهتداء
إليها. في مثل هذه البيوت تنام الأمهات بعين واحدة فقط، ويصبح إخوان
المريض وأخواته مجندين باستمرار تحسبا للطوارئ. فلا أحد يمكن أن يتكهن بما
يدور في ذهن مختل عقلي.
وهذه العائلات البسيطة التي ليس لها مال ولا جاه تلجأ إلى حبس
أبنائها المجانين والمرضى النفسيين في البيوت وأقبية الأولياء حرصا على
تجنيبهم الوقوع في قبضة الأمن والقضاء إذا ما دفعهم جنونهم إلى اقتراف
جرائم أو مخالفات تقع تحت طائلة القانون. فهم يعرفون بحكم التجربة أن
الشواهد الطبية التي سيدلون بها أمام القضاء لتبرئة أبنائهم المرضى لن
تؤخذ بعين الاعتبار. والأمثلة كثيرة في هذا الباب.
فحسب إحصائيات قامت بها إحدى اليوميات بعد نازلة الحكم على الشيخ
التسعيني، فقد حكمت محكمة اليوسفية وحدها ت خلال السنة الماضية على 42
مواطنا بتهمتي إهانة موظف وإهانة المقدسات، منهم سبعة مواطنين توبعوا
بإهانة المقدسات جلهم من فاقدي القدرة على التركيز، ولديهم شواهد تثبت ذلك
من مؤسسات صحية عمومية.
فيبدو والله أعلم أن محاكم المملكة لم تعد تعترف بشواهد «سبيطار
برشيد» أو «سبيطار الغازي»، بل أصبحت تعترف فقط بالشواهد الطبية القادمة
من مستشفيات سويسرية وإيطالية.
نعرف جميعا أن الذين يعيشون في المحنة ليسوا أبناء المصابين بأمراض
نفسية سواء كانوا أثرياء أو مزاليط، وإنما الذين يعيشون في المحنة حقيقة
هم الآباء. ولا أحد منا يتمنى أن يكون في مكان والي كلميم أو عائلة
اليعقوبي أو عائلة مارية بنجلون، لأن كل من جرب العيش مع مريض نفسي تحت
سقف بيت واحد يعرف أي جحيم هو أن ترى ابنك أو ابنتك تتعذب أمامك يوميا دون
أن تستطيع انتشالها من القبو الذي تغرق فيه.
لكن إحساسنا بألم عائلات المرضى النفسانيين لا يجب أن يحجب عنا ألم
العائلات التي تتحمل الخسائر الناتجة عن جنون وحماقات هؤلاء الآخرين. وأنا
هنا أستحضر صورة تلك المرأة التي ترملت في ريعان الشباب بعدما دهس ابن
الوالي زوجها في الطريق، وأستحضر صورة أبنائها الثلاثة اليتامى الذين
كانوا ينتظرون حلوى آخر أيام رمضان، فجاءتهم جثة والدهم ملفوفة في إزار.
إن العدالة الحقيقية هي أن نعطي لكل ذي حق حقه. وأن لا نعتبر حرية البعض أغلى من أرواح الآخرين.
المغاربة يقولون «الروح عزيزة عند الله»، والله تعالى يقول في سورة
المائدة «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا
ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا».
فهلا امتدت يد رحيمة لإحياء تلك الأرملة التي اختطف منها زوجها وأولئك اليتامى الذين قتل الطيش والسرعة أحلامهم البريئة.
رشيد نيني
المساء
19.10.2008
القتل الخطأ والسكر العلني والإفطار في رمضان، بعد اتهامه بصدم رجل شرطة
وقتل مواطن، ها نحن نرى قبل أمس كيف أن شابا لم يتجاوز عمره ستة وعشرين
عاما يجرجر فوق مقدمة سيارته شرطي مرور لأكثر من كيلومتر بعد أن حاول
إيقافه بدون فائدة.
وإلى حدود الساعة لا نعرف ما إذا كان والد الشاب قد أدلى للشرطة
بملف طبي يثبت إصابة ابنه بمرض «الاكتئاب الحاد» أو «الكورساكوف» أو
«الكلاشنكوف». كما لا نعرف ما إذا تحولت «كانيطات» البيرة التي كانت في
سيارته إلى «كانيطات» لبيرة حلال.
وقبل هذه «التجرجيرة»، تعرض رجلا شرطة في مراكش قبل أسبوع لوابل من
الشتائم من طرف أبناء أحد الأثرياء لمجرد أن هذا الأخير مر «طائرا»
بسيارته من أمام الشرطة، فصفر عليه أحدهم لكي يتوقف. لكن السائق واصل
طيرانه وذهب لكي يوصل الفتيات اللواتي كن معه في السيارة، قبل أن يعود
للبوليسيين ويشبعهما شتما وسبا. ولكي يختم مداخلته الشامتة قال لهما «غادي
ندير لدين مكم مدار ليكم اليعقوبي».
وهنا اعتقله الشرطيان وسلماه للدائرة السادسة حيث مكث أربعة وعشرين
ساعة رهن اعتقال من فئة خمس نجوم. وعندما عرض أمام وكيل الملك قرر هذا
الأخير إطلاق سراحه وعدم متابعته لا بتهمة إهانة رجال الأمن ولا بتهمة
السياقة في حالة سكر ولا بتهمة السرعة غير القانونية. ويبدو والله أعلم أن
أحدا من عائلته تطوع ربما وأقنع القضاء بعدم متابعة الولد بسبب حالته
النفسية الصعبة.
فأبناء الأثرياء والذوات و«الألبة» في المغرب أصبحوا كلهم بمجرد ما
يصبحون محل متابعة قضائية مخبولين ومعقدين نفسيين وحمقى يستخرج لهم أولياء
أمورهم فجأة شواهد طبية تعفيهم من تحمل مسؤولية أفعالهم.
وعندما سمعت أن هيئة المحكمة بالدار البيضاء قررت الإفراج عن ابن
الوالي ومتابعته في حالة سراح، وإسقاط المسؤولية المباشرة عنه في كل ما
قام به نظرا لظروفه النفسية المرضية، تذكرت شيخا عجوزا يبلغ من العمر
تسعين عاما اسمه أحمد ناصر وقف أمام هيئة المحكمة في اليوسفية بتهمة إهانة
المقدسات. ورغم أن الرجل تقدم أمام هيئة المحكمة فوق كرسي متحرك، وكان
واضحا من خلال هيئته وطريقة كلامه أنه يدخل في خانة الذين رفع عنهم القلم،
ورغم أن عائلته لديها كل الشواهد الطبية الضرورية التي تثبت اختلال الرجل
العقلي والنفسي، إلا أن هيئة المحكمة أصدرت في حق الرجل المقعد المجنون
والذي شارف على التسعين من عمره، حكما بالسجن النافذ لخمس سنوات كاملة.
ولأن ظروف المعتقل أحمد ناصر الصحية جسميا وعقليا كانت فعلا صعبة،
وتحتاج إلى عناية طبية مركزة وتساهل كبير من طرف العدالة، فقد مات الرجل
في السجن دون أن يظفر بأية معاملة إنسانية تفضيلية كما يتمتع بها أبناء
الذوات والعائلات الكريمة.
والفرق بين هؤلاء الذين لا «تأكل» شواهدهم الطبية أمام القضاء وبين
أولئك الذين «تأكل» شواهدهم الطبية من اليوم الأول للاعتقال، هو الفرق
نفسه الذي يوجد بين مجانين عائلات المزاليط ومجانين عائلات «الألبة».
مع فارق مهم كبير وهو أن عائلات المزاليط أكثر حرصا على سلامة
المجتمع من حماقات ذريتهم، مقارنة بعائلات بعض «الألبة». فرغم الفقر
والحاجة فإن هذه العائلات البسيطة عندما ترى أن أحد أبنائها أو بناتها
أصبح يشكل خطرا على نفسه وعائلته وجيرانه، يأخذونه مباشرة إلى «بويا عمر»
أو أحد أضرحة الأولياء الصالحين الذين يعتقدون بقدرتهم على شفاء الأمراض
النفسية المستعصية، فيربطونه هناك بالسلاسل حتى يعود إلى رشده. فالعائلات
المزلوطة ليست لديها الإمكانيات المادية لإرسال أبنائها المرضى إلى مصحات
متخصصة في سويسرا أو إيطاليا كما تصنع العائلات الميسورة مع أبنائها
المرضى العقليين.
والنقاش الذي أثير هذه الأيام بخصوص المرض النفسي والجريمة في وسائل
الإعلام كان يجب أن يفتح عيون وزارة الصحة على الطريقة المهينة والفظيعة
التي يدبر بها ملايين المغاربة الصحة العقلية والنفسية لأبنائهم. فأغلبهم
بسبب انعدام مؤسسات صحية عمومية متخصصة في العلاج النفسي والعقلي بمدنهم
يلجؤون إلى الأضرحة والأولياء لاعتقال ذريتهم عراة حفاة وفي ظروف صحية
مخجلة. اعتقادا منهم بأن اعتقال أبنائهم بالسلاسل والأقفال الصدئة في تلك
الأماكن المتسخة والمظلمة سيساعدهم على استرجاع قدراتهم العقلية.
والواقع أن هذه الملايين من هذه العائلات الفقيرة تلجأ إلى هذا الحل
لتكلفته البسيطة من جهة، ومن جهة أخرى لاتقاء شر أبنائهم المرضى العقليين.
فاليوم في المغرب أصبحت أغلب العائلات لديها مريض نفسي أو مريضة عقلية
يتعايشون معهم في البيت، ويحسبون لانفعالاتهم ونوازعهم الإجرامية ألف
حساب. والذين يعيشون مع مختل عقلي أو مريض نفسي بالانفصام أو غيره من
الأمراض النفسية الخطيرة، يعرفون أي جحيم هو أن تكون مجبرا طيلة الوقت على
إخفاء سكاكين المطبخ والآلات الحادة في أماكن يصعب على المريض الاهتداء
إليها. في مثل هذه البيوت تنام الأمهات بعين واحدة فقط، ويصبح إخوان
المريض وأخواته مجندين باستمرار تحسبا للطوارئ. فلا أحد يمكن أن يتكهن بما
يدور في ذهن مختل عقلي.
وهذه العائلات البسيطة التي ليس لها مال ولا جاه تلجأ إلى حبس
أبنائها المجانين والمرضى النفسيين في البيوت وأقبية الأولياء حرصا على
تجنيبهم الوقوع في قبضة الأمن والقضاء إذا ما دفعهم جنونهم إلى اقتراف
جرائم أو مخالفات تقع تحت طائلة القانون. فهم يعرفون بحكم التجربة أن
الشواهد الطبية التي سيدلون بها أمام القضاء لتبرئة أبنائهم المرضى لن
تؤخذ بعين الاعتبار. والأمثلة كثيرة في هذا الباب.
فحسب إحصائيات قامت بها إحدى اليوميات بعد نازلة الحكم على الشيخ
التسعيني، فقد حكمت محكمة اليوسفية وحدها ت خلال السنة الماضية على 42
مواطنا بتهمتي إهانة موظف وإهانة المقدسات، منهم سبعة مواطنين توبعوا
بإهانة المقدسات جلهم من فاقدي القدرة على التركيز، ولديهم شواهد تثبت ذلك
من مؤسسات صحية عمومية.
فيبدو والله أعلم أن محاكم المملكة لم تعد تعترف بشواهد «سبيطار
برشيد» أو «سبيطار الغازي»، بل أصبحت تعترف فقط بالشواهد الطبية القادمة
من مستشفيات سويسرية وإيطالية.
نعرف جميعا أن الذين يعيشون في المحنة ليسوا أبناء المصابين بأمراض
نفسية سواء كانوا أثرياء أو مزاليط، وإنما الذين يعيشون في المحنة حقيقة
هم الآباء. ولا أحد منا يتمنى أن يكون في مكان والي كلميم أو عائلة
اليعقوبي أو عائلة مارية بنجلون، لأن كل من جرب العيش مع مريض نفسي تحت
سقف بيت واحد يعرف أي جحيم هو أن ترى ابنك أو ابنتك تتعذب أمامك يوميا دون
أن تستطيع انتشالها من القبو الذي تغرق فيه.
لكن إحساسنا بألم عائلات المرضى النفسانيين لا يجب أن يحجب عنا ألم
العائلات التي تتحمل الخسائر الناتجة عن جنون وحماقات هؤلاء الآخرين. وأنا
هنا أستحضر صورة تلك المرأة التي ترملت في ريعان الشباب بعدما دهس ابن
الوالي زوجها في الطريق، وأستحضر صورة أبنائها الثلاثة اليتامى الذين
كانوا ينتظرون حلوى آخر أيام رمضان، فجاءتهم جثة والدهم ملفوفة في إزار.
إن العدالة الحقيقية هي أن نعطي لكل ذي حق حقه. وأن لا نعتبر حرية البعض أغلى من أرواح الآخرين.
المغاربة يقولون «الروح عزيزة عند الله»، والله تعالى يقول في سورة
المائدة «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا
ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا».
فهلا امتدت يد رحيمة لإحياء تلك الأرملة التي اختطف منها زوجها وأولئك اليتامى الذين قتل الطيش والسرعة أحلامهم البريئة.
رشيد نيني
المساء
19.10.2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
شرح الواضحات/رشيد نيني/المساء/22.10.2008
قبل سنة تابع العالم بأسره قضية الثرية الشهيرة باريس هلتون، التي أرسلها
أحد القضاة الأمريكيين إلى السجن بتهمة السياقة في حالة سكر. ولم يشفع لها
كونها وريثة إحدى أكبر سلسلة فنادق في العالم، أحدها فندق هيلتون بالرباط
الذي اشترت شركة «غيسما» التي يملك فيها عادل الدويري وزير السياحة
الاستقلالي السابق أسهما، بعد بيعه لأسهمه في شركة «س.إل.جي» بحوالي تسع
مليارات سنتيم.
ورغما عن أنف البنت المدللة وأنف أبيها الثري دخلت باريس هيلتون
السجن، وأمضت العقوبة التي حكم بها عليها القضاء. وكذلك وقع مع «هيدير
لوكير»، نجمة «سانتا باربارا»، التي أوقفتها الشرطة الأمريكية في 27
سبتمبر الماضي وسحبت منها رخصتها بتهمة السياقة في حالة تخدير. فتم
اعتقالها ولم يطلق سراحها إلا بعد دفعها لكفالة مالية قدرها 5000 دولار.
أما المغنية الأكثر شهرة في عالم «البوب» بريتني سبيرز فقد سحبت
منها المحكمة رخصتها بعد ضبطها تقود سيارتها في حالة سكر. ولم تكتف
المحكمة بسحب رخصتها فقط، بل بسحب حضانة أبنائها، بسبب عربدتها الدائمة.
وتنتظرها محاكمة قاسية بسبب قيادتها لسيارتها بدون رخصة، وصدمها لسيارة
إحدى المواطنات، والتي تابعت نجمة البوب أمام القضاء بتهمة الاعتداء على
سيارة الغير والهروب من مكان الحادث. فكاميرا «الباركينغ» (كما حدث في
باركينغ أونفيتريت صورت كل شيء، وهذا ما دفع محاميها إلى البحث عن صيغة
لتعويض المواطنة صاحبة الشكوى ماليا، خوفا من تشدد القضاة وصرامتهم في
إصدار الحكم ضد «بريتني سبيرز»، والذي قد ينتهي بها في السجن هذه المرة.
كل هؤلاء النجوم الأثرياء والمشاهير الذين تم اعتقالهم ومحاكمتهم
وسجنهم لم يرتكبوا جريمة القتل بسياراتهم أو جريمة الاعتداء على رجال
الأمن بالسلاح أو بجرجرتهم بسياراتهم لمسافات قبل رميهم كأي قط متشرد.
بل جريمتهم الوحيدة هي سياقتهم لسياراتهم في حالة سكر أو تخدير. ومع
أن بعضهن لديهن معاناة معروفة مع الأدوية المهدئة والعصبية بسبب حالاتهن
النفسية، إلا أن القضاء يتابعهن ويسحب منهن رخص سياقتهن.
أما عندنا في المغرب فقد أصبح أبناء المسؤولين والأثرياء وبعض
البرلمانيين يرتكبون جرائم قتل وجرح في حق المواطنين ورجال الأمن، لكن إلى
حدود اليوم لم نسمع أن أحدهم سحبت منه المحكمة رخصة السياقة إلى الأبد.
وبالمقابل تصدر المحكمة أحكاما بعدم متابعة المعنيين بالأمر بسبب ثبوت
انعدام المسؤولية الجنائية فيما اقترفوه، نظرا لحالتهم النفسية والعصبية
المرضية. وكأن الحالة الصحية النفسية الصعبة لهؤلاء المرضى تؤهلهم
لاستعمال سياراتهم بمجرد ما تطوى ملفات قضاياهم في المحاكم، إن هي عرضت
عليها أصلا.
إلى حدود اليوم لم نسمع مثلا أن هيئة المهندسين، وهي بمثابة مجلس
حكماء المهنة، أصدرت بلاغا تخبر فيه الرأي العام بفتحها لتحقيق داخلي حول
إمكانية سحب رخصة مزاولة الأعمال الهندسية من المهندس ابن الوالي، نظرا
لعدم أهليته العقلية لممارسة هذه المهنة التي تتطلب تركيزا عقليا دقيقا
أكثر من غيرها.
وما يثير الاستغراب في دفاع ابن الوالي هو أن مرافعته أشارت إلى
كلمة العقل في معرض تبريرها لاستعمال ابن الوالي لطريق دون أخرى، حتى يثبت
الدفاع براءة ابن الوالي من القتل، وتقييد الحادث ضد مجهول. وقال الدفاع
في تقريره المرفوع إلى جهات عليا بأنه «لا يعقل أن يترك ابن الوالي الطريق
السهل عبر أزمور، ويسلك الطريق الصعب البعيد عبر طريق الجديدة».
وهنا نكتشف أن كاتب التقرير يتذرع بالعقل لكي يبرر براءة المتهم من
القتل، في الوقت الذي يتذرع نفس كاتب التقرير باختلال العقل لكي يبرر عدم
مسؤولية المتهم الجنائية عن الحادث برمته.
ولماذا يا ترى «لا يعقل أن يترك ابن الوالي الطريق السهل عبر أزمور
ويسلك الطريق الصعب عبر طريق الجديدة»، ما دام ابن الوالي يعاني من
اضطرابات عقلية تجعله غير مسؤول عن تصرفاته، وربما تدفعه إلى تفضيل الطريق
الصعب على الطريق السهل. «ياك كلتو الولد مشاربش عقلو».
عندما تستند مرافعة الدفاع على غياب العقل في ملف ابن الوالي، فإنه
من غير المقبول أن يستند هذا الدفاع على العقل والمنطق لتبرير تصرفات
المتهم. لأن هذا سيكون متناقضا وسينسف فرضية البراءة برمتها.
والغريب في التقرير الذي أعده الدفاع للجهات العليا أنه يبرر براءة
ابن الوالي من دم المواطن المقتول على الطريق، بكون هذا الخير تناول
الفطور الرمضاني في بيت المخرج السينمائي سعد الشرايبي. بينما تقرير الدرك
الملكي يقول بأن ابن الوالي ضبط في حالة غير طبيعية. يعني سكران. فهل هي
كثرة «القزبر» في «الحريرة» هي التي أسكرت المهندس يا ترى.
أما المجانين الحقيقيون الذين لديهم «الكواغط» التي تثبت ذلك من
مستشفيات الدولة، فإن عظامهم ترشى في السجون، وليس هناك من يعد تقريرا
مفصلا كتقرير ابن الوالي، لإرساله إلى الجهات العليا. أحد هؤلاء المساجين
بسجن مكناس قبل سنتين أقدم على قطع قضيبه في لحظة جنون، بعد أن تخيل ملاكا
وقف عليه في الليل وطلب منه التخلي عن عضوه التناسلي لكي يصبح واحدا من
الأولياء الصالحين. ومع ذلك لم تتحرك إدارة السجون لفتح تحقيق حول عدد
المجانين الذين يوجدون لديها في السجون. وكأنها تقول لهم «تما تبقاو،
والله وخا تقطعو ريوسكم ماشي غير...».
ومن هؤلاء المجانين السجناء من يضع حدا لحياته، كذلك الجندي السابق
في الحرس الملكي، محمد عزام، الذي انتحر مؤخرا داخل سجن أوطيطة الفظيع
بسيدي قاسم. والذي اعتقل وسجن رغم أن عائلته أدلت للمحكمة بما يفيد أنه
كان يتلقى العلاج النفسي طيلة إحدى عشرة سنة بعد فصله من العمل في صفوف
الحرس الملكي للأسباب ذاتها. وحتى عندما كان محمد عزام مسجونا في سلا، فقد
ظل يتلقى العلاج في مستشفى الرازي للأمراض العقلية. لكن يبدو أن بعض
المحاكم المغربية لا تعترف لا بالشواهد الطبية التي تعطيها المستشفيات
المدنية ولا تلك التي تعطيها المستشفيات العسكرية. والدليل على ذلك هو رفض
المحكمة قبول الشهادتين الطبيتين اللتين أدلى بهما دفاع الكولونيل المتهم
في ملف تسريب الوثائق العسكرية لجريدة «الوطن»، رغم أن الوثيقتين
الصادرتين عن المستشفى العسكري بالرباط تثبت إصابة الكولونيل باختلالات
عقلية ونفسية، جعلته يعترف أمام القاضي ببرودة دم غريبة بأنه سرب الوثائق
للصحافة. والمنطقي عندما ترفض المحكمة قبول الشواهد الطبية الصادرة عن
مؤسسة ذات سيادة كالمستشفى العسكري، بسبب شكها في مصداقيتها، فإن أبسط شيء
يجب أن تأمر به المحكمة هو فتح تحقيق مع الجهات التي أصدرت هذه الشواهد.
فإما أن الشواهد الطبية حقيقية وعلى المحكمة الأخذ بها، وإما أنها مزورة
وعلى المحكمة العسكرية في هذه الحالة مصادرتها ومتابعة الجهة التي أصدرتها
بتهمة تزوير وثائق طبية عسكرية.
ويبدو أن المحكمة العسكرية لديها أولويات نجهلها نحن المدنيون
البسطاء. فقد قررت المحكمة مؤخرا أن تتابع كولونيلا بتهمة النصب والارتشاء
واستغلال النفوذ، بعد تورطه في وساطة لتوظيف الراغبين في العمل داخل الدرك
والجيش والأمن، في الوقت الذي غضت الطرف عن الكولونيل التريكي، صهر
الجنرال حسني بنسليمان، بعد تورطه الصيف الماضي في فضيحة تزوير محضر الدرك
بخصوص صاحب سيارة «الجاغوار» الذي قتل حارس أمن فندق «أونفيتريت»
بالصخيرات.
فما هو الأخطر يا قضاتنا الأجلاء، جريمة التزوير في محضر رسمي لإخفاء معالم جريمة قتل، أو النصب على مواطنين من أجل سرقة أموالهم.
لا يحتاج هذا السؤال إلى جواب، لأن شرح الواضحات من المفضحات. وما
نراه اليوم يكشف لنا حقيقة ساطعة لا غبار عليها، وهي أنه إذا كان المدنيون
ليسوا كلهم سواسية أمام القانون المدني، فإن العسكريين أيضا ليسوا سواسية
أمام القانون العسكري.
ويبدو أن هذه هي المساواة. على الطريقة المغربية طبعا.
أحد القضاة الأمريكيين إلى السجن بتهمة السياقة في حالة سكر. ولم يشفع لها
كونها وريثة إحدى أكبر سلسلة فنادق في العالم، أحدها فندق هيلتون بالرباط
الذي اشترت شركة «غيسما» التي يملك فيها عادل الدويري وزير السياحة
الاستقلالي السابق أسهما، بعد بيعه لأسهمه في شركة «س.إل.جي» بحوالي تسع
مليارات سنتيم.
ورغما عن أنف البنت المدللة وأنف أبيها الثري دخلت باريس هيلتون
السجن، وأمضت العقوبة التي حكم بها عليها القضاء. وكذلك وقع مع «هيدير
لوكير»، نجمة «سانتا باربارا»، التي أوقفتها الشرطة الأمريكية في 27
سبتمبر الماضي وسحبت منها رخصتها بتهمة السياقة في حالة تخدير. فتم
اعتقالها ولم يطلق سراحها إلا بعد دفعها لكفالة مالية قدرها 5000 دولار.
أما المغنية الأكثر شهرة في عالم «البوب» بريتني سبيرز فقد سحبت
منها المحكمة رخصتها بعد ضبطها تقود سيارتها في حالة سكر. ولم تكتف
المحكمة بسحب رخصتها فقط، بل بسحب حضانة أبنائها، بسبب عربدتها الدائمة.
وتنتظرها محاكمة قاسية بسبب قيادتها لسيارتها بدون رخصة، وصدمها لسيارة
إحدى المواطنات، والتي تابعت نجمة البوب أمام القضاء بتهمة الاعتداء على
سيارة الغير والهروب من مكان الحادث. فكاميرا «الباركينغ» (كما حدث في
باركينغ أونفيتريت صورت كل شيء، وهذا ما دفع محاميها إلى البحث عن صيغة
لتعويض المواطنة صاحبة الشكوى ماليا، خوفا من تشدد القضاة وصرامتهم في
إصدار الحكم ضد «بريتني سبيرز»، والذي قد ينتهي بها في السجن هذه المرة.
كل هؤلاء النجوم الأثرياء والمشاهير الذين تم اعتقالهم ومحاكمتهم
وسجنهم لم يرتكبوا جريمة القتل بسياراتهم أو جريمة الاعتداء على رجال
الأمن بالسلاح أو بجرجرتهم بسياراتهم لمسافات قبل رميهم كأي قط متشرد.
بل جريمتهم الوحيدة هي سياقتهم لسياراتهم في حالة سكر أو تخدير. ومع
أن بعضهن لديهن معاناة معروفة مع الأدوية المهدئة والعصبية بسبب حالاتهن
النفسية، إلا أن القضاء يتابعهن ويسحب منهن رخص سياقتهن.
أما عندنا في المغرب فقد أصبح أبناء المسؤولين والأثرياء وبعض
البرلمانيين يرتكبون جرائم قتل وجرح في حق المواطنين ورجال الأمن، لكن إلى
حدود اليوم لم نسمع أن أحدهم سحبت منه المحكمة رخصة السياقة إلى الأبد.
وبالمقابل تصدر المحكمة أحكاما بعدم متابعة المعنيين بالأمر بسبب ثبوت
انعدام المسؤولية الجنائية فيما اقترفوه، نظرا لحالتهم النفسية والعصبية
المرضية. وكأن الحالة الصحية النفسية الصعبة لهؤلاء المرضى تؤهلهم
لاستعمال سياراتهم بمجرد ما تطوى ملفات قضاياهم في المحاكم، إن هي عرضت
عليها أصلا.
إلى حدود اليوم لم نسمع مثلا أن هيئة المهندسين، وهي بمثابة مجلس
حكماء المهنة، أصدرت بلاغا تخبر فيه الرأي العام بفتحها لتحقيق داخلي حول
إمكانية سحب رخصة مزاولة الأعمال الهندسية من المهندس ابن الوالي، نظرا
لعدم أهليته العقلية لممارسة هذه المهنة التي تتطلب تركيزا عقليا دقيقا
أكثر من غيرها.
وما يثير الاستغراب في دفاع ابن الوالي هو أن مرافعته أشارت إلى
كلمة العقل في معرض تبريرها لاستعمال ابن الوالي لطريق دون أخرى، حتى يثبت
الدفاع براءة ابن الوالي من القتل، وتقييد الحادث ضد مجهول. وقال الدفاع
في تقريره المرفوع إلى جهات عليا بأنه «لا يعقل أن يترك ابن الوالي الطريق
السهل عبر أزمور، ويسلك الطريق الصعب البعيد عبر طريق الجديدة».
وهنا نكتشف أن كاتب التقرير يتذرع بالعقل لكي يبرر براءة المتهم من
القتل، في الوقت الذي يتذرع نفس كاتب التقرير باختلال العقل لكي يبرر عدم
مسؤولية المتهم الجنائية عن الحادث برمته.
ولماذا يا ترى «لا يعقل أن يترك ابن الوالي الطريق السهل عبر أزمور
ويسلك الطريق الصعب عبر طريق الجديدة»، ما دام ابن الوالي يعاني من
اضطرابات عقلية تجعله غير مسؤول عن تصرفاته، وربما تدفعه إلى تفضيل الطريق
الصعب على الطريق السهل. «ياك كلتو الولد مشاربش عقلو».
عندما تستند مرافعة الدفاع على غياب العقل في ملف ابن الوالي، فإنه
من غير المقبول أن يستند هذا الدفاع على العقل والمنطق لتبرير تصرفات
المتهم. لأن هذا سيكون متناقضا وسينسف فرضية البراءة برمتها.
والغريب في التقرير الذي أعده الدفاع للجهات العليا أنه يبرر براءة
ابن الوالي من دم المواطن المقتول على الطريق، بكون هذا الخير تناول
الفطور الرمضاني في بيت المخرج السينمائي سعد الشرايبي. بينما تقرير الدرك
الملكي يقول بأن ابن الوالي ضبط في حالة غير طبيعية. يعني سكران. فهل هي
كثرة «القزبر» في «الحريرة» هي التي أسكرت المهندس يا ترى.
أما المجانين الحقيقيون الذين لديهم «الكواغط» التي تثبت ذلك من
مستشفيات الدولة، فإن عظامهم ترشى في السجون، وليس هناك من يعد تقريرا
مفصلا كتقرير ابن الوالي، لإرساله إلى الجهات العليا. أحد هؤلاء المساجين
بسجن مكناس قبل سنتين أقدم على قطع قضيبه في لحظة جنون، بعد أن تخيل ملاكا
وقف عليه في الليل وطلب منه التخلي عن عضوه التناسلي لكي يصبح واحدا من
الأولياء الصالحين. ومع ذلك لم تتحرك إدارة السجون لفتح تحقيق حول عدد
المجانين الذين يوجدون لديها في السجون. وكأنها تقول لهم «تما تبقاو،
والله وخا تقطعو ريوسكم ماشي غير...».
ومن هؤلاء المجانين السجناء من يضع حدا لحياته، كذلك الجندي السابق
في الحرس الملكي، محمد عزام، الذي انتحر مؤخرا داخل سجن أوطيطة الفظيع
بسيدي قاسم. والذي اعتقل وسجن رغم أن عائلته أدلت للمحكمة بما يفيد أنه
كان يتلقى العلاج النفسي طيلة إحدى عشرة سنة بعد فصله من العمل في صفوف
الحرس الملكي للأسباب ذاتها. وحتى عندما كان محمد عزام مسجونا في سلا، فقد
ظل يتلقى العلاج في مستشفى الرازي للأمراض العقلية. لكن يبدو أن بعض
المحاكم المغربية لا تعترف لا بالشواهد الطبية التي تعطيها المستشفيات
المدنية ولا تلك التي تعطيها المستشفيات العسكرية. والدليل على ذلك هو رفض
المحكمة قبول الشهادتين الطبيتين اللتين أدلى بهما دفاع الكولونيل المتهم
في ملف تسريب الوثائق العسكرية لجريدة «الوطن»، رغم أن الوثيقتين
الصادرتين عن المستشفى العسكري بالرباط تثبت إصابة الكولونيل باختلالات
عقلية ونفسية، جعلته يعترف أمام القاضي ببرودة دم غريبة بأنه سرب الوثائق
للصحافة. والمنطقي عندما ترفض المحكمة قبول الشواهد الطبية الصادرة عن
مؤسسة ذات سيادة كالمستشفى العسكري، بسبب شكها في مصداقيتها، فإن أبسط شيء
يجب أن تأمر به المحكمة هو فتح تحقيق مع الجهات التي أصدرت هذه الشواهد.
فإما أن الشواهد الطبية حقيقية وعلى المحكمة الأخذ بها، وإما أنها مزورة
وعلى المحكمة العسكرية في هذه الحالة مصادرتها ومتابعة الجهة التي أصدرتها
بتهمة تزوير وثائق طبية عسكرية.
ويبدو أن المحكمة العسكرية لديها أولويات نجهلها نحن المدنيون
البسطاء. فقد قررت المحكمة مؤخرا أن تتابع كولونيلا بتهمة النصب والارتشاء
واستغلال النفوذ، بعد تورطه في وساطة لتوظيف الراغبين في العمل داخل الدرك
والجيش والأمن، في الوقت الذي غضت الطرف عن الكولونيل التريكي، صهر
الجنرال حسني بنسليمان، بعد تورطه الصيف الماضي في فضيحة تزوير محضر الدرك
بخصوص صاحب سيارة «الجاغوار» الذي قتل حارس أمن فندق «أونفيتريت»
بالصخيرات.
فما هو الأخطر يا قضاتنا الأجلاء، جريمة التزوير في محضر رسمي لإخفاء معالم جريمة قتل، أو النصب على مواطنين من أجل سرقة أموالهم.
لا يحتاج هذا السؤال إلى جواب، لأن شرح الواضحات من المفضحات. وما
نراه اليوم يكشف لنا حقيقة ساطعة لا غبار عليها، وهي أنه إذا كان المدنيون
ليسوا كلهم سواسية أمام القانون المدني، فإن العسكريين أيضا ليسوا سواسية
أمام القانون العسكري.
ويبدو أن هذه هي المساواة. على الطريقة المغربية طبعا.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: شوف تشوف
الســـــــــــــــلام عليكــــــــم ورحمــة الله تعــــــــالــــى وبـــركــــــــاته
مــــــا دمــــت فـــــــي المغــــــرب فــــــلا تستغـــــرب وتــوقـــــــــع أكثــــــــر مـــــــن ذلـــــــــــــــك...
مــــــا دمــــت فـــــــي المغــــــرب فــــــلا تستغـــــرب وتــوقـــــــــع أكثــــــــر مـــــــن ذلـــــــــــــــك...
رد: شوف تشوف
وشوف وشوف !!!
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
من الخيمة خارج مايل/رشيد نيني /المساء/24.10.2008
كان ضروريا أن تغرق الدار البيضاء ومراكش وغيرها من المدن لكي تتذكر شركات
التدبير المفوض شيئا اسمه تطهير القنوات. وهي عملية روتينية تقوم بها هذه
الشركات في الدول التي تحترم مواطنيها مع نهاية الصيف وبداية أولى قطرات
فصل الخريف. لكنهم عندنا يتذكرونها فقط عندما تهطل الأمطار وتحول الشوارع
إلى برك والأنفاق إلى مسابح، كما حدث في نفق مسجد الحسن الثاني الذي كان
يلزمك أمس غواصة لعبوره وليس سيارة.
عندما ترى عمال البلدية يزفتون شارعا أو ممرا، فكن على يقين أنهم
سيعودون بعد أسبوع لينبشوا الزفت ويحفروا بحثا عن مكان لأسلاك الكهرباء
التي نسوا وضعها في الأول. وبمجرد ما سيردم عمال الكهرباء التراب، طبعا مع
تعويض الزفت بالتوفنة، ووضع ميزانية الزفت في جيب أحدهم، سيرجع بعد أسبوع
عمال شبكة الهاتف لكي ينبشوا التوفنة بحثا عن مكان يضعون فيه أسلاكهم، لأن
مهندسي البلدية عندما هندسوا الطريق لم يضعوا شبكة الهاتف في حسابهم.
وهكذا تتعرض الطريق المزفتة حديثا إلى عمليات حفر متتالية، كل شركة تأتي
لكي تحفر «جطها» وتضع أسلاكها على انفراد. ولهذا تجدون أن أغلب طرق
المملكة وأرصفتها محفرة بسبب هذه النزعة «البوجعرانية»، نسبة إلى
«بوجعران» وهواية الحفر التي يتمتع بها.
وليست الطرق وحدها التي تتعرض للخدمة «المعاودة» وإنما حتى المشاريع
العمومية الكبرى. وقد اعترف عبد الحنين بنعلو مدير المكتب الوطني للمطارات
في حوار أجريناه معه بأن سبب القطرة في المطار هو أشغال تثبيت الرادارات
التي قام بها تقنيون بعد انتهاء أشغال بناء المطار التي أنجزتها شركة «إس
جي تي إم» لصاحبها القباج، أخ الجنرال القباج بالمناسبة. مع أن القطرة
نفسها نزلت في مطار مراكش ولم تكن هناك أشغال لتثبيت الرادارات أو غيرها.
وفوق كل ذلك يرسل بنعلو إلى وزير التجهيز رسالة يطلب فيها التكفل ببناء
مطارات عسكرية. (طفروه حتى في المدني بقاليهم غير العسكري).
ما وقع في الدار البيضاء وغيرها من المدن الغارقة لا يعري فقط الغش
في الأوراش العمومية، ولكن أيضا يكشف عن نظرية مغربية قديمة في تدبير
الشأن العمومي، وهي نظرية «وضع العربة أمام الحصان». وإذا كان هناك
مسؤولون بلديون يبددون المال العام في الحفر المستمر، بسبب عدم قدرتهم على
تكوين تصور شمولي للمشاريع التي يسهرون على تطبيقها، فإن هناك وزراء
عباقرة يصرفون الميزانيات الضخمة لإنجاز مشاريع يهللون لها في جرائدهم
الحزبية، وفي الأخير عندما يشترون المعدات والآليات بالملايير يكتشفون
أنهم نسوا وضع القوانين التي ستشتغل بها هذه المعدات والآليات. أي أنهم
كما يقول المغاربة «يسبقون العصا قبل الغنم». و«أحسن» من يطبق هذه النظرية
في الحكومة اليوم هو كريم غلاب وزير التجهيز.
فالرجل ذهب إلى السويد وجلب مدونة للسير لازالت رغم كل الوقت الذي
مر على استيرادها لم تجتز عتبة البرلمان. ورغم ذلك بدأ وزير التجهيز في
تطبيق بنودها عندما عقد صفقة مع إحدى الشركات واشترى كاميرات لمراقبة
السرعة وغرسها في مداخل المدن وتركها تصدأ على مهل دون أن تشتغل. ولو أنه
ترك الكاميرات تصدأ وترك معها «طرانكيل» ميزانية الوزارة لقلنا «مكاين
باس، مكتوب الله وكايتصرف علينا»، لكن أن ينشر سعادة الوزير إعلانا في
الجرائد يطلب فيه من الشركات إمداده بطلبات عروض لاقتناء «بياسات دوبلفي»
لتعويض تلك «بياسات» المعطلة في الكاميرات التي لم تشتغل قط. فهل رأى
أحدكم آلة لم تشتغل من قبل يبحث لها صاحبها عن «بياسات» جديدة لتعويض
«بياساتها» القديمة لأنها غير صالحة للاستعمال. شخصيا لم أسمع بهذا من
قبل. سمعت بمسؤولين يصرفون الميزانيات لتغيير «البياسات» رغم أنها تشتغل،
بهدف توفير مصروف «الجيب»، لكن هذه أول مرة أسمع بمسؤول يريد تغيير
«بياسات» آلات رغم أن هذه الآلات لم تشتغل قط.
أما آخر عبقريات كريم غلاب فهي إصداره للبطاقات الرمادية ورخصة
السياقة الممغنطة الجديدة، وتوزيعها على المواطنين، دون أن يفكر سعادة
الوزير في توفير آلات «الترمينال» التي يستعملها رجال الشرطة في قراءة هذه
البطائق الممغنطة. ولم يراود خيال وزير النقل للحظة واحدة أن البطاقات
التي كلف شركة خاصة بإنجازها تلزمها آلات لقراءة معطياتها، إلا بعد وصول
البطاقات الممغنطة إلى مستعملي الطريق. وهاهو اليوم يكتشف «خفته» ويعلن عن
طلب عروض عمومي لاقتناء آلات «الترمينال». وبانتظار أن ترسو الصفقة على
أحدهم، يلزم الشرقي أضريص مدير الأمن الوطني أن يطالب وزير التجهيز بتمويل
حملة طبية لمراجعة النظر لدى شرطة المرور. فبسبب صغر الحروف التي كتبت بها
المعلومات الشخصية للسائقين فوق البطائق الممغنطة، أصبح أغلب رجال الشرطة
محتاجين إلى نظارات طبية لتهجي حروفها كلما أوقفوا سائقا من ذوي البطاقات
الممغنطة.
وبالإضافة إلى خروج كريم غلاب على نظر شرطة المرور، ببطاقاته
الممغنطة، خرج أيضا على رزق أولئك العمال البسطاء الذين يغلفون بالبلاستيك
رخص السياقة ويسترزقون الله في بيع تلك «البزاطم» التي تحفظها من التلف.
وهكذا عوض أن يوفر غلاب على الدولة مصاريف إضافية بمشروعه العبقري، هاهو
يساهم في تبديد المزيد من الأموال العمومية والقضاء على فرص الشغل والتسبب
في انقراض مهن يأكل منها مئات المواطنين الخبز.
وليس وزير النقل والتجهيز وحده من «يسبق العصا قبل الغنم»، ويصدر
البطائق الممغنطة حتى قبل اقتناء الآلات لقراءتها، بل حتى وزير الداخلية
الذي ورث مشروع البطائق الوطنية البيوميترية عن سلفه الجنرال العنيكري من
شركة «طاليس»، لديه نفس المشكل. فوزارة الداخلية تصدر البطائق البيوميترية
للمواطنين بالقطارة، مع أن سيارات رجال الأمن غير مزودة بآلات «تيرمينال»
لقراءة معطياتها. الأمر أشبه ببنك يعطي بطاقة بنكية لزبون ويحرم أصحاب
المحلات والمطاعم والمتاجر من الآلة التي يستخلصون منها فواتير الزبناء.
وكأنهم يعطونك البطاقة البيوميترية لتحتفظ بها في جيبك كديكور فقط.
والمصيبة أن كثيرا من المواطنين سمحوا لشكيب بنموسى في هذه البطائق
بسبب التأخير الذي تواجههم به إدارات الأمن. وأعرف سيدة سرقت منها بطاقتها
الوطنية وذهبت لكي تستخرج البطاقة الجديدة، ومنذ شهر ونصف وهي طالعة نازلة
طالعة نازلة إلى أن طلع لها «الزعاف» في الأخير وقررت أن تنسى الأمر.
والسبب حسب ما شرحه لها أحد الموظفين هو أن بصماتها لا «تخرج» جيدا في
الآلة الجديدة التي اشتروها لهذا الغرض. وحاول صديقنا الموظف أن يفهم
السيدة بأن المشكلة في بصماتها وليس في الآلة، وكأنه يريد أن يفهمها أن
بصماتها ملحوسة مثل عجلات السيارة، بسبب كثرة «الشقا». مع أن بصمات السيدة
نفسها «خرجت» واضحة في آلة القنصلية الفرنسية عندما ذهبت إليها لكي تستخرج
التأشيرة البيوميترية.
وبالإضافة إلى افتقار سيارات الشرطة ومقرات الأمن إلى آلات
«تيرمينال» لقراءة معطيات البطاقات البيوميترية، يفتقر مشروع هذه البطاقات
إلى قانون ينظم نوعية المعلومات الشخصية المسموح بتضمينها ذاكرة البطاقة.
فالمغاربة يجهلون أن هذه البطاقات تحمل في ذاكرتها معلومات دقيقة عنهم وعن
ماضيهم وحتى أرقام حساباتهم البنكية. وفي فرنسا مثلا من حق أي مواطن أن
يذهب إلى مقر الأمن ويطلب الاطلاع على نوعية المعلومات التي تتضمنها
بطاقته البيوميترية، كما لديه الحق في رفع دعوى قضائية ضد الأمن لإزالة
المعلومات التي يرى فيها تدخلا غير مشروع في حياته الخاصة. ففي فرنسا كما
في الدول الديمقراطية الأخرى هناك ما يشبه هيئة على شاكلة هيئة تقنين
الاتصالات في مجال الهاتف، يعهد إليها بتحديد دقيق للمعلومات الخاصة التي
ستتضمنها البطائق البيوميترية. حتى لا يأتي من يتهم الأمن بالتجسس على
الحياة الخاصة للمواطنين.
وعندما يبشرنا القباج والي الدار البيضاء أو شباط عمدة فاس بقرب
تنصيب كاميرات للمراقبة في الشوارع والساحات، لا أحد منهما سأل نفسه عن
القانون المنظم لوضع الكاميرات في الأماكن العمومية. وهل من حق السلطة
مثلا نصب كاميرا للمراقبة أمام بيت مواطن يظل مراقبا طيلة اليوم والليلة.
ولعل المثال الساطع على إصابة بعض الوزراء بقصور في النظر، مما
يجعلهم يصرفون أموال الشعب في غير المكان الذي كان يجب أن تصرف فيه،
التقرير الأخير الذي صدر بمناسبة انتهاء «مشروع إصلاح قطاع الصحة» الذي
انطلق منذ 1999 واستمر إلى حدود 2003 بغلاف مالي قدمه البنك الدولي للمغرب
بلغ 550 مليون درهم لكي تؤهل خمس مستشفيات فقط. والنتيجة التي خلص إليها
التقرير هي أن وزارة الصحة على عهد الشيخ بيد الله، أحد «نجوم» حزب
الأصالة والمعاصرة اليوم، صرفت كل هذه الأموال على ترميم الحيطان وبناء
المرافق الطبية. وهكذا تسلمت بعض المستشفيات معداتها الطبية قبل استكمال
البناء، وبعضها الآخر توصل بالمعدات الطبية دون أن يتمكن من استعمالها.
والسبب هو أن الآمرين بالصرف ركزوا على الجدران والآلات ونسوا أن يستثمروا
في التكوين والموارد البشرية. هكذا استثمرت الوزارة في المعدات ونسيت
الاستثمار في الأدمغة والأيادي التي ستشغل هذه المعدات. فبقي أغلبها يصدأ
مثلما تصدأ كاميرات غلاب في مداخل المدن ومخارجها.
وعوض أن تعترف وزيرة الصحة بهذه الحقيقة التي جاء بها هذا التقرير
الصادم الذي يجب أن تحاسب به في البرلمان، فضلت أن تقول في جلسة هذا
البرلمان ليوم الأربعاء الماضي جوابا عن سؤال لنائب حول حاجة منطقته
الملحة في الجنوب لأطباء، أن السبب في وجود هذا الخصاص هو رفض الطبيبات
المتزوجات الالتحاق بأماكن عملهن في المناطق النائية. وهذه مغالطة كبيرة،
لأن الوزيرة تعرف أكثر من غيرها أن الطبيبات المتزوجات اللواتي ترفض
ثمانين منهن الالتحاق بأماكن تعيينهن يضعن في لائحة الأماكن التي يودون
الذهاب للعمل فيها مناطق نائية كوجدة وبركان وتازة وطنجة.
إن مشكلتنا مع كل هذه الحكومات المتعاقبة علينا هي أن بعض وزرائها
يضعون العربة أمام الحصان، ويستغربون لماذا لا تسير القافلة. وإذا لم
يتعلم هؤلاء أن المكان الطبيعي للحصان يوجد في مقدمة العربة، فإننا سنبقى
واقفين هكذا لمزيد من الوقت، بينما عربات الدول الأخرى تمر من حولنا.
اللهم إلا إذا كان الحصان «ديال بلعاني وحنا ما فراسناش».
التدبير المفوض شيئا اسمه تطهير القنوات. وهي عملية روتينية تقوم بها هذه
الشركات في الدول التي تحترم مواطنيها مع نهاية الصيف وبداية أولى قطرات
فصل الخريف. لكنهم عندنا يتذكرونها فقط عندما تهطل الأمطار وتحول الشوارع
إلى برك والأنفاق إلى مسابح، كما حدث في نفق مسجد الحسن الثاني الذي كان
يلزمك أمس غواصة لعبوره وليس سيارة.
عندما ترى عمال البلدية يزفتون شارعا أو ممرا، فكن على يقين أنهم
سيعودون بعد أسبوع لينبشوا الزفت ويحفروا بحثا عن مكان لأسلاك الكهرباء
التي نسوا وضعها في الأول. وبمجرد ما سيردم عمال الكهرباء التراب، طبعا مع
تعويض الزفت بالتوفنة، ووضع ميزانية الزفت في جيب أحدهم، سيرجع بعد أسبوع
عمال شبكة الهاتف لكي ينبشوا التوفنة بحثا عن مكان يضعون فيه أسلاكهم، لأن
مهندسي البلدية عندما هندسوا الطريق لم يضعوا شبكة الهاتف في حسابهم.
وهكذا تتعرض الطريق المزفتة حديثا إلى عمليات حفر متتالية، كل شركة تأتي
لكي تحفر «جطها» وتضع أسلاكها على انفراد. ولهذا تجدون أن أغلب طرق
المملكة وأرصفتها محفرة بسبب هذه النزعة «البوجعرانية»، نسبة إلى
«بوجعران» وهواية الحفر التي يتمتع بها.
وليست الطرق وحدها التي تتعرض للخدمة «المعاودة» وإنما حتى المشاريع
العمومية الكبرى. وقد اعترف عبد الحنين بنعلو مدير المكتب الوطني للمطارات
في حوار أجريناه معه بأن سبب القطرة في المطار هو أشغال تثبيت الرادارات
التي قام بها تقنيون بعد انتهاء أشغال بناء المطار التي أنجزتها شركة «إس
جي تي إم» لصاحبها القباج، أخ الجنرال القباج بالمناسبة. مع أن القطرة
نفسها نزلت في مطار مراكش ولم تكن هناك أشغال لتثبيت الرادارات أو غيرها.
وفوق كل ذلك يرسل بنعلو إلى وزير التجهيز رسالة يطلب فيها التكفل ببناء
مطارات عسكرية. (طفروه حتى في المدني بقاليهم غير العسكري).
ما وقع في الدار البيضاء وغيرها من المدن الغارقة لا يعري فقط الغش
في الأوراش العمومية، ولكن أيضا يكشف عن نظرية مغربية قديمة في تدبير
الشأن العمومي، وهي نظرية «وضع العربة أمام الحصان». وإذا كان هناك
مسؤولون بلديون يبددون المال العام في الحفر المستمر، بسبب عدم قدرتهم على
تكوين تصور شمولي للمشاريع التي يسهرون على تطبيقها، فإن هناك وزراء
عباقرة يصرفون الميزانيات الضخمة لإنجاز مشاريع يهللون لها في جرائدهم
الحزبية، وفي الأخير عندما يشترون المعدات والآليات بالملايير يكتشفون
أنهم نسوا وضع القوانين التي ستشتغل بها هذه المعدات والآليات. أي أنهم
كما يقول المغاربة «يسبقون العصا قبل الغنم». و«أحسن» من يطبق هذه النظرية
في الحكومة اليوم هو كريم غلاب وزير التجهيز.
فالرجل ذهب إلى السويد وجلب مدونة للسير لازالت رغم كل الوقت الذي
مر على استيرادها لم تجتز عتبة البرلمان. ورغم ذلك بدأ وزير التجهيز في
تطبيق بنودها عندما عقد صفقة مع إحدى الشركات واشترى كاميرات لمراقبة
السرعة وغرسها في مداخل المدن وتركها تصدأ على مهل دون أن تشتغل. ولو أنه
ترك الكاميرات تصدأ وترك معها «طرانكيل» ميزانية الوزارة لقلنا «مكاين
باس، مكتوب الله وكايتصرف علينا»، لكن أن ينشر سعادة الوزير إعلانا في
الجرائد يطلب فيه من الشركات إمداده بطلبات عروض لاقتناء «بياسات دوبلفي»
لتعويض تلك «بياسات» المعطلة في الكاميرات التي لم تشتغل قط. فهل رأى
أحدكم آلة لم تشتغل من قبل يبحث لها صاحبها عن «بياسات» جديدة لتعويض
«بياساتها» القديمة لأنها غير صالحة للاستعمال. شخصيا لم أسمع بهذا من
قبل. سمعت بمسؤولين يصرفون الميزانيات لتغيير «البياسات» رغم أنها تشتغل،
بهدف توفير مصروف «الجيب»، لكن هذه أول مرة أسمع بمسؤول يريد تغيير
«بياسات» آلات رغم أن هذه الآلات لم تشتغل قط.
أما آخر عبقريات كريم غلاب فهي إصداره للبطاقات الرمادية ورخصة
السياقة الممغنطة الجديدة، وتوزيعها على المواطنين، دون أن يفكر سعادة
الوزير في توفير آلات «الترمينال» التي يستعملها رجال الشرطة في قراءة هذه
البطائق الممغنطة. ولم يراود خيال وزير النقل للحظة واحدة أن البطاقات
التي كلف شركة خاصة بإنجازها تلزمها آلات لقراءة معطياتها، إلا بعد وصول
البطاقات الممغنطة إلى مستعملي الطريق. وهاهو اليوم يكتشف «خفته» ويعلن عن
طلب عروض عمومي لاقتناء آلات «الترمينال». وبانتظار أن ترسو الصفقة على
أحدهم، يلزم الشرقي أضريص مدير الأمن الوطني أن يطالب وزير التجهيز بتمويل
حملة طبية لمراجعة النظر لدى شرطة المرور. فبسبب صغر الحروف التي كتبت بها
المعلومات الشخصية للسائقين فوق البطائق الممغنطة، أصبح أغلب رجال الشرطة
محتاجين إلى نظارات طبية لتهجي حروفها كلما أوقفوا سائقا من ذوي البطاقات
الممغنطة.
وبالإضافة إلى خروج كريم غلاب على نظر شرطة المرور، ببطاقاته
الممغنطة، خرج أيضا على رزق أولئك العمال البسطاء الذين يغلفون بالبلاستيك
رخص السياقة ويسترزقون الله في بيع تلك «البزاطم» التي تحفظها من التلف.
وهكذا عوض أن يوفر غلاب على الدولة مصاريف إضافية بمشروعه العبقري، هاهو
يساهم في تبديد المزيد من الأموال العمومية والقضاء على فرص الشغل والتسبب
في انقراض مهن يأكل منها مئات المواطنين الخبز.
وليس وزير النقل والتجهيز وحده من «يسبق العصا قبل الغنم»، ويصدر
البطائق الممغنطة حتى قبل اقتناء الآلات لقراءتها، بل حتى وزير الداخلية
الذي ورث مشروع البطائق الوطنية البيوميترية عن سلفه الجنرال العنيكري من
شركة «طاليس»، لديه نفس المشكل. فوزارة الداخلية تصدر البطائق البيوميترية
للمواطنين بالقطارة، مع أن سيارات رجال الأمن غير مزودة بآلات «تيرمينال»
لقراءة معطياتها. الأمر أشبه ببنك يعطي بطاقة بنكية لزبون ويحرم أصحاب
المحلات والمطاعم والمتاجر من الآلة التي يستخلصون منها فواتير الزبناء.
وكأنهم يعطونك البطاقة البيوميترية لتحتفظ بها في جيبك كديكور فقط.
والمصيبة أن كثيرا من المواطنين سمحوا لشكيب بنموسى في هذه البطائق
بسبب التأخير الذي تواجههم به إدارات الأمن. وأعرف سيدة سرقت منها بطاقتها
الوطنية وذهبت لكي تستخرج البطاقة الجديدة، ومنذ شهر ونصف وهي طالعة نازلة
طالعة نازلة إلى أن طلع لها «الزعاف» في الأخير وقررت أن تنسى الأمر.
والسبب حسب ما شرحه لها أحد الموظفين هو أن بصماتها لا «تخرج» جيدا في
الآلة الجديدة التي اشتروها لهذا الغرض. وحاول صديقنا الموظف أن يفهم
السيدة بأن المشكلة في بصماتها وليس في الآلة، وكأنه يريد أن يفهمها أن
بصماتها ملحوسة مثل عجلات السيارة، بسبب كثرة «الشقا». مع أن بصمات السيدة
نفسها «خرجت» واضحة في آلة القنصلية الفرنسية عندما ذهبت إليها لكي تستخرج
التأشيرة البيوميترية.
وبالإضافة إلى افتقار سيارات الشرطة ومقرات الأمن إلى آلات
«تيرمينال» لقراءة معطيات البطاقات البيوميترية، يفتقر مشروع هذه البطاقات
إلى قانون ينظم نوعية المعلومات الشخصية المسموح بتضمينها ذاكرة البطاقة.
فالمغاربة يجهلون أن هذه البطاقات تحمل في ذاكرتها معلومات دقيقة عنهم وعن
ماضيهم وحتى أرقام حساباتهم البنكية. وفي فرنسا مثلا من حق أي مواطن أن
يذهب إلى مقر الأمن ويطلب الاطلاع على نوعية المعلومات التي تتضمنها
بطاقته البيوميترية، كما لديه الحق في رفع دعوى قضائية ضد الأمن لإزالة
المعلومات التي يرى فيها تدخلا غير مشروع في حياته الخاصة. ففي فرنسا كما
في الدول الديمقراطية الأخرى هناك ما يشبه هيئة على شاكلة هيئة تقنين
الاتصالات في مجال الهاتف، يعهد إليها بتحديد دقيق للمعلومات الخاصة التي
ستتضمنها البطائق البيوميترية. حتى لا يأتي من يتهم الأمن بالتجسس على
الحياة الخاصة للمواطنين.
وعندما يبشرنا القباج والي الدار البيضاء أو شباط عمدة فاس بقرب
تنصيب كاميرات للمراقبة في الشوارع والساحات، لا أحد منهما سأل نفسه عن
القانون المنظم لوضع الكاميرات في الأماكن العمومية. وهل من حق السلطة
مثلا نصب كاميرا للمراقبة أمام بيت مواطن يظل مراقبا طيلة اليوم والليلة.
ولعل المثال الساطع على إصابة بعض الوزراء بقصور في النظر، مما
يجعلهم يصرفون أموال الشعب في غير المكان الذي كان يجب أن تصرف فيه،
التقرير الأخير الذي صدر بمناسبة انتهاء «مشروع إصلاح قطاع الصحة» الذي
انطلق منذ 1999 واستمر إلى حدود 2003 بغلاف مالي قدمه البنك الدولي للمغرب
بلغ 550 مليون درهم لكي تؤهل خمس مستشفيات فقط. والنتيجة التي خلص إليها
التقرير هي أن وزارة الصحة على عهد الشيخ بيد الله، أحد «نجوم» حزب
الأصالة والمعاصرة اليوم، صرفت كل هذه الأموال على ترميم الحيطان وبناء
المرافق الطبية. وهكذا تسلمت بعض المستشفيات معداتها الطبية قبل استكمال
البناء، وبعضها الآخر توصل بالمعدات الطبية دون أن يتمكن من استعمالها.
والسبب هو أن الآمرين بالصرف ركزوا على الجدران والآلات ونسوا أن يستثمروا
في التكوين والموارد البشرية. هكذا استثمرت الوزارة في المعدات ونسيت
الاستثمار في الأدمغة والأيادي التي ستشغل هذه المعدات. فبقي أغلبها يصدأ
مثلما تصدأ كاميرات غلاب في مداخل المدن ومخارجها.
وعوض أن تعترف وزيرة الصحة بهذه الحقيقة التي جاء بها هذا التقرير
الصادم الذي يجب أن تحاسب به في البرلمان، فضلت أن تقول في جلسة هذا
البرلمان ليوم الأربعاء الماضي جوابا عن سؤال لنائب حول حاجة منطقته
الملحة في الجنوب لأطباء، أن السبب في وجود هذا الخصاص هو رفض الطبيبات
المتزوجات الالتحاق بأماكن عملهن في المناطق النائية. وهذه مغالطة كبيرة،
لأن الوزيرة تعرف أكثر من غيرها أن الطبيبات المتزوجات اللواتي ترفض
ثمانين منهن الالتحاق بأماكن تعيينهن يضعن في لائحة الأماكن التي يودون
الذهاب للعمل فيها مناطق نائية كوجدة وبركان وتازة وطنجة.
إن مشكلتنا مع كل هذه الحكومات المتعاقبة علينا هي أن بعض وزرائها
يضعون العربة أمام الحصان، ويستغربون لماذا لا تسير القافلة. وإذا لم
يتعلم هؤلاء أن المكان الطبيعي للحصان يوجد في مقدمة العربة، فإننا سنبقى
واقفين هكذا لمزيد من الوقت، بينما عربات الدول الأخرى تمر من حولنا.
اللهم إلا إذا كان الحصان «ديال بلعاني وحنا ما فراسناش».
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
حاطب الليل/رشيد نيني/26.10.2008
عشر سنوات كاملة هي المدة التي احتاجتها الشركات التي تعاقبت على بناء
المقر الجديد لمجلس المستشارين، والذي تم افتتاحه بمناسبة انطلاق الدورة
الخريفية للبرلمان. ووحده المبلغ الذي صرفه البرلمان على بناء غرفته
الثانية يصيب بالدهشة، فقد كلف غلافا ماليا قدره 242،8 مليون درهم. كل هذا
المال وهذه السنوات الطويلة من البناء والتشييد لم تمنع القطرة من التسرب
من سقف المبنى الجديد بسبب الأمطار الأخيرة.
وقد كنا نؤاخذ محطة الوصول الثانية بمطار محمد الخامس على كون القطرة
سالت فيها بعد سنة واحدة من تدشينها، وها نحن اليوم نرى كيف أن عكاشة رئيس
مجلس المستشارين ينتزع الرقم القياسي من عبد الحنين بنعلو مدير المكتب
الوطني للمطارات، فالقطرة سالت من سقف المجلس الموقر أسبوعين فقط على
تدشينه. ويبدو أن «المتضرر» الأكبر من الأمطار الغزيرة التي تتساقط على
المغرب هذه الأيام ليس فقط المواطنون العزل في القرى والبوادي المنسية،
ولكن أيضا المؤسسات العمومية المنتهية حديثا من البناء. وإذا كانت لجان
قضاة المجلس الأعلى للحسابات يزورون هذه المؤسسات للتدقيق في فواتير
الصفقات والمصاريف، كتلك اللجنة التي ترابط في المكتب الوطني للمطارات منذ
أكثر من سنة، فإن «الشتا ديال مولانا» تدقق في جودة البناء. وإلى حدود
اليوم، ونحن لا زلنا بعد في شهر أكتوبر، كشفت الأمطار عورة العديد من
المشاريع والمؤسسات العمومية، وجرفت في طريقها عدة «قناطر وطرق» بنيت في
الفترة الأخيرة وقدمت للملك كمشاريع تنموية ستغير وجه المغرب من طرف عراب
خريجي مدرسة «الطرق والقناطر» بباريس.
وإذا كان نزول القطرة من سقف المؤسسات العمومية المنشأة حديثا وتحمل
سقوف المؤسسات العمومية التي تركها الاستعمار الفرنسي للأمطار، أمرا مخجلا
ويتطلب فتح تحقيق قضائي مع الشركات التي تكلفت بأعمال البناء، والجهات
المشرفة على المشروع والآمرين بالصرف، فإن نزول القطرة في مؤسستين مهمتين
وذات رمزية سيادية كبرى، مثل المطار ومجلس المستشارين، يعتبر أمرا غاية في
الخطورة.
لماذا. ببساطة لأن الأمر يتعلق بأهم مطار في المملكة، هو مطار محمد
الخامس، الذي يعتبر البوابة الرئيسية للمغرب ووجهه المطل على العالم
بأسره. وإذا رأى القادمون إلى المغرب ومغادروه برك الماء الناتجة عن تساقط
الأمطار في أكبر وأهم وأقدم مطار في المملكة، فإنهم بلا شك سيكونون صورة
سيئة عن باقي المؤسسات العمومية الأخرى. فإذا كان سقف المطار الدولي
للمملكة يسيل مع أول قطرات المطر، فما بالك بالمؤسسات الأخرى.
أما نزول القطرة في مجلس المستشارين فهذه فضيحة سياسية كبرى، قبل أن
تكون فضيحة «بنيوية». لأنها تكشف إلى أي حد وصل الاستهتار بالمال العام.
فمؤسسة البرلمان التي يفترض فيها أن تراقب أوجه صرف أموال دافعي الضرائب،
وممارسة الرقابة على المشاريع العمومية وميزانياتها، عاجزة حتى عن ضمان
تسليم المقر الجديد لغرفته الثانية في موعده. ولذلك تجرجر موعد تسليم
المقر لعشر سنوات كاملة، وفي الأخير عندما سلمت الشركة عكاشة مفاتيح المقر
الجديد بللت القطرة جدرانه منذ الأسبوع الأول.
ولعل هذه الفضيحة هي التي كان على النواب مناقشتها خلال الجلسة
العاصفة ليوم الأربعاء الماضي في البرلمان، حيث اختلط الأمر على شباط عمدة
فاس واعتقد للحظة أنه في حديقة للحيوانات فخاطب أحد نواب العدالة والتنمية
قائلا «لا تنبح يا أخي لا تنبح».
والذين تابعوا تلك الجلسة البرلمانية غسلوا أيديهم على البرلمان وما
يمكن أن يأتي منه. فقد رأوا وسمعوا كيف يترك بعض النواب من درجة أميين
مناقشة قضايا الشعب الحقيقية جانبا ويتفرغون لإظهار مهاراتهم اللغوية
المستمدة من قواميس «السوق».
خصوصا وأن هذا السيرك جاء مباشرة بعد حفل افتتاح البرلمان حيث «حفن»
بعض البرلمانيين والمستشارين الحلوى وجمعوها في أكياس لكي يحملوا
«الباروك» إلى عائلاتهم.
إن تسرب القطرة إلى الغرفة الثانية وتسرب أمثال هؤلاء النواب إلى
الغرفة الأولى، ليس سوى تجسيد لوصول الغرفتين معا إلى مرحلة الإفلاس
السياسي.
فالبرلمان كمؤسسة لمراقبة الشأن العام، لا يستطيع حتى مراقبة طريقة
بناء غرفته الثانية، والبرلمان الذي يعتبر مؤسسة يفترض فيها أن تعطي دروسا
للمواطنين في تدبير الاختلاف السياسي، أصبح مدرسة لأنصاف الأميين يأتون
إليه لكي يقلوا فيه حياءهم على بعضهم البعض، ويفرجوا الشعب في مهاتراتهم
الفارغة، عوض مناقشة قضاياه المصيرية.
والبرلمان الذي اخترعته الديمقراطية ونصت على ضرورة وجود معارضة
وأغلبية به، أصبح عندنا شبيها بصحراء شاسعة تتسكع فيه قوافل النواب
الباحثة عن الكلأ السياسي. ووحده حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يمض على
تأسيسه سوى شهرين أصبح يضم أكبر فريق برلماني باستطاعته زعزعة كرسي الوزير
الأول من مكانه.
ولهذا نفهم غضب الخياري أمين عام جبهة القوى الديمقراطية عندما رفع
دعوى قضائية ضد نائبيه اللذين هجرا حزبه وارتميا في أحضان الأصالة
والمعاصرة. فهذا القرار قد يعتبره البعض إجراء ديمقراطيا للقضاء على ظاهرة
النواب الرحل، لكن الواقع أن هذا القرار ليس سوى مناورة سياسية لا تقل
سريالية عما قام به النائبان المحترمان. فالخياري عندما استقبل النائب
محمد بنعطية وأعطاه التزكية في انتخابات 2007، كان يعلم أن هذا المرشح لم
يحصل على التزكية لأنه ناضل في صفوف شبيبة جبهة القوى الديمقراطية وترقى
المراكز إلى أن وصل إلى مستوى تمثيل الحزب في الانتخابات، وإنما يعلم
الخياري أكثر من غيره أن محمد بنعطية مر قبل الوصول إلى باب «الجبهة»
بأبواب ستة أحزاب قبله. فقد بدأ في التقدم والاشتراكية وهاجر إلى حزب
القوات المواطنة، ثم انتقل إلى الحركة الشعبية سنة 2003، ولم يعمر بها
طويلا وانتقل إلى الحزب الوطني الديمقراطي سنة 2004، ولم يصل إلى حزب
الخياري سوى بمناسبة انتخابات 2007 وحصل على تزكيته بعد أن فشل في إقناع
أربعة أحزاب بتزكيته في هذه الانتخابات.
لكن الخياري «مول الجبهة» لم ير كل هذه الرحلات المكوكية لعضو حزبه
في البرلمان، إلا عندما قرر هذا العضو ركوب «التراكتور» والالتحاق بالهمة
مثل غيره من الراغبين في الالتحاق بالثلث الناجي. فقام بتسجيل دعوى ضده في
المحكمة.
ولذلك فالخياري عندما يقاضي برلمانييه بتهمة «قلب الكبوط»، لا يصنع
ذلك حرصا على الديمقراطية المغتصبة، وإنما انتقاما للثقة التي خانها هؤلاء
النواب، خصوصا بالنسبة إلى محمد بنعطية الذي زكاه الخياري في وقت رفض فيه
الجميع تزكيته.
ولا بد أن أكبر من سينشرح صدره لهذه الدعوى القضائية التي رفعها
زعيم الجبهة ضد محمد بنعطية هو إسماعيل العلوي أمين عام التقدم
والاشتراكية. ومولاي إسماعيل وقع له مع بنعطية ما وقع لذلك البدوي الذي
زينوا له بيع عجله الوحيد لكي يحج بثمنه، وفي الأخير خرج من السوق بلا عجل
وبلا حج. فقد كان بنعطية أكبر من شجع مولاي إسماعيل العلوي على ترشيح نفسه
في سلا الجديدة في انتخابات 2002، بعد أن كان الرفيق إسماعيل يترشح دائما
في سيدي قاسم ويفوز بمقعده. فقد كان بنعطية مستشارا جماعيا في سلا الجديدة
وزين للرفيق فكرة ترشيحه إلى جانبه. وكما كان منتظرا سقط إسماعيل العلوي
في سلا الجديدة، وفهم بعد فوات الأوان أن بنعطية «فرش له التبن فوق الما»،
خصوصا عندا رآه يضربها «بسلتة» من حزب الرفاق التقدميين أياما قليلة قبل
الانتخابات التي كان يعول فيها عليه سعادة الأمين العام، ملتحقا بحزب
القوات المواطنة الذي زكاه في سلا الجديدة، فسقط هو الآخر في الانتخابات.
ولم ينجح في الوصول إلى «بر لامان» إلا في انتخابات 2002 بتزكية من الحزب
الوطني الديمقراطي.
وهاهو اليوم ينتهي أمام القضاء مع الخياري بتهمة «قلب الكبوط» الحزبي عليه.
هذه عينة صغيرة من البرلمانيين الذين يتهافتون على الالتحاق بفريق
التراكتور البرلماني. وإذا كان المغاربة قد انشغلوا بتتبع مسلسل «عازف
الليل» سنوات الثمانينات، فإنهم اليوم بفضل البرلمان وتحالفاته العجيبة
سيتابعون مسلسلا مشوقا اسمه «حاطب الليل». فيبدو أن فريق الهمة البرلماني
يحطب النواب تحت جنح الظلام، ولذلك ليس مستغربا أن يعثر في الصباح ضمن
أكوام الحطب التي جمعها بالليل على بعض الأفاعي والعقارب. فالحطب في الليل
مثله مثل «خدمة الليل»، يصبح «ضحكة للنهار».
فهل بهاتين الغرفتين في مجلس النواب ومجلس المستشارين سنبني مغرب الغد، مغرب الديمقراطية والحداثة يا ترى.
المقر الجديد لمجلس المستشارين، والذي تم افتتاحه بمناسبة انطلاق الدورة
الخريفية للبرلمان. ووحده المبلغ الذي صرفه البرلمان على بناء غرفته
الثانية يصيب بالدهشة، فقد كلف غلافا ماليا قدره 242،8 مليون درهم. كل هذا
المال وهذه السنوات الطويلة من البناء والتشييد لم تمنع القطرة من التسرب
من سقف المبنى الجديد بسبب الأمطار الأخيرة.
وقد كنا نؤاخذ محطة الوصول الثانية بمطار محمد الخامس على كون القطرة
سالت فيها بعد سنة واحدة من تدشينها، وها نحن اليوم نرى كيف أن عكاشة رئيس
مجلس المستشارين ينتزع الرقم القياسي من عبد الحنين بنعلو مدير المكتب
الوطني للمطارات، فالقطرة سالت من سقف المجلس الموقر أسبوعين فقط على
تدشينه. ويبدو أن «المتضرر» الأكبر من الأمطار الغزيرة التي تتساقط على
المغرب هذه الأيام ليس فقط المواطنون العزل في القرى والبوادي المنسية،
ولكن أيضا المؤسسات العمومية المنتهية حديثا من البناء. وإذا كانت لجان
قضاة المجلس الأعلى للحسابات يزورون هذه المؤسسات للتدقيق في فواتير
الصفقات والمصاريف، كتلك اللجنة التي ترابط في المكتب الوطني للمطارات منذ
أكثر من سنة، فإن «الشتا ديال مولانا» تدقق في جودة البناء. وإلى حدود
اليوم، ونحن لا زلنا بعد في شهر أكتوبر، كشفت الأمطار عورة العديد من
المشاريع والمؤسسات العمومية، وجرفت في طريقها عدة «قناطر وطرق» بنيت في
الفترة الأخيرة وقدمت للملك كمشاريع تنموية ستغير وجه المغرب من طرف عراب
خريجي مدرسة «الطرق والقناطر» بباريس.
وإذا كان نزول القطرة من سقف المؤسسات العمومية المنشأة حديثا وتحمل
سقوف المؤسسات العمومية التي تركها الاستعمار الفرنسي للأمطار، أمرا مخجلا
ويتطلب فتح تحقيق قضائي مع الشركات التي تكلفت بأعمال البناء، والجهات
المشرفة على المشروع والآمرين بالصرف، فإن نزول القطرة في مؤسستين مهمتين
وذات رمزية سيادية كبرى، مثل المطار ومجلس المستشارين، يعتبر أمرا غاية في
الخطورة.
لماذا. ببساطة لأن الأمر يتعلق بأهم مطار في المملكة، هو مطار محمد
الخامس، الذي يعتبر البوابة الرئيسية للمغرب ووجهه المطل على العالم
بأسره. وإذا رأى القادمون إلى المغرب ومغادروه برك الماء الناتجة عن تساقط
الأمطار في أكبر وأهم وأقدم مطار في المملكة، فإنهم بلا شك سيكونون صورة
سيئة عن باقي المؤسسات العمومية الأخرى. فإذا كان سقف المطار الدولي
للمملكة يسيل مع أول قطرات المطر، فما بالك بالمؤسسات الأخرى.
أما نزول القطرة في مجلس المستشارين فهذه فضيحة سياسية كبرى، قبل أن
تكون فضيحة «بنيوية». لأنها تكشف إلى أي حد وصل الاستهتار بالمال العام.
فمؤسسة البرلمان التي يفترض فيها أن تراقب أوجه صرف أموال دافعي الضرائب،
وممارسة الرقابة على المشاريع العمومية وميزانياتها، عاجزة حتى عن ضمان
تسليم المقر الجديد لغرفته الثانية في موعده. ولذلك تجرجر موعد تسليم
المقر لعشر سنوات كاملة، وفي الأخير عندما سلمت الشركة عكاشة مفاتيح المقر
الجديد بللت القطرة جدرانه منذ الأسبوع الأول.
ولعل هذه الفضيحة هي التي كان على النواب مناقشتها خلال الجلسة
العاصفة ليوم الأربعاء الماضي في البرلمان، حيث اختلط الأمر على شباط عمدة
فاس واعتقد للحظة أنه في حديقة للحيوانات فخاطب أحد نواب العدالة والتنمية
قائلا «لا تنبح يا أخي لا تنبح».
والذين تابعوا تلك الجلسة البرلمانية غسلوا أيديهم على البرلمان وما
يمكن أن يأتي منه. فقد رأوا وسمعوا كيف يترك بعض النواب من درجة أميين
مناقشة قضايا الشعب الحقيقية جانبا ويتفرغون لإظهار مهاراتهم اللغوية
المستمدة من قواميس «السوق».
خصوصا وأن هذا السيرك جاء مباشرة بعد حفل افتتاح البرلمان حيث «حفن»
بعض البرلمانيين والمستشارين الحلوى وجمعوها في أكياس لكي يحملوا
«الباروك» إلى عائلاتهم.
إن تسرب القطرة إلى الغرفة الثانية وتسرب أمثال هؤلاء النواب إلى
الغرفة الأولى، ليس سوى تجسيد لوصول الغرفتين معا إلى مرحلة الإفلاس
السياسي.
فالبرلمان كمؤسسة لمراقبة الشأن العام، لا يستطيع حتى مراقبة طريقة
بناء غرفته الثانية، والبرلمان الذي يعتبر مؤسسة يفترض فيها أن تعطي دروسا
للمواطنين في تدبير الاختلاف السياسي، أصبح مدرسة لأنصاف الأميين يأتون
إليه لكي يقلوا فيه حياءهم على بعضهم البعض، ويفرجوا الشعب في مهاتراتهم
الفارغة، عوض مناقشة قضاياه المصيرية.
والبرلمان الذي اخترعته الديمقراطية ونصت على ضرورة وجود معارضة
وأغلبية به، أصبح عندنا شبيها بصحراء شاسعة تتسكع فيه قوافل النواب
الباحثة عن الكلأ السياسي. ووحده حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يمض على
تأسيسه سوى شهرين أصبح يضم أكبر فريق برلماني باستطاعته زعزعة كرسي الوزير
الأول من مكانه.
ولهذا نفهم غضب الخياري أمين عام جبهة القوى الديمقراطية عندما رفع
دعوى قضائية ضد نائبيه اللذين هجرا حزبه وارتميا في أحضان الأصالة
والمعاصرة. فهذا القرار قد يعتبره البعض إجراء ديمقراطيا للقضاء على ظاهرة
النواب الرحل، لكن الواقع أن هذا القرار ليس سوى مناورة سياسية لا تقل
سريالية عما قام به النائبان المحترمان. فالخياري عندما استقبل النائب
محمد بنعطية وأعطاه التزكية في انتخابات 2007، كان يعلم أن هذا المرشح لم
يحصل على التزكية لأنه ناضل في صفوف شبيبة جبهة القوى الديمقراطية وترقى
المراكز إلى أن وصل إلى مستوى تمثيل الحزب في الانتخابات، وإنما يعلم
الخياري أكثر من غيره أن محمد بنعطية مر قبل الوصول إلى باب «الجبهة»
بأبواب ستة أحزاب قبله. فقد بدأ في التقدم والاشتراكية وهاجر إلى حزب
القوات المواطنة، ثم انتقل إلى الحركة الشعبية سنة 2003، ولم يعمر بها
طويلا وانتقل إلى الحزب الوطني الديمقراطي سنة 2004، ولم يصل إلى حزب
الخياري سوى بمناسبة انتخابات 2007 وحصل على تزكيته بعد أن فشل في إقناع
أربعة أحزاب بتزكيته في هذه الانتخابات.
لكن الخياري «مول الجبهة» لم ير كل هذه الرحلات المكوكية لعضو حزبه
في البرلمان، إلا عندما قرر هذا العضو ركوب «التراكتور» والالتحاق بالهمة
مثل غيره من الراغبين في الالتحاق بالثلث الناجي. فقام بتسجيل دعوى ضده في
المحكمة.
ولذلك فالخياري عندما يقاضي برلمانييه بتهمة «قلب الكبوط»، لا يصنع
ذلك حرصا على الديمقراطية المغتصبة، وإنما انتقاما للثقة التي خانها هؤلاء
النواب، خصوصا بالنسبة إلى محمد بنعطية الذي زكاه الخياري في وقت رفض فيه
الجميع تزكيته.
ولا بد أن أكبر من سينشرح صدره لهذه الدعوى القضائية التي رفعها
زعيم الجبهة ضد محمد بنعطية هو إسماعيل العلوي أمين عام التقدم
والاشتراكية. ومولاي إسماعيل وقع له مع بنعطية ما وقع لذلك البدوي الذي
زينوا له بيع عجله الوحيد لكي يحج بثمنه، وفي الأخير خرج من السوق بلا عجل
وبلا حج. فقد كان بنعطية أكبر من شجع مولاي إسماعيل العلوي على ترشيح نفسه
في سلا الجديدة في انتخابات 2002، بعد أن كان الرفيق إسماعيل يترشح دائما
في سيدي قاسم ويفوز بمقعده. فقد كان بنعطية مستشارا جماعيا في سلا الجديدة
وزين للرفيق فكرة ترشيحه إلى جانبه. وكما كان منتظرا سقط إسماعيل العلوي
في سلا الجديدة، وفهم بعد فوات الأوان أن بنعطية «فرش له التبن فوق الما»،
خصوصا عندا رآه يضربها «بسلتة» من حزب الرفاق التقدميين أياما قليلة قبل
الانتخابات التي كان يعول فيها عليه سعادة الأمين العام، ملتحقا بحزب
القوات المواطنة الذي زكاه في سلا الجديدة، فسقط هو الآخر في الانتخابات.
ولم ينجح في الوصول إلى «بر لامان» إلا في انتخابات 2002 بتزكية من الحزب
الوطني الديمقراطي.
وهاهو اليوم ينتهي أمام القضاء مع الخياري بتهمة «قلب الكبوط» الحزبي عليه.
هذه عينة صغيرة من البرلمانيين الذين يتهافتون على الالتحاق بفريق
التراكتور البرلماني. وإذا كان المغاربة قد انشغلوا بتتبع مسلسل «عازف
الليل» سنوات الثمانينات، فإنهم اليوم بفضل البرلمان وتحالفاته العجيبة
سيتابعون مسلسلا مشوقا اسمه «حاطب الليل». فيبدو أن فريق الهمة البرلماني
يحطب النواب تحت جنح الظلام، ولذلك ليس مستغربا أن يعثر في الصباح ضمن
أكوام الحطب التي جمعها بالليل على بعض الأفاعي والعقارب. فالحطب في الليل
مثله مثل «خدمة الليل»، يصبح «ضحكة للنهار».
فهل بهاتين الغرفتين في مجلس النواب ومجلس المستشارين سنبني مغرب الغد، مغرب الديمقراطية والحداثة يا ترى.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
المرقعون الجدد
خلال السادس عشر من أكتوبر الماضي ترك المرشحان الأمريكيان للرئاسة، جون
ماكين وباراك أوباما خلافاتهما السياسية جانبا وجلسا معا إلى مائدة واحدة
في حفل عشاء يتبادلان النكت الساخرة من أجل إضحاك المدعوين لحثهم على
التبرع بأموالهم لصالح مشروع خيري.
وقلت مع نفسي أن الطبقة السياسية المغربية مدعوة لتأمل هذه التجربة،
فلدى رجالها ونسائها القدرة على إضحاك أغنياء هذا البلد ودفعهم إلى فتح
حافظات نقودهم للتبرع للشعب المنكوب. خصوصا مع كل هذه الفيضانات التي تضرب
وتقتل وتشرد المواطنين في أكثر من مدينة مغربية.
ولعل ما تحتاجه الحياة السياسية المغربية بالضبط هو القليل من الفرجة
الساخرة، وما وقع في البرلمان في جلسته الأخيرة عندما أطلق شباط لسانه
الطويل في زملائه البرلمانيين يعطينا فكرة حول مقدرات بعضهم الخارقة في
تحقيق نبوءة الحسن الثاني الذي وصف البرلمان ذات وقت بالسيرك.
وإلى حدود اليوم لم نربح من وراء البرلمان شيئا يذكر، بل بالعكس،
سنويا تخصص وزارة المالية لغرفتيه ميزانية ضخمة. وحتى وزارة الأوقاف
والشؤون الإسلامية تخصص له نسبة من تذاكر الحج مجانا، كما لو أن هؤلاء
البرلمانيين الذين يحجون مجانا على حساب دافعي الضرائب مخصوصون.
ووحده حفل افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، حين تهافت البرلمانيون
والمستشارون وموظفو البرلمان وحراس أمنه وبعض الصحافيين «المعششين» فيه،
على الحلويات و«الأعاصير» (ولو أنه لا يوجد إعصار آخر أشد من هؤلاء) كان
كافيا، لو نقل مباشرة في التلفزيون، لكي يشد إليه انتباه الملايين من
المشاهدين.
لذلك فإن فكرة إعداد حفل شهري «آكل» عوض حفل ساهر، كالحفل السنوي
الذي رافق افتتاح البرلمان، ونقل «أشغاله» مباشرة في التلفزيون سيحقق نسبة
مشاهدة عالية جدا. خصوصا إذا أعلنت الجهة المنظمة أن عائدات الإشهار الذي
سيربحه التلفزيون من وراء هذا «الحفل الآكل» ستخصص لمساعدة العائلات
المنكوبة في الناظور والراشيدية وميسور بعد الفيضانات المهولة التي ضربتها
مؤخرا.
أما جلسات البرلمان الأسبوعية فمن الممكن جدا تحويلها إلى عروض
هزلية مفتوحة طيلة أيام الأربعاء من الصباح إلى المساء بدون توقف.
وبالإضافة إلى نقل هذه العروض الهزلية عبر التلفزيون الرسمي، يمكن أيضا
عرض تذاكر الدخول لمشاهدة العروض البرلمانية مباشرة بأسعار مرتفعة موجهة
للطبقات «المرفحة».
فأغنياء المغرب العريقون في الثراء، حتى لا نقول الغريقون، يحتاجون
من أسبوع لآخر لأن يروحون عن أنفسهم من عناء جمع «وسخ الدنيا» برؤية بعض
الأثرياء الجدد من محدثي النعمة كولد العروسية وشباط. ولذلك فمن السهل
بيعهم التذكرة الواحدة بخمسة آلاف درهم أو أكثر. فليس من رأى كمن سمع،
ورؤية «الممثلين» البرلمانيين مباشرة وهم «يلعبون» أدوارهم ليست كرؤيتهم
عبر شاشة التلفزيون.
ولا بد أن هؤلاء الأثرياء سيجدون متعة خاصة في التبرع لصالح
المنكوبين من أبناء هذا الشعب بثمن هذه التذاكر البسيطة. فإلى حدود اليوم
لم نسمع أن ثريا مغربيا تبرع بهبة مالية لصالح ضحايا الفيضانات الأخيرة
التي شردت الآلاف من المغاربة. وكل ما سمعناه هو أن ثريا كبيرا ووزيرا أول
سابقا اسمه كريم العمراني، تبرع لمؤسسة «1200 سنة على تأسيس المملكة
المغربية» بمبلغ مالي لترميم أحد أبواب فاس العتيقة. وهذا أيضا يمكن
إدخاله كفقرة ضمن العروض الساخرة لرجال السياسة المغاربة السابقين. فكريم
العمراني الذي رق قلبه لباب من الطوب وتبرع بماله من أجل ترميمه، لم تهتز
شعرة واحدة في رأسه وهو يرى خمسمائة عامل من عمال شركته «سيما خشب الأطلس»
بسيدي معروف وهم يضربون عن العمل منذ غشت الماضي وإلى اليوم احتجاجا على
طرد أربعين من زملائهم بعد أن عاقبتهم الإدارة على «جريمة» التفكير في
تأسيس مكتب نقابي.
ويبدو أن الوزير الأول السابق يجهل أن البشر أولى من الطوب والحجر،
ومكان إنقاذ الأبواب الخربة كان عليه أن يفكر أولا في إنقاذ مستقبل أطفال
خمسمائة أسرة يرتبط خبزهم اليومي مباشرة بمصنع كريم العمراني.
بالإضافة إلى أنه كوزير أول ووزير مالية سابق، كان يجب أن يكون أول
من يشجع عماله ومستخدميه على تأسيس المكاتب النقابية في مصانعه وشركاته.
لا أن تطرد إدارة مصنعه أربعين عاملا دفعة واحدة فقط لأن هؤلاء العمال
فكروا في تطبيق قانون الشغل وتأسيس مكتب يمثلهم نقابيا أمام مشغلهم.
ولعل هذا التصرف يكشف الفرق الكبير بين الخطب والتنظير في التلفزيون
عندما يكون الإنسان في السلطة، وبين ما يفعله في الواقع عندما يغادرها.
وهذا جانب آخر من سخرية وهزلية الحياة السياسية المغربية المعاصرة،
والذي يستحق أن يكون موضوعا للفرجة الخيرية مثله مثل الفرجة الخيرية التي
يمكن أن «يتبرع» بها ممثلو الشعب على الشعب.
ومثلما هناك ظاهرة في المغرب اسمها ظاهرة ترقيع البكارة بالنسبة
للفتيات المقبلات على الزواج، هناك بالمقابل ظاهرة أخرى اسمها ترقيع
البكارة السياسية بالنسبة للسياسيين المقبلين على الانتخابات.
والمتأمل لتصريحات بعض هؤلاء الزعماء السياسيين يتأكد من حقيقة
واحدة، وهي أن هؤلاء السياسيين الباحثين عن ترقيع بكارتهم السياسية على
بعد أشهر من الانتخابات المقبلة، ممثلون محترفون لا يشق لهم غبار.
ولو أن هؤلاء السياسيين يفكرون في فتح «عروضهم» السياسية الساخرة
للعموم وتخصيص عائدات هذه العروض لدعم الأعمال الخيرية، كما صنع ماكين
وأوباما، لاستطاعوا جمع عائدات مالية ضخمة لضحايا الفيضانات الأخيرة.
فهذا الحبيب المالكي وزير التعليم السابق، ينتقد زميله السابق في
الحكومة ورفيقه في الحزب، فتح الله والعلو، ويلصق فوق يديه وحده دم
الاتحاد الاشتراكي. فحسب الحبيب المالكي، وزير الشوكولاته والورد في حكومة
اليوسفي وجطو، فإذا كان هناك من «خرج» على الاتحاد الاشتراكي فهو فتح الله
والعلو وزير المالية السابق لعشر سنوات كاملة. وذلك بسبب سياسته المالية
والضريبية التي ركزت على التوازنات الكبرى وأهملت القدرة الشرائية للشعب
البسيط الذي أوصل والعلو، ومعه بقية الوزراء الاتحاديين إلى الحكومة.
والمضحك في كلام الحبيب المالكي ليس كونه يعكس الحقيقة، ولكن كونه لم
يقله عندما كان «مخيما» في الحكومة مع والعلو لعشر سنوات كاملة، وإنما
انتظر حتى خرج منها لكي يعترف بهذه الحقيقة.
والسبب الحقيقي في هذه «الخرجة» ليس هو الحرص على القدرة الشرائية
لبسطاء الشعب التي دمرها والعلو، وإنما تحديدا الرغبة في تدمير والعلو
سياسيا وترقيع البكارة السياسية لكي يستولي الحبيب المالكي مع لشكر على
رئاسة الحزب في المؤتمر المقبل.
والشيء نفسه بالنسبة لسعيد السعدي الوزير السابق الذي استقال مؤخرا
من عضوية الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية احتجاجا كما قال على تخلي
الحزب عن دعم مطالب الشعب. فلم يلاحظ سعيد السعدي سوى اليوم، وعلى بعد
أشهر من الانتخابات، أن حزبه الذي لا يكاد يحصل على مقاعد برلمانية إلا
بشق الأنفس، قد استقال من مهمة الدفاع عن الطبقات الشعبية منذ سنوات
طويلة.
أما محمد أوجار، وزير حقوق الإنسان السابق وعضو الديوان السياسي
للأحرار، فليس أحسن حالا من الآخرين. ومن كثرة تغييره لمعطفه السياسي أصبح
يقف شبه عار تتقاذفه «التيارات» الهوائية في الشارع السياسي.
إنهم يرقعون بكاراتهم السياسية التي افتضتها السلطة عندما
«مارسوها». فالسلطة مثلها مثل ليلة الدخلة، عندما تمر منها يجب أن تترك
فيها عذريتك. لذلك فقبل أن يفقد الواحد عذريته عليه أن يعرف أنه سيفقدها
إلى الأبد. والأهم من ذلك كله، أن يعرف لمن سيهديها.
رشيد نيني
المساء
27/10/2008
ماكين وباراك أوباما خلافاتهما السياسية جانبا وجلسا معا إلى مائدة واحدة
في حفل عشاء يتبادلان النكت الساخرة من أجل إضحاك المدعوين لحثهم على
التبرع بأموالهم لصالح مشروع خيري.
وقلت مع نفسي أن الطبقة السياسية المغربية مدعوة لتأمل هذه التجربة،
فلدى رجالها ونسائها القدرة على إضحاك أغنياء هذا البلد ودفعهم إلى فتح
حافظات نقودهم للتبرع للشعب المنكوب. خصوصا مع كل هذه الفيضانات التي تضرب
وتقتل وتشرد المواطنين في أكثر من مدينة مغربية.
ولعل ما تحتاجه الحياة السياسية المغربية بالضبط هو القليل من الفرجة
الساخرة، وما وقع في البرلمان في جلسته الأخيرة عندما أطلق شباط لسانه
الطويل في زملائه البرلمانيين يعطينا فكرة حول مقدرات بعضهم الخارقة في
تحقيق نبوءة الحسن الثاني الذي وصف البرلمان ذات وقت بالسيرك.
وإلى حدود اليوم لم نربح من وراء البرلمان شيئا يذكر، بل بالعكس،
سنويا تخصص وزارة المالية لغرفتيه ميزانية ضخمة. وحتى وزارة الأوقاف
والشؤون الإسلامية تخصص له نسبة من تذاكر الحج مجانا، كما لو أن هؤلاء
البرلمانيين الذين يحجون مجانا على حساب دافعي الضرائب مخصوصون.
ووحده حفل افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، حين تهافت البرلمانيون
والمستشارون وموظفو البرلمان وحراس أمنه وبعض الصحافيين «المعششين» فيه،
على الحلويات و«الأعاصير» (ولو أنه لا يوجد إعصار آخر أشد من هؤلاء) كان
كافيا، لو نقل مباشرة في التلفزيون، لكي يشد إليه انتباه الملايين من
المشاهدين.
لذلك فإن فكرة إعداد حفل شهري «آكل» عوض حفل ساهر، كالحفل السنوي
الذي رافق افتتاح البرلمان، ونقل «أشغاله» مباشرة في التلفزيون سيحقق نسبة
مشاهدة عالية جدا. خصوصا إذا أعلنت الجهة المنظمة أن عائدات الإشهار الذي
سيربحه التلفزيون من وراء هذا «الحفل الآكل» ستخصص لمساعدة العائلات
المنكوبة في الناظور والراشيدية وميسور بعد الفيضانات المهولة التي ضربتها
مؤخرا.
أما جلسات البرلمان الأسبوعية فمن الممكن جدا تحويلها إلى عروض
هزلية مفتوحة طيلة أيام الأربعاء من الصباح إلى المساء بدون توقف.
وبالإضافة إلى نقل هذه العروض الهزلية عبر التلفزيون الرسمي، يمكن أيضا
عرض تذاكر الدخول لمشاهدة العروض البرلمانية مباشرة بأسعار مرتفعة موجهة
للطبقات «المرفحة».
فأغنياء المغرب العريقون في الثراء، حتى لا نقول الغريقون، يحتاجون
من أسبوع لآخر لأن يروحون عن أنفسهم من عناء جمع «وسخ الدنيا» برؤية بعض
الأثرياء الجدد من محدثي النعمة كولد العروسية وشباط. ولذلك فمن السهل
بيعهم التذكرة الواحدة بخمسة آلاف درهم أو أكثر. فليس من رأى كمن سمع،
ورؤية «الممثلين» البرلمانيين مباشرة وهم «يلعبون» أدوارهم ليست كرؤيتهم
عبر شاشة التلفزيون.
ولا بد أن هؤلاء الأثرياء سيجدون متعة خاصة في التبرع لصالح
المنكوبين من أبناء هذا الشعب بثمن هذه التذاكر البسيطة. فإلى حدود اليوم
لم نسمع أن ثريا مغربيا تبرع بهبة مالية لصالح ضحايا الفيضانات الأخيرة
التي شردت الآلاف من المغاربة. وكل ما سمعناه هو أن ثريا كبيرا ووزيرا أول
سابقا اسمه كريم العمراني، تبرع لمؤسسة «1200 سنة على تأسيس المملكة
المغربية» بمبلغ مالي لترميم أحد أبواب فاس العتيقة. وهذا أيضا يمكن
إدخاله كفقرة ضمن العروض الساخرة لرجال السياسة المغاربة السابقين. فكريم
العمراني الذي رق قلبه لباب من الطوب وتبرع بماله من أجل ترميمه، لم تهتز
شعرة واحدة في رأسه وهو يرى خمسمائة عامل من عمال شركته «سيما خشب الأطلس»
بسيدي معروف وهم يضربون عن العمل منذ غشت الماضي وإلى اليوم احتجاجا على
طرد أربعين من زملائهم بعد أن عاقبتهم الإدارة على «جريمة» التفكير في
تأسيس مكتب نقابي.
ويبدو أن الوزير الأول السابق يجهل أن البشر أولى من الطوب والحجر،
ومكان إنقاذ الأبواب الخربة كان عليه أن يفكر أولا في إنقاذ مستقبل أطفال
خمسمائة أسرة يرتبط خبزهم اليومي مباشرة بمصنع كريم العمراني.
بالإضافة إلى أنه كوزير أول ووزير مالية سابق، كان يجب أن يكون أول
من يشجع عماله ومستخدميه على تأسيس المكاتب النقابية في مصانعه وشركاته.
لا أن تطرد إدارة مصنعه أربعين عاملا دفعة واحدة فقط لأن هؤلاء العمال
فكروا في تطبيق قانون الشغل وتأسيس مكتب يمثلهم نقابيا أمام مشغلهم.
ولعل هذا التصرف يكشف الفرق الكبير بين الخطب والتنظير في التلفزيون
عندما يكون الإنسان في السلطة، وبين ما يفعله في الواقع عندما يغادرها.
وهذا جانب آخر من سخرية وهزلية الحياة السياسية المغربية المعاصرة،
والذي يستحق أن يكون موضوعا للفرجة الخيرية مثله مثل الفرجة الخيرية التي
يمكن أن «يتبرع» بها ممثلو الشعب على الشعب.
ومثلما هناك ظاهرة في المغرب اسمها ظاهرة ترقيع البكارة بالنسبة
للفتيات المقبلات على الزواج، هناك بالمقابل ظاهرة أخرى اسمها ترقيع
البكارة السياسية بالنسبة للسياسيين المقبلين على الانتخابات.
والمتأمل لتصريحات بعض هؤلاء الزعماء السياسيين يتأكد من حقيقة
واحدة، وهي أن هؤلاء السياسيين الباحثين عن ترقيع بكارتهم السياسية على
بعد أشهر من الانتخابات المقبلة، ممثلون محترفون لا يشق لهم غبار.
ولو أن هؤلاء السياسيين يفكرون في فتح «عروضهم» السياسية الساخرة
للعموم وتخصيص عائدات هذه العروض لدعم الأعمال الخيرية، كما صنع ماكين
وأوباما، لاستطاعوا جمع عائدات مالية ضخمة لضحايا الفيضانات الأخيرة.
فهذا الحبيب المالكي وزير التعليم السابق، ينتقد زميله السابق في
الحكومة ورفيقه في الحزب، فتح الله والعلو، ويلصق فوق يديه وحده دم
الاتحاد الاشتراكي. فحسب الحبيب المالكي، وزير الشوكولاته والورد في حكومة
اليوسفي وجطو، فإذا كان هناك من «خرج» على الاتحاد الاشتراكي فهو فتح الله
والعلو وزير المالية السابق لعشر سنوات كاملة. وذلك بسبب سياسته المالية
والضريبية التي ركزت على التوازنات الكبرى وأهملت القدرة الشرائية للشعب
البسيط الذي أوصل والعلو، ومعه بقية الوزراء الاتحاديين إلى الحكومة.
والمضحك في كلام الحبيب المالكي ليس كونه يعكس الحقيقة، ولكن كونه لم
يقله عندما كان «مخيما» في الحكومة مع والعلو لعشر سنوات كاملة، وإنما
انتظر حتى خرج منها لكي يعترف بهذه الحقيقة.
والسبب الحقيقي في هذه «الخرجة» ليس هو الحرص على القدرة الشرائية
لبسطاء الشعب التي دمرها والعلو، وإنما تحديدا الرغبة في تدمير والعلو
سياسيا وترقيع البكارة السياسية لكي يستولي الحبيب المالكي مع لشكر على
رئاسة الحزب في المؤتمر المقبل.
والشيء نفسه بالنسبة لسعيد السعدي الوزير السابق الذي استقال مؤخرا
من عضوية الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية احتجاجا كما قال على تخلي
الحزب عن دعم مطالب الشعب. فلم يلاحظ سعيد السعدي سوى اليوم، وعلى بعد
أشهر من الانتخابات، أن حزبه الذي لا يكاد يحصل على مقاعد برلمانية إلا
بشق الأنفس، قد استقال من مهمة الدفاع عن الطبقات الشعبية منذ سنوات
طويلة.
أما محمد أوجار، وزير حقوق الإنسان السابق وعضو الديوان السياسي
للأحرار، فليس أحسن حالا من الآخرين. ومن كثرة تغييره لمعطفه السياسي أصبح
يقف شبه عار تتقاذفه «التيارات» الهوائية في الشارع السياسي.
إنهم يرقعون بكاراتهم السياسية التي افتضتها السلطة عندما
«مارسوها». فالسلطة مثلها مثل ليلة الدخلة، عندما تمر منها يجب أن تترك
فيها عذريتك. لذلك فقبل أن يفقد الواحد عذريته عليه أن يعرف أنه سيفقدها
إلى الأبد. والأهم من ذلك كله، أن يعرف لمن سيهديها.
رشيد نيني
المساء
27/10/2008
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
ديمقراطية الملاسة /رشيد نيني / الاربعاء 29 اكتوبر 2008
اقترح أحد الأساتذة الجامعيين خلال ندوة أكاديمية في الجديدة على هامش
مهرجان الفرس، إحداث ماستر جديد لنيل شهادة الدكتوراه في علم الفروسية.
وقال بأن علم «التبوريضة» محتاج إلى تعميق النقاش الأكاديمي حوله، خصوصا
حول الأدوات التي تدخل ضمن مستلزمات «التبوريضة» والتي يحتاجها الفرس
والفارس لكي يمنح الجمهور فرجة ناجحة.
وهكذا بقليل من الإلحاح، والله يحب العبد الملحاح، قد ينجح هذا
الأستاذ الجامعي في إضافة تخصصات جديدة في شعبة الماستر بالجامعات
المغربية. فيصبح لدينا طلبة باحثون متخصصون في تاريخ الصفيحة، وآخرون
متخصصون في السروج والمكاحل.
ولعل التخصص الآخر الذي يجب إحداثه أيضا في الجامعات المغربية هو
السحر. فالمغرب لديه شهرة عالمية في هذا التخصص، ومن يشاهد القنوات
العربية، وخصوصا قناة «إم بي سي» السعودية ويتابع كل تلك البرامج التي
تقدمها حول مصارعي الجن في المغرب والساحرات اللواتي يشرحن للمشاهدين دون
أن يرف لهن جفن كيف يفرقن بين الزوج وزوجته، يقتنع بأن المغرب لديه
احتياطي كبير من السحرة، إلى درجة أنه أصبح يصدرهم إلى الخارج.
وهكذا سيصبح لدينا طلبة يعدون ماستر في سحر «الثقاف»، وآخرون يعدون
ماستر في سحر «الربطة»، مع إمكانية وجود تخصصات أكثر دقة داخل هذه الشعب،
كأن يختار الطالب مثلا ما بين «الربطة الزغبية» و«الربطة» العادية.
ويستحسن أن تتعاقد وزارة التعليم العالي مع تلك الساحرة، غير الشمطاء،
التي ظهرت مؤخرا من أكادير على شاشة قناة «إم بي سي» وهي تشرح بالتفصيل
الممل للمغاربة ولجمهور العالم العربي خلطاتها السحرية المخيفة المكونة من
«زغب الحمام» و«خروج بنادم» ومواد أخرى سامة، تستعملها للتفريق بين الزوج
وزوجته، كما تستعملها لإسقاط شعر المرأة و «تبصيل» رأسها، وتدمير جسدها
بالموت البطيء . وندعو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لاستدعاء هذه
السيدة إلى مختبراتها والاستفادة من «سوابقها» السحرية المدمرة، مادام أن
وزارة الداخلية تعتبر ظهور مواطنة مغربية في قناة فضائية واعترافها الصريح
بالقيام بتسميم المواطنين وإلحاق الأذى بهم عن سبق إصرار وترصد، مسألة لا
تدعوها إلى تحريك مصالحها الأمنية بأكادير لاعتقال هذه السيدة واستنطاقها
حول ما تقوم به من أعمال سحرية تضر بسلامة وصحة المواطنين.
فمصالح وزارة الداخلية مجتهدة فقط عندما يتعلق الأمر بإغلاق دور
القرآن، أما دور السحرة والمشعوذين فتتساهل معهم. مع أن القانون واضح في
هذا الباب، ويأمر باعتقال وإغلاق المحلات التي يمارس فيها النصب
والاحتيال. والسحر والشعوذة في القانون المغربي يدخلان ضمن باب النصب
والاحتيال.
أما «واحد» وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المؤسسة المسؤولة عن
الأمن الروحي للمغاربة، فيبدو أنها غير معنية بهذه «السمعة» المخيفة التي
يعطيها أمثال هؤلاء السحرة والمشعوذون عن المغرب في الخارج، خصوصا في
الدول العربية. وكيف ستتدخل وزارة «السي» التوفيق لإغلاق دور الشعوذة وهي
غير قادرة حتى على مجرد إغلاق دار للدعارة في عمارة تابعة لأملاك الأوقاف
في طنجة.
وشخصيا لم أملك سوى أن أردد في داخلي «لا حول ولا قوة إلا بالله»
وأنا أسمع أن نظارة الأوقاف في طنجة أرسلت إلى وزارة الأوقاف في الرباط
رسالة تطلب فيها منها العمل على إخراج إحدى السيدات من شقة في عمارة
الأوقاف بسبب الأعمال المشينة التي تقوم بها والتي يشتكي منها كل سكان
العمارة ووقعوا عريضة استنكارية ضدها ووجهوها إلى ولاية الأمن.
وإذا كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عاجزة عن تنظيف
ممتلكاتها العقارية من دار للدعارة، فكيف سنطلب منها العمل على إغلاق دور
الدعارة والسحر والشعوذة في عمارات الآخرين.
ثم لماذا أصلا نقترح إحداث تخصصات مثل ماستر «التبوريضة» والسحر في
الجامعات المغربية. لسبب بسيط جدا وهو أن هذه التخصصات الجامعية هي التي
تصلح لهذه المرحلة في المغرب. خصوصا عندما نرى أن المهندسين المغاربة من
خريجي «مدرسة الطرق والقناطر» الباريسية العريقة، والذين يديرون شؤون
البلاد، أظهروا أنهم غير قادرين على بناء قناطر وطرق حقيقية تصمد أمام
الأمطار.
وقد انتظر كريم غلاب وزير التجهيز والنقل، وخريج مدرسة الطرق
والقناطر، حتى أتت الفيضانات على أغلب الطرق والقناطر في الشمال والشرق
وأصبحت مدينة تازة مدينة مقطوعة عن العالم، لكي يفكر في فتح تحقيق في
الأيام القادمة حول البنيات التحتية التي ذابت في هذه المناطق مثل قطعة
سكر وسط المياه.
فالمهندس كريم غلاب بهذه «الهدة» التي يحاول القيام بها يريد أن يلقي
باللائمة في ما وقع في الشمال والشرق على الشركات التي فازت بصفقات إنجاز
هذه البنيات التحتية، والتي لم تحترم ما تنص عليه دفاتر التحملات
الوزارية.
والحال أن الذي يتحمل المسؤولية المباشرة في كل هذا الغش الذي أماطت
عنه اللثام الفيضانات الأخيرة هو وزير التجهيز أولا، ثم بعده تأتي لائحة
المسؤولين الذين سيقتسمون معه نصيبهم من المسؤولية.
وتبقى فكرة فتح تحقيق في مدى مطابقة أشغال البناء في المناطق
المنكوبة لدفاتر التحملات مجرد مزحة لن يصدقها أحد. فسعادة الوزير المهندس
لم يفتح تحقيقا حتى عندما تسربت المياه من سقف محطة الوصول الثانية في
مطار محمد الخامس الدولي، وأغمض عينيه عن هذه الفضيحة التي لو وقعت في
دولة تحترم نفسها لأقيل مدير المكتب الوطني للمطارات على الفور.
والمحير في صمت وزير التجهيز عن فضيحة تسرب المياه إلى المحطة وربط
مدير المطار للتسرب بأشغال تثبيت المكيفات الهوائية في السقف من طرف
التقنيين، هو معرفة الوزير بأن نظام التكييف الهوائي المعطل الذي وضعته
شركة «SGTM» لازال تحت الضمان، والذي يمتد إلى سنتين. إذن فما حاجة المدير
إلى تكليف تقنيي المطار بوضع مكيفات جديدة في السقف، مادامت شركة القباج
التي تكفلت ببناء المحطة الثانية ملزمة بإصلاح نظام التكييف الذي انطلق في
سبتمبر من السنة الماضية ولم يقفل بعد سنته الثانية.
وليس نظام التهوية والتكييف وحده الذي لازال يوجد تحت الضمان، بل كل
المعدات التقنية المختلة الأخرى، كنظام التحكم في الأمتعة، واللائحة
الإلكترونية الكبيرة لأرقام الرحلات، وإضاءة البهو. فكل هذه المعدات
لازالت تحت الضمان وليس من حق تقنيي المطار، الذين يتهمهم مديرهم بالوقوف
وراء تسريب «القطرة»، أن يضعوا أيديهم فيها. فالشركة التي اشترتها وركبتها
هي المخولة قانونيا داخل آجال الضمان القانوني بإعادة إصلاح أعطابها أو
تغييرها.
ولو أن المكتب الوطني للمطارات التابع لوزارة التجهيز كان يفتقر إلى
مكتب خاص بجودة الخدمات، لكان الأمر أهون، أما وأن المكتب يتوفر على هذا
المكتب وهذا المكتب لديه رئيس، فهذا يدفعنا إلى التساؤل عن الشواهد
العلمية التي يملكها رئيس هذا القسم حتى يعطي الضوء الأخضر ويوقع
بالموافقة على جودة الخدمات التي قدمتها شركة «SGTM» للمكتب الوطني
للمطارات.
عندما نرى كيف يمر بعض الأعوان بسرعة البرق إلى رتبة رئيس قسم ثم
بعد ذلك إلى رتبة مسؤول عن وحدة، فقط لأنهم ينحدرون من عائلة المدير،
نتوقع الأسوأ. ومن هنا تبدأ الكوارث التي يريد البعض إرجاعها إلى الطبيعة
وحدها، فيما العامل البشري يتحمل فيها النصيب الأكبر من المسؤولية.
وكل من يريد أن يفهم طبيعة العقلية التي تتحكم في تسيير الشأن العام
اليوم بالمغرب، ما عليه سوى أن يذهب إلى موقع «يوتوب» لكي يشاهد شريطا حول
تهافت ممثلي السكان وأعيان المدينة ومسؤوليها على الملاسة في حفل تدشين
بمدينة تارغيست. فقد دام «حفل» وضع الحجر الأساس ربع ساعة تناوب خلاله
جميع الحاضرين على التبرك بالملاسة، وتبليط «حقهم» من السيما.
وما بين تهافت البرلمانيين والمستشارين على الحلوى في افتتاح الدورة
الخريفية، وما بين تهافت الوالي وأعوانه وممثلي السكان بمدينة تارغيست على
الملاسة في حفل تدشين عادي، نفهم أين يضيع أولئك الذين عهدنا إليهم
بأمورنا وقتهم.
وأحسن ما قرأت حول الشريط، هو تعليق لأحد المشاهدين لخص فيه كل شيء قائلا «بقات فيا غير الملاسة مسكينة».
بعدما كنا نعيش عصر التناوب على السلطة، أصبحنا نعيش اليوم عصر
التناوب على «الملاسة». الجميع ينتظر دوره لكي «يملس بلاصتو»، إلا من رحم
ربك طبعا.
مهرجان الفرس، إحداث ماستر جديد لنيل شهادة الدكتوراه في علم الفروسية.
وقال بأن علم «التبوريضة» محتاج إلى تعميق النقاش الأكاديمي حوله، خصوصا
حول الأدوات التي تدخل ضمن مستلزمات «التبوريضة» والتي يحتاجها الفرس
والفارس لكي يمنح الجمهور فرجة ناجحة.
وهكذا بقليل من الإلحاح، والله يحب العبد الملحاح، قد ينجح هذا
الأستاذ الجامعي في إضافة تخصصات جديدة في شعبة الماستر بالجامعات
المغربية. فيصبح لدينا طلبة باحثون متخصصون في تاريخ الصفيحة، وآخرون
متخصصون في السروج والمكاحل.
ولعل التخصص الآخر الذي يجب إحداثه أيضا في الجامعات المغربية هو
السحر. فالمغرب لديه شهرة عالمية في هذا التخصص، ومن يشاهد القنوات
العربية، وخصوصا قناة «إم بي سي» السعودية ويتابع كل تلك البرامج التي
تقدمها حول مصارعي الجن في المغرب والساحرات اللواتي يشرحن للمشاهدين دون
أن يرف لهن جفن كيف يفرقن بين الزوج وزوجته، يقتنع بأن المغرب لديه
احتياطي كبير من السحرة، إلى درجة أنه أصبح يصدرهم إلى الخارج.
وهكذا سيصبح لدينا طلبة يعدون ماستر في سحر «الثقاف»، وآخرون يعدون
ماستر في سحر «الربطة»، مع إمكانية وجود تخصصات أكثر دقة داخل هذه الشعب،
كأن يختار الطالب مثلا ما بين «الربطة الزغبية» و«الربطة» العادية.
ويستحسن أن تتعاقد وزارة التعليم العالي مع تلك الساحرة، غير الشمطاء،
التي ظهرت مؤخرا من أكادير على شاشة قناة «إم بي سي» وهي تشرح بالتفصيل
الممل للمغاربة ولجمهور العالم العربي خلطاتها السحرية المخيفة المكونة من
«زغب الحمام» و«خروج بنادم» ومواد أخرى سامة، تستعملها للتفريق بين الزوج
وزوجته، كما تستعملها لإسقاط شعر المرأة و «تبصيل» رأسها، وتدمير جسدها
بالموت البطيء . وندعو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لاستدعاء هذه
السيدة إلى مختبراتها والاستفادة من «سوابقها» السحرية المدمرة، مادام أن
وزارة الداخلية تعتبر ظهور مواطنة مغربية في قناة فضائية واعترافها الصريح
بالقيام بتسميم المواطنين وإلحاق الأذى بهم عن سبق إصرار وترصد، مسألة لا
تدعوها إلى تحريك مصالحها الأمنية بأكادير لاعتقال هذه السيدة واستنطاقها
حول ما تقوم به من أعمال سحرية تضر بسلامة وصحة المواطنين.
فمصالح وزارة الداخلية مجتهدة فقط عندما يتعلق الأمر بإغلاق دور
القرآن، أما دور السحرة والمشعوذين فتتساهل معهم. مع أن القانون واضح في
هذا الباب، ويأمر باعتقال وإغلاق المحلات التي يمارس فيها النصب
والاحتيال. والسحر والشعوذة في القانون المغربي يدخلان ضمن باب النصب
والاحتيال.
أما «واحد» وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المؤسسة المسؤولة عن
الأمن الروحي للمغاربة، فيبدو أنها غير معنية بهذه «السمعة» المخيفة التي
يعطيها أمثال هؤلاء السحرة والمشعوذون عن المغرب في الخارج، خصوصا في
الدول العربية. وكيف ستتدخل وزارة «السي» التوفيق لإغلاق دور الشعوذة وهي
غير قادرة حتى على مجرد إغلاق دار للدعارة في عمارة تابعة لأملاك الأوقاف
في طنجة.
وشخصيا لم أملك سوى أن أردد في داخلي «لا حول ولا قوة إلا بالله»
وأنا أسمع أن نظارة الأوقاف في طنجة أرسلت إلى وزارة الأوقاف في الرباط
رسالة تطلب فيها منها العمل على إخراج إحدى السيدات من شقة في عمارة
الأوقاف بسبب الأعمال المشينة التي تقوم بها والتي يشتكي منها كل سكان
العمارة ووقعوا عريضة استنكارية ضدها ووجهوها إلى ولاية الأمن.
وإذا كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عاجزة عن تنظيف
ممتلكاتها العقارية من دار للدعارة، فكيف سنطلب منها العمل على إغلاق دور
الدعارة والسحر والشعوذة في عمارات الآخرين.
ثم لماذا أصلا نقترح إحداث تخصصات مثل ماستر «التبوريضة» والسحر في
الجامعات المغربية. لسبب بسيط جدا وهو أن هذه التخصصات الجامعية هي التي
تصلح لهذه المرحلة في المغرب. خصوصا عندما نرى أن المهندسين المغاربة من
خريجي «مدرسة الطرق والقناطر» الباريسية العريقة، والذين يديرون شؤون
البلاد، أظهروا أنهم غير قادرين على بناء قناطر وطرق حقيقية تصمد أمام
الأمطار.
وقد انتظر كريم غلاب وزير التجهيز والنقل، وخريج مدرسة الطرق
والقناطر، حتى أتت الفيضانات على أغلب الطرق والقناطر في الشمال والشرق
وأصبحت مدينة تازة مدينة مقطوعة عن العالم، لكي يفكر في فتح تحقيق في
الأيام القادمة حول البنيات التحتية التي ذابت في هذه المناطق مثل قطعة
سكر وسط المياه.
فالمهندس كريم غلاب بهذه «الهدة» التي يحاول القيام بها يريد أن يلقي
باللائمة في ما وقع في الشمال والشرق على الشركات التي فازت بصفقات إنجاز
هذه البنيات التحتية، والتي لم تحترم ما تنص عليه دفاتر التحملات
الوزارية.
والحال أن الذي يتحمل المسؤولية المباشرة في كل هذا الغش الذي أماطت
عنه اللثام الفيضانات الأخيرة هو وزير التجهيز أولا، ثم بعده تأتي لائحة
المسؤولين الذين سيقتسمون معه نصيبهم من المسؤولية.
وتبقى فكرة فتح تحقيق في مدى مطابقة أشغال البناء في المناطق
المنكوبة لدفاتر التحملات مجرد مزحة لن يصدقها أحد. فسعادة الوزير المهندس
لم يفتح تحقيقا حتى عندما تسربت المياه من سقف محطة الوصول الثانية في
مطار محمد الخامس الدولي، وأغمض عينيه عن هذه الفضيحة التي لو وقعت في
دولة تحترم نفسها لأقيل مدير المكتب الوطني للمطارات على الفور.
والمحير في صمت وزير التجهيز عن فضيحة تسرب المياه إلى المحطة وربط
مدير المطار للتسرب بأشغال تثبيت المكيفات الهوائية في السقف من طرف
التقنيين، هو معرفة الوزير بأن نظام التكييف الهوائي المعطل الذي وضعته
شركة «SGTM» لازال تحت الضمان، والذي يمتد إلى سنتين. إذن فما حاجة المدير
إلى تكليف تقنيي المطار بوضع مكيفات جديدة في السقف، مادامت شركة القباج
التي تكفلت ببناء المحطة الثانية ملزمة بإصلاح نظام التكييف الذي انطلق في
سبتمبر من السنة الماضية ولم يقفل بعد سنته الثانية.
وليس نظام التهوية والتكييف وحده الذي لازال يوجد تحت الضمان، بل كل
المعدات التقنية المختلة الأخرى، كنظام التحكم في الأمتعة، واللائحة
الإلكترونية الكبيرة لأرقام الرحلات، وإضاءة البهو. فكل هذه المعدات
لازالت تحت الضمان وليس من حق تقنيي المطار، الذين يتهمهم مديرهم بالوقوف
وراء تسريب «القطرة»، أن يضعوا أيديهم فيها. فالشركة التي اشترتها وركبتها
هي المخولة قانونيا داخل آجال الضمان القانوني بإعادة إصلاح أعطابها أو
تغييرها.
ولو أن المكتب الوطني للمطارات التابع لوزارة التجهيز كان يفتقر إلى
مكتب خاص بجودة الخدمات، لكان الأمر أهون، أما وأن المكتب يتوفر على هذا
المكتب وهذا المكتب لديه رئيس، فهذا يدفعنا إلى التساؤل عن الشواهد
العلمية التي يملكها رئيس هذا القسم حتى يعطي الضوء الأخضر ويوقع
بالموافقة على جودة الخدمات التي قدمتها شركة «SGTM» للمكتب الوطني
للمطارات.
عندما نرى كيف يمر بعض الأعوان بسرعة البرق إلى رتبة رئيس قسم ثم
بعد ذلك إلى رتبة مسؤول عن وحدة، فقط لأنهم ينحدرون من عائلة المدير،
نتوقع الأسوأ. ومن هنا تبدأ الكوارث التي يريد البعض إرجاعها إلى الطبيعة
وحدها، فيما العامل البشري يتحمل فيها النصيب الأكبر من المسؤولية.
وكل من يريد أن يفهم طبيعة العقلية التي تتحكم في تسيير الشأن العام
اليوم بالمغرب، ما عليه سوى أن يذهب إلى موقع «يوتوب» لكي يشاهد شريطا حول
تهافت ممثلي السكان وأعيان المدينة ومسؤوليها على الملاسة في حفل تدشين
بمدينة تارغيست. فقد دام «حفل» وضع الحجر الأساس ربع ساعة تناوب خلاله
جميع الحاضرين على التبرك بالملاسة، وتبليط «حقهم» من السيما.
وما بين تهافت البرلمانيين والمستشارين على الحلوى في افتتاح الدورة
الخريفية، وما بين تهافت الوالي وأعوانه وممثلي السكان بمدينة تارغيست على
الملاسة في حفل تدشين عادي، نفهم أين يضيع أولئك الذين عهدنا إليهم
بأمورنا وقتهم.
وأحسن ما قرأت حول الشريط، هو تعليق لأحد المشاهدين لخص فيه كل شيء قائلا «بقات فيا غير الملاسة مسكينة».
بعدما كنا نعيش عصر التناوب على السلطة، أصبحنا نعيش اليوم عصر
التناوب على «الملاسة». الجميع ينتظر دوره لكي «يملس بلاصتو»، إلا من رحم
ربك طبعا.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الإخلال بالاحترام الواجب للوطن/رشيد نيني /المساء 31.10.2008
لا يكاد يمر شهر دون أن نسمع عن محكمةمن محاكم المملكة تتابع شابا أمامها
بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك. منذ عهد الحسن الثاني والمتهمون
بهذه الجريمة يمرون أمام محاكم المملكة وينتهون في السجن. أحدهم لم يكن
سوى تلميذ في قسم للإعدادي طلب الأستاذ منه، ومن زملائه، أن يحكوا له عن
الأحلام التي رأوها مؤخرا. فلما جاء دور التلميذ لكي يروي حلمه، وقف وقال
بأنه رأى فيما يرى النائم أن النظام في المغرب قد سقط. فهزها الأستاذ
«سخونة» للمدير والمدير هزها بدوره قبل أن تبرد في يده إلى القائد والقائد
إلى الباشا والباشا إلى العامل. وهكذا وجد التلميذ نفسه أمام القاضي
يستجوبه عن هذا الحلم اليساري المتطرف الذي تجلى له في المنام. وكأن
التلميذ كان عليه أن يبلغ عن نفسه لدى الشرطة بمجرد تورطه في هذا الحلم
الذي زاره دون إرادته، حتى يتبرأ منه ويثبت حسن أحلامه، حتى لا نقول حسن
نيته.
ورغم أن القاعدة الأصولية تقول بأن القلم مرفوع عن النائم حتى
يستيقظ، إلا أن القانون المغربي لا يعترف، عندما يتعلق الأمر بالملكية، لا
بالشواهد الطبية التي تثبت جنون وحمق الذين يقلون على الملك الاحترام، ولا
بأحلام العاقلين النائمين منهم. فتم الحكم على التلميذ بالسجن النافذ.
والعجيب أنه في الماضي كان المتهمون في مثل هذه القضايا يمثلون أمام
القضاء مساندين بمحاميهم، وليس مثل اليوم حيث يحكم القضاء عليهم في أول
جلسة دون تمتيعهم بحق الدفاع. وهكذا تدخل محامي التلميذ وقال للقاضي بأنه
عندما يرسل تلميذا في السادسة عشرة من عمره إلى السجن فإنه يحرم المجتمع
من مواطن كان يمكن أن يكون في المستقبل طبيبا أو مهندسا أو حتى رئيس دولة.
وهنا وقفت للقاضي قرون الاستشعار بمجرد سماعه للمنصب المستقبلي الذي قد
يحتله التلميذ. وبما أن نظام الحكم في المغرب ملكي، ولا يسمح لأي فرد من
أفراد الشعب بأن يطمح لأن يكون في يوم من الأيام رئيس دولة، فقد أمر
القاضي باعتقال المحامي ومحاكمته بسبب مجرد تخيله إمكانية تطبيق النظام
الجمهوري ذات يوم في المغرب. وحكم عليه بسنتين سجنا نافذا، وهكذا كان قدر
التلميذ أن يغادر السجن قبل محاميه.
واليوم، والمغرب يقترب من إقفال السنة العاشرة على انطلاق العهد
الجديد، تصدر المحكمة حكما بالسجن في حق شاب في الثامنة عشرة من عمره لسنة
ونصف، قبل أن تقرر متابعته في حالة سراح، لأنه كتب على الحائط شعار
المملكة، وعوض شعار الملك فيه بشعار «البارصا».
الحكم اعتبره الجميع في المغرب قاسيا جدا، وكان يمكن أن يعالج
بطريقة أخرى أقل تشنجا. أما جيراننا الإسبان فقد فقدوا صوابهم وجن جنونهم.
خصوصا محبو فريق «البارصا». وذهبت إدارة الفريق البرشلوني إلى حد منح
التلميذ ياسين بلعسل جواز سفر رمزي. ففي إسبانيا هناك ديانة يمارسها
الملايين بخشوع عميق وهي كرة القدم. ويمكنك في إسبانيا أن تسب وتشتم الملك
خوان كارلوس وعائلته وجذوره أجمعين، لكن عليك أن تنتظر الزوابع والتوابع
إذا أنت غامرت وشتمت «البرصا» أو «ريال مدريد». فكرة القدم هي المقدس
الوحيد عند الإسبان. وفي الوقت الذي تقفل الكنائس أبوابها بسبب ندرة
المصلين تبني الدولة المزيد من الملاعب لاستيعاب ملايين المتعبدين في
المدرجات والمتهجدين بترتيل الأناشيد الرسمية للفرق الكروية.
ولعل الجميع لاحظ أن العدالة المغربية بسقوطها في فخ إصدار هذه
الأحكام المفرطة في القسوة في قضايا الإخلال بالاحترام الواجب للملك،
ساهمت في إضفاء مسحة من السخرية السوداء على القضاء المغربي.
فسمعنا الشاب المغربي المتابع في قضية «البارصا» يقول بأنه لم يكن
يقصد بما كتب ملك المغرب وإنما ملك الجزائر. فنبهته المحكمة إلى أن
الجزائر لديها نظام جمهوري وليس نظام ملكي. ولو أنني أختلف مع المحكمة
الموقرة فيما ذهبت إليه بخصوص النظام الحاكم في الجارة الجزائر. فلا هو
نظام جمهوري ولا هو نظام ملكي. خصوصا أن الرئيس بوتفليقة يستعد للجلوس على
عرش قصر المرادية لولاية ثالثة على التوالي. وحتى إذا تخلى عن الرئاسة، أو
تخلت عنه، سيرثها من بعده أحد رجالات الجيش الأقوياء.
وما قاله الشاب المتابع في قضية «البارصا» بخصوص ملك الجزائر، يشبه
كثيرا تلك النكتة التي انتشرت في عهد الحسن الثاني، والتي تقول أن شابا
أحمق هرب من البيت إلى الشارع وبدأ يشتم ويسب الملك. ولأن والدته كانت
خائفة عليه من الاعتقال والمحاكمة بتهمة إهانة المقدسات، رغم شواهده
الطبية التي لن تنفعه أمام القاضي، فقد كانت تركض خلفه وتصرخ ملء صدرها
كلما أطلق ولدها شتيمة في حق الملك قائلة «وتاع صبانيا تاع صبانيا». وهكذا
ظلت الأم المسكينة تركض وراء ابنها ناشرة هذا التوضيح في كل الأماكن التي
يطلق فيها هذا الأخير شتائمه المجنونة، حتى تحميه من شر المتابعة.
وإذا كانت هذه الحكاية يرددها المغاربة على سبيل النكتة، فإن أحكاما
قضائية صدرت مؤخرا تفوقت على هذه النكتة، بحيث تستحق أن تدرج في كتاب خاص
بالأحكام الغريبة يكون عنوانه «غير شد كرشك وضحك».
وأحد هذه الأحكام هو الحكم على سيدة وقفت أمام المحكمة تطلب الطلاق
بستة أشهر سجنا نافذا، لأنها قالت للقاضي عندما سألها عن أسباب طلبها
للطلاق بأن زوجها لا يهز ولا يحط، وأنه يبقى في البيت طيلة النهار واضعا
رجلا فوق رجل «بحال شي ملك». وهكذا لم ينفع القضاء ولا مدونة الأسرة
الزوجة في التخلص من زوجها الكسول، وإنما زوجها الكسول هو الذي تخلص منها
بعد أن أرسلها القاضي إلى السجن بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك. مع
أن ما قالته الزوجة ليس فيه أي قصد للإساءة إلى الملك، كما أنها لم تحدد
عن أي ملك من الملوك تتحدث، فعددهم في العالم كبير. كما أننا لا نعرف هل
تتحدث عن الملك كمنصب سياسي أم الملك كمنصب فخري كملك الجمال أو ملك كمال
الأجسام.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه القضاء والإعلام بمتابعة المتورطين في تهمة
الإخلال بالاحترام الواجب للملك، لم نسمع إلى حدود اليوم وكيلا للملك
يتابع مسؤولا واحدا بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للوطن. مع أن الوطن هو
أحد المقدسات الثلاثة التي ينص عليها الدستور في ديباجته.
وعندما نطالع بلاغ وزارة الداخلية الذي تتحدث فيه عن مبلغ850 مليون
سنتيم التي وفرتها الدولة لمساعدة منكوبي الفيضانات، ثم نستمع إلى رئيس
مجلس العيون وهو يتحدث في ندوة بالدار البيضاء عن تخصيص مبلغ 600 مليون،
أي نصف المبلغ الذي رصدته الدولة لضحايا الفيضانات، لمهرجان «روافد
أزوان»، نفهم المعنى الحقيقي للإخلال بالاحترام الواجب للوطن.
عندما نرى كيف خصص السيد مزوار وزير المالية مبلغ 23 مليون درهم في
قانون ماليته للسنة المقبلة لميزانية عشب الغولف الملكي بالرباط، الذي
يأتي إليه علية القوم لدحرجة كراتهم نحو الحفر وتسلية أنفسهم، ونقارن بين
هذا المبلغ السخي ومبلغ 580 مليون سنتيم التي خصصتها الدولة لإنقاذ عشرات
الآلاف من المنكوبين ومواساة العشرات من القتلى والمفقودين داخل حفر
حقيقية هذه المرة وليس حفر الغولف الضيقة، نفهم المعنى الحقيقي للإخلال
بالاحترام الواجب للوطن.
عندما نرى كيف يمنح عمدة الدار البيضاء، محمد ساجد، مبلغ 580 مليون
سنتيم للمخرج السينمائي نبيل عيوش لكي يبني قاعات سينمائية في الأحياء
الشعبية بالدار البيضاء، ونقارن بين هذا المبلغ الذي أخذه شخص واحد وبين
مبلغ 850 مليون سنتيم التي ستوزع على الآلاف من المواطنين لإعادة بناء
مساكنهم المدمرة في طنجة والناظور والراشيدية وميسور وغيرها من المناطق،
نفهم المعنى الحقيقي للإخلال بالاحترام الواجب للوطن.
عندما تتبرع دولة أجنبية كإسبانيا على صندوق المبادرة الوطنية
للتنمية البشرية هذا الأسبوع بمبلغ 200 مليار سنتيم (200 مليون أورو)،
ونرى كيف «تتبرع» الدولة والحكومة المغربية على مواطنيها بهذا المبلغ
التافه، الذي لا يساوي حتى ميزانية مهرجان سخيف من المهرجانات التي تعج
بها المملكة، نفهم المعنى الحقيقي للإخلال بالاحترام الواجب للوطن.
لكن للأسف قلة الاحترام هذه في حق الوطن لا تستحق من أية جهة قضائية
متابعة المتورطين فيها. فالوطن من كثرة ما أهينت كرامته ومرغت في الوحل
أصبح متعودا على السماح في حقه. ولذلك نجح كل هؤلاء الذين يهينونه ويقلون
احترامهم عليه يوميا في جعل ثلاثة ملايين من أبنائه يغادرونه من أول فرصة
أتيحت لهم. والبقية يحلم جزء كبير منها بهذا «الفرار الكبير» كل ليلة.
وكما أننا لا نقبل أن يهان الملك أو يقلل أحدهم من الاحترام الواجب
لشخصه، فإننا لا نرضى أيضا أن يهان الوطن ويهان أبناؤه باستصغار معاناتهم
وازدراء أرواحهم وأرواح أبنائهم. أما الله تعالى فقادر أن يتولى من يهين
اسم جلالته بعقابه أو رحمته التي وسعت كل شيء.
بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك. منذ عهد الحسن الثاني والمتهمون
بهذه الجريمة يمرون أمام محاكم المملكة وينتهون في السجن. أحدهم لم يكن
سوى تلميذ في قسم للإعدادي طلب الأستاذ منه، ومن زملائه، أن يحكوا له عن
الأحلام التي رأوها مؤخرا. فلما جاء دور التلميذ لكي يروي حلمه، وقف وقال
بأنه رأى فيما يرى النائم أن النظام في المغرب قد سقط. فهزها الأستاذ
«سخونة» للمدير والمدير هزها بدوره قبل أن تبرد في يده إلى القائد والقائد
إلى الباشا والباشا إلى العامل. وهكذا وجد التلميذ نفسه أمام القاضي
يستجوبه عن هذا الحلم اليساري المتطرف الذي تجلى له في المنام. وكأن
التلميذ كان عليه أن يبلغ عن نفسه لدى الشرطة بمجرد تورطه في هذا الحلم
الذي زاره دون إرادته، حتى يتبرأ منه ويثبت حسن أحلامه، حتى لا نقول حسن
نيته.
ورغم أن القاعدة الأصولية تقول بأن القلم مرفوع عن النائم حتى
يستيقظ، إلا أن القانون المغربي لا يعترف، عندما يتعلق الأمر بالملكية، لا
بالشواهد الطبية التي تثبت جنون وحمق الذين يقلون على الملك الاحترام، ولا
بأحلام العاقلين النائمين منهم. فتم الحكم على التلميذ بالسجن النافذ.
والعجيب أنه في الماضي كان المتهمون في مثل هذه القضايا يمثلون أمام
القضاء مساندين بمحاميهم، وليس مثل اليوم حيث يحكم القضاء عليهم في أول
جلسة دون تمتيعهم بحق الدفاع. وهكذا تدخل محامي التلميذ وقال للقاضي بأنه
عندما يرسل تلميذا في السادسة عشرة من عمره إلى السجن فإنه يحرم المجتمع
من مواطن كان يمكن أن يكون في المستقبل طبيبا أو مهندسا أو حتى رئيس دولة.
وهنا وقفت للقاضي قرون الاستشعار بمجرد سماعه للمنصب المستقبلي الذي قد
يحتله التلميذ. وبما أن نظام الحكم في المغرب ملكي، ولا يسمح لأي فرد من
أفراد الشعب بأن يطمح لأن يكون في يوم من الأيام رئيس دولة، فقد أمر
القاضي باعتقال المحامي ومحاكمته بسبب مجرد تخيله إمكانية تطبيق النظام
الجمهوري ذات يوم في المغرب. وحكم عليه بسنتين سجنا نافذا، وهكذا كان قدر
التلميذ أن يغادر السجن قبل محاميه.
واليوم، والمغرب يقترب من إقفال السنة العاشرة على انطلاق العهد
الجديد، تصدر المحكمة حكما بالسجن في حق شاب في الثامنة عشرة من عمره لسنة
ونصف، قبل أن تقرر متابعته في حالة سراح، لأنه كتب على الحائط شعار
المملكة، وعوض شعار الملك فيه بشعار «البارصا».
الحكم اعتبره الجميع في المغرب قاسيا جدا، وكان يمكن أن يعالج
بطريقة أخرى أقل تشنجا. أما جيراننا الإسبان فقد فقدوا صوابهم وجن جنونهم.
خصوصا محبو فريق «البارصا». وذهبت إدارة الفريق البرشلوني إلى حد منح
التلميذ ياسين بلعسل جواز سفر رمزي. ففي إسبانيا هناك ديانة يمارسها
الملايين بخشوع عميق وهي كرة القدم. ويمكنك في إسبانيا أن تسب وتشتم الملك
خوان كارلوس وعائلته وجذوره أجمعين، لكن عليك أن تنتظر الزوابع والتوابع
إذا أنت غامرت وشتمت «البرصا» أو «ريال مدريد». فكرة القدم هي المقدس
الوحيد عند الإسبان. وفي الوقت الذي تقفل الكنائس أبوابها بسبب ندرة
المصلين تبني الدولة المزيد من الملاعب لاستيعاب ملايين المتعبدين في
المدرجات والمتهجدين بترتيل الأناشيد الرسمية للفرق الكروية.
ولعل الجميع لاحظ أن العدالة المغربية بسقوطها في فخ إصدار هذه
الأحكام المفرطة في القسوة في قضايا الإخلال بالاحترام الواجب للملك،
ساهمت في إضفاء مسحة من السخرية السوداء على القضاء المغربي.
فسمعنا الشاب المغربي المتابع في قضية «البارصا» يقول بأنه لم يكن
يقصد بما كتب ملك المغرب وإنما ملك الجزائر. فنبهته المحكمة إلى أن
الجزائر لديها نظام جمهوري وليس نظام ملكي. ولو أنني أختلف مع المحكمة
الموقرة فيما ذهبت إليه بخصوص النظام الحاكم في الجارة الجزائر. فلا هو
نظام جمهوري ولا هو نظام ملكي. خصوصا أن الرئيس بوتفليقة يستعد للجلوس على
عرش قصر المرادية لولاية ثالثة على التوالي. وحتى إذا تخلى عن الرئاسة، أو
تخلت عنه، سيرثها من بعده أحد رجالات الجيش الأقوياء.
وما قاله الشاب المتابع في قضية «البارصا» بخصوص ملك الجزائر، يشبه
كثيرا تلك النكتة التي انتشرت في عهد الحسن الثاني، والتي تقول أن شابا
أحمق هرب من البيت إلى الشارع وبدأ يشتم ويسب الملك. ولأن والدته كانت
خائفة عليه من الاعتقال والمحاكمة بتهمة إهانة المقدسات، رغم شواهده
الطبية التي لن تنفعه أمام القاضي، فقد كانت تركض خلفه وتصرخ ملء صدرها
كلما أطلق ولدها شتيمة في حق الملك قائلة «وتاع صبانيا تاع صبانيا». وهكذا
ظلت الأم المسكينة تركض وراء ابنها ناشرة هذا التوضيح في كل الأماكن التي
يطلق فيها هذا الأخير شتائمه المجنونة، حتى تحميه من شر المتابعة.
وإذا كانت هذه الحكاية يرددها المغاربة على سبيل النكتة، فإن أحكاما
قضائية صدرت مؤخرا تفوقت على هذه النكتة، بحيث تستحق أن تدرج في كتاب خاص
بالأحكام الغريبة يكون عنوانه «غير شد كرشك وضحك».
وأحد هذه الأحكام هو الحكم على سيدة وقفت أمام المحكمة تطلب الطلاق
بستة أشهر سجنا نافذا، لأنها قالت للقاضي عندما سألها عن أسباب طلبها
للطلاق بأن زوجها لا يهز ولا يحط، وأنه يبقى في البيت طيلة النهار واضعا
رجلا فوق رجل «بحال شي ملك». وهكذا لم ينفع القضاء ولا مدونة الأسرة
الزوجة في التخلص من زوجها الكسول، وإنما زوجها الكسول هو الذي تخلص منها
بعد أن أرسلها القاضي إلى السجن بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك. مع
أن ما قالته الزوجة ليس فيه أي قصد للإساءة إلى الملك، كما أنها لم تحدد
عن أي ملك من الملوك تتحدث، فعددهم في العالم كبير. كما أننا لا نعرف هل
تتحدث عن الملك كمنصب سياسي أم الملك كمنصب فخري كملك الجمال أو ملك كمال
الأجسام.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه القضاء والإعلام بمتابعة المتورطين في تهمة
الإخلال بالاحترام الواجب للملك، لم نسمع إلى حدود اليوم وكيلا للملك
يتابع مسؤولا واحدا بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للوطن. مع أن الوطن هو
أحد المقدسات الثلاثة التي ينص عليها الدستور في ديباجته.
وعندما نطالع بلاغ وزارة الداخلية الذي تتحدث فيه عن مبلغ850 مليون
سنتيم التي وفرتها الدولة لمساعدة منكوبي الفيضانات، ثم نستمع إلى رئيس
مجلس العيون وهو يتحدث في ندوة بالدار البيضاء عن تخصيص مبلغ 600 مليون،
أي نصف المبلغ الذي رصدته الدولة لضحايا الفيضانات، لمهرجان «روافد
أزوان»، نفهم المعنى الحقيقي للإخلال بالاحترام الواجب للوطن.
عندما نرى كيف خصص السيد مزوار وزير المالية مبلغ 23 مليون درهم في
قانون ماليته للسنة المقبلة لميزانية عشب الغولف الملكي بالرباط، الذي
يأتي إليه علية القوم لدحرجة كراتهم نحو الحفر وتسلية أنفسهم، ونقارن بين
هذا المبلغ السخي ومبلغ 580 مليون سنتيم التي خصصتها الدولة لإنقاذ عشرات
الآلاف من المنكوبين ومواساة العشرات من القتلى والمفقودين داخل حفر
حقيقية هذه المرة وليس حفر الغولف الضيقة، نفهم المعنى الحقيقي للإخلال
بالاحترام الواجب للوطن.
عندما نرى كيف يمنح عمدة الدار البيضاء، محمد ساجد، مبلغ 580 مليون
سنتيم للمخرج السينمائي نبيل عيوش لكي يبني قاعات سينمائية في الأحياء
الشعبية بالدار البيضاء، ونقارن بين هذا المبلغ الذي أخذه شخص واحد وبين
مبلغ 850 مليون سنتيم التي ستوزع على الآلاف من المواطنين لإعادة بناء
مساكنهم المدمرة في طنجة والناظور والراشيدية وميسور وغيرها من المناطق،
نفهم المعنى الحقيقي للإخلال بالاحترام الواجب للوطن.
عندما تتبرع دولة أجنبية كإسبانيا على صندوق المبادرة الوطنية
للتنمية البشرية هذا الأسبوع بمبلغ 200 مليار سنتيم (200 مليون أورو)،
ونرى كيف «تتبرع» الدولة والحكومة المغربية على مواطنيها بهذا المبلغ
التافه، الذي لا يساوي حتى ميزانية مهرجان سخيف من المهرجانات التي تعج
بها المملكة، نفهم المعنى الحقيقي للإخلال بالاحترام الواجب للوطن.
لكن للأسف قلة الاحترام هذه في حق الوطن لا تستحق من أية جهة قضائية
متابعة المتورطين فيها. فالوطن من كثرة ما أهينت كرامته ومرغت في الوحل
أصبح متعودا على السماح في حقه. ولذلك نجح كل هؤلاء الذين يهينونه ويقلون
احترامهم عليه يوميا في جعل ثلاثة ملايين من أبنائه يغادرونه من أول فرصة
أتيحت لهم. والبقية يحلم جزء كبير منها بهذا «الفرار الكبير» كل ليلة.
وكما أننا لا نقبل أن يهان الملك أو يقلل أحدهم من الاحترام الواجب
لشخصه، فإننا لا نرضى أيضا أن يهان الوطن ويهان أبناؤه باستصغار معاناتهم
وازدراء أرواحهم وأرواح أبنائهم. أما الله تعالى فقادر أن يتولى من يهين
اسم جلالته بعقابه أو رحمته التي وسعت كل شيء.
zouakine1- عدد الرسائل : 202
العمر : 51
Localisation : Maroc
Emploi : KHADAM
تاريخ التسجيل : 17/11/2006
لا يا سادة، ليس باسم الملك/رشيد نيني/المساء ّ2.11.2008
منذ سنوات طويلة والمغرب يفعل المستحيل لكي يحصل على وضع الشريك المتقدم
مع الاتحاد الأوربي. وعندما حصل المغرب قبل أسبوعين على هذا الوضع قدم
القضاء المغربي تهنئته للملك بطريقته الخاصة. فقد أصدر حكمين قضائيين باسم
الملك يليقان بدولة متخلفة من دول العالم الثالث، وليس بدولة كالمغرب
منحها الاتحاد الأوربي وضعا متقدما في الشراكه معه، لما قام به الملك
شخصيا من إصلاحات مست الجانب الأسري والحقوقي والاقتصادي.
الحكم القضائي الأول قدم المغرب في مجموع دول الاتحاد الأوربي الذي
أصبحنا «شبه» أعضاء فيه، كدولة يعاني قضاؤها من شهية مفرطة للشطط، خصوصا
عندما يتعلق الأمر بقضية يثار فيها اسم الملك. وكأن هذا القضاء يريد أن
يغطي عن فساده وعدم استقلاليته وتساهله مع لصوص المال العام، بالتشدد
والقسوة حد العبث مع المراهقين الذين يرتكبون أخطاء تافهة يمكن معالجتها
بألف طريقة أخرى غير الأحكام السالبة للحرية.
فأصبح القضاء المغربي بسبب قضية «الله الوطن البارصا» مثار سخرية في
دول الاتحاد الأوربي. وأعطى للرأي العام الدولي صورة كاريكاتورية عن
المغرب وعدالته التي لا تشعر بالذنب وهي ترسل شابا نموذجيا في دراسته
وحاصلا على بطولة المغرب في الكارتيه، إلى السجن سنة ونصف لمجرد أنه ارتكب
حماقة يمكن أن يرتكبها أي مراهق في سنه.
وبعد هذا الحكم القضائي بأسبوع سيصدر باسم الملك حكم آخر أكثر قسوة
ضد جريدة «المساء»، وهذه المرة ليس بالسجن ولكن بالإعدام. فمحكمة
الاستئناف رأت أن مطالب القضاة الأربعة المادية معقولة، وأن الضرر الذي
أصابهم، والذي بالمناسبة لم يستطع أي واحد منهم إثباته بالملموس المحكمة،
يقدر بستمائة مليون سنتيم لا غير.
وهو تعويض لم يتسلمه حتى ضحايا تازمامارت الذين قضوا عشرين سنة
مدفونين أحياء، ولا تقاضاه ضحايا سنوات الرصاص الذين فقد البعض منهم
رجولته وفقد البعض الآخر القدرة على الإنجاب، وفقد الجميع منهم أحلى سنوات
العمر بين جدران السجون الباردة.
فأية عدالة هذه التي تعوض أهل القتيل في قضايا حوادث السير حسب سنه
وراتبه ومعدل حياته، مبلغا لا يتعدى في أحسن الأحوال خمسين مليون سنتيم،
بينما تعوض نائبا للملك بمائة وخمسين مليون سنتيم بسبب مقال لم يذكره لا
بالإسم ولا بالنسب. وأي حساب فلكي استندت إليه المحكمة الموقرة لكي تقيس
معدل الكرامة في دماء المغاربة، فترمي الفتات لذوي الدماء الحمراء، بينما
تمنح ذوي الدماء الزرقاء كل ما يطلبونه من تعويضات.
على خالد الناصري الناطق الرسمي باسم الحكومة أن يعيد النظر في ما
قاله حول الرتبة التي احتلها المغرب في التقرير الأخير لمنظمة مراسلون بلا
حدود، عندما وصف تقرير المنظمة حول المغرب بالسوريالي. لأنه إذا ما كان
هناك شيء ما سورياليا في المغرب فهو هذا القضاء الذي ينتظر دائما أن يتدخل
الملك لكي يصلح له أخطاءه الفادحة.
عندما اقترف القضاء حكما بسجن المهندس مرتضى بتهمة انتحال صفة الأمير
مولاي رشيد، وجاء العفو الملكي لينتشل المهندس الشاب من غياهب السجون،
قلنا أن القضاء سيفهم الإشارة الملكية، وسيعفي المغرب من التعرض لكل تلك
الحملات الهوجاء في الخارج، والتي تهدد صورته وتشكك في نواياه بخصوص تحقيق
الانتقال الديمقراطي. لكن يبدو أن مغناطيس الماضي أقوى مما نتصور، وبمجرد
ما طوينا ملف مهندس «الفايس بوك» حتى فتحوا لنا ملفا جديدا في أكادير لشاب
آخر كل ذنبه أنه كتب ونشر رأيه في السياسة الاجتماعية للملك. فحكموا على
الراجي بالسجن قبل أن يرتد إليه طرفه، ووجد نفسه فجأة وسط المجرمين
والقتلة في سجن آيت ملول.
ولأن كلا من المهندس مرتضى والراجي يعيشان بالإضافة إلى العالم
الواقعي في عالم افتراضي تسير فيه المعلومة والخبر بسرعة الضوء، فقد طافت
قضيتهما أرجاء العالم، وخلقت من أجلهما مواقع وصفحات بالمئات، وتجند
الآلاف للدفاع عن حريتهما، رغم أنه لا تجمعهم بهما علاقة أخرى غير القرابة
الإلكترونية.
ومرة أخرى كان لا بد للملك من التدخل لإيقاف هذه المهزلة، واكتشف
القضاء فجأة أنه لم يحترم حقوق الدفاع التي يجب أن يتمتع بها المتهم، وأن
اختلالات فادحة في الشكل لا يمكن أن يرتكبها طالب السنة الأولى حقوق شابت
المحاكمة. فأفرج عن محمد الراجي، ولم ير أحد ضرورة لإعادة محاكمته ضمن
شروط قانونية مضبوطة، فيبدو أنهم اقتنعوا أن الراجي لم يرتكب جرما يستحق
أن يحاكم عليه. لأن الدستور والقانون المغربي يضمن له حقه في التعبير عن
أفكاره بكل حرية.
ليس صدفة أن يتحدث الملك في خطبه الأخيرة عن الفساد القضائي، وضرورة
التعجيل بإصلاح ورش العدالة المتوقف منذ سنوات. فكل التقارير الدولية تشير
بأصبع الاتهام إلى القضاء المغربي، وتعتبر الفساد الذي ينخر هذا الجهاز
أحد أكبر أسباب عرقلة عجلة الإصلاحات في المغرب.
وعوض أن يساعد القضاء الملك ويعفيه من الزج في كل مرة بإسمه في
أحكام ظالمة تجوب العالم بسبب غرابتها المفرطة وانتمائها إلى زمن آخر، لا
يدخر هذا القضاء جهدا لكي يجعل من تهمة «الإخلال بالإحترام الواجب للملك»
فزاعة يرهب بها المراهقين والشباب، ويرميهم باسمها في السجون، منتظرا أن
يتدخل الملك لكي يصحح له أخطاءه التي تكلف المغرب ثمنا فادحا من رصيده
الحقوقي الذي يتناقص بالتدريج.
وما يجب أن يستوعبه القضاء المغربي اليوم هو أننا بحكم الوضع المتقدم
الذي منحنا إياه الاتحاد الأوربي، لم يعد مقبولا منه أن يصدر هذه الحماقات
القضائية. فالاتحاد الأوربي لديه مفوضية في الرباط، ولديه لجنة لحقوق
الإنسان وحرية الصحافة في بروكسيل شغلها الشاغل هو السهر على تتبع تطور
ملف حقوق الإنسان والصحافة في الدول الأعضاء في الاتحاد أو تلك التي لديها
مثل المغرب وضع متقدم داخله.
بمعنى أوضح، إذا لم يضع القضاء في اعتباره مصلحة الصحافة وحقوق
الأفراد فليضع على الأقل في اعتباره مصالح المغرب العليا، وليوقف هذا
العبث الذي لا يليق ببلد يفتخر بتحقيقه للمصالحة مع ماضيه الرصاصي، وقطعه
مع أساليب العهد البائد في التعاطي مع الصحافة المستقلة.
نحن على يقين أن الحكم الذي أكدته محكمة الاستئناف ضدنا لا يشرف
المغرب ولا عدالته. لأننا لا نستطيع أن نتصور صدور حكم بالإعدام باسم
الملك على جريدة شابة اختارها الشعب لكي تكون جريدته الأولى. والملك بوصفه
الضامن الأول لاحترام الدستور والقانون في المملكة، لا يرضى لنفسه أن يصدر
حكم باسمه لإعدام مؤسسة إعلامية شابة، تساهم إلى جانبه بدورها البسيط في
الدفع بالمغرب نحو الأمام.
إن كل هذه الأحكام الغريبة التي صدرت في الآونة الأخيرة واستدعت
تدخلا ملكيا لتصحيحها، تطرح على العدالة المغربية سؤالا كبيرا، وهو ما مدى
إدراك هذه العدالة للأضرار البالغة التي تلحقها بصورة المؤسسة الملكية في
كل مرة تربط فيها بين اسم الملك وحكم جائر من أحكامها.
إن الإخلال بالاحترام الواجب للملك هو ما يقوم به بعض القضاة، عندما
ينطقون أحكامهم الخرافية باسم الملك، ويضطرونه للتدخل وإصدار العفو بعدما
تطوف أحكامهم السخيفة أرجاء العالم. فقد أصبح واضحا اليوم بعد الحكم
الجائر ضدنا أن هناك جهات تستغل اسم الملك والمؤسسة الملكية لتصفية الحساب
قضائيا مع من تزعجهم مواقفهم وآراؤهم وكتاباتهم. وهؤلاء الذين يختفون وراء
الملك ويستغلون اسمه لتصفية خصومهم هم من يجب متابعتهم بالإساءة للمؤسسة
الملكية واستعمال مؤسسة القضاء النبيلة لأهداف شخصية وضيعة ومنحطة.
إذا كنا قد قررنا الذهاب إلى المجلس الأعلى لكي نستنفد آخر مراحل
التقاضي التي يكفلها لنا القانون في هذا الملف، فلأننا نحترم العدالة ونثق
بجوهرها وروحها الذي يرفض الظلم و«الحكرة». نذهب إلى المجلس الأعلى وكلنا
أمل في أن يتم إنصافنا لكي نستمر في أداء رسالتنا الإعلامية بشرف وصدق
وأمانة.
ونقول للذين حكموا على الراجي ومرتضى وبلعسل و«المساء» وغيرهم كثير
من المظلومين الذين يقضون أيامهم في السجون بتهم سخيفة، لا يا سادة، ليس
باسم الملك، أوقفوا هذا العبث، فالمغاربة يستحقون أحسن من هذه العدالة
المتشنجة. والملك لديه أشياء أهم يقوم بها غير تصحيح زلاتكم القضائية.
مع الاتحاد الأوربي. وعندما حصل المغرب قبل أسبوعين على هذا الوضع قدم
القضاء المغربي تهنئته للملك بطريقته الخاصة. فقد أصدر حكمين قضائيين باسم
الملك يليقان بدولة متخلفة من دول العالم الثالث، وليس بدولة كالمغرب
منحها الاتحاد الأوربي وضعا متقدما في الشراكه معه، لما قام به الملك
شخصيا من إصلاحات مست الجانب الأسري والحقوقي والاقتصادي.
الحكم القضائي الأول قدم المغرب في مجموع دول الاتحاد الأوربي الذي
أصبحنا «شبه» أعضاء فيه، كدولة يعاني قضاؤها من شهية مفرطة للشطط، خصوصا
عندما يتعلق الأمر بقضية يثار فيها اسم الملك. وكأن هذا القضاء يريد أن
يغطي عن فساده وعدم استقلاليته وتساهله مع لصوص المال العام، بالتشدد
والقسوة حد العبث مع المراهقين الذين يرتكبون أخطاء تافهة يمكن معالجتها
بألف طريقة أخرى غير الأحكام السالبة للحرية.
فأصبح القضاء المغربي بسبب قضية «الله الوطن البارصا» مثار سخرية في
دول الاتحاد الأوربي. وأعطى للرأي العام الدولي صورة كاريكاتورية عن
المغرب وعدالته التي لا تشعر بالذنب وهي ترسل شابا نموذجيا في دراسته
وحاصلا على بطولة المغرب في الكارتيه، إلى السجن سنة ونصف لمجرد أنه ارتكب
حماقة يمكن أن يرتكبها أي مراهق في سنه.
وبعد هذا الحكم القضائي بأسبوع سيصدر باسم الملك حكم آخر أكثر قسوة
ضد جريدة «المساء»، وهذه المرة ليس بالسجن ولكن بالإعدام. فمحكمة
الاستئناف رأت أن مطالب القضاة الأربعة المادية معقولة، وأن الضرر الذي
أصابهم، والذي بالمناسبة لم يستطع أي واحد منهم إثباته بالملموس المحكمة،
يقدر بستمائة مليون سنتيم لا غير.
وهو تعويض لم يتسلمه حتى ضحايا تازمامارت الذين قضوا عشرين سنة
مدفونين أحياء، ولا تقاضاه ضحايا سنوات الرصاص الذين فقد البعض منهم
رجولته وفقد البعض الآخر القدرة على الإنجاب، وفقد الجميع منهم أحلى سنوات
العمر بين جدران السجون الباردة.
فأية عدالة هذه التي تعوض أهل القتيل في قضايا حوادث السير حسب سنه
وراتبه ومعدل حياته، مبلغا لا يتعدى في أحسن الأحوال خمسين مليون سنتيم،
بينما تعوض نائبا للملك بمائة وخمسين مليون سنتيم بسبب مقال لم يذكره لا
بالإسم ولا بالنسب. وأي حساب فلكي استندت إليه المحكمة الموقرة لكي تقيس
معدل الكرامة في دماء المغاربة، فترمي الفتات لذوي الدماء الحمراء، بينما
تمنح ذوي الدماء الزرقاء كل ما يطلبونه من تعويضات.
على خالد الناصري الناطق الرسمي باسم الحكومة أن يعيد النظر في ما
قاله حول الرتبة التي احتلها المغرب في التقرير الأخير لمنظمة مراسلون بلا
حدود، عندما وصف تقرير المنظمة حول المغرب بالسوريالي. لأنه إذا ما كان
هناك شيء ما سورياليا في المغرب فهو هذا القضاء الذي ينتظر دائما أن يتدخل
الملك لكي يصلح له أخطاءه الفادحة.
عندما اقترف القضاء حكما بسجن المهندس مرتضى بتهمة انتحال صفة الأمير
مولاي رشيد، وجاء العفو الملكي لينتشل المهندس الشاب من غياهب السجون،
قلنا أن القضاء سيفهم الإشارة الملكية، وسيعفي المغرب من التعرض لكل تلك
الحملات الهوجاء في الخارج، والتي تهدد صورته وتشكك في نواياه بخصوص تحقيق
الانتقال الديمقراطي. لكن يبدو أن مغناطيس الماضي أقوى مما نتصور، وبمجرد
ما طوينا ملف مهندس «الفايس بوك» حتى فتحوا لنا ملفا جديدا في أكادير لشاب
آخر كل ذنبه أنه كتب ونشر رأيه في السياسة الاجتماعية للملك. فحكموا على
الراجي بالسجن قبل أن يرتد إليه طرفه، ووجد نفسه فجأة وسط المجرمين
والقتلة في سجن آيت ملول.
ولأن كلا من المهندس مرتضى والراجي يعيشان بالإضافة إلى العالم
الواقعي في عالم افتراضي تسير فيه المعلومة والخبر بسرعة الضوء، فقد طافت
قضيتهما أرجاء العالم، وخلقت من أجلهما مواقع وصفحات بالمئات، وتجند
الآلاف للدفاع عن حريتهما، رغم أنه لا تجمعهم بهما علاقة أخرى غير القرابة
الإلكترونية.
ومرة أخرى كان لا بد للملك من التدخل لإيقاف هذه المهزلة، واكتشف
القضاء فجأة أنه لم يحترم حقوق الدفاع التي يجب أن يتمتع بها المتهم، وأن
اختلالات فادحة في الشكل لا يمكن أن يرتكبها طالب السنة الأولى حقوق شابت
المحاكمة. فأفرج عن محمد الراجي، ولم ير أحد ضرورة لإعادة محاكمته ضمن
شروط قانونية مضبوطة، فيبدو أنهم اقتنعوا أن الراجي لم يرتكب جرما يستحق
أن يحاكم عليه. لأن الدستور والقانون المغربي يضمن له حقه في التعبير عن
أفكاره بكل حرية.
ليس صدفة أن يتحدث الملك في خطبه الأخيرة عن الفساد القضائي، وضرورة
التعجيل بإصلاح ورش العدالة المتوقف منذ سنوات. فكل التقارير الدولية تشير
بأصبع الاتهام إلى القضاء المغربي، وتعتبر الفساد الذي ينخر هذا الجهاز
أحد أكبر أسباب عرقلة عجلة الإصلاحات في المغرب.
وعوض أن يساعد القضاء الملك ويعفيه من الزج في كل مرة بإسمه في
أحكام ظالمة تجوب العالم بسبب غرابتها المفرطة وانتمائها إلى زمن آخر، لا
يدخر هذا القضاء جهدا لكي يجعل من تهمة «الإخلال بالإحترام الواجب للملك»
فزاعة يرهب بها المراهقين والشباب، ويرميهم باسمها في السجون، منتظرا أن
يتدخل الملك لكي يصحح له أخطاءه التي تكلف المغرب ثمنا فادحا من رصيده
الحقوقي الذي يتناقص بالتدريج.
وما يجب أن يستوعبه القضاء المغربي اليوم هو أننا بحكم الوضع المتقدم
الذي منحنا إياه الاتحاد الأوربي، لم يعد مقبولا منه أن يصدر هذه الحماقات
القضائية. فالاتحاد الأوربي لديه مفوضية في الرباط، ولديه لجنة لحقوق
الإنسان وحرية الصحافة في بروكسيل شغلها الشاغل هو السهر على تتبع تطور
ملف حقوق الإنسان والصحافة في الدول الأعضاء في الاتحاد أو تلك التي لديها
مثل المغرب وضع متقدم داخله.
بمعنى أوضح، إذا لم يضع القضاء في اعتباره مصلحة الصحافة وحقوق
الأفراد فليضع على الأقل في اعتباره مصالح المغرب العليا، وليوقف هذا
العبث الذي لا يليق ببلد يفتخر بتحقيقه للمصالحة مع ماضيه الرصاصي، وقطعه
مع أساليب العهد البائد في التعاطي مع الصحافة المستقلة.
نحن على يقين أن الحكم الذي أكدته محكمة الاستئناف ضدنا لا يشرف
المغرب ولا عدالته. لأننا لا نستطيع أن نتصور صدور حكم بالإعدام باسم
الملك على جريدة شابة اختارها الشعب لكي تكون جريدته الأولى. والملك بوصفه
الضامن الأول لاحترام الدستور والقانون في المملكة، لا يرضى لنفسه أن يصدر
حكم باسمه لإعدام مؤسسة إعلامية شابة، تساهم إلى جانبه بدورها البسيط في
الدفع بالمغرب نحو الأمام.
إن كل هذه الأحكام الغريبة التي صدرت في الآونة الأخيرة واستدعت
تدخلا ملكيا لتصحيحها، تطرح على العدالة المغربية سؤالا كبيرا، وهو ما مدى
إدراك هذه العدالة للأضرار البالغة التي تلحقها بصورة المؤسسة الملكية في
كل مرة تربط فيها بين اسم الملك وحكم جائر من أحكامها.
إن الإخلال بالاحترام الواجب للملك هو ما يقوم به بعض القضاة، عندما
ينطقون أحكامهم الخرافية باسم الملك، ويضطرونه للتدخل وإصدار العفو بعدما
تطوف أحكامهم السخيفة أرجاء العالم. فقد أصبح واضحا اليوم بعد الحكم
الجائر ضدنا أن هناك جهات تستغل اسم الملك والمؤسسة الملكية لتصفية الحساب
قضائيا مع من تزعجهم مواقفهم وآراؤهم وكتاباتهم. وهؤلاء الذين يختفون وراء
الملك ويستغلون اسمه لتصفية خصومهم هم من يجب متابعتهم بالإساءة للمؤسسة
الملكية واستعمال مؤسسة القضاء النبيلة لأهداف شخصية وضيعة ومنحطة.
إذا كنا قد قررنا الذهاب إلى المجلس الأعلى لكي نستنفد آخر مراحل
التقاضي التي يكفلها لنا القانون في هذا الملف، فلأننا نحترم العدالة ونثق
بجوهرها وروحها الذي يرفض الظلم و«الحكرة». نذهب إلى المجلس الأعلى وكلنا
أمل في أن يتم إنصافنا لكي نستمر في أداء رسالتنا الإعلامية بشرف وصدق
وأمانة.
ونقول للذين حكموا على الراجي ومرتضى وبلعسل و«المساء» وغيرهم كثير
من المظلومين الذين يقضون أيامهم في السجون بتهم سخيفة، لا يا سادة، ليس
باسم الملك، أوقفوا هذا العبث، فالمغاربة يستحقون أحسن من هذه العدالة
المتشنجة. والملك لديه أشياء أهم يقوم بها غير تصحيح زلاتكم القضائية.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
محاكم التفتيش: رشيد نيني المساء.3112008
عندما سمعت منطوق الحكم القاضي بتغريمنا 600 مليون سنتيم لفائدة نواب
وكلاء الملك الأربعة، و12 مليون سنتيم لفائدة خزينة المملكة، قلت في نفسي
أن مجموعتنا الإعلامية التي توظف اليوم 300 شاب وشابة، وقع لها مثل ما وقع
لحوالي ثلاثمائة شركة ومقاولة في الحي الصناعي بطنجة تضررت بسبب
الفيضانات.
وبما أن الحكومة وعدت أرباب هذه الشركات المتضررة بسبب الفيضانات
بالتدخل لدى البنوك وإدارة الضرائب وصندوق الضمان الاجتماعي والتقاعد
وشركات التأمين، لتأجيل تسديد هذه الشركات لأقساطها وديونها في الوقت
المحدد، فإننا نتمنى من الحكومة أن تعتبر شركتنا نحن أيضا شركة منكوبة،
وأن تدرج اسمها ضمن لائحة الشركات التي غرقت. مع فارق بسيط وهو أن شركات
المنطقة الصناعية في طنجة غرقت بسبب القضاء والقدر، بينما نحن «غرقنا»
القضاء وحده.
سيقول قائل منكم، ومنهم، أن هذا الحكم الثقيل لم «يهبط المورال»
لصاحبنا، وهاهو خمسة أيام بعد النطق بالحكم بالإعدام في حقه يسخر حتى من
هذا الحكم. وماذا كان ينتظر هؤلاء منا أن نصنع بعد النطق بهذا الحكم غير
الابتسام بسخرية. فعندما يبتسم المهزوم يفقد المنتصر لذة النصر. لذلك
دعونا نبتسم في وجوه هؤلاء المتجهمين ابتسامة واسعة، لكي نقول لهم أن
«المورال» سيبقى طالعا دائما، مهما طلع لبعضهم منا الدم.
والواقع أنني جلست مساء الجمعة أمام التلفزيون وانتظرت من عباس
الفاسي الذي كان يثرثر في برنامج خاص حول إنجازاته الحكومية، أن يقدم
الحكم بستمائة مليون سنتيم كأحد المنجزات الفذة لحكومته. فإلى اليوم لم
يستطع القضاء في عهد أي وزير أول سابق تحطيم رقم قياسي في الغرامات كالرقم
الذي حطمه القضاء في عهد وزارة العدل الحالية، والتي يتحمل مسؤوليتها وزير
اتحادي يقول أنه من القوات الشعبية، والله أعلم. وهذا إنجاز غير مسبوق في
التاريخ القضائي المغربي سيسجله التاريخ لعباس بماء من ذهب. وطبعا نقول
الذهب تجاوزا حتى لا نأتي على ذكر «مادة» أخرى أقل لمعانا.
والأكيد أن غرامة 600 مليون للقضاة الأربعة، و12 مليونا لخزينة
المملكة لن تدخل التاريخ المجيد لعباس وحكومته فقط، وإنما سيأتي اليوم
الذي ستدخل فيه مدرجات الجامعات على شكل درس من دروس الاقتصاد. فالدولة في
شخص قضائها تعتبر هذه الشركة التي تصدر «المساء» خزينة يمكن أن تصلح لكي
تقوم مقام صندوق الموازنة. ويبدو والله أعلم أن الدولة تخلطنا بالحكومة
وتطالبنا بضخ الأموال في صناديق وزاراتها. ونحن إلى حدود الآن مطالبون
بدفع 600 مليون لوزارة العدل في شخص قضاتها الأربعة، و12 مليونا للدولة في
شخص خزينتها. وعندما عدت إلى حسابات الشركة المصدرة للمساء نهاية هذا
الأسبوع، وجدت أننا نجحنا في إنشاء مقاولة نموذجية، عوض أن تفكر الدولة في
إعدامها، كان عليها أن تحمل حساباتها في يدها وتريها للجميع. فلو كانت كل
الشركات والمقاولات في المغرب تحترم تعهداتها تجاه الدولة مثلما هو الحال
مع شركتنا، لما أفلست صناديق الدولة ولغطت عائدات الضريبة عجز الميزان
التجاري.
فنحن ندفع لوزارة الشغل منذ سنتين في شخص صندوق الضمان الاجتماعي
مبلغ 25 مليون سنتيم شهريا، وندفع شهريا لصندوق التقاعد 45 مليون سنتيم.
أما وزارة الصحة فندفع لها شهريا في شخص صندوق التأمين الإجباري عن المرض
10 ملايين سنتيم. أما وزارة المالية فندفع لها في شخص مديرية الضرائب 340
مليونا كل سنة كضريبة على الأرباح. بالإضافة إلى خمسين مليون سنتيم شهريا
كضريبة على القيمة المضافة. وبما أننا مقتنعون أن «التأمين الإجباري عن
المرض» ليس سوى كذبة كبيرة، لأنك إذا عولت عليه لكي تؤمن على صحتك وصحة
صحافييك وموظفيك ومستخدميك فإنك كمن يعول على الريح، فقد كنا مجبرين على
الانخراط في شركتي تأمين هما «الوطنية» و«سينيا»، ندفع لهما انخراطا شهريا
للتأمين على المرض وحوادث الشغل قدره 15 مليون سنتيم.
وبالإضافة إلى خلقنا لحوالي 300 منصب شغل مباشر بين صحافيين وموظفين
ومستخدمين، تخلق مجموعتنا الإعلامية حوالي 6000 منصب شغل غير مباشر، ما
بين موزعين وباعة ومستخدمين في مهن أخرى لها علاقة بصناعة مطبوعات
المؤسسة. فهل يا ترى جاءت حكومة عباس لكي تساهم في خلق مناصب شغل جديدة أم
أنها جاءت لكي تخلق عاطلين جدد ينضافون إلى ثلاثين ألف من ضحايا النجاة
الذين لازال عارهم في رقبة عباس.
ويبدو أن جهات ما عندما رأت كيف أننا نؤدي جميع مستحقات الدولة داخل
آجالها القانونية، وبدون تحايل كما يصنع آخرون، اعتقدوا أن فلوسنا «شايطين
علينا»، فقرروا أن يمارسوا معنا سياسة الابتزاز. وكأن خزينتنا أصبحت
بنظرهم امتدادا لخزينة الدولة. وقد كان حريا بهم أن يخبرونا بالأمر مسبقا
حتى نغير اسم هذه الشركة من «مساء ميديا» إلى «صندوق المقاصة ميديا»،
والذي يلجأ إليه نزار بركة في كل مرة تحتاج حكومة صهره عباس الفاسي مصاريف
لتطعيم خزينة المملكة.
عندما يتأمل الواحد منا مبلغ 600 مليون سنتيم الذي حكمت به المحكمة
لأربعة قضاة ويقارنه بمبلغ 800 مليون سنتيم الذي تبرعت به الدولة لعشرات
الآلاف من ضحايا الفيضانات في طنجة، يشعر فعلا بحجم الإهانة التي ارتكبها
القضاء في حق الشعب المغربي.
فقضاؤنا يجبر ضررا غير منظور لا أحد من القضاة الأربعة استطاع إثباته
على أرض الواقع، عدا قصة من قصص الأزلية رواها دفاع أحدهم حول عائلته التي
تشردت بسبب ما نشرنا دون أن يقدم دليلا واحدا على صحة هذا التشرد. وفي نفس
الأسبوع الذي يجبر القضاء فيه ضرر قضاته الأربعة بمبلغ 600 مليون، تجبر
الدولة ضرر عشرات الآلاف من العائلات التي تشردت فعلا في طنجة وفقدت
مساكنها وممتلكاتها بمبلغ لا يتعدى 800 مليون سنتيم.
وإذا كانت المحكمة الموقرة تقدر الضرر الذي يدعي القضاة الأربعة أنه
أصابهم بستمائة مليون سنتيم لكي يقتسموها في ما بينهم، فنحن ننتظر على أحر
من الجمر سماع تقدير المحكمة الموقرة للضرر الذي أصاب الشرطي محب الذي
تلقى رصاصة في فخذه من طرف اليعقوبي، والذي تقول الصحف أن محاميا تكلف
بملفه لكي يجبر ضرر الشرطي المصاب وتطوى القضية.
فرجل الشرطة يمثل هيبة الأمن، مثله مثل القضاة الذين يمثلون هيبة
العدل. وإذا كانت مجرد كلمة في حق قاضي دون ذكر اسمه أو نسبه تعطيه الحق
في كل هذه الملايين، فإننا نعتقد أن إصابة شرطي برصاصة في فخده أثناء
ممارسته لعمله تستحق مليار سنتيم على الأقل.
في كل الرسائل والمكالمات التي توصلت بها بعد النطق بحكم الإعدام،
لاحظت أن عبارة واحدة ترددت في كلام أغلب المتصلين، وهي «واش هادو حماقو».
وعندما تأملت منطوق الحكم وحجم الغرامة اقتنعت بأن الدولة لديها منطقها
الخاص بها والذي لا نفهمه غالبا نحن معشر «البوجاديين». وهكذا فهمت أن
الهدف من هذا الحكم هو بث المزيد من روح اليأس في نفوس المغاربة، حتى
يفكروا جديا في الهجرة ومغادرة البلاد. فمع الأزمة المالية التي يعرفها
العالم ستنخفض مداخيل العملة الصعبة التي تأتي إلى الخزينة من تحويلات
عمالنا المهاجرين بالخارج. والحل هو «تصدير» دفعات جديدة من «عمالنا
المهاجرين» حتى يسدوا الثقوب المحتملة في هذا الشريان الكبير الذي يمد قلب
المغرب بالحياة.
وكما ترون فالهدف من هذا الحكم القاسي قد يكون نبيلا رغم ملامحه
البشعة. وبما أن الغاية تبرر الوسيلة، فإن الدولة مستعدة للتضحية بإحدى
مقاولاتها الناجحة والتي تصدر الجريدة الأكثر مقروئية في البلاد، لمجرد
تشجيع المغاربة على المزيد من الهجرة. فيبدو أن ثلاثة ملايين مغربي الذين
«طجو» إلى حدود اليوم من المغرب لا تكفيهم، ويريدون «تطجيج» المزيد بمحاكم
تفتيشهم الجديدة.
مع فارق بسيط، وهو أن المغاربة المسلمين قبل قرون كانوا «يطجون» من
الأندلس بسبب محاكم التفتيش المسيحية، أما اليوم في القرن الواحد والعشرين
فإن المغاربة المسلمين «يطجون» من المغرب نحو الأندلس بسبب محاكم تفتيش
إخوانهم المسلمين.
وكلاء الملك الأربعة، و12 مليون سنتيم لفائدة خزينة المملكة، قلت في نفسي
أن مجموعتنا الإعلامية التي توظف اليوم 300 شاب وشابة، وقع لها مثل ما وقع
لحوالي ثلاثمائة شركة ومقاولة في الحي الصناعي بطنجة تضررت بسبب
الفيضانات.
وبما أن الحكومة وعدت أرباب هذه الشركات المتضررة بسبب الفيضانات
بالتدخل لدى البنوك وإدارة الضرائب وصندوق الضمان الاجتماعي والتقاعد
وشركات التأمين، لتأجيل تسديد هذه الشركات لأقساطها وديونها في الوقت
المحدد، فإننا نتمنى من الحكومة أن تعتبر شركتنا نحن أيضا شركة منكوبة،
وأن تدرج اسمها ضمن لائحة الشركات التي غرقت. مع فارق بسيط وهو أن شركات
المنطقة الصناعية في طنجة غرقت بسبب القضاء والقدر، بينما نحن «غرقنا»
القضاء وحده.
سيقول قائل منكم، ومنهم، أن هذا الحكم الثقيل لم «يهبط المورال»
لصاحبنا، وهاهو خمسة أيام بعد النطق بالحكم بالإعدام في حقه يسخر حتى من
هذا الحكم. وماذا كان ينتظر هؤلاء منا أن نصنع بعد النطق بهذا الحكم غير
الابتسام بسخرية. فعندما يبتسم المهزوم يفقد المنتصر لذة النصر. لذلك
دعونا نبتسم في وجوه هؤلاء المتجهمين ابتسامة واسعة، لكي نقول لهم أن
«المورال» سيبقى طالعا دائما، مهما طلع لبعضهم منا الدم.
والواقع أنني جلست مساء الجمعة أمام التلفزيون وانتظرت من عباس
الفاسي الذي كان يثرثر في برنامج خاص حول إنجازاته الحكومية، أن يقدم
الحكم بستمائة مليون سنتيم كأحد المنجزات الفذة لحكومته. فإلى اليوم لم
يستطع القضاء في عهد أي وزير أول سابق تحطيم رقم قياسي في الغرامات كالرقم
الذي حطمه القضاء في عهد وزارة العدل الحالية، والتي يتحمل مسؤوليتها وزير
اتحادي يقول أنه من القوات الشعبية، والله أعلم. وهذا إنجاز غير مسبوق في
التاريخ القضائي المغربي سيسجله التاريخ لعباس بماء من ذهب. وطبعا نقول
الذهب تجاوزا حتى لا نأتي على ذكر «مادة» أخرى أقل لمعانا.
والأكيد أن غرامة 600 مليون للقضاة الأربعة، و12 مليونا لخزينة
المملكة لن تدخل التاريخ المجيد لعباس وحكومته فقط، وإنما سيأتي اليوم
الذي ستدخل فيه مدرجات الجامعات على شكل درس من دروس الاقتصاد. فالدولة في
شخص قضائها تعتبر هذه الشركة التي تصدر «المساء» خزينة يمكن أن تصلح لكي
تقوم مقام صندوق الموازنة. ويبدو والله أعلم أن الدولة تخلطنا بالحكومة
وتطالبنا بضخ الأموال في صناديق وزاراتها. ونحن إلى حدود الآن مطالبون
بدفع 600 مليون لوزارة العدل في شخص قضاتها الأربعة، و12 مليونا للدولة في
شخص خزينتها. وعندما عدت إلى حسابات الشركة المصدرة للمساء نهاية هذا
الأسبوع، وجدت أننا نجحنا في إنشاء مقاولة نموذجية، عوض أن تفكر الدولة في
إعدامها، كان عليها أن تحمل حساباتها في يدها وتريها للجميع. فلو كانت كل
الشركات والمقاولات في المغرب تحترم تعهداتها تجاه الدولة مثلما هو الحال
مع شركتنا، لما أفلست صناديق الدولة ولغطت عائدات الضريبة عجز الميزان
التجاري.
فنحن ندفع لوزارة الشغل منذ سنتين في شخص صندوق الضمان الاجتماعي
مبلغ 25 مليون سنتيم شهريا، وندفع شهريا لصندوق التقاعد 45 مليون سنتيم.
أما وزارة الصحة فندفع لها شهريا في شخص صندوق التأمين الإجباري عن المرض
10 ملايين سنتيم. أما وزارة المالية فندفع لها في شخص مديرية الضرائب 340
مليونا كل سنة كضريبة على الأرباح. بالإضافة إلى خمسين مليون سنتيم شهريا
كضريبة على القيمة المضافة. وبما أننا مقتنعون أن «التأمين الإجباري عن
المرض» ليس سوى كذبة كبيرة، لأنك إذا عولت عليه لكي تؤمن على صحتك وصحة
صحافييك وموظفيك ومستخدميك فإنك كمن يعول على الريح، فقد كنا مجبرين على
الانخراط في شركتي تأمين هما «الوطنية» و«سينيا»، ندفع لهما انخراطا شهريا
للتأمين على المرض وحوادث الشغل قدره 15 مليون سنتيم.
وبالإضافة إلى خلقنا لحوالي 300 منصب شغل مباشر بين صحافيين وموظفين
ومستخدمين، تخلق مجموعتنا الإعلامية حوالي 6000 منصب شغل غير مباشر، ما
بين موزعين وباعة ومستخدمين في مهن أخرى لها علاقة بصناعة مطبوعات
المؤسسة. فهل يا ترى جاءت حكومة عباس لكي تساهم في خلق مناصب شغل جديدة أم
أنها جاءت لكي تخلق عاطلين جدد ينضافون إلى ثلاثين ألف من ضحايا النجاة
الذين لازال عارهم في رقبة عباس.
ويبدو أن جهات ما عندما رأت كيف أننا نؤدي جميع مستحقات الدولة داخل
آجالها القانونية، وبدون تحايل كما يصنع آخرون، اعتقدوا أن فلوسنا «شايطين
علينا»، فقرروا أن يمارسوا معنا سياسة الابتزاز. وكأن خزينتنا أصبحت
بنظرهم امتدادا لخزينة الدولة. وقد كان حريا بهم أن يخبرونا بالأمر مسبقا
حتى نغير اسم هذه الشركة من «مساء ميديا» إلى «صندوق المقاصة ميديا»،
والذي يلجأ إليه نزار بركة في كل مرة تحتاج حكومة صهره عباس الفاسي مصاريف
لتطعيم خزينة المملكة.
عندما يتأمل الواحد منا مبلغ 600 مليون سنتيم الذي حكمت به المحكمة
لأربعة قضاة ويقارنه بمبلغ 800 مليون سنتيم الذي تبرعت به الدولة لعشرات
الآلاف من ضحايا الفيضانات في طنجة، يشعر فعلا بحجم الإهانة التي ارتكبها
القضاء في حق الشعب المغربي.
فقضاؤنا يجبر ضررا غير منظور لا أحد من القضاة الأربعة استطاع إثباته
على أرض الواقع، عدا قصة من قصص الأزلية رواها دفاع أحدهم حول عائلته التي
تشردت بسبب ما نشرنا دون أن يقدم دليلا واحدا على صحة هذا التشرد. وفي نفس
الأسبوع الذي يجبر القضاء فيه ضرر قضاته الأربعة بمبلغ 600 مليون، تجبر
الدولة ضرر عشرات الآلاف من العائلات التي تشردت فعلا في طنجة وفقدت
مساكنها وممتلكاتها بمبلغ لا يتعدى 800 مليون سنتيم.
وإذا كانت المحكمة الموقرة تقدر الضرر الذي يدعي القضاة الأربعة أنه
أصابهم بستمائة مليون سنتيم لكي يقتسموها في ما بينهم، فنحن ننتظر على أحر
من الجمر سماع تقدير المحكمة الموقرة للضرر الذي أصاب الشرطي محب الذي
تلقى رصاصة في فخذه من طرف اليعقوبي، والذي تقول الصحف أن محاميا تكلف
بملفه لكي يجبر ضرر الشرطي المصاب وتطوى القضية.
فرجل الشرطة يمثل هيبة الأمن، مثله مثل القضاة الذين يمثلون هيبة
العدل. وإذا كانت مجرد كلمة في حق قاضي دون ذكر اسمه أو نسبه تعطيه الحق
في كل هذه الملايين، فإننا نعتقد أن إصابة شرطي برصاصة في فخده أثناء
ممارسته لعمله تستحق مليار سنتيم على الأقل.
في كل الرسائل والمكالمات التي توصلت بها بعد النطق بحكم الإعدام،
لاحظت أن عبارة واحدة ترددت في كلام أغلب المتصلين، وهي «واش هادو حماقو».
وعندما تأملت منطوق الحكم وحجم الغرامة اقتنعت بأن الدولة لديها منطقها
الخاص بها والذي لا نفهمه غالبا نحن معشر «البوجاديين». وهكذا فهمت أن
الهدف من هذا الحكم هو بث المزيد من روح اليأس في نفوس المغاربة، حتى
يفكروا جديا في الهجرة ومغادرة البلاد. فمع الأزمة المالية التي يعرفها
العالم ستنخفض مداخيل العملة الصعبة التي تأتي إلى الخزينة من تحويلات
عمالنا المهاجرين بالخارج. والحل هو «تصدير» دفعات جديدة من «عمالنا
المهاجرين» حتى يسدوا الثقوب المحتملة في هذا الشريان الكبير الذي يمد قلب
المغرب بالحياة.
وكما ترون فالهدف من هذا الحكم القاسي قد يكون نبيلا رغم ملامحه
البشعة. وبما أن الغاية تبرر الوسيلة، فإن الدولة مستعدة للتضحية بإحدى
مقاولاتها الناجحة والتي تصدر الجريدة الأكثر مقروئية في البلاد، لمجرد
تشجيع المغاربة على المزيد من الهجرة. فيبدو أن ثلاثة ملايين مغربي الذين
«طجو» إلى حدود اليوم من المغرب لا تكفيهم، ويريدون «تطجيج» المزيد بمحاكم
تفتيشهم الجديدة.
مع فارق بسيط، وهو أن المغاربة المسلمين قبل قرون كانوا «يطجون» من
الأندلس بسبب محاكم التفتيش المسيحية، أما اليوم في القرن الواحد والعشرين
فإن المغاربة المسلمين «يطجون» من المغرب نحو الأندلس بسبب محاكم تفتيش
إخوانهم المسلمين.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
عندما أصدرت محكمة الاستئناف تأكيدها لحكم الإعدام الابتدائي في حق
«المساء» وإجبارها على دفع 612 مليون سنتيم لنواب وكلاء الملك الأربعة،
قلت في نفسي أن هذا الحكم هو وسام شرف تم منحنا إياه بعد سنتين من الخدمات
الإعلامية الجليلة التي قدمناها للشعب المغربي. وأمس صباحا عندما طرق باب
مكتبي عون قضائي لكي يبلغني قرار المحكمة بالدار البيضاء بالحجز على حسابي
البنكي الشخصي ومعه حساب الشركة المصدرة لمنشورات «المساء»، قلت في نفسي
أنهم جاؤوا أخيرا لتعليق الوسام على صدورنا.
لكن ورغم كل القسوة والرغبة في الانتقام التي تفوح من أحكامهم
الظالمة، لم نكن نتوقع أن تأخذهم العزة بالإثم إلى هذا الحد، وأن يذهبوا
إلى خبزنا اليومي لكي يقطعوه، متناسين أن قطع الأعناق أهون من قطع
الأرزاق.
أنا الآن ممنوع من استعمال راتبي الشهري المودع في حسابي البنكي،
والشركة التي تصدر منشورات «المساء» ممنوعة من استعمال رصيدها البنكي الذي
تدفع منه رواتب صحافييها وموظفيها، وانخراط الهاتف والماء والكهرباء
ووكالات الأنباء، وسائر التعاملات المالية الضرورية لحياة الشركات
والمقاولات.
بمعنى أوضح لقد انتزعوا بقراراتهم القضائية الهوجاء أنبوب الأكسجين
الوحيد الذي ظلت تتنفس به هذه الجريدة طيلة سنتين من حياتها القصيرة. حياة
قصيرة بالفعل، لكنها مزدحمة بالنجاحات وبالمعارك والحروب الطاحنة،
بالضربات تحت الحزام، وبالطعنات الغادرة التي نحمل سكاكينها فوق ظهورنا
بصمت، والتي لم نكن نرى ضرورة لإطلاع المغاربة على عمقها ووحشية منفذيها
وحجم الآلام التي جعلتنا نتعايش معها.
اليوم نقف مجبرين، كالثور المطعون وسط الحلبة، لا منهزمين ولا
مرتجفين. بل لكي نستدير أمامكم، أنتم الجالسون في مدرجات الحلبة، الذين
تتابعون جولات هذه المصارعة منذ سنتين وأيديكم على قلوبكم خوفا من سقوطنا
خائرين وسط دمائنا المضرجة. نستدير أمامكم لكي تروا هذا الظهر المطعون
بأكثر من سكين والمطرز بأكثر من رمح ومخطاف. نستدير أمامكم لكي تروا
الجراح السرية والنزيف الداخلي الذي نكابده يوميا بصبر وكبرياء.
نستدير أمامكم لكي تروا الجراح، لا لكي تشفقوا لحالنا أو ترثوا لمنظر
الجرح وعمقه، وإنما لكي تكونوا على بينة من أمركم، حتى إذا ما نزلتم في
صباح اليوم الموالي إلى الشارع لكي تشتروا جريدتكم المفضلة ولم تعثروا
عليها، ستفهمون على الأقل سبب هذا الغياب الذي سترونه مفاجئا وكنا نراه
نحن معلنا منذ قرروا جرنا إلى هذا المسلخ العمومي الذي يسمونه محكمة.
لعلكم تابعتم منذ أشهر ما تعرضت له شخصيا من طعن بالسكين وسط الرباط،
وكيف لف الأمن هذه الجريمة في أثواب النسيان. ورأيتم ما تعرضت له هذه
«الجريدة» في شخصي من كلام ساقط وشتائم بذيئة لم توفر صفاقتها أحد من
عائلتي، بمن فيهم والدي الذي وصله نصيبه من الشتائم حتى قبره. فاتهموني
بأحط النعوت وألصقوا بي أخطر التهم، من الخيانة العظمى إلى الكذب على
الشعب، مرورا بمراكمة الثروة وسرقة أموال الشعب للاغتناء. وهاهم بعد السطو
على حسابي البنكي المتواضع يفهمون أن الثروة المزعومة التي ظلوا ينشرون
الإشاعات حولها لم تكن سوى وهم. وأن الخمسين ألف درهم التي حجزوها في
حسابي لا تشكل حتى واحد بالمائة من الثروة الحقيقية التي يلهثون وراء
تحصيلها اليوم.
طيلة ثماني سنوات من اشتغالي بعرق جبيني في بلدي بعد العودة إليه من
المهجر، لم أستطع أن أمتلك مثل كثيرين بيتا ولا ممتلكات خاصة. والبنك الذي
أتعامل معه يعرف كم أدفع كل شهر منذ سنوات كأقساط واجب كراء لصاحب البيت.
وإني أحمد الله أنني لا أملك في هذه البلاد لا أرضا ولا بيتا ولا ضيعة ولا
سيارة، وإلا لكانوا حجزوا عليها اليوم. كل ما أملكه وأفتخر بامتلاكه
كرامتي وكبريائي وأنفتي، وهذه الممتلكات أمنت عليها من زمان ضد الحجز
والسطو والسرقة في بنوك الآخرة. تلك التي لا تستطيع أية محكمة أرضية أن
ترسل إليها أعوانها القضائيين، لأن رئيس مجلسها الأعلى هو العدل الواحد
القهار، ملك الملوك ورب الأرباب.
ورغم اشتداد الحملة ونزولها إلى أسفل الدركات، حيث يجلس محركوها
والماسكون بخيوطها السرية، صبرنا وقلنا إن ما نعيشه هو امتحان عابر سيمر
بقليل من الصبر وكثير من الأمل، وسنظل محافظين على رؤوسنا خارج الماء. لكن
مع كل هذه الطعنات التي أتتنا من كل جانب، فهمنا أن الصدفة ليست هي
التفسير الوحيد لكل ما يحدث حولنا.
لقد أصبح واضحا أن المؤامرة اكتملت دائرتها، وأن الجريمة حان وقت
تنفيذها بدم بارد. فهذه الجريدة أصبحت مخيفة بالنسبة للبعض، ومزعجة
بالنسبة للبعض الآخر، ولا يستحق أصحابها أن يعيشوا ويشتغلوا في وطنهم،
وكأننا لسنا مغاربة لدينا الحق نحن أيضا في تنفس هواء وطننا واستنشاق
رائحة ترابه والعيش فيه مثل الآخرين. إننا نشعر بغصة في الحلق عندما نرى
الدولة تجلس في «مانهاست» لكي تتفاوض مع من كانوا بالأمس يقتلون جنودها
بالعشرات ويأسرونهم بالمئات، وتصفهم اليوم بالوفد المفاوض بعد أن كانت
تصفهم أمس بالمرتزقة، في الوقت الذي تصم فيه آذانها عن سماع صوت أبنائها
وتنفذ حكم الإعدام في حق الذين دافعوا دائما عن وحدة وطنهم وتمسكوا بترابه
ورماله وبحره وجباله.
هل يريدون أن يدفعوا بنا إلى السقوط في عقوق الوطن. ليطمئنوا جميعهم،
لسنا أبناء عاقين وحاشى أن نكون. فنحن نردد كلما اشتد علينا الخناق لدفعنا
إلى الباب الضيق للمغادرة بيت الشاعر الذي يقول
«بلادي وإن جارت علي عزيزة *** وقومي وإن ضنوا علي كرام».
ولأنه لم يكن كافيا تخويفنا بالسكاكين في المنعطفات المظلمة، ولم يكن
كافيا تحريض «عبيد السخرة» في المنشورات الرديئة لشتمنا ونشر الإشاعات
حولنا لتلطيخ سمعتنا أمام الرأي العام، فقد مروا إلى السرعة النهائية
بواسطة القتل الرحيم.
وهاهم اليوم يصدرون الأمر بإغلاق أنبوب الأكسجين الذي يغذي أوراق
هذه الجريدة. ويحققون منذ أسابيع في ممتلكات أخينا وأحد المساهمين في
الشركة، المخرج السينمائي محمد العسلي، بحثا عن ثقب صغير يستطيعون النفاذ
منه إلى استصدار حكم مشابه بمصادرة ممتلكاته. فقد تركت الفرقة الوطنية كل
هؤلاء اللصوص والمهربين وبائعي المخدرات الذين تظهر عليهم علامات الثراء
بين ليلة وضحاها، ولم يبق لهم سوى محمد العسلي الذي كل ممتلكاته توجد داخل
المغرب، والذي اشتغل للحصول عليها بعرق جبينه منذ شبابه وإلى اليوم.
وإذا كان القضاة الأربعة قد استطاعوا بواسطة زملائهم القضاة استصدار
أمر بالسطو على حساب الجريدة وحسابي الشخصي، فإن السيد محمد برادة، مدير
شركة التوزيع «سابريس» الذي فسخنا عقدنا معه قبل شهر لصالح شركة توزيع
جديدة هي «الوسيط» أسسناها رفقة مساهمين آخرين، لم ينتظر استصدار أمر
قضائي لكي يحجز لنا على 500 مليون سنتيم لدينا في ذمته. فسعادة المدير
الذي يحمل شعار «جريدة لكل مواطن»، يرفض تمكيننا من مستحقاتنا المالية،
وينصحنا باللجوء إلى القضاء لاسترجاع أموالنا. ومحمد برادة عندما يضربنا
هذه الضربة المالية القاصمة، أسبوعا واحدا قبل أن يضربنا القضاء ضربته
القاتلة، إنما يقوم بذلك ردا على «تجرؤنا» على تأسيس شركة منافسة لشركة
توزيعه. وكأنه لم يستمع إلى خطاب الملك الأخير الذي يتحدث فيه عن تشجيع
المنافسة، ولم يسمع بالمجلس الذي أسسه الملك وسماه «مجلس المنافسة» وعين
على رأسه عبد العالي بنعمور، الذي لا نعرف بالمناسبة رأيه فيما قام به
مدير «سابريس» من ضرب لقيم المنافسة الشريفة التي استأمنه عليها الملك
شخصيا.
وبالله عليكم أية مؤسسة كيفما كانت قوتها تبتزها في مليار ومائة
مليون سنتيم وتريدها أن تبقى واقفة على رجليها، صامدة في عين الإعصار. بل
بأي ذنب يعاقبوننا بهذه الطريقة الوحشية التي تفتقر إلى أبسط حس وطني
وإنساني.
أعترف للذين خططوا لهذه المؤامرة الدنيئة بأنهم كانوا غاية في
الدهاء. فقد كان التنسيق بينهم محكما ومضبوطا. لكن وكما في كل جريمة
كاملة، يرتكب المجرم دائما خطأ بسيطا يقود إلى التعرف على ملامحه وبصماته.
فنقطة ضعف المجرمين جميعا هي أنهم لا يستطيعون مقاومة الرغبة
الجامحة في الرجوع إلى مكان الجريمة. وهاهم الذين قتلوا جرائد وصحافيين
قبلنا يعودون إلى مسرح الجريمة لكي يضعوا مسدساتهم الكاتمة للصوت فوق
رؤوسنا من جديد.
لذلك كله إذا استفقتم في الصباح ولم تجدونا واقفين إلى جانبكم،
فاعذرونا واعلموا أن الأكسجين الاحتياطي الذي تركوا لنا في رئاتنا نفد،
وأن الوقت قد حان لكي تكونوا أنتم من يقف اليوم إلى جانبنا.
المساء
6/11/2008
«المساء» وإجبارها على دفع 612 مليون سنتيم لنواب وكلاء الملك الأربعة،
قلت في نفسي أن هذا الحكم هو وسام شرف تم منحنا إياه بعد سنتين من الخدمات
الإعلامية الجليلة التي قدمناها للشعب المغربي. وأمس صباحا عندما طرق باب
مكتبي عون قضائي لكي يبلغني قرار المحكمة بالدار البيضاء بالحجز على حسابي
البنكي الشخصي ومعه حساب الشركة المصدرة لمنشورات «المساء»، قلت في نفسي
أنهم جاؤوا أخيرا لتعليق الوسام على صدورنا.
لكن ورغم كل القسوة والرغبة في الانتقام التي تفوح من أحكامهم
الظالمة، لم نكن نتوقع أن تأخذهم العزة بالإثم إلى هذا الحد، وأن يذهبوا
إلى خبزنا اليومي لكي يقطعوه، متناسين أن قطع الأعناق أهون من قطع
الأرزاق.
أنا الآن ممنوع من استعمال راتبي الشهري المودع في حسابي البنكي،
والشركة التي تصدر منشورات «المساء» ممنوعة من استعمال رصيدها البنكي الذي
تدفع منه رواتب صحافييها وموظفيها، وانخراط الهاتف والماء والكهرباء
ووكالات الأنباء، وسائر التعاملات المالية الضرورية لحياة الشركات
والمقاولات.
بمعنى أوضح لقد انتزعوا بقراراتهم القضائية الهوجاء أنبوب الأكسجين
الوحيد الذي ظلت تتنفس به هذه الجريدة طيلة سنتين من حياتها القصيرة. حياة
قصيرة بالفعل، لكنها مزدحمة بالنجاحات وبالمعارك والحروب الطاحنة،
بالضربات تحت الحزام، وبالطعنات الغادرة التي نحمل سكاكينها فوق ظهورنا
بصمت، والتي لم نكن نرى ضرورة لإطلاع المغاربة على عمقها ووحشية منفذيها
وحجم الآلام التي جعلتنا نتعايش معها.
اليوم نقف مجبرين، كالثور المطعون وسط الحلبة، لا منهزمين ولا
مرتجفين. بل لكي نستدير أمامكم، أنتم الجالسون في مدرجات الحلبة، الذين
تتابعون جولات هذه المصارعة منذ سنتين وأيديكم على قلوبكم خوفا من سقوطنا
خائرين وسط دمائنا المضرجة. نستدير أمامكم لكي تروا هذا الظهر المطعون
بأكثر من سكين والمطرز بأكثر من رمح ومخطاف. نستدير أمامكم لكي تروا
الجراح السرية والنزيف الداخلي الذي نكابده يوميا بصبر وكبرياء.
نستدير أمامكم لكي تروا الجراح، لا لكي تشفقوا لحالنا أو ترثوا لمنظر
الجرح وعمقه، وإنما لكي تكونوا على بينة من أمركم، حتى إذا ما نزلتم في
صباح اليوم الموالي إلى الشارع لكي تشتروا جريدتكم المفضلة ولم تعثروا
عليها، ستفهمون على الأقل سبب هذا الغياب الذي سترونه مفاجئا وكنا نراه
نحن معلنا منذ قرروا جرنا إلى هذا المسلخ العمومي الذي يسمونه محكمة.
لعلكم تابعتم منذ أشهر ما تعرضت له شخصيا من طعن بالسكين وسط الرباط،
وكيف لف الأمن هذه الجريمة في أثواب النسيان. ورأيتم ما تعرضت له هذه
«الجريدة» في شخصي من كلام ساقط وشتائم بذيئة لم توفر صفاقتها أحد من
عائلتي، بمن فيهم والدي الذي وصله نصيبه من الشتائم حتى قبره. فاتهموني
بأحط النعوت وألصقوا بي أخطر التهم، من الخيانة العظمى إلى الكذب على
الشعب، مرورا بمراكمة الثروة وسرقة أموال الشعب للاغتناء. وهاهم بعد السطو
على حسابي البنكي المتواضع يفهمون أن الثروة المزعومة التي ظلوا ينشرون
الإشاعات حولها لم تكن سوى وهم. وأن الخمسين ألف درهم التي حجزوها في
حسابي لا تشكل حتى واحد بالمائة من الثروة الحقيقية التي يلهثون وراء
تحصيلها اليوم.
طيلة ثماني سنوات من اشتغالي بعرق جبيني في بلدي بعد العودة إليه من
المهجر، لم أستطع أن أمتلك مثل كثيرين بيتا ولا ممتلكات خاصة. والبنك الذي
أتعامل معه يعرف كم أدفع كل شهر منذ سنوات كأقساط واجب كراء لصاحب البيت.
وإني أحمد الله أنني لا أملك في هذه البلاد لا أرضا ولا بيتا ولا ضيعة ولا
سيارة، وإلا لكانوا حجزوا عليها اليوم. كل ما أملكه وأفتخر بامتلاكه
كرامتي وكبريائي وأنفتي، وهذه الممتلكات أمنت عليها من زمان ضد الحجز
والسطو والسرقة في بنوك الآخرة. تلك التي لا تستطيع أية محكمة أرضية أن
ترسل إليها أعوانها القضائيين، لأن رئيس مجلسها الأعلى هو العدل الواحد
القهار، ملك الملوك ورب الأرباب.
ورغم اشتداد الحملة ونزولها إلى أسفل الدركات، حيث يجلس محركوها
والماسكون بخيوطها السرية، صبرنا وقلنا إن ما نعيشه هو امتحان عابر سيمر
بقليل من الصبر وكثير من الأمل، وسنظل محافظين على رؤوسنا خارج الماء. لكن
مع كل هذه الطعنات التي أتتنا من كل جانب، فهمنا أن الصدفة ليست هي
التفسير الوحيد لكل ما يحدث حولنا.
لقد أصبح واضحا أن المؤامرة اكتملت دائرتها، وأن الجريمة حان وقت
تنفيذها بدم بارد. فهذه الجريدة أصبحت مخيفة بالنسبة للبعض، ومزعجة
بالنسبة للبعض الآخر، ولا يستحق أصحابها أن يعيشوا ويشتغلوا في وطنهم،
وكأننا لسنا مغاربة لدينا الحق نحن أيضا في تنفس هواء وطننا واستنشاق
رائحة ترابه والعيش فيه مثل الآخرين. إننا نشعر بغصة في الحلق عندما نرى
الدولة تجلس في «مانهاست» لكي تتفاوض مع من كانوا بالأمس يقتلون جنودها
بالعشرات ويأسرونهم بالمئات، وتصفهم اليوم بالوفد المفاوض بعد أن كانت
تصفهم أمس بالمرتزقة، في الوقت الذي تصم فيه آذانها عن سماع صوت أبنائها
وتنفذ حكم الإعدام في حق الذين دافعوا دائما عن وحدة وطنهم وتمسكوا بترابه
ورماله وبحره وجباله.
هل يريدون أن يدفعوا بنا إلى السقوط في عقوق الوطن. ليطمئنوا جميعهم،
لسنا أبناء عاقين وحاشى أن نكون. فنحن نردد كلما اشتد علينا الخناق لدفعنا
إلى الباب الضيق للمغادرة بيت الشاعر الذي يقول
«بلادي وإن جارت علي عزيزة *** وقومي وإن ضنوا علي كرام».
ولأنه لم يكن كافيا تخويفنا بالسكاكين في المنعطفات المظلمة، ولم يكن
كافيا تحريض «عبيد السخرة» في المنشورات الرديئة لشتمنا ونشر الإشاعات
حولنا لتلطيخ سمعتنا أمام الرأي العام، فقد مروا إلى السرعة النهائية
بواسطة القتل الرحيم.
وهاهم اليوم يصدرون الأمر بإغلاق أنبوب الأكسجين الذي يغذي أوراق
هذه الجريدة. ويحققون منذ أسابيع في ممتلكات أخينا وأحد المساهمين في
الشركة، المخرج السينمائي محمد العسلي، بحثا عن ثقب صغير يستطيعون النفاذ
منه إلى استصدار حكم مشابه بمصادرة ممتلكاته. فقد تركت الفرقة الوطنية كل
هؤلاء اللصوص والمهربين وبائعي المخدرات الذين تظهر عليهم علامات الثراء
بين ليلة وضحاها، ولم يبق لهم سوى محمد العسلي الذي كل ممتلكاته توجد داخل
المغرب، والذي اشتغل للحصول عليها بعرق جبينه منذ شبابه وإلى اليوم.
وإذا كان القضاة الأربعة قد استطاعوا بواسطة زملائهم القضاة استصدار
أمر بالسطو على حساب الجريدة وحسابي الشخصي، فإن السيد محمد برادة، مدير
شركة التوزيع «سابريس» الذي فسخنا عقدنا معه قبل شهر لصالح شركة توزيع
جديدة هي «الوسيط» أسسناها رفقة مساهمين آخرين، لم ينتظر استصدار أمر
قضائي لكي يحجز لنا على 500 مليون سنتيم لدينا في ذمته. فسعادة المدير
الذي يحمل شعار «جريدة لكل مواطن»، يرفض تمكيننا من مستحقاتنا المالية،
وينصحنا باللجوء إلى القضاء لاسترجاع أموالنا. ومحمد برادة عندما يضربنا
هذه الضربة المالية القاصمة، أسبوعا واحدا قبل أن يضربنا القضاء ضربته
القاتلة، إنما يقوم بذلك ردا على «تجرؤنا» على تأسيس شركة منافسة لشركة
توزيعه. وكأنه لم يستمع إلى خطاب الملك الأخير الذي يتحدث فيه عن تشجيع
المنافسة، ولم يسمع بالمجلس الذي أسسه الملك وسماه «مجلس المنافسة» وعين
على رأسه عبد العالي بنعمور، الذي لا نعرف بالمناسبة رأيه فيما قام به
مدير «سابريس» من ضرب لقيم المنافسة الشريفة التي استأمنه عليها الملك
شخصيا.
وبالله عليكم أية مؤسسة كيفما كانت قوتها تبتزها في مليار ومائة
مليون سنتيم وتريدها أن تبقى واقفة على رجليها، صامدة في عين الإعصار. بل
بأي ذنب يعاقبوننا بهذه الطريقة الوحشية التي تفتقر إلى أبسط حس وطني
وإنساني.
أعترف للذين خططوا لهذه المؤامرة الدنيئة بأنهم كانوا غاية في
الدهاء. فقد كان التنسيق بينهم محكما ومضبوطا. لكن وكما في كل جريمة
كاملة، يرتكب المجرم دائما خطأ بسيطا يقود إلى التعرف على ملامحه وبصماته.
فنقطة ضعف المجرمين جميعا هي أنهم لا يستطيعون مقاومة الرغبة
الجامحة في الرجوع إلى مكان الجريمة. وهاهم الذين قتلوا جرائد وصحافيين
قبلنا يعودون إلى مسرح الجريمة لكي يضعوا مسدساتهم الكاتمة للصوت فوق
رؤوسنا من جديد.
لذلك كله إذا استفقتم في الصباح ولم تجدونا واقفين إلى جانبكم،
فاعذرونا واعلموا أن الأكسجين الاحتياطي الذي تركوا لنا في رئاتنا نفد،
وأن الوقت قد حان لكي تكونوا أنتم من يقف اليوم إلى جانبنا.
المساء
6/11/2008
ربيع- عدد الرسائل : 1432
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 04/07/2008
50 فرنك ضد 600 مليون رشيد نيني
عندما يقصم القضاء ظهرك في المغرب لا تتوقع الدعم من المسؤولين الحكوميين
عن قطاع الإعلام الذي يحمل حقيبته وزراء الاتصال الناطقون الرسميون باسم
الحكومة. وكل ما عليك أن تطلبه من الله هو أن يوفر هؤلاء المسؤولون
تصريحاتهم لأنفسهم ويحتفظوا بألسنتهم الطويلة بين أسنانهم.
عندما توجهنا لسعادة الوزير بسؤال حول رأيه في حكم الإعدام الذي صدر
بحقنا قال بأنه لا يستطيع التعليق على أحكام القضاء. والظاهر أن سعادة
الوزير لا يحسن التعليق وإنما «التعلاق» فقط، خصوصا عندما تصدر وكالة
الأنباء الرسمية قصاصة «تسلخ» فيها أحد المشتبه فيهم. وهكذا فالناطق
الرسمي باسم الحكومة يقوم مع وكالة الخباشي للأنباء بعمل متكامل، بحيث أن
الوكالة «تسلخ» والناطق باسم الحكومة «يعلق».
لكن السيد الناصري، المحامي والشيوعي السابق يا حسرة، لم يستطع أن
يصبر أكثر من اللازم، وأكله فمه، ووقع له ما وقع لذلك الرجل الذي استأمنه
أحدهم على سر وأعطاه قدرا من المال مقابل أن يحتفظ بالسر لنفسه. وبعد
يومين جاءه الرجل عاكفا رأسه بالحامض ورد له نقوده وهو يقول له «ما صبرتش
أخويا ضرني راسي، شد فلوسك خليني نمشي نكولها».
ويبدو أن الناصري الذي امتنع عن التعليق عن الحكم الصادر في حقنا
عندما اتصلنا به، فك الله عقدة لسانه وشرح صدره «للتعلاق» عن الحكم لصالح
وكالة أنباء أجنبية، وقال لها بأن هناك اليوم في المغرب إجماعا على إدانة
المساء، وأن الاختلاف البسيط والوحيد الموجود في هذه القضية هو في قيمة
التعويض لا غير.
يعني أن سعادة الوزير مع حكم إعدام «المساء»، فقط لديه تحفظ حول
طريقة تنفيذ هذا الإعدام. والشرح الأوضح بالعربية «تاعرابت» لما قاله
الوزير هو «ماماتش غير خرجو مصارنو».
ونحن نستغرب كيف توصل سعادة وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم
الحكومة إلى أن هناك في المغرب اليوم إجماعا على إدانة «المساء». وأية
شركة لاستطلاع الرأي كلفتها الحكومة بإنجاز هذه الدراسة الميدانية لمعرفة
موقف المغاربة من هذا الحكم.
نطرح هذا السؤال على سعادة الناطق الرسمي باسم الحكومة لأن ما
نلاحظه يوميا، ومنذ النطق بالحكم والشروع في إعدام «المساء» بالحجز على
حساباتها البنكية، هو أن هناك إجماعا من طرف المغاربة بكل شرائحهم
وتوجهاتهم السياسية والحزبية والنقابية والحقوقية على إدانة الحكم
الانتقامي الذي تطبقه العدالة المغربية ضد «المساء». ولم نلاحظ، كما لاحظ
سعادة الوزير، أن هناك إجماعا في المغرب على إدانة «المساء».
المؤسف أن وزير الاتصال الوصي على قطاع الإعلام في المغرب يصطف إلى
جانب محركي هذه الآلة القضائية الجهنمية ضد الصحافيين. والأكثر إثارة
للأسف هو أن يتزامن الحكم بإعدام جريدة المغاربة الأولى مع استعداد وزير
الاتصال للاحتفال بالعيد الوطني للإعلام، وتسليم جوائز وزارة الاتصال
للصحافيين الفائزين في مسابقتها السنوية.
وبما أن حفل الوزارة في العيد الوطني للإعلام فيه فقرة اسمها
«التكريم» خاصة بتكريم وجوه إعلامية مغربية لما قدمته من خدمات جليلة
للمشهد الإعلامي، فإننا نقترح على «مول العرس»، أو بالأحرى «مول الباش»،
أن يحجز لنا مكانا ضمن هؤلاء المكرمين لهذه السنة. ليس لأننا أنانيون
ونعتبر أننا أحق من غيرنا بالتكريم، ولكن لأننا نرى أن القضاء «كرمنا»
بتلك الغرامة الثقيلة «تكريمة» لم يكرمها أحد من قبلنا في المغرب منذ
الاستقلال وإلى اليوم. ولذلك فإننا نرى أنه إذا كان هناك صحافيون «مكرمون»
اليوم في المغرب، فهم صحافيو «المساء». وإذا زادتنا وزارة الاتصال
«تكريمة» أخرى إلى جانب «التكريمة» التي تلقيناها من وزارة العدل، فإننا
سنكون أحسن من يستحق لقب «مكرمو السنة».
ونحن نقترح على وزارة الاتصال الغارقة هذه الأيام في الإعداد لعرسها
السنوي، أن لا تنسى تكريم القاضي العلوي الذي اشتهر بأحكام إعدامه
للصحافيين. وأقترح على وزير الاتصال أن يخصص له وحده جائزة خاصة بأحسن
قاضي يستطيع إغلاق أية جريدة أو مجلة كيفما كان نوعها في خمسة أيام وبدون
أن يرف له جفن، تكون على هيئة مجسم لميزان مختل تنزل إحدى كفتيه إلى
الأسفل بينما تصعد الأخرى نحو الأعلى.
فأمثال هؤلاء القضاة يجب أن تحتفي بهم وزارة الاتصال في عيدها
السنوي، وأن يحضروا لكي يقاسموا الوزير وأعضاء الحكومة المقاعد الأمامية
في مسرح محمد الخامس لكي يتعرفوا على ضحاياهم المقبلين من الصحافيين، ولكي
يضحكوا منهم وهم يتسلمون شيك جائزة الصحافة الذي لا يتجاوز قدره ستة
ملايين سنتيم.
يا للمفارقة العجيبة، جائزة الصحافة قدرها ستة ملايين سنتيم، وجائزة القضاة الأربعة تصل إلى ستمائة مليون سنتيم.
ولعل المضحك في ما تقوم به الجهات التي «تسهر» على «تكريمنا» هذه
الأيام، أنها تعتقد أننا «سنكمد التكريمة» ونسكت. عملا بالحكمة المغربية
الشائعة «تكبر وتنساها».
ولا بد أن سعادة وزير الاتصال، الذي يقول بأن هناك في المغرب إجماعا
على إدانة «المساء»، يجهل أن الإجماع الحقيقي في المغرب اليوم هو إجماع
شعبي على إنقاذ «المساء» بأي وجه كان، حتى تبقى الجريدة حية وتبقى معها
عائلات 300 من الذين يشتغلون فيها في منأى عن التشرد.
إن ما يثلج الصدر حقيقة هو هذا الكم الهائل من التعاطف المغربي
الصادق الذي تسبب فيه حكم الإعدام الذي صدر في حقنا. لا تكاد تمر ساعة دون
أن نتلقى رسائل ومكالمات وزيارات لقراء ومحبين وأصدقاء يحملون دفاتر
شيكاتهم مستعدين لإمضاء المبلغ الذي نريد.
لقد نزل ستار شفاف من الدموع أمس أمامي وأنا أسمع جدة في الهاتف
تدعو الله أن يحفظنا وتقول أنها مستعدة من أجلنا لبيع أرض صغيرة هي كل ما
تملك في هذه الدنيا لكي تساعدنا على دفع الغرامة لهؤلاء القضاة. وبين
الجدة التي يقرأ لها حفيدها «المساء» كل يوم والتي تريد أن تساهم بأرضها
في استمرار هذه الجريدة، وبين طفل في الخامسة يريد أن يأتي به والده لكي
يساهم معنا بدرهم رمزي، هناك الكثيرون اقترحوا تخصيص شهر من رواتبهم
لدعمنا في هذه المحنة المالية.
كثيرون اقترحوا علينا فتح رأسمال الشركة لكي يشتروا أسهما بأثمان
تشجيعية، وآخرون اقترحوا علينا فتح حساب بنكي لجمع التبرعات لهؤلاء
القضاة.
وطبعا نحن نخفض رؤوسنا خجلا من كرم وشهامة ونبل هؤلاء المغاربة
الأحرار، ونقول لكل الذين يبحثون عن طريقة ما لمساعدتنا من أجل إزاحة هذا
السيف المسلط على رقابنا، أننا نشكر كل من آزرنا بقلبه ولسانه وقلمه في
هذه المحنة. ونقول لجميع قرائنا والمتعاطفين معنا أنه تكفينا ثقتكم فينا،
فهي الرصيد البنكي الذي لا ينفد، والرأسمال الحقيقي الذي لا يصيبه الكساد.
ولذلك كله لن نفتح أي حساب بنكي لجمع التبرعات، ليس فقط لأن القانون
المغربي يمنع ذلك، ولكن لأننا لا نريد أن نثقل كاهل قرائنا بالمزيد من
المصاريف الإضافية. فنحن نعرف ونقدر تعطش المغاربة الأحرار للمساهمة في
إنقاذ جريدتهم المفضلة، لكننا نعرف أيضا حجم المعاناة اليومية للمغاربة مع
قسوة الحياة ومصاريفها الثقيلة.
وحتى نمنح قراءنا ومحبينا والمتعاطفين معنا فرصة المساهمة في إنقاذ
«المساء» والوقوف إلى جنبها في هذه المحنة، قررنا أن نرفع سعر الجريدة من
درهمين ونصف إلى ثلاثة دراهم، بزيادة خمسين فرنكا في النسخة الواحدة.
وطبعا يستطيع الواحد منكم أن يشتري عشر نسخ أو عشرين أو مائة كل يوم،
فيقرأ نسخته ويوزع الباقي مجانا.
هكذا ستبرهنون للناطق الرسمي باسم الحكومة وللقضاة الأربعة وقضاة
الاستئناف الذين أكدوا الحكم أن المغاربة الأحرار والشرفاء لا يدينون
«المساء» كما يتخيل الناصري، وإنما يدينون العدالة المغربية ومعها حكومة
عباس العاجزة حتى عن اتخاذ موقف مشرف واحد لصالح الصحافة وحرية التعبير في
المغرب.
علموهم كيف تكون «تمغربيت» الحقيقية والتي يتصورون أنهم قتلوها في
داخلنا. تحدثوا لأصدقائكم ومعارفكم عن «المساء» وشجعوهم على قراءتها
ونشرها. برهنوا لهم أنكم ترفضون وصاية القضاء الفاسد على أحلامكم التي
تتطلع إلى مغرب ديمقراطي نكون فيه جميعنا سواسية أمام قضاء مستقل وعادل.
عندما تشترون «المساء» فإنكم تساهمون معنا في البقاء على قيد الحلم،
سلاحنا الوحيد في وجه هذا الكابوس المخيف الذي يخيم على ليلنا المغربي
الحزين.
المساء
9 نونبر 2008
عن قطاع الإعلام الذي يحمل حقيبته وزراء الاتصال الناطقون الرسميون باسم
الحكومة. وكل ما عليك أن تطلبه من الله هو أن يوفر هؤلاء المسؤولون
تصريحاتهم لأنفسهم ويحتفظوا بألسنتهم الطويلة بين أسنانهم.
عندما توجهنا لسعادة الوزير بسؤال حول رأيه في حكم الإعدام الذي صدر
بحقنا قال بأنه لا يستطيع التعليق على أحكام القضاء. والظاهر أن سعادة
الوزير لا يحسن التعليق وإنما «التعلاق» فقط، خصوصا عندما تصدر وكالة
الأنباء الرسمية قصاصة «تسلخ» فيها أحد المشتبه فيهم. وهكذا فالناطق
الرسمي باسم الحكومة يقوم مع وكالة الخباشي للأنباء بعمل متكامل، بحيث أن
الوكالة «تسلخ» والناطق باسم الحكومة «يعلق».
لكن السيد الناصري، المحامي والشيوعي السابق يا حسرة، لم يستطع أن
يصبر أكثر من اللازم، وأكله فمه، ووقع له ما وقع لذلك الرجل الذي استأمنه
أحدهم على سر وأعطاه قدرا من المال مقابل أن يحتفظ بالسر لنفسه. وبعد
يومين جاءه الرجل عاكفا رأسه بالحامض ورد له نقوده وهو يقول له «ما صبرتش
أخويا ضرني راسي، شد فلوسك خليني نمشي نكولها».
ويبدو أن الناصري الذي امتنع عن التعليق عن الحكم الصادر في حقنا
عندما اتصلنا به، فك الله عقدة لسانه وشرح صدره «للتعلاق» عن الحكم لصالح
وكالة أنباء أجنبية، وقال لها بأن هناك اليوم في المغرب إجماعا على إدانة
المساء، وأن الاختلاف البسيط والوحيد الموجود في هذه القضية هو في قيمة
التعويض لا غير.
يعني أن سعادة الوزير مع حكم إعدام «المساء»، فقط لديه تحفظ حول
طريقة تنفيذ هذا الإعدام. والشرح الأوضح بالعربية «تاعرابت» لما قاله
الوزير هو «ماماتش غير خرجو مصارنو».
ونحن نستغرب كيف توصل سعادة وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم
الحكومة إلى أن هناك في المغرب اليوم إجماعا على إدانة «المساء». وأية
شركة لاستطلاع الرأي كلفتها الحكومة بإنجاز هذه الدراسة الميدانية لمعرفة
موقف المغاربة من هذا الحكم.
نطرح هذا السؤال على سعادة الناطق الرسمي باسم الحكومة لأن ما
نلاحظه يوميا، ومنذ النطق بالحكم والشروع في إعدام «المساء» بالحجز على
حساباتها البنكية، هو أن هناك إجماعا من طرف المغاربة بكل شرائحهم
وتوجهاتهم السياسية والحزبية والنقابية والحقوقية على إدانة الحكم
الانتقامي الذي تطبقه العدالة المغربية ضد «المساء». ولم نلاحظ، كما لاحظ
سعادة الوزير، أن هناك إجماعا في المغرب على إدانة «المساء».
المؤسف أن وزير الاتصال الوصي على قطاع الإعلام في المغرب يصطف إلى
جانب محركي هذه الآلة القضائية الجهنمية ضد الصحافيين. والأكثر إثارة
للأسف هو أن يتزامن الحكم بإعدام جريدة المغاربة الأولى مع استعداد وزير
الاتصال للاحتفال بالعيد الوطني للإعلام، وتسليم جوائز وزارة الاتصال
للصحافيين الفائزين في مسابقتها السنوية.
وبما أن حفل الوزارة في العيد الوطني للإعلام فيه فقرة اسمها
«التكريم» خاصة بتكريم وجوه إعلامية مغربية لما قدمته من خدمات جليلة
للمشهد الإعلامي، فإننا نقترح على «مول العرس»، أو بالأحرى «مول الباش»،
أن يحجز لنا مكانا ضمن هؤلاء المكرمين لهذه السنة. ليس لأننا أنانيون
ونعتبر أننا أحق من غيرنا بالتكريم، ولكن لأننا نرى أن القضاء «كرمنا»
بتلك الغرامة الثقيلة «تكريمة» لم يكرمها أحد من قبلنا في المغرب منذ
الاستقلال وإلى اليوم. ولذلك فإننا نرى أنه إذا كان هناك صحافيون «مكرمون»
اليوم في المغرب، فهم صحافيو «المساء». وإذا زادتنا وزارة الاتصال
«تكريمة» أخرى إلى جانب «التكريمة» التي تلقيناها من وزارة العدل، فإننا
سنكون أحسن من يستحق لقب «مكرمو السنة».
ونحن نقترح على وزارة الاتصال الغارقة هذه الأيام في الإعداد لعرسها
السنوي، أن لا تنسى تكريم القاضي العلوي الذي اشتهر بأحكام إعدامه
للصحافيين. وأقترح على وزير الاتصال أن يخصص له وحده جائزة خاصة بأحسن
قاضي يستطيع إغلاق أية جريدة أو مجلة كيفما كان نوعها في خمسة أيام وبدون
أن يرف له جفن، تكون على هيئة مجسم لميزان مختل تنزل إحدى كفتيه إلى
الأسفل بينما تصعد الأخرى نحو الأعلى.
فأمثال هؤلاء القضاة يجب أن تحتفي بهم وزارة الاتصال في عيدها
السنوي، وأن يحضروا لكي يقاسموا الوزير وأعضاء الحكومة المقاعد الأمامية
في مسرح محمد الخامس لكي يتعرفوا على ضحاياهم المقبلين من الصحافيين، ولكي
يضحكوا منهم وهم يتسلمون شيك جائزة الصحافة الذي لا يتجاوز قدره ستة
ملايين سنتيم.
يا للمفارقة العجيبة، جائزة الصحافة قدرها ستة ملايين سنتيم، وجائزة القضاة الأربعة تصل إلى ستمائة مليون سنتيم.
ولعل المضحك في ما تقوم به الجهات التي «تسهر» على «تكريمنا» هذه
الأيام، أنها تعتقد أننا «سنكمد التكريمة» ونسكت. عملا بالحكمة المغربية
الشائعة «تكبر وتنساها».
ولا بد أن سعادة وزير الاتصال، الذي يقول بأن هناك في المغرب إجماعا
على إدانة «المساء»، يجهل أن الإجماع الحقيقي في المغرب اليوم هو إجماع
شعبي على إنقاذ «المساء» بأي وجه كان، حتى تبقى الجريدة حية وتبقى معها
عائلات 300 من الذين يشتغلون فيها في منأى عن التشرد.
إن ما يثلج الصدر حقيقة هو هذا الكم الهائل من التعاطف المغربي
الصادق الذي تسبب فيه حكم الإعدام الذي صدر في حقنا. لا تكاد تمر ساعة دون
أن نتلقى رسائل ومكالمات وزيارات لقراء ومحبين وأصدقاء يحملون دفاتر
شيكاتهم مستعدين لإمضاء المبلغ الذي نريد.
لقد نزل ستار شفاف من الدموع أمس أمامي وأنا أسمع جدة في الهاتف
تدعو الله أن يحفظنا وتقول أنها مستعدة من أجلنا لبيع أرض صغيرة هي كل ما
تملك في هذه الدنيا لكي تساعدنا على دفع الغرامة لهؤلاء القضاة. وبين
الجدة التي يقرأ لها حفيدها «المساء» كل يوم والتي تريد أن تساهم بأرضها
في استمرار هذه الجريدة، وبين طفل في الخامسة يريد أن يأتي به والده لكي
يساهم معنا بدرهم رمزي، هناك الكثيرون اقترحوا تخصيص شهر من رواتبهم
لدعمنا في هذه المحنة المالية.
كثيرون اقترحوا علينا فتح رأسمال الشركة لكي يشتروا أسهما بأثمان
تشجيعية، وآخرون اقترحوا علينا فتح حساب بنكي لجمع التبرعات لهؤلاء
القضاة.
وطبعا نحن نخفض رؤوسنا خجلا من كرم وشهامة ونبل هؤلاء المغاربة
الأحرار، ونقول لكل الذين يبحثون عن طريقة ما لمساعدتنا من أجل إزاحة هذا
السيف المسلط على رقابنا، أننا نشكر كل من آزرنا بقلبه ولسانه وقلمه في
هذه المحنة. ونقول لجميع قرائنا والمتعاطفين معنا أنه تكفينا ثقتكم فينا،
فهي الرصيد البنكي الذي لا ينفد، والرأسمال الحقيقي الذي لا يصيبه الكساد.
ولذلك كله لن نفتح أي حساب بنكي لجمع التبرعات، ليس فقط لأن القانون
المغربي يمنع ذلك، ولكن لأننا لا نريد أن نثقل كاهل قرائنا بالمزيد من
المصاريف الإضافية. فنحن نعرف ونقدر تعطش المغاربة الأحرار للمساهمة في
إنقاذ جريدتهم المفضلة، لكننا نعرف أيضا حجم المعاناة اليومية للمغاربة مع
قسوة الحياة ومصاريفها الثقيلة.
وحتى نمنح قراءنا ومحبينا والمتعاطفين معنا فرصة المساهمة في إنقاذ
«المساء» والوقوف إلى جنبها في هذه المحنة، قررنا أن نرفع سعر الجريدة من
درهمين ونصف إلى ثلاثة دراهم، بزيادة خمسين فرنكا في النسخة الواحدة.
وطبعا يستطيع الواحد منكم أن يشتري عشر نسخ أو عشرين أو مائة كل يوم،
فيقرأ نسخته ويوزع الباقي مجانا.
هكذا ستبرهنون للناطق الرسمي باسم الحكومة وللقضاة الأربعة وقضاة
الاستئناف الذين أكدوا الحكم أن المغاربة الأحرار والشرفاء لا يدينون
«المساء» كما يتخيل الناصري، وإنما يدينون العدالة المغربية ومعها حكومة
عباس العاجزة حتى عن اتخاذ موقف مشرف واحد لصالح الصحافة وحرية التعبير في
المغرب.
علموهم كيف تكون «تمغربيت» الحقيقية والتي يتصورون أنهم قتلوها في
داخلنا. تحدثوا لأصدقائكم ومعارفكم عن «المساء» وشجعوهم على قراءتها
ونشرها. برهنوا لهم أنكم ترفضون وصاية القضاء الفاسد على أحلامكم التي
تتطلع إلى مغرب ديمقراطي نكون فيه جميعنا سواسية أمام قضاء مستقل وعادل.
عندما تشترون «المساء» فإنكم تساهمون معنا في البقاء على قيد الحلم،
سلاحنا الوحيد في وجه هذا الكابوس المخيف الذي يخيم على ليلنا المغربي
الحزين.
المساء
9 نونبر 2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
بُتْ نْبَتْ :رشيد نيني
إذا كان هناك من حزب لم يفهم جيدا الشعار الذي رفعه باراك أوباما طيلة
حملته الانتخابية والذي لخصه في جملة بسيطة تقول «نعم إننا نستطيع
التغيير»، فهو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وفي الوقت الذي كان يحتفل فيه ملايين الأمريكيين بدخول رئيس شاب
وأسود إلى البيت الأبيض، كان بضع مئات من الاتحاديين يحتفلون بوضع الشيخ
عبد الواحد الراضي فوق كرسي الأمانة العامة للحزب.
وإذا كان الأمريكيون قد اختاروا التغيير بالتصويت على رئيس شاب
رافعين شعار «نعم، بوسعنا ذلك»، فإن الاتحاديين صوتوا على رجل سبعيني
رافعين شعارا مغربيا أصيلا يقول «بت نبت».
ولعله من المصادفات الماكرة أن يكون عمر باراك أوباما يمثل تقريبا
عمر عبد الواحد الراضي، لكن في البرلمان فقط. فمنذ افتتاح البرلمان
المغربي سنة 1963 وعبد الواحد الراضي يحتل فيه مقعده بانتظام، إلى درجة
أنه أصبح يستحق لقب أقدم برلماني في العالم. فطيلة خمس وأربعين سنة وعبد
الواحد الراضي مرابط في البرلمان، وإذا غادره، كما وقع في حالات الاستثناء
التي أغلق فيها الحسن الثاني أبواب البرلمان و«سرح» ممثلي الرعية، فلكي
يعود إليه بمجرد ما كان القصر يقرر فتحه من جديد.
إذن هذا حزب له تاريخ عريق يختار للخروج من أزمته السياسية العميقة
وضع دفة الحزب بين يدي رجل في نهاية مشواره السياسي. وليس الاتحاد
الاشتراكي وحده من صوت لصالح شعار «بت نبت»، وإنما حزب الاستقلال الذي
يقود الحكومة الحالية، يسير في نفس الاتجاه. وإذا كان الاتحاد الاشتراكي
قد اختار البقاء في الماضي والتشبث بعدم التغيير، عن طريق التصويت، فإن
حزب الاستقلال يسير في اتجاه التمديد لولاية ثالثة للشيخ عباس الفاسي، ضدا
على القوانين الداخلية للحزب نفسه.
إذن هذان أعرق تاريخيين في المغرب يختاران معا الاستمرارية والإبقاء
على نفس الوجوه القديمة التي تذكرنا بسنوات الرصاص والجمر وحالات
الاستثناء وكل الكوارث السياسية التي عاشها المغرب أيام الحسن الثاني
ووزيره إدريس البصري وجنرالاته الدمويين. هذا في الوقت الذي يتغير فيه دول
العالم من حولنا وتنخرط قواها السياسية في سباق ضد الساعة لتشبيب أجهزتها
من أجل ضمان البقاء للأصلح.
عندنا نحن البقاء ليس للأصلح، البقاء للأقدم. وقد أصبح واضحا اليوم
في المغرب أننا نعيش صراع أجيال حقيقي بين نخب شاخت وانتهت مدة صلاحيتها
ومع ذلك ترفض أن تخضع لمنطق التقاعد، وبين نخبة شابة مقبلة بحماس على
الحياة والعمل، لكنها مجبرة على الانكماش والانتظار خلف الستار، لأن
الشيوخ الذين عادوا إلى صباهم مصرون على البقاء فوق الخشبة للعب دور
البطولة، مع أن دورهم انتهى في المسرحية.
إن هؤلاء الشيوخ الذين عادوا إلى صباهم «يلعبون» خارج النص، ولذلك لا
أحد أصبح يفهم هذه المسرحية المغربية التي بدأت كوميدية وانتهت مسرحية من
مسرحيات العبث التي حتى «بريشت» نفسه لو شاهدها لخرج وعلامات عدم الفهم
بادية على محياه.
عندما نراجع أسماء الجنرالات وكبار المسؤولين الأمنيين وكبار القضاة
ورؤساء مصالح الإدارات العمومية نلاحظ أنهم جميعهم تجاوزوا الستين ويليق
بهم أن يذهبوا إلى التقاعد لكي يفسحوا المجال للجيل الجديد. لكن الذي يحدث
عندنا هو العكس. فالمغرب هو البلد الوحيد الذي يتم فيه المناداة على شيخ
في الخامسة والسبعين كحفيظ بنهاشم لكي يتسلم إدارة مديرية السجون، فقط
لأنه اشتغل مع إدريس البصري ويعرف كيف يدير السجون بعقلية الشرطي القديم
الذي يسكنه، عندما كان يصفر لتنظيم المرور في شارع محمد الخامس سنوات
السبعينات. والمغرب هو البلد الوحيد الذي يتم فيه التمديد للوكيل العام
للملك في مراكش مرتين رغم وصوله سن التقاعد، فقط لأن والده هو أحد
الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال.
والمغرب هو البلد الوحيد الذي يتجاوز فيه جنرال كحسني بنسليمان سن
السبعين ومع ذلك يمسك بالدرك الملكي وحقيبة الجامعة الملكية لكرة القدم
واللجنة الأولمبية ورئاسة فريق الجيش الملكي.
وحتى المسؤولون الجدد الذين تم تعيينهم خلال العهد الجديد، أصبحوا
يستعدون للخلود في مناصبهم إلى أبد الآبدين. ومنهم واحد على رأس القطب
الإعلامي العمومي اسمه فيصل العرايشي أمضى إلى اليوم عشر سنوات كاملة في
منصبه، نجح خلالها في قص أظافر القناة الثانية وتفريخ سبع قنوات لا يكاد
يراها أحد. منها قنوات كقناة «المغربية» لا يشتغل فيها أكثر من مديرها
وسائق السيارة التي تجلب الأشرطة من القناة الثانية والأولى إلى غرفة البث
الفضائي للمغربية، وقناة أخرى اسمها «الرابعة» لا تراها حتى مديرتها.
ومن هؤلاء المسؤولين الجدد الذين يستعدون للخلود في مناصبهم نجد نور
الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي الذي وصل إلى سن التقاعد قبل
أشهر، وتم تثبيته مؤخرا في منصبه بظهير.
وحتى الذين يتم إنزالهم من فوق «عروشهم» الصغيرة وتتم إقالتهم
يطالبون بتعويضات بالملايير. كمصطفى بنعلي المدير السابق للقناة الثانية
الذي يطالب بمليارين كتعويض عن الطرد التعسفي. فالإعفاء من المسؤولية في
نظر هؤلاء يعتبر طردا تعسفيا، وليس قرارا لإنهاء العمل. وهم محقون في ذلك،
خصوصا عندما يرون كل هؤلاء الخالدين في مناصبهم والذين لا يغادرونها إلا
محمولين على محفات الموتى إلى مقبرة الشهداء. ولولا الخوف من الفضيحة
لكانوا أوصوا بدفن ظهائر تعيينهم وكراسيهم إلى جانبهم حتى يأخذوا معهم
مناصبهم إلى الآخرة، ويحرموا القادمين بعدهم من تسلمها.
إن الاستمرارية والمقاومة الشرسة لرياح التغيير ليست مقتصرة فقط على
الطبقة السياسية، وإنما هي ثقافة مغربية أصيلة. وكل الشعوب التي استطاعت
أن تحقق الانتقال الديمقراطي، فهمت أن الحتمية التاريخية تقتضي عندما
ننادي بالانتقال الديمقراطي أن نمارسه بوجوه جديدة لا تحمل خدوش الماضي.
أما أن نتحدث عن الانتقال الديمقراطي وعندما نستدير حولنا لا نرى سوى
الوجوه التي صنعت هذا الماضي بمآسيه ودموعه وجمره ورصاصه، فهذا ليس
انتقالا ديمقراطيا وإنما انتقاما ديمقراطيا.
لذلك فالانتخابات الأمريكية الأخيرة لم تكن فقط درسا للأمريكيين
الذين راهنوا على الاستمرارية مع بوش وإدارته الكارثية، وإنما هي درس لكل
الطامحين للتغيير عبر العالم. ولعل أحسن من عبر عن هذا الشعور هو المناضل
الكبير «نيلسون مانديلا» الذي خاطب أوباما قائلا «انتصارك برهن بأنه لا
يجب أن يشعر أي أحد بالخوف من تغيير العالم».
والتغيير يبدأ أولا بتغيير الأفكار. أي عندما يفهم الناس أنهم سواسية
أمام القانون ويناضلون من أجل الوصول إلى هذه المساواة. فالسود في أمريكا
لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من مساواة مع البيض في ليلة وضحاها. بل قدموا
لسنوات طويلة قرابين كثيرة لهذا المارد الأبيض قبل أن يهدأ روعه ويكون
بمستطاعهم الجلوس معه على طاولة واحدة. بعد ذلك جاءت «روزا بارك» التي
تجرأت وجلست في المكان المخصص للبيض في الحافلة العمومية، وجاء «مارثن
لوثر كينغ» وأعطى حياته ثمنا للحلم الذي رأى فيه نفسه يوما واحدا قبل قتله
يصعد الهضبة ويرى من فوقها الأرض الموعودة، أرض الحرية والمساواة.
إن الذين ابتهجوا في المغرب وأحسوا بالفخر لوصول رجل أسود كباراك
أوباما إلى البيت الأبيض مع أن السود في أمريكا لا يمثلون سوى عشرة
بالمائة من مجموع السكان، عليهم أن يسألوا أنفسهم لماذا لم يستطع أي حزب
في المغرب أن يقدم لرئاسة الحكومة أو رئاسة البرلمان منذ الاستقلال وإلى
اليوم رجلا أسود اللون مثل «أوباما».
ونحن نعرف جميعا أنه ليس السود ما ينقص في المغرب. لكنهم غائبون عن
شاشات القنوات العمومية وغائبون عن زعامة الأحزاب السياسية وغائبون عن
الحكومة.
وفي اليوم الذي سنرى فيه صحافيا مغربيا أسود اللون أو صحافية سوداء
يقدمان نشرة الأخبار الرئيسية في التلفزيون، سنفهم أن شيئا ما في المغرب
قد تغير. وأن المغاربة السود الذين ظلوا يقدمونهم إلينا أيام الحسن الثاني
إما كعبيد أو صناع شاي في السهرات ومداخل الفنادق المصنفة، هم أيضا مثلنا
يستحقون أن يكونوا رؤساء للحكومة ووزراء ورؤساء للبرلمان.
المساء
10.11.2008
حملته الانتخابية والذي لخصه في جملة بسيطة تقول «نعم إننا نستطيع
التغيير»، فهو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وفي الوقت الذي كان يحتفل فيه ملايين الأمريكيين بدخول رئيس شاب
وأسود إلى البيت الأبيض، كان بضع مئات من الاتحاديين يحتفلون بوضع الشيخ
عبد الواحد الراضي فوق كرسي الأمانة العامة للحزب.
وإذا كان الأمريكيون قد اختاروا التغيير بالتصويت على رئيس شاب
رافعين شعار «نعم، بوسعنا ذلك»، فإن الاتحاديين صوتوا على رجل سبعيني
رافعين شعارا مغربيا أصيلا يقول «بت نبت».
ولعله من المصادفات الماكرة أن يكون عمر باراك أوباما يمثل تقريبا
عمر عبد الواحد الراضي، لكن في البرلمان فقط. فمنذ افتتاح البرلمان
المغربي سنة 1963 وعبد الواحد الراضي يحتل فيه مقعده بانتظام، إلى درجة
أنه أصبح يستحق لقب أقدم برلماني في العالم. فطيلة خمس وأربعين سنة وعبد
الواحد الراضي مرابط في البرلمان، وإذا غادره، كما وقع في حالات الاستثناء
التي أغلق فيها الحسن الثاني أبواب البرلمان و«سرح» ممثلي الرعية، فلكي
يعود إليه بمجرد ما كان القصر يقرر فتحه من جديد.
إذن هذا حزب له تاريخ عريق يختار للخروج من أزمته السياسية العميقة
وضع دفة الحزب بين يدي رجل في نهاية مشواره السياسي. وليس الاتحاد
الاشتراكي وحده من صوت لصالح شعار «بت نبت»، وإنما حزب الاستقلال الذي
يقود الحكومة الحالية، يسير في نفس الاتجاه. وإذا كان الاتحاد الاشتراكي
قد اختار البقاء في الماضي والتشبث بعدم التغيير، عن طريق التصويت، فإن
حزب الاستقلال يسير في اتجاه التمديد لولاية ثالثة للشيخ عباس الفاسي، ضدا
على القوانين الداخلية للحزب نفسه.
إذن هذان أعرق تاريخيين في المغرب يختاران معا الاستمرارية والإبقاء
على نفس الوجوه القديمة التي تذكرنا بسنوات الرصاص والجمر وحالات
الاستثناء وكل الكوارث السياسية التي عاشها المغرب أيام الحسن الثاني
ووزيره إدريس البصري وجنرالاته الدمويين. هذا في الوقت الذي يتغير فيه دول
العالم من حولنا وتنخرط قواها السياسية في سباق ضد الساعة لتشبيب أجهزتها
من أجل ضمان البقاء للأصلح.
عندنا نحن البقاء ليس للأصلح، البقاء للأقدم. وقد أصبح واضحا اليوم
في المغرب أننا نعيش صراع أجيال حقيقي بين نخب شاخت وانتهت مدة صلاحيتها
ومع ذلك ترفض أن تخضع لمنطق التقاعد، وبين نخبة شابة مقبلة بحماس على
الحياة والعمل، لكنها مجبرة على الانكماش والانتظار خلف الستار، لأن
الشيوخ الذين عادوا إلى صباهم مصرون على البقاء فوق الخشبة للعب دور
البطولة، مع أن دورهم انتهى في المسرحية.
إن هؤلاء الشيوخ الذين عادوا إلى صباهم «يلعبون» خارج النص، ولذلك لا
أحد أصبح يفهم هذه المسرحية المغربية التي بدأت كوميدية وانتهت مسرحية من
مسرحيات العبث التي حتى «بريشت» نفسه لو شاهدها لخرج وعلامات عدم الفهم
بادية على محياه.
عندما نراجع أسماء الجنرالات وكبار المسؤولين الأمنيين وكبار القضاة
ورؤساء مصالح الإدارات العمومية نلاحظ أنهم جميعهم تجاوزوا الستين ويليق
بهم أن يذهبوا إلى التقاعد لكي يفسحوا المجال للجيل الجديد. لكن الذي يحدث
عندنا هو العكس. فالمغرب هو البلد الوحيد الذي يتم فيه المناداة على شيخ
في الخامسة والسبعين كحفيظ بنهاشم لكي يتسلم إدارة مديرية السجون، فقط
لأنه اشتغل مع إدريس البصري ويعرف كيف يدير السجون بعقلية الشرطي القديم
الذي يسكنه، عندما كان يصفر لتنظيم المرور في شارع محمد الخامس سنوات
السبعينات. والمغرب هو البلد الوحيد الذي يتم فيه التمديد للوكيل العام
للملك في مراكش مرتين رغم وصوله سن التقاعد، فقط لأن والده هو أحد
الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال.
والمغرب هو البلد الوحيد الذي يتجاوز فيه جنرال كحسني بنسليمان سن
السبعين ومع ذلك يمسك بالدرك الملكي وحقيبة الجامعة الملكية لكرة القدم
واللجنة الأولمبية ورئاسة فريق الجيش الملكي.
وحتى المسؤولون الجدد الذين تم تعيينهم خلال العهد الجديد، أصبحوا
يستعدون للخلود في مناصبهم إلى أبد الآبدين. ومنهم واحد على رأس القطب
الإعلامي العمومي اسمه فيصل العرايشي أمضى إلى اليوم عشر سنوات كاملة في
منصبه، نجح خلالها في قص أظافر القناة الثانية وتفريخ سبع قنوات لا يكاد
يراها أحد. منها قنوات كقناة «المغربية» لا يشتغل فيها أكثر من مديرها
وسائق السيارة التي تجلب الأشرطة من القناة الثانية والأولى إلى غرفة البث
الفضائي للمغربية، وقناة أخرى اسمها «الرابعة» لا تراها حتى مديرتها.
ومن هؤلاء المسؤولين الجدد الذين يستعدون للخلود في مناصبهم نجد نور
الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي الذي وصل إلى سن التقاعد قبل
أشهر، وتم تثبيته مؤخرا في منصبه بظهير.
وحتى الذين يتم إنزالهم من فوق «عروشهم» الصغيرة وتتم إقالتهم
يطالبون بتعويضات بالملايير. كمصطفى بنعلي المدير السابق للقناة الثانية
الذي يطالب بمليارين كتعويض عن الطرد التعسفي. فالإعفاء من المسؤولية في
نظر هؤلاء يعتبر طردا تعسفيا، وليس قرارا لإنهاء العمل. وهم محقون في ذلك،
خصوصا عندما يرون كل هؤلاء الخالدين في مناصبهم والذين لا يغادرونها إلا
محمولين على محفات الموتى إلى مقبرة الشهداء. ولولا الخوف من الفضيحة
لكانوا أوصوا بدفن ظهائر تعيينهم وكراسيهم إلى جانبهم حتى يأخذوا معهم
مناصبهم إلى الآخرة، ويحرموا القادمين بعدهم من تسلمها.
إن الاستمرارية والمقاومة الشرسة لرياح التغيير ليست مقتصرة فقط على
الطبقة السياسية، وإنما هي ثقافة مغربية أصيلة. وكل الشعوب التي استطاعت
أن تحقق الانتقال الديمقراطي، فهمت أن الحتمية التاريخية تقتضي عندما
ننادي بالانتقال الديمقراطي أن نمارسه بوجوه جديدة لا تحمل خدوش الماضي.
أما أن نتحدث عن الانتقال الديمقراطي وعندما نستدير حولنا لا نرى سوى
الوجوه التي صنعت هذا الماضي بمآسيه ودموعه وجمره ورصاصه، فهذا ليس
انتقالا ديمقراطيا وإنما انتقاما ديمقراطيا.
لذلك فالانتخابات الأمريكية الأخيرة لم تكن فقط درسا للأمريكيين
الذين راهنوا على الاستمرارية مع بوش وإدارته الكارثية، وإنما هي درس لكل
الطامحين للتغيير عبر العالم. ولعل أحسن من عبر عن هذا الشعور هو المناضل
الكبير «نيلسون مانديلا» الذي خاطب أوباما قائلا «انتصارك برهن بأنه لا
يجب أن يشعر أي أحد بالخوف من تغيير العالم».
والتغيير يبدأ أولا بتغيير الأفكار. أي عندما يفهم الناس أنهم سواسية
أمام القانون ويناضلون من أجل الوصول إلى هذه المساواة. فالسود في أمريكا
لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من مساواة مع البيض في ليلة وضحاها. بل قدموا
لسنوات طويلة قرابين كثيرة لهذا المارد الأبيض قبل أن يهدأ روعه ويكون
بمستطاعهم الجلوس معه على طاولة واحدة. بعد ذلك جاءت «روزا بارك» التي
تجرأت وجلست في المكان المخصص للبيض في الحافلة العمومية، وجاء «مارثن
لوثر كينغ» وأعطى حياته ثمنا للحلم الذي رأى فيه نفسه يوما واحدا قبل قتله
يصعد الهضبة ويرى من فوقها الأرض الموعودة، أرض الحرية والمساواة.
إن الذين ابتهجوا في المغرب وأحسوا بالفخر لوصول رجل أسود كباراك
أوباما إلى البيت الأبيض مع أن السود في أمريكا لا يمثلون سوى عشرة
بالمائة من مجموع السكان، عليهم أن يسألوا أنفسهم لماذا لم يستطع أي حزب
في المغرب أن يقدم لرئاسة الحكومة أو رئاسة البرلمان منذ الاستقلال وإلى
اليوم رجلا أسود اللون مثل «أوباما».
ونحن نعرف جميعا أنه ليس السود ما ينقص في المغرب. لكنهم غائبون عن
شاشات القنوات العمومية وغائبون عن زعامة الأحزاب السياسية وغائبون عن
الحكومة.
وفي اليوم الذي سنرى فيه صحافيا مغربيا أسود اللون أو صحافية سوداء
يقدمان نشرة الأخبار الرئيسية في التلفزيون، سنفهم أن شيئا ما في المغرب
قد تغير. وأن المغاربة السود الذين ظلوا يقدمونهم إلينا أيام الحسن الثاني
إما كعبيد أو صناع شاي في السهرات ومداخل الفنادق المصنفة، هم أيضا مثلنا
يستحقون أن يكونوا رؤساء للحكومة ووزراء ورؤساء للبرلمان.
المساء
10.11.2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رسالة اعتذار/رشيد نيني/المساء
توصلت أمس بدعوة من سعادتكم لحضور حفل تسليم الجائزة الوطنية الكبرى
للصحافة في مسرح محمد الخامس، تزامنا مع احتفالكم بالعيد الوطني للإعلام.
وإذ أشكركم على الدعوة الكريمة التي وصلت بعد سيل من الدعوات غير
الكريمة التي تمطرنا بها المحاكم للمثول أمام القضاء، يؤسفني أن أخبركم
أنني لن أتمكن من حضور احتفالكم الرسمي البهيج، وذلك لأسباب تتعلق بظروف
طارئة تعيشها مؤسستنا الإعلامية الفتية.
لذلك سيكون عليكم الاحتفال بعيدكم السنوي من دوننا، فإذا كنتم أنتم
تحتفلون بالعيد، فنحن نعيش هذه الأيام، نجاكم الله، ما يشبه المأتم. وعوض
أن تبعثوا إلينا دعوة لحضور حفل توزيع الجوائز كان الأليق بكم أن تبعثوا
إلينا رسالة تعزية ومواساة. وإذا لم تجدوا الوقت الكافي لمواساتنا في
مصابنا بالرسائل فعلى الأقل سيكون شهما من جانبكم أن تمسكوا علينا لسانكم
وتتوقفوا عن إعطاء التصريحات الجارحة في حقنا، وتتركونا نواجه هذه الفاجعة
بدون تشفي وسخرية.
سعادة الوزير، لا بد أنكم سمعتم بأن المحكمة قررت تأييد الحكم
الابتدائي ضدنا، وأجبرتنا على دفع 620 مليون سنتيم للقضاة الأربعة. وجاء
عون قضائي ليبلغنا منذ أسبوع بحجز الحساب البنكي للشركة وحسابي الشخصي،
وبقية الأموال المودعة في حساب شركة التوزيع «سابريس»، والتي رفض مديرها
وصديقك محمد برادة أن يدفعها لنا قبل شهر.
ورغم كل ذلك فكرت سعادتكم وتكرمتم بدعوتي لحضور أمسيتكم الساهرة
التي ستوزعون فيها الضحكات على المصورين والتصريحات على الميكروفونات
والأغلفة المالية على الصحافيين الفائزين بجوائزكم. تتصورون سعادتكم أنني
رغم الشروع في تنفيذ حكم الإعدام الذي صدر في حق المؤسسة التي أتحمل
مسؤولية إدارتها، ورغم أن حسابي البنكي تم السطو عليه، ورغم انشغالي
المتواصل بالتفكير في مصير ثلاثمائة عائلة تعيش مباشرة من هذه الجريدة،
فإنني سأجد الوقت الكافي لحضور حفلتكم التنكرية، حيث ستخطبون في معشر
الصحافيين خطبتكم السنوية المملة، والتي ستذكرونهم فيها بالمنجزات الباهرة
التي تحققت لقبيلة الصحافيين منذ مجيء سلفكم نبيل بنعبد الله وإلى غاية
تسلمكم للمشعل الذي يحرقنا لهبه اليوم.
تتصورون سعادتكم أنني سأضع كل هذه الكوارث التي حلت بنا جانبا،
وسأنسى لبضع ساعات حبل المشنقة الذي يلف رقبتي لكي أصفق لكم وأنتم تصعدون
المنصة لكي تخطبوا حول هامش الحرية الذي زاد في عهدكم، وحجم الدعم الذي
تقدمونه للجرائد والمجلات لكي تستمر، وعن المعارك التي تخوضونها لإخراج
قانون الصحافة إلى الوجود. والحال أن الجميع يرى كيف أنكم سائرون بنا بخطى
حثيثة في الطريق نحو بلاد لن يكون مسموحا فيها للصحافي أن يفتح فمه سوى في
عيادة طبيب الأسنان.
تتصورون أن قلوبنا مصنوعة من الفولاذ لكي نغادر بيت العزاء الذي نأتي
إليه كل يوم، ونذهب إلى المسرح ونتفرج على مهزلة سخيفة تؤدون فيها دور
البطولة.
لا يكفيكم أن تفرجوا فينا العالم بأسره بل تريدون فوق ذلك أن نأتي بأرجلنا إلى حفلتكم التنكرية لكي يتفرج فيها الجميع.
تتصورون أننا مغفلون إلى هذه الدرجة، لكي نوقف معركة الكرامة والبقاء
ونضع أقلامنا جانبا، أسلحتنا الوحيدة في هذه الحرب غير المتكافئة، ثم نلبس
بذلتنا الأنيقة وربطة العنق ونرش العطر لكي نأتي ونشارككم بهجة العيد
السعيد.
لا يا معالي الوزير، لسنا أغبياء إلى هذه الدرجة حتى تطلب منا في عز
الألم والحزن ومن علياء هذه النكبة أن نحتفل ونفرح معكم. فالوقت ليس وقت
احتفال وفرح، وإنما الوقت وقت حزن وعزاء. وإذا كنتم في علياء دواوينكم
الوزارية لا تسمعون هذا العويل الأليم الذي يطلقه الصحافيون وهم يتقدمون
الواحد تلو الآخر نحو منصة الإعدام، فنحن لا نلومكم، ونفهم أنكم بمجرد ما
تصبحون وزراء في الحكومة حتى تصموا آذانكم عن سماع صرخاتنا التي تفسد
عليكم سماع الموسيقى الصامتة للأغنية الرسمية.
لذلك يؤسفني يا سعادة الوزير أن أخبركم بأنني أقاطع احتفالاتكم
وجوائزكم ومناظراتكم ما دمتم متواطئين مع الجهات التي تريد إعدامنا بسيف
القضاء. فأنتم لم تدخلوا الحكومة على صهوة حزب من أحزاب الأنابيب، وإنما
باسم حزب يساري يفتخر بتقدميته واشتراكيته.
ولعل ما يحز في القلب هو أن نرى كيف أن كل الأحكام القضائية القاتلة
التي صدرت في حق الصحافة المستقلة في مغرب العهد الجديد، صدرت باسمكم أنتم
اليساريون والاشتراكيون والشيوعيون القدامى الذين يتوارثون وزارتي العدل
والاتصال. فأي ملجأ ستهربون إليه اليوم تاريخكم وسنوات اعتقالكم
ومرافعاتكم ضد القمع والمصادرة، بعد أن غيرتكم المقاعد الحكومية الوثيرة،
وقايضتم رؤوس الأقلام برؤوس الأموال، والثورة بالثروة، وانتهيتم تباركون
إعدام الصحف وترشون الملح على الجرح إمعانا في التعذيب، لكي تنالوا رضا
الجلادين وعطاياهم.
سيشهد التاريخ أنكم أغلقتم أعينكم بإحكام لكي لا تروا هذه الجريمة
البشعة، وشاركتم فيها بصمتكم الجبان. والأفظع من كل ذلك أنكم تريدون أن
ترقصوا وتجعلوا الصحافيين يرقصون معكم على جثتنا محتفلين بعيدكم السنوي،
مثل أي قبيلة بدائية من أكلة لحوم البشر. وكأن إعدام الجريدة الأولى في
المغرب مجرد عارض بسيط لا يستحق ولو مجرد كلمة عزاء من طرفكم.
عذرا معالي الوزير، لن نأتي إلى عرسكم، وما عليكم لتعويض غيابنا سوى
أن تضعوا فوق مقاعدنا الشاغرة باقة ورد، كما يصنع أهالي المقتولين غدرا.
واكتبوا فوقها أننا لم نستطع الحضور لأننا منشغلون بتدابير الدفن. فمن حق
المقتول غدرا أن يحظى على الأقل بميتة شريفة، مادام العيش بشرف في هذه
البلاد أصبح عزيز المنال.
سنلبي دعوتكم عندما تقررون الجلوس معنا للتفكير في طريقة عاجلة لإيقاف عقارب هذه القنبلة الموقوتة التي وضعها القضاء تحت أرجلنا.
سنلبي دعوتكم عندما تجلسون مع كل الصحافيين للعمل على إخراج قانون
جديد للصحافة يعطينا ضمانات واضحة لممارسة هذه المهنة الشريفة دون السقوط
فريسة سهلة للقضاة الراغبين في الاغتناء غير المشروع على حسابنا.
سنلبي دعوتكم عندما تتوقف سعادتكم عن شتم الصحافيين ونعتهم بأنصاف
الأميين والجهلة، وإعطاء التصريحات الشامتة في المحكومين بالإعدام منهم.
سنلبي دعوتكم عندما تدركون أن الكرسي الذي تجلسون فوقه قد سبقكم إليه
آخرون قبلكم، وأن منصبكم لا يعطيكم الحق في محاكمة الصحافيين نيابة عن
القضاء.
سنلبي دعوتكم عندما يكون لدينا شيء نحتفل به ونخلده. وإلى اليوم ليس
لدينا في هذه المهنة التعيسة ما نحتفل به غير هذه الأحكام القاتلة
والغرامات الثقيلة وقرارات المنع من الكتابة لعشر سنين.
فهل تعتقدون يا معالي الوزير أننا ساديون إلى هذا الحد، حتى نتحمل
كل هذه الآلام والخيبات والانكسارات، ثم نأتي إلى المسرح لكي نصفق ونضحك
لبعضنا البعض مثل أي مخدوعين تعساء.
لقد أخطأت العنوان يا سعادة الوزير عندما أرسلت إلينا الدعوة لحضور
حفلتك. كان عليك أن ترسلها إلى القضاة الذين نطقوا حكم الإعدام في حقنا.
فهم أولى منا بحضور هذه المهزلة. على الأقل لكي يروا ضحاياهم المقبلين
ويتعرفوا على ملامحهم وقسمات وجوههم.
عذرا معالي الوزير، يمكنك أن تحتفل بعيدك من دوننا. اتركنا نحن لمأتمنا المتواضع، فحزنه النظيف أشرف لنا من كل أفراحكم المزيفة.
العدد
668 الاربعاء 12 نوفمبر 2008
للصحافة في مسرح محمد الخامس، تزامنا مع احتفالكم بالعيد الوطني للإعلام.
وإذ أشكركم على الدعوة الكريمة التي وصلت بعد سيل من الدعوات غير
الكريمة التي تمطرنا بها المحاكم للمثول أمام القضاء، يؤسفني أن أخبركم
أنني لن أتمكن من حضور احتفالكم الرسمي البهيج، وذلك لأسباب تتعلق بظروف
طارئة تعيشها مؤسستنا الإعلامية الفتية.
لذلك سيكون عليكم الاحتفال بعيدكم السنوي من دوننا، فإذا كنتم أنتم
تحتفلون بالعيد، فنحن نعيش هذه الأيام، نجاكم الله، ما يشبه المأتم. وعوض
أن تبعثوا إلينا دعوة لحضور حفل توزيع الجوائز كان الأليق بكم أن تبعثوا
إلينا رسالة تعزية ومواساة. وإذا لم تجدوا الوقت الكافي لمواساتنا في
مصابنا بالرسائل فعلى الأقل سيكون شهما من جانبكم أن تمسكوا علينا لسانكم
وتتوقفوا عن إعطاء التصريحات الجارحة في حقنا، وتتركونا نواجه هذه الفاجعة
بدون تشفي وسخرية.
سعادة الوزير، لا بد أنكم سمعتم بأن المحكمة قررت تأييد الحكم
الابتدائي ضدنا، وأجبرتنا على دفع 620 مليون سنتيم للقضاة الأربعة. وجاء
عون قضائي ليبلغنا منذ أسبوع بحجز الحساب البنكي للشركة وحسابي الشخصي،
وبقية الأموال المودعة في حساب شركة التوزيع «سابريس»، والتي رفض مديرها
وصديقك محمد برادة أن يدفعها لنا قبل شهر.
ورغم كل ذلك فكرت سعادتكم وتكرمتم بدعوتي لحضور أمسيتكم الساهرة
التي ستوزعون فيها الضحكات على المصورين والتصريحات على الميكروفونات
والأغلفة المالية على الصحافيين الفائزين بجوائزكم. تتصورون سعادتكم أنني
رغم الشروع في تنفيذ حكم الإعدام الذي صدر في حق المؤسسة التي أتحمل
مسؤولية إدارتها، ورغم أن حسابي البنكي تم السطو عليه، ورغم انشغالي
المتواصل بالتفكير في مصير ثلاثمائة عائلة تعيش مباشرة من هذه الجريدة،
فإنني سأجد الوقت الكافي لحضور حفلتكم التنكرية، حيث ستخطبون في معشر
الصحافيين خطبتكم السنوية المملة، والتي ستذكرونهم فيها بالمنجزات الباهرة
التي تحققت لقبيلة الصحافيين منذ مجيء سلفكم نبيل بنعبد الله وإلى غاية
تسلمكم للمشعل الذي يحرقنا لهبه اليوم.
تتصورون سعادتكم أنني سأضع كل هذه الكوارث التي حلت بنا جانبا،
وسأنسى لبضع ساعات حبل المشنقة الذي يلف رقبتي لكي أصفق لكم وأنتم تصعدون
المنصة لكي تخطبوا حول هامش الحرية الذي زاد في عهدكم، وحجم الدعم الذي
تقدمونه للجرائد والمجلات لكي تستمر، وعن المعارك التي تخوضونها لإخراج
قانون الصحافة إلى الوجود. والحال أن الجميع يرى كيف أنكم سائرون بنا بخطى
حثيثة في الطريق نحو بلاد لن يكون مسموحا فيها للصحافي أن يفتح فمه سوى في
عيادة طبيب الأسنان.
تتصورون أن قلوبنا مصنوعة من الفولاذ لكي نغادر بيت العزاء الذي نأتي
إليه كل يوم، ونذهب إلى المسرح ونتفرج على مهزلة سخيفة تؤدون فيها دور
البطولة.
لا يكفيكم أن تفرجوا فينا العالم بأسره بل تريدون فوق ذلك أن نأتي بأرجلنا إلى حفلتكم التنكرية لكي يتفرج فيها الجميع.
تتصورون أننا مغفلون إلى هذه الدرجة، لكي نوقف معركة الكرامة والبقاء
ونضع أقلامنا جانبا، أسلحتنا الوحيدة في هذه الحرب غير المتكافئة، ثم نلبس
بذلتنا الأنيقة وربطة العنق ونرش العطر لكي نأتي ونشارككم بهجة العيد
السعيد.
لا يا معالي الوزير، لسنا أغبياء إلى هذه الدرجة حتى تطلب منا في عز
الألم والحزن ومن علياء هذه النكبة أن نحتفل ونفرح معكم. فالوقت ليس وقت
احتفال وفرح، وإنما الوقت وقت حزن وعزاء. وإذا كنتم في علياء دواوينكم
الوزارية لا تسمعون هذا العويل الأليم الذي يطلقه الصحافيون وهم يتقدمون
الواحد تلو الآخر نحو منصة الإعدام، فنحن لا نلومكم، ونفهم أنكم بمجرد ما
تصبحون وزراء في الحكومة حتى تصموا آذانكم عن سماع صرخاتنا التي تفسد
عليكم سماع الموسيقى الصامتة للأغنية الرسمية.
لذلك يؤسفني يا سعادة الوزير أن أخبركم بأنني أقاطع احتفالاتكم
وجوائزكم ومناظراتكم ما دمتم متواطئين مع الجهات التي تريد إعدامنا بسيف
القضاء. فأنتم لم تدخلوا الحكومة على صهوة حزب من أحزاب الأنابيب، وإنما
باسم حزب يساري يفتخر بتقدميته واشتراكيته.
ولعل ما يحز في القلب هو أن نرى كيف أن كل الأحكام القضائية القاتلة
التي صدرت في حق الصحافة المستقلة في مغرب العهد الجديد، صدرت باسمكم أنتم
اليساريون والاشتراكيون والشيوعيون القدامى الذين يتوارثون وزارتي العدل
والاتصال. فأي ملجأ ستهربون إليه اليوم تاريخكم وسنوات اعتقالكم
ومرافعاتكم ضد القمع والمصادرة، بعد أن غيرتكم المقاعد الحكومية الوثيرة،
وقايضتم رؤوس الأقلام برؤوس الأموال، والثورة بالثروة، وانتهيتم تباركون
إعدام الصحف وترشون الملح على الجرح إمعانا في التعذيب، لكي تنالوا رضا
الجلادين وعطاياهم.
سيشهد التاريخ أنكم أغلقتم أعينكم بإحكام لكي لا تروا هذه الجريمة
البشعة، وشاركتم فيها بصمتكم الجبان. والأفظع من كل ذلك أنكم تريدون أن
ترقصوا وتجعلوا الصحافيين يرقصون معكم على جثتنا محتفلين بعيدكم السنوي،
مثل أي قبيلة بدائية من أكلة لحوم البشر. وكأن إعدام الجريدة الأولى في
المغرب مجرد عارض بسيط لا يستحق ولو مجرد كلمة عزاء من طرفكم.
عذرا معالي الوزير، لن نأتي إلى عرسكم، وما عليكم لتعويض غيابنا سوى
أن تضعوا فوق مقاعدنا الشاغرة باقة ورد، كما يصنع أهالي المقتولين غدرا.
واكتبوا فوقها أننا لم نستطع الحضور لأننا منشغلون بتدابير الدفن. فمن حق
المقتول غدرا أن يحظى على الأقل بميتة شريفة، مادام العيش بشرف في هذه
البلاد أصبح عزيز المنال.
سنلبي دعوتكم عندما تقررون الجلوس معنا للتفكير في طريقة عاجلة لإيقاف عقارب هذه القنبلة الموقوتة التي وضعها القضاء تحت أرجلنا.
سنلبي دعوتكم عندما تجلسون مع كل الصحافيين للعمل على إخراج قانون
جديد للصحافة يعطينا ضمانات واضحة لممارسة هذه المهنة الشريفة دون السقوط
فريسة سهلة للقضاة الراغبين في الاغتناء غير المشروع على حسابنا.
سنلبي دعوتكم عندما تتوقف سعادتكم عن شتم الصحافيين ونعتهم بأنصاف
الأميين والجهلة، وإعطاء التصريحات الشامتة في المحكومين بالإعدام منهم.
سنلبي دعوتكم عندما تدركون أن الكرسي الذي تجلسون فوقه قد سبقكم إليه
آخرون قبلكم، وأن منصبكم لا يعطيكم الحق في محاكمة الصحافيين نيابة عن
القضاء.
سنلبي دعوتكم عندما يكون لدينا شيء نحتفل به ونخلده. وإلى اليوم ليس
لدينا في هذه المهنة التعيسة ما نحتفل به غير هذه الأحكام القاتلة
والغرامات الثقيلة وقرارات المنع من الكتابة لعشر سنين.
فهل تعتقدون يا معالي الوزير أننا ساديون إلى هذا الحد، حتى نتحمل
كل هذه الآلام والخيبات والانكسارات، ثم نأتي إلى المسرح لكي نصفق ونضحك
لبعضنا البعض مثل أي مخدوعين تعساء.
لقد أخطأت العنوان يا سعادة الوزير عندما أرسلت إلينا الدعوة لحضور
حفلتك. كان عليك أن ترسلها إلى القضاة الذين نطقوا حكم الإعدام في حقنا.
فهم أولى منا بحضور هذه المهزلة. على الأقل لكي يروا ضحاياهم المقبلين
ويتعرفوا على ملامحهم وقسمات وجوههم.
عذرا معالي الوزير، يمكنك أن تحتفل بعيدك من دوننا. اتركنا نحن لمأتمنا المتواضع، فحزنه النظيف أشرف لنا من كل أفراحكم المزيفة.
العدد
668 الاربعاء 12 نوفمبر 2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
فصل المقال في ما بين الهريف والتخريف من اتصال/رشيد نيني
يبدو أننا نحن الصحافيين أصبحنا في هذه الأزمنة الرديئة التي تمر منها
حرية التعبير في المغرب، مطالبين باستخراج شواهد طبية لدى الاختصاصيين في
الأمراض العصبية والعقلية، تحسبا للطوارئ.
«الواحد هوا اللي يدير تحتو كواغط الطبيب ماتعرف الوقت آش تجيب».
فالظاهر أن القضاء المغربي يتساهل كثيرا مع حملة مثل هذه الشواهد الطبية، ويؤجل أو يطوي ملفات أصحابها إلى أجل غير مسمى.
ولعل آخر من أشهر ملفه الطبي في وجه المحكمة هو النقابي المتقاعد، أو
المجاهد كما سماه شباط في برنامج حوار، عبد الرزاق أفيلال. فقد أشهر دفاعه
في وجه المحكمة ثلاثة تقارير طبية تفيد كلها إصابة المجاهد بعته الشيخوخة
والخرف. يعني أن القلم أصبح مرفوعا عن عبد الرزاق أفيلال حتى يعقل، وبما
أن التقارير الطبية التي تقدم بها دفاع أفيلال إلى المحكمة تقول بأنه لا
رجاء في أن يشفى أو يعقل، فإن إسقاط المتابعة عنه بات قريب المنال. فليس
من شيم دول الحق والقانون أن يتابع قضاؤها المعتوهين.
وأتصور يوسف التازي، المستشار البرلماني الذي رفضت المحكمة قبول طلب
لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالغرفة الثانية والقاضي بإسقاط
المتابعة في حقه وطس متابعته في قضية تبديد أموال عمومية إلى جانب أفيلال،
أتصوره يقضم أظافره من «الغدايد» وهو يرى كيف يفلت شريكه في التهمة من
الوقوف أمام المحكمة بفضل شواهده الطبية الكثيرة، بينما يظل هو متابعا.
وربما يوحي أفيلال ليوسف التازي بفكرة الشواهد الطبية التي تثبت الخرف
والعته وغيره من الأمراض المرتبطة بفقدان الذاكرة، حتى يرتاح هو الآخر من
استدعاءات القاضي جمال سرحان.
ولعل المدهش في حالة عبد الرزاق أفيلال أنه سبق له أن قدم قبل أشهر
شهادة طبية تثبت عجزه عن التنقل إلى المحكمة، وعندما وجه له شباط دعوة
لحضور برنامج «حوار» الذي استضافه فيه مصطفى العلوي، هب من فراش مرضه
و»ناض صحة سلامة» وذهب إلى الفندق حيث تم تصوير البرنامج وتبوأ مقعده بين
الجمهور.
ويبقى عبد الرزاق أفيلال على الأقل أكثر احتراما للعدالة من بعضهم،
فقد تجشم عناء الكشف عن قدراته العقلية عند أطباء متخصصين واستخرج ثلاث
شواهد طبية تجمع كلها على كونه أصبح معتوها، وقدمها دفاعه للمحكمة لكي
تسقط المتابعة في حقه. وليس كاليعقوبي الذي أطلق النار على شرطي مرور
وأرداه طريح الفراش، وتكفلت وكالة الخباشي للأنباء بإجراء الفحص بأجهزة
«الخطوط الحمراء» على دماغ السيد اليعقوبي واستخلصت في قصاصاتها الشهيرة
أنه مصاب بمرض «كورساكوف»، ويتلقى علاجه في إيطاليا منذ سنوات.
ولم يتجرأ أي وكيل للملك على إرسال استدعاء إلى اليعقوبي للمثول
أمام العدالة للتأكد من صحة ما ادعاه الخباشي في وكالته. واليوم بعد مرور
شهرين على حادث إطلاق النار على الشرطي، ليس هناك ما يدل على أن العدالة
ستفتح هذا الملف وستقوم باستدعاء المواطن اليعقوبي للمثول أمامها، كما
تصنع مع عبد الرزاق أفيلال ومعنا ومع بقية الخلق في هذه البلاد.
فالتوفر على شواهد طبية تثبت الخرف أو العته أو «الكورساكوف» في
الدول التي تحترم قضاءها لا يعفي من المتابعة والتحقيق في صحة هذه
الشواهد، ولو اقتضى الأمر من المحكمة إجراء خبرة مضادة على المتهمين
للتأكد مما يدعون.
وهكذا نرى في مغرب 2008 كيف أن الزعيم النقابي الاستقلالي وابن والي
كلميم وزوج الأميرة كلهم يعانون من أمراض نفسية وعقلية وعصبية تجعلهم غير
مسؤولين عن مخالفاتهم وتصرفاتهم الطائشة بفضل شواهدهم الطبية التي تعفيهم
من كل متابعة قضائية. في الوقت الذي يسارع القضاء إلى تطبيق قرار الحجز
على أموال جريدة «المساء» بسرعة قياسية، حتى دون أن يكلف نفسه عناء التأكد
من قدرتي على دفع المبلغ من عدمه، مادام الحكم صادرا ضدي شخصيا وليس ضد
الجريدة.
وقد أصبح اليوم واضحا أن الأمر عندما يتعلق بإغلاق جريدة بدفعها إلى
الإفلاس فإن العدالة تصبح لديها سرعة «جيمي القوية»، أما عندما يتعلق
الأمر بمحاكمة ناهبي المال العام فإنها تتحول إلى «فكرون» حقيقية. والدليل
على ذلك أن محاكمة المتورطين في نهب 1300 مليار سنتيم من البنك العقاري
والسياحي لازالت تراوح مكانها مع العلم أن تقرير لجنة التحقيق البرلمانية
حول «السياش» صدر قبل ثماني سنوات من اليوم.
ويمكن أن نعتبر هؤلاء الذين يتورطون في مخالفات وجرائم مالية ثم
يتذرعون بقدراتهم العقلية المفقودة، مواطنين يتمتعون بالامتياز القضائي
الذي يفضلهم على بقية المواطنين. لكن ماذا يقول القضاء في كل هؤلاء
الوزراء والمسؤولين الذين ذكرهم التقرير الأخير لقضاة المجلس الأعلى
للحسابات. هل سيتذرع هؤلاء أيضا بشواهد طبية تثبت معاناتهم أثناء تحملهم
لمسؤولياتهم من مرض «الهريف» وليس التخريف كما هو الحال مع أفيلال.
ولماذا لم تحرك وزارة العدل المتابعة القضائية في حق كل مسؤولي
المؤسسات التي توصلت بتقرير المجلس الأعلى للحسابات حولها. ألا تستحق
أموال الشعب أن تصان من العبث، ألا يستحق تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن
يعقد من أجله البرلمان جلسة طارئة لمساءلة الوزراء الذين تشير إليهم أصابع
القضاة بالاتهام. ألا يستحق تقرير القضاة برامج خاصة في الإعلام العمومي
لمناقشة وشرح مضامينه للشعب، المعني الأول والأخير بمصير أمواله.
إن أكبر إهانة للقضاة هي أن يشتغلوا لأشهر طويلة على مراجعة الصفقات
وضبط الحسابات وتتبع طرق صرف الميزانيات في المؤسسات العمومية والحكومية،
وعندما ينجزون تقاريرهم في مئات الصفحات ويحددون حجم المبالغ المنهوبة
بالملايير وأسماء المتهمين بالعشرات، توضع تقاريرهم في الرفوف ويرسلهم
الميداوي إلى مؤسسات أخرى لكي يقوموا بنفس الشيء. أليس هذا هو العبث
بعينه. أليس هذا هو الاستخفاف بهيبة القضاة الذين يسهرون الليالي الطوال
من أجل صرف أفضل لأموال دافعي الضرائب. ثم أليس هذا هو قمة الاستهتار
بأموال دافعي الضرائب التي «يتغذى» منها هؤلاء المسؤولون والوزراء الذين
ذكر التقرير أسماءهم.
لقد جاءت محاكمة الوزراء في عهد الحسن الثاني سنة 1972 لردع
المسؤولين الجشعين عن نهب أموال الشعب. خصوصا بعد أن ذهب المذبوح، مدير
الديوان العسكري آنذاك، في رحلة إلى أمريكا والتقى في ملعب للغولف بأحد
المستثمرين الأمريكيين واشتكى له عن اسم رجل أعمال مشهور يقوم بوساطات
لجمع الرشاوى والعمولات من المستثمرين الأجانب لصالح وزراء ومسؤولين
نافذين. وبمجرد ما عاد المذبوح إلى المغرب وتوصل الحسن الثاني بفحوى
اللقاء حتى أعطى أوامره باعتقال ومحاكمة المتورطين. فتم إلقاء القبض على
رجل الأعمال الشهير وبدؤوا يضربونه لكي يعترف بأسماء المسؤولين الذين يقوم
بالتوسط لحسابهم. فبدأ «الأخ» يعترف بالأسماء الواحد تلو الآخر. لكن لائحة
أسمائه بدأت تطول شيئا فشيئا، وبدأ «الأخ» يذكر أسماء ثقيلة. وهكذا بدأ
المحققون استنطاقهم بضرب «الأخ» لكي يعترف وانتهوا في الأخير يضربونه «ها
العار غير يسكت».
واليوم بعد مضي 36 سنة على محاكمة وزراء الحسن الثاني، نكاد نعيش
نفس الأوضاع التي عاشها المغرب آنذاك بسبب تفشي الرشوة والمحسوبية والفساد
المالي. وعوض محاكمة ناهبي المال العام تفضل الحكومة وضع قانون على المقاس
لحماية الوزراء من المتابعة القضائية. فلكي يوجه البرلمان تهمة لأحد
الوزراء يلزمه التوفر على اتفاق ثلثي أعضاء مجلس النواب وثلثي أعضاء مجلس
المستشارين. يعني أن إسقاط الحكومة في المغرب أيسر من اقتياد وزير من
وزرائها أمام القضاء.
إن القضاء المغربي اليوم يستأسد على الضعفاء والبسطاء والذين لا حائط
يسند ظهورهم. أما الكبار وأبناؤهم فإنه يقف أمامهم خائر القوى، عاجزا حتى
عن إجبارهم على المثول أمامه.
صدق شاعر الخوارج عمران بن قحطان عندما قال «أسد علي وفي الحروب نعامة».
المساء
العدد
669 الخميس 13 نوفمبر 2008
حرية التعبير في المغرب، مطالبين باستخراج شواهد طبية لدى الاختصاصيين في
الأمراض العصبية والعقلية، تحسبا للطوارئ.
«الواحد هوا اللي يدير تحتو كواغط الطبيب ماتعرف الوقت آش تجيب».
فالظاهر أن القضاء المغربي يتساهل كثيرا مع حملة مثل هذه الشواهد الطبية، ويؤجل أو يطوي ملفات أصحابها إلى أجل غير مسمى.
ولعل آخر من أشهر ملفه الطبي في وجه المحكمة هو النقابي المتقاعد، أو
المجاهد كما سماه شباط في برنامج حوار، عبد الرزاق أفيلال. فقد أشهر دفاعه
في وجه المحكمة ثلاثة تقارير طبية تفيد كلها إصابة المجاهد بعته الشيخوخة
والخرف. يعني أن القلم أصبح مرفوعا عن عبد الرزاق أفيلال حتى يعقل، وبما
أن التقارير الطبية التي تقدم بها دفاع أفيلال إلى المحكمة تقول بأنه لا
رجاء في أن يشفى أو يعقل، فإن إسقاط المتابعة عنه بات قريب المنال. فليس
من شيم دول الحق والقانون أن يتابع قضاؤها المعتوهين.
وأتصور يوسف التازي، المستشار البرلماني الذي رفضت المحكمة قبول طلب
لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالغرفة الثانية والقاضي بإسقاط
المتابعة في حقه وطس متابعته في قضية تبديد أموال عمومية إلى جانب أفيلال،
أتصوره يقضم أظافره من «الغدايد» وهو يرى كيف يفلت شريكه في التهمة من
الوقوف أمام المحكمة بفضل شواهده الطبية الكثيرة، بينما يظل هو متابعا.
وربما يوحي أفيلال ليوسف التازي بفكرة الشواهد الطبية التي تثبت الخرف
والعته وغيره من الأمراض المرتبطة بفقدان الذاكرة، حتى يرتاح هو الآخر من
استدعاءات القاضي جمال سرحان.
ولعل المدهش في حالة عبد الرزاق أفيلال أنه سبق له أن قدم قبل أشهر
شهادة طبية تثبت عجزه عن التنقل إلى المحكمة، وعندما وجه له شباط دعوة
لحضور برنامج «حوار» الذي استضافه فيه مصطفى العلوي، هب من فراش مرضه
و»ناض صحة سلامة» وذهب إلى الفندق حيث تم تصوير البرنامج وتبوأ مقعده بين
الجمهور.
ويبقى عبد الرزاق أفيلال على الأقل أكثر احتراما للعدالة من بعضهم،
فقد تجشم عناء الكشف عن قدراته العقلية عند أطباء متخصصين واستخرج ثلاث
شواهد طبية تجمع كلها على كونه أصبح معتوها، وقدمها دفاعه للمحكمة لكي
تسقط المتابعة في حقه. وليس كاليعقوبي الذي أطلق النار على شرطي مرور
وأرداه طريح الفراش، وتكفلت وكالة الخباشي للأنباء بإجراء الفحص بأجهزة
«الخطوط الحمراء» على دماغ السيد اليعقوبي واستخلصت في قصاصاتها الشهيرة
أنه مصاب بمرض «كورساكوف»، ويتلقى علاجه في إيطاليا منذ سنوات.
ولم يتجرأ أي وكيل للملك على إرسال استدعاء إلى اليعقوبي للمثول
أمام العدالة للتأكد من صحة ما ادعاه الخباشي في وكالته. واليوم بعد مرور
شهرين على حادث إطلاق النار على الشرطي، ليس هناك ما يدل على أن العدالة
ستفتح هذا الملف وستقوم باستدعاء المواطن اليعقوبي للمثول أمامها، كما
تصنع مع عبد الرزاق أفيلال ومعنا ومع بقية الخلق في هذه البلاد.
فالتوفر على شواهد طبية تثبت الخرف أو العته أو «الكورساكوف» في
الدول التي تحترم قضاءها لا يعفي من المتابعة والتحقيق في صحة هذه
الشواهد، ولو اقتضى الأمر من المحكمة إجراء خبرة مضادة على المتهمين
للتأكد مما يدعون.
وهكذا نرى في مغرب 2008 كيف أن الزعيم النقابي الاستقلالي وابن والي
كلميم وزوج الأميرة كلهم يعانون من أمراض نفسية وعقلية وعصبية تجعلهم غير
مسؤولين عن مخالفاتهم وتصرفاتهم الطائشة بفضل شواهدهم الطبية التي تعفيهم
من كل متابعة قضائية. في الوقت الذي يسارع القضاء إلى تطبيق قرار الحجز
على أموال جريدة «المساء» بسرعة قياسية، حتى دون أن يكلف نفسه عناء التأكد
من قدرتي على دفع المبلغ من عدمه، مادام الحكم صادرا ضدي شخصيا وليس ضد
الجريدة.
وقد أصبح اليوم واضحا أن الأمر عندما يتعلق بإغلاق جريدة بدفعها إلى
الإفلاس فإن العدالة تصبح لديها سرعة «جيمي القوية»، أما عندما يتعلق
الأمر بمحاكمة ناهبي المال العام فإنها تتحول إلى «فكرون» حقيقية. والدليل
على ذلك أن محاكمة المتورطين في نهب 1300 مليار سنتيم من البنك العقاري
والسياحي لازالت تراوح مكانها مع العلم أن تقرير لجنة التحقيق البرلمانية
حول «السياش» صدر قبل ثماني سنوات من اليوم.
ويمكن أن نعتبر هؤلاء الذين يتورطون في مخالفات وجرائم مالية ثم
يتذرعون بقدراتهم العقلية المفقودة، مواطنين يتمتعون بالامتياز القضائي
الذي يفضلهم على بقية المواطنين. لكن ماذا يقول القضاء في كل هؤلاء
الوزراء والمسؤولين الذين ذكرهم التقرير الأخير لقضاة المجلس الأعلى
للحسابات. هل سيتذرع هؤلاء أيضا بشواهد طبية تثبت معاناتهم أثناء تحملهم
لمسؤولياتهم من مرض «الهريف» وليس التخريف كما هو الحال مع أفيلال.
ولماذا لم تحرك وزارة العدل المتابعة القضائية في حق كل مسؤولي
المؤسسات التي توصلت بتقرير المجلس الأعلى للحسابات حولها. ألا تستحق
أموال الشعب أن تصان من العبث، ألا يستحق تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن
يعقد من أجله البرلمان جلسة طارئة لمساءلة الوزراء الذين تشير إليهم أصابع
القضاة بالاتهام. ألا يستحق تقرير القضاة برامج خاصة في الإعلام العمومي
لمناقشة وشرح مضامينه للشعب، المعني الأول والأخير بمصير أمواله.
إن أكبر إهانة للقضاة هي أن يشتغلوا لأشهر طويلة على مراجعة الصفقات
وضبط الحسابات وتتبع طرق صرف الميزانيات في المؤسسات العمومية والحكومية،
وعندما ينجزون تقاريرهم في مئات الصفحات ويحددون حجم المبالغ المنهوبة
بالملايير وأسماء المتهمين بالعشرات، توضع تقاريرهم في الرفوف ويرسلهم
الميداوي إلى مؤسسات أخرى لكي يقوموا بنفس الشيء. أليس هذا هو العبث
بعينه. أليس هذا هو الاستخفاف بهيبة القضاة الذين يسهرون الليالي الطوال
من أجل صرف أفضل لأموال دافعي الضرائب. ثم أليس هذا هو قمة الاستهتار
بأموال دافعي الضرائب التي «يتغذى» منها هؤلاء المسؤولون والوزراء الذين
ذكر التقرير أسماءهم.
لقد جاءت محاكمة الوزراء في عهد الحسن الثاني سنة 1972 لردع
المسؤولين الجشعين عن نهب أموال الشعب. خصوصا بعد أن ذهب المذبوح، مدير
الديوان العسكري آنذاك، في رحلة إلى أمريكا والتقى في ملعب للغولف بأحد
المستثمرين الأمريكيين واشتكى له عن اسم رجل أعمال مشهور يقوم بوساطات
لجمع الرشاوى والعمولات من المستثمرين الأجانب لصالح وزراء ومسؤولين
نافذين. وبمجرد ما عاد المذبوح إلى المغرب وتوصل الحسن الثاني بفحوى
اللقاء حتى أعطى أوامره باعتقال ومحاكمة المتورطين. فتم إلقاء القبض على
رجل الأعمال الشهير وبدؤوا يضربونه لكي يعترف بأسماء المسؤولين الذين يقوم
بالتوسط لحسابهم. فبدأ «الأخ» يعترف بالأسماء الواحد تلو الآخر. لكن لائحة
أسمائه بدأت تطول شيئا فشيئا، وبدأ «الأخ» يذكر أسماء ثقيلة. وهكذا بدأ
المحققون استنطاقهم بضرب «الأخ» لكي يعترف وانتهوا في الأخير يضربونه «ها
العار غير يسكت».
واليوم بعد مضي 36 سنة على محاكمة وزراء الحسن الثاني، نكاد نعيش
نفس الأوضاع التي عاشها المغرب آنذاك بسبب تفشي الرشوة والمحسوبية والفساد
المالي. وعوض محاكمة ناهبي المال العام تفضل الحكومة وضع قانون على المقاس
لحماية الوزراء من المتابعة القضائية. فلكي يوجه البرلمان تهمة لأحد
الوزراء يلزمه التوفر على اتفاق ثلثي أعضاء مجلس النواب وثلثي أعضاء مجلس
المستشارين. يعني أن إسقاط الحكومة في المغرب أيسر من اقتياد وزير من
وزرائها أمام القضاء.
إن القضاء المغربي اليوم يستأسد على الضعفاء والبسطاء والذين لا حائط
يسند ظهورهم. أما الكبار وأبناؤهم فإنه يقف أمامهم خائر القوى، عاجزا حتى
عن إجبارهم على المثول أمامه.
صدق شاعر الخوارج عمران بن قحطان عندما قال «أسد علي وفي الحروب نعامة».
المساء
العدد
669 الخميس 13 نوفمبر 2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
نداء من أجل الحرية والكرامة/رشيد نيني
عندما أتأمل هذه الحرب المنظمة والشرسة ضد حفنة من الأوراق نكتب عليها
يوميا أفكارنا ومواقفنا وأخبارنا، أستحضر جملة قالها المهاتما غاندي عندما
اجتمع حوله أتباعه يشكون إليه تجاهل المستعمر البريطاني لمطالبهم. فقال
لهم غاندي «سيتجاهلونكم ثم سيسخرون منكم ثم سيحاربونكم ثم ستنتصرون».
عندما أصدرنا العدد الأول من «المساء» تجاهلونا وكأننا لم نصدر.
وعندما تصدرنا مبيعات الصحف في المغرب بسحب ومعدل بيع قياسي لم يسبق لأية
جريدة قبلنا في المغرب أن وصلت إليه، سمعناهم يسخرون منا ويقولون بأن
«المساء» ليست سوى سحابة صيف عابرة، وحتما سينحسر نجاحها ويخبو بريقها،
فالذي يصعد سريعا ينزل سريعا أيضا.
وعندما استنفدوا كل ما في رصيدهم من تجاهل وسخرية وشماتة، هاهم يشهرون أثقل أسلحتهم لمحاربتنا.
وإذا كانوا هم قد قرروا أن يحاربونا فإننا نحن قررنا أن ننتصر. وسنبقى
رغم شماتتهم وسخريتهم وحربهم القذرة التي يستعملون فيها جميع الوسائل
لضربنا في نبل مهنتنا وقوت يومنا.
أول أمس جاء مناضلون وحقوقيون ومواطنون ومعطلون للوقوف إلى جانب
«المساء» في محنتها أمام مسرح محمد الخامس بمناسبة الاحتفال بما يسمونه
«العيد الوطني للإعلام»، وما نسميه نحن «العيد الوطني للإعدام». وترك
الجميع رسالة واضحة لجلادي الصحافة في المغرب، مفادها أن الشعب بكل أطيافه
لن يسمح لأي أحد بإعدام هذه الجريدة. لأنها صوته الجهوري الذي يتكلم
باسمه، ولأنها أصبحت بنظره أكبر من مجرد جريدة، إنها رمز للأمل بوجود رجال
على قيد الحياة في هذه البلاد يهمهم مصير الوطن وسلامته وأمنه ومستقبله.
إذا كانت لجلادي الصحافة وحرية التعبير أدواتهم القانونية لإعدام
الأصوات الحرة، فإن للشعب أدواته القانونية والحضارية لتحطيم منصة الإعدام
وتقطيع حبل المشنقة إلى ألف قطعة وقطعة ورمي خيوطه في وجوه الجلادين، حتى
يفهموا أن الشعب لن يسمح لهذه الجريمة النكراء بأن تمر أمام عينيه. نعم،
لن تمروا على جثثنا لأننا قررنا أن ندافع عن حقنا في البقاء في وطننا
والعمل إلى جانب كل قواه الحية من أجل وطن يتسع للجميع.
أول أمس قلنا لجميع من أتى ليقف معنا أن وقفة ذلك المساء ليست سوى
بداية المعركة، معركة البقاء والصمود في وجه من قرروا سلفا الإجهاز على
حقنا في الوجود تحت شمس هذا الوطن. أولئك الذين يعتقدون أن المغرب ضيعة
تركها لهم آباؤهم يرعون فيها شعبا خنوعا ويسوقونه إلى المراعي والسواقي
التي يريدون، وعندما تخرج رعية من الرعايا عن القطيع يبعثون إليهم بالذئاب
لكي يلتهموهم أمام أنظار كلاب الحراسة، لكي يأخذ الجميع الدرس ويفهموا أن
مكانهم الحقيقي يوجد وسط دعاة الفكر القطيعي وليس مع دعاة الفكر الحر.
إننا نعرف أسماء الجالسين وراء الستار، القابضين على خيوط المؤامرة
يحركونها حسب ما تشتهيه أهواؤهم. نعرف لصالح من يشتغلون ونعرف أن رأس هذه
الجريدة هو المطلوب في هذه الحفلة الدموية.
وسنفضح هؤلاء الجلادين الجدد الذين لم يراجعوا دروس التاريخ المغربي
جيدا، نظرا لحداثة سنهم وقلة تجربتهم. والذين يحاولون إعادتنا بخطوات
سريعة إلى الماضي الأسود الذي دفع ثمنه ملايين المغاربة من حريتهم ودمائهم
وكرامتهم.
نحن لن نسمح لهؤلاء الجبناء أن يكرروا المأساة وأن يرجعوا بالتاريخ
إلى الخلف. ببساطة لأننا مستأمنون على إرث الكرامة الذي تركه لنا المغاربة
الأحرار الذين علمونا أن الدفاع عن الحرية هو أشرف المعارك، والموت في
ساحاتها هو أسمى وسام يمكن أن يناله محارب في سبيلها.
لذلك كله قررنا أن نبقى على قيد الحياة، وأن ننتصر على حبل المشنقة
الذي لفوه حول أعناقنا بكل هذه السرعة الرهيبة. وإذا قرروا إعدام هذه
الجريدة فإننا سنكتبها على أوراق الدفاتر ونوزعها في الشوارع، وإذا نفدت
أوراق الدفاتر سنكتبها بالفحم على الجدران لكي يقرأها العابرون، وإذا نفد
الفحم سنقرؤها بحناجرنا في الساحات لكي يسمع العالم بأسره صراخنا. لكن لن
نستسلم ولن نسكت ولن نموت تلك الميتة الخنوعة التي جهزوا لنا أكفانها
بالوكالة نيابة عن أسيادهم الجالسين وراء الستار، ينتظرون حشرجتنا
الأخيرة.
اجمعوا أكفانكم يا سادة وأعيدوها إلى دهاليز مقراتكم المظلمة، فهذه
الجريدة ستبقى حية، لأن مصيرها ليس بأيديكم أو حتى بأيدينا، وإنما مصيرها
أصبح بيد الشعب. هو الذي حلم بها وهي مجرد فكرة، وعلى يديه ولدت، وهو الذي
احتضنها بين ذراعيه وهي رضيعة، وهو الذي تعهدها بالرعاية حتى اشتد عودها
وتقوت ووقفت على رجليها. واليوم إذا كان هناك من يحرص أكثر من غيره على
بقائها على قيد الحياة فهو الشعب نفسه. لأنها ابنته التي من صلبه، فهل
رأيتم أبا يبقى محايدا وهو يرى أمامه ابنته البريئة والعفيفة تساق إلى
منصة الإعدام بتهمة باطلة.
على الذين خططوا في الظلام لهذه الجريمة أن يستوعبوا جيدا درس وقفة
الأمس أمام مسرح محمد الخامس. عليهم أن يفهموا أن علي المرابط من حقه أن
يعود للاشتغال في بلاده، وأن أحمد السنوسي من حقه أن يظهر في التلفزيون
وأن يعود إلى خشبات المسارح، وأن بوبكر الجامعي من حقه أن يودع منفاه
الأمريكي ويعود إلى قبيلته الحقيقية، قبيلة الصحافيين الأحرار التي يريد
البعض السير بها في طريق الانقراض.
إن معركتنا كصحافيين أحرار يريدون المساهمة في بناء مستقبل
الديمقراطية في بلدهم، توجد هنا والآن، وليس في أوربا أو أمريكا. لذلك
فاليوم أكثر من أي وقت مضى نحن مطالبون كصحافيين برص الصف وحمل لواء واحد،
هو لواء الدفاع عن الحرية والحق في التعبير والعيش بكرامة.
إن هذا القضاء الفاسد يريد أن ينتهي بنا مشردين في مطارات العالم،
موزعين بحقائبنا وأقلامنا على الخريطة، بعيدا عن هذه البلاد التي يثخنونها
بأحكامهم الجائرة. يريدون أن يطردوا الشاهد لكي لا يوثق بحبره للتاريخ
جرائمهم النكراء التي يقترفونها باسم العدالة. يريدون أن يكمموا أفواهنا
جميعا حتى لا نصرخ فينتبه العالم لما يفعلونه في حق هذه البلاد من نهب
وسلب.
إننا لن نسمح بذلك. لأننا عندما اخترنا هذه المهنة الشريفة وقعنا
معها على ميثاق شرف تعهدنا فيه بأن لا نخونها مع مهن أخرى غير شريفة
يطالبوننا بأن نمتهنها لكي يسمحوا لنا بالبقاء.
نحن صحافيون وسنبقى صحافيين حتى النهاية. لسنا سياسيين ولا أطماع لنا
في الوصول إلى أي مكان غير أماكن الخبر. لا نريد جوائزكم التقديرية، فأحسن
جائزة يمكن أن تقدموها للصحافة في هذه البلاد هي أن تتركونا نشتغل بسلام
كما يحدث في كل الدول التي تحترم شعوبها. فهل طلبنا المستحيل يا سادة.
وإذا ضاقت صدور البعض بنا إلى هذا الحد وقرروا أن يدفعونا إلى
المغادرة من الباب الضيق، فعليهم أن يتأكدوا من شيء واحد، وهو أننا باقون
هنا. فلا أخلاقنا ولا مواقفنا ولا تربيتنا تسمح لنا بتكسير أقلامنا في وقت
تحتاج فيه بلادنا إلى هذه الأقلام، الآن أكثر من أي وقت مضى.
إننا كصحافيين نضيف صوتنا إلى صوت ملايين المغاربة داخل المغرب
وخارجه المطالب برفع الظلم عن «المساء». نطالب بالكف عن ملاحقتنا بالأعوان
القضائيين والأحكام الجائرة والتحرشات البوليسية بشركائنا في هذا المشروع
الإعلامي المستقل. نطالب بإطلاق سراح مراسلنا في مراكش، الزميل المصطفى
حسناوي الذي أودعه نائب وكيل الملك السجن قبل أمس لمجرد أنه يقوم بواجبه
في إخبار القراء بما يجري في مراكش.
مطالبنا بسيطة كما ترون، وهي تتلخص في كلمة واحدة هي «دعونا نشتغل».
فهل تسمحون لنا يا سادة أن نشتغل، أم إنكم تريدون منا أن نفعل شيئا آخر؟
المساء
العدد
670 الجمعه 14 نوفمبر 2008
يوميا أفكارنا ومواقفنا وأخبارنا، أستحضر جملة قالها المهاتما غاندي عندما
اجتمع حوله أتباعه يشكون إليه تجاهل المستعمر البريطاني لمطالبهم. فقال
لهم غاندي «سيتجاهلونكم ثم سيسخرون منكم ثم سيحاربونكم ثم ستنتصرون».
عندما أصدرنا العدد الأول من «المساء» تجاهلونا وكأننا لم نصدر.
وعندما تصدرنا مبيعات الصحف في المغرب بسحب ومعدل بيع قياسي لم يسبق لأية
جريدة قبلنا في المغرب أن وصلت إليه، سمعناهم يسخرون منا ويقولون بأن
«المساء» ليست سوى سحابة صيف عابرة، وحتما سينحسر نجاحها ويخبو بريقها،
فالذي يصعد سريعا ينزل سريعا أيضا.
وعندما استنفدوا كل ما في رصيدهم من تجاهل وسخرية وشماتة، هاهم يشهرون أثقل أسلحتهم لمحاربتنا.
وإذا كانوا هم قد قرروا أن يحاربونا فإننا نحن قررنا أن ننتصر. وسنبقى
رغم شماتتهم وسخريتهم وحربهم القذرة التي يستعملون فيها جميع الوسائل
لضربنا في نبل مهنتنا وقوت يومنا.
أول أمس جاء مناضلون وحقوقيون ومواطنون ومعطلون للوقوف إلى جانب
«المساء» في محنتها أمام مسرح محمد الخامس بمناسبة الاحتفال بما يسمونه
«العيد الوطني للإعلام»، وما نسميه نحن «العيد الوطني للإعدام». وترك
الجميع رسالة واضحة لجلادي الصحافة في المغرب، مفادها أن الشعب بكل أطيافه
لن يسمح لأي أحد بإعدام هذه الجريدة. لأنها صوته الجهوري الذي يتكلم
باسمه، ولأنها أصبحت بنظره أكبر من مجرد جريدة، إنها رمز للأمل بوجود رجال
على قيد الحياة في هذه البلاد يهمهم مصير الوطن وسلامته وأمنه ومستقبله.
إذا كانت لجلادي الصحافة وحرية التعبير أدواتهم القانونية لإعدام
الأصوات الحرة، فإن للشعب أدواته القانونية والحضارية لتحطيم منصة الإعدام
وتقطيع حبل المشنقة إلى ألف قطعة وقطعة ورمي خيوطه في وجوه الجلادين، حتى
يفهموا أن الشعب لن يسمح لهذه الجريمة النكراء بأن تمر أمام عينيه. نعم،
لن تمروا على جثثنا لأننا قررنا أن ندافع عن حقنا في البقاء في وطننا
والعمل إلى جانب كل قواه الحية من أجل وطن يتسع للجميع.
أول أمس قلنا لجميع من أتى ليقف معنا أن وقفة ذلك المساء ليست سوى
بداية المعركة، معركة البقاء والصمود في وجه من قرروا سلفا الإجهاز على
حقنا في الوجود تحت شمس هذا الوطن. أولئك الذين يعتقدون أن المغرب ضيعة
تركها لهم آباؤهم يرعون فيها شعبا خنوعا ويسوقونه إلى المراعي والسواقي
التي يريدون، وعندما تخرج رعية من الرعايا عن القطيع يبعثون إليهم بالذئاب
لكي يلتهموهم أمام أنظار كلاب الحراسة، لكي يأخذ الجميع الدرس ويفهموا أن
مكانهم الحقيقي يوجد وسط دعاة الفكر القطيعي وليس مع دعاة الفكر الحر.
إننا نعرف أسماء الجالسين وراء الستار، القابضين على خيوط المؤامرة
يحركونها حسب ما تشتهيه أهواؤهم. نعرف لصالح من يشتغلون ونعرف أن رأس هذه
الجريدة هو المطلوب في هذه الحفلة الدموية.
وسنفضح هؤلاء الجلادين الجدد الذين لم يراجعوا دروس التاريخ المغربي
جيدا، نظرا لحداثة سنهم وقلة تجربتهم. والذين يحاولون إعادتنا بخطوات
سريعة إلى الماضي الأسود الذي دفع ثمنه ملايين المغاربة من حريتهم ودمائهم
وكرامتهم.
نحن لن نسمح لهؤلاء الجبناء أن يكرروا المأساة وأن يرجعوا بالتاريخ
إلى الخلف. ببساطة لأننا مستأمنون على إرث الكرامة الذي تركه لنا المغاربة
الأحرار الذين علمونا أن الدفاع عن الحرية هو أشرف المعارك، والموت في
ساحاتها هو أسمى وسام يمكن أن يناله محارب في سبيلها.
لذلك كله قررنا أن نبقى على قيد الحياة، وأن ننتصر على حبل المشنقة
الذي لفوه حول أعناقنا بكل هذه السرعة الرهيبة. وإذا قرروا إعدام هذه
الجريدة فإننا سنكتبها على أوراق الدفاتر ونوزعها في الشوارع، وإذا نفدت
أوراق الدفاتر سنكتبها بالفحم على الجدران لكي يقرأها العابرون، وإذا نفد
الفحم سنقرؤها بحناجرنا في الساحات لكي يسمع العالم بأسره صراخنا. لكن لن
نستسلم ولن نسكت ولن نموت تلك الميتة الخنوعة التي جهزوا لنا أكفانها
بالوكالة نيابة عن أسيادهم الجالسين وراء الستار، ينتظرون حشرجتنا
الأخيرة.
اجمعوا أكفانكم يا سادة وأعيدوها إلى دهاليز مقراتكم المظلمة، فهذه
الجريدة ستبقى حية، لأن مصيرها ليس بأيديكم أو حتى بأيدينا، وإنما مصيرها
أصبح بيد الشعب. هو الذي حلم بها وهي مجرد فكرة، وعلى يديه ولدت، وهو الذي
احتضنها بين ذراعيه وهي رضيعة، وهو الذي تعهدها بالرعاية حتى اشتد عودها
وتقوت ووقفت على رجليها. واليوم إذا كان هناك من يحرص أكثر من غيره على
بقائها على قيد الحياة فهو الشعب نفسه. لأنها ابنته التي من صلبه، فهل
رأيتم أبا يبقى محايدا وهو يرى أمامه ابنته البريئة والعفيفة تساق إلى
منصة الإعدام بتهمة باطلة.
على الذين خططوا في الظلام لهذه الجريمة أن يستوعبوا جيدا درس وقفة
الأمس أمام مسرح محمد الخامس. عليهم أن يفهموا أن علي المرابط من حقه أن
يعود للاشتغال في بلاده، وأن أحمد السنوسي من حقه أن يظهر في التلفزيون
وأن يعود إلى خشبات المسارح، وأن بوبكر الجامعي من حقه أن يودع منفاه
الأمريكي ويعود إلى قبيلته الحقيقية، قبيلة الصحافيين الأحرار التي يريد
البعض السير بها في طريق الانقراض.
إن معركتنا كصحافيين أحرار يريدون المساهمة في بناء مستقبل
الديمقراطية في بلدهم، توجد هنا والآن، وليس في أوربا أو أمريكا. لذلك
فاليوم أكثر من أي وقت مضى نحن مطالبون كصحافيين برص الصف وحمل لواء واحد،
هو لواء الدفاع عن الحرية والحق في التعبير والعيش بكرامة.
إن هذا القضاء الفاسد يريد أن ينتهي بنا مشردين في مطارات العالم،
موزعين بحقائبنا وأقلامنا على الخريطة، بعيدا عن هذه البلاد التي يثخنونها
بأحكامهم الجائرة. يريدون أن يطردوا الشاهد لكي لا يوثق بحبره للتاريخ
جرائمهم النكراء التي يقترفونها باسم العدالة. يريدون أن يكمموا أفواهنا
جميعا حتى لا نصرخ فينتبه العالم لما يفعلونه في حق هذه البلاد من نهب
وسلب.
إننا لن نسمح بذلك. لأننا عندما اخترنا هذه المهنة الشريفة وقعنا
معها على ميثاق شرف تعهدنا فيه بأن لا نخونها مع مهن أخرى غير شريفة
يطالبوننا بأن نمتهنها لكي يسمحوا لنا بالبقاء.
نحن صحافيون وسنبقى صحافيين حتى النهاية. لسنا سياسيين ولا أطماع لنا
في الوصول إلى أي مكان غير أماكن الخبر. لا نريد جوائزكم التقديرية، فأحسن
جائزة يمكن أن تقدموها للصحافة في هذه البلاد هي أن تتركونا نشتغل بسلام
كما يحدث في كل الدول التي تحترم شعوبها. فهل طلبنا المستحيل يا سادة.
وإذا ضاقت صدور البعض بنا إلى هذا الحد وقرروا أن يدفعونا إلى
المغادرة من الباب الضيق، فعليهم أن يتأكدوا من شيء واحد، وهو أننا باقون
هنا. فلا أخلاقنا ولا مواقفنا ولا تربيتنا تسمح لنا بتكسير أقلامنا في وقت
تحتاج فيه بلادنا إلى هذه الأقلام، الآن أكثر من أي وقت مضى.
إننا كصحافيين نضيف صوتنا إلى صوت ملايين المغاربة داخل المغرب
وخارجه المطالب برفع الظلم عن «المساء». نطالب بالكف عن ملاحقتنا بالأعوان
القضائيين والأحكام الجائرة والتحرشات البوليسية بشركائنا في هذا المشروع
الإعلامي المستقل. نطالب بإطلاق سراح مراسلنا في مراكش، الزميل المصطفى
حسناوي الذي أودعه نائب وكيل الملك السجن قبل أمس لمجرد أنه يقوم بواجبه
في إخبار القراء بما يجري في مراكش.
مطالبنا بسيطة كما ترون، وهي تتلخص في كلمة واحدة هي «دعونا نشتغل».
فهل تسمحون لنا يا سادة أن نشتغل، أم إنكم تريدون منا أن نفعل شيئا آخر؟
المساء
العدد
670 الجمعه 14 نوفمبر 2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 3 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
صفحة 3 من اصل 7
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى