شوف تشوف
+19
binoo
بديعة
zouaki
zouakine1
ابن الأطلس
ربيع
sabil
kaytouni
nezha
القيطي
صالح
منصور
ع أ ع
المخلوطي
abdou
said
izarine
abdelhamid
iswal
23 مشترك
صفحة 6 من اصل 7
صفحة 6 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
جيتو روطار/رشيد نيني
من كان يتصور أن التذكار الأكثر مبيعا للسياح في إيطاليا سيصبح هو ذلك المجسم الذي أصاب به مختل عقلي الرئيس الإيطالي «سلفيو برلسكوني» و«خنشش» له وجهه عندما جمع له «نيف وفم وسنان» في ضربة واحدة. وهكذا وبسرعة قياسية، أصبح كل من يزور إيطاليا يشتري هذا المجسم كتذكار. وإذا كان البعض قد فكر في استنساخ هذا المجسم الذي دخل التاريخ، فإن البعض الآخر فكر في صناعة دمى للرئيس الإيطالي وهو «مجمخ» الوجه وعرضها للبيع، ويبدو أن الإقبال على اقتنائها في تزايد. مصائب قوم عند قوم فوائد.
وربما يجد ناشرو الدليل السياحي العالمي «le guide du routard» في صورة «برلسكوني» وهو يجمع أسنانه غلافا مناسبا للنسخة المقبلة من دليلهم المخصص للسياحة في إيطاليا، مثلما وجدوا في صورة مغربي يقف أمام محطة «زيز» للوقود برفقة «كيضاره» لكي يتزود بالبنزين ويملأ به البراميل التي يحملها «الكيضار» في «الشواري» الصورة المناسبة بعد أن اختارها أصحاب «لوروطار» لكي يقدموا بها الطبعة الجديدة لسنة 2009 لدليلهم السياحي المخصص للمغرب. فنحن، في نظر هؤلاء الفرنسيين الذين ألفوا الدليل السياحي حولنا، لا زلنا في مرحلة ما قبل التاريخ حتى ولو كانت لدينا محطات للتزود بالبنزين كتلك الموجودة في أوربا.
وقد كنت اعتقدت أن المشرفين على دليل «لوروطار» قد أقلعوا عن عادة تقديم المغرب على أغلفة دليلهم بتلك الصورة المنحطة والمتخلفة والباعثة على السخرية، إلا أن العكس هو الذي وقع. فغلاف دليلهم السياحي الحالي حول المغرب ليس سوى امتداد لأغلفتهم السابقة مثل غلافهم حول «دليل مراكش لسنة 2009 الذي وضعوا على غلافه صورة مغربي يسوق دراجة هوائية حاملا أمامه وخلفه جبلين من البيض يشبهان «التوين سانتر»، أو دليلهم السياحي حول المغرب لطبعة 2008 الذي قدموه بصورة لطفلين «مقطعين» يلعبان الكرة أمام سور تاريخي «شابع بول»، أو طبعة 2007 الذي قدموا له بصورة مغربيين بلديين يرتديان جلبابين تقليديين ويعتمران طاقيتين جالسين تحت سور عتيق يكتبان فوق لوحة حروف حاسوب محمول.
يعني أن أصحاب الدليل السياحي العالمي الذي يعتبر بمثابة إنجيل السياح الذي يعتمدون عليه في اختيار وجهاتهم السياحية، يقدمنا إلى العالم بصورة مضحكة، تبعث على السخرية. فنحن لدينا محطات وقود، لكن تقف للتزود بها الحمير والبغال عوض السيارات. ولدينا شيوخ ملفوفون في الجلابيب الصوفية، ومع ذلك يلعبون بالحاسوب عوض الضاما.
ومع ذلك، يبقى دليل «لوروطار» أحسن طريقة لمعرفة الصورة التي يرسمها عنا الآخرون، يعني كيف يروننا وكيف يفسرون سلوكاتنا وردود أفعالنا. إنه كتاب يشبه كثيرا غرفة المرايا التي تدخلها فترى وجهك يتقلص ويطول ويكبر بشكل مضحك. فتحت بالنيابة عنكم، وعن وزير السياحة، دفتي هذا الكتاب واستخرجت منه هذه الجواهر الثمينة:
أول نصيحة يقدمها الدليل للسياح عندما يصلون إلى نقطة الجمارك هي أن يتحلوا بالصبر، وإذا وجدوا أن الإجراءات بطيئة فما عليهم سوى أن يتحملوا الوضع، لأن انزعاجهم لن يحل المشكل، بل بالعكس قد يعقده.
على الأقل، في نقط الجمارك المغربية لا يجبر الجمركيون السياح على نزع أحذيتهم. لقد سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض مطارات أوربا، ورأيت كيف يخضع الجميع لتفتيش دقيق تنزع فيه الأحذية والأحزمة وأحيانا الملابس بكاملها. لكن طبعة الدليل السياحي حول الدول الأوربية وأمريكا لا ترد فيها مثل هذه الإشارات.
وبمناسبة الحديث عن الجمارك المغربية، ينصح الدليل السياح القادمين إلى المغرب بإفراغ حقائبهم من أي كتب أو مجلات أو جرائد ذات حمولة سياسية تتحدث عن الوضع السياسي أو الملكية. وربما نسي أصحاب الدليل أن يضيفوا نصيحة صغيرة للمولعين بقراءة المجلات التي تتحدث عن الملك، بعدم ضرورة جلب هذه المجلات في حقائبهم، لأنه لدينا مجلات وجرائد متخصصة في الملك.
كما يخبر «لوروطار» كل السياح الذين سيختارون المغرب كوجهة سياحية بأن شبابيك البنوك تعرف ازدحاما كبيرا، خصوصا شبابيك التجاري وفابنك وشبابيك البنك المغربي للتجارة الخارجية والبنك الشعبي. ويحذر الدليل كذلك من أن شبابيك البنوك المغربية «تسرط» أحيانا البطائق البنكية عوض إعادتها. وإمعانا في الشرح، يقول الدليل: «تصور نفسك ذات جمعة مساء، بينما جيوبك فارغة، «يسرط» لك شباك بنكي بطاقتك. وفجأة تجد نفسك «حاصلا» في مدينة، جائعا، إلا حدود يوم الاثنين».
وبالنسبة إلى السياح «المزاليط» الذين يرغبون في صرف مبلغ يومي في حدود 300 درهم، فإن الدليل يحذرهم من الفنادق التي يغزوها البق، وينصحهم بتغليف أنفسهم بالثياب لتجنب الاحتكاك بالمانطات و«ليزورات» المتسخة، كما يحذرهم من الأكل في هذه الفنادق والنقل العمومي المختلط.
أما بالنسبة إلى الأمن، فالدليل يقدم شهادة في حق المغرب ستعجب الشرقي الضريص. فالمغرب، حسب الدليل، بلد يسوده الأمن، والقضاء متشدد جدا مع الجرائم التي تستهدف السياح والأجانب.
ونسي الدليل أن يضيف أنه في حالة تعرض السياح لحادثة سير، فإن الدرك الملكي يخصص لهم طائرات مروحية لنقلهم إلى أقرب مستشفى، حتى إن المسافرين المغاربة أصبحوا يفكرون في لبس «بيريك» شقراء وتركيب عدسات زرقاء في عيونهم تحسبا لوقوع حادثة سير في الطريق. هكذا، يمكن أن يخلطهم الدرك الملكي بالسياح الأوربيين وينقلوهم على متن المروحيات لإسعافهم.
وحتى يفسد كاتبو الدليل فرحة المدير العام للأمن الوطني بهذه الشهادة في حقه، يستطرد هؤلاء قائلين: «لكن في بعض الأماكن السياحية تحدث بعض المغربات، خصوصا عند بعض باعة البازارات الذين يعتقدون أنكم أغنى منهم، ولذلك يطمعون في عصركم واستخراج أكبر ما يمكن من المال منكم بطرق قانونية مستعملين ضغوطات نفسية ووسائل إقناع عالية الذكاء».
في مدارس فرنسا العليا المتخصصة في تدريس أحدث الطرق التواصلية لإقناع الزبون باقتناء منتوج معين، يسمي الأساتذة ذلك «الماركوتينغ»، أما في المغرب فعندما يستعمل التجار نفس «الوسائل فإنهم يتحولون عند كاتب الدليل إلى مجرد محتالين.
ينصح الدليل السياح بعدم التوقف في حالة ما إذا شاهدوا مغربيا منبطحا فوق الطريق. فهذه طريقته، حسب الدليل، لبيعهم الكيف. لأنهم إذا توقفوا واشتروا الكيف من عنده، فإنه سيذهب إلى الشرطة ليشي بهم لكي يجدوا أنفسهم في آخر المطاف في السجن. ويضيف كاتب الدليل أن هذه الطريقة معروفة وجارٍ بها العمل في طرقات المغرب.
في أوربا عندما يشاهد سائق شخصا منبطحا فوق الطريق ولا يتوقف لتقديم المساعدة إليه، تتم متابعته بتهمة عدم تقديم المساعدة إلى شخص في خطر. أما في حالة وجود شخص منبطح فوق الأرض على طرقات المملكة المغربية، فالأمر يتعلق بمحتال يريد أن يبيعك الكيف ثم يشي بك للبوليس لكي يرسلك إلى السجن. «زعما بنادم فالمغرب ما عندو ما يدار، النهار وما طال وهوا مشبح فالطرقان باش يسيفط التوريست للحبس».
ومن أهم النصائح التي يقدمها الدليل إلى السياح الذين يزورون المغرب، أن يقوموا قبل مجيئهم عندنا بتصوير ونسخ جميع وثائقهم بالسكانير ثم إرسالها إلى عناوينهم الإلكترونية. هكذا، إذا سرقت منهم يكون بمستطاعهم أن يستخرجوا نسخا منها فيما بعد.
وعليهم أن يعرفوا في حالة ضياع وثائقهم أن الشرطة لا تعطي تصاريح عن ضياع الوثائق خلال عطل نهاية الأسبوع. كما يخبرهم الدليل بأن هذه التصاريح مؤدى عنها. والنصيحة الثمينة التي يقدمها الدليل في هذه الحالات هي عدم تصديق البوليس المغربي إذا قال لك «غير سير تهنى، غادي نسيفطوها ليك فالبوسطة»، يعني أنه على السائح أن ينهج سياسة «بت نبت» إلى أن يعطوه تصريحا بالضياع.
ولعل الشيء الوحيد الذي يتكرر في كل صفحات الدليل هو أن كل من سيقابله السائح الأجنبي في المغرب سيرغب في بيعه «زربية». كل شيء يؤدي نحو «الزرابي» في المغرب، حسب الدليل. والسائح يجب أن يحتاط من كل شيء حتى لا يجد نفسه عائدا إلى بلاده محملا بزرابي لا يعرف أين يضعها، فالأعطاب المختلقة على الطرقات ليست سوى فخ منصوب بعناية من أجل بيعهم زربية. الرجل الذي يقف في الطريق «أوطوسطوب» لا يفعل ذلك سوى على سبيل الحيلة لبيع زربية، والشيخ الذي يستوقفك من أجل أن تقرأ له ورقة الدواء ليس سوى محتال يريد بيع زربية.
وبالنسبة إلى السائحات الأجنبيات، فالدليل ينصحهن بلبس ثياب تستر أكتافهن وسيقانهن حتى لا يتعرضن للتحرشات. فالمغاربة، حسب الدليل، لديهم فكرة خاطئة عن الأخلاق الأوربية، فهم يرون في كل سائحة تتجول وحيدة فريسة سهلة.
يبدو أن كاتب هذه النصائح لم يتجول في مقاهي كورنيش عين الذياب أو وسط المدينة بالرباط وطنجة ومراكش وأكادير لكي يرى ماذا أصبحت تلبس المغربيات. وفي الوقت الذي ينصح فيه الدليل السائحات الغربيات بستر أكتافهن وسيقانهن، نرى كيف أن الكثير من المغربيات أصبحن يلبسن «الإحرام» في الشوارع بدون مشاكل. وحتى بعض المحجبات أصبحن يقبلن على لباس مثير يسمونه «من الفوق إقرأ ومن لتحت روطانا»، بحيث تخرج الفتاة مستورة الرأس محزومة الوسط.
وفي ما يتعلق بالفصل المخصص للجنس، ينصح الدليل السائحات باتخاذ الاحتياطات اللازمة في حالة ما إذا صيدت إحداهن أحد رعايا هذه المملكة السعيدة، وأرادت إدخاله معها إلى غرفتها بالفندق. والحل هو أن تحجز السائحة لصيدها الثمين غرفة انفرادية، وأن يدخل كل واحد منهما الفندق على انفراد، وإلا فإن السائحة وصيدها من الممكن جدا أن ينتهيا في السجن.
بالنسبة إلى اختيار غرف الفندق، فنصيحة الدليل هي تجنب الغرف المطلة على الساحات، لأنه سيكون مستحيلا على السائح الإفلات من سماع صوت المؤذن خلال صلاتي العشاء والفجر.
ذكرتني هذه النصيحة بفندق نزلت فيه في مدينة «إكس إنبروفانس» بفرنسا، لم أستطع النوم طيلة الليل بسبب دقات ناقوس الكنيسة على رأس كل ساعة.
وهناك نصائح أخرى كثيرة مثيرة للضحك، كتجنب السائح التجشؤ أمام مضيفيه المغاربة للتعبير عن الشبع، أو الامتناع عن التوقف عن شرب الشاي المقدم من طرف المضيفين حتى ولو امتلأت «مصارين» السائح عن آخرها، لأن امتناعه سيفسر على شكل تكبر. كما يجب على السائح أن يبدأ أكله باسم الله، مع أن «المغاربة بروسهم قليل فيهم اللي باقي كايسمي الله قبل الماكلة».
ككتاب ساخر، يستحق «لوروطار» أن يقرأ. لكن كدليل سياحي، يمكن أن نقول إن كل من سيطالعه سيفكر ألف مرة قبل اختيار المغرب كوجهة سياحية.
وربما يجد ناشرو الدليل السياحي العالمي «le guide du routard» في صورة «برلسكوني» وهو يجمع أسنانه غلافا مناسبا للنسخة المقبلة من دليلهم المخصص للسياحة في إيطاليا، مثلما وجدوا في صورة مغربي يقف أمام محطة «زيز» للوقود برفقة «كيضاره» لكي يتزود بالبنزين ويملأ به البراميل التي يحملها «الكيضار» في «الشواري» الصورة المناسبة بعد أن اختارها أصحاب «لوروطار» لكي يقدموا بها الطبعة الجديدة لسنة 2009 لدليلهم السياحي المخصص للمغرب. فنحن، في نظر هؤلاء الفرنسيين الذين ألفوا الدليل السياحي حولنا، لا زلنا في مرحلة ما قبل التاريخ حتى ولو كانت لدينا محطات للتزود بالبنزين كتلك الموجودة في أوربا.
وقد كنت اعتقدت أن المشرفين على دليل «لوروطار» قد أقلعوا عن عادة تقديم المغرب على أغلفة دليلهم بتلك الصورة المنحطة والمتخلفة والباعثة على السخرية، إلا أن العكس هو الذي وقع. فغلاف دليلهم السياحي الحالي حول المغرب ليس سوى امتداد لأغلفتهم السابقة مثل غلافهم حول «دليل مراكش لسنة 2009 الذي وضعوا على غلافه صورة مغربي يسوق دراجة هوائية حاملا أمامه وخلفه جبلين من البيض يشبهان «التوين سانتر»، أو دليلهم السياحي حول المغرب لطبعة 2008 الذي قدموه بصورة لطفلين «مقطعين» يلعبان الكرة أمام سور تاريخي «شابع بول»، أو طبعة 2007 الذي قدموا له بصورة مغربيين بلديين يرتديان جلبابين تقليديين ويعتمران طاقيتين جالسين تحت سور عتيق يكتبان فوق لوحة حروف حاسوب محمول.
يعني أن أصحاب الدليل السياحي العالمي الذي يعتبر بمثابة إنجيل السياح الذي يعتمدون عليه في اختيار وجهاتهم السياحية، يقدمنا إلى العالم بصورة مضحكة، تبعث على السخرية. فنحن لدينا محطات وقود، لكن تقف للتزود بها الحمير والبغال عوض السيارات. ولدينا شيوخ ملفوفون في الجلابيب الصوفية، ومع ذلك يلعبون بالحاسوب عوض الضاما.
ومع ذلك، يبقى دليل «لوروطار» أحسن طريقة لمعرفة الصورة التي يرسمها عنا الآخرون، يعني كيف يروننا وكيف يفسرون سلوكاتنا وردود أفعالنا. إنه كتاب يشبه كثيرا غرفة المرايا التي تدخلها فترى وجهك يتقلص ويطول ويكبر بشكل مضحك. فتحت بالنيابة عنكم، وعن وزير السياحة، دفتي هذا الكتاب واستخرجت منه هذه الجواهر الثمينة:
أول نصيحة يقدمها الدليل للسياح عندما يصلون إلى نقطة الجمارك هي أن يتحلوا بالصبر، وإذا وجدوا أن الإجراءات بطيئة فما عليهم سوى أن يتحملوا الوضع، لأن انزعاجهم لن يحل المشكل، بل بالعكس قد يعقده.
على الأقل، في نقط الجمارك المغربية لا يجبر الجمركيون السياح على نزع أحذيتهم. لقد سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض مطارات أوربا، ورأيت كيف يخضع الجميع لتفتيش دقيق تنزع فيه الأحذية والأحزمة وأحيانا الملابس بكاملها. لكن طبعة الدليل السياحي حول الدول الأوربية وأمريكا لا ترد فيها مثل هذه الإشارات.
وبمناسبة الحديث عن الجمارك المغربية، ينصح الدليل السياح القادمين إلى المغرب بإفراغ حقائبهم من أي كتب أو مجلات أو جرائد ذات حمولة سياسية تتحدث عن الوضع السياسي أو الملكية. وربما نسي أصحاب الدليل أن يضيفوا نصيحة صغيرة للمولعين بقراءة المجلات التي تتحدث عن الملك، بعدم ضرورة جلب هذه المجلات في حقائبهم، لأنه لدينا مجلات وجرائد متخصصة في الملك.
كما يخبر «لوروطار» كل السياح الذين سيختارون المغرب كوجهة سياحية بأن شبابيك البنوك تعرف ازدحاما كبيرا، خصوصا شبابيك التجاري وفابنك وشبابيك البنك المغربي للتجارة الخارجية والبنك الشعبي. ويحذر الدليل كذلك من أن شبابيك البنوك المغربية «تسرط» أحيانا البطائق البنكية عوض إعادتها. وإمعانا في الشرح، يقول الدليل: «تصور نفسك ذات جمعة مساء، بينما جيوبك فارغة، «يسرط» لك شباك بنكي بطاقتك. وفجأة تجد نفسك «حاصلا» في مدينة، جائعا، إلا حدود يوم الاثنين».
وبالنسبة إلى السياح «المزاليط» الذين يرغبون في صرف مبلغ يومي في حدود 300 درهم، فإن الدليل يحذرهم من الفنادق التي يغزوها البق، وينصحهم بتغليف أنفسهم بالثياب لتجنب الاحتكاك بالمانطات و«ليزورات» المتسخة، كما يحذرهم من الأكل في هذه الفنادق والنقل العمومي المختلط.
أما بالنسبة إلى الأمن، فالدليل يقدم شهادة في حق المغرب ستعجب الشرقي الضريص. فالمغرب، حسب الدليل، بلد يسوده الأمن، والقضاء متشدد جدا مع الجرائم التي تستهدف السياح والأجانب.
ونسي الدليل أن يضيف أنه في حالة تعرض السياح لحادثة سير، فإن الدرك الملكي يخصص لهم طائرات مروحية لنقلهم إلى أقرب مستشفى، حتى إن المسافرين المغاربة أصبحوا يفكرون في لبس «بيريك» شقراء وتركيب عدسات زرقاء في عيونهم تحسبا لوقوع حادثة سير في الطريق. هكذا، يمكن أن يخلطهم الدرك الملكي بالسياح الأوربيين وينقلوهم على متن المروحيات لإسعافهم.
وحتى يفسد كاتبو الدليل فرحة المدير العام للأمن الوطني بهذه الشهادة في حقه، يستطرد هؤلاء قائلين: «لكن في بعض الأماكن السياحية تحدث بعض المغربات، خصوصا عند بعض باعة البازارات الذين يعتقدون أنكم أغنى منهم، ولذلك يطمعون في عصركم واستخراج أكبر ما يمكن من المال منكم بطرق قانونية مستعملين ضغوطات نفسية ووسائل إقناع عالية الذكاء».
في مدارس فرنسا العليا المتخصصة في تدريس أحدث الطرق التواصلية لإقناع الزبون باقتناء منتوج معين، يسمي الأساتذة ذلك «الماركوتينغ»، أما في المغرب فعندما يستعمل التجار نفس «الوسائل فإنهم يتحولون عند كاتب الدليل إلى مجرد محتالين.
ينصح الدليل السياح بعدم التوقف في حالة ما إذا شاهدوا مغربيا منبطحا فوق الطريق. فهذه طريقته، حسب الدليل، لبيعهم الكيف. لأنهم إذا توقفوا واشتروا الكيف من عنده، فإنه سيذهب إلى الشرطة ليشي بهم لكي يجدوا أنفسهم في آخر المطاف في السجن. ويضيف كاتب الدليل أن هذه الطريقة معروفة وجارٍ بها العمل في طرقات المغرب.
في أوربا عندما يشاهد سائق شخصا منبطحا فوق الطريق ولا يتوقف لتقديم المساعدة إليه، تتم متابعته بتهمة عدم تقديم المساعدة إلى شخص في خطر. أما في حالة وجود شخص منبطح فوق الأرض على طرقات المملكة المغربية، فالأمر يتعلق بمحتال يريد أن يبيعك الكيف ثم يشي بك للبوليس لكي يرسلك إلى السجن. «زعما بنادم فالمغرب ما عندو ما يدار، النهار وما طال وهوا مشبح فالطرقان باش يسيفط التوريست للحبس».
ومن أهم النصائح التي يقدمها الدليل إلى السياح الذين يزورون المغرب، أن يقوموا قبل مجيئهم عندنا بتصوير ونسخ جميع وثائقهم بالسكانير ثم إرسالها إلى عناوينهم الإلكترونية. هكذا، إذا سرقت منهم يكون بمستطاعهم أن يستخرجوا نسخا منها فيما بعد.
وعليهم أن يعرفوا في حالة ضياع وثائقهم أن الشرطة لا تعطي تصاريح عن ضياع الوثائق خلال عطل نهاية الأسبوع. كما يخبرهم الدليل بأن هذه التصاريح مؤدى عنها. والنصيحة الثمينة التي يقدمها الدليل في هذه الحالات هي عدم تصديق البوليس المغربي إذا قال لك «غير سير تهنى، غادي نسيفطوها ليك فالبوسطة»، يعني أنه على السائح أن ينهج سياسة «بت نبت» إلى أن يعطوه تصريحا بالضياع.
ولعل الشيء الوحيد الذي يتكرر في كل صفحات الدليل هو أن كل من سيقابله السائح الأجنبي في المغرب سيرغب في بيعه «زربية». كل شيء يؤدي نحو «الزرابي» في المغرب، حسب الدليل. والسائح يجب أن يحتاط من كل شيء حتى لا يجد نفسه عائدا إلى بلاده محملا بزرابي لا يعرف أين يضعها، فالأعطاب المختلقة على الطرقات ليست سوى فخ منصوب بعناية من أجل بيعهم زربية. الرجل الذي يقف في الطريق «أوطوسطوب» لا يفعل ذلك سوى على سبيل الحيلة لبيع زربية، والشيخ الذي يستوقفك من أجل أن تقرأ له ورقة الدواء ليس سوى محتال يريد بيع زربية.
وبالنسبة إلى السائحات الأجنبيات، فالدليل ينصحهن بلبس ثياب تستر أكتافهن وسيقانهن حتى لا يتعرضن للتحرشات. فالمغاربة، حسب الدليل، لديهم فكرة خاطئة عن الأخلاق الأوربية، فهم يرون في كل سائحة تتجول وحيدة فريسة سهلة.
يبدو أن كاتب هذه النصائح لم يتجول في مقاهي كورنيش عين الذياب أو وسط المدينة بالرباط وطنجة ومراكش وأكادير لكي يرى ماذا أصبحت تلبس المغربيات. وفي الوقت الذي ينصح فيه الدليل السائحات الغربيات بستر أكتافهن وسيقانهن، نرى كيف أن الكثير من المغربيات أصبحن يلبسن «الإحرام» في الشوارع بدون مشاكل. وحتى بعض المحجبات أصبحن يقبلن على لباس مثير يسمونه «من الفوق إقرأ ومن لتحت روطانا»، بحيث تخرج الفتاة مستورة الرأس محزومة الوسط.
وفي ما يتعلق بالفصل المخصص للجنس، ينصح الدليل السائحات باتخاذ الاحتياطات اللازمة في حالة ما إذا صيدت إحداهن أحد رعايا هذه المملكة السعيدة، وأرادت إدخاله معها إلى غرفتها بالفندق. والحل هو أن تحجز السائحة لصيدها الثمين غرفة انفرادية، وأن يدخل كل واحد منهما الفندق على انفراد، وإلا فإن السائحة وصيدها من الممكن جدا أن ينتهيا في السجن.
بالنسبة إلى اختيار غرف الفندق، فنصيحة الدليل هي تجنب الغرف المطلة على الساحات، لأنه سيكون مستحيلا على السائح الإفلات من سماع صوت المؤذن خلال صلاتي العشاء والفجر.
ذكرتني هذه النصيحة بفندق نزلت فيه في مدينة «إكس إنبروفانس» بفرنسا، لم أستطع النوم طيلة الليل بسبب دقات ناقوس الكنيسة على رأس كل ساعة.
وهناك نصائح أخرى كثيرة مثيرة للضحك، كتجنب السائح التجشؤ أمام مضيفيه المغاربة للتعبير عن الشبع، أو الامتناع عن التوقف عن شرب الشاي المقدم من طرف المضيفين حتى ولو امتلأت «مصارين» السائح عن آخرها، لأن امتناعه سيفسر على شكل تكبر. كما يجب على السائح أن يبدأ أكله باسم الله، مع أن «المغاربة بروسهم قليل فيهم اللي باقي كايسمي الله قبل الماكلة».
ككتاب ساخر، يستحق «لوروطار» أن يقرأ. لكن كدليل سياحي، يمكن أن نقول إن كل من سيطالعه سيفكر ألف مرة قبل اختيار المغرب كوجهة سياحية.
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
كمشة من الصالوبارات >>>رشيد نيني
رشيد نيني
كمشة من الصالوبارات
هل يقبل يهودي باستقبال نازي ومصافحته والجلوس إلى جانبه؟
نطرح هذا السؤال ونحن مقتنعون بأن اليهود الإسرائيليين لا يقبلون باستقبال حتى مجرد اليهود الذين لا يعتنقون الصهيونية.
ابن وزير الخارجية المغربي، إبراهيم الفاسي الفهري، استضاف لنا في المغرب مجرمة حرب اسمها تسيبي ليفني، ورئيس الطائفة اليهودية بالمغرب، «سيرج بيرديغو»، استضافها في بيته ونظم لها عشاء على شرفها، في استهانة واضحة بمطالب المحامين المغاربة الذين طالبوا باعتقالها ومحاكمتها فور دخولها إلى المغرب. فيما وزير الخارجية، والد الشاب إبراهيم، أنكر معرفته بخبر حضور تسيبي ليفني إلى طنجة.
بينما في بريطانيا، أصدر القضاء مذكرة اعتقال في حق تسيبي ليفني وطالب باعتقالها إذا ما دخلت التراب البريطاني. وليست ليفني وحدها غير المرحب بها في بريطانيا، فقد سبقها نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه يعلون الذي ألغى قبل شهرين زيارة للندن كانت مقررة له بسبب تخوفه من الاعتقال.
مباشرة بعد هذا القرار، ستدفع الحكومة البريطانية ثمن استقلالية قضائها وسترضخ لضغط اللوبي الصهيوني وتقرر تعديل نظامها القضائي لتفادي اعتقال مجرمي الحرب الإسرائيليين وعرض التعديل للتصويت.
المسؤولون الإسرائيليون يصنعون المستحيل لكي يحاكموا ويحاصروا ويعتقلوا بقايا النازيين الذين يشكون في تورطهم في ما يسمونه «الهولوكوست»، رغم أن ما وقع لليهود على أيدي النازيين يعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما نحن الذين تابعنا «الهولوكوست» الذي تعرض له إخواننا الفلسطينيون في غزة والذي لازال طريا في الأذهان ولم يمر عليه أكثر من أحد عشر شهرا، أصبحنا نستقبل بالأحضان مجرمي هذه الحرب الصهاينة.
وبالأمس فقط، وافق الفاتيكان على فتح تحقيق في الاتهامات التي توجهها إسرائيل إلى البابا Pie XII بسبب ما تعتبره الدعاية الصهيونية تهاونا من طرف هذا البابا في اتخاذ موقف مساند لليهود ضد النازية.
ومع أن البابا مات وشبع موتا، فإن إسرائيل تستغل هذا الملف وتحرك آلتها الدعائية التي تسمى «الهولوكوست» لفرض المزيد من الرعب على حكومات الدول الغربية عبر اللعب على وتر المسؤولية الأخلاقية لأوربا في ما وقع لليهود على يد النازية.
إنها طريقة إسرائيل في ممارسة الابتزاز على العالم عبر إظهار الصرامة والتشدد والشراسة في تعقب النازيين والمتعاونين معهم حتى آخر يوم في حياتهم.
وقد جاء فيلم Inglorious Bastards لمخرجه «طارانتينو»، والذي لعب فيه «براد بيت» دور البطولة، ليمحو صورة اليهودي الضحية الذي اجتهدت الآلة السينمائية الهوليودية في تقديمه دائما ككائن مضطهد يتعرض للنفي والطرد والتعذيب والقتل. فعنوان الفيلم يعني «كمشة من الصالوبارات» مكونة من مرتزقة يهود ولدوا وتربوا في الأحياء الهامشية للمدن الأمريكية، جاؤوا إلى فرنسا من أجل هدف واحد: قتل النازيين بلا رحمة.
الصورة التي أعطاها الفيلم عن اليهودي تختلف جذريا عن الصور التي شاهدناها في أفلام سينمائية أخرى تعرضت لنفس الموضوع. فاليهودي في فيلم «كمشة من الصالوبارات»، عكس بطل «عازف البيانو» الحساس والمرهف لرومان بولانسكي، شخص بلا قلب لا يعرف الرحمة، ولا يتورع عن تحطيم رؤوس النازيين بعصا «البيزبول» الحديدية، مثلما لا يتردد «براد بيت»، زعيم العصابة، في وشم علامة النازية المعقوفة بسكينه على جباه النازيين.
إن الانعكاس الواقعي للنوازع الحيوانية التي يدافع عنها هذا الفيلم، نراه مجسدا على أرض الواقع من خلال محاكمة «جون ديمجانجوك» في «منيخ» بألمانيا بتهمة المشاركة «المحتملة» في جرائم حرب ضد اليهود.
فهذا الألماني من أصل أوكراني والبالغ من العمر 89 سنة يحاكم بتهمة اشتغاله كحارس لستة أشهر سنة 1943 في «صوبيبرو»، أحد معتقلات النازية ببولونيا. وإذا أثبتت المحكمة أنه اشتغل فعلا حارسا للمعتقل الذي تدعي إسرائيل أنه شهد تصفية 27.900 يهودي على يد النازية، فإنه سينال حكما بالسجن المؤبد.
إخراج هذه المحاكمة يقترب كثيرا من الإخراج السينمائي لفيلم «كمشة من الصالوبارات». فالمتهم الذي شارف على التسعين من عمره، والمشلول بسبب السرطانات التي تنخر جسده، يأتي محمولا فوق سرير متحرك إلى قاعة المحكمة. وبسبب الألم لا يكاد يسمع الصحافيون الذين يتابعون أطوار المحاكمة سوى تأوهات المتهم كلما أخرجته الشرطة من قاعة المحكمة وتعرض سريره لهزات خفيفة بسبب أدراج المحكمة.
إنها صورة سينمائية واقعية عن الهمجية الإسرائيلية وانعدام الرحمة والتسامح مع من تعتبرهم الدعاية الصهيونية متعاونين مع النازية ضد اليهود. وأكاد أشك في أن التهمة في حق البابا Pie XII بخصوص التورط في «جريمة» الصمت أثناء تهجير اليهود نحو معتقلات هتلر، إذا ما ثبتت فإن إسرائيل ستطالب باستخراج جثته من القبر لمعاقبتها على صمتها المتواطئ والإجرامي، هي التي تهاجم اليوم العدالة البريطانية لأنها أصدرت قرارا باعتقال مجرمة حرب متورطة حتى الأذنين في إبادة شعب بكامله اسمه فلسطين.
ما الفرق، إذن، بين هذا الحارس الذي تطالب إسرائيل بسجنه إلى الأبد عقابا له على اشتغاله حارسا على معتقل نازي، وبين الحراس الإسرائيليين الذين يحرسون اليوم معتقلا جماعيا مفتوحا على السماء اسمه غزة؟
ما الفرق بين هذا «المجرم» المفترض ومجرمي «تشاحال» الحقيقيين؟
ما الفرق بين هذا الحارس المتهم بالمشاركة في عمليات إبادة اليهود، وبين كل هؤلاء الجنرالات الإسرائيليين المجرمين المتورطين في مجازر إبادة الشعب الفلسطيني منذ دير ياسين وصبرا وشاتيلا وكفر قاسم وغزة؟
لا يوجد أي فرق، عدا كون إسرائيل تعتبر ما تقوم به من مذابح ومجازر في حق الفلسطينيين واجبا دينيا مقدسا وتطبيقا حرفيا لتعاليم التلمود ووصايا الحاخامات المتطرفين الذين يحركون خيوط السياسة الإسرائيلية من وراء الستار، بينما تعتبر ما قام به خصومها ضد اليهود قبل خمسين سنة جريمة لا تغتفر يستحق مقترفوها التشنيع والتشهير والمطاردات القضائية حتى ولو تطلب الأمر إحضارهم فوق أسرة احتضارهم والتلذذ بعرض تأوهاتهم أمام أنظار العالم.
داخل هذه الصورة يجب قراءة القرار المتسرع الذي قام به شاب في الخامسة والعشرين من عمره اسمه إبراهيم الفاسي الفهري، عندما استقبل في معهده، الذي صنعه له أبوه على مقاسه، مجرمة حرب اسمها «تسيبي ليفني» تحسب ألف حساب قبل أن تسافر نحو العواصم الأوربية خوفا من الاعتقال والمحاكمة.
وداخل هذه الصورة أيضا يجب أن نقرأ لجوء شركة «صوفريكوم» المغربية إلى طرد مهندس من عمله لمجرد أنه رفض تلقي تدريب على أيدي خبراء إسرائيليين استدعتهم الشركة إلى المغرب.
إسرائيل تطالب بمعاقبة الحكومات الغربية التي تطارد وزراءها ومسؤوليها العسكريين، والحكومة المغربية، في شخص وزير تشغيلها الاتحادي، تصم آذانها عن قرار طرد مهندس مغربي رفض المشاركة في مؤامرة التطبيع الاقتصادي الذي تقوم به بعض الجهات في المغرب مع الكيان الصهيوني.
إن الذي تجب محاسبته ومعاقبته ليس المهندس الذي رفض المشاركة في التدريب تحت إشراف خبراء إسرائيليين، وإنما مدير الشركة المغربية التي تحدت قرار الدولة المغربية، القاضي بقطع أية علاقة بإسرائيل منذ سنة 2000، واستدعت خبراء إسرائيليين إلى المغرب.
وكم هي مضحكة التهمة التي ساقتها إدارة الشركة لتبرير طردها للمهندس، حيث تتهم هذا الأخير بتعريضه، برفضه، لسلامة مواطنين إسرائيليين للخطر وبتعريض مصالح الشركة كذلك للخطر.
إن من تتعرض سلامة مواطنيه للخطر بمثل هذه المبادرات التطبيعية مع الكيان الصهيوني هو المغرب، ومن تتعرض مصالحه للخطر هو الشعب الفلسطيني الذي تغتصب إسرائيل أرضه وتمارس تهويدها لأراضيه وتستمر في بناء مستوطناتها في تحد سافر للعالم بأسره.
ماذا تمثل مصالح شركة صغيرة وسط آلاف الشركات أمام مصلحة أمة بكاملها؟ لا شيء.
إلا إذا كانت هذه الشركات المغربية المتهافتة على التطبيع تراعي مصلحة «كمشة من الصالوبارات» على حساب المصلحة العامة، فهذا كلام آخر.
كمشة من الصالوبارات
هل يقبل يهودي باستقبال نازي ومصافحته والجلوس إلى جانبه؟
نطرح هذا السؤال ونحن مقتنعون بأن اليهود الإسرائيليين لا يقبلون باستقبال حتى مجرد اليهود الذين لا يعتنقون الصهيونية.
ابن وزير الخارجية المغربي، إبراهيم الفاسي الفهري، استضاف لنا في المغرب مجرمة حرب اسمها تسيبي ليفني، ورئيس الطائفة اليهودية بالمغرب، «سيرج بيرديغو»، استضافها في بيته ونظم لها عشاء على شرفها، في استهانة واضحة بمطالب المحامين المغاربة الذين طالبوا باعتقالها ومحاكمتها فور دخولها إلى المغرب. فيما وزير الخارجية، والد الشاب إبراهيم، أنكر معرفته بخبر حضور تسيبي ليفني إلى طنجة.
بينما في بريطانيا، أصدر القضاء مذكرة اعتقال في حق تسيبي ليفني وطالب باعتقالها إذا ما دخلت التراب البريطاني. وليست ليفني وحدها غير المرحب بها في بريطانيا، فقد سبقها نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه يعلون الذي ألغى قبل شهرين زيارة للندن كانت مقررة له بسبب تخوفه من الاعتقال.
مباشرة بعد هذا القرار، ستدفع الحكومة البريطانية ثمن استقلالية قضائها وسترضخ لضغط اللوبي الصهيوني وتقرر تعديل نظامها القضائي لتفادي اعتقال مجرمي الحرب الإسرائيليين وعرض التعديل للتصويت.
المسؤولون الإسرائيليون يصنعون المستحيل لكي يحاكموا ويحاصروا ويعتقلوا بقايا النازيين الذين يشكون في تورطهم في ما يسمونه «الهولوكوست»، رغم أن ما وقع لليهود على أيدي النازيين يعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما نحن الذين تابعنا «الهولوكوست» الذي تعرض له إخواننا الفلسطينيون في غزة والذي لازال طريا في الأذهان ولم يمر عليه أكثر من أحد عشر شهرا، أصبحنا نستقبل بالأحضان مجرمي هذه الحرب الصهاينة.
وبالأمس فقط، وافق الفاتيكان على فتح تحقيق في الاتهامات التي توجهها إسرائيل إلى البابا Pie XII بسبب ما تعتبره الدعاية الصهيونية تهاونا من طرف هذا البابا في اتخاذ موقف مساند لليهود ضد النازية.
ومع أن البابا مات وشبع موتا، فإن إسرائيل تستغل هذا الملف وتحرك آلتها الدعائية التي تسمى «الهولوكوست» لفرض المزيد من الرعب على حكومات الدول الغربية عبر اللعب على وتر المسؤولية الأخلاقية لأوربا في ما وقع لليهود على يد النازية.
إنها طريقة إسرائيل في ممارسة الابتزاز على العالم عبر إظهار الصرامة والتشدد والشراسة في تعقب النازيين والمتعاونين معهم حتى آخر يوم في حياتهم.
وقد جاء فيلم Inglorious Bastards لمخرجه «طارانتينو»، والذي لعب فيه «براد بيت» دور البطولة، ليمحو صورة اليهودي الضحية الذي اجتهدت الآلة السينمائية الهوليودية في تقديمه دائما ككائن مضطهد يتعرض للنفي والطرد والتعذيب والقتل. فعنوان الفيلم يعني «كمشة من الصالوبارات» مكونة من مرتزقة يهود ولدوا وتربوا في الأحياء الهامشية للمدن الأمريكية، جاؤوا إلى فرنسا من أجل هدف واحد: قتل النازيين بلا رحمة.
الصورة التي أعطاها الفيلم عن اليهودي تختلف جذريا عن الصور التي شاهدناها في أفلام سينمائية أخرى تعرضت لنفس الموضوع. فاليهودي في فيلم «كمشة من الصالوبارات»، عكس بطل «عازف البيانو» الحساس والمرهف لرومان بولانسكي، شخص بلا قلب لا يعرف الرحمة، ولا يتورع عن تحطيم رؤوس النازيين بعصا «البيزبول» الحديدية، مثلما لا يتردد «براد بيت»، زعيم العصابة، في وشم علامة النازية المعقوفة بسكينه على جباه النازيين.
إن الانعكاس الواقعي للنوازع الحيوانية التي يدافع عنها هذا الفيلم، نراه مجسدا على أرض الواقع من خلال محاكمة «جون ديمجانجوك» في «منيخ» بألمانيا بتهمة المشاركة «المحتملة» في جرائم حرب ضد اليهود.
فهذا الألماني من أصل أوكراني والبالغ من العمر 89 سنة يحاكم بتهمة اشتغاله كحارس لستة أشهر سنة 1943 في «صوبيبرو»، أحد معتقلات النازية ببولونيا. وإذا أثبتت المحكمة أنه اشتغل فعلا حارسا للمعتقل الذي تدعي إسرائيل أنه شهد تصفية 27.900 يهودي على يد النازية، فإنه سينال حكما بالسجن المؤبد.
إخراج هذه المحاكمة يقترب كثيرا من الإخراج السينمائي لفيلم «كمشة من الصالوبارات». فالمتهم الذي شارف على التسعين من عمره، والمشلول بسبب السرطانات التي تنخر جسده، يأتي محمولا فوق سرير متحرك إلى قاعة المحكمة. وبسبب الألم لا يكاد يسمع الصحافيون الذين يتابعون أطوار المحاكمة سوى تأوهات المتهم كلما أخرجته الشرطة من قاعة المحكمة وتعرض سريره لهزات خفيفة بسبب أدراج المحكمة.
إنها صورة سينمائية واقعية عن الهمجية الإسرائيلية وانعدام الرحمة والتسامح مع من تعتبرهم الدعاية الصهيونية متعاونين مع النازية ضد اليهود. وأكاد أشك في أن التهمة في حق البابا Pie XII بخصوص التورط في «جريمة» الصمت أثناء تهجير اليهود نحو معتقلات هتلر، إذا ما ثبتت فإن إسرائيل ستطالب باستخراج جثته من القبر لمعاقبتها على صمتها المتواطئ والإجرامي، هي التي تهاجم اليوم العدالة البريطانية لأنها أصدرت قرارا باعتقال مجرمة حرب متورطة حتى الأذنين في إبادة شعب بكامله اسمه فلسطين.
ما الفرق، إذن، بين هذا الحارس الذي تطالب إسرائيل بسجنه إلى الأبد عقابا له على اشتغاله حارسا على معتقل نازي، وبين الحراس الإسرائيليين الذين يحرسون اليوم معتقلا جماعيا مفتوحا على السماء اسمه غزة؟
ما الفرق بين هذا «المجرم» المفترض ومجرمي «تشاحال» الحقيقيين؟
ما الفرق بين هذا الحارس المتهم بالمشاركة في عمليات إبادة اليهود، وبين كل هؤلاء الجنرالات الإسرائيليين المجرمين المتورطين في مجازر إبادة الشعب الفلسطيني منذ دير ياسين وصبرا وشاتيلا وكفر قاسم وغزة؟
لا يوجد أي فرق، عدا كون إسرائيل تعتبر ما تقوم به من مذابح ومجازر في حق الفلسطينيين واجبا دينيا مقدسا وتطبيقا حرفيا لتعاليم التلمود ووصايا الحاخامات المتطرفين الذين يحركون خيوط السياسة الإسرائيلية من وراء الستار، بينما تعتبر ما قام به خصومها ضد اليهود قبل خمسين سنة جريمة لا تغتفر يستحق مقترفوها التشنيع والتشهير والمطاردات القضائية حتى ولو تطلب الأمر إحضارهم فوق أسرة احتضارهم والتلذذ بعرض تأوهاتهم أمام أنظار العالم.
داخل هذه الصورة يجب قراءة القرار المتسرع الذي قام به شاب في الخامسة والعشرين من عمره اسمه إبراهيم الفاسي الفهري، عندما استقبل في معهده، الذي صنعه له أبوه على مقاسه، مجرمة حرب اسمها «تسيبي ليفني» تحسب ألف حساب قبل أن تسافر نحو العواصم الأوربية خوفا من الاعتقال والمحاكمة.
وداخل هذه الصورة أيضا يجب أن نقرأ لجوء شركة «صوفريكوم» المغربية إلى طرد مهندس من عمله لمجرد أنه رفض تلقي تدريب على أيدي خبراء إسرائيليين استدعتهم الشركة إلى المغرب.
إسرائيل تطالب بمعاقبة الحكومات الغربية التي تطارد وزراءها ومسؤوليها العسكريين، والحكومة المغربية، في شخص وزير تشغيلها الاتحادي، تصم آذانها عن قرار طرد مهندس مغربي رفض المشاركة في مؤامرة التطبيع الاقتصادي الذي تقوم به بعض الجهات في المغرب مع الكيان الصهيوني.
إن الذي تجب محاسبته ومعاقبته ليس المهندس الذي رفض المشاركة في التدريب تحت إشراف خبراء إسرائيليين، وإنما مدير الشركة المغربية التي تحدت قرار الدولة المغربية، القاضي بقطع أية علاقة بإسرائيل منذ سنة 2000، واستدعت خبراء إسرائيليين إلى المغرب.
وكم هي مضحكة التهمة التي ساقتها إدارة الشركة لتبرير طردها للمهندس، حيث تتهم هذا الأخير بتعريضه، برفضه، لسلامة مواطنين إسرائيليين للخطر وبتعريض مصالح الشركة كذلك للخطر.
إن من تتعرض سلامة مواطنيه للخطر بمثل هذه المبادرات التطبيعية مع الكيان الصهيوني هو المغرب، ومن تتعرض مصالحه للخطر هو الشعب الفلسطيني الذي تغتصب إسرائيل أرضه وتمارس تهويدها لأراضيه وتستمر في بناء مستوطناتها في تحد سافر للعالم بأسره.
ماذا تمثل مصالح شركة صغيرة وسط آلاف الشركات أمام مصلحة أمة بكاملها؟ لا شيء.
إلا إذا كانت هذه الشركات المغربية المتهافتة على التطبيع تراعي مصلحة «كمشة من الصالوبارات» على حساب المصلحة العامة، فهذا كلام آخر.
اللي ما عرفك خسرك 27/12
رشيد نيني
اللي ما عرفك خسرك
أخيرا، اكتشف وزير الخارجية المغربي «الطيب» أن الجزائر «توظف وسائل وإمكانيات ضخمة في حربها الدبلوماسية ضد المغرب».
وربما لهذا السبب خرج وزير الدولة الجزائري، قبل أمس، بشكل رسمي في مؤتمر صحافي بالضاحية الغربية للعاصمة وحيّى باسم الحكومة الجزائرية «نضال» أميناتو حيدر.
وقد كان ممكنا أن تبقى الحكومة الجزائرية على الحياد في هذا الموضوع، شكليا على الأقل. لكن «اللي فيها ما هناها». فالدولة الجزائرية هي طرف النزاع الحقيقي مع المغرب في ملف الصحراء.
وإذا كانت الجزائر قد استطاعت، بوسائلها وإمكانياتها الضخمة، أن تركع الخارجية الأمريكية ولجنة الخارجية في مجلس الشيوخ وتجبرهما على إصدار بلاغات «تجبد» الأذنين للمغرب، فذلك راجع بالأساس إلى وزارتها الخارجية الحقيقية المسماة «صوناتراك» للمنتجات النفطية والغازية.
ولكي نفهم طبيعة العلاقة بين السياسة الخارجية والنفط والغاز الجزائري، علينا أن نعيد قراءة أرقام المبادلات التجارية بين البلدين لكي نعرف كيف توظف الجزائر «وسائل وإمكانيات ضخمة في حربها الدبلوماسية ضد المغرب».
ولذلك فقصة الحب الحقيقية التي يعيشها الأمريكيون حاليا، وخصوصا الإدارة الأمريكية، ليست مع المغرب وإنما مع الجزائر تحديدا، ومبعثها ليس المودة وحسن الضيافة، وإنما أنابيب وبراميل الغاز والبترول.
وإلى حدود اليوم، وصل حجم المعاملات التجارية بين واشنطن والجزائر بفضل صادرات النفط والغاز إلى حوالي 4 ملايير دولار.. ثلاثة ملايير دولار عن صادرات الجزائر نحو أمريكا ومليار عن صادرات أمريكا نحو الجزائر.
إن ما يحرك الإدارة الأمريكية هو مصلحة الأمريكيين أولا وأخيرا، أما العواطف الجياشة وعبارات المودة والحب، فهذا ليس سوى معجم مستهلك يجد تفسيره في البلاغة أكثر مما يجده في الدبلوماسية.
فمتى وكيف بدأت خيوط قصة هذا الحب الكبير بين واشنطن وقصر المرادية وراء ظهر المغرب؟
هناك أربعة أسماء يجب تذكرها جيدا، لعبت دورا حاسما في هذا العشق الأمريكي الجزائري المتبادل: «روبير أليسون»، «جيمس بيكر»، «ديك تشيني» و«بيني ستينميتز».
وكل من خرج من صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأمريكية ووصل إلى البيت الأبيض لكي يحكم، عليه أن يستمع بخشوع إلى نصائح هؤلاء الأربعة الذين يملكون نفوذا قويا داخل مؤسسة الإدارة الأمريكية ودواليب اتخاذ القرار و«لوبيات» الضغط.
وليس سرا أن كل التقارير السرية حول الطاقة لتي تصل إلى مكتب الرئيس الأمريكي تشدد على حماية وتقوية مصالح أمريكا مع الجزائر، وخصوصا على مستوى استيراد الغاز والبترول، اللذين يعتبران عصب الاقتصاد الأمريكي. فأمريكا هي الزبون الثالث عالميا للغاز والبترول الجزائريين بعد إيطاليا وفرنسا، وهي من بين أكبر المستثمرين داخل الجزائر في حقول الطاقة.
لنأخذ، مثلا، السيد «روبير أليسون»، فهو يهودي أمريكي يوجد على رأس شركة «أناداركو» ويوجد على رأس مجموعة للتنقيب عن البترول في حقول الصحراء الجزائرية، وهو أيضا إحدى الشخصيات المؤثرة داخل الإدارة الأمريكية.
إنه لمن الغباء الاعتقاد بأن للجزائر وزارة للخارجية مثل تلك التي توجد لدى كل الدول العربية. فوزارة الخارجية الحقيقية للجزائر هي شركة «صوناتراك» للصناعات البترولية التي تتحكم فيها الدولة الجزائرية، أي جنرالاتها المثقلون بالنياشين وبالحسابات البنكية السمينة. وعائدات هذه الشركة العملاقة مخصصة، بالكامل تقريبا، للضغط على اقتصاديات الدول أو مقايضة مواقفها الجامدة من البوليساريو بمواقف أكثر ليونة. ولو خصصت الحكومة الجزائرية جزءا بسيطا من عائدات هذه الشركة الخرافية لتنمية الجزائر وخلق فرص الشغل لما رأينا في وسائل الإعلام، الأسبوع الماضي، الشرطة الإيطالية وهي تعتقل مهاجرين سريين جزائريين يحاولون دخول التراب الإيطالي هربا من البطالة في الجزائر.
سعادة السفير الأمريكي الجديد، الذي يتغزل بالصداقة الكبيرة التي تجمع أمريكا بالمغرب، يعرف أكثر من غيره أن مواطنه «جيمس بيكر»، كاتب الدولة الأمريكي الأسبق، يحتفظ إلى اليوم بمنصبه ككبير للمستشارين في شركة «صوناتراك» الجزائرية. وليس هذا فحسب، بل إن لجيمس بيكر، بشراكة مع الشركة النرويجية «ستاتويل هيدرو»، خطا مباشرا لبيع منتجات الشركة الغازية في السوق الأمريكية ولمدة عشرين سنة، خصوصا في الشرق الأمريكي، حيث يكثر الطلب على الغاز الطبيعي.
وقصة الحب العاصف بين الأمريكيين والجزائريين لا تقف عند هذا الحد، بل ستتوطد عراها سنة 1997 عندما سينشئ العشيقان شركة اسمها «صوناتراك بيتروليوم كوربورايشن»، وهي شركة أمريكية مقرها «ديلاوار» بالولايات المتحدة الأمريكية. الآن وبفضل هذا الذراع الاقتصادي الضارب، أصبحت «صوناتراك» الجزائرية تمتلك 16 مليون حصة من المجموعة الطاقية الأخطبوطية الأمريكية «ديك إنيرجي» المتواجدة بكارولينا الشمالية.
ولا تكتفي «صوناتراك» بهذه الشراكة الأمريكية المربحة، بل تمتد أذرعها لكي تمتلك 51 في المائة من شركة «براون أند روث كوندور»، وهي شركة بترولية تمتلك فيها شركة «هاليبيرتون» 49 في المائة من الأسهم. وهذه الشركة، ويا للمصادفة العجيبة، يوجد ضمن لائحة المساهمين فيها اسم «ديك تشيني»، نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، كما يشغل فيها «جيمس بيكر»، المبعوث الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء، منصبَ مسير إداري. هل رأيتم الآن كيف تختلط رائحة البترول برائحة الطبخة الأمريكية لملف الصحراء.
وإذا كان المغرب يفتخر دائما بالنفوذ القوي الذي يمارسه «اللوبي» اليهودي الموالي له، والذي يضم آلاف اليهود المغاربة الذين تحولوا إلى مليارديرات وسيناتورات في أمريكا وإسرائيل، فإن الجزائر لديها أيضا طريقتها الخاصة لاستمالة اليهود المقربين من أقوى وزراء الحكومة الإسرائيلية الذين لديهم كلمتهم المسموعة في ردهات البيت الأبيض.
ويكفي في هذا الإطار أن نعرف أن شركة المناولة «باتمان ليتوين» الأمريكية، التي حصلت على صفقة تدبير حقل «رورد النوس»، 2200 كلم جنوب الجزائر، توجد في ملكية ملياردير إسرائيلي اسمه «بيني ستينميتز». والعقد الذي وقعته شركة «صوناتراك» الجزائرية، عبر شركة «B.R.C» التي تملك 51 في المائة من أسهمها، يقدر بحوالي 3.5 ملايير دولار. ومدير شركة «باتمان ليتوين» مستقر في إسرائيل، ويشتغل في تجارة الأحجار الكريمة، وهو أحد المقربين من «ليبرمان»، وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف.
وإذا كان السفير الأمريكي الجديد بالرباط يتغزل باتفاقية التبادل الحر التي وقعها المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتبر بنودها في صالح الأمريكيين أكثر مما هي في صالح الاقتصاد المغربي، فإن إلقاء نظرة سريعة على حجم المبادلات الجزائرية الأمريكية يعطينا فكرة واضحة عن دخول قصة الحب بين البلدين مراحل متقدمة، تجاوزت المقدمات المعروفة في علاقة الحب.
وبالإضافة إلى تشجيع كل السفراء الأمريكيين في الجزائر، من «كاميون هوم» إلى السفير الحالي «دافيد بيرس»، للشركات الأمريكية على غزو السوق الجزائرية (كوكاكولا، إ.ب.إم، هوني ويل، جينرال إليكتريك، لوسن تيكنولوجي،...)، مستغلين اتجاه الجزائر نحو اقتصاد السوق، هناك تشجيع آخر تقوده شركات صناعة الأسلحة لإقناع الجنرالات باقتناء الأسلحة الأمريكية المتطورة.
وهكذا، أبرمت الحكومة الجزائرية صفقات ضخمة خلال التسعينيات لاقتناء أسلحة وطائرات أمريكية تكلفت الحكومة الأمريكية بتدريب الجنود الجزائريين على استعمالها. وتكللت هذه العلاقة التجارية العسكرية بتبادل الجنرال العماري للمقر الرئيسي للحلف الأطلسي بألمانيا، وبعده بزيارة رسمية لواشنطن جاءت ردا على زيارة سابقة للأميرال «جوزيف لوبيز» الذي زار الجزائر سنة 1998 في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ العسكري الأمريكي الجزائري.
طبعا، كل هذه التفاصيل يعرفها «كريستوفر روس»، المبعوث الأمريكي الجديد في ملف الصحراء، والذي يرعى المفاوضات المتوقفة اليوم بين المغرب والبوليساريو منذ جولة «فيينا». ألم يكن سعادته سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر خلال هذه الفترة التي نسجت فيها واشنطن والجزائر تفاصيل قصة هذا الحب العابر للقارات؟
اللي ما عرفك خسرك
أخيرا، اكتشف وزير الخارجية المغربي «الطيب» أن الجزائر «توظف وسائل وإمكانيات ضخمة في حربها الدبلوماسية ضد المغرب».
وربما لهذا السبب خرج وزير الدولة الجزائري، قبل أمس، بشكل رسمي في مؤتمر صحافي بالضاحية الغربية للعاصمة وحيّى باسم الحكومة الجزائرية «نضال» أميناتو حيدر.
وقد كان ممكنا أن تبقى الحكومة الجزائرية على الحياد في هذا الموضوع، شكليا على الأقل. لكن «اللي فيها ما هناها». فالدولة الجزائرية هي طرف النزاع الحقيقي مع المغرب في ملف الصحراء.
وإذا كانت الجزائر قد استطاعت، بوسائلها وإمكانياتها الضخمة، أن تركع الخارجية الأمريكية ولجنة الخارجية في مجلس الشيوخ وتجبرهما على إصدار بلاغات «تجبد» الأذنين للمغرب، فذلك راجع بالأساس إلى وزارتها الخارجية الحقيقية المسماة «صوناتراك» للمنتجات النفطية والغازية.
ولكي نفهم طبيعة العلاقة بين السياسة الخارجية والنفط والغاز الجزائري، علينا أن نعيد قراءة أرقام المبادلات التجارية بين البلدين لكي نعرف كيف توظف الجزائر «وسائل وإمكانيات ضخمة في حربها الدبلوماسية ضد المغرب».
ولذلك فقصة الحب الحقيقية التي يعيشها الأمريكيون حاليا، وخصوصا الإدارة الأمريكية، ليست مع المغرب وإنما مع الجزائر تحديدا، ومبعثها ليس المودة وحسن الضيافة، وإنما أنابيب وبراميل الغاز والبترول.
وإلى حدود اليوم، وصل حجم المعاملات التجارية بين واشنطن والجزائر بفضل صادرات النفط والغاز إلى حوالي 4 ملايير دولار.. ثلاثة ملايير دولار عن صادرات الجزائر نحو أمريكا ومليار عن صادرات أمريكا نحو الجزائر.
إن ما يحرك الإدارة الأمريكية هو مصلحة الأمريكيين أولا وأخيرا، أما العواطف الجياشة وعبارات المودة والحب، فهذا ليس سوى معجم مستهلك يجد تفسيره في البلاغة أكثر مما يجده في الدبلوماسية.
فمتى وكيف بدأت خيوط قصة هذا الحب الكبير بين واشنطن وقصر المرادية وراء ظهر المغرب؟
هناك أربعة أسماء يجب تذكرها جيدا، لعبت دورا حاسما في هذا العشق الأمريكي الجزائري المتبادل: «روبير أليسون»، «جيمس بيكر»، «ديك تشيني» و«بيني ستينميتز».
وكل من خرج من صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأمريكية ووصل إلى البيت الأبيض لكي يحكم، عليه أن يستمع بخشوع إلى نصائح هؤلاء الأربعة الذين يملكون نفوذا قويا داخل مؤسسة الإدارة الأمريكية ودواليب اتخاذ القرار و«لوبيات» الضغط.
وليس سرا أن كل التقارير السرية حول الطاقة لتي تصل إلى مكتب الرئيس الأمريكي تشدد على حماية وتقوية مصالح أمريكا مع الجزائر، وخصوصا على مستوى استيراد الغاز والبترول، اللذين يعتبران عصب الاقتصاد الأمريكي. فأمريكا هي الزبون الثالث عالميا للغاز والبترول الجزائريين بعد إيطاليا وفرنسا، وهي من بين أكبر المستثمرين داخل الجزائر في حقول الطاقة.
لنأخذ، مثلا، السيد «روبير أليسون»، فهو يهودي أمريكي يوجد على رأس شركة «أناداركو» ويوجد على رأس مجموعة للتنقيب عن البترول في حقول الصحراء الجزائرية، وهو أيضا إحدى الشخصيات المؤثرة داخل الإدارة الأمريكية.
إنه لمن الغباء الاعتقاد بأن للجزائر وزارة للخارجية مثل تلك التي توجد لدى كل الدول العربية. فوزارة الخارجية الحقيقية للجزائر هي شركة «صوناتراك» للصناعات البترولية التي تتحكم فيها الدولة الجزائرية، أي جنرالاتها المثقلون بالنياشين وبالحسابات البنكية السمينة. وعائدات هذه الشركة العملاقة مخصصة، بالكامل تقريبا، للضغط على اقتصاديات الدول أو مقايضة مواقفها الجامدة من البوليساريو بمواقف أكثر ليونة. ولو خصصت الحكومة الجزائرية جزءا بسيطا من عائدات هذه الشركة الخرافية لتنمية الجزائر وخلق فرص الشغل لما رأينا في وسائل الإعلام، الأسبوع الماضي، الشرطة الإيطالية وهي تعتقل مهاجرين سريين جزائريين يحاولون دخول التراب الإيطالي هربا من البطالة في الجزائر.
سعادة السفير الأمريكي الجديد، الذي يتغزل بالصداقة الكبيرة التي تجمع أمريكا بالمغرب، يعرف أكثر من غيره أن مواطنه «جيمس بيكر»، كاتب الدولة الأمريكي الأسبق، يحتفظ إلى اليوم بمنصبه ككبير للمستشارين في شركة «صوناتراك» الجزائرية. وليس هذا فحسب، بل إن لجيمس بيكر، بشراكة مع الشركة النرويجية «ستاتويل هيدرو»، خطا مباشرا لبيع منتجات الشركة الغازية في السوق الأمريكية ولمدة عشرين سنة، خصوصا في الشرق الأمريكي، حيث يكثر الطلب على الغاز الطبيعي.
وقصة الحب العاصف بين الأمريكيين والجزائريين لا تقف عند هذا الحد، بل ستتوطد عراها سنة 1997 عندما سينشئ العشيقان شركة اسمها «صوناتراك بيتروليوم كوربورايشن»، وهي شركة أمريكية مقرها «ديلاوار» بالولايات المتحدة الأمريكية. الآن وبفضل هذا الذراع الاقتصادي الضارب، أصبحت «صوناتراك» الجزائرية تمتلك 16 مليون حصة من المجموعة الطاقية الأخطبوطية الأمريكية «ديك إنيرجي» المتواجدة بكارولينا الشمالية.
ولا تكتفي «صوناتراك» بهذه الشراكة الأمريكية المربحة، بل تمتد أذرعها لكي تمتلك 51 في المائة من شركة «براون أند روث كوندور»، وهي شركة بترولية تمتلك فيها شركة «هاليبيرتون» 49 في المائة من الأسهم. وهذه الشركة، ويا للمصادفة العجيبة، يوجد ضمن لائحة المساهمين فيها اسم «ديك تشيني»، نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، كما يشغل فيها «جيمس بيكر»، المبعوث الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء، منصبَ مسير إداري. هل رأيتم الآن كيف تختلط رائحة البترول برائحة الطبخة الأمريكية لملف الصحراء.
وإذا كان المغرب يفتخر دائما بالنفوذ القوي الذي يمارسه «اللوبي» اليهودي الموالي له، والذي يضم آلاف اليهود المغاربة الذين تحولوا إلى مليارديرات وسيناتورات في أمريكا وإسرائيل، فإن الجزائر لديها أيضا طريقتها الخاصة لاستمالة اليهود المقربين من أقوى وزراء الحكومة الإسرائيلية الذين لديهم كلمتهم المسموعة في ردهات البيت الأبيض.
ويكفي في هذا الإطار أن نعرف أن شركة المناولة «باتمان ليتوين» الأمريكية، التي حصلت على صفقة تدبير حقل «رورد النوس»، 2200 كلم جنوب الجزائر، توجد في ملكية ملياردير إسرائيلي اسمه «بيني ستينميتز». والعقد الذي وقعته شركة «صوناتراك» الجزائرية، عبر شركة «B.R.C» التي تملك 51 في المائة من أسهمها، يقدر بحوالي 3.5 ملايير دولار. ومدير شركة «باتمان ليتوين» مستقر في إسرائيل، ويشتغل في تجارة الأحجار الكريمة، وهو أحد المقربين من «ليبرمان»، وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف.
وإذا كان السفير الأمريكي الجديد بالرباط يتغزل باتفاقية التبادل الحر التي وقعها المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتبر بنودها في صالح الأمريكيين أكثر مما هي في صالح الاقتصاد المغربي، فإن إلقاء نظرة سريعة على حجم المبادلات الجزائرية الأمريكية يعطينا فكرة واضحة عن دخول قصة الحب بين البلدين مراحل متقدمة، تجاوزت المقدمات المعروفة في علاقة الحب.
وبالإضافة إلى تشجيع كل السفراء الأمريكيين في الجزائر، من «كاميون هوم» إلى السفير الحالي «دافيد بيرس»، للشركات الأمريكية على غزو السوق الجزائرية (كوكاكولا، إ.ب.إم، هوني ويل، جينرال إليكتريك، لوسن تيكنولوجي،...)، مستغلين اتجاه الجزائر نحو اقتصاد السوق، هناك تشجيع آخر تقوده شركات صناعة الأسلحة لإقناع الجنرالات باقتناء الأسلحة الأمريكية المتطورة.
وهكذا، أبرمت الحكومة الجزائرية صفقات ضخمة خلال التسعينيات لاقتناء أسلحة وطائرات أمريكية تكلفت الحكومة الأمريكية بتدريب الجنود الجزائريين على استعمالها. وتكللت هذه العلاقة التجارية العسكرية بتبادل الجنرال العماري للمقر الرئيسي للحلف الأطلسي بألمانيا، وبعده بزيارة رسمية لواشنطن جاءت ردا على زيارة سابقة للأميرال «جوزيف لوبيز» الذي زار الجزائر سنة 1998 في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ العسكري الأمريكي الجزائري.
طبعا، كل هذه التفاصيل يعرفها «كريستوفر روس»، المبعوث الأمريكي الجديد في ملف الصحراء، والذي يرعى المفاوضات المتوقفة اليوم بين المغرب والبوليساريو منذ جولة «فيينا». ألم يكن سعادته سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر خلال هذه الفترة التي نسجت فيها واشنطن والجزائر تفاصيل قصة هذا الحب العابر للقارات؟
رأس السنة وضميرها - رشيد نيني
سيمر رأس السنة الملفوف بالضمادات والأكفان البيضاء كأي جندي عائد لتوه من جبهة الحرب.
سيمر بأرجله المعطوبة في الحوادث والمعارك الطاحنة والحروب الأهلية.
سيمر رأس السنة بيديه المصابتين بحروق من الدرجة الثالثة بسبب قبضه على جمرة الحقيقة.
سيمر بأظافره المقتلعة من فرط الاستنطاقات وجلسات التعذيب داخل أقبية سجون ومعتقلات الدول المتخلفة.
سيمر بقلبه المنهك المصاب بالذبحة بسبب كل الخيانات التي عاشها.
سيمر بكليتيه اللتين تنتظران متبرعا من «العالم الحر» بعد أن توقفتا عن تصفية دمائه المصابة بفقر الشعور الوطني.
سيمر رأس السنة المصاب بالصداع النصفي بأذنيه اللتين تتعايشان مع
الطنين المزمن من كثرة شكاوى وتوسلات المظلومين والفقراء والجائعين.
سيمر رأس السنة بأنفه الأحمر الشبيه بأنف البهلوان والذي يشتم به رائحة الكوارث بعد فوات الأوان. أنفه المجدوع في أكثر من انقلاب.
سيمر رأس السنة بشفتيه المتقرحتين بسبب كثرة القبل المنافقة بين زعماء العالم في المؤتمرات والقمم.
سيمر رأس السنة بظهره المقوس من كثرة الانحناء احتراما لمواكب الجيوش
وخطوط الدبابات الشبيهة بخطوط النمل، والتي تدوس الحدود بين الدول الجارة
كما يدوس فيل آنية فخار.
سيمر رأس السنة المشقق من فرط النقر عليه طيلة السنة بحثا عن فكرة جيدة بلا طائل.
سيمرَّ رأس السنة بخاطره المكسور مثل آنية ثمينة في المطبخ، سيمر بضميره المحطم مثل عش طيور داهمته عاصفة ثلجية.
سيمر بجبهته التي نزلت إليها الجيوش وتحاورت بكل أنواع الأسئلة حول موضوع قديم يحمل اسم «البقاء للأقوى»، وليس بالضرورة للأصلح.
سيمر رأس السنة بتجاعيده التي ازدادت عمقا بسبب الألم في المفاصل والظهر.
سيمر بعكازه الذي فرضه عليه حراس العالم في قمة «كوبنهاغن»، بسبب تباشير الروماتيزم التي بدأت تظهر عليه من كثرة الانحسار المناخي.
سيمر رأس السنة بصدره المخنوق بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي لم تنفعه معها كل «فونطولين» العالم.
سيمر بسعاله الحاد الذي انتقلت عدواه من عيادة بورصة «والت ستريت» إلى
باقي بورصات العالم، حيث يراكم أحفاد قارون ثرواتهم ويكنزونها في شراء
الأسهم والسندات.
سيمر رأس السنة المتخم بالأوهام حول السلام والتعايش، فيما شركات
الأسلحة متعددة الجنسيات تدفع الملايير للأبحاث حول تطوير فاعلية أسلحتها
للقتل بشكل أسرع في الحروب المستقبلية، تلك التي سيكون العرب والمسلمون
حطبها اليابس.
سيمر رأس السنة بأسنانه التي يتناقص عددها بالتدريج فوق حلبة الأقوياء، في انتظار أن تسقط كلها قريبا بالضربة القاضية.
سيمر رأس السنة منفوش الشعر بسبب تقافز رؤساء الولايات المتحدة
الأمريكية فوقه مثل أطفال أشقياء. كل رئيس جديد يريد أن يلهو بالكرة
الأرضية في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض لوقت أطول من الآخرين.
سيمر رأس السنة بمكنسته الكهربائية التي ستنظف العالم من الفقراء والضعفاء لكي تتركه نقيا وفسيحا لأغنياء البورصات والبنوك العملاقة.
سيمر بشاربه الذي قصه الأقوياء وعلقوه في غرف نومهم ليذكروا زوجاتهم كل ليلة بانتصاراتهم التاريخية عليه.
سيمر رأس السنة بحذائه المثقوب الذي تتسرب منه المسافات وتضيع هدرا في
الطرقات، فلا يصل أبدا إلى أي مكان ويبقى حيث هو يراوح مكانه إلى الأبد.
سيمر رأس السنة الحاسر بسبب الخجل مما يقع لهذا العالم العربي الذي
من كثرة تعظيمه للتخلف صار من الضروري بناء نصب تذكاري على شرفه في ساحة
كل عاصمة.
سيمر رأس السنة وسيحمل «بابا نويل» هداياه إلى الشعوب العربية...
قليل من قنينات الغاز المسيل للدموع هنا، وحفنة من الهراوات هناك،
ومزيد من أنابيب لصاق «UHU» للزعماء فوق كراسيهم حتى لا يستطيع أحد قلع
مؤخراتهم الثقيلة من فوقها.
سيمر رأس السنة المقطوع على مقاصل العدالة الدولية والمرفوع فوق رايات الحلفاء والمعلق على مداخل أبواب العواصم العربية.
سيمر رأس السنة بذاكرته القصيرة مثل حبل الكذب، والمثقوبة مثل أحذية عساكر العالم الثالث.
سيمر بأضراسه المسوسة من كثرة تناول حلوى الوعود المعسولة بغد أفضل،
والبرامج زائدة الحلاوة التي يزدردها ممثلوه بنهم في المؤتمرات والقمم.
سيمر بصدره المعظم -من العظام طبعا وليس من العظمة-
سيمر بظهره الموشوم بضربات السياط في مخافر التعذيب العربية، حيث الاعتراف بحب الوطن يكلف أحلى سنوات
العمر.
سيمر رأس السنة المهموم، ينفث دخان سيجارة رديئة، متخفيا داخل قبعته لكي لا تتبعه لجنة تفتيش أممية بدعوى امتلاكه لأسلحة دمار شامل.
سيمر بعينيه اللتين اقتلعتهما نيران صديقة ووضعت مكانهما منظارين
يقربان كل الأهداف بوضوح ويبصرانها في الظلام بالأشعة فوق الحمراء، فيما
ملايين الفقراء في العالم لا يرون بعضهم البعض في الليل سوى بفضل ضوء
القمر.
سيمر رأس السنة المليء بالأدخنة من كل نوع، دخان المعارك بالنسبة إلى
الأقوياء، ودخان الشيشة بالنسبة إلى الضعفاء، ودخان السيارات بالنسبة إلى
العمال في المصانع الحقيرة، ودخان الحطب بالنسبة إلى الأمهات اللواتي
يجلسن لإعداد الخبز فوق روث البقر في القرى الرائعة والبعيدة عن المدن
المتوحشة.
سيمر رأس السنة سعيدا بكل ما يحدث له.
سيأكل الحلوى ويشرب نخبه في صحة الذين قاوموا كل عوامل الانقراض وبقوا معه.
سيمر رأس السنة هذا العام أيضا، دون أن ينتبه أحد إلى أنه فقد أهم أطرافه في الطريق:
ضميره الذي سقط منه دون أن ينتبه إلى ذلك...
سيمر بأرجله المعطوبة في الحوادث والمعارك الطاحنة والحروب الأهلية.
سيمر رأس السنة بيديه المصابتين بحروق من الدرجة الثالثة بسبب قبضه على جمرة الحقيقة.
سيمر بأظافره المقتلعة من فرط الاستنطاقات وجلسات التعذيب داخل أقبية سجون ومعتقلات الدول المتخلفة.
سيمر بقلبه المنهك المصاب بالذبحة بسبب كل الخيانات التي عاشها.
سيمر بكليتيه اللتين تنتظران متبرعا من «العالم الحر» بعد أن توقفتا عن تصفية دمائه المصابة بفقر الشعور الوطني.
سيمر رأس السنة المصاب بالصداع النصفي بأذنيه اللتين تتعايشان مع
الطنين المزمن من كثرة شكاوى وتوسلات المظلومين والفقراء والجائعين.
سيمر رأس السنة بأنفه الأحمر الشبيه بأنف البهلوان والذي يشتم به رائحة الكوارث بعد فوات الأوان. أنفه المجدوع في أكثر من انقلاب.
سيمر رأس السنة بشفتيه المتقرحتين بسبب كثرة القبل المنافقة بين زعماء العالم في المؤتمرات والقمم.
سيمر رأس السنة بظهره المقوس من كثرة الانحناء احتراما لمواكب الجيوش
وخطوط الدبابات الشبيهة بخطوط النمل، والتي تدوس الحدود بين الدول الجارة
كما يدوس فيل آنية فخار.
سيمر رأس السنة المشقق من فرط النقر عليه طيلة السنة بحثا عن فكرة جيدة بلا طائل.
سيمرَّ رأس السنة بخاطره المكسور مثل آنية ثمينة في المطبخ، سيمر بضميره المحطم مثل عش طيور داهمته عاصفة ثلجية.
سيمر بجبهته التي نزلت إليها الجيوش وتحاورت بكل أنواع الأسئلة حول موضوع قديم يحمل اسم «البقاء للأقوى»، وليس بالضرورة للأصلح.
سيمر رأس السنة بتجاعيده التي ازدادت عمقا بسبب الألم في المفاصل والظهر.
سيمر بعكازه الذي فرضه عليه حراس العالم في قمة «كوبنهاغن»، بسبب تباشير الروماتيزم التي بدأت تظهر عليه من كثرة الانحسار المناخي.
سيمر رأس السنة بصدره المخنوق بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي لم تنفعه معها كل «فونطولين» العالم.
سيمر بسعاله الحاد الذي انتقلت عدواه من عيادة بورصة «والت ستريت» إلى
باقي بورصات العالم، حيث يراكم أحفاد قارون ثرواتهم ويكنزونها في شراء
الأسهم والسندات.
سيمر رأس السنة المتخم بالأوهام حول السلام والتعايش، فيما شركات
الأسلحة متعددة الجنسيات تدفع الملايير للأبحاث حول تطوير فاعلية أسلحتها
للقتل بشكل أسرع في الحروب المستقبلية، تلك التي سيكون العرب والمسلمون
حطبها اليابس.
سيمر رأس السنة بأسنانه التي يتناقص عددها بالتدريج فوق حلبة الأقوياء، في انتظار أن تسقط كلها قريبا بالضربة القاضية.
سيمر رأس السنة منفوش الشعر بسبب تقافز رؤساء الولايات المتحدة
الأمريكية فوقه مثل أطفال أشقياء. كل رئيس جديد يريد أن يلهو بالكرة
الأرضية في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض لوقت أطول من الآخرين.
سيمر رأس السنة بمكنسته الكهربائية التي ستنظف العالم من الفقراء والضعفاء لكي تتركه نقيا وفسيحا لأغنياء البورصات والبنوك العملاقة.
سيمر بشاربه الذي قصه الأقوياء وعلقوه في غرف نومهم ليذكروا زوجاتهم كل ليلة بانتصاراتهم التاريخية عليه.
سيمر رأس السنة بحذائه المثقوب الذي تتسرب منه المسافات وتضيع هدرا في
الطرقات، فلا يصل أبدا إلى أي مكان ويبقى حيث هو يراوح مكانه إلى الأبد.
سيمر رأس السنة الحاسر بسبب الخجل مما يقع لهذا العالم العربي الذي
من كثرة تعظيمه للتخلف صار من الضروري بناء نصب تذكاري على شرفه في ساحة
كل عاصمة.
سيمر رأس السنة وسيحمل «بابا نويل» هداياه إلى الشعوب العربية...
قليل من قنينات الغاز المسيل للدموع هنا، وحفنة من الهراوات هناك،
ومزيد من أنابيب لصاق «UHU» للزعماء فوق كراسيهم حتى لا يستطيع أحد قلع
مؤخراتهم الثقيلة من فوقها.
سيمر رأس السنة المقطوع على مقاصل العدالة الدولية والمرفوع فوق رايات الحلفاء والمعلق على مداخل أبواب العواصم العربية.
سيمر رأس السنة بذاكرته القصيرة مثل حبل الكذب، والمثقوبة مثل أحذية عساكر العالم الثالث.
سيمر بأضراسه المسوسة من كثرة تناول حلوى الوعود المعسولة بغد أفضل،
والبرامج زائدة الحلاوة التي يزدردها ممثلوه بنهم في المؤتمرات والقمم.
سيمر بصدره المعظم -من العظام طبعا وليس من العظمة-
سيمر بظهره الموشوم بضربات السياط في مخافر التعذيب العربية، حيث الاعتراف بحب الوطن يكلف أحلى سنوات
العمر.
سيمر رأس السنة المهموم، ينفث دخان سيجارة رديئة، متخفيا داخل قبعته لكي لا تتبعه لجنة تفتيش أممية بدعوى امتلاكه لأسلحة دمار شامل.
سيمر بعينيه اللتين اقتلعتهما نيران صديقة ووضعت مكانهما منظارين
يقربان كل الأهداف بوضوح ويبصرانها في الظلام بالأشعة فوق الحمراء، فيما
ملايين الفقراء في العالم لا يرون بعضهم البعض في الليل سوى بفضل ضوء
القمر.
سيمر رأس السنة المليء بالأدخنة من كل نوع، دخان المعارك بالنسبة إلى
الأقوياء، ودخان الشيشة بالنسبة إلى الضعفاء، ودخان السيارات بالنسبة إلى
العمال في المصانع الحقيرة، ودخان الحطب بالنسبة إلى الأمهات اللواتي
يجلسن لإعداد الخبز فوق روث البقر في القرى الرائعة والبعيدة عن المدن
المتوحشة.
سيمر رأس السنة سعيدا بكل ما يحدث له.
سيأكل الحلوى ويشرب نخبه في صحة الذين قاوموا كل عوامل الانقراض وبقوا معه.
سيمر رأس السنة هذا العام أيضا، دون أن ينتبه أحد إلى أنه فقد أهم أطرافه في الطريق:
ضميره الذي سقط منه دون أن ينتبه إلى ذلك...
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
المأساة وقد تحولت إلى ملهاة
كم كان منظر الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي
مثيرا للشفقة وهو يبرر إطلاق الجنود الإسرائيليين النار على الركاب
المسالمين الذين جاؤوا لفك الحصار عن غزة، بكون هؤلاء الجنود كانوا في
حالة دفاع عن النفس. وقد اجتهد التلفزيون الإسرائيلي، ومعه التلفزيون
الفرنسي، في عرض صور التقطها الجيش الإسرائيلي لمتطوعين يضربون جنديا
إسرائيليا نزل من مروحية عسكرية. وقبلها بدأ الصحافي تقريره بعرض صور
لجنود إسرائيليين على متن باخرتهم الحربية يحذرون سفن المتطوعين من
الاقتراب ويخبرونهم بأنهم يدخلون منطقة محاصرة وممنوعة، بمعنى أن الصحافي
الذي أعد التقرير أراد إفهامنا أن الجيش الإسرائيلي قام بكل ما يمكنه
القيام به لصد «هجوم» هؤلاء المتطوعين، وعندما فشل سلميا كان مجبرا على
التدخل عسكريا لإنقاذ أحد جنوده من الاعتداء الذي تعرض له على أيدي
المتطوعين، أي أن إسرائيل عندما قتلت 19 مدنيا مسالما كانت، في نهاية
المطاف، في حالة دفاع شرعي عن النفس.
وهذا بالضبط ما ردده الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي ردا على حملة
الاستهجان والاستنكار والإدانة الدولية التي تتعرض لها إسرائيل منذ فجر
أمس.
والحقيقة هي أن إسرائيل قررت، عندما أطلقت على عمليتها الإجرامية اسم
«رياح السماء»، إعطاء الضوء الأخضر لجنودها باغتيال عدد معين من الناشطين
المدنيين الأتراك، لبعث رسالة واضحة إلى طيب رجب أردوغان مفادها أن أي
تهديد من طرفه لإسرائيل سيتم الرد عليه بالرصاص. وهذا ما قام به جنودها
بالضبط عندما فتحوا النار بمجرد نزولهم فوق السفينة التركية. ومهاجمة
الركاب الآخرين للجندي الإسرائيلي، الذي نزل فوق سفينتهم من مروحيته، جاءت
كدفاع عن النفس بعدما رأوا كيف تم اغتيال زملائهم بدم بارد في السفينة
المجاورة.
لكن، وكما هو معروف عن إسرائيل، فإن الضحية يتحول إلى جلاد والجلاد يلبس
صوف الحملان ويتسابق نحو القنوات العالمية للتباكي على جنوده الذين تعرضوا
للضرب على أيدي الناشطين المدنيين.
وحتى إذا افترضنا أن ناشطين مدنيين ضربوا جنديا إسرائيليا نزل على متن
سفينتهم مدججا بالأسلحة، ألم تكن هناك طريقة لشل حركة هؤلاء الناشطين غير
إطلاق الرصاص نحو صدورهم العارية؟ أين هو الرصاص المطاطي، وأين هي الغازات
المسيلة للدموع التي تعود الجنود الإسرائيليون استعمالها لتفريق التظاهرات؟
عندما اختارت إسرائيل استعمال الرصاص الحي، فإنها تكون بذلك قد عبرت عن
نواياها المبيتة والغادرة والإجرامية. تلك النوايا التي حولتها إلى أفعال
تحت جنح الظلام حتى تفوت على العالم صور المجزرة.
منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي، قبل أكثر من نصف قرن، وإسرائيل تبرر
مجازرها في حق العرب والفلسطينيين بأكذوبة الدفاع عن النفس. وهكذا نجحت في
ترويج صورة مضللة عن نفسها، بحيث رسمت في أذهان الأوربيين والأمريكيين
صورة البلد الصغير المحاصر من طرف الأعداء العرب والمسلمين الذين يتحينون
الفرص للانقضاض عليها ومحوها من الخريطة. وقد استغلت الدعاية الإسرائيلية
حروب العرب ضدها استغلالا جيدا، بحيث نجحت في الحصول على وضع «الضحية».
وهكذا غفر المنتظم الدولي لإسرائيل كل جرائمها تحت مبرر حقها في الدفاع عن
النفس. وهو المبرر الذي تشهره إسرائيل اليوم في وجه أربعين دولة ممثلة في
«أسطول الحرية».
الحقيقة أن منظمي مبادرة «أسطول الحرية» كانوا على درجة عالية من الذكاء.
ولولا غباء الجيش الإسرائيلي، الذي تصرف بغطرسته المعهودة واغتال كل هؤلاء
الشهداء، لما نجح «أسطول الحرية» في بلوغ أهدافه. وشخصيا، أعتقد أن الهدف
الأهم الذي حققه «أسطول الحرية» هو أنه نزع قناع الضحية الذي ظلت تلبسه
إسرائيل لأكثر من نصف قرن من الصراع بينها وبين الفلسطينيين والعرب.
لقد غفر المنتظم الدولي لإسرائيل مذابحها المتكررة في حق اللبنانيين
والفلسطينيين، وغض الطرف عن اجتياحها لأراضي جيرانها ومحاصرتها مليوني
مواطن في قطاع غزة. ودائما كانت إسرائيل تنجح في تبرير جرائمها بأسطورة
الدفاع عن النفس. وحتى عندنا في المغرب، قرأنا كتابات تتحدث عن حق إسرائيل
في الدفاع عن نفسها ضد صواريخ حماس وحزب الله.
دهاء الإسرائيليين يتجلى في تحويل النقاش من نقاش حول الاحتلال إلى مجرد
نقاش حول طبيعة مقاومة هذا الاحتلال، بحيث يصبح المقاوم الذي يدافع عن
أرضه إرهابيا يستعمل وسائل غير قانونية ضد مواطني بلد آمن. والحال أن
النقاش الحقيقي يجب أن ينحصر في احتلال بلد لبلد آخر وتشريد وقتل سكانه
الأصليين وطردهم نحو ملاجئ البلدان المجاورة. هذا هو صلب النقاش.
وإسرائيل تعرف أكثر من غيرها أن دور الضحية، الذي تجيد تمثيله، هو الوحيد
الذي سيسمح لها بإقناع العالم الغربي بضرورة بقائه صامتا أمام استمرارها
الأرعن في اقتراف جرائمها الفظيعة. فقد ظلت، طيلة خمسين سنة، تمول وتقف
وراء إخراج أفلام سينمائية حول «المحرقة» والمآسي التي تعرض لها اليهود
على يد النازية، إلى الحد الذي أصبح فيه اليهودي مالكا وحيدا وشرعيا لشركة
عالمية عملاقة اسمها شركة المحرقة غير المحدودة. ومع أن هناك شعوبا أخرى
تعرضت للإبادة والمحو، فإن أيا من هذه الشعوب لم يستطع منافسة اليهود على
احتكار الرسم التجاري للألم والمحنة والمأساة. وبفضل السينما أساسا،
وهوليود تحديدا، استطاعت إسرائيل أن ترسخ في مخيلة الأجيال الصاعدة فكرة
جهنمية مفادها أن ما تعرض له اليهود على يد النازية شيء لم يحدث مثله قط
في التاريخ. مع أن الجميع يعلم بأن الإبادة التي تعرض لها الهنود الحمر
على أيدي المستوطنين الأوربيين، والإبادة التي تعرض لها الأفارقة على أيدي
تجار العبيد، والتي امتدت لقرون، تفوقان بكثير المحنة التي تعرض لها
اليهود على يد النازية.
ونظرا إلى قوة الأفلام السينمائية التي كتبت خصيصا لدعم هذه القضية، ونظرا
إلى جودة السيناريوهات وموهبة المخرجين السينمائيين العالية والإمكانيات
المادية الضخمة التي وضعت رهن إشارة المنتجين، استطاعت إسرائيل أن تحصل
على وضع الضحية المثالية والأبدية.
وعوض أن تستغل إسرائيل وضعها كضحية من أجل البحث عن مخرج للقضية
الفلسطينية، ظلت تستعمل هذا الوضع لاقتراف المزيد من جرائم الحرب. وفي كل
مرة تقترف فيها جريمة حرب ضد الفلسطينيين أو اللبنانيين تكون أفظع من
سابقتها.
ويبدو أن العالم الغربي والأوربي ظل يبتلع تبريرات إسرائيل تحت ضغط صورة
الضحية التي رسختها في ذهنه. فهي تقتل وتذبح الأطفال والشيوخ والنساء من
أجل هدف نبيل، وهو عدم السماح بتكرار المأساة الكبرى التي تعرض لها «شعب
الله المختار» على يد النازية. كل الأفلام والتحقيقات والبرامج الحوارية
التي تدور حول إسرائيل تنتهي جميعها بخلاصة واحدة موجهة إلى الغرب
المسيحي، مفادها أن الحل الوحيد لعدم تكرار «المحرقة» في المستقبل هو سحق
كل من يتجرأ على تحدي إسرائيل ووقف مخططها الرامي إلى إحياء دولة إسرائيل
الكبرى.
ولذلك فما تمنعه أمريكا على بقية دول العالم تسمح به لإسرائيل. والسلاح
النووي الذي تخوض بشأنه أمريكا حربا مفتوحة مع إيران، لا يبدو أن وجوده في
إسرائيل يضايق الإدارة الأمريكية وحلفاءها، خصوصا بعد انفضاح أمر وجود
مفاعلات نووية بإسرائيل بعد نشر إحدى الصحف لكواليس المفاوضات التي جمعت
بين «شيمون بيريز» ورئيس جنوب إفريقيا خلال حكم نظام «الأبارتهايد»، والتي
دارت حول صفقة تبيع بموجبها إسرائيل النظام العنصري رؤوسا نووية.
عندما أنهى القاضي الجنوب إفريقي اليهودي «غولدستون» تقريره حول مجزرة غزة
الأخيرة، حيث طالب بمحاكمة إسرائيل، لم تجد إسرائيل من حل لمضايقة القاضي
«غولدستون» سوى النبش في ماضيه القضائي عندما كان يصدر أحكاما قضائية
بالسجن والإعدام ضد معارضي نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا.
ولأن إسرائيل تعتقد أنها أذكى من الجميع، فقد اعتقدت أنها لطخت سمعة
القاضي «غولدستون» عندما نبشت في ماضيه، إلى أن سلط عليها الله صحافيا فضح
مفاوضاتها السرية مع نظام الفصل العنصري من أجل بيعها رؤوسا نووية.
وهاهي العناية الإلهية تسلط على إسرائيل اليوم من يفضحها وينزع عنها صوف
الحملان المظلومة التي تعاني الويلات بسبب الذئاب العربية التي تحاصرها من
كل جانب.
من سيصدق بعد اليوم أن إسرائيل ضحية تدافع عن نفسها لكي تبقى الديمقراطية الوحيدة وسط مستنقع عربي مليء بالديكتاتوريات العسكرية.
باقترافها لهذه الجريمة النكراء في عرض المياه الدولية، تكون إسرائيل قد سقطت في الفخ المحكم الذي نصبته لها تركيا بدهاء كبير.
لقد نزعت عنها ورقة التوت التي ظلت تغطي سوءتها ونقطة ضعفها في آن.
إسرائيل اليوم تقف عارية أمام العالم. وكل ما نتمناه هو ألا يسارع بعض
العرب إلى مدها بالرداء الذي يستر عورتها وضعفها. كل ما نتمناه هو أن
يقفوا على الحياد ويتركوا العالم يتفرج على هذه المأساة الإسرائيلية
المصطنعة، وهي تتحول أمامهم، بضربة شاطر، إلى ملهاة سخيفة.
رشيد نيني
المساء
مثيرا للشفقة وهو يبرر إطلاق الجنود الإسرائيليين النار على الركاب
المسالمين الذين جاؤوا لفك الحصار عن غزة، بكون هؤلاء الجنود كانوا في
حالة دفاع عن النفس. وقد اجتهد التلفزيون الإسرائيلي، ومعه التلفزيون
الفرنسي، في عرض صور التقطها الجيش الإسرائيلي لمتطوعين يضربون جنديا
إسرائيليا نزل من مروحية عسكرية. وقبلها بدأ الصحافي تقريره بعرض صور
لجنود إسرائيليين على متن باخرتهم الحربية يحذرون سفن المتطوعين من
الاقتراب ويخبرونهم بأنهم يدخلون منطقة محاصرة وممنوعة، بمعنى أن الصحافي
الذي أعد التقرير أراد إفهامنا أن الجيش الإسرائيلي قام بكل ما يمكنه
القيام به لصد «هجوم» هؤلاء المتطوعين، وعندما فشل سلميا كان مجبرا على
التدخل عسكريا لإنقاذ أحد جنوده من الاعتداء الذي تعرض له على أيدي
المتطوعين، أي أن إسرائيل عندما قتلت 19 مدنيا مسالما كانت، في نهاية
المطاف، في حالة دفاع شرعي عن النفس.
وهذا بالضبط ما ردده الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي ردا على حملة
الاستهجان والاستنكار والإدانة الدولية التي تتعرض لها إسرائيل منذ فجر
أمس.
والحقيقة هي أن إسرائيل قررت، عندما أطلقت على عمليتها الإجرامية اسم
«رياح السماء»، إعطاء الضوء الأخضر لجنودها باغتيال عدد معين من الناشطين
المدنيين الأتراك، لبعث رسالة واضحة إلى طيب رجب أردوغان مفادها أن أي
تهديد من طرفه لإسرائيل سيتم الرد عليه بالرصاص. وهذا ما قام به جنودها
بالضبط عندما فتحوا النار بمجرد نزولهم فوق السفينة التركية. ومهاجمة
الركاب الآخرين للجندي الإسرائيلي، الذي نزل فوق سفينتهم من مروحيته، جاءت
كدفاع عن النفس بعدما رأوا كيف تم اغتيال زملائهم بدم بارد في السفينة
المجاورة.
لكن، وكما هو معروف عن إسرائيل، فإن الضحية يتحول إلى جلاد والجلاد يلبس
صوف الحملان ويتسابق نحو القنوات العالمية للتباكي على جنوده الذين تعرضوا
للضرب على أيدي الناشطين المدنيين.
وحتى إذا افترضنا أن ناشطين مدنيين ضربوا جنديا إسرائيليا نزل على متن
سفينتهم مدججا بالأسلحة، ألم تكن هناك طريقة لشل حركة هؤلاء الناشطين غير
إطلاق الرصاص نحو صدورهم العارية؟ أين هو الرصاص المطاطي، وأين هي الغازات
المسيلة للدموع التي تعود الجنود الإسرائيليون استعمالها لتفريق التظاهرات؟
عندما اختارت إسرائيل استعمال الرصاص الحي، فإنها تكون بذلك قد عبرت عن
نواياها المبيتة والغادرة والإجرامية. تلك النوايا التي حولتها إلى أفعال
تحت جنح الظلام حتى تفوت على العالم صور المجزرة.
منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي، قبل أكثر من نصف قرن، وإسرائيل تبرر
مجازرها في حق العرب والفلسطينيين بأكذوبة الدفاع عن النفس. وهكذا نجحت في
ترويج صورة مضللة عن نفسها، بحيث رسمت في أذهان الأوربيين والأمريكيين
صورة البلد الصغير المحاصر من طرف الأعداء العرب والمسلمين الذين يتحينون
الفرص للانقضاض عليها ومحوها من الخريطة. وقد استغلت الدعاية الإسرائيلية
حروب العرب ضدها استغلالا جيدا، بحيث نجحت في الحصول على وضع «الضحية».
وهكذا غفر المنتظم الدولي لإسرائيل كل جرائمها تحت مبرر حقها في الدفاع عن
النفس. وهو المبرر الذي تشهره إسرائيل اليوم في وجه أربعين دولة ممثلة في
«أسطول الحرية».
الحقيقة أن منظمي مبادرة «أسطول الحرية» كانوا على درجة عالية من الذكاء.
ولولا غباء الجيش الإسرائيلي، الذي تصرف بغطرسته المعهودة واغتال كل هؤلاء
الشهداء، لما نجح «أسطول الحرية» في بلوغ أهدافه. وشخصيا، أعتقد أن الهدف
الأهم الذي حققه «أسطول الحرية» هو أنه نزع قناع الضحية الذي ظلت تلبسه
إسرائيل لأكثر من نصف قرن من الصراع بينها وبين الفلسطينيين والعرب.
لقد غفر المنتظم الدولي لإسرائيل مذابحها المتكررة في حق اللبنانيين
والفلسطينيين، وغض الطرف عن اجتياحها لأراضي جيرانها ومحاصرتها مليوني
مواطن في قطاع غزة. ودائما كانت إسرائيل تنجح في تبرير جرائمها بأسطورة
الدفاع عن النفس. وحتى عندنا في المغرب، قرأنا كتابات تتحدث عن حق إسرائيل
في الدفاع عن نفسها ضد صواريخ حماس وحزب الله.
دهاء الإسرائيليين يتجلى في تحويل النقاش من نقاش حول الاحتلال إلى مجرد
نقاش حول طبيعة مقاومة هذا الاحتلال، بحيث يصبح المقاوم الذي يدافع عن
أرضه إرهابيا يستعمل وسائل غير قانونية ضد مواطني بلد آمن. والحال أن
النقاش الحقيقي يجب أن ينحصر في احتلال بلد لبلد آخر وتشريد وقتل سكانه
الأصليين وطردهم نحو ملاجئ البلدان المجاورة. هذا هو صلب النقاش.
وإسرائيل تعرف أكثر من غيرها أن دور الضحية، الذي تجيد تمثيله، هو الوحيد
الذي سيسمح لها بإقناع العالم الغربي بضرورة بقائه صامتا أمام استمرارها
الأرعن في اقتراف جرائمها الفظيعة. فقد ظلت، طيلة خمسين سنة، تمول وتقف
وراء إخراج أفلام سينمائية حول «المحرقة» والمآسي التي تعرض لها اليهود
على يد النازية، إلى الحد الذي أصبح فيه اليهودي مالكا وحيدا وشرعيا لشركة
عالمية عملاقة اسمها شركة المحرقة غير المحدودة. ومع أن هناك شعوبا أخرى
تعرضت للإبادة والمحو، فإن أيا من هذه الشعوب لم يستطع منافسة اليهود على
احتكار الرسم التجاري للألم والمحنة والمأساة. وبفضل السينما أساسا،
وهوليود تحديدا، استطاعت إسرائيل أن ترسخ في مخيلة الأجيال الصاعدة فكرة
جهنمية مفادها أن ما تعرض له اليهود على يد النازية شيء لم يحدث مثله قط
في التاريخ. مع أن الجميع يعلم بأن الإبادة التي تعرض لها الهنود الحمر
على أيدي المستوطنين الأوربيين، والإبادة التي تعرض لها الأفارقة على أيدي
تجار العبيد، والتي امتدت لقرون، تفوقان بكثير المحنة التي تعرض لها
اليهود على يد النازية.
ونظرا إلى قوة الأفلام السينمائية التي كتبت خصيصا لدعم هذه القضية، ونظرا
إلى جودة السيناريوهات وموهبة المخرجين السينمائيين العالية والإمكانيات
المادية الضخمة التي وضعت رهن إشارة المنتجين، استطاعت إسرائيل أن تحصل
على وضع الضحية المثالية والأبدية.
وعوض أن تستغل إسرائيل وضعها كضحية من أجل البحث عن مخرج للقضية
الفلسطينية، ظلت تستعمل هذا الوضع لاقتراف المزيد من جرائم الحرب. وفي كل
مرة تقترف فيها جريمة حرب ضد الفلسطينيين أو اللبنانيين تكون أفظع من
سابقتها.
ويبدو أن العالم الغربي والأوربي ظل يبتلع تبريرات إسرائيل تحت ضغط صورة
الضحية التي رسختها في ذهنه. فهي تقتل وتذبح الأطفال والشيوخ والنساء من
أجل هدف نبيل، وهو عدم السماح بتكرار المأساة الكبرى التي تعرض لها «شعب
الله المختار» على يد النازية. كل الأفلام والتحقيقات والبرامج الحوارية
التي تدور حول إسرائيل تنتهي جميعها بخلاصة واحدة موجهة إلى الغرب
المسيحي، مفادها أن الحل الوحيد لعدم تكرار «المحرقة» في المستقبل هو سحق
كل من يتجرأ على تحدي إسرائيل ووقف مخططها الرامي إلى إحياء دولة إسرائيل
الكبرى.
ولذلك فما تمنعه أمريكا على بقية دول العالم تسمح به لإسرائيل. والسلاح
النووي الذي تخوض بشأنه أمريكا حربا مفتوحة مع إيران، لا يبدو أن وجوده في
إسرائيل يضايق الإدارة الأمريكية وحلفاءها، خصوصا بعد انفضاح أمر وجود
مفاعلات نووية بإسرائيل بعد نشر إحدى الصحف لكواليس المفاوضات التي جمعت
بين «شيمون بيريز» ورئيس جنوب إفريقيا خلال حكم نظام «الأبارتهايد»، والتي
دارت حول صفقة تبيع بموجبها إسرائيل النظام العنصري رؤوسا نووية.
عندما أنهى القاضي الجنوب إفريقي اليهودي «غولدستون» تقريره حول مجزرة غزة
الأخيرة، حيث طالب بمحاكمة إسرائيل، لم تجد إسرائيل من حل لمضايقة القاضي
«غولدستون» سوى النبش في ماضيه القضائي عندما كان يصدر أحكاما قضائية
بالسجن والإعدام ضد معارضي نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا.
ولأن إسرائيل تعتقد أنها أذكى من الجميع، فقد اعتقدت أنها لطخت سمعة
القاضي «غولدستون» عندما نبشت في ماضيه، إلى أن سلط عليها الله صحافيا فضح
مفاوضاتها السرية مع نظام الفصل العنصري من أجل بيعها رؤوسا نووية.
وهاهي العناية الإلهية تسلط على إسرائيل اليوم من يفضحها وينزع عنها صوف
الحملان المظلومة التي تعاني الويلات بسبب الذئاب العربية التي تحاصرها من
كل جانب.
من سيصدق بعد اليوم أن إسرائيل ضحية تدافع عن نفسها لكي تبقى الديمقراطية الوحيدة وسط مستنقع عربي مليء بالديكتاتوريات العسكرية.
باقترافها لهذه الجريمة النكراء في عرض المياه الدولية، تكون إسرائيل قد سقطت في الفخ المحكم الذي نصبته لها تركيا بدهاء كبير.
لقد نزعت عنها ورقة التوت التي ظلت تغطي سوءتها ونقطة ضعفها في آن.
إسرائيل اليوم تقف عارية أمام العالم. وكل ما نتمناه هو ألا يسارع بعض
العرب إلى مدها بالرداء الذي يستر عورتها وضعفها. كل ما نتمناه هو أن
يقفوا على الحياد ويتركوا العالم يتفرج على هذه المأساة الإسرائيلية
المصطنعة، وهي تتحول أمامهم، بضربة شاطر، إلى ملهاة سخيفة.
رشيد نيني
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الله يعطيك سعد البراني
لاحظ أحد الأصدقاء الأجانب وهو يتجول معي في شوارع الدار البيضاء أن أغلب
أسماء المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم مكتوبة باللغة الفرنسية. فلم
يتمالك نفسه وسألني إن كانت العاصمة مسكونة، في أغلبها، من طرف الفرنسيين.
فقلت له إن الفرنسيين لا يكادون يشكلون في العاصمة حتى واحد في المائة،
لكن يبدو أن هناك مغاربة يعتبرون أنفسهم فرنسيين أكثر من الفرنسيين
أنفسهم، لذلك يحبون أن يتواصلوا مع الآخرين بغير لغتهم.
فسألني عن السبب، فحكيت له حكاية القرد سعدان التي أبدعها الكاتب المسرحي
الراحل سعد الله ونوس في إحدى مسرحياته. تقول الحكاية إن قردا يدعى سعدان
ملّ حياة القرود في الغابة وفكر في الذهاب إلى المدينة لكي يعيش بين
البشر. وفعلا غادر القرد سعدان الغابة ووصل مشيا على الأقدام إلى المدينة،
وبينما هو يتجول في الشوارع لاحظ أن الناس ينظرون إليه ويتضاحكون، فظن في
بادئ الأمر أنهم معجبون بخلقته فأخذ يبادلهم الضحكات. لكنه عندما وقف أمام
الواجهة الزجاجية لأحد المحلات تأكد أن الناس كانوا يضحكون منه بسبب عورته
المفضوحة وليس إعجابا بخلقته. فقرر أن يلبس الثياب مثلهم لكي يشبههم. فدخل
أول محل صادفه وطلب من صاحبه أن يمنحه ثيابا يستر بها عورته. لكن التاجر
طلب منه نقودا مقابل الثياب، والقرد سعدان القادم من الغابة ليس معه ما
يسدد به ثمن الثياب. وعندما رآه التاجر منكسرا لمعت عينه من المكر واقترح
على القرد سعدان أن يلبس الثياب ويشتغل عنده بالمقابل في المحل على جلب
الزبائن. فقبل القرد سعدان دون مناقشة. فأحضر التاجر قفصا كبيرا ووضعه
أمام باب المحل وأدخل فيه القرد الذي بدا فرحا بثيابه الجديدة. بدأ
الأطفال يقتربون من المحل ويقفون أمام القفص ويخرجون له ألسنتهم شامتين،
ومنهم من يرمي إليه بقطع الحلوى وقشور الموز. أصبح سعدان فرجة للمتطفلين
والزبائن وكثر الإقبال على المحل. ومع مرور الأيام، شعر القرد سعدان
بالملل في عالم البشر، وتأكد من أنه لم يخلق للعيش في المدينة، وأنه رغم
لبسه لثياب البشر فإنه لن يصبح أبدا واحدا منهم. فنزع ثيابه وطلب من
التاجر أن يستعيدها وأن يفتح له القفص ليخرج ويعود إلى الغابة. وهكذا
اقتنع القرد بأنه سيظل قردا حتى لو لبس أجمل الثياب وأغلاها ثمنا، فعاد
إلى العيش بين أشباهه القردة، عاريا كما ولدته أمه.
فنظر إلي الصديق مليا وهو يحاول أن يربط بين طغيان الفرنسية على أسماء
المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم، وبين عورة القرد سعدان. فقلت له إن
هناك بيننا من يعتقد أنه أصبح فرنسيا بمجرد ما يضع اسما بحروف فرنسية فوق
باب محله، وهناك من تعتقد نفسها قد أصبحت فرنسية لمجرد أنها تثرثر في
الهاتف وهي جالسة في مقصورة الدرجة الأولى بالقطار. وأمثال هؤلاء يعيشون
في المغرب بأجسادهم بينما عقولهم في فرنسا، حتى إن بعضهم يمكن أن تحسبه
على الجالية الفرنسية المقيمة بالمغرب. ومأساة هؤلاء المساكين أن
الفرنسيين لن يعتبروهم أبدا في يوم من الأيام فرنسيين مثلهم، حتى ولو
تفوقوا عليهم في إجادة لغتهم.
فسألني إن كان هناك قانون يجبر التجار على إدراج اللغة العربية إلى جانب
الفرنسية في كتابة أسماء محلاتهم، فقلت له إن الدستور عندنا يقر اللغة
العربية لغة رسمية للمغرب، لكن يبدو أن بعضهم لا يحترم اللغة العربية في
هذه البلاد، فهو يعتبرها لغة المعقدين والمتخلفين الذين لا يسايرون العصر.
وكل من فتح مقهى أو مطعما كتب على واجهته بالفرنسية «مقهى مانهاطن» أو
«مطعم لاكاصرول». والكارثة أن بعض المقاهي لا تتوفر حتى على مرحاض لائق
وتجد صاحبها قد كتب على مدخلها بالفرنسية «كافي لوبو كوان»، والمصيبة هي
أنك عندما تدخل مرحاضه لا تجد فيه حتى «الكاغيط».
وأصبح عاديا في المغرب أنك عندما تدخل أحد المطاعم وتطلب لائحة الطعام تجد
أنها مكتوبة عن آخرها بالفرنسية. المحل مغربي والزبائن مغاربة والأكل
مغربي واللغة فرنسية، «وفهم شي حاجة».
ولعلنا نحن المغاربة نوجد على رأس الشعوب التي تحتقر لغتها، ومنا من بمجرد
ما يقضي ستة أشهر في بلاد أجنبية يبدأ في الحديث معك عندما تلتقيه
بالعربية وهو يتلعثم، وعندما تسأله لماذا ثقل عليه لسانه، يقول لك:
- «غير سكت، مع بركت فالخاريج بزاف بدات كاتنسى ليا العربية»!
ولعل هذه المصيبة نلاحظها أكثر عند بعض فناناتنا اللواتي يذهبن للعيش في
بلدان الخليج، وبمجرد ما يأتين في عطلة إلى المغرب ويسألهن صحافي في
التلفزيون عن أحوالهن يجبن:
- واللاهي أنا مش عارفة شو أحكي معاك، يعني ماشي الحال معايا، وأنا وحشني المغرب ووحشني الأكل المغربي، وحشني صيكوك...
«لا غير ترجمي صيكوك حتى هو للبنانية إلى قدرتي، الله ينعل اللي ما يحشم».
وفي فرنسا إذا كان اسمك محمد أو سعيد وأرسلت سيرتك الذاتية إلى الشركات
والمؤسسات العمومية الفرنسية تبحث عن شغل، فإنك ستضيع وقتا طويلا قبل أن
تعثر على عمل أقل بكثير من مؤهلاتك. أما في المغرب، فيكفي أن يرسل «كلود»
أو «بيرناديت» أو «سيرج» طلبا بسيطا إلى كبريات الشركات المغربية لكي
ينادوا عليهم في الحين ليتسلموا مناصبهم التي غالبا ما تضع العشرات من
الأطر المغربية تحت إمرتهم. وعندما تسأل هؤلاء الفرنسيين عن مهنتهم
الأصلية يقولون لك إنهم فرنسيون، وهذا وحده دبلوم عال جدا يضمن لهم منصبا
محترما في دولة متخلفة مثل المغرب.
وحتى لا يأتي من يتهمنا بالشوفينية والتعصب للمغرب، أعترف بأنني لست ضد
توظيف الأجانب في شركاتنا وإداراتنا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالاستفادة
من خبراتهم وتقدمهم في مجال من المجالات. المصيبة هي عندما يتم اللجوء إلى
الاستعانة بخدمات بعض هؤلاء فقط لأنهم فرنسيون، في الوقت الذي يستطيع فيه
أي «محماد» أو «عائشة» القيام بما يقومون به، وربما أحسن منهم أيضا.
واليوم، تقوم شركة «فيوليا» الفرنسية بطرد أطر مغربية كبيرة من الشركة
لتعويضها بأطر فرنسية قادمة من الشركة الأم التي تعاني من الأزمة في
فرنسا. ومؤخرا، حاول أحد الأطر المغربية الانتحار بسبب هذا المشكل.
وبين بريد وآخر تصلني شكاوى من بعض الأطر المغربية التي يصر مديروها على
تفضيل الأطر الفرنسية على الأطر المحلية، وإعطائها صلاحيات واسعة داخل
الشركة تحول الأطر المغربية إلى ما يشبه الخدم في ضيعة السيد الفرنسي،
الذي غير بزة العسكري المستعمر ببذلة باريسية أنيقة، لكنه احتفظ بالعقلية
ذاتها التي كان يتعامل بها أجداده مع المغاربة.
عقلية الأجنبي المتفوق الذي يستغيث به المحلي الضعيف لكي يرتقي به سلم التقدم الذي يملك وحده براءة اختراعه.
والنتيجة الطبيعية لهذا الوضع أن كثيرا من هذه الأطر المغربية فضلت أن
تغادر السفينة وتذهب إلى حيث ستجد من سيقدر مؤهلاتها ويستغلها جيدا بصرف
النظر عن أسمائها العائلية. وبجولة سريعة أمام القنصلية الكندية بالرباط
وحدها، يمكن أن نخمن عدد كل الأطر المغربية التي تتخلى عن وظائفها في
المغرب وتقبل بالهجرة للعمل في الشركات متعددة الجنسيات بكندا وأمريكا.
فأمثال تلك الأطر التي يكلف تكوينها خزينة المملكة آلاف المئات من ملايين
الدراهم، مطلوبة في كل بلدان العالم، إلا عندنا في المغرب. وربما نحن
البلاد الوحيدة في العالم التي نسمع بأن فيها مهندسين في المعلوميات
عاطلون عن العمل. فهم عندنا يفضلون تشغيل «روبير» و«كلوديت» على تشغيل
«الحسين» و«فاطنة»، ويقبلون بتوفير تعويضات النقل والإقامة في أفخم
الفنادق لبعض هؤلاء المحظوظين على توفير حافلات محترمة لنقل المستخدمين
المغاربة، ويفضلون دفع رواتب هؤلاء الأجانب بالعملة الصعبة وتحويلها إلى
حساباتهم في بلدانهم على الزيادة في رواتب الأطر المغربية ومعاملتها
بطريقة تليق بمستواها.
وفي كل دول أوربا، عندما يذهب المهاجرون المغاربة، ومنهم من يفعل ذلك
مصحوبا بشواهده ودبلوماته العليا، يجدون وظائف محددة في انتظارهم: فلاح،
بلومبيي، عامل بناء، زبال، ولائحة طويلة من الوظائف المرهقة التي لم يعد
الأوربيون يطيقون رؤية أنفسهم يقومون بها.
يستحيل أن تذهب، مثلا، إلى إسبانيا وتقول لهم إنك تريد أن تشتغل في
التلفزيون لأنك تمتلك تجربة في هذا المجال اكتسبتها في بلادك. سيعتذرون
منك وسينصحونك بأقرب حقل أو أقرب ورش بناء، أو ربما سيقترحون عليك أخذ
المكنسة وتنظيف باب القناة، فهذا أقصى ما سيستطيعون اقتراحه عليك.
حتى إن هناك قانونا في إسبانيا، مثلا، يمنع على الأجانب الولوج إلى وظائف
معينة إذا لم يكونوا حاصلين على الجنسية. أما عندنا فيكفي أن تكون فرنسيا
ولديك تكوين في مجال ما لكي تحصل بسهولة على عمل في كبريات الشركات
والمؤسسات.
ومع الأزمة التي تعيشها فرنسا حاليا في مجال الشغل، نلاحظ توافدا متزايدا
لليد العاملة الفرنسية نحو المغرب بسبب كل العروض المغرية التي يتلقاها
زملاء هؤلاء العمال المتوافدين الذين سبقوهم إلى الحصول على منصب عمل في
إحدى الشركات المغربية.
نحن لا نطالب بطرد الأطر الأجنبية التي تشتغل في بلادنا، وإنما نطالب
الحكومة فقط بأن تعمل على مساواة أطرنا بهؤلاء الأجانب الذين تتعاقد معهم
الشركات برواتب لا يستطيع تخيلها الإطار المغربي حتى في نومه. كما أن
الأجانب الذين يختارون المغرب أرضا لاستثمار أموالهم يجب أن يحترموا حق
الأطر المغربية في الانتماء النقابي وحقها في الإضراب الذي يضمنه القانون،
تماما كما لو كانوا في بلدهم الديمقراطي، حيث الأخوة والعدالة والمساواة.
أم إن هذه القيم التي بنيت عليها الثورة الفرنسية تحترم فقط داخل فرنسا،
أما خارج حدودها فتطبق مبادئ الدولة المتخلفة التي أبرزها العصا لمن يعصى.
«الله يعطينا سعد البراني وصافي»...
رشيد نيني
المساء
أسماء المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم مكتوبة باللغة الفرنسية. فلم
يتمالك نفسه وسألني إن كانت العاصمة مسكونة، في أغلبها، من طرف الفرنسيين.
فقلت له إن الفرنسيين لا يكادون يشكلون في العاصمة حتى واحد في المائة،
لكن يبدو أن هناك مغاربة يعتبرون أنفسهم فرنسيين أكثر من الفرنسيين
أنفسهم، لذلك يحبون أن يتواصلوا مع الآخرين بغير لغتهم.
فسألني عن السبب، فحكيت له حكاية القرد سعدان التي أبدعها الكاتب المسرحي
الراحل سعد الله ونوس في إحدى مسرحياته. تقول الحكاية إن قردا يدعى سعدان
ملّ حياة القرود في الغابة وفكر في الذهاب إلى المدينة لكي يعيش بين
البشر. وفعلا غادر القرد سعدان الغابة ووصل مشيا على الأقدام إلى المدينة،
وبينما هو يتجول في الشوارع لاحظ أن الناس ينظرون إليه ويتضاحكون، فظن في
بادئ الأمر أنهم معجبون بخلقته فأخذ يبادلهم الضحكات. لكنه عندما وقف أمام
الواجهة الزجاجية لأحد المحلات تأكد أن الناس كانوا يضحكون منه بسبب عورته
المفضوحة وليس إعجابا بخلقته. فقرر أن يلبس الثياب مثلهم لكي يشبههم. فدخل
أول محل صادفه وطلب من صاحبه أن يمنحه ثيابا يستر بها عورته. لكن التاجر
طلب منه نقودا مقابل الثياب، والقرد سعدان القادم من الغابة ليس معه ما
يسدد به ثمن الثياب. وعندما رآه التاجر منكسرا لمعت عينه من المكر واقترح
على القرد سعدان أن يلبس الثياب ويشتغل عنده بالمقابل في المحل على جلب
الزبائن. فقبل القرد سعدان دون مناقشة. فأحضر التاجر قفصا كبيرا ووضعه
أمام باب المحل وأدخل فيه القرد الذي بدا فرحا بثيابه الجديدة. بدأ
الأطفال يقتربون من المحل ويقفون أمام القفص ويخرجون له ألسنتهم شامتين،
ومنهم من يرمي إليه بقطع الحلوى وقشور الموز. أصبح سعدان فرجة للمتطفلين
والزبائن وكثر الإقبال على المحل. ومع مرور الأيام، شعر القرد سعدان
بالملل في عالم البشر، وتأكد من أنه لم يخلق للعيش في المدينة، وأنه رغم
لبسه لثياب البشر فإنه لن يصبح أبدا واحدا منهم. فنزع ثيابه وطلب من
التاجر أن يستعيدها وأن يفتح له القفص ليخرج ويعود إلى الغابة. وهكذا
اقتنع القرد بأنه سيظل قردا حتى لو لبس أجمل الثياب وأغلاها ثمنا، فعاد
إلى العيش بين أشباهه القردة، عاريا كما ولدته أمه.
فنظر إلي الصديق مليا وهو يحاول أن يربط بين طغيان الفرنسية على أسماء
المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم، وبين عورة القرد سعدان. فقلت له إن
هناك بيننا من يعتقد أنه أصبح فرنسيا بمجرد ما يضع اسما بحروف فرنسية فوق
باب محله، وهناك من تعتقد نفسها قد أصبحت فرنسية لمجرد أنها تثرثر في
الهاتف وهي جالسة في مقصورة الدرجة الأولى بالقطار. وأمثال هؤلاء يعيشون
في المغرب بأجسادهم بينما عقولهم في فرنسا، حتى إن بعضهم يمكن أن تحسبه
على الجالية الفرنسية المقيمة بالمغرب. ومأساة هؤلاء المساكين أن
الفرنسيين لن يعتبروهم أبدا في يوم من الأيام فرنسيين مثلهم، حتى ولو
تفوقوا عليهم في إجادة لغتهم.
فسألني إن كان هناك قانون يجبر التجار على إدراج اللغة العربية إلى جانب
الفرنسية في كتابة أسماء محلاتهم، فقلت له إن الدستور عندنا يقر اللغة
العربية لغة رسمية للمغرب، لكن يبدو أن بعضهم لا يحترم اللغة العربية في
هذه البلاد، فهو يعتبرها لغة المعقدين والمتخلفين الذين لا يسايرون العصر.
وكل من فتح مقهى أو مطعما كتب على واجهته بالفرنسية «مقهى مانهاطن» أو
«مطعم لاكاصرول». والكارثة أن بعض المقاهي لا تتوفر حتى على مرحاض لائق
وتجد صاحبها قد كتب على مدخلها بالفرنسية «كافي لوبو كوان»، والمصيبة هي
أنك عندما تدخل مرحاضه لا تجد فيه حتى «الكاغيط».
وأصبح عاديا في المغرب أنك عندما تدخل أحد المطاعم وتطلب لائحة الطعام تجد
أنها مكتوبة عن آخرها بالفرنسية. المحل مغربي والزبائن مغاربة والأكل
مغربي واللغة فرنسية، «وفهم شي حاجة».
ولعلنا نحن المغاربة نوجد على رأس الشعوب التي تحتقر لغتها، ومنا من بمجرد
ما يقضي ستة أشهر في بلاد أجنبية يبدأ في الحديث معك عندما تلتقيه
بالعربية وهو يتلعثم، وعندما تسأله لماذا ثقل عليه لسانه، يقول لك:
- «غير سكت، مع بركت فالخاريج بزاف بدات كاتنسى ليا العربية»!
ولعل هذه المصيبة نلاحظها أكثر عند بعض فناناتنا اللواتي يذهبن للعيش في
بلدان الخليج، وبمجرد ما يأتين في عطلة إلى المغرب ويسألهن صحافي في
التلفزيون عن أحوالهن يجبن:
- واللاهي أنا مش عارفة شو أحكي معاك، يعني ماشي الحال معايا، وأنا وحشني المغرب ووحشني الأكل المغربي، وحشني صيكوك...
«لا غير ترجمي صيكوك حتى هو للبنانية إلى قدرتي، الله ينعل اللي ما يحشم».
وفي فرنسا إذا كان اسمك محمد أو سعيد وأرسلت سيرتك الذاتية إلى الشركات
والمؤسسات العمومية الفرنسية تبحث عن شغل، فإنك ستضيع وقتا طويلا قبل أن
تعثر على عمل أقل بكثير من مؤهلاتك. أما في المغرب، فيكفي أن يرسل «كلود»
أو «بيرناديت» أو «سيرج» طلبا بسيطا إلى كبريات الشركات المغربية لكي
ينادوا عليهم في الحين ليتسلموا مناصبهم التي غالبا ما تضع العشرات من
الأطر المغربية تحت إمرتهم. وعندما تسأل هؤلاء الفرنسيين عن مهنتهم
الأصلية يقولون لك إنهم فرنسيون، وهذا وحده دبلوم عال جدا يضمن لهم منصبا
محترما في دولة متخلفة مثل المغرب.
وحتى لا يأتي من يتهمنا بالشوفينية والتعصب للمغرب، أعترف بأنني لست ضد
توظيف الأجانب في شركاتنا وإداراتنا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالاستفادة
من خبراتهم وتقدمهم في مجال من المجالات. المصيبة هي عندما يتم اللجوء إلى
الاستعانة بخدمات بعض هؤلاء فقط لأنهم فرنسيون، في الوقت الذي يستطيع فيه
أي «محماد» أو «عائشة» القيام بما يقومون به، وربما أحسن منهم أيضا.
واليوم، تقوم شركة «فيوليا» الفرنسية بطرد أطر مغربية كبيرة من الشركة
لتعويضها بأطر فرنسية قادمة من الشركة الأم التي تعاني من الأزمة في
فرنسا. ومؤخرا، حاول أحد الأطر المغربية الانتحار بسبب هذا المشكل.
وبين بريد وآخر تصلني شكاوى من بعض الأطر المغربية التي يصر مديروها على
تفضيل الأطر الفرنسية على الأطر المحلية، وإعطائها صلاحيات واسعة داخل
الشركة تحول الأطر المغربية إلى ما يشبه الخدم في ضيعة السيد الفرنسي،
الذي غير بزة العسكري المستعمر ببذلة باريسية أنيقة، لكنه احتفظ بالعقلية
ذاتها التي كان يتعامل بها أجداده مع المغاربة.
عقلية الأجنبي المتفوق الذي يستغيث به المحلي الضعيف لكي يرتقي به سلم التقدم الذي يملك وحده براءة اختراعه.
والنتيجة الطبيعية لهذا الوضع أن كثيرا من هذه الأطر المغربية فضلت أن
تغادر السفينة وتذهب إلى حيث ستجد من سيقدر مؤهلاتها ويستغلها جيدا بصرف
النظر عن أسمائها العائلية. وبجولة سريعة أمام القنصلية الكندية بالرباط
وحدها، يمكن أن نخمن عدد كل الأطر المغربية التي تتخلى عن وظائفها في
المغرب وتقبل بالهجرة للعمل في الشركات متعددة الجنسيات بكندا وأمريكا.
فأمثال تلك الأطر التي يكلف تكوينها خزينة المملكة آلاف المئات من ملايين
الدراهم، مطلوبة في كل بلدان العالم، إلا عندنا في المغرب. وربما نحن
البلاد الوحيدة في العالم التي نسمع بأن فيها مهندسين في المعلوميات
عاطلون عن العمل. فهم عندنا يفضلون تشغيل «روبير» و«كلوديت» على تشغيل
«الحسين» و«فاطنة»، ويقبلون بتوفير تعويضات النقل والإقامة في أفخم
الفنادق لبعض هؤلاء المحظوظين على توفير حافلات محترمة لنقل المستخدمين
المغاربة، ويفضلون دفع رواتب هؤلاء الأجانب بالعملة الصعبة وتحويلها إلى
حساباتهم في بلدانهم على الزيادة في رواتب الأطر المغربية ومعاملتها
بطريقة تليق بمستواها.
وفي كل دول أوربا، عندما يذهب المهاجرون المغاربة، ومنهم من يفعل ذلك
مصحوبا بشواهده ودبلوماته العليا، يجدون وظائف محددة في انتظارهم: فلاح،
بلومبيي، عامل بناء، زبال، ولائحة طويلة من الوظائف المرهقة التي لم يعد
الأوربيون يطيقون رؤية أنفسهم يقومون بها.
يستحيل أن تذهب، مثلا، إلى إسبانيا وتقول لهم إنك تريد أن تشتغل في
التلفزيون لأنك تمتلك تجربة في هذا المجال اكتسبتها في بلادك. سيعتذرون
منك وسينصحونك بأقرب حقل أو أقرب ورش بناء، أو ربما سيقترحون عليك أخذ
المكنسة وتنظيف باب القناة، فهذا أقصى ما سيستطيعون اقتراحه عليك.
حتى إن هناك قانونا في إسبانيا، مثلا، يمنع على الأجانب الولوج إلى وظائف
معينة إذا لم يكونوا حاصلين على الجنسية. أما عندنا فيكفي أن تكون فرنسيا
ولديك تكوين في مجال ما لكي تحصل بسهولة على عمل في كبريات الشركات
والمؤسسات.
ومع الأزمة التي تعيشها فرنسا حاليا في مجال الشغل، نلاحظ توافدا متزايدا
لليد العاملة الفرنسية نحو المغرب بسبب كل العروض المغرية التي يتلقاها
زملاء هؤلاء العمال المتوافدين الذين سبقوهم إلى الحصول على منصب عمل في
إحدى الشركات المغربية.
نحن لا نطالب بطرد الأطر الأجنبية التي تشتغل في بلادنا، وإنما نطالب
الحكومة فقط بأن تعمل على مساواة أطرنا بهؤلاء الأجانب الذين تتعاقد معهم
الشركات برواتب لا يستطيع تخيلها الإطار المغربي حتى في نومه. كما أن
الأجانب الذين يختارون المغرب أرضا لاستثمار أموالهم يجب أن يحترموا حق
الأطر المغربية في الانتماء النقابي وحقها في الإضراب الذي يضمنه القانون،
تماما كما لو كانوا في بلدهم الديمقراطي، حيث الأخوة والعدالة والمساواة.
أم إن هذه القيم التي بنيت عليها الثورة الفرنسية تحترم فقط داخل فرنسا،
أما خارج حدودها فتطبق مبادئ الدولة المتخلفة التي أبرزها العصا لمن يعصى.
«الله يعطينا سعد البراني وصافي»...
رشيد نيني
المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: شوف تشوف
الســـــــــــــــلام عليكــــــم ورحمة الله تعـــــالــى وبــركــــــــاته
أحفاد مسيلمة الكذاب
ليس من قبيل الصدفة أن يتزامن النقاش الدائر حول ضرورة إقرار الدارجة في التعليم العمومي الأساسي مكان اللغة العربية مع النقاش الذي اندلع مباشرة بعد قرار الدولة طرد المبشرين المسيحيين وضرورة ترجمة القرآن إلى الدارجة.
ولعل أبرز المنادين بهذا المطلب، بعد الأخ عفوا الإيخْ رشيد الذي يعد برنامجا تلفزيونيا تبشيريا بتمويل من الكنيسة، نجد الإيخ عصيد، العضو السابق في المجلس الملكي للثقافة الأمازيغية، والذي لا يخفي عداؤه لللغة العربية والعرب والدين الإسلامي بشكل عام، رغم أنه يحمل أحد أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، ورغم أنه يكتب باللغة العربية ويتواصل بها في الصحافة واللقاءات والمؤتمرات.
عندما نقول إن عصيد يعادي اللغة العربية والإسلام ويحتقر القرآن ويبخسه قيمته فليس هذا من باب التحريض عليه، إذ يكفي الرجوع إلى كتابات الرجل لكي نتساءل عن سر هجماته المتكررة على أحد أهم مقدسات المغاربة والأمة الإسلامية قاطبة، في انسجام وتنسيق تامين مع أطروحات دعاة محو اللغة العربية وإعادتها إلى المشرق المتخلف من حيث أتت، وبالتالي تخليص الشعب المغربي من هذه اللغة التي تشكل عنصر وحدة يجمع المغاربة بمختلف لهجاتهم وأعراقهم وجهاتهم. فاللحمة التي تجمع المغاربة، حسب هؤلاء، ليست هي الإسلام وإنما ما يسمونه «تامغربيت». وهو مفهوم جديد يسعى غلاة «الفرنكفونية» و«الأمازيغية» والعلمانية إلى فرضه على المغاربة عبر وسائل الإعلام لضرب اللحمة الأساسية التي تجمع المغاربة وهي الإسلام. وعندما نقول الإسلام نقول القرآن، وعندما نقول القرآن نقول طبعا، اللغة العربية التي نزل بها القرآن.
وبالعودة إلى كتابات عصيد، نجد أن الرجل تعدى التعبير عن الاختلاف أو إبداء الرأي، وأصبح جزء كبير مما يكتبه يدخل في إطار المس بمشاعر المسلمين وازدراء الأديان والسخرية من كتاب الله.
إن الحل بالنسبة إلى المسلمين، حسب عصيد، لكي يخرجوا من تخلفهم يمر حتما عبر مرحلتين لا ثالث لهما: أولا، اعتراف المسلمين بأنهم متخلفون وأن غيرهم من الأقوام يعيشون حياة متقدمة على شتى الأصعدة. وثانيا، وهذا هو صلب الموضوع، اعتراف المسلمين بأن المشكل لا يكمن فيهم فقط بل يكمن في صميم الدين الإسلامي وبين ثنايا نصوصه.
وقد قالها عصيد بوضوح في مقالة أخرى عندما أكد أن الإسلام دين عدواني وأن القرآن نصّ يحث ويشجع على الإرهاب. القرآن، حسب عصيد، ليس فقط نصا يشكو من التناقض والتنافر مع روح العصر، وإنما هو أيضا نص عادي وبسيط وسطحي. وللبرهنة على ذلك، يقول عصيد ساخرا، فقد كان كافيا الاستماع إلى تفسير آية «والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا» من طرف سكان إحدى بوادي سوس التي كان يقضي فيها عصيد عطلته أيام فترته الجامعية، لكي يستلقي هؤلاء البدو، وعصيد معهم، على أقفيتهم من شدة الضحك بسبب تفسيرهم العجيب لهذه الآية.
وعندما كان عصيد يشرح لهؤلاء البدو أن الآية لا تعني كل تلك الأشياء العجيبة والمهولة التي كانوا يتخيلونها، وأن الأمر يتعلق في الآية بالخيل فقط، كانوا يرفضون تقبل الأمر ويتمسكون بشرحهم الخاص.
هكذا يستنتج عصيد أن الحل الوحيد للبرهنة على سطحية القرآن وبساطة معانيه، أي ضرب إحدى أهم معجزات القرآن وهي الإعجاز اللغوي، هو ترجمته إلى الدارجة أو الأمازيغية حتى يفهم المؤمنون بهذه المعجزة أن الأمر يتعلق بكتاب عادي يستمد قوته من اللغة العربية وليس من كونه كلام الله المنزل على رسوله.
ويمضي عصيد بعيدا في تحليله عندما يقول إن الإعجاز البلاغي في القرآن مجرد خرافة، وإن هناك نصوصا شعرية جاهلية تتفوق على القرآن بلاغة، مما يعني أن القرآن يأتي في المرتبة الثانية من حيث البلاغة اللغوية أمام بعض قصائد الشعر الجاهلي.
إن الهدف الواضح من كل كتابات عصيد حول سطحية معاني القرآن وبساطته، هو الدعوة إلى إخراج القرآن من اللغة العربية وترجمته إلى الدارجة، ولم لا الصلاة بهذه الترجمة انسجاما مع الفتوى التي أطلقها أحد العلماء الترك الذي طرح مسألة الصلاة بالتركية.
وقد أتت هذه الدعوة مباشرة بعد صدور حوارات في الصحافة مع «الإيخ» رشيد والتي قدم فيها آيات قرآنية مترجمة إلى الدارجة، خصوصا ترجمة سورة الكوثر والتي تحولت على يد هذا «الإيخ رشيد» من «إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر»، إلى «راه عطيناك الرزق بلا عداد، وصلي لربك وذبح فالعياد، راه عدوك هوا اللي بلا ولاد».
هذه «القباحة» التي تجرأ «الإيخ» رشيد على اقترافها سبقه إليها مسيلمة الكذاب بقرون طويلة عندما حاول تشويه سورة الكوثر وحولها إلى «إنا أعطيناك الكواثر فصل لربك وبادر في الليالي الغوادر واحذر أن تحرص أو تكاثر».
هذا هو القرآن الجديد الذي يبشرون به المغاربة ويدعونهم إلى قراءته من أجل مساعدتهم على كشف أسطورة الإعجاز الذي يحيط به المسلمون المتخلفون قرآنهم ويدارون به جهلهم وإيمانهم الأعمى بقدسيته.
عندما نرى كيف يدافع مثقفون غربيون وعلمانيون عن الإسلام كديانة للتسامح والتعايش، وكيف يمدحون القرآن ككتاب سماوي يستحق الاحترام، ثم نقارن ذلك بما أصبح يكتبه وينادي به بعض غلاة الأمازيغية والعلمانية و«الفرنكوفونية» عندنا، نصاب فعلا بالصدمة.
عندما نسمع ولي عهد بريطانيا، الأمير تشارلز، يدعو العالم في محاضرة علمية إلى الاقتداء بالتعاليم الإسلامية في مجال البيئة، قائلا بالحرف في آخر محاضرة له بمعهد «أوكسفورد» للدراسات الإسلامية «إنني أدعوكم كي تبينوا لنا كيف يمكننا الاستلهام من الفَهم العميق للثقافة الإسلامية إزاء عالم الطبيعة لمساعدتنا على رفع التحديات الجسيمة التي نواجهها»، نصاب حقا بالصدمة.
عندما نسمع كيف يصف عصيد و«الإيخ» رشيد القرآن بالكتاب السطحي والعادي، ونرى كيف يتحدث الأمير «تشالز» في المحاضرة نفسها عن القرآن بأدب واحترام وتقدير قائلا: «القرآن يقدم رؤية متكاملة للكون، حيث الدين والعلم والروح والجوهر تتضافر مكتملة، تشكّل جزءا لا يتجزأ من وعي حي واحد»، نصاب حقا بالصدمة.
عندما نرى كيف أن جامعة «دوفين» بباريس العلمانية فتحت أمام طلبتها شهادة «الماستر» في شعبة جديدة مخصصة للتمويلات الإسلامية المبنية على الشريعة الإسلامية في مجال البنوك والمعاملات المالية الخالية من الفوائد الربوية، ثم نسمع عصيد وأشباهه يتهمون الإسلام، وليس المسلمين وحدهم، بانطوائه على بذور التخلف والهمجية والرجعية، نصاب فعلا بالصدمة.
عندما نرى كيف أعلنت اليهودية «فحيمة» إسلامها مباشرة بعد الجريمة التي اقترفتها الآلة الصهيونية ضد «سفن الحرية»، بعد اقتناعها بعظمة الإسلام ونبل مبادئه المدافعة عن الحرية والشهامة والعدل والمساواة، ثم نسمع عصيد وأشباهه يصفون القرآن بالكتاب المشجع على الإرهاب، فيما الإرهاب الحقيقي الذي لم يشجبه عصيد قط هو الإرهاب الإسرائيلي الذي يستضيف زملاءه في التطرف الأمازيغي، نصاب فعلا بالصدمة.
عندما نرى كيف تتسابق الدول الأوربية والغربية على إطلاق قنوات فضائية باللغة العربية، آخرها إسرائيل، للوصول إلى العالم العربي، ثم نرى كيف يطالب كل هؤلاء عندنا بالقطع مع اللغة العربية في الإعلام والتواصل والاقتصار على الدارجة والفرنسية التي تعاني من الانحسار والتراجع، نصاب فعلا بالصدمة.
لكننا عندما نفهم أن كل هؤلاء الحاملين لألوية الحرب ضد اللغة العربية والقرآن والإسلام، ليسوا في الواقع سوى بيادق تحركهم أيدٍ خارجية فوق رقعة شطرنج كبيرة تريد للمغرب أن يكون مصيره هو التقسيم اللغوي والتشرذم العرقي والتيه الثقافي، نصاب بالخوف على مصير هذا البلد.
إن ارتباطات وأجندات هؤلاء البيادق أصبحت الآن مكشوفة ومفضوحة أكثر من أي وقت مضى. وإذا كان الحق في الاختلاف ومبادئ العلمانية وحرية التعبير كلها أشياء تضمن للجميع التعبير عن رأيه بكل حرية، فإن القانون الذي يجب أن يكون فوق الجميع يمنع المساس بالمشاعر الدينية والروحية للآخرين، كما يمنع ازدراء الأديان والسخرية من كتاب الله الذي فرض احترامه حتى على الذين لا يؤمنون به.
لن يكون عصيد أول أو آخر من يسخر من القرآن، فقد سبقه كثيرون حاولوا ليس فقط ترجمة القرآن من أجل تسخيفه وإنما كتبوا قرآنهم الخاص. والجميع يتذكر قرآن مسيلمة الكذاب الذي قال فيه «الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وثيل ومشفر طويل وإن ذلك من خلق ربنا لقليل».
فأين هم هؤلاء الكذابون والأفاقون الذين تجرؤوا على كتاب الله، بل وأين آياتهم وسورهم التي خطوها بأيديهم. الجواب نجده في سورة الحجر «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ».
رفعت الأقلام وجفت الصحف.
ولعل أبرز المنادين بهذا المطلب، بعد الأخ عفوا الإيخْ رشيد الذي يعد برنامجا تلفزيونيا تبشيريا بتمويل من الكنيسة، نجد الإيخ عصيد، العضو السابق في المجلس الملكي للثقافة الأمازيغية، والذي لا يخفي عداؤه لللغة العربية والعرب والدين الإسلامي بشكل عام، رغم أنه يحمل أحد أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، ورغم أنه يكتب باللغة العربية ويتواصل بها في الصحافة واللقاءات والمؤتمرات.
عندما نقول إن عصيد يعادي اللغة العربية والإسلام ويحتقر القرآن ويبخسه قيمته فليس هذا من باب التحريض عليه، إذ يكفي الرجوع إلى كتابات الرجل لكي نتساءل عن سر هجماته المتكررة على أحد أهم مقدسات المغاربة والأمة الإسلامية قاطبة، في انسجام وتنسيق تامين مع أطروحات دعاة محو اللغة العربية وإعادتها إلى المشرق المتخلف من حيث أتت، وبالتالي تخليص الشعب المغربي من هذه اللغة التي تشكل عنصر وحدة يجمع المغاربة بمختلف لهجاتهم وأعراقهم وجهاتهم. فاللحمة التي تجمع المغاربة، حسب هؤلاء، ليست هي الإسلام وإنما ما يسمونه «تامغربيت». وهو مفهوم جديد يسعى غلاة «الفرنكفونية» و«الأمازيغية» والعلمانية إلى فرضه على المغاربة عبر وسائل الإعلام لضرب اللحمة الأساسية التي تجمع المغاربة وهي الإسلام. وعندما نقول الإسلام نقول القرآن، وعندما نقول القرآن نقول طبعا، اللغة العربية التي نزل بها القرآن.
وبالعودة إلى كتابات عصيد، نجد أن الرجل تعدى التعبير عن الاختلاف أو إبداء الرأي، وأصبح جزء كبير مما يكتبه يدخل في إطار المس بمشاعر المسلمين وازدراء الأديان والسخرية من كتاب الله.
إن الحل بالنسبة إلى المسلمين، حسب عصيد، لكي يخرجوا من تخلفهم يمر حتما عبر مرحلتين لا ثالث لهما: أولا، اعتراف المسلمين بأنهم متخلفون وأن غيرهم من الأقوام يعيشون حياة متقدمة على شتى الأصعدة. وثانيا، وهذا هو صلب الموضوع، اعتراف المسلمين بأن المشكل لا يكمن فيهم فقط بل يكمن في صميم الدين الإسلامي وبين ثنايا نصوصه.
وقد قالها عصيد بوضوح في مقالة أخرى عندما أكد أن الإسلام دين عدواني وأن القرآن نصّ يحث ويشجع على الإرهاب. القرآن، حسب عصيد، ليس فقط نصا يشكو من التناقض والتنافر مع روح العصر، وإنما هو أيضا نص عادي وبسيط وسطحي. وللبرهنة على ذلك، يقول عصيد ساخرا، فقد كان كافيا الاستماع إلى تفسير آية «والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا» من طرف سكان إحدى بوادي سوس التي كان يقضي فيها عصيد عطلته أيام فترته الجامعية، لكي يستلقي هؤلاء البدو، وعصيد معهم، على أقفيتهم من شدة الضحك بسبب تفسيرهم العجيب لهذه الآية.
وعندما كان عصيد يشرح لهؤلاء البدو أن الآية لا تعني كل تلك الأشياء العجيبة والمهولة التي كانوا يتخيلونها، وأن الأمر يتعلق في الآية بالخيل فقط، كانوا يرفضون تقبل الأمر ويتمسكون بشرحهم الخاص.
هكذا يستنتج عصيد أن الحل الوحيد للبرهنة على سطحية القرآن وبساطة معانيه، أي ضرب إحدى أهم معجزات القرآن وهي الإعجاز اللغوي، هو ترجمته إلى الدارجة أو الأمازيغية حتى يفهم المؤمنون بهذه المعجزة أن الأمر يتعلق بكتاب عادي يستمد قوته من اللغة العربية وليس من كونه كلام الله المنزل على رسوله.
ويمضي عصيد بعيدا في تحليله عندما يقول إن الإعجاز البلاغي في القرآن مجرد خرافة، وإن هناك نصوصا شعرية جاهلية تتفوق على القرآن بلاغة، مما يعني أن القرآن يأتي في المرتبة الثانية من حيث البلاغة اللغوية أمام بعض قصائد الشعر الجاهلي.
إن الهدف الواضح من كل كتابات عصيد حول سطحية معاني القرآن وبساطته، هو الدعوة إلى إخراج القرآن من اللغة العربية وترجمته إلى الدارجة، ولم لا الصلاة بهذه الترجمة انسجاما مع الفتوى التي أطلقها أحد العلماء الترك الذي طرح مسألة الصلاة بالتركية.
وقد أتت هذه الدعوة مباشرة بعد صدور حوارات في الصحافة مع «الإيخ» رشيد والتي قدم فيها آيات قرآنية مترجمة إلى الدارجة، خصوصا ترجمة سورة الكوثر والتي تحولت على يد هذا «الإيخ رشيد» من «إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر»، إلى «راه عطيناك الرزق بلا عداد، وصلي لربك وذبح فالعياد، راه عدوك هوا اللي بلا ولاد».
هذه «القباحة» التي تجرأ «الإيخ» رشيد على اقترافها سبقه إليها مسيلمة الكذاب بقرون طويلة عندما حاول تشويه سورة الكوثر وحولها إلى «إنا أعطيناك الكواثر فصل لربك وبادر في الليالي الغوادر واحذر أن تحرص أو تكاثر».
هذا هو القرآن الجديد الذي يبشرون به المغاربة ويدعونهم إلى قراءته من أجل مساعدتهم على كشف أسطورة الإعجاز الذي يحيط به المسلمون المتخلفون قرآنهم ويدارون به جهلهم وإيمانهم الأعمى بقدسيته.
عندما نرى كيف يدافع مثقفون غربيون وعلمانيون عن الإسلام كديانة للتسامح والتعايش، وكيف يمدحون القرآن ككتاب سماوي يستحق الاحترام، ثم نقارن ذلك بما أصبح يكتبه وينادي به بعض غلاة الأمازيغية والعلمانية و«الفرنكوفونية» عندنا، نصاب فعلا بالصدمة.
عندما نسمع ولي عهد بريطانيا، الأمير تشارلز، يدعو العالم في محاضرة علمية إلى الاقتداء بالتعاليم الإسلامية في مجال البيئة، قائلا بالحرف في آخر محاضرة له بمعهد «أوكسفورد» للدراسات الإسلامية «إنني أدعوكم كي تبينوا لنا كيف يمكننا الاستلهام من الفَهم العميق للثقافة الإسلامية إزاء عالم الطبيعة لمساعدتنا على رفع التحديات الجسيمة التي نواجهها»، نصاب حقا بالصدمة.
عندما نسمع كيف يصف عصيد و«الإيخ» رشيد القرآن بالكتاب السطحي والعادي، ونرى كيف يتحدث الأمير «تشالز» في المحاضرة نفسها عن القرآن بأدب واحترام وتقدير قائلا: «القرآن يقدم رؤية متكاملة للكون، حيث الدين والعلم والروح والجوهر تتضافر مكتملة، تشكّل جزءا لا يتجزأ من وعي حي واحد»، نصاب حقا بالصدمة.
عندما نرى كيف أن جامعة «دوفين» بباريس العلمانية فتحت أمام طلبتها شهادة «الماستر» في شعبة جديدة مخصصة للتمويلات الإسلامية المبنية على الشريعة الإسلامية في مجال البنوك والمعاملات المالية الخالية من الفوائد الربوية، ثم نسمع عصيد وأشباهه يتهمون الإسلام، وليس المسلمين وحدهم، بانطوائه على بذور التخلف والهمجية والرجعية، نصاب فعلا بالصدمة.
عندما نرى كيف أعلنت اليهودية «فحيمة» إسلامها مباشرة بعد الجريمة التي اقترفتها الآلة الصهيونية ضد «سفن الحرية»، بعد اقتناعها بعظمة الإسلام ونبل مبادئه المدافعة عن الحرية والشهامة والعدل والمساواة، ثم نسمع عصيد وأشباهه يصفون القرآن بالكتاب المشجع على الإرهاب، فيما الإرهاب الحقيقي الذي لم يشجبه عصيد قط هو الإرهاب الإسرائيلي الذي يستضيف زملاءه في التطرف الأمازيغي، نصاب فعلا بالصدمة.
عندما نرى كيف تتسابق الدول الأوربية والغربية على إطلاق قنوات فضائية باللغة العربية، آخرها إسرائيل، للوصول إلى العالم العربي، ثم نرى كيف يطالب كل هؤلاء عندنا بالقطع مع اللغة العربية في الإعلام والتواصل والاقتصار على الدارجة والفرنسية التي تعاني من الانحسار والتراجع، نصاب فعلا بالصدمة.
لكننا عندما نفهم أن كل هؤلاء الحاملين لألوية الحرب ضد اللغة العربية والقرآن والإسلام، ليسوا في الواقع سوى بيادق تحركهم أيدٍ خارجية فوق رقعة شطرنج كبيرة تريد للمغرب أن يكون مصيره هو التقسيم اللغوي والتشرذم العرقي والتيه الثقافي، نصاب بالخوف على مصير هذا البلد.
إن ارتباطات وأجندات هؤلاء البيادق أصبحت الآن مكشوفة ومفضوحة أكثر من أي وقت مضى. وإذا كان الحق في الاختلاف ومبادئ العلمانية وحرية التعبير كلها أشياء تضمن للجميع التعبير عن رأيه بكل حرية، فإن القانون الذي يجب أن يكون فوق الجميع يمنع المساس بالمشاعر الدينية والروحية للآخرين، كما يمنع ازدراء الأديان والسخرية من كتاب الله الذي فرض احترامه حتى على الذين لا يؤمنون به.
لن يكون عصيد أول أو آخر من يسخر من القرآن، فقد سبقه كثيرون حاولوا ليس فقط ترجمة القرآن من أجل تسخيفه وإنما كتبوا قرآنهم الخاص. والجميع يتذكر قرآن مسيلمة الكذاب الذي قال فيه «الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وثيل ومشفر طويل وإن ذلك من خلق ربنا لقليل».
فأين هم هؤلاء الكذابون والأفاقون الذين تجرؤوا على كتاب الله، بل وأين آياتهم وسورهم التي خطوها بأيديهم. الجواب نجده في سورة الحجر «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ».
رفعت الأقلام وجفت الصحف.
رشيد نيني جريدة المساء 16-06-2010
الإمام الزهواني
عندما قرأت خبر إمام المسجد الذي أفلت في فاس من
أيدي ثلاثة آلاف غاضب طوقوا بيته وطالبوا برأسه ورأس الفتاة التي استضافها
عنده، حضرت في مخيلتي صور التحقيق الذي بثته إحدى الفضائيات مؤخرا لرجال
طمروا رجلا اتهموه بممارسة الزنى ولم يتركوا ظاهرا منه سوى رأسه وشرعوا
يتنافسون حول رجمه بالحجارة. أحدهم اقترب من الرجل ورفع حجرا ثقيلا وهوى
به على رأسه الذي كادت تغطيه الحجارة. بعد ذلك، مرت صورة مؤلمة لفتاة
نحيلة في السادسة عشرة من عمرها جالسة القرفصاء وفوق رأسها رجل يجلد ظهرها
بعصا.
هؤلاء، حسب الصحافي الذي أعد التقرير، كانوا ينفذون أحكاما شرعية في إحدى
محافظات السودان، دون أن تكون أحكامهم خاضعة لمحاكمة عادلة، أي أنهم كانوا
ينفذون ما يرونه أحكاما ضد أشخاص يعتبرونهم مذنبين.
هذا بالضبط ما كاد يحدث في فاس الأسبوع الماضي. سكان هائجون وغاضبون في حي
شعبي فقير، اكتشفوا أن إمام مسجدهم الأعزب استضاف فتاة في بيته، فاجتمعوا
وقرروا أن يطرقوا باب الإمام لكي يخرج عندهم ويخرج الفتاة. طبعا، لم
يكونوا يريدون إخراجه بغرض مطالبته بشرح العلاقة التي تربطه بهذه الفتاة،
وإنما كانوا يريدون رأسه. وربما لو كان غامر بالخروج لوقع له ما وقع
للمواطن المصري الذي علقه سكان قرية لبنانية على أسلاك الكهرباء بعد أن
قطعوا جهازه التناسلي وعلقوه بجانبه، بعد شكوك حول تورطه في جريمة اغتصاب
فتاة وقعت في قريتهم.
لحسن حظ الإمام أنه انتظر حضور رجال الأمن لكي يخرج من بيته، لكن هذا لم
يمنع السكان الغاضبين من رجمه ورجم سيارة الشرطة التي أقلته هو ورفيقته
نحو مخفر الأمن.
عندما سيمر الإمام ورفيقته أمام القاضي سيحكم عليهما معا بستة أشهر حبسا
نافذا بتهمة الفساد. مع أن وجود امرأة في بيت رجل بدون توفر حالة التلبس
لا تكفي لإثبات جريمة الفساد. لكن الستة أشهر التي نطق بها القاضي في هذه
النازلة كانت الطريقة الوحيدة الكفيلة بإخماد غضب السكان الهائجين ضد هذا
الإمام «الزهواني».
تكشف هذه النازلة عن مجموعة من المؤشرات الاجتماعية المقلقة التي لا يجب المرور عليها دون التوقف قليلا عند دلالاتها.
يبدو أن الجميع مدعو إلى استحضار شيء مهم وهو أننا نعيش في مجتمع وليس في
غابة. ولذلك، فإن دولة القانون تفرض على الجميع ألا يطبقوا القانون
بأيديهم وألا ينزلوا العقاب ببعضهم البعض، لأن الجهة الوحيدة المخولة
قانونيا بإنزال العقاب هي القضاء.
وأي مواطن يرفع يده لكي يعاقب مواطنا آخر، مهما كان الجرم الذي ارتكبه هذا
الأخير فادحا، يستحق أن يحكم عليه بتهمة الاعتداء على حرمة القانون. إن
الطريقة المثلى للتعبير عن امتعاض جيران الإمام من تصرفاته، كانت هي
الذهاب عند كاتب عمومي وتحرير شكاية ضده ووضعها لدى مركز الأمن. وإذا
تكاسل الأمن في القيام بواجبه، فأمامهم وكيل الملك. فهؤلاء هم المخولون
باستدعاء الإمام ومساءلته عن طبيعة الإزعاج الذي يشكله بالنسبة إلى
السكان، أو عن طبيعة العلاقة التي تربطه بضيوفه.
أما أن يتجمهر ثلاثة آلاف مواطن للمطالبة بإخراج مواطن أعزل من بيته
للاقتصاص منه، فهذا شيء يبعث على الخوف حقا. فمثل هذه الوقفات الاحتجاجية
لا يتم تنظيمها حتى عندما يتعلق الأمر بالاحتجاج على فواتير المياه
والكهرباء الباهظة أو الطرد الجماعي من المساكن أو غرق السكان بسبب
الفيضانات.
ويمكن أن يكون السكان قد أحسوا بالإهانة لكون الإمام الذي يصلي بهم يدير
حياته الشخصية بطريقة غير تلك التي ينصح الناس بها في المسجد، لكن هذا لا
يبرر رجمه وهو داخل سيارة الأمن.
ما قام به الإمام يمكن أن يكون جنحة، لكن ما قام به هؤلاء الذين رجموه بالحجارة اسمه جريمة الشروع في القتل.
وإلى الآن، لم نسمع أن الأمن حرك المتابعة في حق كل الذين رجموا الإمام
داخل سيارة الأمن، ما سمعناه هو الحكم الذي أصدره القضاء في فاس ضد الإمام
ورفيقته بستة أشهر حبسا نافذا.
وإذا كانت لهذه الواقعة المؤسفة من مزية فهي كونها أماطت اللثام عن
الوضعية الاجتماعية المخجلة لرجال الدين داخل وزارة الأوقاف والشؤون
الإسلامية.
ولعل أول شيء يجب الانتباه إليه هو أن هذا الإمام الذي حكم عليه القضاء
بالحبس أعزب. ونحن نعرف أن أحد شروط ممارسة الإمامة لدى الوزارة هي أن
يكون الإمام متزوجا، دفعا لكل شبهة. في حالة هذا الإمام، لم يتم احترام
هذا الشرط. من سيحاسب الوزارة، إذن، على هذا الخرق؟
ثانيا، عندما تصرف الوزارة للأئمة رواتب مخجلة تتراوح بين 1000 و1500 درهم
في الشهر، فإنها تدفعهم قسرا إلى البحث عن السكن داخل أحياء فقيرة كذلك
الحي الذي يسكن فيه إمام فاس. وبرواتب هزيلة مثل هذه التي تصرفها أغنى
وزارة في المغرب لأئمتها، لا يستطيع أي إمام أن يتزوج ويكون أسرة ويسكن في
مكان يحفظ له كرامته البشرية.
الحل الوحيد بالنسبة إلى أغلب هؤلاء الأئمة هو السكن في أحياء يفتقر
سكانها إلى أبسط شروط العيش الكريم. وقد كان أولى بهؤلاء الثلاثة آلاف من
السكان الغاضبين أن يحتجوا أمام مجلس المدينة من أجل تجهيز حيهم بالبنيات
الأساسية الضرورية للحياة الاجتماعية لأبنائهم، لكنهم فضلوا أن يبددوا
جهدهم في الاحتجاج أمام بيت إمام غامر باستضافة فتاة، مع أن بيوت الدعارة
منتشرة في كل الأحياء الشعبية والراقية، ومعروفة من لدن الجميع والناس
يمرون عليها بالغدو والآصال، لكن يبدو أن هذا لم يعد يزعج أحدا، بما في
ذلك السلطات التي أصبحت تغمض أعينها عن هذه التجارة الرائجة.
مسؤولية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في اختيار أئمتها ومؤذنيها
ووعاظها مسؤولية كبيرة. كما أن إصلاح أحوالهم الاجتماعية أصبح ضرورة قصوى
بالنظر إلى انخراط هؤلاء في المحافظة على الأمن الروحي للمغاربة. ومثلما
عرفت الوضعية المادية لرجال الأمن الذين يحافظون على أمننا الجسدي تحسنا
ملحوظا، فإن رعاة أمننا الروحي يجب أن تعرف وضعيتهم إصلاحا شاملا أيضا،
خصوصا وأنهم يشتغلون مع وزارة تعتبر أغنى وزارة في المغرب بفضل أملاكها
التي لا يستطيع إحصاءها حتى وزير الأوقاف نفسه.
وبالنسبة إلى اختيار وزارة الأوقاف لبعض المؤذنين لكي يؤذنوا في الناس
بالصلاة، فأنا صراحة لا أعرف المقاييس التي تستند إليها الوزارة من أجل
اختيار بعضهم. وكثيرا ما نسمع خلال مواقيت الصلاة أصوات مزعجة تنطلق من
حناجر كأنها المناشير. فتبعث في نفسك الرهبة عوض السكينة، وتنفرك من
المسجد عوض أن تجلبك إليه.
عندما يرتفع الأذان في القاهرة يأتيك كل مؤذن بصوته الرخيم الخاص وترنيمته
المميزة، وعوض أن تختلط أصوات الأذان تمتزج في عذوبة ويرسلك صوت إلى آخر
في تناغم وسلاسة.
هنا في بعض المساجد عندما يرتفع الأذان تشعر وكأن أحدهم يكسر الزجاج في
أذنيك. لا صوت رخيم ولا احترام لمخارج الحروف ولا ترنيم، كأنما يصرخون ولا
يؤذنون. كما أنه ليس هناك توحيد للأذان، مما يفسح أمام كل مؤذن المجال
لإبداع ألحان ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد اختار الرسول الكريم بلالا لكي يؤذن لأنه كان ذا صوت جميل. ولذلك
فجمال الصوت شرط أساسي للأذان في الناس. وكل من أراد أن يعتلي الصومعة لكي
يؤذن يجب، أولا، أن يقف أمام لجنة مختصة من الوزارة لكي تختبر صوته.
وإذا كانت أصوات هؤلاء المؤذنين المزعجة مقدور عليها بالنهار، فإن المشكلة
هي عندما يؤذنوا بصلاة الفجر، خصوصا عندما يزيدون في «البوق» لإيقاظ
الناس، مع أنهم يعرفون أن من يريد أن يقوم لصلاة الفجر لا يحتاج إلى صوت
المؤذن لكي يوقظه وإنما «يعمر» ساعة هاتفه ويضعه بالقرب منه. أما الذين لا
يريدون القيام لأداء صلاة الفجر فإنهم لن يقوموا حتى ولو أذن لهم المؤذن
في آذانهم مباشرة وليس في «البوق».
وهذه مناسبة لكي يفهم بعض القيمين على بعض المساجد أن أبواقهم تؤذي الناس
عندما يطلقون عبرها أذانهم بصلاة الفجر بذلك الصوت العالي. فبين الناس
مرضى لا يقوون على القيام للصلاة، وأطفال وعجزة معفيون منها، وأجانب
يقيمون بيننا لا يصلون أصلا. وليس هناك أي مبرر لإقلاق راحة هؤلاء جميعا،
إذا كان ممكنا أن يرفع الأذان بصوت جميل وعذب ومناسب لا يخيف الأطفال.
هكذا عوض أن يظل الأذان موعدا يوميا لسماع أصوات مزعجة، يتحول إلى مناسبة للاستمتاع به وتدبر معانيه.
ومن يدري، فربما في آخر المطاف يغير هؤلاء «النعاسة» رأيهم ويستفيقوا لأداء صلاة الفجر.رشيد نيني-المساء
أيدي ثلاثة آلاف غاضب طوقوا بيته وطالبوا برأسه ورأس الفتاة التي استضافها
عنده، حضرت في مخيلتي صور التحقيق الذي بثته إحدى الفضائيات مؤخرا لرجال
طمروا رجلا اتهموه بممارسة الزنى ولم يتركوا ظاهرا منه سوى رأسه وشرعوا
يتنافسون حول رجمه بالحجارة. أحدهم اقترب من الرجل ورفع حجرا ثقيلا وهوى
به على رأسه الذي كادت تغطيه الحجارة. بعد ذلك، مرت صورة مؤلمة لفتاة
نحيلة في السادسة عشرة من عمرها جالسة القرفصاء وفوق رأسها رجل يجلد ظهرها
بعصا.
هؤلاء، حسب الصحافي الذي أعد التقرير، كانوا ينفذون أحكاما شرعية في إحدى
محافظات السودان، دون أن تكون أحكامهم خاضعة لمحاكمة عادلة، أي أنهم كانوا
ينفذون ما يرونه أحكاما ضد أشخاص يعتبرونهم مذنبين.
هذا بالضبط ما كاد يحدث في فاس الأسبوع الماضي. سكان هائجون وغاضبون في حي
شعبي فقير، اكتشفوا أن إمام مسجدهم الأعزب استضاف فتاة في بيته، فاجتمعوا
وقرروا أن يطرقوا باب الإمام لكي يخرج عندهم ويخرج الفتاة. طبعا، لم
يكونوا يريدون إخراجه بغرض مطالبته بشرح العلاقة التي تربطه بهذه الفتاة،
وإنما كانوا يريدون رأسه. وربما لو كان غامر بالخروج لوقع له ما وقع
للمواطن المصري الذي علقه سكان قرية لبنانية على أسلاك الكهرباء بعد أن
قطعوا جهازه التناسلي وعلقوه بجانبه، بعد شكوك حول تورطه في جريمة اغتصاب
فتاة وقعت في قريتهم.
لحسن حظ الإمام أنه انتظر حضور رجال الأمن لكي يخرج من بيته، لكن هذا لم
يمنع السكان الغاضبين من رجمه ورجم سيارة الشرطة التي أقلته هو ورفيقته
نحو مخفر الأمن.
عندما سيمر الإمام ورفيقته أمام القاضي سيحكم عليهما معا بستة أشهر حبسا
نافذا بتهمة الفساد. مع أن وجود امرأة في بيت رجل بدون توفر حالة التلبس
لا تكفي لإثبات جريمة الفساد. لكن الستة أشهر التي نطق بها القاضي في هذه
النازلة كانت الطريقة الوحيدة الكفيلة بإخماد غضب السكان الهائجين ضد هذا
الإمام «الزهواني».
تكشف هذه النازلة عن مجموعة من المؤشرات الاجتماعية المقلقة التي لا يجب المرور عليها دون التوقف قليلا عند دلالاتها.
يبدو أن الجميع مدعو إلى استحضار شيء مهم وهو أننا نعيش في مجتمع وليس في
غابة. ولذلك، فإن دولة القانون تفرض على الجميع ألا يطبقوا القانون
بأيديهم وألا ينزلوا العقاب ببعضهم البعض، لأن الجهة الوحيدة المخولة
قانونيا بإنزال العقاب هي القضاء.
وأي مواطن يرفع يده لكي يعاقب مواطنا آخر، مهما كان الجرم الذي ارتكبه هذا
الأخير فادحا، يستحق أن يحكم عليه بتهمة الاعتداء على حرمة القانون. إن
الطريقة المثلى للتعبير عن امتعاض جيران الإمام من تصرفاته، كانت هي
الذهاب عند كاتب عمومي وتحرير شكاية ضده ووضعها لدى مركز الأمن. وإذا
تكاسل الأمن في القيام بواجبه، فأمامهم وكيل الملك. فهؤلاء هم المخولون
باستدعاء الإمام ومساءلته عن طبيعة الإزعاج الذي يشكله بالنسبة إلى
السكان، أو عن طبيعة العلاقة التي تربطه بضيوفه.
أما أن يتجمهر ثلاثة آلاف مواطن للمطالبة بإخراج مواطن أعزل من بيته
للاقتصاص منه، فهذا شيء يبعث على الخوف حقا. فمثل هذه الوقفات الاحتجاجية
لا يتم تنظيمها حتى عندما يتعلق الأمر بالاحتجاج على فواتير المياه
والكهرباء الباهظة أو الطرد الجماعي من المساكن أو غرق السكان بسبب
الفيضانات.
ويمكن أن يكون السكان قد أحسوا بالإهانة لكون الإمام الذي يصلي بهم يدير
حياته الشخصية بطريقة غير تلك التي ينصح الناس بها في المسجد، لكن هذا لا
يبرر رجمه وهو داخل سيارة الأمن.
ما قام به الإمام يمكن أن يكون جنحة، لكن ما قام به هؤلاء الذين رجموه بالحجارة اسمه جريمة الشروع في القتل.
وإلى الآن، لم نسمع أن الأمن حرك المتابعة في حق كل الذين رجموا الإمام
داخل سيارة الأمن، ما سمعناه هو الحكم الذي أصدره القضاء في فاس ضد الإمام
ورفيقته بستة أشهر حبسا نافذا.
وإذا كانت لهذه الواقعة المؤسفة من مزية فهي كونها أماطت اللثام عن
الوضعية الاجتماعية المخجلة لرجال الدين داخل وزارة الأوقاف والشؤون
الإسلامية.
ولعل أول شيء يجب الانتباه إليه هو أن هذا الإمام الذي حكم عليه القضاء
بالحبس أعزب. ونحن نعرف أن أحد شروط ممارسة الإمامة لدى الوزارة هي أن
يكون الإمام متزوجا، دفعا لكل شبهة. في حالة هذا الإمام، لم يتم احترام
هذا الشرط. من سيحاسب الوزارة، إذن، على هذا الخرق؟
ثانيا، عندما تصرف الوزارة للأئمة رواتب مخجلة تتراوح بين 1000 و1500 درهم
في الشهر، فإنها تدفعهم قسرا إلى البحث عن السكن داخل أحياء فقيرة كذلك
الحي الذي يسكن فيه إمام فاس. وبرواتب هزيلة مثل هذه التي تصرفها أغنى
وزارة في المغرب لأئمتها، لا يستطيع أي إمام أن يتزوج ويكون أسرة ويسكن في
مكان يحفظ له كرامته البشرية.
الحل الوحيد بالنسبة إلى أغلب هؤلاء الأئمة هو السكن في أحياء يفتقر
سكانها إلى أبسط شروط العيش الكريم. وقد كان أولى بهؤلاء الثلاثة آلاف من
السكان الغاضبين أن يحتجوا أمام مجلس المدينة من أجل تجهيز حيهم بالبنيات
الأساسية الضرورية للحياة الاجتماعية لأبنائهم، لكنهم فضلوا أن يبددوا
جهدهم في الاحتجاج أمام بيت إمام غامر باستضافة فتاة، مع أن بيوت الدعارة
منتشرة في كل الأحياء الشعبية والراقية، ومعروفة من لدن الجميع والناس
يمرون عليها بالغدو والآصال، لكن يبدو أن هذا لم يعد يزعج أحدا، بما في
ذلك السلطات التي أصبحت تغمض أعينها عن هذه التجارة الرائجة.
مسؤولية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في اختيار أئمتها ومؤذنيها
ووعاظها مسؤولية كبيرة. كما أن إصلاح أحوالهم الاجتماعية أصبح ضرورة قصوى
بالنظر إلى انخراط هؤلاء في المحافظة على الأمن الروحي للمغاربة. ومثلما
عرفت الوضعية المادية لرجال الأمن الذين يحافظون على أمننا الجسدي تحسنا
ملحوظا، فإن رعاة أمننا الروحي يجب أن تعرف وضعيتهم إصلاحا شاملا أيضا،
خصوصا وأنهم يشتغلون مع وزارة تعتبر أغنى وزارة في المغرب بفضل أملاكها
التي لا يستطيع إحصاءها حتى وزير الأوقاف نفسه.
وبالنسبة إلى اختيار وزارة الأوقاف لبعض المؤذنين لكي يؤذنوا في الناس
بالصلاة، فأنا صراحة لا أعرف المقاييس التي تستند إليها الوزارة من أجل
اختيار بعضهم. وكثيرا ما نسمع خلال مواقيت الصلاة أصوات مزعجة تنطلق من
حناجر كأنها المناشير. فتبعث في نفسك الرهبة عوض السكينة، وتنفرك من
المسجد عوض أن تجلبك إليه.
عندما يرتفع الأذان في القاهرة يأتيك كل مؤذن بصوته الرخيم الخاص وترنيمته
المميزة، وعوض أن تختلط أصوات الأذان تمتزج في عذوبة ويرسلك صوت إلى آخر
في تناغم وسلاسة.
هنا في بعض المساجد عندما يرتفع الأذان تشعر وكأن أحدهم يكسر الزجاج في
أذنيك. لا صوت رخيم ولا احترام لمخارج الحروف ولا ترنيم، كأنما يصرخون ولا
يؤذنون. كما أنه ليس هناك توحيد للأذان، مما يفسح أمام كل مؤذن المجال
لإبداع ألحان ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد اختار الرسول الكريم بلالا لكي يؤذن لأنه كان ذا صوت جميل. ولذلك
فجمال الصوت شرط أساسي للأذان في الناس. وكل من أراد أن يعتلي الصومعة لكي
يؤذن يجب، أولا، أن يقف أمام لجنة مختصة من الوزارة لكي تختبر صوته.
وإذا كانت أصوات هؤلاء المؤذنين المزعجة مقدور عليها بالنهار، فإن المشكلة
هي عندما يؤذنوا بصلاة الفجر، خصوصا عندما يزيدون في «البوق» لإيقاظ
الناس، مع أنهم يعرفون أن من يريد أن يقوم لصلاة الفجر لا يحتاج إلى صوت
المؤذن لكي يوقظه وإنما «يعمر» ساعة هاتفه ويضعه بالقرب منه. أما الذين لا
يريدون القيام لأداء صلاة الفجر فإنهم لن يقوموا حتى ولو أذن لهم المؤذن
في آذانهم مباشرة وليس في «البوق».
وهذه مناسبة لكي يفهم بعض القيمين على بعض المساجد أن أبواقهم تؤذي الناس
عندما يطلقون عبرها أذانهم بصلاة الفجر بذلك الصوت العالي. فبين الناس
مرضى لا يقوون على القيام للصلاة، وأطفال وعجزة معفيون منها، وأجانب
يقيمون بيننا لا يصلون أصلا. وليس هناك أي مبرر لإقلاق راحة هؤلاء جميعا،
إذا كان ممكنا أن يرفع الأذان بصوت جميل وعذب ومناسب لا يخيف الأطفال.
هكذا عوض أن يظل الأذان موعدا يوميا لسماع أصوات مزعجة، يتحول إلى مناسبة للاستمتاع به وتدبر معانيه.
ومن يدري، فربما في آخر المطاف يغير هؤلاء «النعاسة» رأيهم ويستفيقوا لأداء صلاة الفجر.رشيد نيني-المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: شوف تشوف
كان عليه ان يستضيفها في شي اوطيل مصنف او كن دار بناقص
nezha- عدد الرسائل : 6218
العمر : 61
Localisation : s/a/g
تاريخ التسجيل : 16/04/2008
رد: شوف تشوف
مولاي يعقوب وسيدي حرازم؟..الحرام بين والحلال بين..لماذا يقوس المجتمع بشدة على الفقيه وعلى الاستاذ..وكيدير ميكا على ما تبقى من عباد الله..واش الفساد فيه وفيه.؟هاذ الفقيه كامبو وخصو يتربى لكن ماشي بوحدو را الفساد عم البحر والبر والجو..الله يدينا في الضو..
القيطي- عدد الرسائل : 1883
العمر : 58
Localisation : maghreb
تاريخ التسجيل : 30/06/2006
رد: شوف تشوف
راه عات ليه البصيرة ولم يعد قادرا على التمييز
القلة تعمي والكثرة تفني
القلة تعمي والكثرة تفني
nezha- عدد الرسائل : 6218
العمر : 61
Localisation : s/a/g
تاريخ التسجيل : 16/04/2008
وأعرض عن الجاهلين-رشيد نيني
لعل أسوأ وأجهل رد على استفزازات رجال الدين المتطرفين الذين يمزقونويحرقون القرآن أمام البيت الأبيض هذه الأيام، هو ما قام به مسلم في جنوبإفريقيا عندما حاول إحراق الإنجيل.
عندما نشاهد نشرات الأخبار العالمية ونرى تلك الأمواج العاتية من المسلمينالغاضبين الذين يتظاهرون في العواصم الغربية والإسلامية مطالبين برؤوسهؤلاء المتطرفين، مضرمين النار في صورهم وفي العلم الأمريكي، نفهم أن مخططهؤلاء الشياطين قد نجح.
فالغاية من إطلاق هذه الحملة المنظمة لتمزيق وإحراق القرآن هي استفزازوتهييج مشاعر المسلمين لدفعهم نحو الخروج إلى الشوارع وإحراق السفاراتالغربية وراياتها وتصوير ذلك كله ونقله عبر نشرات الأخبار إلى المشاهدالغربي لترويعه وإخافته، حتى إذا ما قررت أمريكا وحلفاؤها ضرب دولةإسلامية أو احتلالها فإن الرأي العام الغربي يكون مهيأ لقبول هذاالاعتداء، لأنه في نهاية المطاف اعتداء على همج وقتلة ومتخلفين لا يفهمونسوى لغة النار والحديد.
وإلى هذه الكذبة الكبيرة، التي تم إخراجها بذكاء إعلامي شيطاني، تنضافكذبة أخرى نطق بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في معرض تعليقه على قرارإحراق القس الأمريكي للقرآن في الذكرى التاسعة لهجمات الـ11 من شتنبر، حيثقال إن أمريكا لن تدخل أبدا في حرب ضد الإسلام وإنما هي في حرب ضد القاعدة.
فالحرب التي تخوضها أمريكا وحليفتها إسرائيل ضد الإسلام ليست حربا ظاهرةمثل تلك التي عبر عنها القس الأمريكي الغبي الذي هدد بإحراق القرآن، أوتلك التي أوقد نيرانها رسامو الكاريكاتير الذين استهزؤوا بالنبي صلى اللهعليه وسلم، وإنما حرب أمريكا والصهيونية على الإسلام تتخذ طابعا خفياوتستهدف حرق القرآن في قلوب المسلمين وليس حرقه في الساحات العامة.
وعملية الإحراق الممنهجة للقرآن في قلوب المسلمين تبدأ بإصرار الإدارةالأمريكية على حذف بعض الآيات القرآنية من البرامج التعليمية في الدولالإسلامية، والوقوف خلف دعوات ترجمة القرآن إلى اللهجات المحلية لنزعالقداسة عنه وتمييع معانيه وتشجيع جهات إعلامية ومدنية على التشكيك فيآياته ونزوله والمطالبة بمراجعته.
هذه هي المؤامرة الحقيقية التي تستهدف القرآن. وهدفها الأساسي هو القرآنالذي في قلوب المسلمين وليس القرآن الذي في رفوف مكتباتهم. والرسول الكريملم يتعرض فقط لسخرية أجداد هؤلاء الجهلة الذين يعيشون بيننا اليوم، وإنماتعرض لأذاهم أيضا، ورجم سيد الخلق بالحجارة حتى أدمت قدميه، وعندما طلبمنه الصحابة أن يدعوَ عليهم دعوة تجعل الجبال تنطبق عليهم أعرض، فقد يأتيمنهم الخير.
وللأسف، فإن المسلمين يفعلون كل ما بوسعهم لحماية القرآن المكتوب فيالأوراق وينسون أن الدفاع الحقيقي عن القرآن هو ترسيخ معانيه في معاملاتهماليومية وإعطاء المثل للآخرين في العدل والإخاء والمساواة والسلام والمحبة.
وإنه لمن المثير للانتباه أن الجماهير الهائجة التي خرجت تحتج على دعواتإحراق القرآن في أمريكا تعطي بلدانها أسوأ الأمثلة في الحكم وإدارة الشؤون.
وهكذا، فالذين ظهر فيهم دين الرحمة أصبحوا هم أصحاب أكثر القلوب قسوة فيالعالم، والذين ظهر فيهم نبي السلام أصبحوا هم أكثر الشعوب نزوعا نحوالتقاتل ونهش بعضهم البعض. وما وقع بين الجزائر ومصر مؤخرا يعطينا مثالاواضحا على أن أكبر خطر على العرب والمسلمين هو أنفسهم. وأصبحت أمة «إقرأ»هي أمة «ما أنا بقارئ»، فبينما يقرأ كتابا واحدا 500 بريطاني، يقرأ فيالعالم العربي الكتاب الواحد حوالي 12 ألف عربي. وخلال 35 عاما الأخيرة منحكم هؤلاء الملوك والرؤساء الخالدين في العالم الإسلامي، ارتفع عددالأميين في أمة «إقرأ» من 50 إلى 70 مليونا.
وفي الوقت الذي ترفض فيه بعض الدول الإسلامية الترخيص للبنوك التي لاتتعامل بالربا، نرى كيف أن فرنسا وإنجلترا ودولا علمانية أخرى بدأت تقررفي جامعات اقتصادها شـُعبا متخصصة في الاقتصاد الإسلامي، ومنها من بدأت فيالترخيص لهذه البنوك بالعمل. أكثر من ذلك، هناك من اقتنع بأن النظامالبنكي الإسلامي هو الحل للجم الرأسمال الجشع.
والنتيجة هي أن المسلمين فروا هاربين من بلدانهم إلى أوربا وأمريكاوتشردوا في سائر بقاع العالم كما تشرد اليهود من قبلهم. وها هو العالماليوم يعيش أزمة اقتصادية خانقة كتلك التي عاشتها أوربا قبل تغول النازية.والمشجب الذي يريد اليمين العنصري المتطرف في الغرب أن يعلق عليه اليومأزمته ومشاكله هو العرب والمسلمون، فربَط الإعلامُ صورَتهم بالإرهاب وربَطالإسلامَ بالتطرف، وأصبحت اللغة العربية مشبوهة، فبدأت المضايقاتوالاستفزازات والتلميحات إلى أن المشكلة تكمن في طريقة تفسير المسلمينللإسلام، إلى أن وصلنا اليوم إلى حد أصبحوا معه يقولون صراحة إن المشكلةليست في المسلمين فقط بل في الإسلام كدين. وقد قالتها المجموعة المتطرفةالتي مزقت وأحرقت القرآن أمام البيت الأبيض صراحة، عندما بررت ما قامت بهبرغبتها في «وقف كذبة أن الإسلام دين مسالم».
ولو رجعنا إلى ما كتبه أحمد عصيد حول عدوانية الدين الإسلامي وتشجيعالقرآن على الإرهاب، فإننا سنجد أن آراء المتطرفين حول الإسلام والقرآنمتشابهة رغم بعد الشقة بينهم.
كل هذا يحدث رغم أن المسلمين تفوقوا عدديا على المسيحيين الكاثوليكيين فيإحصاء أعلنت عنه كنيسة الفاتيكان السنة الماضية ولأول مرة في التاريخ،مرجعة سبب هذا التفوق إلى ارتفاع نسبة المواليد عند المسلمين. وبفضل هذا«النشاط» الجنسي الذي نساهم به، نحن المسلمين، في تكثير «سواد» الأمة وصلعددنا إلى مليار مسلم فاصلة ثلاثة على وجه الكرة الأرضية.
لا أعرف لماذا عندما سمعت نتيجة هذا الإحصاء وخبر هذا «التفوق» العددي علىأصحاب الكتب السماوية الأخرى من يهود ونصارى، ورأيت أمواج الحجاجالمتلاطمة بملايين أثواب الإحرام حول بيت الله الحرام، تذكرت حديث رسولالله صلى الله عليه وسلم عندما قال للصحابة مستشرفا حال أمته بعد موتهبقرون طويلة «ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا «أمنقلة نحن يومئذ يا رسول الله»، قال «بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاءالسيل. ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكمالوهن»، قالوا «وما الوهن يا رسول الله»، قال «حب الدنيا وكراهية الموت».
هذا الحديث الشريف ينطبق حرفيا على حال المسلمين اليوم. فنحن والحمد لله،الذي لا يحمد على مكروه سواه، كثيرو العدد ونتكاثر مثل الجراد. وفيالجزيرة العربية، حيث ظهر الإسلام غريبا أول مرة، يوجد أحد أهم مصادرالطاقة في العالم. وفي ظرف الثلاثين سنة الأخيرة، تحول الحفاة العراة،رعاة الشاة، إلى أثرياء يتطاولون في البنيان. وأصبحت الجزيرة العربيةالقاحلة الجرداء، التي كانت تذرعها قوافل النوق والجمال، حدائق غناءتتوسطها الأبراج العائمة التي يخترق طولها عنان السماء. وبعدما كانت قبائلالعربان تمتطي الخيول والمهور سعيا وراء الظباء والغزلان لصيدها والعيشعلى لحومها، أصبحت اليوم تذرع رمال الصحراء ممتطية سيارات «الهامر»أمريكية الصنع بحثا بأجهزة الـ«جي بي إس» كورية الصنع عن طيور الحبارللتسلي بصيدها.
وها هم العربان، بسبب الأزمة الاقتصادية، يرون كيف ستنهار أمام أعينهمناطحات سحابهم وكيف ستنفجر فقاعة الصابون المالية لكي تبتلع جزرهمالاصطناعية العائمة، فيعودون إلى سابق بداوتهم.
ورغم توفر كل هذه الثروات في بلدان المسلمين، ورغم تحكمهم في أسهمالبورصات العالمية بفضل إنتاج النفط، فإنهم عاجزون حتى عن إنتاج الموادالغذائية التي يقتاتون عليها، وبفضل أموال النفط صاروا عاجزين حتى عنالعمل. وفي قطر وحدها يوجد، بفضل عائدات الغاز الطبيعي، ثلاثة أجانب فيخدمة كل مواطن قطري.
إن سبب كل هذا التخلف الذي ترفل في «نعيمه» أغلب بلدان المسلمين هو البعدعن المعاني العميقة للقرآن. فالعمل والصدق والأمانة والقول اللين وحسنالجوار واحترام الآخر والقبول باختلافه والصبر على أذاه، كلها قيم تزدريهاالأمة الإسلامية في مقابل «ارتكاب» قيم الغدر والخيانة واضطهاد المعارضينوالعلماء وتكميم الأفواه وكبح الحريات وحصر الجهاد في شعبة القتال، علمابأن مراتب الجهاد كثيرة ليس القتال سوى إحداها، فهناك جهاد العقل علىالتعلم والصبر وتحصيل المدارك والعلوم، وجهاد النفس على تجنب الرشوةوالفساد، وجهاد الأمة بكاملها في سبيل الرقي والتقدم وإكرام مواطنيهاواحترام آدميتهم وضمان أمنهم وصحتهم وغذائهم.
ما جدوى أن يهب المسلمون للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضد منيسيء إليه بريشته، في الوقت الذي يسيء هؤلاء المسلمون أنفسهم إلى الرسولببعدهم عن حلمه وصبره وأمانته وكل مكارم الأخلاق النبيلة التي جاءليتممها. أنظروا إلى المراتب المخجلة التي تحتلها الدول الإسلامية فيلوائح الدول المرتشية والفاسدة والمستبدة لكي تعرفوا حجم الإساءة.
ما جدوى أن يهب المسلمون لمنع إحراق القرآن من طرف المتطرفين المسيحيين،في الوقت الذي ترفض فيه أمة «إقرأ» أن تطبق الأمر الإلهي الذي يطالبها بأنتقرأ، مفضلة ظلمات الجهل والأمية على نور القراءة والمعرفة.
قبل أن نطالب الآخرين باحترام رسول الإسلام وكتاب الله علينا، كمسلمين، أننقدم المثال في احترام قرآننا ونبينا. وأفضل طريقة للتعبير عن هذاالاحترام هي استحضار قيم الإسلام السمحة في معاملاتنا، فالدين المعاملة.وعندما نغير سلوكنا، فإن نظرة الآخر إلينا ستتغير. فالله لا يغير ما بقومحتى يغيروا ما بأنفسهم.
المساء
عندما نشاهد نشرات الأخبار العالمية ونرى تلك الأمواج العاتية من المسلمينالغاضبين الذين يتظاهرون في العواصم الغربية والإسلامية مطالبين برؤوسهؤلاء المتطرفين، مضرمين النار في صورهم وفي العلم الأمريكي، نفهم أن مخططهؤلاء الشياطين قد نجح.
فالغاية من إطلاق هذه الحملة المنظمة لتمزيق وإحراق القرآن هي استفزازوتهييج مشاعر المسلمين لدفعهم نحو الخروج إلى الشوارع وإحراق السفاراتالغربية وراياتها وتصوير ذلك كله ونقله عبر نشرات الأخبار إلى المشاهدالغربي لترويعه وإخافته، حتى إذا ما قررت أمريكا وحلفاؤها ضرب دولةإسلامية أو احتلالها فإن الرأي العام الغربي يكون مهيأ لقبول هذاالاعتداء، لأنه في نهاية المطاف اعتداء على همج وقتلة ومتخلفين لا يفهمونسوى لغة النار والحديد.
وإلى هذه الكذبة الكبيرة، التي تم إخراجها بذكاء إعلامي شيطاني، تنضافكذبة أخرى نطق بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في معرض تعليقه على قرارإحراق القس الأمريكي للقرآن في الذكرى التاسعة لهجمات الـ11 من شتنبر، حيثقال إن أمريكا لن تدخل أبدا في حرب ضد الإسلام وإنما هي في حرب ضد القاعدة.
فالحرب التي تخوضها أمريكا وحليفتها إسرائيل ضد الإسلام ليست حربا ظاهرةمثل تلك التي عبر عنها القس الأمريكي الغبي الذي هدد بإحراق القرآن، أوتلك التي أوقد نيرانها رسامو الكاريكاتير الذين استهزؤوا بالنبي صلى اللهعليه وسلم، وإنما حرب أمريكا والصهيونية على الإسلام تتخذ طابعا خفياوتستهدف حرق القرآن في قلوب المسلمين وليس حرقه في الساحات العامة.
وعملية الإحراق الممنهجة للقرآن في قلوب المسلمين تبدأ بإصرار الإدارةالأمريكية على حذف بعض الآيات القرآنية من البرامج التعليمية في الدولالإسلامية، والوقوف خلف دعوات ترجمة القرآن إلى اللهجات المحلية لنزعالقداسة عنه وتمييع معانيه وتشجيع جهات إعلامية ومدنية على التشكيك فيآياته ونزوله والمطالبة بمراجعته.
هذه هي المؤامرة الحقيقية التي تستهدف القرآن. وهدفها الأساسي هو القرآنالذي في قلوب المسلمين وليس القرآن الذي في رفوف مكتباتهم. والرسول الكريملم يتعرض فقط لسخرية أجداد هؤلاء الجهلة الذين يعيشون بيننا اليوم، وإنماتعرض لأذاهم أيضا، ورجم سيد الخلق بالحجارة حتى أدمت قدميه، وعندما طلبمنه الصحابة أن يدعوَ عليهم دعوة تجعل الجبال تنطبق عليهم أعرض، فقد يأتيمنهم الخير.
وللأسف، فإن المسلمين يفعلون كل ما بوسعهم لحماية القرآن المكتوب فيالأوراق وينسون أن الدفاع الحقيقي عن القرآن هو ترسيخ معانيه في معاملاتهماليومية وإعطاء المثل للآخرين في العدل والإخاء والمساواة والسلام والمحبة.
وإنه لمن المثير للانتباه أن الجماهير الهائجة التي خرجت تحتج على دعواتإحراق القرآن في أمريكا تعطي بلدانها أسوأ الأمثلة في الحكم وإدارة الشؤون.
وهكذا، فالذين ظهر فيهم دين الرحمة أصبحوا هم أصحاب أكثر القلوب قسوة فيالعالم، والذين ظهر فيهم نبي السلام أصبحوا هم أكثر الشعوب نزوعا نحوالتقاتل ونهش بعضهم البعض. وما وقع بين الجزائر ومصر مؤخرا يعطينا مثالاواضحا على أن أكبر خطر على العرب والمسلمين هو أنفسهم. وأصبحت أمة «إقرأ»هي أمة «ما أنا بقارئ»، فبينما يقرأ كتابا واحدا 500 بريطاني، يقرأ فيالعالم العربي الكتاب الواحد حوالي 12 ألف عربي. وخلال 35 عاما الأخيرة منحكم هؤلاء الملوك والرؤساء الخالدين في العالم الإسلامي، ارتفع عددالأميين في أمة «إقرأ» من 50 إلى 70 مليونا.
وفي الوقت الذي ترفض فيه بعض الدول الإسلامية الترخيص للبنوك التي لاتتعامل بالربا، نرى كيف أن فرنسا وإنجلترا ودولا علمانية أخرى بدأت تقررفي جامعات اقتصادها شـُعبا متخصصة في الاقتصاد الإسلامي، ومنها من بدأت فيالترخيص لهذه البنوك بالعمل. أكثر من ذلك، هناك من اقتنع بأن النظامالبنكي الإسلامي هو الحل للجم الرأسمال الجشع.
والنتيجة هي أن المسلمين فروا هاربين من بلدانهم إلى أوربا وأمريكاوتشردوا في سائر بقاع العالم كما تشرد اليهود من قبلهم. وها هو العالماليوم يعيش أزمة اقتصادية خانقة كتلك التي عاشتها أوربا قبل تغول النازية.والمشجب الذي يريد اليمين العنصري المتطرف في الغرب أن يعلق عليه اليومأزمته ومشاكله هو العرب والمسلمون، فربَط الإعلامُ صورَتهم بالإرهاب وربَطالإسلامَ بالتطرف، وأصبحت اللغة العربية مشبوهة، فبدأت المضايقاتوالاستفزازات والتلميحات إلى أن المشكلة تكمن في طريقة تفسير المسلمينللإسلام، إلى أن وصلنا اليوم إلى حد أصبحوا معه يقولون صراحة إن المشكلةليست في المسلمين فقط بل في الإسلام كدين. وقد قالتها المجموعة المتطرفةالتي مزقت وأحرقت القرآن أمام البيت الأبيض صراحة، عندما بررت ما قامت بهبرغبتها في «وقف كذبة أن الإسلام دين مسالم».
ولو رجعنا إلى ما كتبه أحمد عصيد حول عدوانية الدين الإسلامي وتشجيعالقرآن على الإرهاب، فإننا سنجد أن آراء المتطرفين حول الإسلام والقرآنمتشابهة رغم بعد الشقة بينهم.
كل هذا يحدث رغم أن المسلمين تفوقوا عدديا على المسيحيين الكاثوليكيين فيإحصاء أعلنت عنه كنيسة الفاتيكان السنة الماضية ولأول مرة في التاريخ،مرجعة سبب هذا التفوق إلى ارتفاع نسبة المواليد عند المسلمين. وبفضل هذا«النشاط» الجنسي الذي نساهم به، نحن المسلمين، في تكثير «سواد» الأمة وصلعددنا إلى مليار مسلم فاصلة ثلاثة على وجه الكرة الأرضية.
لا أعرف لماذا عندما سمعت نتيجة هذا الإحصاء وخبر هذا «التفوق» العددي علىأصحاب الكتب السماوية الأخرى من يهود ونصارى، ورأيت أمواج الحجاجالمتلاطمة بملايين أثواب الإحرام حول بيت الله الحرام، تذكرت حديث رسولالله صلى الله عليه وسلم عندما قال للصحابة مستشرفا حال أمته بعد موتهبقرون طويلة «ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا «أمنقلة نحن يومئذ يا رسول الله»، قال «بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاءالسيل. ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكمالوهن»، قالوا «وما الوهن يا رسول الله»، قال «حب الدنيا وكراهية الموت».
هذا الحديث الشريف ينطبق حرفيا على حال المسلمين اليوم. فنحن والحمد لله،الذي لا يحمد على مكروه سواه، كثيرو العدد ونتكاثر مثل الجراد. وفيالجزيرة العربية، حيث ظهر الإسلام غريبا أول مرة، يوجد أحد أهم مصادرالطاقة في العالم. وفي ظرف الثلاثين سنة الأخيرة، تحول الحفاة العراة،رعاة الشاة، إلى أثرياء يتطاولون في البنيان. وأصبحت الجزيرة العربيةالقاحلة الجرداء، التي كانت تذرعها قوافل النوق والجمال، حدائق غناءتتوسطها الأبراج العائمة التي يخترق طولها عنان السماء. وبعدما كانت قبائلالعربان تمتطي الخيول والمهور سعيا وراء الظباء والغزلان لصيدها والعيشعلى لحومها، أصبحت اليوم تذرع رمال الصحراء ممتطية سيارات «الهامر»أمريكية الصنع بحثا بأجهزة الـ«جي بي إس» كورية الصنع عن طيور الحبارللتسلي بصيدها.
وها هم العربان، بسبب الأزمة الاقتصادية، يرون كيف ستنهار أمام أعينهمناطحات سحابهم وكيف ستنفجر فقاعة الصابون المالية لكي تبتلع جزرهمالاصطناعية العائمة، فيعودون إلى سابق بداوتهم.
ورغم توفر كل هذه الثروات في بلدان المسلمين، ورغم تحكمهم في أسهمالبورصات العالمية بفضل إنتاج النفط، فإنهم عاجزون حتى عن إنتاج الموادالغذائية التي يقتاتون عليها، وبفضل أموال النفط صاروا عاجزين حتى عنالعمل. وفي قطر وحدها يوجد، بفضل عائدات الغاز الطبيعي، ثلاثة أجانب فيخدمة كل مواطن قطري.
إن سبب كل هذا التخلف الذي ترفل في «نعيمه» أغلب بلدان المسلمين هو البعدعن المعاني العميقة للقرآن. فالعمل والصدق والأمانة والقول اللين وحسنالجوار واحترام الآخر والقبول باختلافه والصبر على أذاه، كلها قيم تزدريهاالأمة الإسلامية في مقابل «ارتكاب» قيم الغدر والخيانة واضطهاد المعارضينوالعلماء وتكميم الأفواه وكبح الحريات وحصر الجهاد في شعبة القتال، علمابأن مراتب الجهاد كثيرة ليس القتال سوى إحداها، فهناك جهاد العقل علىالتعلم والصبر وتحصيل المدارك والعلوم، وجهاد النفس على تجنب الرشوةوالفساد، وجهاد الأمة بكاملها في سبيل الرقي والتقدم وإكرام مواطنيهاواحترام آدميتهم وضمان أمنهم وصحتهم وغذائهم.
ما جدوى أن يهب المسلمون للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضد منيسيء إليه بريشته، في الوقت الذي يسيء هؤلاء المسلمون أنفسهم إلى الرسولببعدهم عن حلمه وصبره وأمانته وكل مكارم الأخلاق النبيلة التي جاءليتممها. أنظروا إلى المراتب المخجلة التي تحتلها الدول الإسلامية فيلوائح الدول المرتشية والفاسدة والمستبدة لكي تعرفوا حجم الإساءة.
ما جدوى أن يهب المسلمون لمنع إحراق القرآن من طرف المتطرفين المسيحيين،في الوقت الذي ترفض فيه أمة «إقرأ» أن تطبق الأمر الإلهي الذي يطالبها بأنتقرأ، مفضلة ظلمات الجهل والأمية على نور القراءة والمعرفة.
قبل أن نطالب الآخرين باحترام رسول الإسلام وكتاب الله علينا، كمسلمين، أننقدم المثال في احترام قرآننا ونبينا. وأفضل طريقة للتعبير عن هذاالاحترام هي استحضار قيم الإسلام السمحة في معاملاتنا، فالدين المعاملة.وعندما نغير سلوكنا، فإن نظرة الآخر إلينا ستتغير. فالله لا يغير ما بقومحتى يغيروا ما بأنفسهم.
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
هزك الما ضربك الضو
توصل سكان الدار البيضاء والمحمدية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرةبفواتير مملحة من شركة «ليدك» التي تبيعهم الماء والكهرباء الذي تشتريه منالمكتب الوطني للماء والكهرباء بأسعار تفضيلية.
وفي الوقت الذي كانت فيه ملايين العائلات تحصي خسائرها بسبب هذه الزيادةالصاروخية في الفواتير، كان مدراء الشركة الأم في باريس يفركون أيديهم وهميحصون أرباحهم الخيالية التي حققها فرعهم بالمغرب خلال الستة أشهرالأخيرة. فقد وصلت أرباح شركة «ليدك»، التي ستخرج بالعملة الصعبة من بنكالمغرب، إلى أكثر من 12 مليار سنتيم.
طبعا، ستقول لنا الجرائد الاقتصادية التي تلعق أحذية الشركات العالمية إنهذه الأرباح، التي ستخرج من المغرب بالعملة الصعبة، ستعوضها أرباح صفقةبيع عثمان بنجلون وصندوق الإيداع والتدبير لحصتيهما من «ميديتيل» لشركة«فرانس تيليكوم»، والتي ستدر على الخزينة 800 مليار سنتيم.
هكذا يكون الملياردير عثمان بنجلون، الذي يحتج الأساتذة العاملون ضمنسلسلة المدارس التابعة لمؤسسة زوجته بسبب تجميد تعويضاتهم، قد ربح في أقلمن سنة مائة مليار سنتيم لوحده.
وعندما يزفون إلينا خبر دخول 800 مليار سنتيم من العملة الصعبة إلى خزينةالمملكة، فإنهم ينسون أن يخبرونا كم ستخرج شركة «فرانس تيليكوم» من المغربكأرباح بالعملة الصعبة في السنة المقبلة. وإذا كانت زميلتها «فيفاندي» قدنجحت في إخراج 900 مليار سنتيم كأرباح هذه السنة، فيمكننا تخيل الرقم الذيستنجح «فرانس تيليكوم» في إخراجه «منا» بدورها.
فقطاعا الاتصالات والكهرباء في المغرب هما الأكثر غلاء في العالم بأسره،ولذلك تتهافت الشركات الفرنسية على شراء أسهم فيهما. فهي تعرف أنهاستسترجع رأسمالها في الأشهر الستة الأولى وستبعث الأرباح إلى الشركة الأمفي الستة أشهر الثانية.
رجالاتنا في الاقتصاد ينطبق عليهم المثل المغربي الذي يقول «شاف الربيع ماشاف الحافة»، فهم يرون الشيك السمين الذي سيحصلون عليه الآن بالعملةالصعبة لإنقاذ بنك المغرب من السكتة القلبية التي تتهدده بسبب نضوباحتياطيه من هذه العملة، وفي الوقت نفسه يتعامون عن رؤية الشيكات السمينةالتي ستغادر بنك المغرب بعد سنة من الآن عندما سيجلس محاسبو الشركة لإحصاءالأرباح الخرافية التي سيحققونها بفضل الخدمات الباهظة التي تبيعها شركاتالاتصالات للمغاربة.
وإلى حدود اليوم، نجحنا في تسليم رقبة المغرب إلى الأجانب في مجالينحيويين هما الاتصالات والطاقة. وعوض أن يحتفظ المغرب لنفسه بإدارة هذينالقطاعين الحيويين، باعهما وصرف أموالهما على ميزانيات الإنفاق العمومي.
وكل مرة يشعر فيها الاقتصاد المغربي بالأزمة، يبيع قطاعا حيويا منقطاعاته. وهكذا، باع وزير الخوصصة السعيدي شركة «لاسامير» للسعوديين، معأنها شركة تتحكم في قطاع حيوي بوسع فقدان التحكم في أسعاره أن يشل حركةالاقتصاد المغربي. وكان جزاء السعيدي على إنجاح هذه الصفقة هو تعيينه علىرأس إدارة الشركة البترولية بعد مغادرته للحكومة، فأصبحت الشركة السعوديةتجني الأرباح في تكرير البترول بينما سكان المحمدية يجنون الأمراضوالعاهات بسبب التلوث القاتل التي تنفثه مداخن الشركة، وأطنان الرماد الذيتلقيه في البحر.
وبعده، باع بنهيمة محطة الجرف الأصفر للأمريكيين «بطاطا برطل»، ثم باعهاالأمريكيون بأضعاف ثمنها للإماراتيين الذين يبيعون المغرب اليوم الكهرباءبـ«دقة للنيف». والأدهى من ذلك أن شركة «طاقة» الإماراتية لم تكتف فقطبمحطة الجرف الأصفر، وإنما طمعت في المحطتين الخامسة والسادسة لكي تتحكمفي أربعين في المائة من سوق الكهرباء الذي يستهلكه المغرب. وعندما رفضيونس معمر أن يبيع المحطتين لشركة أبو ظبي الوطنية للطاقة بدون اللجوء إلىمزاد علني دولي، واعترض على السماح لها بإخراج سبعة ملايير درهم كأرباح فيصيف 2008، دفع ثمن «قصوحية الراس» ووجد نفسه مجبرا على ترك مكانه لعليالفاسي الفهري الذي فوت المحطتين إلى الشركة الإماراتية.
وبينما ينشغل الجميع في المغرب بفضيحة المدرب البلجيكي «غيريتس» الذيتعاقد معه علي الفاسي الفهري وأخبار امتناع هذا الأخير عن الإفصاح عن ثمنهذه الصفقة لدافعي الضرائب الذين سيخرج راتبه السمين من جيوبهم، يكاد يجهلالجميع تقريبا تفاصيل الفضيحة الكبرى التي فجرها الرئيس التنفيذي السابقلشركة «طاقة» الإماراتية الأمريكي «باركر هوميك»، والتي امتدت شظاياهالتصيب علي الفاسي الفهري و«شلته» من المسيرين للمكتب الوطني للكهرباء.
فقبل أسابيع قليلة، وضع «باركر هوميك» شكاية لدى إحدى محاكم ولاية«ميشيغان» ضد شركة «طاقة» بتهمة ثقيلة أخطرها اتهامه الشركة الإماراتيةبإجباره على التوقيع على مصاريف وتعويضات غير قانونية ورشاوى من أجلالحصول على صفقات بأمر من مسؤولين إماراتيين أعضاء في مجلس إدارة الشركة.
وبما أن المدير السابق للمكتب الوطني للكهرباء رفض تفويت مشروع شركة«طاقة» التي كانت قد وضعت نصب أعينها الفوز بصفقة توسيع محطة الجرف الأصفرواقتناء المحطتين الخامسة والسادسة، فقد انتظر مسؤولوها إلى حين مجيء عليالفاسي الفهري لإنجاح الصفقة.
وهي الصفقة التي يتهم المدير التنفيذي السابق لشركة «طاقة» مسؤولين مغاربةبمقايضة الإماراتيين ضوءَهم الأخضر لاقتناء المحطتين بمنح مالية سخيةقدرها «باركر هوميك» بمبلغ خمسة ملايين دولار، فقط لا غير.
ورغم التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظيت بها شكاية المدير التنفيذيالسابق لشركة «طاقة» الإماراتية التي أصبحت متحكمة في 40 في المائة منإنتاج المغرب الكهربائي، ورغم توجيه صاحب الشكاية أصابع الاتهام نحومسؤولين مغاربة في المكتب الوطني للكهرباء، فإن السيد علي الفاسي الفهرييفضل أن يلهي المغاربة بحكاياته السخيفة مع المدرب البلجيكي وراتبه السريالعجيب، ضاربا «الطم» عن هذه الفضيحة التي تزلزل الدول التي تتعامل معشركة «طاقة» المملوكة لإمارة أبو ظبي.
فلا عبد السلام جودلال الذي يرجع إليه الفضل، بعد عودته من التقاعد، في«السهر» على توقيع صفقة تفويت المحطتين الخامسة والسادسة بالجرف الأصفرإلى الإماراتيين، ولا مجيد العراقي ممثل شركة «طاقة» بالمغرب، ولا عليالفاسي الفهري المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء، فتحوا أفواههم بتعليقواحد على هذه الاتهامات الثقيلة التي وجهها إليهم من ولاية «ميشيغان»المدير التنفيذي السابق للشركة الإماراتية.
وهكذا، بعد أن كان اسم المكتب الوطني للكهرباء يذكر في المحافل الدوليةكمنافس شرس لشركات الكهرباء العالمية، أصبح اليوم، في عهد علي الفاسيالفهري، يذكر في فضائح الارتشاء داخل المحاكم الأمريكية.
ومنذ وصول علي الفاسي الفهري إلى رئاسة المكتب الوطني للكهرباء، تم تجميدكل الاستثمارات التي كان المكتب يقوم بها في إفريقيا، متجاهلا أن المغربيتوفر على مؤهلات وخبرات في مجال الطاقة الكهربائية، استطاع بها أن يقنعدولا إفريقية بتغيير موقفها في قضية الصحراء لصالحه -كما حدث، مثلا، فيأنغلولا وسيراليون وغانا- بل إن المكتب الوطني للكهرباء على عهد مديرهالسابق استطاع أن ينتزع صفقة في السنغال من فم شركة EDF الفرنسية ذاتالتاريخ العريق في هذا المجال.
واليوم، مع مجيء علي الفاسي الفهري إلى المكتب الوطني للكهرباء، انسحبالمغرب من هذه الدول وأفسح المجال أمام الفرنسيين الذين استراحوا من شبحالمنافسة الذي بدأ المغرب يلوح به في العمق الإفريقي.
وأصبح كل اهتمام علي الفاسي الفهري منصبا على إعطاء التصريحات الجوفاء حولمهارات المدرب البلجيكي الذي سينقذ الكرة المغربية، بينما «شلته» تهندس فيالخفاء لأكبر وأخطر مشروع لدمج المكتب الوطني للكهرباء والمكتب الوطنيللماء في بعضهما البعض، بعيدا عن أنظار البرلمان الذي سيكتفي سكانهبالتصويت عليه بالموافقة. هذا إذا حضروا طبعا.
واضح أن ما يهم علي الفاسي الفهري و«شلته» التي تهندس من الرباط لهذاالاندماج الغريب بين الماء والكهرباء، والذي لا يوجد له مثيل في أية دولةأخرى غير باكستان، هو الصفقات الكبيرة وباهظة الثمن التي يبرمها المكتبيوميا.
وسترون كيف أن الصفقات الكبرى للمكتب الوطني للكهرباء ستذهب مباشرة إلىالشركات الفرنسية، مثلما يصنع أخوه عثمان الفاسي الفهري مع صفقات الشركةالوطنية للطرق السيارة.
وهكذا، سيستمر نزيف العملة الصعبة باستمرار إخراج الشركات الفرنسيةلأرباحها السنوية من المغرب. وطبعا، للتخفيف من حدة النزيف سيبيعون ماتبقى لهم من أسهم في شركات الاتصالات، وستقول الصحافة اللاعقة لأحذيةالشركات الرأسمالية الفرنسية إن «الصفقة» في صالح المغرب وإنها ستنعشخزينة الدولة.
إلى أن يأتي علينا يوم نكتشف فيه أننا بعنا كل شيء للأجانب وبقينا على «الحديدة».
وهذا هو أسوأ أنواع الاستعمار. رشيد نيني
المساء
وفي الوقت الذي كانت فيه ملايين العائلات تحصي خسائرها بسبب هذه الزيادةالصاروخية في الفواتير، كان مدراء الشركة الأم في باريس يفركون أيديهم وهميحصون أرباحهم الخيالية التي حققها فرعهم بالمغرب خلال الستة أشهرالأخيرة. فقد وصلت أرباح شركة «ليدك»، التي ستخرج بالعملة الصعبة من بنكالمغرب، إلى أكثر من 12 مليار سنتيم.
طبعا، ستقول لنا الجرائد الاقتصادية التي تلعق أحذية الشركات العالمية إنهذه الأرباح، التي ستخرج من المغرب بالعملة الصعبة، ستعوضها أرباح صفقةبيع عثمان بنجلون وصندوق الإيداع والتدبير لحصتيهما من «ميديتيل» لشركة«فرانس تيليكوم»، والتي ستدر على الخزينة 800 مليار سنتيم.
هكذا يكون الملياردير عثمان بنجلون، الذي يحتج الأساتذة العاملون ضمنسلسلة المدارس التابعة لمؤسسة زوجته بسبب تجميد تعويضاتهم، قد ربح في أقلمن سنة مائة مليار سنتيم لوحده.
وعندما يزفون إلينا خبر دخول 800 مليار سنتيم من العملة الصعبة إلى خزينةالمملكة، فإنهم ينسون أن يخبرونا كم ستخرج شركة «فرانس تيليكوم» من المغربكأرباح بالعملة الصعبة في السنة المقبلة. وإذا كانت زميلتها «فيفاندي» قدنجحت في إخراج 900 مليار سنتيم كأرباح هذه السنة، فيمكننا تخيل الرقم الذيستنجح «فرانس تيليكوم» في إخراجه «منا» بدورها.
فقطاعا الاتصالات والكهرباء في المغرب هما الأكثر غلاء في العالم بأسره،ولذلك تتهافت الشركات الفرنسية على شراء أسهم فيهما. فهي تعرف أنهاستسترجع رأسمالها في الأشهر الستة الأولى وستبعث الأرباح إلى الشركة الأمفي الستة أشهر الثانية.
رجالاتنا في الاقتصاد ينطبق عليهم المثل المغربي الذي يقول «شاف الربيع ماشاف الحافة»، فهم يرون الشيك السمين الذي سيحصلون عليه الآن بالعملةالصعبة لإنقاذ بنك المغرب من السكتة القلبية التي تتهدده بسبب نضوباحتياطيه من هذه العملة، وفي الوقت نفسه يتعامون عن رؤية الشيكات السمينةالتي ستغادر بنك المغرب بعد سنة من الآن عندما سيجلس محاسبو الشركة لإحصاءالأرباح الخرافية التي سيحققونها بفضل الخدمات الباهظة التي تبيعها شركاتالاتصالات للمغاربة.
وإلى حدود اليوم، نجحنا في تسليم رقبة المغرب إلى الأجانب في مجالينحيويين هما الاتصالات والطاقة. وعوض أن يحتفظ المغرب لنفسه بإدارة هذينالقطاعين الحيويين، باعهما وصرف أموالهما على ميزانيات الإنفاق العمومي.
وكل مرة يشعر فيها الاقتصاد المغربي بالأزمة، يبيع قطاعا حيويا منقطاعاته. وهكذا، باع وزير الخوصصة السعيدي شركة «لاسامير» للسعوديين، معأنها شركة تتحكم في قطاع حيوي بوسع فقدان التحكم في أسعاره أن يشل حركةالاقتصاد المغربي. وكان جزاء السعيدي على إنجاح هذه الصفقة هو تعيينه علىرأس إدارة الشركة البترولية بعد مغادرته للحكومة، فأصبحت الشركة السعوديةتجني الأرباح في تكرير البترول بينما سكان المحمدية يجنون الأمراضوالعاهات بسبب التلوث القاتل التي تنفثه مداخن الشركة، وأطنان الرماد الذيتلقيه في البحر.
وبعده، باع بنهيمة محطة الجرف الأصفر للأمريكيين «بطاطا برطل»، ثم باعهاالأمريكيون بأضعاف ثمنها للإماراتيين الذين يبيعون المغرب اليوم الكهرباءبـ«دقة للنيف». والأدهى من ذلك أن شركة «طاقة» الإماراتية لم تكتف فقطبمحطة الجرف الأصفر، وإنما طمعت في المحطتين الخامسة والسادسة لكي تتحكمفي أربعين في المائة من سوق الكهرباء الذي يستهلكه المغرب. وعندما رفضيونس معمر أن يبيع المحطتين لشركة أبو ظبي الوطنية للطاقة بدون اللجوء إلىمزاد علني دولي، واعترض على السماح لها بإخراج سبعة ملايير درهم كأرباح فيصيف 2008، دفع ثمن «قصوحية الراس» ووجد نفسه مجبرا على ترك مكانه لعليالفاسي الفهري الذي فوت المحطتين إلى الشركة الإماراتية.
وبينما ينشغل الجميع في المغرب بفضيحة المدرب البلجيكي «غيريتس» الذيتعاقد معه علي الفاسي الفهري وأخبار امتناع هذا الأخير عن الإفصاح عن ثمنهذه الصفقة لدافعي الضرائب الذين سيخرج راتبه السمين من جيوبهم، يكاد يجهلالجميع تقريبا تفاصيل الفضيحة الكبرى التي فجرها الرئيس التنفيذي السابقلشركة «طاقة» الإماراتية الأمريكي «باركر هوميك»، والتي امتدت شظاياهالتصيب علي الفاسي الفهري و«شلته» من المسيرين للمكتب الوطني للكهرباء.
فقبل أسابيع قليلة، وضع «باركر هوميك» شكاية لدى إحدى محاكم ولاية«ميشيغان» ضد شركة «طاقة» بتهمة ثقيلة أخطرها اتهامه الشركة الإماراتيةبإجباره على التوقيع على مصاريف وتعويضات غير قانونية ورشاوى من أجلالحصول على صفقات بأمر من مسؤولين إماراتيين أعضاء في مجلس إدارة الشركة.
وبما أن المدير السابق للمكتب الوطني للكهرباء رفض تفويت مشروع شركة«طاقة» التي كانت قد وضعت نصب أعينها الفوز بصفقة توسيع محطة الجرف الأصفرواقتناء المحطتين الخامسة والسادسة، فقد انتظر مسؤولوها إلى حين مجيء عليالفاسي الفهري لإنجاح الصفقة.
وهي الصفقة التي يتهم المدير التنفيذي السابق لشركة «طاقة» مسؤولين مغاربةبمقايضة الإماراتيين ضوءَهم الأخضر لاقتناء المحطتين بمنح مالية سخيةقدرها «باركر هوميك» بمبلغ خمسة ملايين دولار، فقط لا غير.
ورغم التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظيت بها شكاية المدير التنفيذيالسابق لشركة «طاقة» الإماراتية التي أصبحت متحكمة في 40 في المائة منإنتاج المغرب الكهربائي، ورغم توجيه صاحب الشكاية أصابع الاتهام نحومسؤولين مغاربة في المكتب الوطني للكهرباء، فإن السيد علي الفاسي الفهرييفضل أن يلهي المغاربة بحكاياته السخيفة مع المدرب البلجيكي وراتبه السريالعجيب، ضاربا «الطم» عن هذه الفضيحة التي تزلزل الدول التي تتعامل معشركة «طاقة» المملوكة لإمارة أبو ظبي.
فلا عبد السلام جودلال الذي يرجع إليه الفضل، بعد عودته من التقاعد، في«السهر» على توقيع صفقة تفويت المحطتين الخامسة والسادسة بالجرف الأصفرإلى الإماراتيين، ولا مجيد العراقي ممثل شركة «طاقة» بالمغرب، ولا عليالفاسي الفهري المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء، فتحوا أفواههم بتعليقواحد على هذه الاتهامات الثقيلة التي وجهها إليهم من ولاية «ميشيغان»المدير التنفيذي السابق للشركة الإماراتية.
وهكذا، بعد أن كان اسم المكتب الوطني للكهرباء يذكر في المحافل الدوليةكمنافس شرس لشركات الكهرباء العالمية، أصبح اليوم، في عهد علي الفاسيالفهري، يذكر في فضائح الارتشاء داخل المحاكم الأمريكية.
ومنذ وصول علي الفاسي الفهري إلى رئاسة المكتب الوطني للكهرباء، تم تجميدكل الاستثمارات التي كان المكتب يقوم بها في إفريقيا، متجاهلا أن المغربيتوفر على مؤهلات وخبرات في مجال الطاقة الكهربائية، استطاع بها أن يقنعدولا إفريقية بتغيير موقفها في قضية الصحراء لصالحه -كما حدث، مثلا، فيأنغلولا وسيراليون وغانا- بل إن المكتب الوطني للكهرباء على عهد مديرهالسابق استطاع أن ينتزع صفقة في السنغال من فم شركة EDF الفرنسية ذاتالتاريخ العريق في هذا المجال.
واليوم، مع مجيء علي الفاسي الفهري إلى المكتب الوطني للكهرباء، انسحبالمغرب من هذه الدول وأفسح المجال أمام الفرنسيين الذين استراحوا من شبحالمنافسة الذي بدأ المغرب يلوح به في العمق الإفريقي.
وأصبح كل اهتمام علي الفاسي الفهري منصبا على إعطاء التصريحات الجوفاء حولمهارات المدرب البلجيكي الذي سينقذ الكرة المغربية، بينما «شلته» تهندس فيالخفاء لأكبر وأخطر مشروع لدمج المكتب الوطني للكهرباء والمكتب الوطنيللماء في بعضهما البعض، بعيدا عن أنظار البرلمان الذي سيكتفي سكانهبالتصويت عليه بالموافقة. هذا إذا حضروا طبعا.
واضح أن ما يهم علي الفاسي الفهري و«شلته» التي تهندس من الرباط لهذاالاندماج الغريب بين الماء والكهرباء، والذي لا يوجد له مثيل في أية دولةأخرى غير باكستان، هو الصفقات الكبيرة وباهظة الثمن التي يبرمها المكتبيوميا.
وسترون كيف أن الصفقات الكبرى للمكتب الوطني للكهرباء ستذهب مباشرة إلىالشركات الفرنسية، مثلما يصنع أخوه عثمان الفاسي الفهري مع صفقات الشركةالوطنية للطرق السيارة.
وهكذا، سيستمر نزيف العملة الصعبة باستمرار إخراج الشركات الفرنسيةلأرباحها السنوية من المغرب. وطبعا، للتخفيف من حدة النزيف سيبيعون ماتبقى لهم من أسهم في شركات الاتصالات، وستقول الصحافة اللاعقة لأحذيةالشركات الرأسمالية الفرنسية إن «الصفقة» في صالح المغرب وإنها ستنعشخزينة الدولة.
إلى أن يأتي علينا يوم نكتشف فيه أننا بعنا كل شيء للأجانب وبقينا على «الحديدة».
وهذا هو أسوأ أنواع الاستعمار. رشيد نيني
المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
بيزوطاج
منذ سنوات، تعود طلبة المدارس التحضيرية والمعاهد العليا على تخصيصالأسبوع الأول من الدخول المدرسي لاستقبال الطلبة الجدد على طريقتهمالخاصة.
وهكذا، يجد الطلبة الجدد في المعاهد العليا أنفسهم رهينة بين أيدي طلبةسبقوهم بحجة «حكهم» وتطيير «الحشمة» منهم حتى يندمجوا في الحياة اليوميةلهذه المعاهد. وهذا ما يطلقون عليه «البيزوطاج».
في السابق، كان هذا التقليد ظاهرة ثقافية، ميز العديد من المعاهد والمدارسالعليا، تسرب إلى المغرب عبر الوجود الاستعماري الفرنسي الذي كان يدير كلالمعاهد العليا في بداية الاستقلال.
وكان الهدف من «البيزوطاج» هو تأهيل الطلبة الجدد فكريا وثقافيا عبر وضعهمفي مواقف ساخرة وتعريضهم لمقالب محرجة لإعطاء الطالب الجديد فرصة التحررمن خجله وتردده وخوفه من مغادرة عالم الثانوية إلى العالم الجامعي. وكانتمنظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تسهر على تنظيم أسابيع «البيزوطاج» فيكليات الطب والصيدلة ومعاهد الهندسة والبيطرة وغيرها من المعاهد العلميةالكبرى التي تخرجت منها آلاف الأطر التي تسير المستشفيات والمعاهد العلميةوالمؤسسات الهندسية داخل المغرب وخارجه.
للأسف الشديد، تحول «البيزوطاج» في كثير من المؤسسات والمعاهد العليا منتقليد ثقافي إلى جلسات تعذيب يمارسها الطلبة القدامى بشكل وحشي على الطلبةالجدد.
ولعل ما وقع مؤخرا في المدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن ENSAM بمكناسيستدعي تدخل القطاع الوصي على التعليم لوضع حد لهذه الممارسات التي خرجتعن نطاق الترفيه والتثقيف لكي تسقط في العنف وإيذاء الغير وتعريض حياتهللخطر.
وفي الوقت الذي كان فيه «البيزوطاج» بالمعهد يدخل يومه الرابع، كان أهاليالطلبة الجدد يحتجون أمام باب المؤسسة. فهذا أب كسروا يد ابنه أثناء«البيزوطاج»، وهذه أم قادمة من الدار البيضاء تصرخ وتولول بسبب در«البزار» في عيني ابنتها، وهذه أم من الرباط جاءت تحتج على تعريض ابنهالحصة من «التعلاق»، وأخرى يكاد صوابها يطير وهي تتساءل عن الجدوى من إجبارابنها الطالب الجديد على شرب بول أحد الطلبة القدامى. وهذا أب آخر جاء منالرباط يكاد يجن وهو يحكي كيف أجبروا ابنته الطالبة الجديدة على دس وجههافي مسحوق الدقيق واستنشاقه، الشيء الذي تسبب لها في اختناق وإغماء استدعىحضور والدها على عجل.
هكذا، يكتشف الآباء الذين يصرفون مدخراتهم من أجل ضمان تعليم مفيدلأبنائهم أن بعض المؤسسات والمعاهد التعليمية الراقية يتطلب دخول أبنائهمإليها تعرضهم لألوان من التعذيب الجسدي والنفسي الذي يدمر مستقبلهمالدراسي ويصيبهم بالعقد النفسية التي يحملونها معهم طيلة حياتهم.
ويبدو أن الوقت قد حان لمنع هذا التقليد الذي سقط في الميوعة وأصبح مناسبةلكي يمارس بعض الطلبة المرضى ساديتهم على الطلبة الجدد بدعوى «تطيارالحشمومة» منهم، خصوصا وأن «البيزوطاج» ليس له أي سند قانوني، مما يعرضالمتسببين في إعاقات للطلبة الجدد إلى المتابعة القانونية.
وبغض النظر عن الآثار الجسدية التي يتركها «البيزوطاج» على أجساد الطلبةالجدد، فالأخطر يظل هو الآثار النفسية لمثل هذه الجلسات التعذيبية.
وحسب آخر دراسة علمية نشرتها إحدى الجامعات الأمريكية، فالممارساتالعقابية التي يتعرض لها التلاميذ في صغرهم تتحكم في تشكل شخصيتهمالمستقبلية. بمعنى أن التلميذ أو الطالب إذا تعرض لسلوك عدواني خلال مسارهالتعليمي، فهناك احتمالات كبيرة لكي نحصل في المستقبل على جيل معقدوعدواني ومنغلق على نفسه بسبب نوازعه العدوانية والانتقامية.
ولعل جيل السبعينيات والثمانينيات يؤدي اليوم ثمن السياسة التعليميةالعمومية التي مورست عليه في مدارس المخزن. فقد كانت الأقسام أشبه ما تكونبمراكز اعتقال جماعية، والمعلمون والأساتذة ومعهم أولياء الأمور يطبقأغلبهم نصيحة «نتا ذبح وأنا نسلخ».
ومنذ أن وضعنا أرجلنا عند الفقيه في «المسيد» ونحن نتعايش مع الرعب اليوميمن «الفلقة». وعندما دخلنا إلى المدرسة أصبح السؤال الوحيد الذي يؤرقنايوميا هو «واش كاين السليخ». فقد كانت هواية بعض المعلمين، سامحهم الله،هي تجريب عصيهم وسياطهم فوق ظهورنا وعلى أرجلنا الصغيرة الحافية.
وهكذا قضينا عشر سنوات من طفولتنا الأولى مرتجفين من الرعب والخوف الذيبثه في قلوبنا بعض المعلمين والأساتذة الذين أفرغوا فينا ضغطهم وصرفوافينا مشاكلهم النفسية والمهنية. منا من تحمل وواصل، وأكثرنا غادر فصولالدراسة بسبب التعذيب اليومي الذي كان يتعرض له.
وكثيرون انتهوا في السجون بسبب غرقهم في عوالم المخدرات والجريمة والذي تسبب لهم فيه العنف الذي مورس عليهم منذ نعومة أظافرهم.
لذلك فنحن جيل كبر في حضن الخوف، ولهذا السبب عندما كبرنا أصبحت لدينا ملامح المهزومين.
أرسلونا إلى الفقيه ليحفظنا سور القرآن في الصباح، وفي المساء جداول الضربوالقسمة ومحفوظة «قولوا معانا يا اللي تحبونا تحيا مدرستي أمي الحنونة».وكم قست علينا المدرسة الحنونة عندما دخلنا إلى فصولها الباردة وأوقدنافيها شموعنا بسبب مساءاتها الماطرة التي ينزل فيها الظلام بعد العصر.
تحملنا سوط الفقيه وبرودة الحصير ورائحة الصلصال في الشتاء ونحن نحك بهألواحنا الخشبية. وفي الصيف، تحمّلنا شمس غشت اللافحة وحاربنا المللبالسباحة في برك آسنة مشكوك في نظافتها.
عندما داهمنا الجوع في البراري الفسيحة اقتلعنا جذور النباتات ومصصناسيقانها الحامضة، وعندما عطشنا شربنا من ماء العين ذي الطعم الغريب، تلكالعين التي اكتشفنا عندما كبرنا أنها كانت مخلوطة بقنوات الوادي الحار.
تعلمنا الصلاة لنصير أطفالا صالحين، وبدأنا نذهب إلى نافورة المسجد لنتوضأونرش المياه ونبلل ثياب بعضنا البعض، لاعبين غير عابئين بذنوبنا الصغيرة.ضربنا الإمام الملفوف في جلابيبه الكثيرة، وطردنا متوعدا بأن يغطس رؤوسناالصغيرة في حوض المياه حتى نختنق. خفنا وهربنا من المسجد.
أدخلونا إلى المدرسة الحكومية لنتعلم النحو والقواعد ودروس التاريخ، حيثجيوش البيزنطيين والرومان والوندال الذين مروا بالمغرب وتركوا قلاعهموحصونهم والنقود التي سكوها بأسمائهم.
بدأنا نتهجى التلاوة الفرنسية حيث ترعى عنزة السيد «سوغان» والطفل الأسود «باليماكو» الذي يتسلق النخلة الباسقة.
ضربونا لأننا كنا نتلعثم كثيرا قبل أن ننطق حروفنا الأولى بالفرنسية، «مينا جولي مينا ميكي جولي ميكي».
مددنا أكفنا الصغيرة والمرتجفة للعصا، وعندما عذبنا معلمونا بالضرب نزلناإلى الحقول نبحث عن بول الجمال لكي نغسل به أيدينا حتى تصير قادرة علىتحمل الألم.
ومع ذلك آلمنا كل شيء. آلمونا وهم يضربوننا بينما نحن أمام باب السينما ننتظر «الأونطراكت».
ضربونا ونحن ننتظر ربع الساعة الأخير من الشوط الثاني لندخل إلى ملعب كرة القدم لنتفرج على آخر أنفاس المباراة.
ضربونا ونحن نتزاحم أمام باب المسبح البلدي في انتظار أن يمنحنا الحارسالعشر دقائق الأخيرة لنغطس أجسادنا المحترقة من الحر في مياه نصفها بولونصفها الآخر «جافيل» و«كلور».
لطالما أخرجونا من المدارس وجمعونا وفرقونا على طول الطرقات لكي نقف تحتالشمس في انتظار أن يمر وزير أو عامل. وعندما يصل وسط الزغاريدوالتصفيقات، يدس ورقة داخل ثقب في حائط صغير يسمونه حجر الأساس، يأمرونناأن نصفق فنصفق، يطلبون منا أن نلوح بالرايات فنلوح بالرايات. وفي المساء،نعود إلى أمهاتنا وعلى وجوهنا تباشير الحمى بسبب كل الوقت الذي قضيناه تحتالشمس.
ضربونا عندما طالبناهم بشغل، طردونا ونحن نقف أمام أبواب مكاتبهم الحكومية المكيفة.
طردونا عندما جئنا نطلب جوازات سفر لنتابع دراستنا في الخارج. أريناهمشهادات تسجيلنا في جامعات أوربا وأمريكا وعرضنا أمامهم نقطنا الجيدة التيحصلنا عليها بسهرنا الطويل. أريناها للحمير الذين لا شواهد لهم، فأخرجونامن مكاتبهم وطردونا بعد أن تذكروا نقط أبنائهم المدللين والكسالى ورتبهمالمخجلة. ولكي يريحوا ضمائرهم المتعفنة نصحونا بالتعرف إلى بلادنا جيداقبل الذهاب إلى بلدان الآخرين. الأنذال، ضيعوا مستقبل الآلاف منا بجرة قلم.
بقينا أخيرا هنا كما أرادوا، وفجأة فهمنا لماذا أرادونا أن نبقى معهم. لقدكانوا محتاجين إلى جيل كامل لكي يجربوا فيه حقدهم. حقنونا كل مساءبالمهدئات في نشرات الأخبار لكي لا ننفجر في وجوههم مثل بالونات هواء،وشرعوا يكذبون علينا في الحكومة والبرلمان. تناوبوا علينا بأحزابهم مثلماتتناوب عصابة من المنحرفين على امرأة وحيدة تعود إلى البيت بعد يوم عملشاق. وعندما تعبوا منا رموا بنا إلى الشوارع وتركونا نقطع الطريق علىبعضنا البعض بالسيوف الطويلة وشفرات الحلاقة وقنينات الماء الحارق.
شخنا قبل الأوان بسبب الخوف الذي زرعوه في نفوسنا، ونخرت عظامنا الأمراضالمزمنة وطورنا في خلايانا جينة اليأس بسبب هذا «البيزوطاج» الطويل الذيلا يريدون له أن ينتهي.
رشيد نيني
وهكذا، يجد الطلبة الجدد في المعاهد العليا أنفسهم رهينة بين أيدي طلبةسبقوهم بحجة «حكهم» وتطيير «الحشمة» منهم حتى يندمجوا في الحياة اليوميةلهذه المعاهد. وهذا ما يطلقون عليه «البيزوطاج».
في السابق، كان هذا التقليد ظاهرة ثقافية، ميز العديد من المعاهد والمدارسالعليا، تسرب إلى المغرب عبر الوجود الاستعماري الفرنسي الذي كان يدير كلالمعاهد العليا في بداية الاستقلال.
وكان الهدف من «البيزوطاج» هو تأهيل الطلبة الجدد فكريا وثقافيا عبر وضعهمفي مواقف ساخرة وتعريضهم لمقالب محرجة لإعطاء الطالب الجديد فرصة التحررمن خجله وتردده وخوفه من مغادرة عالم الثانوية إلى العالم الجامعي. وكانتمنظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تسهر على تنظيم أسابيع «البيزوطاج» فيكليات الطب والصيدلة ومعاهد الهندسة والبيطرة وغيرها من المعاهد العلميةالكبرى التي تخرجت منها آلاف الأطر التي تسير المستشفيات والمعاهد العلميةوالمؤسسات الهندسية داخل المغرب وخارجه.
للأسف الشديد، تحول «البيزوطاج» في كثير من المؤسسات والمعاهد العليا منتقليد ثقافي إلى جلسات تعذيب يمارسها الطلبة القدامى بشكل وحشي على الطلبةالجدد.
ولعل ما وقع مؤخرا في المدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن ENSAM بمكناسيستدعي تدخل القطاع الوصي على التعليم لوضع حد لهذه الممارسات التي خرجتعن نطاق الترفيه والتثقيف لكي تسقط في العنف وإيذاء الغير وتعريض حياتهللخطر.
وفي الوقت الذي كان فيه «البيزوطاج» بالمعهد يدخل يومه الرابع، كان أهاليالطلبة الجدد يحتجون أمام باب المؤسسة. فهذا أب كسروا يد ابنه أثناء«البيزوطاج»، وهذه أم قادمة من الدار البيضاء تصرخ وتولول بسبب در«البزار» في عيني ابنتها، وهذه أم من الرباط جاءت تحتج على تعريض ابنهالحصة من «التعلاق»، وأخرى يكاد صوابها يطير وهي تتساءل عن الجدوى من إجبارابنها الطالب الجديد على شرب بول أحد الطلبة القدامى. وهذا أب آخر جاء منالرباط يكاد يجن وهو يحكي كيف أجبروا ابنته الطالبة الجديدة على دس وجههافي مسحوق الدقيق واستنشاقه، الشيء الذي تسبب لها في اختناق وإغماء استدعىحضور والدها على عجل.
هكذا، يكتشف الآباء الذين يصرفون مدخراتهم من أجل ضمان تعليم مفيدلأبنائهم أن بعض المؤسسات والمعاهد التعليمية الراقية يتطلب دخول أبنائهمإليها تعرضهم لألوان من التعذيب الجسدي والنفسي الذي يدمر مستقبلهمالدراسي ويصيبهم بالعقد النفسية التي يحملونها معهم طيلة حياتهم.
ويبدو أن الوقت قد حان لمنع هذا التقليد الذي سقط في الميوعة وأصبح مناسبةلكي يمارس بعض الطلبة المرضى ساديتهم على الطلبة الجدد بدعوى «تطيارالحشمومة» منهم، خصوصا وأن «البيزوطاج» ليس له أي سند قانوني، مما يعرضالمتسببين في إعاقات للطلبة الجدد إلى المتابعة القانونية.
وبغض النظر عن الآثار الجسدية التي يتركها «البيزوطاج» على أجساد الطلبةالجدد، فالأخطر يظل هو الآثار النفسية لمثل هذه الجلسات التعذيبية.
وحسب آخر دراسة علمية نشرتها إحدى الجامعات الأمريكية، فالممارساتالعقابية التي يتعرض لها التلاميذ في صغرهم تتحكم في تشكل شخصيتهمالمستقبلية. بمعنى أن التلميذ أو الطالب إذا تعرض لسلوك عدواني خلال مسارهالتعليمي، فهناك احتمالات كبيرة لكي نحصل في المستقبل على جيل معقدوعدواني ومنغلق على نفسه بسبب نوازعه العدوانية والانتقامية.
ولعل جيل السبعينيات والثمانينيات يؤدي اليوم ثمن السياسة التعليميةالعمومية التي مورست عليه في مدارس المخزن. فقد كانت الأقسام أشبه ما تكونبمراكز اعتقال جماعية، والمعلمون والأساتذة ومعهم أولياء الأمور يطبقأغلبهم نصيحة «نتا ذبح وأنا نسلخ».
ومنذ أن وضعنا أرجلنا عند الفقيه في «المسيد» ونحن نتعايش مع الرعب اليوميمن «الفلقة». وعندما دخلنا إلى المدرسة أصبح السؤال الوحيد الذي يؤرقنايوميا هو «واش كاين السليخ». فقد كانت هواية بعض المعلمين، سامحهم الله،هي تجريب عصيهم وسياطهم فوق ظهورنا وعلى أرجلنا الصغيرة الحافية.
وهكذا قضينا عشر سنوات من طفولتنا الأولى مرتجفين من الرعب والخوف الذيبثه في قلوبنا بعض المعلمين والأساتذة الذين أفرغوا فينا ضغطهم وصرفوافينا مشاكلهم النفسية والمهنية. منا من تحمل وواصل، وأكثرنا غادر فصولالدراسة بسبب التعذيب اليومي الذي كان يتعرض له.
وكثيرون انتهوا في السجون بسبب غرقهم في عوالم المخدرات والجريمة والذي تسبب لهم فيه العنف الذي مورس عليهم منذ نعومة أظافرهم.
لذلك فنحن جيل كبر في حضن الخوف، ولهذا السبب عندما كبرنا أصبحت لدينا ملامح المهزومين.
أرسلونا إلى الفقيه ليحفظنا سور القرآن في الصباح، وفي المساء جداول الضربوالقسمة ومحفوظة «قولوا معانا يا اللي تحبونا تحيا مدرستي أمي الحنونة».وكم قست علينا المدرسة الحنونة عندما دخلنا إلى فصولها الباردة وأوقدنافيها شموعنا بسبب مساءاتها الماطرة التي ينزل فيها الظلام بعد العصر.
تحملنا سوط الفقيه وبرودة الحصير ورائحة الصلصال في الشتاء ونحن نحك بهألواحنا الخشبية. وفي الصيف، تحمّلنا شمس غشت اللافحة وحاربنا المللبالسباحة في برك آسنة مشكوك في نظافتها.
عندما داهمنا الجوع في البراري الفسيحة اقتلعنا جذور النباتات ومصصناسيقانها الحامضة، وعندما عطشنا شربنا من ماء العين ذي الطعم الغريب، تلكالعين التي اكتشفنا عندما كبرنا أنها كانت مخلوطة بقنوات الوادي الحار.
تعلمنا الصلاة لنصير أطفالا صالحين، وبدأنا نذهب إلى نافورة المسجد لنتوضأونرش المياه ونبلل ثياب بعضنا البعض، لاعبين غير عابئين بذنوبنا الصغيرة.ضربنا الإمام الملفوف في جلابيبه الكثيرة، وطردنا متوعدا بأن يغطس رؤوسناالصغيرة في حوض المياه حتى نختنق. خفنا وهربنا من المسجد.
أدخلونا إلى المدرسة الحكومية لنتعلم النحو والقواعد ودروس التاريخ، حيثجيوش البيزنطيين والرومان والوندال الذين مروا بالمغرب وتركوا قلاعهموحصونهم والنقود التي سكوها بأسمائهم.
بدأنا نتهجى التلاوة الفرنسية حيث ترعى عنزة السيد «سوغان» والطفل الأسود «باليماكو» الذي يتسلق النخلة الباسقة.
ضربونا لأننا كنا نتلعثم كثيرا قبل أن ننطق حروفنا الأولى بالفرنسية، «مينا جولي مينا ميكي جولي ميكي».
مددنا أكفنا الصغيرة والمرتجفة للعصا، وعندما عذبنا معلمونا بالضرب نزلناإلى الحقول نبحث عن بول الجمال لكي نغسل به أيدينا حتى تصير قادرة علىتحمل الألم.
ومع ذلك آلمنا كل شيء. آلمونا وهم يضربوننا بينما نحن أمام باب السينما ننتظر «الأونطراكت».
ضربونا ونحن ننتظر ربع الساعة الأخير من الشوط الثاني لندخل إلى ملعب كرة القدم لنتفرج على آخر أنفاس المباراة.
ضربونا ونحن نتزاحم أمام باب المسبح البلدي في انتظار أن يمنحنا الحارسالعشر دقائق الأخيرة لنغطس أجسادنا المحترقة من الحر في مياه نصفها بولونصفها الآخر «جافيل» و«كلور».
لطالما أخرجونا من المدارس وجمعونا وفرقونا على طول الطرقات لكي نقف تحتالشمس في انتظار أن يمر وزير أو عامل. وعندما يصل وسط الزغاريدوالتصفيقات، يدس ورقة داخل ثقب في حائط صغير يسمونه حجر الأساس، يأمرونناأن نصفق فنصفق، يطلبون منا أن نلوح بالرايات فنلوح بالرايات. وفي المساء،نعود إلى أمهاتنا وعلى وجوهنا تباشير الحمى بسبب كل الوقت الذي قضيناه تحتالشمس.
ضربونا عندما طالبناهم بشغل، طردونا ونحن نقف أمام أبواب مكاتبهم الحكومية المكيفة.
طردونا عندما جئنا نطلب جوازات سفر لنتابع دراستنا في الخارج. أريناهمشهادات تسجيلنا في جامعات أوربا وأمريكا وعرضنا أمامهم نقطنا الجيدة التيحصلنا عليها بسهرنا الطويل. أريناها للحمير الذين لا شواهد لهم، فأخرجونامن مكاتبهم وطردونا بعد أن تذكروا نقط أبنائهم المدللين والكسالى ورتبهمالمخجلة. ولكي يريحوا ضمائرهم المتعفنة نصحونا بالتعرف إلى بلادنا جيداقبل الذهاب إلى بلدان الآخرين. الأنذال، ضيعوا مستقبل الآلاف منا بجرة قلم.
بقينا أخيرا هنا كما أرادوا، وفجأة فهمنا لماذا أرادونا أن نبقى معهم. لقدكانوا محتاجين إلى جيل كامل لكي يجربوا فيه حقدهم. حقنونا كل مساءبالمهدئات في نشرات الأخبار لكي لا ننفجر في وجوههم مثل بالونات هواء،وشرعوا يكذبون علينا في الحكومة والبرلمان. تناوبوا علينا بأحزابهم مثلماتتناوب عصابة من المنحرفين على امرأة وحيدة تعود إلى البيت بعد يوم عملشاق. وعندما تعبوا منا رموا بنا إلى الشوارع وتركونا نقطع الطريق علىبعضنا البعض بالسيوف الطويلة وشفرات الحلاقة وقنينات الماء الحارق.
شخنا قبل الأوان بسبب الخوف الذي زرعوه في نفوسنا، ونخرت عظامنا الأمراضالمزمنة وطورنا في خلايانا جينة اليأس بسبب هذا «البيزوطاج» الطويل الذيلا يريدون له أن ينتهي.
رشيد نيني
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
خذ الكتاب بقوة
عندما قلنا بالأمس إن مشروع دعم القراءة في المغرب يجب أن يحظى بالأولوية،لم يكن ذلك من باب الترف الفكري أو الإعلامي، وإنما لوعينا التام بأن نهضةالمغرب وتقدمه الاقتصادي والسياسي يمران حتما عبر مكافحة آفة العزوف عنالقراءة.
لقد وصلت مستويات القراءة في المغرب حدودا مرعبة تنذر بكارثة معرفيةحقيقية. ورغم تراجع مستويات القراءة سنة بعد أخرى، فإن الدولة لا تتوفرعلى خطة واضحة لتشجيع القراءة في المدارس والأحياء عبر بث الروح فيالمكتبات العمومية. كل ما نراه هو تفرجها على احتضار المكتبات الخاصة التيكانت تعيش على عائدات الكتب المدرسية خلال الدخول المدرسي لكي تحافظ علىبقائها حية طيلة السنة. فقد أصبحت المدارس الخاصة تنافس المكتبات وتبيعالكتب المدرسية لآباء التلاميذ ضدا على مذكرة وزارية تمنع ذلك. وهكذا،أصبح أصحاب هذه المكتبات يتفرجون، عاجزين، على أرباب المدارس الخصوصية وهمينتزعون لقمة عيشهم من أفواههم لكي يضيفوها إلى لائحة عائداتهم وأرباحهمالتي يجمعونها عن طريق بيع الكتب المدرسية للتلاميذ بالسعر الذين يفرضونه.
والواقع أن تراجع نسبة القراءة في المغرب واحد من أخطر المواضيع التي لاأحد يتحدث عنها للأسف. فالشعب الذي لا يقرأ، شعب غير قادر على الحصول علىالمعلومة. وعندما يتم حرمان الشعب من المعلومة، فإنه يكون غير قادر علىتشكيل رأي عام وموقف. وبالتالي، يبقى في «دار غفلون»، تاركا للسياسيينالانتهازيين المجال فسيحا لكي يمارسوا انتهازيتهم وكذبهم واحتيالهم بدونخوف من المحاسبة. هناك طرق كثيرة لإبقاء الشعب في «دار غفلون»، أخطرها علىالإطلاق تشجيع العزوف عن القراءة والاهتمام بدعم الفرجة البصرية والثقافةالشفوية السطحية المشجعة للكسل الفكري والخمول الذهني.
لكنْ، هناك طرق أخرى لا تقل خطورة تحدث عنها الفيلسوف اللساني الأمريكي«ناعوم تشومسكي»، تكاد تطبقها الحكومة عندنا حرفيا لإبقاء الرأي العامبعيدا عن تدبيرها اليومي لشؤون المغاربة.
إحدى هذه الوسائل هي فن خلق المشاكل ثم اقتراح حلول لها فيما بعد. مثال بسيط:
اليوم يكاد الكل يجمع على وجود انفلات أمني في المدن المغربية. الناسيخرجون في مسيرات احتجاجية مطالبين مصالح الأمن بحماية ممتلكاتهم وملاحقةالمجرمين وتشديد العقوبات في حقهم. وليس خافيا على الدولة أن أحياء كثيرةفي المدن سقطت في قبضة المجرمين وقطاع الطرق وتجار المخدرات وأصحابالسوابق، إلى الحد الذي أصبح معه هؤلاء المنحرفون يختطفون التلميذاتالقاصرات في وضح النهار من الشوارع ويغتصبون النساء المتزوجات تحت التهديدبالسيوف في المنعطفات.
السؤال الذي يطرحه المغاربة اليوم أمام هذه الهجمة الشرسة للمجرمينوالمنحرفين على ممتلكاتهم وأبنائهم ونسائهم هو: ماذا تصنع الإدارة العامةللأمن الوطني لكي تضع خطة أمنية مستعجلة لكبح سعار هؤلاء المجرمين الذينيؤرقون المواطنين ويهددون أمنهم؟ أين هي فرق التدخل السريع التي يسمنونويدربون أفرادها في أكاديميات الشرطة، والتي يخرجونها فقط عندما يتطلبالأمر إخماد احتجاج شعبي؟
ألم يحن الوقت بعد لإخراج هذه الفرق المدربة وقوية البنية وتزويدهابالأسلحة الأوتوماتيكية الحديثة والكلاب البوليسية المدربة لكي تقومبجولات في الأحياء الساخنة للمدن التي تنام تحت رحمة السيوف والخناجر؟
إن المواطنين يتساءلون عن سبب غياب الدوريات الأمنية عن أحيائهم التي تسلطعليها المجرمون والمنحرفون من كل نوع، والاكتفاء بشرطي أو اثنين في مخافرقذرة تفتقر إلى أبسط شروط الأمن، ترفرف فوقها راية ممزقة.
أين هي «شرطة القرب» التي رغم تجاوزات بعض أفرادها، افتقد المواطنونحضورها في أحيائهم. فقد كانت سيارات ودراجات هذه الشرطة تصيب المجرمينبالذعر وتذكرهم بوجود شيء اسمه القانون في البلد. اليوم، نرى كيف يتعرضأفراد الشرطة أنفسهم للضرب وسرقة أغراضهم من طرف المجرمين والمنحرفين، دونأن تتدخل الإدارة العامة لصيانة هيبة الأمن.
إن الوضع الأمني المتردي في المملكة أصبح يتطلب ما هو أقوى وأشد من مجردتدخلات رجال أمن عاديين. إننا نتحدث عن تلك الفرق المدربة على مكافحةالشغب، والتي يسمنون أفرادها في الثكنات. لقد جاء الوقت لكي تخرجهمالإدارة العامة للأمن الوطني من الظل لكي يقوموا بإعادة الأمن إلى الشوارعوالأحياء التي وقعت تحت قبضة المجرمين والقتلة والمنحرفين.
فالناس أصبحوا محتاجين إلى الشعور بالأمن قبل أي شيء آخر. وتحقيق هذاالمطلب يمر بالضرورة عبر تجسيد الحضور الأمني ماديا في الأماكن العامة.يجب أن يعرف الناس أن وزارة الداخلية تفكر في أمنهم وتتجاوب مع مطالبهم.وتحقيق هذا المطلب يحتاج إلى تغيير جذري لصورة رجل الأمن في المغرب.
فالأمن، كما هو في الدول التي تحرص على حماية هيبة مؤسساتها الأمنية، ليسمرادفا لعناصر متهدلة البطون أو لهياكل عظمية تلبس الزي الأمني. رجل الأمنيجب أن تكون بنيته قوية ولباسه أنيقا ووقفته تفرض احترام القانون والخوفمن تجاوزه.
للأسف الشديد، ما نراه في شوارعنا من حضور أمني لا يدعو إلى شيء آخر غيرالسخرية والتندر. ولذلك، فلكي يسترد الأمن هيبته يجب، أولا، تغيير صورةرجل الأمن المنتشرة في الشارع العام. يجب أن يكون الحضور الأمني مرادفالاستعراض القوة بدون شطط. يعني أن يشعر المجرمون والمنحرفون بالخوف عندمايسمعون «حس» رجال الأمن وهم يقومون بجولاتهم التفقدية، لا أن يشعروابالتفوق عليهم ويجرؤوا على رفع سكاكينهم في وجوههم.
الآن سيقول قائل: لماذا لا تريد الإدارة العامة للأمن الوطني نشر وحداتأمنية مدربة في النقط السوداء للمدن المغربية والقيام بجولات ليلية فيالأحياء الساخنة، ما دامت تتوفر على الوسائل البشرية للقيام بذلك؟
الجواب نجده عند الفيلسوف «ناعوم تشومسكي» الذي يقول، في شرح أساليباستعمال الطبقات الشعبية من طرف المتحكمين في تدبير شؤونها اليومية، إنهذه الطريقة اسمها «مشكل، رد فعل، حل»، وهي تقوم، أولا، على خلق المشكلوحله فيما بعد استجابة لمطالب شعبية. ويعطي «تشومسكي» أمثلة على ذلك عندمايقول إن خلق البلبلة الأمنية داخل المجال الحضري يمكـّن الماسكين بتدبيرالشأن المحلي من الحصول، في نهاية المطاف، على مواطنين يطالبون بالأمن علىحساب التضحية بالخدمات العمومية الأخرى.
وما يحدث في فاس اليوم يدعم هذه النظرية. فعوض أن يخرج المواطنون للمطالبةبتحسين الخدمات العمومية التي يدفعون ضرائبها، نرى كيف يخرجون للمطالبةبحماية أرواحهم وممتلكاتهم من بطش المجرمين. وقد سمعنا كيف بدأ السياسيونفي فاس يتقاذفون في ما بينهم التهم باستعمال سلطة العصابات لفرض الرعبعلى أحياء فاس. وهكذا، فإن «الإرهاب النفسي» الذي يعيشه المواطنون في فاسليس مصدره انفلاتا أمنيا طبيعيا وإنما مصدره انفلات أمني مبرمج لشغل الناسبالخوف والرعب عن مطالبهم الحقيقية.
وعوض أن يطالبوا بالتحقيق في صفقات تفويت أراضي الدولة إلى المحظوظينوشركات المسؤولين المقربين من الوالي والعمدة والدائرين في فلكهم، نراهميطالبون بمجرد كف أذى المجرمين عنهم وعن أبنائهم.
إن هذه الطريقة الماكرة في استعمال الطبقات الشعبية للالتفاف على مطالبهاالحقيقية تخفي أسلوبا آخر في التعامل مع الرأي العام لا يقل خطورة عنسابقه. وهو التعامل مع الشعب كما لو طفلا قاصرا عبر الإعلاء من شأنالبلادة والجهل وتحويل البذاءة و«تاحيماريت» إلى مفخرة.
وتكفي مراجعة كل الإنتاجات الكوميدية والدرامية التي يحشو بها التلفزيونبرامجه خلال رمضان لكي نفهم أن الغاية الحقيقية من وراء صرف ملاييرالسنتيمات على هذه الإنتاجات هي تنمية الجهالة وتطوير البلادة والقصورالفكري لدى الطبقات الشعبية.
أما الأفلام السينمائية التي يمولها المركز السينمائي المغربي على عهد نورالدين الصايل، فأغلبها يشجع اللغة السوقية البذيئة المفتقرة إلى الجماليةالشعرية المفروضة في اللغة السينمائية العميقة. وكل ذلك تحت ذريعة تقديمأفلام تعكس الواقع المغربي بدون تزويق، في خلط فظيع بين الأفلامالسينمائية المبنية على الخيال والأفلام الوثائقية المبنية على الواقع.
عندما نقرأ نظرية «ناعوم تشومسكي» حول تشجيع الجمهور على «تاحيماريت» نفهمسر الدفاع المستميت لبعضهم عن حركات من قبيل «حمار وبيخير» التي تسعى إلىنشر ثقافة مسالمة تعيش على هامش المجتمع وغير قادرة على التفاعل معه. ومنبين هؤلاء الذين يدعمون مثل هذه الحركات مثقفون يا حسرة، مثل عبد اللطيفاللعبي الذي قضى حياته مدافعا عن المثقف العضوي، فانتهى مدافعا عن المثقفالحماري.
إن الحل الوحيد لاستعادة الرأي العام لسلطته كرأي، هو محاربة الجهل وأوجههالمتعددة في المجتمع. ولعل أبشع وجه لهذا الجهل هو تراجع القراءة. ولهذافالقراءة هي السلاح الوحيد الذي بفضله يستطيع الرأي العام مواجهة كل منيحاول استعمال جهله وعدم اطلاعه لكي يشغله بمشاكل جانبية عن مشاكلهالحقيقية.
خذ الكتاب بقوة. وبعدها ستفهم أن المعرفة هي القوة الحقيقية التي بدونها ستظل أبد الدهر أسير الجهل والتخلف والخوف.
رشيد نيني
المساء
لقد وصلت مستويات القراءة في المغرب حدودا مرعبة تنذر بكارثة معرفيةحقيقية. ورغم تراجع مستويات القراءة سنة بعد أخرى، فإن الدولة لا تتوفرعلى خطة واضحة لتشجيع القراءة في المدارس والأحياء عبر بث الروح فيالمكتبات العمومية. كل ما نراه هو تفرجها على احتضار المكتبات الخاصة التيكانت تعيش على عائدات الكتب المدرسية خلال الدخول المدرسي لكي تحافظ علىبقائها حية طيلة السنة. فقد أصبحت المدارس الخاصة تنافس المكتبات وتبيعالكتب المدرسية لآباء التلاميذ ضدا على مذكرة وزارية تمنع ذلك. وهكذا،أصبح أصحاب هذه المكتبات يتفرجون، عاجزين، على أرباب المدارس الخصوصية وهمينتزعون لقمة عيشهم من أفواههم لكي يضيفوها إلى لائحة عائداتهم وأرباحهمالتي يجمعونها عن طريق بيع الكتب المدرسية للتلاميذ بالسعر الذين يفرضونه.
والواقع أن تراجع نسبة القراءة في المغرب واحد من أخطر المواضيع التي لاأحد يتحدث عنها للأسف. فالشعب الذي لا يقرأ، شعب غير قادر على الحصول علىالمعلومة. وعندما يتم حرمان الشعب من المعلومة، فإنه يكون غير قادر علىتشكيل رأي عام وموقف. وبالتالي، يبقى في «دار غفلون»، تاركا للسياسيينالانتهازيين المجال فسيحا لكي يمارسوا انتهازيتهم وكذبهم واحتيالهم بدونخوف من المحاسبة. هناك طرق كثيرة لإبقاء الشعب في «دار غفلون»، أخطرها علىالإطلاق تشجيع العزوف عن القراءة والاهتمام بدعم الفرجة البصرية والثقافةالشفوية السطحية المشجعة للكسل الفكري والخمول الذهني.
لكنْ، هناك طرق أخرى لا تقل خطورة تحدث عنها الفيلسوف اللساني الأمريكي«ناعوم تشومسكي»، تكاد تطبقها الحكومة عندنا حرفيا لإبقاء الرأي العامبعيدا عن تدبيرها اليومي لشؤون المغاربة.
إحدى هذه الوسائل هي فن خلق المشاكل ثم اقتراح حلول لها فيما بعد. مثال بسيط:
اليوم يكاد الكل يجمع على وجود انفلات أمني في المدن المغربية. الناسيخرجون في مسيرات احتجاجية مطالبين مصالح الأمن بحماية ممتلكاتهم وملاحقةالمجرمين وتشديد العقوبات في حقهم. وليس خافيا على الدولة أن أحياء كثيرةفي المدن سقطت في قبضة المجرمين وقطاع الطرق وتجار المخدرات وأصحابالسوابق، إلى الحد الذي أصبح معه هؤلاء المنحرفون يختطفون التلميذاتالقاصرات في وضح النهار من الشوارع ويغتصبون النساء المتزوجات تحت التهديدبالسيوف في المنعطفات.
السؤال الذي يطرحه المغاربة اليوم أمام هذه الهجمة الشرسة للمجرمينوالمنحرفين على ممتلكاتهم وأبنائهم ونسائهم هو: ماذا تصنع الإدارة العامةللأمن الوطني لكي تضع خطة أمنية مستعجلة لكبح سعار هؤلاء المجرمين الذينيؤرقون المواطنين ويهددون أمنهم؟ أين هي فرق التدخل السريع التي يسمنونويدربون أفرادها في أكاديميات الشرطة، والتي يخرجونها فقط عندما يتطلبالأمر إخماد احتجاج شعبي؟
ألم يحن الوقت بعد لإخراج هذه الفرق المدربة وقوية البنية وتزويدهابالأسلحة الأوتوماتيكية الحديثة والكلاب البوليسية المدربة لكي تقومبجولات في الأحياء الساخنة للمدن التي تنام تحت رحمة السيوف والخناجر؟
إن المواطنين يتساءلون عن سبب غياب الدوريات الأمنية عن أحيائهم التي تسلطعليها المجرمون والمنحرفون من كل نوع، والاكتفاء بشرطي أو اثنين في مخافرقذرة تفتقر إلى أبسط شروط الأمن، ترفرف فوقها راية ممزقة.
أين هي «شرطة القرب» التي رغم تجاوزات بعض أفرادها، افتقد المواطنونحضورها في أحيائهم. فقد كانت سيارات ودراجات هذه الشرطة تصيب المجرمينبالذعر وتذكرهم بوجود شيء اسمه القانون في البلد. اليوم، نرى كيف يتعرضأفراد الشرطة أنفسهم للضرب وسرقة أغراضهم من طرف المجرمين والمنحرفين، دونأن تتدخل الإدارة العامة لصيانة هيبة الأمن.
إن الوضع الأمني المتردي في المملكة أصبح يتطلب ما هو أقوى وأشد من مجردتدخلات رجال أمن عاديين. إننا نتحدث عن تلك الفرق المدربة على مكافحةالشغب، والتي يسمنون أفرادها في الثكنات. لقد جاء الوقت لكي تخرجهمالإدارة العامة للأمن الوطني من الظل لكي يقوموا بإعادة الأمن إلى الشوارعوالأحياء التي وقعت تحت قبضة المجرمين والقتلة والمنحرفين.
فالناس أصبحوا محتاجين إلى الشعور بالأمن قبل أي شيء آخر. وتحقيق هذاالمطلب يمر بالضرورة عبر تجسيد الحضور الأمني ماديا في الأماكن العامة.يجب أن يعرف الناس أن وزارة الداخلية تفكر في أمنهم وتتجاوب مع مطالبهم.وتحقيق هذا المطلب يحتاج إلى تغيير جذري لصورة رجل الأمن في المغرب.
فالأمن، كما هو في الدول التي تحرص على حماية هيبة مؤسساتها الأمنية، ليسمرادفا لعناصر متهدلة البطون أو لهياكل عظمية تلبس الزي الأمني. رجل الأمنيجب أن تكون بنيته قوية ولباسه أنيقا ووقفته تفرض احترام القانون والخوفمن تجاوزه.
للأسف الشديد، ما نراه في شوارعنا من حضور أمني لا يدعو إلى شيء آخر غيرالسخرية والتندر. ولذلك، فلكي يسترد الأمن هيبته يجب، أولا، تغيير صورةرجل الأمن المنتشرة في الشارع العام. يجب أن يكون الحضور الأمني مرادفالاستعراض القوة بدون شطط. يعني أن يشعر المجرمون والمنحرفون بالخوف عندمايسمعون «حس» رجال الأمن وهم يقومون بجولاتهم التفقدية، لا أن يشعروابالتفوق عليهم ويجرؤوا على رفع سكاكينهم في وجوههم.
الآن سيقول قائل: لماذا لا تريد الإدارة العامة للأمن الوطني نشر وحداتأمنية مدربة في النقط السوداء للمدن المغربية والقيام بجولات ليلية فيالأحياء الساخنة، ما دامت تتوفر على الوسائل البشرية للقيام بذلك؟
الجواب نجده عند الفيلسوف «ناعوم تشومسكي» الذي يقول، في شرح أساليباستعمال الطبقات الشعبية من طرف المتحكمين في تدبير شؤونها اليومية، إنهذه الطريقة اسمها «مشكل، رد فعل، حل»، وهي تقوم، أولا، على خلق المشكلوحله فيما بعد استجابة لمطالب شعبية. ويعطي «تشومسكي» أمثلة على ذلك عندمايقول إن خلق البلبلة الأمنية داخل المجال الحضري يمكـّن الماسكين بتدبيرالشأن المحلي من الحصول، في نهاية المطاف، على مواطنين يطالبون بالأمن علىحساب التضحية بالخدمات العمومية الأخرى.
وما يحدث في فاس اليوم يدعم هذه النظرية. فعوض أن يخرج المواطنون للمطالبةبتحسين الخدمات العمومية التي يدفعون ضرائبها، نرى كيف يخرجون للمطالبةبحماية أرواحهم وممتلكاتهم من بطش المجرمين. وقد سمعنا كيف بدأ السياسيونفي فاس يتقاذفون في ما بينهم التهم باستعمال سلطة العصابات لفرض الرعبعلى أحياء فاس. وهكذا، فإن «الإرهاب النفسي» الذي يعيشه المواطنون في فاسليس مصدره انفلاتا أمنيا طبيعيا وإنما مصدره انفلات أمني مبرمج لشغل الناسبالخوف والرعب عن مطالبهم الحقيقية.
وعوض أن يطالبوا بالتحقيق في صفقات تفويت أراضي الدولة إلى المحظوظينوشركات المسؤولين المقربين من الوالي والعمدة والدائرين في فلكهم، نراهميطالبون بمجرد كف أذى المجرمين عنهم وعن أبنائهم.
إن هذه الطريقة الماكرة في استعمال الطبقات الشعبية للالتفاف على مطالبهاالحقيقية تخفي أسلوبا آخر في التعامل مع الرأي العام لا يقل خطورة عنسابقه. وهو التعامل مع الشعب كما لو طفلا قاصرا عبر الإعلاء من شأنالبلادة والجهل وتحويل البذاءة و«تاحيماريت» إلى مفخرة.
وتكفي مراجعة كل الإنتاجات الكوميدية والدرامية التي يحشو بها التلفزيونبرامجه خلال رمضان لكي نفهم أن الغاية الحقيقية من وراء صرف ملاييرالسنتيمات على هذه الإنتاجات هي تنمية الجهالة وتطوير البلادة والقصورالفكري لدى الطبقات الشعبية.
أما الأفلام السينمائية التي يمولها المركز السينمائي المغربي على عهد نورالدين الصايل، فأغلبها يشجع اللغة السوقية البذيئة المفتقرة إلى الجماليةالشعرية المفروضة في اللغة السينمائية العميقة. وكل ذلك تحت ذريعة تقديمأفلام تعكس الواقع المغربي بدون تزويق، في خلط فظيع بين الأفلامالسينمائية المبنية على الخيال والأفلام الوثائقية المبنية على الواقع.
عندما نقرأ نظرية «ناعوم تشومسكي» حول تشجيع الجمهور على «تاحيماريت» نفهمسر الدفاع المستميت لبعضهم عن حركات من قبيل «حمار وبيخير» التي تسعى إلىنشر ثقافة مسالمة تعيش على هامش المجتمع وغير قادرة على التفاعل معه. ومنبين هؤلاء الذين يدعمون مثل هذه الحركات مثقفون يا حسرة، مثل عبد اللطيفاللعبي الذي قضى حياته مدافعا عن المثقف العضوي، فانتهى مدافعا عن المثقفالحماري.
إن الحل الوحيد لاستعادة الرأي العام لسلطته كرأي، هو محاربة الجهل وأوجههالمتعددة في المجتمع. ولعل أبشع وجه لهذا الجهل هو تراجع القراءة. ولهذافالقراءة هي السلاح الوحيد الذي بفضله يستطيع الرأي العام مواجهة كل منيحاول استعمال جهله وعدم اطلاعه لكي يشغله بمشاكل جانبية عن مشاكلهالحقيقية.
خذ الكتاب بقوة. وبعدها ستفهم أن المعرفة هي القوة الحقيقية التي بدونها ستظل أبد الدهر أسير الجهل والتخلف والخوف.
رشيد نيني
المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الجريمة والعقاب
لا أعرف إن كانت وسائل الإعلام الإسبانية ستكون لديها الجرأة على نشرالشريط المروع الذي وزعته وزارة الداخلية، مساء الاثنين، خلال الندوةالصحافية المشتركة التي نظمها وزيرا الداخلية والخارجية ودعوَا إليها جميعالصحافيين المغاربة والصحافيين الأجانب المعتمدين في الرباط.
14 دقيقة تفضح بالصور كل الجرائم المروعة والبشعة التي ارتكبتها ميليشياتالانفصاليين الموالين للبوليساريو في مخيم «أكديم إزيك» ومدينة العيون.
إن هذا الشريط -الذي سجلته كاميرات مصالح الداخلية والجيش بالطائرة،واعتمدت في تركيبه على صور التقطتها كاميرات الهواتف النقالة، والذيتجدونه في الموقع الإلكتروني لـ«المساء»- أصدق أنباء من كل المقالاتالملفقة والصور المزورة التي ظلت تنشرها الصحافة الإسبانية طيلة هذهالأيام.
إن أول ما يشعر به المرء وهو يتابع هذا الشريط المروع هو الانقباض والغثيان والتقزز.
كيف يستطيع الإنسان أن يتحمل رؤية أشخاص يوقفون رجل إطفاء يسوق سيارةإسعاف وينزلونه من السيارة ويضربونه بالقضبان الحديدية حتى الموت.
كيف يستطيع المرء أن يتحمل مشهد جمع أفراد من القوات المساعدة داخل المخيمورجمهم بالحجارة وركلهم بالأرجل وطعنهم بالخناجر والسيوف حتى الموت.
كيف يستطيع المرء تحمل رؤية شخص يفتح سرواله ويتبول على جثتي فردين منأفراد القوات المساعدة، قبل أن يدير وجهه ويركض منتشيا نحو زملائه؟
كيف يستطيع المرء أن يتحمل المشهد الوحشي والمريع لعملية ذبح أحد أفرادالقوات المساعدة من الوريد إلى الوريد وسط شوارع العيون، وتركه يتخبط فيدمائه أمام أنظار قاتليه؟
إن الجثث والجرائم التي ظلت تبحث الصحافة الإسبانية عن صورها دون أن تعثرعليها توجد في هذا الشريط، لكنها، لسوء حظ الصحافة الإسبانية، لم تكن جثثالمدنيين التي ظلوا يكذبون بها على قرائهم، وإنما جثث قوات الأمن المغربي.
فهل ستكون لهؤلاء الصحافيين الإسبانيين الجرأة على الاعتراف أمام قرائهمبأنهم كانوا مخطئين عندما اعتبروا هؤلاء المجرمين، الذين يذبحون الجثثويتبولون عليها، أبطالا يدافعون عن الكرامة؟
هل سيعتذرون عن إلصاقهم تهمة قتل المدنيين الصحراويين بالأمن المغربي، فيالوقت الذي يرون فيه بالصورة الواضحة كيف أن رجال الأمن تم ذبحهم بدماءباردة والتمثيل بجثثهم بأبشع الطرق وأحطها. مع أن الأمن المغربي كانت لديهالإمكانية لسحق هؤلاء المجرمين وإردائهم بالرصاص الحي، بسبب بشاعة الجرائمالتي ارتكبوها؟
كيف سيبررون أمام قرائهم لمعان السيوف والخناجر في أيدي هؤلاء القتلةالذين قدموهم إلى قرائهم كفرسان للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟
كيف سيقنعون قراءهم بشرعية ذبح رجال القوات المساعدة كما تذبح الخرفان؟كيف سيجرؤون على الدفاع عن هؤلاء السفاحين الذين لا يحترمون حتى جثثقتلاهم؟
إن كل من سيبرر أو يتستر على هؤلاء المجرمين بعد رؤية الشريط، يعتبر واحدامنهم، سواء كان صحافيا أو شيئا آخر، لأن هذه الدقائق الأربع عشرة المليئةبالصور، التي تعكس وحشية الجرائم التي اقترفها الانفصاليون، هي صك اتهامواضح يضع المجرمين وحماتهم من الصحافيين الإسبان الذين زوروا الحقيقة فيقفص الاتهام أمام أنظار الرأي الدولي.
الآن، عندما أرى كيف نفذ هؤلاء الانفصاليون جرائمهم الوحشية أفهمُ، بشكلأفضل، شهادات الأسرى المغاربة الذين كانوا في سجون البوليساريو. أفهم أكثرمعاناتهم الإنسانية الاستثنائية، وأصدق أكثر ما كانوا يحكونه عن وحشيةالتعذيب الذي كانوا يتعرضون له على أيدي الانفصاليين: شق اللحم الحي ودسالملح فيه، غرس الأسرى في الرمال ووضع براميل فوق رؤوسهم إلى أن يموتوااختناقا، ربط الأسرى وجرهم بالسيارات داخل المخيمات إلى أن تقطع أجسادهمإلى أطراف صغيرة..
إن هذا الشريط يفضح «التربية» الحيوانية التي تربِّي عليها جبهةالبوليساريو أبناءَها، ويشرح، لكل من لازال في حاجة إلى شرح، أية كرامةيدافع عنها هؤلاء المجرمون.
لقد كان أفراد الأمن المغربي يعتقدون أنهم في مواجهة عصابة من المنحرفينالخارجين عن القانون، فإذا بهم يكتشفون أنهم في مواجهة أفراد ميليشيامدربين على الذبح على الطريقة الزرقاوية في أدغال كوبا، ولديهم احتياطيمرعب من الكراهية والغل تجاه كل ما هو مغربي.
إنني، كمغربي، أطالب وسائل الإعلام الإسبانية بوضع هذا الشريط على مواقعهاالإلكترونية، كما صنعت مع كل الصور المفبركة والأشرطة المزورة التي توصلتبها حول أحداث العيون من وكالة أنبائها الرسمية التي ضللتها طيلة الوقتبصور أطفال غزة التي تعود إلى أربع سنوات.
هل ستكون لوسائل الإعلام الإسبانية «المستقلة» الجرأة، هذه المرة، على«ارتكاب» المهنية ولو لمرة واحدة في حياتها عندما يتعلق الأمر بالوحدةالترابية للمغرب؟
إننا نعرف مسبقا أن هذا الشريط لن يجد الآذان الصاغية داخل هيئات تحريرالقنوات والصحف والمجلات الإسبانية، والتي سترفق تعاليقها حوله بكونه يعكسالرؤية الرسمية لما حدث، ببساطة لأن هذا الشريط يفضح شيئا واحدا وخطيراحدث في العيون، وهو أن الجثث والقتلى الوحيدين الذين سقطوا في العيونكانوا بين رجال الأمن المغاربة.
عملية ذبحهم وقتلهم بالقضبان والسكاكين والحجارة، قبل التبول على جثثهم، كلها موثقة بالصورة.
إن هذه الصور البشعة تفضح، بشكل قاطع، أن ما حدث في العيون عمل إجراميووحشي لا أحد يستطيع تبريره، إلا إذا كان يريد تبرير الإرهاب والمتورطينفيه.
وعلى عبد العزيز المراكشي، الذي ذهب يتباكى أمام مجلس الأمن لتكوين لجنةتحقيق حول ما حدث في العيون، أن يخجل من نفسه وهو يشاهد في الشريط كيفتصرف رفاقه «المسالمين» الذين «يقاتلون» من أجل «الكرامة» ذبحا بالسيوفوالخناجر ويتبولون على جثث ضحاياهم مثل ما تصنع الضباع.
حاشا لله أن يكون هؤلاء السفاحون صحراويين. فالأنفة والروح الإسلامية وعزةالنفس التي عرفت عن الصحراويين تنزههم عن تلطيخ أياديهم بدماء إخوانهم.هؤلاء ليسوا سوى «ملاقطية» ومرتزقة رمال الصحراء، وسكانها بريئون منهم ومنجرائمهم.
الآن، وبعد الانتهاء من مشاهدة هذا الشريط المرعب، ما هو أول سؤال يتبادر إلى الذهن؟
إنه، ببساطة: «لماذا لم تستعمل قوات الأمن الرصاص لكي تدافع عن أفرادها الذين وقعوا بين أيدي هؤلاء القتلة؟
إن أول رد فعل كان يجب أن تقوم به قوات الأمن التي كانت تتابع الأحداث منالمروحيات، عندما كشف المجرمون عن نواياهم الحقيقية وأشهروا سيوفهموخناجرهم وقنيناتهم الحارقة وشرعوا يذبحون أفراد قوات الأمن، هو اللجوءإلى استعمال الرصاص ضدهم.
وحتى لو سقط قتلى بين هؤلاء المجرمين فإن قتلهم كان سيكون مبررا، لأن قواتالأمن كانت ستكون في موقف الدفاع عن حياة أفرادها وهيبة الدولة التي مرغهاهؤلاء الأوغاد في التراب.
إن الشريط، الذي صوره أفراد قوات الأمن من المروحيات، كاف لكي يعطي الدولةالمغربية الحق في استعمال السلاح للدفاع عن حياة أفرادها غير المسلحينالذين سقطوا فريسة سهلة بين أيدي عصابة مدربة على القتل بدم بارد.
لقد كان على أجهزة الأمن أن تفكر مرتين قبل أن ترسل قواتها إلى ساحةالمعركة بدون أسلحة للدفاع الذاتي، وبدون خطة مدروسة لتفكيك المخيم وإعادةالهدوء إلى العيون بدون وقوع قتلى وجرحى بكل هذا العدد الكبير.
إن عدد القتلى والجرحى في صفوف قوات الأمن يعطينا صورة واضحة عن الأخطاءالأمنية التي رافقت عملية تفكيك المخيم. وهذه الأخطاء يتحمل وزرهاالجنرالات الذين قادوا العملية دون أن يضعوا في اعتبارهم السلامة الجسديةلرجالهم.
عندما نرى الشجاعة التي تحلى بها سائق سيارة الإسعاف وسائق سيارة الإطفاءاللذين تم توقيفهما وإخراجهما وقتلهما بالعصي والسيوف والخناجر، نتساءل هلكان صعبا على هذين السائقين أن يخترقا الجموع بسيارتيهما ويدهسا كل منيعترض سبيلهما دفاعا عن النفس.
الجواب أن السائقين كانا يستطيعان ذلك، لكنهما فضلا أن يوقفا سيارتيهماويقعا في «أسر» هؤلاء المجرمين على استعمال العنف ودهسهم مثل الحشرات فوقالطريق.
والنتيجة هي أنهما دفعا حياتيهما ثمنا لهذا الاختيار.
نعم إنهما، رفقة الآخرين، سقطوا شهداء للواجب، لكنهما أيضا، رفقة الآخرين،ضحايا خطة أمنية فاشلة أعطت الأفضلية لحياة المجرمين، فيما وضعت حياةرجالها في المرتبة الثانية.
إن العنف يكون مبررا في حالة الدفاع عن النفس، وفي حالة الدفاع عن الوطن.وهؤلاء المجرمون، الذين ذبحوا رجال الأمن وتبولوا على جثثهم، كانوايستحقون القتل رميا بالرصاص. وعدم التدخل من أجل حمايتهم لديه اسم فيالقانون، إنه عدم تقديم المساعدة إلى شخص في خطر، وخصوصا إذا كان الأمريتعلق بخطر الموت.
الآن وقد أصبح هذا الأمر مستحيلا، فليس هناك بد من البحث عنهم واحدا واحداوتقديمهم إلى المحاكمة العادلة لكي ينالوا الجزاء الوحيد الذي يليق بماارتكبوه من جرائم وحشية: الإعدام لكل من يثبت أنه لطخ يديه بدماء هؤلاءالشهداء.
رشيد نيني
المساء
14 دقيقة تفضح بالصور كل الجرائم المروعة والبشعة التي ارتكبتها ميليشياتالانفصاليين الموالين للبوليساريو في مخيم «أكديم إزيك» ومدينة العيون.
إن هذا الشريط -الذي سجلته كاميرات مصالح الداخلية والجيش بالطائرة،واعتمدت في تركيبه على صور التقطتها كاميرات الهواتف النقالة، والذيتجدونه في الموقع الإلكتروني لـ«المساء»- أصدق أنباء من كل المقالاتالملفقة والصور المزورة التي ظلت تنشرها الصحافة الإسبانية طيلة هذهالأيام.
إن أول ما يشعر به المرء وهو يتابع هذا الشريط المروع هو الانقباض والغثيان والتقزز.
كيف يستطيع الإنسان أن يتحمل رؤية أشخاص يوقفون رجل إطفاء يسوق سيارةإسعاف وينزلونه من السيارة ويضربونه بالقضبان الحديدية حتى الموت.
كيف يستطيع المرء أن يتحمل مشهد جمع أفراد من القوات المساعدة داخل المخيمورجمهم بالحجارة وركلهم بالأرجل وطعنهم بالخناجر والسيوف حتى الموت.
كيف يستطيع المرء تحمل رؤية شخص يفتح سرواله ويتبول على جثتي فردين منأفراد القوات المساعدة، قبل أن يدير وجهه ويركض منتشيا نحو زملائه؟
كيف يستطيع المرء أن يتحمل المشهد الوحشي والمريع لعملية ذبح أحد أفرادالقوات المساعدة من الوريد إلى الوريد وسط شوارع العيون، وتركه يتخبط فيدمائه أمام أنظار قاتليه؟
إن الجثث والجرائم التي ظلت تبحث الصحافة الإسبانية عن صورها دون أن تعثرعليها توجد في هذا الشريط، لكنها، لسوء حظ الصحافة الإسبانية، لم تكن جثثالمدنيين التي ظلوا يكذبون بها على قرائهم، وإنما جثث قوات الأمن المغربي.
فهل ستكون لهؤلاء الصحافيين الإسبانيين الجرأة على الاعتراف أمام قرائهمبأنهم كانوا مخطئين عندما اعتبروا هؤلاء المجرمين، الذين يذبحون الجثثويتبولون عليها، أبطالا يدافعون عن الكرامة؟
هل سيعتذرون عن إلصاقهم تهمة قتل المدنيين الصحراويين بالأمن المغربي، فيالوقت الذي يرون فيه بالصورة الواضحة كيف أن رجال الأمن تم ذبحهم بدماءباردة والتمثيل بجثثهم بأبشع الطرق وأحطها. مع أن الأمن المغربي كانت لديهالإمكانية لسحق هؤلاء المجرمين وإردائهم بالرصاص الحي، بسبب بشاعة الجرائمالتي ارتكبوها؟
كيف سيبررون أمام قرائهم لمعان السيوف والخناجر في أيدي هؤلاء القتلةالذين قدموهم إلى قرائهم كفرسان للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟
كيف سيقنعون قراءهم بشرعية ذبح رجال القوات المساعدة كما تذبح الخرفان؟كيف سيجرؤون على الدفاع عن هؤلاء السفاحين الذين لا يحترمون حتى جثثقتلاهم؟
إن كل من سيبرر أو يتستر على هؤلاء المجرمين بعد رؤية الشريط، يعتبر واحدامنهم، سواء كان صحافيا أو شيئا آخر، لأن هذه الدقائق الأربع عشرة المليئةبالصور، التي تعكس وحشية الجرائم التي اقترفها الانفصاليون، هي صك اتهامواضح يضع المجرمين وحماتهم من الصحافيين الإسبان الذين زوروا الحقيقة فيقفص الاتهام أمام أنظار الرأي الدولي.
الآن، عندما أرى كيف نفذ هؤلاء الانفصاليون جرائمهم الوحشية أفهمُ، بشكلأفضل، شهادات الأسرى المغاربة الذين كانوا في سجون البوليساريو. أفهم أكثرمعاناتهم الإنسانية الاستثنائية، وأصدق أكثر ما كانوا يحكونه عن وحشيةالتعذيب الذي كانوا يتعرضون له على أيدي الانفصاليين: شق اللحم الحي ودسالملح فيه، غرس الأسرى في الرمال ووضع براميل فوق رؤوسهم إلى أن يموتوااختناقا، ربط الأسرى وجرهم بالسيارات داخل المخيمات إلى أن تقطع أجسادهمإلى أطراف صغيرة..
إن هذا الشريط يفضح «التربية» الحيوانية التي تربِّي عليها جبهةالبوليساريو أبناءَها، ويشرح، لكل من لازال في حاجة إلى شرح، أية كرامةيدافع عنها هؤلاء المجرمون.
لقد كان أفراد الأمن المغربي يعتقدون أنهم في مواجهة عصابة من المنحرفينالخارجين عن القانون، فإذا بهم يكتشفون أنهم في مواجهة أفراد ميليشيامدربين على الذبح على الطريقة الزرقاوية في أدغال كوبا، ولديهم احتياطيمرعب من الكراهية والغل تجاه كل ما هو مغربي.
إنني، كمغربي، أطالب وسائل الإعلام الإسبانية بوضع هذا الشريط على مواقعهاالإلكترونية، كما صنعت مع كل الصور المفبركة والأشرطة المزورة التي توصلتبها حول أحداث العيون من وكالة أنبائها الرسمية التي ضللتها طيلة الوقتبصور أطفال غزة التي تعود إلى أربع سنوات.
هل ستكون لوسائل الإعلام الإسبانية «المستقلة» الجرأة، هذه المرة، على«ارتكاب» المهنية ولو لمرة واحدة في حياتها عندما يتعلق الأمر بالوحدةالترابية للمغرب؟
إننا نعرف مسبقا أن هذا الشريط لن يجد الآذان الصاغية داخل هيئات تحريرالقنوات والصحف والمجلات الإسبانية، والتي سترفق تعاليقها حوله بكونه يعكسالرؤية الرسمية لما حدث، ببساطة لأن هذا الشريط يفضح شيئا واحدا وخطيراحدث في العيون، وهو أن الجثث والقتلى الوحيدين الذين سقطوا في العيونكانوا بين رجال الأمن المغاربة.
عملية ذبحهم وقتلهم بالقضبان والسكاكين والحجارة، قبل التبول على جثثهم، كلها موثقة بالصورة.
إن هذه الصور البشعة تفضح، بشكل قاطع، أن ما حدث في العيون عمل إجراميووحشي لا أحد يستطيع تبريره، إلا إذا كان يريد تبرير الإرهاب والمتورطينفيه.
وعلى عبد العزيز المراكشي، الذي ذهب يتباكى أمام مجلس الأمن لتكوين لجنةتحقيق حول ما حدث في العيون، أن يخجل من نفسه وهو يشاهد في الشريط كيفتصرف رفاقه «المسالمين» الذين «يقاتلون» من أجل «الكرامة» ذبحا بالسيوفوالخناجر ويتبولون على جثث ضحاياهم مثل ما تصنع الضباع.
حاشا لله أن يكون هؤلاء السفاحون صحراويين. فالأنفة والروح الإسلامية وعزةالنفس التي عرفت عن الصحراويين تنزههم عن تلطيخ أياديهم بدماء إخوانهم.هؤلاء ليسوا سوى «ملاقطية» ومرتزقة رمال الصحراء، وسكانها بريئون منهم ومنجرائمهم.
الآن، وبعد الانتهاء من مشاهدة هذا الشريط المرعب، ما هو أول سؤال يتبادر إلى الذهن؟
إنه، ببساطة: «لماذا لم تستعمل قوات الأمن الرصاص لكي تدافع عن أفرادها الذين وقعوا بين أيدي هؤلاء القتلة؟
إن أول رد فعل كان يجب أن تقوم به قوات الأمن التي كانت تتابع الأحداث منالمروحيات، عندما كشف المجرمون عن نواياهم الحقيقية وأشهروا سيوفهموخناجرهم وقنيناتهم الحارقة وشرعوا يذبحون أفراد قوات الأمن، هو اللجوءإلى استعمال الرصاص ضدهم.
وحتى لو سقط قتلى بين هؤلاء المجرمين فإن قتلهم كان سيكون مبررا، لأن قواتالأمن كانت ستكون في موقف الدفاع عن حياة أفرادها وهيبة الدولة التي مرغهاهؤلاء الأوغاد في التراب.
إن الشريط، الذي صوره أفراد قوات الأمن من المروحيات، كاف لكي يعطي الدولةالمغربية الحق في استعمال السلاح للدفاع عن حياة أفرادها غير المسلحينالذين سقطوا فريسة سهلة بين أيدي عصابة مدربة على القتل بدم بارد.
لقد كان على أجهزة الأمن أن تفكر مرتين قبل أن ترسل قواتها إلى ساحةالمعركة بدون أسلحة للدفاع الذاتي، وبدون خطة مدروسة لتفكيك المخيم وإعادةالهدوء إلى العيون بدون وقوع قتلى وجرحى بكل هذا العدد الكبير.
إن عدد القتلى والجرحى في صفوف قوات الأمن يعطينا صورة واضحة عن الأخطاءالأمنية التي رافقت عملية تفكيك المخيم. وهذه الأخطاء يتحمل وزرهاالجنرالات الذين قادوا العملية دون أن يضعوا في اعتبارهم السلامة الجسديةلرجالهم.
عندما نرى الشجاعة التي تحلى بها سائق سيارة الإسعاف وسائق سيارة الإطفاءاللذين تم توقيفهما وإخراجهما وقتلهما بالعصي والسيوف والخناجر، نتساءل هلكان صعبا على هذين السائقين أن يخترقا الجموع بسيارتيهما ويدهسا كل منيعترض سبيلهما دفاعا عن النفس.
الجواب أن السائقين كانا يستطيعان ذلك، لكنهما فضلا أن يوقفا سيارتيهماويقعا في «أسر» هؤلاء المجرمين على استعمال العنف ودهسهم مثل الحشرات فوقالطريق.
والنتيجة هي أنهما دفعا حياتيهما ثمنا لهذا الاختيار.
نعم إنهما، رفقة الآخرين، سقطوا شهداء للواجب، لكنهما أيضا، رفقة الآخرين،ضحايا خطة أمنية فاشلة أعطت الأفضلية لحياة المجرمين، فيما وضعت حياةرجالها في المرتبة الثانية.
إن العنف يكون مبررا في حالة الدفاع عن النفس، وفي حالة الدفاع عن الوطن.وهؤلاء المجرمون، الذين ذبحوا رجال الأمن وتبولوا على جثثهم، كانوايستحقون القتل رميا بالرصاص. وعدم التدخل من أجل حمايتهم لديه اسم فيالقانون، إنه عدم تقديم المساعدة إلى شخص في خطر، وخصوصا إذا كان الأمريتعلق بخطر الموت.
الآن وقد أصبح هذا الأمر مستحيلا، فليس هناك بد من البحث عنهم واحدا واحداوتقديمهم إلى المحاكمة العادلة لكي ينالوا الجزاء الوحيد الذي يليق بماارتكبوه من جرائم وحشية: الإعدام لكل من يثبت أنه لطخ يديه بدماء هؤلاءالشهداء.
رشيد نيني
المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الحساب صابون
الآن، بعد أن نجح المغرب في إقناع مجلس الأمن والاتحاد الأوربي بحقيقة ماحدث في العيون، واستطاع إجبار وكالة الأنباء الإسبانية على الاعتذار بسببالصور الملفقة التي وزعتها على وسائل الإعلام، ونشرت يومية «إلباييس»مقالا تعترف فيه بأن منظمة «هيومن ووتش رايتس» أكدت الرواية المغربية حولعدد القتلى الذين سقطوا بين رجال الأمن..
الآن، بعد أن هدأت العاصفة ووضعت الحرب الإعلامية أوزارها ولم تستطع الصحفالإسبانية تقديم اسم قتيل واحد من القتلى الخمسة والثلاثين الذين تقولجبهة البوليساريو إنهم يوجدون في مشرحة الأموات في مستشفى العيون..
الآن، بعدما لم نسمع أية عائلة صحراوية تطالب في العيون بجثة قريب لها،واتضح أن كل ما روجته البوليساريو وأعادت نشره الصحافة الإسبانية لم يكنسوى محاولة لذر الرماد في عيون الرأي العام الدولي..
يمكن أن نقول إن المغرب خرج منتصرا من هذه المعركة. لكن السؤال الكبيرالذي ينتظر الإجابةَ عنه ليس هو من ربح المعركة وإنما من سيربح الحرب.والحرب في الصحراء كانت دائما حربا إعلامية جعل فيها العدو رؤوس الأموالفي خدمة رؤوس الأقلام، ولذلك تفوق دائما في الظهور بمظهر الضحية فيالمحافل الدولية. لكن ما وقع في العيون من تذبيح وتقتيل وتدمير حطم تلكالصورة الوديعة التي ظل البوليساريو يرسمها حول نفسه طيلة عقود، واتضحللعالم بأسره أن ميليشيات البوليساريو تجيد الذبح بقدر ما تجيد ذرف دموعالتماسيح.
لكن، بما أنه من السهل أن يتحدث الإنسان عن أسباب تحقيق النصر في معركة،فإنه، ولكي نربح الحرب، علينا أن نتحلى بالجرأة الضرورية لكي نعترفبالأخطاء التي تم ارتكابها في «واقعة» العيون.
ولعل أكبر خطأ أمني وقع هو سقوط أحد عشر شهيدا من أفراد الأمن في يومواحد. لقد شكل هذا الرقم المهول ضربة موجعة لهيبة المؤسسات الأمنية، وأعطىصورة خاطئة عن نجاعتها وقوتها. فما الذي حدث حتى تساقط كل رجال الأمنهؤلاء دفعة واحدة بين أيدي سفاحين مدربين على أعمال القتل والتخريب.
إن السؤال المحير الذي يطرحه كثيرون هو لماذا قرر الجنرال حسني بنسليمان،قائد الدرك، والجنرال العنيكري، قائد القوات المساعدة بمنطقة الجنوب،إرسال فرق إلى العيون لازال أفرادها لم يكملوا فترة تدريبهم بعد؟
أين هي تلك الفرق الخاصة المدربة على تفريق التجمعات والتي يُخرجونأفرادها خلال الاحتفالات بتخرج الضباط لكي يقدموا عروضهم الباهرة أمامالجنرالات؟ لماذا لم يأتوا بهم لفك مخيم العيون عوض الاقتصار على تلاميذلازالوا لم يتخرجوا بعد؟
إن تفكيك مخيم على هذا القدر من التنظيم والدقة، يقطنه الآلاف من الأفرادالمدربين والذين يشكل «العائدون» النسبة الغالبة فيهم، كان يفترض الاعتمادعلى فرق خاصة ومدربة على التدخل السريع والفعال.
لكن الذي وقع هو أن الجنرال العنيكري والجنرال بنسليمان ألقيا بتلاميذ فيسنتهم الثانية داخل فم الوحش، بدون أن يكونوا مزودين بأسلحة أخرى للدفاعالذاتي غير عصي بلاستيكية لا تنفع أمام الحجارة والسيوف والخناجروالقنينات الغازية التي استعملها خصومهم.
والنتيجة هي أن أحد عشر فردا من قوات الأمن استشهدوا، بينما أصيب العشراتمنهم إصابات بليغة بالأسلحة البيضاء والقنينات الحارقة والحجارة.
لقد كانت الأوامر التي صدرت لهؤلاء الرجال الذين شاركوا في تفكيك مخيمالعيون هي تجنب إسقاط قتلى بين المدنيين. لكن إلى أي حد كان هؤلاءالسفاحون، الذين ذبحوا قوات الأمن، مدنيين؟ إن استعادة لمشاهد الشريط الذيسجلته مصالح الأمن تعطينا فكرة واضحة عن كون هؤلاء القتلة مدربين بشكلميداني على حرب العصابات، وأغلبهم تم تدريبه في أدغال كوبا انسجاما معبرنامج البعثات الذي تقوم به البوليساريو مع نظام فيديل كاسترو منذالسبعينيات إلى اليوم. النظام الديكتاتوري والدموي الذي يدافع عن شرعيتهالممثل «خابيير بارديم» وكل «النجوم» الإسبان «التقدميين» الذين يساندونالبوليساريو ويصفون المغرب بالديكتاتورية والاستبداد.
يعني أن المغرب، الذي توجد فيه انتخابات وأحزاب وجرائد ومحطات إذاعيةوقنوات تلفزيونية، ديكتاتوري حسب هؤلاء الإسبان، أما كوبا، التي لا يوجدفيها شيء اسمه الانتخابات ويوجد فيها الحزب الوحيد والجريدة الواحدةوالمحطة الإذاعية الواحدة والرئيس الواحد الذي أقسم على البقاء في السلطةإلى أن يموت، هي نموذج للدولة الديمقراطية.
إذا كانت هذه هي الديمقراطية التي يتمناها «خابيير بارديم» وزملاؤه للمغرب فـ«بالناقص منها ديمقراطية».
إن أفراد هذه الميليشيات المدربة في أدغال كوبا، والذين عادوا ملثمينواندسوا بين صفوف مئات «العائدين» الذين استقبلهم المغرب بالأحضان، همالذين بادروا إلى نصب الخيام الأولى في المخيم، وهم الذين بادروا إلىالاصطدام بقوات الأمن بعدما رفضوا فك المخيم وقرروا إضرام نيران المواجهةلكي ينتهي المخيم بمجزرة في صفوف المدنيين. هذه كانت خطتهم التي اتفقواعلى تفاصيلها قبل تنفيذ مخطط التسلل مع قوافل «العائدين»، الذين، وياللعجب، تركتهم قوات البوليساريو يغادرون تندوف نحو المغرب بكل تلكالسهولة، مع أنها تعودت على قتل كل من يضع رجليه خارج سياج المخيم رميابالرصاص.
الخطأ الجسيم الذي وقع هو أن من أعطوا الأوامر باقتلاع المخيم حشدوا جميعقواتهم لهذه المهمة في أطراف العيون، وتركوا المدينة وسكانها ومؤسساتهاالعمومية بدون حماية أمنية.
ولكم أن تتخيلوا أي خطأ قاتل هو أن تترك السلطات الأمنية قناة تلفزيونيةكقناة العيون، لديها إمكانيات البث المباشر، بدون حراس مدججين بالسلاح.
فقد كان من الممكن عوض إحراق القناة، كما حدث، أن يسطو الانفصاليون علىأجهزة البث المباشر ويخاطبوا المشاهدين عبر القناة ويروجوا إشاعة إحكامسيطرتهم على العيون، داعين خلاياهم النائمة في كل الأقاليم الصحراوية إلىإعلان العصيان. ألم يحدث الشيء نفسه في السبعينيات عندما استطاعالانقلابيون العسكريون احتلال مقر الإذاعة والتلفزيون بالرباط وأجبرواالملحن عبد السلام عامر على قراءة بيانهم العسكري الذي أعلنوا فيه سقوطالملكية، بعدما رفض عبد الحليم حافظ القيام بذلك.
لذلك، ففي كل بلدان العالم، هناك حراسة مشددة على وسائل البث المباشر،لأنه في حالة سقوطها بين أيدي الانقلابيين أو الفوضويين تتحول إلى وسيلةلإثارة الفتنة وإشعال فتيل الحرب الأهلية.
إن المحاكم ومقرات الإدارات الحكومية ومقرات الإذاعات والقنواتالتلفزيونية كلها أماكن يجب أن تكون محروسة بشكل صارم في جميع مناطقالمملكة، وخصوصا في الأقاليم الصحراوية حيث يوجد دعاة الفتنة الذين يسعونإلى بث الفرقة والكراهية بين مغاربة الصحراء ومغاربة الداخل، عبر مهاجمةمقار المؤسسات الحكومية والسيادية.
أما الخطأ الشكلي، والكبير، الذي ارتكبته الحكومة فهو إعلان الناطق الرسميباسمها أن الشيء الوحيد الذي يستطيع تأكيده هو أنه لا يوجد مواطنون بينقتلى العيون، وأن القتلى الذين سقطوا ينتمون إلى قوات الأمن.
وكأن الناطق الرسمي باسم الحكومة يحمد الله على سقوط القتلى في صفوف قواتالأمن، وليس في صفوف المواطنين، وكأن أفراد قوات الأمن ليسوا مواطنين، وأنسقوط أرواح من جانبهم أهون من سقوط أرواح من جانب المواطنين.
إن عملية إعادة الاعتبار إلى أفراد القوات المساعدة وأفراد الوقايةالمدنية والدرك أصبحت ضرورية بعد الذي تعرض له أفراد هذه الأجهزة فيالعيون. لقد رأى المجتمع الدولي الروح العالية التي أبداها أفراد هذهالأجهزة وهم يطبقون الأوامر التي توصلوا بها من رؤسائهم بالحرف، مفضلينإيقاف محركات سياراتهم وشاحناتهم والوقوع أسرى بين أيدي هؤلاء السفاحينعوض الضغط على دواسة السرعة وطحن كل من يقف في طريقهم.
والآن، يجب أن يرى المنتظم الدولي كيف تعترف الدولة بالجميل لهؤلاء الشبانالشجعان، وذلك عبر الانكباب جديا على دراسة وضعيتهم الاجتماعية، وتمكينهممن وسائل العمل اللائقة ببلد لديه نزاع إقليمي على حدوده.
إن الترحم على أرواح الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن وحدة الوطن، والمطالبةبتحسين وضعية زملائهم الذين يحرسون أمن المغاربة، لا يجب أن ينسيانامحاسبة كل الذين خططوا لفك مخيم العيون بكل هذا التهور الأقرب إلى الهوايةمنه إلى الاحترافية.
وهؤلاء الذين يتحملون مسؤولية سقوط كل هذا العدد الضخم من الشهداء والجرحىلا يوجدون فقط في الدرك والقوات المساعدة والوقاية المدنية، بل يوجدون فيقلب وزارة الداخلية الذي يضخ الدماء في سائر شرايين أجهزة الدولة.
غدا نتحدث عن أسباب تكلس شرايين الداخلية وسبب تعثر الدورة الدموية داخل هذا الجهاز الحساس.
رشيد نيني
المساء
الآن، بعد أن هدأت العاصفة ووضعت الحرب الإعلامية أوزارها ولم تستطع الصحفالإسبانية تقديم اسم قتيل واحد من القتلى الخمسة والثلاثين الذين تقولجبهة البوليساريو إنهم يوجدون في مشرحة الأموات في مستشفى العيون..
الآن، بعدما لم نسمع أية عائلة صحراوية تطالب في العيون بجثة قريب لها،واتضح أن كل ما روجته البوليساريو وأعادت نشره الصحافة الإسبانية لم يكنسوى محاولة لذر الرماد في عيون الرأي العام الدولي..
يمكن أن نقول إن المغرب خرج منتصرا من هذه المعركة. لكن السؤال الكبيرالذي ينتظر الإجابةَ عنه ليس هو من ربح المعركة وإنما من سيربح الحرب.والحرب في الصحراء كانت دائما حربا إعلامية جعل فيها العدو رؤوس الأموالفي خدمة رؤوس الأقلام، ولذلك تفوق دائما في الظهور بمظهر الضحية فيالمحافل الدولية. لكن ما وقع في العيون من تذبيح وتقتيل وتدمير حطم تلكالصورة الوديعة التي ظل البوليساريو يرسمها حول نفسه طيلة عقود، واتضحللعالم بأسره أن ميليشيات البوليساريو تجيد الذبح بقدر ما تجيد ذرف دموعالتماسيح.
لكن، بما أنه من السهل أن يتحدث الإنسان عن أسباب تحقيق النصر في معركة،فإنه، ولكي نربح الحرب، علينا أن نتحلى بالجرأة الضرورية لكي نعترفبالأخطاء التي تم ارتكابها في «واقعة» العيون.
ولعل أكبر خطأ أمني وقع هو سقوط أحد عشر شهيدا من أفراد الأمن في يومواحد. لقد شكل هذا الرقم المهول ضربة موجعة لهيبة المؤسسات الأمنية، وأعطىصورة خاطئة عن نجاعتها وقوتها. فما الذي حدث حتى تساقط كل رجال الأمنهؤلاء دفعة واحدة بين أيدي سفاحين مدربين على أعمال القتل والتخريب.
إن السؤال المحير الذي يطرحه كثيرون هو لماذا قرر الجنرال حسني بنسليمان،قائد الدرك، والجنرال العنيكري، قائد القوات المساعدة بمنطقة الجنوب،إرسال فرق إلى العيون لازال أفرادها لم يكملوا فترة تدريبهم بعد؟
أين هي تلك الفرق الخاصة المدربة على تفريق التجمعات والتي يُخرجونأفرادها خلال الاحتفالات بتخرج الضباط لكي يقدموا عروضهم الباهرة أمامالجنرالات؟ لماذا لم يأتوا بهم لفك مخيم العيون عوض الاقتصار على تلاميذلازالوا لم يتخرجوا بعد؟
إن تفكيك مخيم على هذا القدر من التنظيم والدقة، يقطنه الآلاف من الأفرادالمدربين والذين يشكل «العائدون» النسبة الغالبة فيهم، كان يفترض الاعتمادعلى فرق خاصة ومدربة على التدخل السريع والفعال.
لكن الذي وقع هو أن الجنرال العنيكري والجنرال بنسليمان ألقيا بتلاميذ فيسنتهم الثانية داخل فم الوحش، بدون أن يكونوا مزودين بأسلحة أخرى للدفاعالذاتي غير عصي بلاستيكية لا تنفع أمام الحجارة والسيوف والخناجروالقنينات الغازية التي استعملها خصومهم.
والنتيجة هي أن أحد عشر فردا من قوات الأمن استشهدوا، بينما أصيب العشراتمنهم إصابات بليغة بالأسلحة البيضاء والقنينات الحارقة والحجارة.
لقد كانت الأوامر التي صدرت لهؤلاء الرجال الذين شاركوا في تفكيك مخيمالعيون هي تجنب إسقاط قتلى بين المدنيين. لكن إلى أي حد كان هؤلاءالسفاحون، الذين ذبحوا قوات الأمن، مدنيين؟ إن استعادة لمشاهد الشريط الذيسجلته مصالح الأمن تعطينا فكرة واضحة عن كون هؤلاء القتلة مدربين بشكلميداني على حرب العصابات، وأغلبهم تم تدريبه في أدغال كوبا انسجاما معبرنامج البعثات الذي تقوم به البوليساريو مع نظام فيديل كاسترو منذالسبعينيات إلى اليوم. النظام الديكتاتوري والدموي الذي يدافع عن شرعيتهالممثل «خابيير بارديم» وكل «النجوم» الإسبان «التقدميين» الذين يساندونالبوليساريو ويصفون المغرب بالديكتاتورية والاستبداد.
يعني أن المغرب، الذي توجد فيه انتخابات وأحزاب وجرائد ومحطات إذاعيةوقنوات تلفزيونية، ديكتاتوري حسب هؤلاء الإسبان، أما كوبا، التي لا يوجدفيها شيء اسمه الانتخابات ويوجد فيها الحزب الوحيد والجريدة الواحدةوالمحطة الإذاعية الواحدة والرئيس الواحد الذي أقسم على البقاء في السلطةإلى أن يموت، هي نموذج للدولة الديمقراطية.
إذا كانت هذه هي الديمقراطية التي يتمناها «خابيير بارديم» وزملاؤه للمغرب فـ«بالناقص منها ديمقراطية».
إن أفراد هذه الميليشيات المدربة في أدغال كوبا، والذين عادوا ملثمينواندسوا بين صفوف مئات «العائدين» الذين استقبلهم المغرب بالأحضان، همالذين بادروا إلى نصب الخيام الأولى في المخيم، وهم الذين بادروا إلىالاصطدام بقوات الأمن بعدما رفضوا فك المخيم وقرروا إضرام نيران المواجهةلكي ينتهي المخيم بمجزرة في صفوف المدنيين. هذه كانت خطتهم التي اتفقواعلى تفاصيلها قبل تنفيذ مخطط التسلل مع قوافل «العائدين»، الذين، وياللعجب، تركتهم قوات البوليساريو يغادرون تندوف نحو المغرب بكل تلكالسهولة، مع أنها تعودت على قتل كل من يضع رجليه خارج سياج المخيم رميابالرصاص.
الخطأ الجسيم الذي وقع هو أن من أعطوا الأوامر باقتلاع المخيم حشدوا جميعقواتهم لهذه المهمة في أطراف العيون، وتركوا المدينة وسكانها ومؤسساتهاالعمومية بدون حماية أمنية.
ولكم أن تتخيلوا أي خطأ قاتل هو أن تترك السلطات الأمنية قناة تلفزيونيةكقناة العيون، لديها إمكانيات البث المباشر، بدون حراس مدججين بالسلاح.
فقد كان من الممكن عوض إحراق القناة، كما حدث، أن يسطو الانفصاليون علىأجهزة البث المباشر ويخاطبوا المشاهدين عبر القناة ويروجوا إشاعة إحكامسيطرتهم على العيون، داعين خلاياهم النائمة في كل الأقاليم الصحراوية إلىإعلان العصيان. ألم يحدث الشيء نفسه في السبعينيات عندما استطاعالانقلابيون العسكريون احتلال مقر الإذاعة والتلفزيون بالرباط وأجبرواالملحن عبد السلام عامر على قراءة بيانهم العسكري الذي أعلنوا فيه سقوطالملكية، بعدما رفض عبد الحليم حافظ القيام بذلك.
لذلك، ففي كل بلدان العالم، هناك حراسة مشددة على وسائل البث المباشر،لأنه في حالة سقوطها بين أيدي الانقلابيين أو الفوضويين تتحول إلى وسيلةلإثارة الفتنة وإشعال فتيل الحرب الأهلية.
إن المحاكم ومقرات الإدارات الحكومية ومقرات الإذاعات والقنواتالتلفزيونية كلها أماكن يجب أن تكون محروسة بشكل صارم في جميع مناطقالمملكة، وخصوصا في الأقاليم الصحراوية حيث يوجد دعاة الفتنة الذين يسعونإلى بث الفرقة والكراهية بين مغاربة الصحراء ومغاربة الداخل، عبر مهاجمةمقار المؤسسات الحكومية والسيادية.
أما الخطأ الشكلي، والكبير، الذي ارتكبته الحكومة فهو إعلان الناطق الرسميباسمها أن الشيء الوحيد الذي يستطيع تأكيده هو أنه لا يوجد مواطنون بينقتلى العيون، وأن القتلى الذين سقطوا ينتمون إلى قوات الأمن.
وكأن الناطق الرسمي باسم الحكومة يحمد الله على سقوط القتلى في صفوف قواتالأمن، وليس في صفوف المواطنين، وكأن أفراد قوات الأمن ليسوا مواطنين، وأنسقوط أرواح من جانبهم أهون من سقوط أرواح من جانب المواطنين.
إن عملية إعادة الاعتبار إلى أفراد القوات المساعدة وأفراد الوقايةالمدنية والدرك أصبحت ضرورية بعد الذي تعرض له أفراد هذه الأجهزة فيالعيون. لقد رأى المجتمع الدولي الروح العالية التي أبداها أفراد هذهالأجهزة وهم يطبقون الأوامر التي توصلوا بها من رؤسائهم بالحرف، مفضلينإيقاف محركات سياراتهم وشاحناتهم والوقوع أسرى بين أيدي هؤلاء السفاحينعوض الضغط على دواسة السرعة وطحن كل من يقف في طريقهم.
والآن، يجب أن يرى المنتظم الدولي كيف تعترف الدولة بالجميل لهؤلاء الشبانالشجعان، وذلك عبر الانكباب جديا على دراسة وضعيتهم الاجتماعية، وتمكينهممن وسائل العمل اللائقة ببلد لديه نزاع إقليمي على حدوده.
إن الترحم على أرواح الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن وحدة الوطن، والمطالبةبتحسين وضعية زملائهم الذين يحرسون أمن المغاربة، لا يجب أن ينسيانامحاسبة كل الذين خططوا لفك مخيم العيون بكل هذا التهور الأقرب إلى الهوايةمنه إلى الاحترافية.
وهؤلاء الذين يتحملون مسؤولية سقوط كل هذا العدد الضخم من الشهداء والجرحىلا يوجدون فقط في الدرك والقوات المساعدة والوقاية المدنية، بل يوجدون فيقلب وزارة الداخلية الذي يضخ الدماء في سائر شرايين أجهزة الدولة.
غدا نتحدث عن أسباب تكلس شرايين الداخلية وسبب تعثر الدورة الدموية داخل هذا الجهاز الحساس.
رشيد نيني
المساء
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
ما تحشموش شوية
إحدى التهم الرئيسية التي يتابعنا بها مدير المركز السينمائي المغربي، نور
الدين الصايل، هي مسنا بحياته الشخصية الخاصة. والسبب هو أننا كنا أشرنا
إلى استفادة زوجته المنشطة، نادية لركط، من صفقة برنامج تلفزيوني في
استغلال واضح للنفوذ. كما أن جريمتنا الكبرى كانت هي تذكيرنا بتعري زوجته
على غلاف إحدى المجلات النسائية وهي حامل، أسوة بما تفعله نجمات السينما
العالمية على أغلفة المجلات النسائية الشهيرة. مع أن زوجة السيد المدير لا
هي نجمة ولا هي ممثلة سينمائية عالمية.
ولعل المدهش في رد فعل مدير المركز السينمائي المتشنج، أنه يؤاخذنا على
نشر أشياء سبق لزوجته أن قالتها في حواراتها المنشورة في عدد من الجرائد
والمجلات. هكذا عندما تتعرى السيدة حرمه على غلاف مجلة نسائية يكون هذا
الفعل، في نظره، عملا جريئا جديرا بالاحترام، أما عندما نتحدث عنه نحن
فيصبح سبا وقذفا وتدخلا في الحياة الخاصة للزوجين.
إننا لم نقتحم على الزوجين بيتهما لكي نتلصص على حياتهما الخاصة، بل هما
من يعرضان تفاصيل حياتهما الخاصة على القراء في الجرائد والمجلات. وقد رأى
الجميع في الأمسية الختامية لمهرجان مراكش السينمائي كيف توقف الزوجان فوق
البساط الأحمر وكيف طبعت السيدة نادية لركط قبلة ساخنة فوق «حنك» زوجها
نور الدين الصايل.
وعندما دخل الضيوف والمدعوون والصحافيون إلى قاعة المؤتمرات لمتابعة حفل
الاختتام، عادت صورة القبلة الساخنة للزوجين إلى الظهور في الشريط القصير
الذي التقط أهم لقطات المهرجان.
وطبعا، كان الهدف من كل هذا الاستعراض هو تركيز الأنظار على هذه القبلة من
أجل التقاطها من طرف عشرات المصورين الصحافيين، ونشرها في الصحف والمجلات
التي يشتغلون معها.
وقد ظهرت الصورة، فعلا، في الغد على صفحات بعض الجرائد، وظهر معها حوار
لممثلة مغربية سخيفة اسمها إيمان شاكر، مثلت دور عاهرة مغربية في فيلم
مصري اسمه «العار»، قالت فيه إنه لا وجود لسينما بدون قبلات.
ونحن نكتب عن هذه القبلة، نتوقع أن يرفع ضدنا نور الدين الصايل دعوى
قضائية جديدة يتهمنا فيها بالمس بالحياة الشخصية لعائلته، كما صنع عندما
كتبنا عن تعري زوجته على غلاف المجلة النسائية.
ليرفع الصايل أو غيره كل الدعاوى القضائية التي يشاؤون، فهذا لن يمنعنا من الحديث عن مخططاتهم السرية لتخريب الأخلاق والذوق العام.
عندما عرى رئيس المركز السينمائي زوجته على غلاف مجلة نسائية، فإنه كان
يعطي إشارة الانطلاق لكل المخرجين السينمائيين، الذين يرغبون في الاستفادة
من أموال الدعم السينمائي، للبدء بتعرية أفلامهم. فالسينما المغربية على
عهد الصايل تعيش مرحلة «الزبوط».
ولكي تكون دعوى الصايل «لتزبيط» السينما المغربية مبنية على قناعة شخصية، فقد قرر أن يعطي الدليل بزوجته.
وبعد ذلك الغلاف الفاضح، رأينا كيف اجتاحت اللغة الساقطة واللقطات الخليعة
والمشاهد الجنسية الشاذة الأفلام الطويلة والقصيرة لأغلب المخرجين الذين
استفادوا من كعكة صندوق الدعم السينمائي.
فقد أصبحت للعري المجاني والانحطاط اللغوي واللقطات الجنسية المائعة
«كوطا» محددة وواضحة يجب على كل سيناريو فيلم سينمائي مغربي أن يتوفر
عليها من أجل الحصول على الدعم.
ولا يهم أن يكون الفيلم سخيفا وسطحيا وخاليا من أية حبكة سينمائية، المهم
أن يتوفر على حوارات مكتوبة بلغة ساقطة، مثل الحوار الذي يدور في فيلم
«أيام الوهم» الذي لا يرقى حتى إلى مستوى فيلم تلفزيوني من الدرجة
الثالثة، والذي مثل المغرب في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي
الأخير، والذي أخرج المغرب بدون أية جائزة كما هي العادة.
واليوم، هناك نية مبيتة لإضافة المزيد من الجرعات إلى هذه «الكوطا»، عبر
إدخال حصص من القبلات الساخنة إلى جميع الأفلام السينمائية المغربية،
وتحويلها إلى لقطات عادية تمهيدا لإدخالها إلى البيوت عبر شاشات التلفزيون
عن طريق الأفلام التلفزيونية.
وما قامت به زوجة مدير المركز السينمائي المغربي فوق البساط الأحمر في
مراكش وأمام عدسات الصحافيين، يدخل في إطار التطبيع مع «فن التقبيل» أمام
الملأ، أي «تطيار الحشومة».
فالسيد نور الدين الصايل يعتقد أنه في سويسرا وليس المغرب. وينسى أنه موظف
كبير معين بظهير ملكي مفروض فيه، ككل موظفي الدولة الكبار، التزام الحد
الأدنى من الاتزان والوقار، خصوصا في الأنشطة الرسمية المنظمة تحت الرعاية
الملكية.
وليس مدير المركز السينمائي وحده من ينسى نفسه وصفته المهنية، بل هناك
موظفون كبار آخرون يسيرون مؤسسات رسمية مهمة أو يشتغلون لديها، ومع ذلك
لازالوا يعتقدون أنهم «ديال روسهم».
ومنهم مدير وكالة المغرب العربي للأنباء، «بو الزرود»، الذي يكفي القيام
بجولة ليلية تفقدية لبعض فنادق العاصمة المصنفة لكي تعثر عليه في مدخل
الفندق جالسا إلى مائدة ومحاطا بالفتيات.
ولعل الصورة التي نشرناها قبل يومين على صدر الصفحة الأولى لهذه الجريدة
لعضو المجلس الأعلى للسمعي البصري، «الحكيم» نعيم كمال، وهو يرقص طربا فوق
مائدة مليئة بالكؤوس في مرقص «الباشا» بمراكش، تقول كل شيء.
فالرجل نسي أن وظيفته كحكيم في الهيئة تلزمه بواجب التحفظ، خصوصا في الأماكن العمومية.
فأي احترام سيبقى للهيئة وحكمائها عندما يصعد «حكيم» منهم فوق «طبلة» مرقص لكي يشطح أمام الضيوف.
طبعا، سيقول البعض إن هذه الممارسات تدخل في إطار الحياة الخاصة. ويكفي
لكي نبرهن على تفاهة هذا التبرير أن نقول إن هؤلاء المسؤولين المعينين
بظهير، والذين يتحملون مسؤوليات رسمية على رأس مؤسسات مهمة كالمركز
السينمائي المغربي ووكالة المغرب العربي للأنباء والهيئة العليا للاتصال
السمعي البصري، لا يقومون بما يقومون به من ممارسات مراهقة داخل بيوتهم،
وإنما يقومون بها في أماكن عامة وأمام الناس وعدسات تصوير الصحافيين.
فزوجة الصايل تعرت على غلاف مجلة أمام عدسة مصور وعرضت صورها في كل أكشاك
المغرب، كما أنها قبلت زوجها أمام عدسات المصورين في مراكش. ونعيم كمال،
أحد «حكماء» الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، هيجته الموسيقى والشراب
وصعد فوق المائدة لكي «يدردك» مسترجعا أيام «الجفنة» البائدة في حفل حضره
ضيوف مهرجان مراكش السينمائي، بينهم صحافيون. ومدير وكالة المغرب العربي
للأنباء يختار دائما الجلوس بين صديقاته وضيفاته في المطاعم المكشوفة
والفنادق التي يرتادها الجميع، بمن فيهم الصحافيون.
فأين هي الحياة الخاصة في كل هذا يا ترى؟
إن الرسالة التي يود هؤلاء، وغيرهم، إرسالها إلى المغاربة هي أن زمن
«الحشومة» ولى وانتهى. فالجميع اليوم يجب أن «يتقزدر» و«يعري على اللاص».
وكل من يمتنع عن مسايرة هذا المد العاتي من «التقزدير» يعتبر، في نظرهم،
متخلفا ومحافظا ورجعيا، هذا إذا لم يصفوه بالظلامية والإرهاب.
يحدث هذا في الوقت الذي لم نر فيه نجما واحدا أو نجمة واحدة في مراكش تقدم
على «خدش» الحياء العام للمغاربة. وإنه للعجب العجاب أن تشاهد النجمات
السينمائيات الأوربيات «محصنين» بينما تشاهد «دياولنا» يطرن من «المقلة».
فيبدو أن بعض أنصاف النجمات عندنا فهمن أن تعرية الصدور والسيقان والأظهر
هي طريقهن الوحيد نحو الشهرة في غياب الموهبة والخيال والتكوين.
إن الشعار الجديد الذي يرفعه الصايل وحواريوه، والذي يقول «لا سينما بدون
قـُبل»، يعكس جهلا عميقا بالمهمة الخطيرة التي يجب أن تلعبها السينما.
فعوض أن يدفع مدير المركز السينمائي بالمخرجين المغاربة نحو سينما وطنية
نظيفة تنتصر للقيم المغربية ولقضايا الوطن العليا بحرفية وخيال عاليين،
نراه يشجع على المزيد من الانحلال والميوعة السينمائية التي لم يجن منها
المغرب سوى المزيد من ترسيخ الصور السلبية عنه وعن نسائه ورجاله في مخيلة
الأجانب.
إن أخطر هجمة تمارس اليوم على العائلات المغربية، أي على اللحمة الرئيسية
للمجتمع المغربي، هي تلك التي تشنها القناة الثانية والمركز السينمائي
«التغريبي» بواسطة تلك الأفلام والمسلسلات التي جعلت من مواضيع الاغتصاب
والشذوذ والضعف الجنسي والعلاقات الغرامية مواضيع رئيسية ويومية.
وخطورة تلك المسلسلات البرازيلية والتركية والهندية والمكسيكية تكمن في
أنها ترسخ في لاوعي أبناء وبنات المغاربة نماذج عائلية ومجتمعية قادمة من
ثقافات مسيحية وغربية مناقضة لثقافتنا المغربية الإسلامية.
إنها، ببساطة، حرب على الهوية المغربية، الهدف الرئيسي من ورائها هو
القضاء على الحشمة، الخندق الأخير الذي يحمي العائلات المغربية من التفسخ.
إن المأساة الحقيقية هي أن هذه الحرب القذرة تشن ضدنا وضد أبنائنا بأموال
ضرائبنا، أمام صمت الأحزاب وجمعيات حماة المستهلكين والبرلمان.
«وبقاو ناعسين حتى يخرجو ليكم على ولادكم».
رشيد نيني
المساء
الدين الصايل، هي مسنا بحياته الشخصية الخاصة. والسبب هو أننا كنا أشرنا
إلى استفادة زوجته المنشطة، نادية لركط، من صفقة برنامج تلفزيوني في
استغلال واضح للنفوذ. كما أن جريمتنا الكبرى كانت هي تذكيرنا بتعري زوجته
على غلاف إحدى المجلات النسائية وهي حامل، أسوة بما تفعله نجمات السينما
العالمية على أغلفة المجلات النسائية الشهيرة. مع أن زوجة السيد المدير لا
هي نجمة ولا هي ممثلة سينمائية عالمية.
ولعل المدهش في رد فعل مدير المركز السينمائي المتشنج، أنه يؤاخذنا على
نشر أشياء سبق لزوجته أن قالتها في حواراتها المنشورة في عدد من الجرائد
والمجلات. هكذا عندما تتعرى السيدة حرمه على غلاف مجلة نسائية يكون هذا
الفعل، في نظره، عملا جريئا جديرا بالاحترام، أما عندما نتحدث عنه نحن
فيصبح سبا وقذفا وتدخلا في الحياة الخاصة للزوجين.
إننا لم نقتحم على الزوجين بيتهما لكي نتلصص على حياتهما الخاصة، بل هما
من يعرضان تفاصيل حياتهما الخاصة على القراء في الجرائد والمجلات. وقد رأى
الجميع في الأمسية الختامية لمهرجان مراكش السينمائي كيف توقف الزوجان فوق
البساط الأحمر وكيف طبعت السيدة نادية لركط قبلة ساخنة فوق «حنك» زوجها
نور الدين الصايل.
وعندما دخل الضيوف والمدعوون والصحافيون إلى قاعة المؤتمرات لمتابعة حفل
الاختتام، عادت صورة القبلة الساخنة للزوجين إلى الظهور في الشريط القصير
الذي التقط أهم لقطات المهرجان.
وطبعا، كان الهدف من كل هذا الاستعراض هو تركيز الأنظار على هذه القبلة من
أجل التقاطها من طرف عشرات المصورين الصحافيين، ونشرها في الصحف والمجلات
التي يشتغلون معها.
وقد ظهرت الصورة، فعلا، في الغد على صفحات بعض الجرائد، وظهر معها حوار
لممثلة مغربية سخيفة اسمها إيمان شاكر، مثلت دور عاهرة مغربية في فيلم
مصري اسمه «العار»، قالت فيه إنه لا وجود لسينما بدون قبلات.
ونحن نكتب عن هذه القبلة، نتوقع أن يرفع ضدنا نور الدين الصايل دعوى
قضائية جديدة يتهمنا فيها بالمس بالحياة الشخصية لعائلته، كما صنع عندما
كتبنا عن تعري زوجته على غلاف المجلة النسائية.
ليرفع الصايل أو غيره كل الدعاوى القضائية التي يشاؤون، فهذا لن يمنعنا من الحديث عن مخططاتهم السرية لتخريب الأخلاق والذوق العام.
عندما عرى رئيس المركز السينمائي زوجته على غلاف مجلة نسائية، فإنه كان
يعطي إشارة الانطلاق لكل المخرجين السينمائيين، الذين يرغبون في الاستفادة
من أموال الدعم السينمائي، للبدء بتعرية أفلامهم. فالسينما المغربية على
عهد الصايل تعيش مرحلة «الزبوط».
ولكي تكون دعوى الصايل «لتزبيط» السينما المغربية مبنية على قناعة شخصية، فقد قرر أن يعطي الدليل بزوجته.
وبعد ذلك الغلاف الفاضح، رأينا كيف اجتاحت اللغة الساقطة واللقطات الخليعة
والمشاهد الجنسية الشاذة الأفلام الطويلة والقصيرة لأغلب المخرجين الذين
استفادوا من كعكة صندوق الدعم السينمائي.
فقد أصبحت للعري المجاني والانحطاط اللغوي واللقطات الجنسية المائعة
«كوطا» محددة وواضحة يجب على كل سيناريو فيلم سينمائي مغربي أن يتوفر
عليها من أجل الحصول على الدعم.
ولا يهم أن يكون الفيلم سخيفا وسطحيا وخاليا من أية حبكة سينمائية، المهم
أن يتوفر على حوارات مكتوبة بلغة ساقطة، مثل الحوار الذي يدور في فيلم
«أيام الوهم» الذي لا يرقى حتى إلى مستوى فيلم تلفزيوني من الدرجة
الثالثة، والذي مثل المغرب في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي
الأخير، والذي أخرج المغرب بدون أية جائزة كما هي العادة.
واليوم، هناك نية مبيتة لإضافة المزيد من الجرعات إلى هذه «الكوطا»، عبر
إدخال حصص من القبلات الساخنة إلى جميع الأفلام السينمائية المغربية،
وتحويلها إلى لقطات عادية تمهيدا لإدخالها إلى البيوت عبر شاشات التلفزيون
عن طريق الأفلام التلفزيونية.
وما قامت به زوجة مدير المركز السينمائي المغربي فوق البساط الأحمر في
مراكش وأمام عدسات الصحافيين، يدخل في إطار التطبيع مع «فن التقبيل» أمام
الملأ، أي «تطيار الحشومة».
فالسيد نور الدين الصايل يعتقد أنه في سويسرا وليس المغرب. وينسى أنه موظف
كبير معين بظهير ملكي مفروض فيه، ككل موظفي الدولة الكبار، التزام الحد
الأدنى من الاتزان والوقار، خصوصا في الأنشطة الرسمية المنظمة تحت الرعاية
الملكية.
وليس مدير المركز السينمائي وحده من ينسى نفسه وصفته المهنية، بل هناك
موظفون كبار آخرون يسيرون مؤسسات رسمية مهمة أو يشتغلون لديها، ومع ذلك
لازالوا يعتقدون أنهم «ديال روسهم».
ومنهم مدير وكالة المغرب العربي للأنباء، «بو الزرود»، الذي يكفي القيام
بجولة ليلية تفقدية لبعض فنادق العاصمة المصنفة لكي تعثر عليه في مدخل
الفندق جالسا إلى مائدة ومحاطا بالفتيات.
ولعل الصورة التي نشرناها قبل يومين على صدر الصفحة الأولى لهذه الجريدة
لعضو المجلس الأعلى للسمعي البصري، «الحكيم» نعيم كمال، وهو يرقص طربا فوق
مائدة مليئة بالكؤوس في مرقص «الباشا» بمراكش، تقول كل شيء.
فالرجل نسي أن وظيفته كحكيم في الهيئة تلزمه بواجب التحفظ، خصوصا في الأماكن العمومية.
فأي احترام سيبقى للهيئة وحكمائها عندما يصعد «حكيم» منهم فوق «طبلة» مرقص لكي يشطح أمام الضيوف.
طبعا، سيقول البعض إن هذه الممارسات تدخل في إطار الحياة الخاصة. ويكفي
لكي نبرهن على تفاهة هذا التبرير أن نقول إن هؤلاء المسؤولين المعينين
بظهير، والذين يتحملون مسؤوليات رسمية على رأس مؤسسات مهمة كالمركز
السينمائي المغربي ووكالة المغرب العربي للأنباء والهيئة العليا للاتصال
السمعي البصري، لا يقومون بما يقومون به من ممارسات مراهقة داخل بيوتهم،
وإنما يقومون بها في أماكن عامة وأمام الناس وعدسات تصوير الصحافيين.
فزوجة الصايل تعرت على غلاف مجلة أمام عدسة مصور وعرضت صورها في كل أكشاك
المغرب، كما أنها قبلت زوجها أمام عدسات المصورين في مراكش. ونعيم كمال،
أحد «حكماء» الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، هيجته الموسيقى والشراب
وصعد فوق المائدة لكي «يدردك» مسترجعا أيام «الجفنة» البائدة في حفل حضره
ضيوف مهرجان مراكش السينمائي، بينهم صحافيون. ومدير وكالة المغرب العربي
للأنباء يختار دائما الجلوس بين صديقاته وضيفاته في المطاعم المكشوفة
والفنادق التي يرتادها الجميع، بمن فيهم الصحافيون.
فأين هي الحياة الخاصة في كل هذا يا ترى؟
إن الرسالة التي يود هؤلاء، وغيرهم، إرسالها إلى المغاربة هي أن زمن
«الحشومة» ولى وانتهى. فالجميع اليوم يجب أن «يتقزدر» و«يعري على اللاص».
وكل من يمتنع عن مسايرة هذا المد العاتي من «التقزدير» يعتبر، في نظرهم،
متخلفا ومحافظا ورجعيا، هذا إذا لم يصفوه بالظلامية والإرهاب.
يحدث هذا في الوقت الذي لم نر فيه نجما واحدا أو نجمة واحدة في مراكش تقدم
على «خدش» الحياء العام للمغاربة. وإنه للعجب العجاب أن تشاهد النجمات
السينمائيات الأوربيات «محصنين» بينما تشاهد «دياولنا» يطرن من «المقلة».
فيبدو أن بعض أنصاف النجمات عندنا فهمن أن تعرية الصدور والسيقان والأظهر
هي طريقهن الوحيد نحو الشهرة في غياب الموهبة والخيال والتكوين.
إن الشعار الجديد الذي يرفعه الصايل وحواريوه، والذي يقول «لا سينما بدون
قـُبل»، يعكس جهلا عميقا بالمهمة الخطيرة التي يجب أن تلعبها السينما.
فعوض أن يدفع مدير المركز السينمائي بالمخرجين المغاربة نحو سينما وطنية
نظيفة تنتصر للقيم المغربية ولقضايا الوطن العليا بحرفية وخيال عاليين،
نراه يشجع على المزيد من الانحلال والميوعة السينمائية التي لم يجن منها
المغرب سوى المزيد من ترسيخ الصور السلبية عنه وعن نسائه ورجاله في مخيلة
الأجانب.
إن أخطر هجمة تمارس اليوم على العائلات المغربية، أي على اللحمة الرئيسية
للمجتمع المغربي، هي تلك التي تشنها القناة الثانية والمركز السينمائي
«التغريبي» بواسطة تلك الأفلام والمسلسلات التي جعلت من مواضيع الاغتصاب
والشذوذ والضعف الجنسي والعلاقات الغرامية مواضيع رئيسية ويومية.
وخطورة تلك المسلسلات البرازيلية والتركية والهندية والمكسيكية تكمن في
أنها ترسخ في لاوعي أبناء وبنات المغاربة نماذج عائلية ومجتمعية قادمة من
ثقافات مسيحية وغربية مناقضة لثقافتنا المغربية الإسلامية.
إنها، ببساطة، حرب على الهوية المغربية، الهدف الرئيسي من ورائها هو
القضاء على الحشمة، الخندق الأخير الذي يحمي العائلات المغربية من التفسخ.
إن المأساة الحقيقية هي أن هذه الحرب القذرة تشن ضدنا وضد أبنائنا بأموال
ضرائبنا، أمام صمت الأحزاب وجمعيات حماة المستهلكين والبرلمان.
«وبقاو ناعسين حتى يخرجو ليكم على ولادكم».
رشيد نيني
المساء
mohamed- عدد الرسائل : 1147
العمر : 53
Localisation : kénitra
Emploi : employé
تاريخ التسجيل : 02/09/2006
رد: شوف تشوف
هناك في الوسط الصحافي من يتعمد، عن قصد، الخلط في ما ننشره بين الحياة
الخاصة والحياة العامة، لهدف واحد وواضح هو نزع المصداقية عن فضائح بعض
الشخصيات العمومية التي ننشر أخبارا وصورا تتعلق بها.
لكي نوضح أوجه «تخلاط العرارم» هذا، سنعطي أمثلة بسيطة. عندما ننشر صورة
حكيم من حكماء الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري وهو يرقص، على هامش
مهرجان مراكش السينمائي، أمام الملأ في كباري مراكشي مشهور ومفتوح في وجه
العموم، فإننا لا نمس بالحياة الخاصة لهذا الموظف العمومي المعين بظهير.
عندما ننشر صورة زوجة مدير المركز السينمائي المغربي وهي تقبل زوجها فوق
البساط الأحمر أمام الجمهور والصحافيين، فإننا لا نقتحم الحياة الخاصة
لهذين الزوجين. والأمر أيضا ينطبق على نشر خبر يتعلق بنشر صورة الزوجة
عارية على غلاف مجلة نسائية، إذ ليس في الأمر أدنى اقتحام للحياة الخاصة
مادامت المعنية بالأمر نفسها قبلت بعرض جسدها عاريا على غلاف مجلة تباع في
الأكشاك للعموم.
عندما ننشر صورا لشخصيات سياسية وحزبية تسير الشأن المحلي للدار البيضاء،
تظهر فيها وهي تغادر كباري في الواحدة بعد منتصف الليل، يسيره صاحب سوابق
حصل على الرخص القانونية بطرق مشبوهة، فإن هذه «الزيارة» وهذه الصور تصبح
خبرا يستحق النشر لكي يطلع عليه المواطنون الذين منحوا أصواتهم لهؤلاء
المنتخبين.
أما عندما تصلنا صور خاصة جدا تم التقاطها لمديرة دار الثقافة بتطوان داخل
غرف مغلقة نجهل مكانها، فإننا نمنع أنفسنا من نشرها، لكونها تدخل في إطار
الحياة الخاصة لصاحبتها. فالصور التي تم التقاطها لمديرة دار الثقافة
بتطوان لم تكن في أمكنة عامة، وإنما كانت في أمكنة خاصة نجهل سياقاتها
وملابساتها الحقيقية.
ولذلك لم ننشر بخصوص قضية مديرة دار الثقافة بتطوان، السيدة سميرة قدري،
كما تقول شهادة ميلادها وليس القادري كما تعرف نفسها على ألبوماتها
الغنائية، سوى الأمور التي لها علاقة بمسؤوليتها المالية والإدارية كمديرة
لمؤسسة عمومية تابعة لوزارة الثقافة وتمول ميزانياتها من جيوب دافعي
الضرائب.
ولهذا خصصنا صفحة كاملة من أحد أعدادنا السابقة للحديث حول الاتهامات
باستغلال النفوذ التي تحوم حول مديرة دار الثقافة بتطوان، واستغلالها
لمنصبها كمديرة من أجل الحصول على دعوات للغناء في المهرجانات الدولية،
وتوفرها على حسابات بنكية خارج المغرب بدون موافقة مكتب الصرف.
أما صورها ومقاطع الأشرطة التي تعرضها المواقع المتخصصة في نشر السخافة،
فكلها أمور لا تهمنا في شيء. ما يهمنا نحن هو معرفة مدى صحة الاتهامات
الموجهة ضدها وضد المندوب الجهوي لوزارة الثقافة بتطوان، المهدي الزواق،
وهي الاتهامات التي نتوفر على جميع الأدلة والوثائق والفواتير التي تؤكد
صحتها.
ولذلك فعوض أن تلجأ السيدة سميرة قدري إلى تنظيم ندوة صحافية لتسفيه كل ما
نشر حول استغلالها لمنصبها كمديرة لدار الثقافة بتطوان، فقد كان الأجدر بها
أن تلجأ إلى القضاء وترفع دعوى أمامه ضد «المساء» بتهمة نشر أخبار كاذبة
حولها.
آنذاك سنذهب إلى المحكمة ونقدم الأدلة التي بحوزتنا. وإذا ثبت أن ما نشرناه
كذب، سنكون مجبرين على الاعتذار إليها وتنفيذ حكم المحكمة لصالح مديرة دار
الثقافة.
لكن لا شيء من كل هذا حصل. لا المديرة لجأت إلى القضاء، ولا وزير الثقافة،
الغارق في تدخلاته لدى هيئة تحكيم جائزة البوكر العربية من أجل فوز روايته
«معذبتي» بالجائزة، كلف نفسه عناء فتح تحقيق في كل الاتهامات الخطيرة التي
تحوم حول مديرته ومندوبه الجهوي بتطوان، ولا مكتب الصرف كلف نفسه فتح تحقيق
معمق لمعرفة حقيقة توفر مديرة دار الثقافة على حسابات بنكية في الخارج
بدون توفرها على بطاقة الإقامة في إحدى هذه الدول.
الجميع فضل نهج سياسة النعامة ودس رأسه في الرمل بانتظار هدوء العاصفة. هذا
في الوقت الذي تطوع فيه بعض الانتهازيين من فصيلة «كاري حنكو» لتسفيه
وتكذيب كل ما نشرناه حول مديرة دار الثقافة والمندوب الجهوي لوزارة الثقافة
معززا بالأدلة والوثائق، محاولين خلط شعبان برمضان، وذلك بإقحام الحديث
حول الحياة الخاصة للفنانة سميرة القادري في الموضوع. والحال أننا تحدثنا
عن سميرة قدري مديرة دار الثقافة وليس عن سميرة القادري مغنية الملحون. كما
أننا نشرنا صورا للوثائق والفواتير التي تتحدث عن المبالغ المالية التي
ضخت في حساباتها البنكية بالخارج، ولم ننشر صورها الخاصة في الغرف المغلقة.
أين هي الحياة الخاصة عندما نقول إن الاسم الحقيقي لمديرة دار الثقافة
بتطوان هو سميرة قدري وليس سميرة القادري، الذي تحاول من خلال تعديله
الإحالة على ارتباطها بالزاوية القادرية.
أين هي الحياة الخاصة عندما نقول إن مديرة دار الثقافة تتوفر باسمها الشخصي
على حساب بنكي في قادس الإسبانية تحت رقم 01821600290291505700
إن توفر موظف عمومي يتحمل مسؤولية إدارية في قطاع وزاري على حساب بنكي في
الخارج غير معترف به من طرف مكتب الصرف، تودع به مبالغ مالية كبيرة، يعني
أن هذه المبالغ غير مصرح بها، أي أن صاحبها يتهرب من دفع الضرائب لخزينة
الدولة المغربية. وهذه وحدها تعتبر جريمة في القانون المغربي.
وتعرف السيدة مديرة دار الثقافة بتطوان أنها لن تستطيع تكذيب خبر توفرها
على هذا الحساب، لأننا نتوفر على المراسلات التي طلبت فيها من مدراء
المهرجانات، التي كانت تترك وظيفتها للمشاركة فيها، أن يضخوا لها مستحقاتها
المالية في هذا الحساب البنكي.
ولعل إحدى الممارسات غير القانونية التي تورطت فيها مديرة دار الثقافة
والمندوب الجهوي للثقافة هي توقيعهما على عقد يسمح للإسباني «إدواردو
غارسيا كالديرون» بتسجيل أمسيات مهرجان العود لسنة 2008 المنظم من طرف
وزارة الثقافة على قرص مدمج وتسويقه عالميا، وخصوصا في إسبانيا.
وقد وقع عقد الاستغلال السي الزواق وسميرة قدري مع الإسباني «إدواردو»، وكان نصيبهما من العقد هو حصولهما على 1000 قرص مدمج.
قانونيا، العقد يجب أن يوقع بين الإسباني ووزارة الثقافة، وعائدات الأقراص
المسجلة يجب أن تذهب إلى خزينة الوزارة وليس إلى جيوب المديرة والمندوب.
وربما هذه أول مرة نكتشف فيها أن وزارة الثقافة المغربية، وبالضبط دار
الثقافة بتطوان، تمول جمعية ثقافية فرنسية اسمها «ECUME». فقد منحت دار
الثقافة الجمعية الفرنسية، التي تمثلها في المغرب سميرة قدري، ميزانية خلال
سنتي 2009 و2010 قدرها 60 مليون سنتيم على دفعتين.
وعندما نبحث في موقع الجمعية على الأنترنيت، لا نعثر على ما يدل على أن
المبلغ دخل فعلا حسابات الجمعية. كما أن «لوغو» دار الثقافة لا أثر له في
مطبوعات هذه الجمعية التي تجمع سميرة قدري بين تمثيل مكتبها بالمغرب
والاستفادة من دعم وزارة الثقافة المغربية لها عن طريق تقاضيها لتعويضات عن
غنائها في المهرجانات التي تنظمها الجمعية في فرنسا.
وهنا يظهر التجسيد الأمثل لتضارب المصالح واستغلال النفوذ. فمديرة دار
الثقافة تسخر منصبها لعقد شراكات ومنح ميزانيات الدعم من أجل خدمة مسارها
الفني والغنائي الخاص الذي يعود عليها بالعملة الصعبة.
وبالإضافة إلى استغلال مديرة دار الثقافة لمنصبها الحكومي للقيام بدعوة فرق
موسيقية أجنبية إلى المغرب على حساب ميزانية وزارة الثقافة، من أجل التوصل
بدعوات من طرفهم باسم المديرة تستضيفها للمشاركة بشكل شخصي في مهرجاناتهم
الأوربية مقابل تعويضات تودعها في حسابها البنكي الأوربي، فإن أخطر اتهام
يحوم حول مديرة دار الثقافة هو استغلالها لنصبها من أجل تسهيل فوز زوجها
المهندس توفيق المرابط بصفقة بناء مسرح المضيق.
ولعل السيدة سميرة قدري تتذكر يوم الأحد ثالث أكتوبر 2010، عندما حلت لجنة
من وزارة الثقافة بالمضيق من أجل مشروع بناء مسرح، فقدمت مديرة دار الثقافة
بحضور الزواق، المندوب الجهوي لوزارة الثقافة، زوجها إلى أعضاء اللجنة
بوصفه المهندس الذي سيشرف على تصميم المشروع.
الخطير في هذا الاتهام هو كون السيدة سميرة قدري، مديرة دار الثقافة،
والسيد الزواق، المندوب الجهوي لوزارة الثقافة، كانا عضوين في اللجنة التي
عرضت عليها مقترحات مكاتب الهندسة الراغبة في الفوز بصفقة تصميم المسرح.
وحسب الوثائق التي تتوفر عليها «المساء»، فمديرة دار الثقافة طلبت من أحد
الموظفين إرسال الملف التقني للمشروع إلى زوجها المهندس، الذي سيكون المشرف
على أشغال بناء المسرح.
الأسئلة التي تطرح هنا كثيرة ومعقدة وخطيرة. كيف حصل المهندس زوج مديرة دار
الثقافة على هذه الصفقة، وهل تم احترام قانون الصفقات خلال تفويتها، وهل
سربت مديرة الثقافة وعضو اللجنة معلومات تقنية إلى زوجها المهندس سهلت
حصوله على الصفقة. وهل كان هناك طلب عروض عمومي أصلا؟
نتابع طرح الأسئلة في عدد الغد، لمعرفة المزيد حول هذه الشجرة التي يحاول بها البعض في تطوان والرباط إخفاء الغابة.
الخاصة والحياة العامة، لهدف واحد وواضح هو نزع المصداقية عن فضائح بعض
الشخصيات العمومية التي ننشر أخبارا وصورا تتعلق بها.
لكي نوضح أوجه «تخلاط العرارم» هذا، سنعطي أمثلة بسيطة. عندما ننشر صورة
حكيم من حكماء الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري وهو يرقص، على هامش
مهرجان مراكش السينمائي، أمام الملأ في كباري مراكشي مشهور ومفتوح في وجه
العموم، فإننا لا نمس بالحياة الخاصة لهذا الموظف العمومي المعين بظهير.
عندما ننشر صورة زوجة مدير المركز السينمائي المغربي وهي تقبل زوجها فوق
البساط الأحمر أمام الجمهور والصحافيين، فإننا لا نقتحم الحياة الخاصة
لهذين الزوجين. والأمر أيضا ينطبق على نشر خبر يتعلق بنشر صورة الزوجة
عارية على غلاف مجلة نسائية، إذ ليس في الأمر أدنى اقتحام للحياة الخاصة
مادامت المعنية بالأمر نفسها قبلت بعرض جسدها عاريا على غلاف مجلة تباع في
الأكشاك للعموم.
عندما ننشر صورا لشخصيات سياسية وحزبية تسير الشأن المحلي للدار البيضاء،
تظهر فيها وهي تغادر كباري في الواحدة بعد منتصف الليل، يسيره صاحب سوابق
حصل على الرخص القانونية بطرق مشبوهة، فإن هذه «الزيارة» وهذه الصور تصبح
خبرا يستحق النشر لكي يطلع عليه المواطنون الذين منحوا أصواتهم لهؤلاء
المنتخبين.
أما عندما تصلنا صور خاصة جدا تم التقاطها لمديرة دار الثقافة بتطوان داخل
غرف مغلقة نجهل مكانها، فإننا نمنع أنفسنا من نشرها، لكونها تدخل في إطار
الحياة الخاصة لصاحبتها. فالصور التي تم التقاطها لمديرة دار الثقافة
بتطوان لم تكن في أمكنة عامة، وإنما كانت في أمكنة خاصة نجهل سياقاتها
وملابساتها الحقيقية.
ولذلك لم ننشر بخصوص قضية مديرة دار الثقافة بتطوان، السيدة سميرة قدري،
كما تقول شهادة ميلادها وليس القادري كما تعرف نفسها على ألبوماتها
الغنائية، سوى الأمور التي لها علاقة بمسؤوليتها المالية والإدارية كمديرة
لمؤسسة عمومية تابعة لوزارة الثقافة وتمول ميزانياتها من جيوب دافعي
الضرائب.
ولهذا خصصنا صفحة كاملة من أحد أعدادنا السابقة للحديث حول الاتهامات
باستغلال النفوذ التي تحوم حول مديرة دار الثقافة بتطوان، واستغلالها
لمنصبها كمديرة من أجل الحصول على دعوات للغناء في المهرجانات الدولية،
وتوفرها على حسابات بنكية خارج المغرب بدون موافقة مكتب الصرف.
أما صورها ومقاطع الأشرطة التي تعرضها المواقع المتخصصة في نشر السخافة،
فكلها أمور لا تهمنا في شيء. ما يهمنا نحن هو معرفة مدى صحة الاتهامات
الموجهة ضدها وضد المندوب الجهوي لوزارة الثقافة بتطوان، المهدي الزواق،
وهي الاتهامات التي نتوفر على جميع الأدلة والوثائق والفواتير التي تؤكد
صحتها.
ولذلك فعوض أن تلجأ السيدة سميرة قدري إلى تنظيم ندوة صحافية لتسفيه كل ما
نشر حول استغلالها لمنصبها كمديرة لدار الثقافة بتطوان، فقد كان الأجدر بها
أن تلجأ إلى القضاء وترفع دعوى أمامه ضد «المساء» بتهمة نشر أخبار كاذبة
حولها.
آنذاك سنذهب إلى المحكمة ونقدم الأدلة التي بحوزتنا. وإذا ثبت أن ما نشرناه
كذب، سنكون مجبرين على الاعتذار إليها وتنفيذ حكم المحكمة لصالح مديرة دار
الثقافة.
لكن لا شيء من كل هذا حصل. لا المديرة لجأت إلى القضاء، ولا وزير الثقافة،
الغارق في تدخلاته لدى هيئة تحكيم جائزة البوكر العربية من أجل فوز روايته
«معذبتي» بالجائزة، كلف نفسه عناء فتح تحقيق في كل الاتهامات الخطيرة التي
تحوم حول مديرته ومندوبه الجهوي بتطوان، ولا مكتب الصرف كلف نفسه فتح تحقيق
معمق لمعرفة حقيقة توفر مديرة دار الثقافة على حسابات بنكية في الخارج
بدون توفرها على بطاقة الإقامة في إحدى هذه الدول.
الجميع فضل نهج سياسة النعامة ودس رأسه في الرمل بانتظار هدوء العاصفة. هذا
في الوقت الذي تطوع فيه بعض الانتهازيين من فصيلة «كاري حنكو» لتسفيه
وتكذيب كل ما نشرناه حول مديرة دار الثقافة والمندوب الجهوي لوزارة الثقافة
معززا بالأدلة والوثائق، محاولين خلط شعبان برمضان، وذلك بإقحام الحديث
حول الحياة الخاصة للفنانة سميرة القادري في الموضوع. والحال أننا تحدثنا
عن سميرة قدري مديرة دار الثقافة وليس عن سميرة القادري مغنية الملحون. كما
أننا نشرنا صورا للوثائق والفواتير التي تتحدث عن المبالغ المالية التي
ضخت في حساباتها البنكية بالخارج، ولم ننشر صورها الخاصة في الغرف المغلقة.
أين هي الحياة الخاصة عندما نقول إن الاسم الحقيقي لمديرة دار الثقافة
بتطوان هو سميرة قدري وليس سميرة القادري، الذي تحاول من خلال تعديله
الإحالة على ارتباطها بالزاوية القادرية.
أين هي الحياة الخاصة عندما نقول إن مديرة دار الثقافة تتوفر باسمها الشخصي
على حساب بنكي في قادس الإسبانية تحت رقم 01821600290291505700
إن توفر موظف عمومي يتحمل مسؤولية إدارية في قطاع وزاري على حساب بنكي في
الخارج غير معترف به من طرف مكتب الصرف، تودع به مبالغ مالية كبيرة، يعني
أن هذه المبالغ غير مصرح بها، أي أن صاحبها يتهرب من دفع الضرائب لخزينة
الدولة المغربية. وهذه وحدها تعتبر جريمة في القانون المغربي.
وتعرف السيدة مديرة دار الثقافة بتطوان أنها لن تستطيع تكذيب خبر توفرها
على هذا الحساب، لأننا نتوفر على المراسلات التي طلبت فيها من مدراء
المهرجانات، التي كانت تترك وظيفتها للمشاركة فيها، أن يضخوا لها مستحقاتها
المالية في هذا الحساب البنكي.
ولعل إحدى الممارسات غير القانونية التي تورطت فيها مديرة دار الثقافة
والمندوب الجهوي للثقافة هي توقيعهما على عقد يسمح للإسباني «إدواردو
غارسيا كالديرون» بتسجيل أمسيات مهرجان العود لسنة 2008 المنظم من طرف
وزارة الثقافة على قرص مدمج وتسويقه عالميا، وخصوصا في إسبانيا.
وقد وقع عقد الاستغلال السي الزواق وسميرة قدري مع الإسباني «إدواردو»، وكان نصيبهما من العقد هو حصولهما على 1000 قرص مدمج.
قانونيا، العقد يجب أن يوقع بين الإسباني ووزارة الثقافة، وعائدات الأقراص
المسجلة يجب أن تذهب إلى خزينة الوزارة وليس إلى جيوب المديرة والمندوب.
وربما هذه أول مرة نكتشف فيها أن وزارة الثقافة المغربية، وبالضبط دار
الثقافة بتطوان، تمول جمعية ثقافية فرنسية اسمها «ECUME». فقد منحت دار
الثقافة الجمعية الفرنسية، التي تمثلها في المغرب سميرة قدري، ميزانية خلال
سنتي 2009 و2010 قدرها 60 مليون سنتيم على دفعتين.
وعندما نبحث في موقع الجمعية على الأنترنيت، لا نعثر على ما يدل على أن
المبلغ دخل فعلا حسابات الجمعية. كما أن «لوغو» دار الثقافة لا أثر له في
مطبوعات هذه الجمعية التي تجمع سميرة قدري بين تمثيل مكتبها بالمغرب
والاستفادة من دعم وزارة الثقافة المغربية لها عن طريق تقاضيها لتعويضات عن
غنائها في المهرجانات التي تنظمها الجمعية في فرنسا.
وهنا يظهر التجسيد الأمثل لتضارب المصالح واستغلال النفوذ. فمديرة دار
الثقافة تسخر منصبها لعقد شراكات ومنح ميزانيات الدعم من أجل خدمة مسارها
الفني والغنائي الخاص الذي يعود عليها بالعملة الصعبة.
وبالإضافة إلى استغلال مديرة دار الثقافة لمنصبها الحكومي للقيام بدعوة فرق
موسيقية أجنبية إلى المغرب على حساب ميزانية وزارة الثقافة، من أجل التوصل
بدعوات من طرفهم باسم المديرة تستضيفها للمشاركة بشكل شخصي في مهرجاناتهم
الأوربية مقابل تعويضات تودعها في حسابها البنكي الأوربي، فإن أخطر اتهام
يحوم حول مديرة دار الثقافة هو استغلالها لنصبها من أجل تسهيل فوز زوجها
المهندس توفيق المرابط بصفقة بناء مسرح المضيق.
ولعل السيدة سميرة قدري تتذكر يوم الأحد ثالث أكتوبر 2010، عندما حلت لجنة
من وزارة الثقافة بالمضيق من أجل مشروع بناء مسرح، فقدمت مديرة دار الثقافة
بحضور الزواق، المندوب الجهوي لوزارة الثقافة، زوجها إلى أعضاء اللجنة
بوصفه المهندس الذي سيشرف على تصميم المشروع.
الخطير في هذا الاتهام هو كون السيدة سميرة قدري، مديرة دار الثقافة،
والسيد الزواق، المندوب الجهوي لوزارة الثقافة، كانا عضوين في اللجنة التي
عرضت عليها مقترحات مكاتب الهندسة الراغبة في الفوز بصفقة تصميم المسرح.
وحسب الوثائق التي تتوفر عليها «المساء»، فمديرة دار الثقافة طلبت من أحد
الموظفين إرسال الملف التقني للمشروع إلى زوجها المهندس، الذي سيكون المشرف
على أشغال بناء المسرح.
الأسئلة التي تطرح هنا كثيرة ومعقدة وخطيرة. كيف حصل المهندس زوج مديرة دار
الثقافة على هذه الصفقة، وهل تم احترام قانون الصفقات خلال تفويتها، وهل
سربت مديرة الثقافة وعضو اللجنة معلومات تقنية إلى زوجها المهندس سهلت
حصوله على الصفقة. وهل كان هناك طلب عروض عمومي أصلا؟
نتابع طرح الأسئلة في عدد الغد، لمعرفة المزيد حول هذه الشجرة التي يحاول بها البعض في تطوان والرباط إخفاء الغابة.
elbouari_tetouan- عدد الرسائل : 673
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 12/03/2008
رد: شوف تشوف
الذين حضروا اللقاء «التواصلي» الذي نظمته مديرة دار الثقافة، سميرة قدري،
وزوجها المهندس توفيق المرابط، رفقة المندوب الجهوي لوزارة الثقافة في
تطوان، المهدي الزواق، بدار الفنون والصنائع، من أجل سماع رد المديرة على
التهم الثقيلة التي تحوم حولها، خرجوا بقناعة واضحة مفادها أن السيدة ليس
لديها ما تفند به الوقائع والاتهامات التي نشرتها «المساء».
فأغلب التدخلات لم تخرج عن نظم قصائد الغزل في حق «الفنانة»، إلى درجة أن
أحدهم قال في حقها إنها أنقى من الشرف نفسه. فيما اعتبر المسؤول الأول
لمؤسسة محمد السادس بتطوان وعضو المجلس البلدي، الذي هاجر من حزب المؤتمر
الوطني إلى حزب وزير المالية، أن الفنانة ضحية مؤامرة، ليس عليها وحدها بل
على المدينة بكاملها.
والأسطوانة نفسها كررها أعضاء آخرون سبق لهم أن تخلوا عن حزب الاستقلال مهرولين لركوب جرار الأصالة والمعاصرة.
المهم أن الأسئلة الحقيقية، التي تتعلق باستغلال المديرة وزوجها ومندوب
وزارة الثقافة لنفوذهم من أجل تحقيق مصالح مادية شخصية، بقيت معلقة بدون
جواب.
وعوض تقديم إجابات واضحة بالدلائل والبراهين تفند ما نشرناه، طالبت مديرة
دار الثقافة الحضور، وعبره الرأي العام، بقلب هذه الصفحة والاتجاه نحو
المستقبل، لأن حصولها على جائزة زرياب ومشاركتها في المهرجانات الوطنية
ومرورها في أحد البرامج الثقافية كلها أشياء تدل على أن ذمتها بريئة من كل
ما ينسب إليها من تجاوزات.
من الواضح أن مديرة دار الثقافة وزوجها المهندس و«شريكهما»، مندوب وزارة
الثقافة على جهة طنجة تطوان، ليس لديهم ما يدافعون به عن أنفسهم، بل إن
اللقاء الذي نظموه بدار الفنون والصنائع، عوض قاعة مندوبية وزارة الثقافة،
يكشف أن ما نشرناه من تجاوزات لهذا الثلاثي ليس سوى الشجرة التي تخفي
الغابة.
ولذلك عوض أن يلجؤوا إلى المحكمة للدفاع عن براءتهم من كل التهم التي تحوم
حولهم، بادروا إلى عقد لقاء تواصلي تكلف بإعداده وتنظيمه موظف بالمركز
المغربي لحقوق المؤلف، تحت ما أصبحوا يسمونه «جبهة الدفاع عن شموخ الفنانة
سميرة القادري».
والحقيقة أن «جبهة» هؤلاء المدافعين عن مديرة دار الثقافة وزوجها المهندس
والمندوب الجهوي لوزارة الثقافة «صحيحة نيت»، خصوصا موظف المركز المغربي
لحقوق المؤلف الذي لم يحرك ساكنا عندما تم استغلال الإسباني PANIAGUA،
بتواطؤ مع قدري والزواق، لحقوق فنانين مغاربة، وذلك بتسجيل سهراتهم على
أسطوانات وبيعها بدون علمهم في أوربا.
هؤلاء الذين شكلوا «جبهة» للدفاع عن السيدة المديرة وشركائها الذين حولوا
ميزانيات وزارة الثقافة المرصودة للجمعيات إلى الحسابات البنكية للجمعيات
التي أسسوها ونصبوا أنفسهم أعضاء في هياكلها التقريرية، يجب أن يخجلوا من
أنفسهم، لأن الأولى بالدفاع هو المال العام وليس المال الخاص الذي يسمن في
الحسابات الأجنبية.
إن ما قام به هؤلاء الموظفون العموميون يعتبر المثال الأفظع على استغلال
النفوذ من أجل الاغتناء الشخصي. ولعل الجمعيات التي أسستها المديرة
والمندوب الجهوي للوزارة، ومعهما بعض موظفي وزارة الثقافة بجهة طنجة تطوان،
وخصصا لها دعما سخيا من ميزانية وزارة الثقافة، كثيرة وبلا عدد.
وأهمها جمعية «تنمية الفنون والثقافات» ADAC التي أسسها خمسة موظفين من
وزارة الثقافة، أهمهم المهدي الزواق مندوب الوزارة، الذي أسند إلى نفسه
مهمة رئيس الجمعية، وسميرة قدري مديرة دار الثقافة، التي أسندت إلى نفسها
مهمة أمينة المال.
هذه الجمعية لديها مهمة واحدة ووحيدة هي تنظيم «مهرجان العود» السنوي والذي استفاد برسم سنة 2010 من ميزانية قدرها 65 مليون سنتيم.
وهكذا تلعب المديرة والمندوب دورين متعارضين، قانونيا وأخلاقيا، فهما من
جهة مسيران ومسؤولان ماليان في الجمعية التي تستفيد من منحة وزارة الثقافة
التي يشغلان فيها منصبين عموميين هامين، أي أنهما يمنحان -كممثلين لوزارة
الثقافة- الدعم لجمعيتهما ثم يتصرفان فيه بوصفهما يتحملان منصبي الرئاسة
وأمانة المال في الجمعية.
ويصبح الأمر أكثر إثارة للسخرية عندما نكتشف أن المهرجان الذي تنظمه
الجمعية تشارك فيه فرقة المديرة الغنائية وتتقاضى تعويضات عن هذه المشاركة.
كما تتقاضى المديرة وسعادة المندوب «الزواق» تعويضات عن «التنقلات»
بوصفهما عضوين في جمعية «تنمية الفنون والثقافات».
وإلى جانب جمع الموظفين العموميين بين عملهما في الوزارة و«نشاطهما» في هذه
الجمعية، هناك جمعية أخرى أسستها المديرة والمندوب تحت اسم «أصوات
نسائية»، مع فارق بسيط هو أنه إذا كانت المديرة والمندوب يحملان قبعتين في
الجمعية الأولى فإنهما في هذه الجمعية يحملان أربع قبعات.
فالسيد المندوب «الزواق» يتحمل، بالإضافة إلى مسؤوليته كمندوب لوزارة
الثقافة على جهة طنجة تطوان، مسؤولية نائب رئيس جمعية «أصوات نسائية»، كما
يتحمل مسؤولية تمثيل وزارة الثقافة في الدعم المالي الذي تقدمه إلى
الجمعية، ويتحمل أيضا مسؤولية التسيير داخل الجمعية وتدبير صرف الدعم الذي
حصلت عليه من الوزارة.
أما بالنسبة إلى سميرة قدري، فإنها، بالإضافة إلى تحملها مسؤولية مديرة دار
الثقافة بجهة تطوان، تتحمل أيضا مسؤولية الإدارة الفنية لمهرجان «أصوات
نسائية»، الذي تحصل من ورائه على راتب وتعويضات، كما تتحمل مسؤولية تمثيل
وزارة الثقافة في الدعم المقدم إلى هذا المهرجان، والذي تشارك فيه بإحياء
أمسية هي وفرقتها مؤدى عنها.
والسيناريو نفسه يتكرر مع جمعية «إكيم» الفرنسية التي يوجد مقرها في
«مارسيليا»، والتي ترأس فرعها في المغرب سميرة قدري. هذه الجمعية سبق لها
أن استفادت من دعم مالي سخي من طرف مندوبية وزارة الثقافة بجهة تطوان طنجة،
هذا في الوقت الذي لا تحصل فيه الجمعيات الثقافية المحلية سوى على
«البرد»، قدره 60 مليون سنتيم على دفعتين، بموافقة سعادة المندوب «الزواق»
خلال سنتي 2010/2009، والذي لا يظهر في موقع الجمعية الرسمي ما يفيد بأنها
توصلت به. والدليل على ذلك أن «لوغو» وزارة الثقافة غير موجود ضمن «لوغوات»
الجهات المحتضنة لأنشطة جمعية «إكيم».
هنا أيضا تعتمر سميرة قدري أربع قبعات، فهي أولا رئيسة فرع جمعية «إكيم»
بالمغرب، وهي ثانيا مديرة دار الثقافة بتطوان، وهي ثالثا المستفيدة من منحة
60 مليونا، وهي رابعا مغنية ضمن المغنيات المشاركات في أنشطة جمعية
«إكيم»، وحاصلة على تعويضات عن هذه المشاركة الغنائية.
إن هذا الجمع الفاضح بين المسؤولية العمومية كآمر بالصرف للمال العمومي،
وبين مسؤولية المسير في الجمعيات، وبين الاستفادة الشخصية من أموال الدعم
العمومي، يعطينا صورة واضحة عن جريمة «تعارض المصلحة» le conflit
d'intérêt، وأيضا «استغلال النفوذ».
إن زيارة عاجلة لقضاة المجلس الأعلى للحسابات ومحاسبي «مفتشية وزارة
المالية» لمندوبية وزارة الثقافة بجهة تطوان-طنجة أصبحت مسألة ضرورية، حتى
يطلع قضاة المجلس وموظفو المفتشية على لوائح الجمعيات المستفيدة من أموال
وزارة الثقافة، خصوصا تلك الجمعيات التي لا تظهر أسماؤها وبالمقابل تظهر
المبالغ التي تستفيد منها، والتي يدور حديث خافت في جهة تطوان-طنجة حول
كونها إما جمعيات وهمية لشفط المال العمومي، وإما جمعيات حقيقية يقف وراءها
موظفون في وزارة الثقافة بالجهة.
كما أن زيارة عاجلة لهؤلاء القضاة والمفتشين الماليين ستكون ضرورية لتسليط
الضوء على تفاصيل الصفقات العمومية التي عقدتها مندوبية وزارة الثقافة في
جهة تطوان-طنجة، والتي استفاد منها زوج سميرة قدري، المهندس توفيق المرابط،
الذي منحه أحد أعضاء «الجبهة» لقب «الزوج المثالي» أسوة بجريدة محلية منحت
سميرة قدري لقب «المرأة الحديدية لسنة 2010».
آنذاك، سيرى الجميع ما إذا كانت الشروط التي فاز وفقها «الزوج المثالي»
بصفقة تصميم مسرح الفنيدق والإشراف على بنائه، مثالية أم «فيها إن».
إن السيدة سميرة قدري، رغم محاولتها التركيز على وجهها الفني، تظل موظفة
عمومية تشتغل في قطاع عمومي. وعلى هذا الأساس، فهي مدعوة إلى احترام
القوانين المالية والإدارية الجاري بها العمل في قطاع الوظيفة العمومية.
وإلى اليوم، وطيلة إحيائها لسهرات بالعشرات داخل المغرب وخارجه، لم يثبت أن
قدمت الفنانة تصريحا إلى مديرية الضرائب بحجم الأموال التي تلقتها نظير
مشاركاتها الفنية الكثيرة إلى جانب فرقتها الغنائية «أرابيسك»، والتي تتوفر
«المساء» على العقود والتحويلات البنكية التي تثبت وجودها وحجمها ومصدرها.
وهذا وحده، في الدول التي تحترم نفسها، يكفي لكي يستقيل بسببه الموظف العمومي من منصبه. هذا إذا لم يجد نفسه وراء القضبان.
لهذا، فالهدف الرئيسي من وراء تنظيم المديرة وزوجها والمندوب «الزواق» لهذا
اللقاء في مدرسة «الصنائع والفنون» كان هو تغليط الرأي العام وتحويل قضية
استغلال نفوذ وتعارض مصالح إلى قضية صور شخصية وأشرطة وتصفية حسابات صغيرة
بين مغنيتين متنافستين حول الشهرة والتألق.
فمتى تتجرأ وزارتا الثقافة والمالية والمجلس الأعلى للحسابات على إرسال
لجان بحث لتحديد المسؤوليات وإيقاف النزيف بهذه الجهة الشمالية التي تحولت
إلى مدرسة «الصنائع والفنون» في النصب والاحتيال وإهدار المال العام.
وزوجها المهندس توفيق المرابط، رفقة المندوب الجهوي لوزارة الثقافة في
تطوان، المهدي الزواق، بدار الفنون والصنائع، من أجل سماع رد المديرة على
التهم الثقيلة التي تحوم حولها، خرجوا بقناعة واضحة مفادها أن السيدة ليس
لديها ما تفند به الوقائع والاتهامات التي نشرتها «المساء».
فأغلب التدخلات لم تخرج عن نظم قصائد الغزل في حق «الفنانة»، إلى درجة أن
أحدهم قال في حقها إنها أنقى من الشرف نفسه. فيما اعتبر المسؤول الأول
لمؤسسة محمد السادس بتطوان وعضو المجلس البلدي، الذي هاجر من حزب المؤتمر
الوطني إلى حزب وزير المالية، أن الفنانة ضحية مؤامرة، ليس عليها وحدها بل
على المدينة بكاملها.
والأسطوانة نفسها كررها أعضاء آخرون سبق لهم أن تخلوا عن حزب الاستقلال مهرولين لركوب جرار الأصالة والمعاصرة.
المهم أن الأسئلة الحقيقية، التي تتعلق باستغلال المديرة وزوجها ومندوب
وزارة الثقافة لنفوذهم من أجل تحقيق مصالح مادية شخصية، بقيت معلقة بدون
جواب.
وعوض تقديم إجابات واضحة بالدلائل والبراهين تفند ما نشرناه، طالبت مديرة
دار الثقافة الحضور، وعبره الرأي العام، بقلب هذه الصفحة والاتجاه نحو
المستقبل، لأن حصولها على جائزة زرياب ومشاركتها في المهرجانات الوطنية
ومرورها في أحد البرامج الثقافية كلها أشياء تدل على أن ذمتها بريئة من كل
ما ينسب إليها من تجاوزات.
من الواضح أن مديرة دار الثقافة وزوجها المهندس و«شريكهما»، مندوب وزارة
الثقافة على جهة طنجة تطوان، ليس لديهم ما يدافعون به عن أنفسهم، بل إن
اللقاء الذي نظموه بدار الفنون والصنائع، عوض قاعة مندوبية وزارة الثقافة،
يكشف أن ما نشرناه من تجاوزات لهذا الثلاثي ليس سوى الشجرة التي تخفي
الغابة.
ولذلك عوض أن يلجؤوا إلى المحكمة للدفاع عن براءتهم من كل التهم التي تحوم
حولهم، بادروا إلى عقد لقاء تواصلي تكلف بإعداده وتنظيمه موظف بالمركز
المغربي لحقوق المؤلف، تحت ما أصبحوا يسمونه «جبهة الدفاع عن شموخ الفنانة
سميرة القادري».
والحقيقة أن «جبهة» هؤلاء المدافعين عن مديرة دار الثقافة وزوجها المهندس
والمندوب الجهوي لوزارة الثقافة «صحيحة نيت»، خصوصا موظف المركز المغربي
لحقوق المؤلف الذي لم يحرك ساكنا عندما تم استغلال الإسباني PANIAGUA،
بتواطؤ مع قدري والزواق، لحقوق فنانين مغاربة، وذلك بتسجيل سهراتهم على
أسطوانات وبيعها بدون علمهم في أوربا.
هؤلاء الذين شكلوا «جبهة» للدفاع عن السيدة المديرة وشركائها الذين حولوا
ميزانيات وزارة الثقافة المرصودة للجمعيات إلى الحسابات البنكية للجمعيات
التي أسسوها ونصبوا أنفسهم أعضاء في هياكلها التقريرية، يجب أن يخجلوا من
أنفسهم، لأن الأولى بالدفاع هو المال العام وليس المال الخاص الذي يسمن في
الحسابات الأجنبية.
إن ما قام به هؤلاء الموظفون العموميون يعتبر المثال الأفظع على استغلال
النفوذ من أجل الاغتناء الشخصي. ولعل الجمعيات التي أسستها المديرة
والمندوب الجهوي للوزارة، ومعهما بعض موظفي وزارة الثقافة بجهة طنجة تطوان،
وخصصا لها دعما سخيا من ميزانية وزارة الثقافة، كثيرة وبلا عدد.
وأهمها جمعية «تنمية الفنون والثقافات» ADAC التي أسسها خمسة موظفين من
وزارة الثقافة، أهمهم المهدي الزواق مندوب الوزارة، الذي أسند إلى نفسه
مهمة رئيس الجمعية، وسميرة قدري مديرة دار الثقافة، التي أسندت إلى نفسها
مهمة أمينة المال.
هذه الجمعية لديها مهمة واحدة ووحيدة هي تنظيم «مهرجان العود» السنوي والذي استفاد برسم سنة 2010 من ميزانية قدرها 65 مليون سنتيم.
وهكذا تلعب المديرة والمندوب دورين متعارضين، قانونيا وأخلاقيا، فهما من
جهة مسيران ومسؤولان ماليان في الجمعية التي تستفيد من منحة وزارة الثقافة
التي يشغلان فيها منصبين عموميين هامين، أي أنهما يمنحان -كممثلين لوزارة
الثقافة- الدعم لجمعيتهما ثم يتصرفان فيه بوصفهما يتحملان منصبي الرئاسة
وأمانة المال في الجمعية.
ويصبح الأمر أكثر إثارة للسخرية عندما نكتشف أن المهرجان الذي تنظمه
الجمعية تشارك فيه فرقة المديرة الغنائية وتتقاضى تعويضات عن هذه المشاركة.
كما تتقاضى المديرة وسعادة المندوب «الزواق» تعويضات عن «التنقلات»
بوصفهما عضوين في جمعية «تنمية الفنون والثقافات».
وإلى جانب جمع الموظفين العموميين بين عملهما في الوزارة و«نشاطهما» في هذه
الجمعية، هناك جمعية أخرى أسستها المديرة والمندوب تحت اسم «أصوات
نسائية»، مع فارق بسيط هو أنه إذا كانت المديرة والمندوب يحملان قبعتين في
الجمعية الأولى فإنهما في هذه الجمعية يحملان أربع قبعات.
فالسيد المندوب «الزواق» يتحمل، بالإضافة إلى مسؤوليته كمندوب لوزارة
الثقافة على جهة طنجة تطوان، مسؤولية نائب رئيس جمعية «أصوات نسائية»، كما
يتحمل مسؤولية تمثيل وزارة الثقافة في الدعم المالي الذي تقدمه إلى
الجمعية، ويتحمل أيضا مسؤولية التسيير داخل الجمعية وتدبير صرف الدعم الذي
حصلت عليه من الوزارة.
أما بالنسبة إلى سميرة قدري، فإنها، بالإضافة إلى تحملها مسؤولية مديرة دار
الثقافة بجهة تطوان، تتحمل أيضا مسؤولية الإدارة الفنية لمهرجان «أصوات
نسائية»، الذي تحصل من ورائه على راتب وتعويضات، كما تتحمل مسؤولية تمثيل
وزارة الثقافة في الدعم المقدم إلى هذا المهرجان، والذي تشارك فيه بإحياء
أمسية هي وفرقتها مؤدى عنها.
والسيناريو نفسه يتكرر مع جمعية «إكيم» الفرنسية التي يوجد مقرها في
«مارسيليا»، والتي ترأس فرعها في المغرب سميرة قدري. هذه الجمعية سبق لها
أن استفادت من دعم مالي سخي من طرف مندوبية وزارة الثقافة بجهة تطوان طنجة،
هذا في الوقت الذي لا تحصل فيه الجمعيات الثقافية المحلية سوى على
«البرد»، قدره 60 مليون سنتيم على دفعتين، بموافقة سعادة المندوب «الزواق»
خلال سنتي 2010/2009، والذي لا يظهر في موقع الجمعية الرسمي ما يفيد بأنها
توصلت به. والدليل على ذلك أن «لوغو» وزارة الثقافة غير موجود ضمن «لوغوات»
الجهات المحتضنة لأنشطة جمعية «إكيم».
هنا أيضا تعتمر سميرة قدري أربع قبعات، فهي أولا رئيسة فرع جمعية «إكيم»
بالمغرب، وهي ثانيا مديرة دار الثقافة بتطوان، وهي ثالثا المستفيدة من منحة
60 مليونا، وهي رابعا مغنية ضمن المغنيات المشاركات في أنشطة جمعية
«إكيم»، وحاصلة على تعويضات عن هذه المشاركة الغنائية.
إن هذا الجمع الفاضح بين المسؤولية العمومية كآمر بالصرف للمال العمومي،
وبين مسؤولية المسير في الجمعيات، وبين الاستفادة الشخصية من أموال الدعم
العمومي، يعطينا صورة واضحة عن جريمة «تعارض المصلحة» le conflit
d'intérêt، وأيضا «استغلال النفوذ».
إن زيارة عاجلة لقضاة المجلس الأعلى للحسابات ومحاسبي «مفتشية وزارة
المالية» لمندوبية وزارة الثقافة بجهة تطوان-طنجة أصبحت مسألة ضرورية، حتى
يطلع قضاة المجلس وموظفو المفتشية على لوائح الجمعيات المستفيدة من أموال
وزارة الثقافة، خصوصا تلك الجمعيات التي لا تظهر أسماؤها وبالمقابل تظهر
المبالغ التي تستفيد منها، والتي يدور حديث خافت في جهة تطوان-طنجة حول
كونها إما جمعيات وهمية لشفط المال العمومي، وإما جمعيات حقيقية يقف وراءها
موظفون في وزارة الثقافة بالجهة.
كما أن زيارة عاجلة لهؤلاء القضاة والمفتشين الماليين ستكون ضرورية لتسليط
الضوء على تفاصيل الصفقات العمومية التي عقدتها مندوبية وزارة الثقافة في
جهة تطوان-طنجة، والتي استفاد منها زوج سميرة قدري، المهندس توفيق المرابط،
الذي منحه أحد أعضاء «الجبهة» لقب «الزوج المثالي» أسوة بجريدة محلية منحت
سميرة قدري لقب «المرأة الحديدية لسنة 2010».
آنذاك، سيرى الجميع ما إذا كانت الشروط التي فاز وفقها «الزوج المثالي»
بصفقة تصميم مسرح الفنيدق والإشراف على بنائه، مثالية أم «فيها إن».
إن السيدة سميرة قدري، رغم محاولتها التركيز على وجهها الفني، تظل موظفة
عمومية تشتغل في قطاع عمومي. وعلى هذا الأساس، فهي مدعوة إلى احترام
القوانين المالية والإدارية الجاري بها العمل في قطاع الوظيفة العمومية.
وإلى اليوم، وطيلة إحيائها لسهرات بالعشرات داخل المغرب وخارجه، لم يثبت أن
قدمت الفنانة تصريحا إلى مديرية الضرائب بحجم الأموال التي تلقتها نظير
مشاركاتها الفنية الكثيرة إلى جانب فرقتها الغنائية «أرابيسك»، والتي تتوفر
«المساء» على العقود والتحويلات البنكية التي تثبت وجودها وحجمها ومصدرها.
وهذا وحده، في الدول التي تحترم نفسها، يكفي لكي يستقيل بسببه الموظف العمومي من منصبه. هذا إذا لم يجد نفسه وراء القضبان.
لهذا، فالهدف الرئيسي من وراء تنظيم المديرة وزوجها والمندوب «الزواق» لهذا
اللقاء في مدرسة «الصنائع والفنون» كان هو تغليط الرأي العام وتحويل قضية
استغلال نفوذ وتعارض مصالح إلى قضية صور شخصية وأشرطة وتصفية حسابات صغيرة
بين مغنيتين متنافستين حول الشهرة والتألق.
فمتى تتجرأ وزارتا الثقافة والمالية والمجلس الأعلى للحسابات على إرسال
لجان بحث لتحديد المسؤوليات وإيقاف النزيف بهذه الجهة الشمالية التي تحولت
إلى مدرسة «الصنائع والفنون» في النصب والاحتيال وإهدار المال العام.
elbouari_tetouan- عدد الرسائل : 673
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 12/03/2008
رد: شوف تشوف
واهم من سيعتقد أن التفجير الإجرامي الأخير، الذي
دمر كنيسة القديسين المسيحيين في مدينة الإسكندرية بمصر وتسبب في مقتل أكثر
من 25 مسيحيا كانوا يحتفلون بأعياد نهاية السنة الميلادية، ليس سوى عمل
إرهابي يدخل ضمن سلسلة الأعمال الإرهابية التي تحدث في كل مكان من العالم.
استهداف المسيحيين في بلد مسلم بالقتل، في مناسبة دينية مقدسة بالنسبة إلى
العالم المسيحي، يعني جلب غضب العالم المسيحي على المسلمين وإعطاء صورة
بشعة وهمجية عن هذا العالم الإسلامي الذي «يضطهد» مسيحييه ويقتلهم.
إنها الصورة التي تريد وسائل الإعلام الغربية، وخصوصا الفرنسية الواقعة تحت
سيطرة اللوبي اليهودي المتطرف، إلصاقها بالدول الإسلامية التي تعيش بها
أقليلات مسيحية.
ومن يعود إلى المجلات والجرائد الفرنسية التي صدرت قبل خمسة عشر يوما
سيكتشف أنها جميعها خصصت ملفات موسعة للحديث عن معاناة مسيحيي الشرق
ومحنتهم بسبب ما يتعرضون له على يد الأكثرية المسلمة.
وكان التفجير، الذي تعرضت له كنيسة في العراق وسقوط 48 ضحية من الأقلية
المسيحية بسببها، فرصة مواتية لكي تقرع وسائل الإعلام هذه نواقيس الخطر،
مطالبة المنتظم الدولي بالتدخل لحماية المسيحيين من «حرب الإبادة» التي
تـُشن ضدهم.
ومباشرة بعد هذا الحادث استقبلت فرنسا 150 عائلة عراقية مسيحية على أرضها
ومنحتها حق اللجوء والإقامة. كما رفض رئيس الحكومة العراقية توقيع قرار
الإعدام في حق طارق عزيز بسبب انتمائه إلى الأقلية المسيحية في العراق، وهي
الأقلية التي كانت تعيش تحت حكم صدام حسين في أمن وأمان، وتتقلد مناصب
المسؤولية في الجيش والدولة العراقية بدون مشاكل.
ولعل المدهش في ردود الفعل المتضامنة، التي أبداها الإعلام والمنتظم الدولي
مع العراقيين المسيحيين بعد التفجير الإجرامي لكنسية بغداد، هو أن العشرات
من مساجد المسلمين تتعرض للتفجير المتواصل في العراق ويموت بسببها المئات
من العراقيين المسلمين، دون أن تبادر فرنسا أو أية دولة أوربية إلى استقبال
عائلات عراقية مسلمة بسبب التصفية العرقية التي يتعرضون لها أمام أنظار
الغزاة الأمريكيين وحلفائهم الصليبيين.
إنه لمن المدهش أن يكتشف الغرب «معاناة» مسيحيي الدول الإسلامية الآن
بالضبط، هو الذي ظل غير مبال بالمذابح التي يتعرض لها مسيحيو دول فقيرة في
مختلف أنحاء الكرة الأرضية، مما يعني أن هذا الاهتمام المفاجئ ليس وليد حرص
على السلامة الجسدية لطائفة دينية بقدر ما هو وليد الحرص على تطبيق أجندة
الثعلب اليهودي الأمريكي «هنري كيسنجر» الذي أفتى، قبل خمسين سنة، بضرورة
تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات صغيرة لتسهيل الهيمنة الأمريكية
على خيراته.
وهو المخطط الذي بدأ تطبيقه بفصل جنوب السودان عن شماله، وبتغذية بذور
الانقسام الديني والعرقي في منطقة القبايل بالجزائر، وهو أيضا المخطط الذي
انتبه إليه المغرب مبكرا وتصدى له بصرامة وحزم عندما طرد المبشرين الذين
شرعوا في تحويل أبناء قرى أطلسية بكاملها من الإسلام إلى المسيحية.
وهكذا، فبعد قرب نجاح رعاة هذا المخطط في تقسيم السودان إلى دولتين -بعد
استعمال ورقة الأقلية المسيحية وبعد تطعيم متواصل للعداوة بين السودانيين
المسلمين والمسيحيين وحشد الميزانيات الضخمة للدعاية لقضية «دارفور» التي
حشدت لها شخصيات هوليودية، كالممثل «جورج كلوني»، من أجل تبنيها وجلب
التعاطف العالمي حولها- هاهي الأنظار الآن تتجه نحو مصر.
فمصر ينتظرها، مثلما ينتظر السعودية، مخطط جاهز للتقسيم. ومن أجل إنجاح هذا المخطط ليس هناك من ورقة رابحة أحسن من ورقة الأقباط.
ومن يعيد الاستماع إلى تصريح «البابا بندكتوس»، ساعات بعد التفجير الإجرامي
للكنسية القبطية بالإسكندرية، سيعثر على كلمات من قبيل «اضطهاد المسيحيين»
الذي يزداد عبر العالم. والحال أن ما يشهده العالم اليوم هو المزيد من
الاضطهاد للمسلمين، لكن البابا يفضل عدم الحديث عنه، بل إنه في كتابه
الأخير «أنوار العالم» Luce del Mondo، يتحدث عن الإسلام كدين ذي علاقة
وثيقة بالحرب والعنف، في إغفال تام لما تقوم به إسرائيل من تقتيل
للفلسطينيين في انسجام تام مع فتاوى الحاخامات اليهود المتطرفين الذين
يقررون في سياسة الكنيست، وأيضا ما تقوم به أمريكا المسيحية في العراق
وأفغانستان من جرائم ضد الإنسانية.
وليس مهما أن يتذكر الرأي العام اسم التنظيم الجهادي «المجهول» الذي أعلن
مسؤوليته عن تفجير الكنيسة، المهم أن يتذكر الجميع أن دماء هؤلاء المسيحيين
توجد في عنق المسلمين.
لم يعد خافيا على أحد أن العمليات الإجرامية التي تستهدف الأقلية المسيحية في العراق أو مصر يقف وراءها جهاز الموساد الإسرائيلي.
فالمخطط الجهنمي الذي تسعى إليه إسرائيل هو تحريض العالم المسيحي ضد العالم
الإسلامي لتحقيق نبوءة عالم المستقبليات الصهيوني «صامويل هيتينغتون»،
صاحب نظرية صدام الحضارات.
ولذلك فإسرائيل ووراءها الصهيونية العالمية تشعل كل أعواد الثقاب الممكنة
لإيقاد الفتنة، وذلك بتحريض المسيحيين على رسم نبي الإسلام والسخرية منه،
وتصوير الأفلام السينمائية التي تهزأ بالإسلام ونبيه ونسائه المؤمنات،
بغاية دفع متطرفي المسلمين إلى ارتكاب حماقات ضد مصالح العالم المسيحي،
وبالتالي دفع الدول المسيحية إلى طرد المسلمين واضطهادهم ومنعهم من بناء
مساجدهم ومن لبس نسائهم وبناتهم للحجاب، وهو ما بدأ فعلا خلال السنوات
الأخيرة في عدد من الدول الأوربية.
إن الترهيب هو الوسيلة الأكثر استعمالا من طرف جهاز الموساد الإسرائيلي.
ولذلك فهذا الجهاز، الأكثر سرية وفعالية في العالم، يتكفل بتوفير الشروط
المواتية لتطبيق المخططات الجهنمية لدولة إسرائيل الكبرى التي يحلم
الصهاينة بإقامتها على أنقاض عالم عربي مفكك ومجزأ إلى دويلات تذكر بعهد
ملوك الطوائف بالأندلس عندما كان كل أمير عربي يسود على قطعة من الأرض
يعتبرها مملكته.
ولعل أكبر ضحايا تقنية الترهيب، التي يجيدها الموساد هم اليهود المغاربة
الذين كانوا يعيشون لقرون طويلة إلى جانب المسلمين المغاربة. إلى أن جاء
وعد بلفور المشؤوم وقررت بريطانيا إعطاء فلسطين لليهود لكي ينشئوا فوق
أرضها دولتهم. وهكذا بدأت وكالة التهجير اليهودية تأتي باليهود إلى فلسطين
من مختلف بقاع العالم. وبما أن اليهود المغاربة كانوا يشكلون النسبة
الغالبة من اليهود المنتشرين عبر العالم، فقد قررت الوكالة اليهودية
للتهجير تنظيم أكبر عملية تهجير لليهود في تاريخها من المغرب باتجاه
فلسطين.
وبما أن نسبة كبيرة من اليهود المغاربة لم يكونوا يتصورون أنفسهم قادرين
على العيش في مكان آخر غير المغرب، فقد رفضوا فكرة التهجير وتشبثوا ببلدهم.
ولذلك كان ضروريا أن تلجأ الوكالة إلى أسلوب الترهيب لدفع هؤلاء اليهود
المغاربة إلى مغادرة المغرب. فنظمت مذابح بشعة داخل ملاحات اليهود، خصوصا
في وجدة التي شهد ملاحها مجزرة رهيبة تم إلصاقها بالمسلمين المغاربة بدعوى
انتقامهم لهزيمة الجيوش العربية في حرب أكتوبر ولأرواح الفلسطينيين الذين
سقطوا في مذبحة دير ياسين وكفر قاسم.
وباتفاق مع رضا كديرة آنذاك، بدأ المقدمون والشيوخ يوزعون منشورات في الليل
داخل ملاحات المدن يحذرون فيها اليهود من خطورة البقاء في المغرب.
وهكذا، نجحت خطة الترهيب وتم تهجير عشرات الآلاف من اليهود المغاربة إلى
فلسطين، والذين تحول أبناؤهم فيما بعد إلى اليهود الأكثر شراسة في معاداة
العرب والمسلمين داخل إسرائيل. ومن نسل هؤلاء اليهود المغاربة خرج وزراء
وقادة في الجيش وكتاب وصحافيون يقررون في سياسة إسرائيل تجاه العالم.
وبعد نجاحها في تهجير اليهود العرب نحو إسرائيل، تكرر إسرائيل السيناريو
نفسه اليوم من أجل تهجير المسيحيين العرب من الدول العربية نحو أوربا
المسيحية. والهدف هو إظهار الإسلام أمام العالم كدين لا يقبل أن تتعايش معه
الديانات الأخرى بسبب جذور العنف الراسخة فيه. وهذا بالضبط ما يحاول بابا
الفاتيكان شرحه في كتابه الأخير.
مع أن التاريخ يشهد للإسلام بعظمته وقدرته على احتضان الديانات السماوية
الأخرى. والدليل على ذلك أن القرون الثمانية التي ساد فيها الإسلام في
الأندلس عرفت احتضان الإسلام لليهود والمسيحيين فوق أرض واحدة. وكان المسجد
يجاور الكنيسة المسيحية والدير اليهودي في قرطبة وإشبيلية وطليطلة.
وبمجرد ما أحكمت الكنسية الكاثوليكية سيطرتها على الأندلس طردت المسلمين
وأتبعتهم باليهود. فلم يجد اليهود من ملجأ يأوون إليه هربا من بطش الكنسية
إلا حضن الإسلام في بلاد المغرب.
ويشهد التاريخ على عظمة الإسلام وروعته وإنسانيته عندما استرجع صلاح الدين
الأيوبي القدس، فخير المسيحيين واليهود بالاستمرار في العيش مع المسلمين في
المدينة نفسها أو جمع ممتلكاتهم والرحيل بسلام. مع أن المسيحيين عندما
سقطت القدس تحت أيديهم نهبوا المدينة وعلقوا رؤوس المسلمين على أبوابها
واغتصبوا النساء وطهوا الأطفال الصغار في القدور لترهيب سكان المدن
المجاورة ودفعهم إلى الاستسلام بدون مقاومة. وهذا ما حصل بالفعل.
التاريخ يشهد أنه إذا كانت هناك ديانة تعيش تحت رايتها الديانات الأخرى
بسلام فهذه الديانة هي الإسلام. أما بقية الديانات الأخرى فيمكن أن تقبل
براية الإسلام على أراضيها، لكن إلى حين.
دمر كنيسة القديسين المسيحيين في مدينة الإسكندرية بمصر وتسبب في مقتل أكثر
من 25 مسيحيا كانوا يحتفلون بأعياد نهاية السنة الميلادية، ليس سوى عمل
إرهابي يدخل ضمن سلسلة الأعمال الإرهابية التي تحدث في كل مكان من العالم.
استهداف المسيحيين في بلد مسلم بالقتل، في مناسبة دينية مقدسة بالنسبة إلى
العالم المسيحي، يعني جلب غضب العالم المسيحي على المسلمين وإعطاء صورة
بشعة وهمجية عن هذا العالم الإسلامي الذي «يضطهد» مسيحييه ويقتلهم.
إنها الصورة التي تريد وسائل الإعلام الغربية، وخصوصا الفرنسية الواقعة تحت
سيطرة اللوبي اليهودي المتطرف، إلصاقها بالدول الإسلامية التي تعيش بها
أقليلات مسيحية.
ومن يعود إلى المجلات والجرائد الفرنسية التي صدرت قبل خمسة عشر يوما
سيكتشف أنها جميعها خصصت ملفات موسعة للحديث عن معاناة مسيحيي الشرق
ومحنتهم بسبب ما يتعرضون له على يد الأكثرية المسلمة.
وكان التفجير، الذي تعرضت له كنيسة في العراق وسقوط 48 ضحية من الأقلية
المسيحية بسببها، فرصة مواتية لكي تقرع وسائل الإعلام هذه نواقيس الخطر،
مطالبة المنتظم الدولي بالتدخل لحماية المسيحيين من «حرب الإبادة» التي
تـُشن ضدهم.
ومباشرة بعد هذا الحادث استقبلت فرنسا 150 عائلة عراقية مسيحية على أرضها
ومنحتها حق اللجوء والإقامة. كما رفض رئيس الحكومة العراقية توقيع قرار
الإعدام في حق طارق عزيز بسبب انتمائه إلى الأقلية المسيحية في العراق، وهي
الأقلية التي كانت تعيش تحت حكم صدام حسين في أمن وأمان، وتتقلد مناصب
المسؤولية في الجيش والدولة العراقية بدون مشاكل.
ولعل المدهش في ردود الفعل المتضامنة، التي أبداها الإعلام والمنتظم الدولي
مع العراقيين المسيحيين بعد التفجير الإجرامي لكنسية بغداد، هو أن العشرات
من مساجد المسلمين تتعرض للتفجير المتواصل في العراق ويموت بسببها المئات
من العراقيين المسلمين، دون أن تبادر فرنسا أو أية دولة أوربية إلى استقبال
عائلات عراقية مسلمة بسبب التصفية العرقية التي يتعرضون لها أمام أنظار
الغزاة الأمريكيين وحلفائهم الصليبيين.
إنه لمن المدهش أن يكتشف الغرب «معاناة» مسيحيي الدول الإسلامية الآن
بالضبط، هو الذي ظل غير مبال بالمذابح التي يتعرض لها مسيحيو دول فقيرة في
مختلف أنحاء الكرة الأرضية، مما يعني أن هذا الاهتمام المفاجئ ليس وليد حرص
على السلامة الجسدية لطائفة دينية بقدر ما هو وليد الحرص على تطبيق أجندة
الثعلب اليهودي الأمريكي «هنري كيسنجر» الذي أفتى، قبل خمسين سنة، بضرورة
تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات صغيرة لتسهيل الهيمنة الأمريكية
على خيراته.
وهو المخطط الذي بدأ تطبيقه بفصل جنوب السودان عن شماله، وبتغذية بذور
الانقسام الديني والعرقي في منطقة القبايل بالجزائر، وهو أيضا المخطط الذي
انتبه إليه المغرب مبكرا وتصدى له بصرامة وحزم عندما طرد المبشرين الذين
شرعوا في تحويل أبناء قرى أطلسية بكاملها من الإسلام إلى المسيحية.
وهكذا، فبعد قرب نجاح رعاة هذا المخطط في تقسيم السودان إلى دولتين -بعد
استعمال ورقة الأقلية المسيحية وبعد تطعيم متواصل للعداوة بين السودانيين
المسلمين والمسيحيين وحشد الميزانيات الضخمة للدعاية لقضية «دارفور» التي
حشدت لها شخصيات هوليودية، كالممثل «جورج كلوني»، من أجل تبنيها وجلب
التعاطف العالمي حولها- هاهي الأنظار الآن تتجه نحو مصر.
فمصر ينتظرها، مثلما ينتظر السعودية، مخطط جاهز للتقسيم. ومن أجل إنجاح هذا المخطط ليس هناك من ورقة رابحة أحسن من ورقة الأقباط.
ومن يعيد الاستماع إلى تصريح «البابا بندكتوس»، ساعات بعد التفجير الإجرامي
للكنسية القبطية بالإسكندرية، سيعثر على كلمات من قبيل «اضطهاد المسيحيين»
الذي يزداد عبر العالم. والحال أن ما يشهده العالم اليوم هو المزيد من
الاضطهاد للمسلمين، لكن البابا يفضل عدم الحديث عنه، بل إنه في كتابه
الأخير «أنوار العالم» Luce del Mondo، يتحدث عن الإسلام كدين ذي علاقة
وثيقة بالحرب والعنف، في إغفال تام لما تقوم به إسرائيل من تقتيل
للفلسطينيين في انسجام تام مع فتاوى الحاخامات اليهود المتطرفين الذين
يقررون في سياسة الكنيست، وأيضا ما تقوم به أمريكا المسيحية في العراق
وأفغانستان من جرائم ضد الإنسانية.
وليس مهما أن يتذكر الرأي العام اسم التنظيم الجهادي «المجهول» الذي أعلن
مسؤوليته عن تفجير الكنيسة، المهم أن يتذكر الجميع أن دماء هؤلاء المسيحيين
توجد في عنق المسلمين.
لم يعد خافيا على أحد أن العمليات الإجرامية التي تستهدف الأقلية المسيحية في العراق أو مصر يقف وراءها جهاز الموساد الإسرائيلي.
فالمخطط الجهنمي الذي تسعى إليه إسرائيل هو تحريض العالم المسيحي ضد العالم
الإسلامي لتحقيق نبوءة عالم المستقبليات الصهيوني «صامويل هيتينغتون»،
صاحب نظرية صدام الحضارات.
ولذلك فإسرائيل ووراءها الصهيونية العالمية تشعل كل أعواد الثقاب الممكنة
لإيقاد الفتنة، وذلك بتحريض المسيحيين على رسم نبي الإسلام والسخرية منه،
وتصوير الأفلام السينمائية التي تهزأ بالإسلام ونبيه ونسائه المؤمنات،
بغاية دفع متطرفي المسلمين إلى ارتكاب حماقات ضد مصالح العالم المسيحي،
وبالتالي دفع الدول المسيحية إلى طرد المسلمين واضطهادهم ومنعهم من بناء
مساجدهم ومن لبس نسائهم وبناتهم للحجاب، وهو ما بدأ فعلا خلال السنوات
الأخيرة في عدد من الدول الأوربية.
إن الترهيب هو الوسيلة الأكثر استعمالا من طرف جهاز الموساد الإسرائيلي.
ولذلك فهذا الجهاز، الأكثر سرية وفعالية في العالم، يتكفل بتوفير الشروط
المواتية لتطبيق المخططات الجهنمية لدولة إسرائيل الكبرى التي يحلم
الصهاينة بإقامتها على أنقاض عالم عربي مفكك ومجزأ إلى دويلات تذكر بعهد
ملوك الطوائف بالأندلس عندما كان كل أمير عربي يسود على قطعة من الأرض
يعتبرها مملكته.
ولعل أكبر ضحايا تقنية الترهيب، التي يجيدها الموساد هم اليهود المغاربة
الذين كانوا يعيشون لقرون طويلة إلى جانب المسلمين المغاربة. إلى أن جاء
وعد بلفور المشؤوم وقررت بريطانيا إعطاء فلسطين لليهود لكي ينشئوا فوق
أرضها دولتهم. وهكذا بدأت وكالة التهجير اليهودية تأتي باليهود إلى فلسطين
من مختلف بقاع العالم. وبما أن اليهود المغاربة كانوا يشكلون النسبة
الغالبة من اليهود المنتشرين عبر العالم، فقد قررت الوكالة اليهودية
للتهجير تنظيم أكبر عملية تهجير لليهود في تاريخها من المغرب باتجاه
فلسطين.
وبما أن نسبة كبيرة من اليهود المغاربة لم يكونوا يتصورون أنفسهم قادرين
على العيش في مكان آخر غير المغرب، فقد رفضوا فكرة التهجير وتشبثوا ببلدهم.
ولذلك كان ضروريا أن تلجأ الوكالة إلى أسلوب الترهيب لدفع هؤلاء اليهود
المغاربة إلى مغادرة المغرب. فنظمت مذابح بشعة داخل ملاحات اليهود، خصوصا
في وجدة التي شهد ملاحها مجزرة رهيبة تم إلصاقها بالمسلمين المغاربة بدعوى
انتقامهم لهزيمة الجيوش العربية في حرب أكتوبر ولأرواح الفلسطينيين الذين
سقطوا في مذبحة دير ياسين وكفر قاسم.
وباتفاق مع رضا كديرة آنذاك، بدأ المقدمون والشيوخ يوزعون منشورات في الليل
داخل ملاحات المدن يحذرون فيها اليهود من خطورة البقاء في المغرب.
وهكذا، نجحت خطة الترهيب وتم تهجير عشرات الآلاف من اليهود المغاربة إلى
فلسطين، والذين تحول أبناؤهم فيما بعد إلى اليهود الأكثر شراسة في معاداة
العرب والمسلمين داخل إسرائيل. ومن نسل هؤلاء اليهود المغاربة خرج وزراء
وقادة في الجيش وكتاب وصحافيون يقررون في سياسة إسرائيل تجاه العالم.
وبعد نجاحها في تهجير اليهود العرب نحو إسرائيل، تكرر إسرائيل السيناريو
نفسه اليوم من أجل تهجير المسيحيين العرب من الدول العربية نحو أوربا
المسيحية. والهدف هو إظهار الإسلام أمام العالم كدين لا يقبل أن تتعايش معه
الديانات الأخرى بسبب جذور العنف الراسخة فيه. وهذا بالضبط ما يحاول بابا
الفاتيكان شرحه في كتابه الأخير.
مع أن التاريخ يشهد للإسلام بعظمته وقدرته على احتضان الديانات السماوية
الأخرى. والدليل على ذلك أن القرون الثمانية التي ساد فيها الإسلام في
الأندلس عرفت احتضان الإسلام لليهود والمسيحيين فوق أرض واحدة. وكان المسجد
يجاور الكنيسة المسيحية والدير اليهودي في قرطبة وإشبيلية وطليطلة.
وبمجرد ما أحكمت الكنسية الكاثوليكية سيطرتها على الأندلس طردت المسلمين
وأتبعتهم باليهود. فلم يجد اليهود من ملجأ يأوون إليه هربا من بطش الكنسية
إلا حضن الإسلام في بلاد المغرب.
ويشهد التاريخ على عظمة الإسلام وروعته وإنسانيته عندما استرجع صلاح الدين
الأيوبي القدس، فخير المسيحيين واليهود بالاستمرار في العيش مع المسلمين في
المدينة نفسها أو جمع ممتلكاتهم والرحيل بسلام. مع أن المسيحيين عندما
سقطت القدس تحت أيديهم نهبوا المدينة وعلقوا رؤوس المسلمين على أبوابها
واغتصبوا النساء وطهوا الأطفال الصغار في القدور لترهيب سكان المدن
المجاورة ودفعهم إلى الاستسلام بدون مقاومة. وهذا ما حصل بالفعل.
التاريخ يشهد أنه إذا كانت هناك ديانة تعيش تحت رايتها الديانات الأخرى
بسلام فهذه الديانة هي الإسلام. أما بقية الديانات الأخرى فيمكن أن تقبل
براية الإسلام على أراضيها، لكن إلى حين.
elbouari_tetouan- عدد الرسائل : 673
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 12/03/2008
رد: شوف تشوف
قبل أسبوع، صدر أمر عن النيابة العامة في الدار البيضاء بتتبع سيارة أحد المواطنين، بسبب تراكم الشكايات ضده.
وبالفعل، قامت فرقة من الأمن بالزي المدني بتتبع السيارة وصاحبها، إلى أن
توقفت عند باب إحدى فيلات شارع غاندي. وعندما هم بمغادرتها وركب سيارته
برفقة أحد أصدقائه، أوقفه رجال الأمن وطلبوا منه مرافقتهم إلى مخفر الأمن.
وعوض أن يمتثل المواطن لأوامر رجال الأمن الذين أطلعوه على هويتهم، سألهم باستنكار:
- واش ما عرفتوش مع من كاتهضرو؟
وعندما لاحظ الرجل علامات الاستفهام بادية على محيا رجال الأمن، استطرد قائلا:
- أنا حفيد الشيخ حمزة...
وقبل أن ينهي كلامه، قفز زميله الذي كان جالسا بالقرب منه في السيارة وسأل رجال الأمن بدوره:
- ونديرو ما عرفتوش حفيد الشيخ حمزة، وأنا، ما عرفتونيش حتا أنا شكون؟
فالتفت رجال الأمن إلى بعضهم البعض في ارتباك واضح، قبل أن يسمعوا الجواب يأتيهم من داخل السيارة:
- أنا خو سميرة سيطايل، مرات سفير المغرب فبروكسيل. وزايدون أنا صحافي، واش دابا وليتو كاتشدو الصحافيين؟
ولأن رجال الأمن كانت لديهم تعليمات واضحة باعتقال المواطن المبحوث عنه،
فإنهم لم يعيروا أهمية لاستعراض المواطنيين لشجرتي أنسابهما، واقتادوا صاحب
السيارة المبحوث عنه إلى مخفر الأمن.
وعندما وصل المواطن المعتقل إلى المخفر، اكتشف رجال الأمن أن هذا الأخير
مبحوث عنه بسبب شيك بدون رصيد قيمته 12 مليون سنتيم. وعندما شرعوا في إدخال
المعطيات الشخصية الخاصة به إلى جهاز الحاسوب، عثروا على شكاية أخرى ضده
بسبب شيك بدون رصيد قيمته 8 ملايين سنتيم، أي أن الرجل متابع بشيكات بدون
رصيد قدرها 20 مليون سنتيم.
المدهش في هذه الحكاية ليس هو إصدار النيابة العامة لمذكرة البحث وقيام
رجال الأمن بواجبهم في إحضار المبحوث عنه في حالة اعتقال من أجل تقديمه
للمحاكمة، ولكن المدهش هو أن الرجل قضى ليلته في المخفر وغادره في الصباح
الباكر وكأن شيئا لم يحدث.
فطيلة الليلة التي قضاها حفيد الشيخ حمزة في مخفر الأمن، ارتفعت الحرارة
في أسلاك الهواتف النقالة والثابتة، وتدخل على الخط أصحاب الحسنات لكي يتم،
في الساعات الأولى من الصباح، إطلاق سراح الشاب، مع أن مواطنين آخرين يتم
اعتقالهم والحكم عليهم بالسجن بسبب شيكات بدون رصيد لا تتجاوز خمسة آلاف
درهم، فما بالك بعشرين مليون سنتيم.
وعندما نسمع خبر اعتقال مبحوث عنه من أجل جريمة إصدار شيكات بدون رصيد
وإطلاق سراحه بدون تقديمه للمحاكمة، ثم نقرأ خبر الحكم على مواطن بعشر
سنوات سجنا نافذا بتهمة سرقة سيارة وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى،
نستغرب لحال هذه العدالة التي تكيل بمكيالين.
أبناء العائلات العادية يتم الحكم عليهم بسنوات طويلة لا تصدر سوى ضد
المتهمين بالقتل، بسبب تجرئهم على سرقة سيارة ابن وزير سابق، فيما أبناء
العائلات الكريمة تعتقلهم هذه العدالة بسبب جريمة الشيك بدون رصيد، وعندما
تنتبه إلى شجرة أنسابهم تسارع إلى إطلاق سراحهم في اليوم الموالي.
وإذا كانت النيابة العامة، بعد تلقيها للتعليمات، تأمر بإطلاق سراح
المتابعين من أبناء «الألبة» بجريمة الشيك بدون رصيد في الدار البيضاء، فإن
المحكمة الابتدائية بفاس تطلق سراح أبناء «الفشوش» الذين يدهسون أبناء
«المزاليط» بسيارات الجماعة.
وهكذا، فقد قررت المحكمة الابتدائية بفاس الحكم على ابن أخ مستشار
استقلالي، يشغل منصب النائب الرابع لرئيس مقاطعة، بأربعة أشهر حبسا غير
نافذ وغرامة مالية قدرها 1000 درهم، مع تعويض لوالد الضحية قدره 18 ألف
درهم و10 آلاف درهم لوالدته.
وهكذا، فحياة فرد من أفراد عائلة «المزاليط» لا تساوي أكثر من 29 ألف درهم
في نظر قاضي المحكمة الابتدائية بفاس. ومن يتسبب في إزهاق هذه الروح
البريئة بسيارة تابعة لمقاطعة زواغة مولاي يعقوب، ثم يفر دون أن يقدم
المساعدة إلى شخص في خطر، لا يستحق أن يتابع في حالة اعتقال وإنما في حالة
سراح، وعندما يصدر الحكم ضده لا يتعدى أربعة أشهر من الحبس غير النافذ.
لقد وصل القضاء في المغرب حدا من التسيب والعشوائية والظلم والانتقائية، أصبح معها الصمت جريمة ومؤامرة على مستقبل البلد برمته.
إن إطلاق سراح حفيد الشيخ حمزة وصديقه «الصحافي»، أخ سميرة سيطايل زوجة
سفير المغرب في بروكسيل، يأتي لكي يعزز لائحة المحظوظين المحميين الذين لا
يطولهم القانون المغربي، ومنهم ابن الكولونيل العراقي الذي كتبنا، قبل سنة
تقريبا، عن تورطه في جريمة تزوير وثائق باسم الجيش للنصب على البنوك
والحصول على مئات الملايين باسم الثكنات العسكرية. ومع ذلك، ظل هذا الابن
المدلل يتجول في المغرب بحرية، ويغادر البلد ويعود إليه دون أن يكون لمذكرة
البحث عنه أي مفعول في المطارات والموانئ.
وعوض أن يتم اعتقاله، تم استدعاؤنا إلى مكتب الوكيل العام للملك لسؤالنا عن المصدر الذي أمدنا بالمعلومات.
لقد كتبنا وأعدنا الكتابة عن تأسيس مسؤولين عموميين، أثناء مزاولتهم
لمهامهم الرسمية، لشركات متعددة بأسمائهم وأسماء أقربائهم داخل المغرب
وخارجه، وأعطينا أسماء هذه الشركات وعناوينها وأرصدتها البنكية، ومع ذلك لم
تتجرأ النيابة العامة على إعطاء أوامرها بفتح تحقيق حول ما نشرناه.
ورغم خطورة الوثائق والمعلومات التي ننشرها حول كثير من المسؤولين
العموميين ومدراء المؤسسات الوزارية، فإن العدالة تختار سياسة النعامة،
وتغرس رأسها في التراب بانتظار مرور العاصفة.
في الدول التي تحترم عدالـُتها نفسَها، بمجرد ما تنشر الصحف خبر فضيحة
مسؤول عمومي تفتح تحقيقا حول الخبر. فإما أن المسؤول متورط بالفعل، فيكون
مصيره السجن أو الإقالة في أحسن الأحوال، وإما أن الجريدة تكذب، فيكون مصير
مديرها السجن أو الغرامة.
وفي مقابل صمت العدالة المطبق عن التجاوزات التي يرتكبها بعض المسؤولين
العموميين، نستغرب السرعة والفعالية التي تبديها العدالة عندما يتعلق الأمر
بجرجرتنا أمام المحاكم بتهم ملفقة وسخيفة لفرط تكرارها في كل مرة.
كجمولة تطالبنا أمام القضاء بمائة مليون لأننا فضحنا اصطفافها وتناغمها
الكامل مع رواية البوليساريو حول ما وقع في العيون. وبنهاشم، مدير السجون،
يطالب القضاء بمحاكمتنا لأننا نشرنا جزءا صغيرا من الفضائح المخجلة التي
تحدث خلف أسوار سجونه. ونور الدين الصايل، مدير المركز السينمائي، يطالبنا
أمام القضاء بثلاث مائة مليون سنتيم لأننا انتقدنا تشجيعه للرداءة
السينمائية وتسببه في انحطاط الذوق العام في الأفلام التي يدعمها من أموال
دافعي الضرائب. ولائحة الملاحقات القضائية، التي يحاول عبرها بعض المسؤولين
العموميين التغطية على فضائحهم، والتي تسارع العدالة إلى فتحها بمجرد
تلقيها لشكايات ضدنا، طويلة وبلا عدد.
لقد أصبح واضحا الآن في المغرب أن المتهم الحقيقي الذي يحاصره القضاء
بالشكايات ليس هو من يرتكب المخالفات ويتورط في تبديد المال العام، وإنما
من يفضحها في جريدته، وهو بذلك يصبح الرأس المطلوب إسقاطها بكل الوسائل
والطرق، بما في ذلك الترهيب والتخويف والتهديد.
في الدول الديمقراطية، عندما تنشر الصحافة ملفا حول اختلاس المال العام،
فإن جميع القنوات التلفزيونية والإذاعات الخاصة تتسابق لكي تسلط ميكروفونات
برامجها للحديث حول هذا الملف.
إلا عندنا نحن، فرغم هذا الكم الهائل من القنوات العمومية والإذاعات
الخاصة، فإن الجميع يفضل دس ميكروفوناته في الرمل وتخصيص البرامج الطويلة
العريضة للحديث عن مواضيع سخيفة وتافهة تبلد الرأي العام عوض أن تنوره.
أما قنوات القطب العمومي «المتجمد» فتلك طامة كبرى. ويكفي تحليل ما بثته
القناة الثانية في سهرة رأس السنة، وما تبثه يوميا من مسلسلات مائعة، لكي
نفهم أن هذه القناة أصبحت امتدادا طبيعيا للكباريهات الرخيصة، التي يمتهن
الغناء والرقص فيها مغنون من الدرجة الرابعة أصبحوا وجوها مألوفة داخل
سهرات هذه القناة.
والأخطر من هذا والأفظع، هو أن بعض الصحافيين أصبحوا يضعون أنفسهم في خندق
هؤلاء الموظفين العموميين الفاسدين عوض الوقوف في خندق حماية المال العام،
معللين عدم انتقادهم لهؤلاء الموظفين والمسؤولين باحترامهم للحياة الخاصة.
هؤلاء الصحافيون، الذين يضعون أنفسهم في خندق لصوص المال العام، يستحقون هم أيضا أن يتابعوا بتهمة التواطؤ مع هؤلاء اللصوص.
وذلك أضعف الإيمان.
وبالفعل، قامت فرقة من الأمن بالزي المدني بتتبع السيارة وصاحبها، إلى أن
توقفت عند باب إحدى فيلات شارع غاندي. وعندما هم بمغادرتها وركب سيارته
برفقة أحد أصدقائه، أوقفه رجال الأمن وطلبوا منه مرافقتهم إلى مخفر الأمن.
وعوض أن يمتثل المواطن لأوامر رجال الأمن الذين أطلعوه على هويتهم، سألهم باستنكار:
- واش ما عرفتوش مع من كاتهضرو؟
وعندما لاحظ الرجل علامات الاستفهام بادية على محيا رجال الأمن، استطرد قائلا:
- أنا حفيد الشيخ حمزة...
وقبل أن ينهي كلامه، قفز زميله الذي كان جالسا بالقرب منه في السيارة وسأل رجال الأمن بدوره:
- ونديرو ما عرفتوش حفيد الشيخ حمزة، وأنا، ما عرفتونيش حتا أنا شكون؟
فالتفت رجال الأمن إلى بعضهم البعض في ارتباك واضح، قبل أن يسمعوا الجواب يأتيهم من داخل السيارة:
- أنا خو سميرة سيطايل، مرات سفير المغرب فبروكسيل. وزايدون أنا صحافي، واش دابا وليتو كاتشدو الصحافيين؟
ولأن رجال الأمن كانت لديهم تعليمات واضحة باعتقال المواطن المبحوث عنه،
فإنهم لم يعيروا أهمية لاستعراض المواطنيين لشجرتي أنسابهما، واقتادوا صاحب
السيارة المبحوث عنه إلى مخفر الأمن.
وعندما وصل المواطن المعتقل إلى المخفر، اكتشف رجال الأمن أن هذا الأخير
مبحوث عنه بسبب شيك بدون رصيد قيمته 12 مليون سنتيم. وعندما شرعوا في إدخال
المعطيات الشخصية الخاصة به إلى جهاز الحاسوب، عثروا على شكاية أخرى ضده
بسبب شيك بدون رصيد قيمته 8 ملايين سنتيم، أي أن الرجل متابع بشيكات بدون
رصيد قدرها 20 مليون سنتيم.
المدهش في هذه الحكاية ليس هو إصدار النيابة العامة لمذكرة البحث وقيام
رجال الأمن بواجبهم في إحضار المبحوث عنه في حالة اعتقال من أجل تقديمه
للمحاكمة، ولكن المدهش هو أن الرجل قضى ليلته في المخفر وغادره في الصباح
الباكر وكأن شيئا لم يحدث.
فطيلة الليلة التي قضاها حفيد الشيخ حمزة في مخفر الأمن، ارتفعت الحرارة
في أسلاك الهواتف النقالة والثابتة، وتدخل على الخط أصحاب الحسنات لكي يتم،
في الساعات الأولى من الصباح، إطلاق سراح الشاب، مع أن مواطنين آخرين يتم
اعتقالهم والحكم عليهم بالسجن بسبب شيكات بدون رصيد لا تتجاوز خمسة آلاف
درهم، فما بالك بعشرين مليون سنتيم.
وعندما نسمع خبر اعتقال مبحوث عنه من أجل جريمة إصدار شيكات بدون رصيد
وإطلاق سراحه بدون تقديمه للمحاكمة، ثم نقرأ خبر الحكم على مواطن بعشر
سنوات سجنا نافذا بتهمة سرقة سيارة وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى،
نستغرب لحال هذه العدالة التي تكيل بمكيالين.
أبناء العائلات العادية يتم الحكم عليهم بسنوات طويلة لا تصدر سوى ضد
المتهمين بالقتل، بسبب تجرئهم على سرقة سيارة ابن وزير سابق، فيما أبناء
العائلات الكريمة تعتقلهم هذه العدالة بسبب جريمة الشيك بدون رصيد، وعندما
تنتبه إلى شجرة أنسابهم تسارع إلى إطلاق سراحهم في اليوم الموالي.
وإذا كانت النيابة العامة، بعد تلقيها للتعليمات، تأمر بإطلاق سراح
المتابعين من أبناء «الألبة» بجريمة الشيك بدون رصيد في الدار البيضاء، فإن
المحكمة الابتدائية بفاس تطلق سراح أبناء «الفشوش» الذين يدهسون أبناء
«المزاليط» بسيارات الجماعة.
وهكذا، فقد قررت المحكمة الابتدائية بفاس الحكم على ابن أخ مستشار
استقلالي، يشغل منصب النائب الرابع لرئيس مقاطعة، بأربعة أشهر حبسا غير
نافذ وغرامة مالية قدرها 1000 درهم، مع تعويض لوالد الضحية قدره 18 ألف
درهم و10 آلاف درهم لوالدته.
وهكذا، فحياة فرد من أفراد عائلة «المزاليط» لا تساوي أكثر من 29 ألف درهم
في نظر قاضي المحكمة الابتدائية بفاس. ومن يتسبب في إزهاق هذه الروح
البريئة بسيارة تابعة لمقاطعة زواغة مولاي يعقوب، ثم يفر دون أن يقدم
المساعدة إلى شخص في خطر، لا يستحق أن يتابع في حالة اعتقال وإنما في حالة
سراح، وعندما يصدر الحكم ضده لا يتعدى أربعة أشهر من الحبس غير النافذ.
لقد وصل القضاء في المغرب حدا من التسيب والعشوائية والظلم والانتقائية، أصبح معها الصمت جريمة ومؤامرة على مستقبل البلد برمته.
إن إطلاق سراح حفيد الشيخ حمزة وصديقه «الصحافي»، أخ سميرة سيطايل زوجة
سفير المغرب في بروكسيل، يأتي لكي يعزز لائحة المحظوظين المحميين الذين لا
يطولهم القانون المغربي، ومنهم ابن الكولونيل العراقي الذي كتبنا، قبل سنة
تقريبا، عن تورطه في جريمة تزوير وثائق باسم الجيش للنصب على البنوك
والحصول على مئات الملايين باسم الثكنات العسكرية. ومع ذلك، ظل هذا الابن
المدلل يتجول في المغرب بحرية، ويغادر البلد ويعود إليه دون أن يكون لمذكرة
البحث عنه أي مفعول في المطارات والموانئ.
وعوض أن يتم اعتقاله، تم استدعاؤنا إلى مكتب الوكيل العام للملك لسؤالنا عن المصدر الذي أمدنا بالمعلومات.
لقد كتبنا وأعدنا الكتابة عن تأسيس مسؤولين عموميين، أثناء مزاولتهم
لمهامهم الرسمية، لشركات متعددة بأسمائهم وأسماء أقربائهم داخل المغرب
وخارجه، وأعطينا أسماء هذه الشركات وعناوينها وأرصدتها البنكية، ومع ذلك لم
تتجرأ النيابة العامة على إعطاء أوامرها بفتح تحقيق حول ما نشرناه.
ورغم خطورة الوثائق والمعلومات التي ننشرها حول كثير من المسؤولين
العموميين ومدراء المؤسسات الوزارية، فإن العدالة تختار سياسة النعامة،
وتغرس رأسها في التراب بانتظار مرور العاصفة.
في الدول التي تحترم عدالـُتها نفسَها، بمجرد ما تنشر الصحف خبر فضيحة
مسؤول عمومي تفتح تحقيقا حول الخبر. فإما أن المسؤول متورط بالفعل، فيكون
مصيره السجن أو الإقالة في أحسن الأحوال، وإما أن الجريدة تكذب، فيكون مصير
مديرها السجن أو الغرامة.
وفي مقابل صمت العدالة المطبق عن التجاوزات التي يرتكبها بعض المسؤولين
العموميين، نستغرب السرعة والفعالية التي تبديها العدالة عندما يتعلق الأمر
بجرجرتنا أمام المحاكم بتهم ملفقة وسخيفة لفرط تكرارها في كل مرة.
كجمولة تطالبنا أمام القضاء بمائة مليون لأننا فضحنا اصطفافها وتناغمها
الكامل مع رواية البوليساريو حول ما وقع في العيون. وبنهاشم، مدير السجون،
يطالب القضاء بمحاكمتنا لأننا نشرنا جزءا صغيرا من الفضائح المخجلة التي
تحدث خلف أسوار سجونه. ونور الدين الصايل، مدير المركز السينمائي، يطالبنا
أمام القضاء بثلاث مائة مليون سنتيم لأننا انتقدنا تشجيعه للرداءة
السينمائية وتسببه في انحطاط الذوق العام في الأفلام التي يدعمها من أموال
دافعي الضرائب. ولائحة الملاحقات القضائية، التي يحاول عبرها بعض المسؤولين
العموميين التغطية على فضائحهم، والتي تسارع العدالة إلى فتحها بمجرد
تلقيها لشكايات ضدنا، طويلة وبلا عدد.
لقد أصبح واضحا الآن في المغرب أن المتهم الحقيقي الذي يحاصره القضاء
بالشكايات ليس هو من يرتكب المخالفات ويتورط في تبديد المال العام، وإنما
من يفضحها في جريدته، وهو بذلك يصبح الرأس المطلوب إسقاطها بكل الوسائل
والطرق، بما في ذلك الترهيب والتخويف والتهديد.
في الدول الديمقراطية، عندما تنشر الصحافة ملفا حول اختلاس المال العام،
فإن جميع القنوات التلفزيونية والإذاعات الخاصة تتسابق لكي تسلط ميكروفونات
برامجها للحديث حول هذا الملف.
إلا عندنا نحن، فرغم هذا الكم الهائل من القنوات العمومية والإذاعات
الخاصة، فإن الجميع يفضل دس ميكروفوناته في الرمل وتخصيص البرامج الطويلة
العريضة للحديث عن مواضيع سخيفة وتافهة تبلد الرأي العام عوض أن تنوره.
أما قنوات القطب العمومي «المتجمد» فتلك طامة كبرى. ويكفي تحليل ما بثته
القناة الثانية في سهرة رأس السنة، وما تبثه يوميا من مسلسلات مائعة، لكي
نفهم أن هذه القناة أصبحت امتدادا طبيعيا للكباريهات الرخيصة، التي يمتهن
الغناء والرقص فيها مغنون من الدرجة الرابعة أصبحوا وجوها مألوفة داخل
سهرات هذه القناة.
والأخطر من هذا والأفظع، هو أن بعض الصحافيين أصبحوا يضعون أنفسهم في خندق
هؤلاء الموظفين العموميين الفاسدين عوض الوقوف في خندق حماية المال العام،
معللين عدم انتقادهم لهؤلاء الموظفين والمسؤولين باحترامهم للحياة الخاصة.
هؤلاء الصحافيون، الذين يضعون أنفسهم في خندق لصوص المال العام، يستحقون هم أيضا أن يتابعوا بتهمة التواطؤ مع هؤلاء اللصوص.
وذلك أضعف الإيمان.
elbouari_tetouan- عدد الرسائل : 673
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 12/03/2008
كراس من نوع «طيفال»
أمثال بنعلي وزوجته «الكوافورة» موجودون عندنا بكثرة في المغرب. وكم من
أمين عام خالد على رأس حزبه تسيره زوجته من وراء الستار. وهم يتوارثون
أحزابهم وكراسي الحكومات أبا عن جد، ويورثون أبناءهم وبناتهم في المؤسسات
العمومية والبنكية كما لو كانت ممتلكات خاصة بهم لا يحق لأبناء الشعب
الوصول إليها.
ولعل أحد أسباب ترهل الأحزاب المغربية وضعفها وفقدانها لمصداقيتها في عيون
الشعب، هو تحولها إلى دكاكين انتخابية صالحة لشيء واحد فقط، وهو الوصول
إلى كراسي السلطة، إلى الحد الذي أصبحت معه الأحزاب تفر من المعارضة كما
يفر المرء من الجذام. وقد رأينا كيف تبرأ الاتحاد الاشتراكي من المعارضة
كما لو كانت تهمة، بعدما شيد مجده التاريخي على أكتاف هذه المعارضة.
إن تحقير المعارضة السياسية والركض المرضي نحو السلطة بأي ثمن، وتغيير
المعطف السياسي بين عشية وضحاها لمجرد الظفر بكرسي في المجلس البلدي أو
البرلمان أو بحقيبة في الحكومة، كلها عوامل كانت وراء إصابة المشهد الحزبي
المغربي بآفة فقدان المناعة، إلى الحد الذي أصبح معه التعدد الحزبي
والسياسي مهددا في وجوده، وبالتالي فتح هذا المشهد على مصراعيه أمام خطر
تنامي حزب واحد كبير قادر على ابتلاع كل ما أنتجه الشعب من حساسيات
وتيارات سياسية منذ الاستقلال وإلى اليوم.
إن وجود هذا الحزب الأخطبوطي المسمى «الأصالة والمعاصرة» ليس خطأ في حد
ذاته، فالسياسة مثلها مثل الطبيعة تخشى الفراغ، وإنما الخطأ هو انشغال
الأحزاب المغربية بالبحث عن كراسي السلطة وجمع الثروات وتخليهم عن دورهم
الأساسي والمهم وهو تأطير الشعب وتكوينه والدفاع عن حقوقه ومكتسباته
ومقدساته.
وهذا التراكض المحموم نحو كراسي السلطة جعل هذه الأحزاب تنسى مبادئها
الأساسية التي ضمنتها تقاريرها الإيديولوجية. وهكذا اكتشفنا أن الأمين
العام للحزب الاشتراكي ليس، في نهاية المطاف، سوى إقطاعي يملك مئات
الهكتارات من الأراضي في منطقة لازال سكانها يقطنون داخل أكبر وأقدم حي
صفيحي في المغرب، واكتشفنا أن الأمين العام للحزب الشيوعي لم يكن سوى
فيودالي متنكر في لحية ماركسي يدير ضيعات فلاحية ورثها عن آبائه
الإقطاعيين، واكتشفنا أن الإسلامي متابع في ملفات تزوير ونصب، والاستقلالي
المحافظ المدافع عن العروبة والإسلام لديه أبناء لا يتحدثون العربية بسبب
دراستهم في مدارس البعثة الفرنسية وأصبح بعضهم، عندما كبر، يستثمر أمواله
في شركات إنتاج الجعة والخمور.
هكذا تشابهت علينا الأحزاب إلى درجة أصبحت معه مرادفا للنفاق السياسي والانتهازية والوصولية.
ولهذا عندما اقتحم «الوافد الجديد» الساحة السياسية على ظهر جراره كان
سهلا عليه أن يبتلع نصف هذه الأحزاب في لقمة واحدة، وأن يفطر كل أسبوع
بالأحزاب المتبقية. فأصبحنا نسمع كل يوم عن هروب العشرات من مناضلي
الأحزاب إلى حضن الوافد الجديد، طمعا في «الحماية» التي صار يوفرها
للمنتسبين إليه، خصوصا أولئك الذين لديهم «الوسخ» في معاطفهم الحزبية
القديمة ويحتاجون إلى معاطف «نظيفة».
ولعل مأساة هذه الأحزاب، التي يلتهمها الوافد الجديد وهي واقفة تنظر، أنه
يوجد بها مناضلون شرفاء يتفرجون بحسرة على أحزابهم التي بنوها بعرقهم
ونضالهم وطهارتهم وهي تتحلل لكي تندمج ببطء داخل حزب يبحث لكي يبقى بمفرده
بعد أن يدجن كل الأحزاب ويضعها تحت جناحه.
إن المسؤولية التاريخية تقتضي من هؤلاء المناضلين الشرفاء، الذين يوجدون
داخل كل الأحزاب المغربية، أن ينتفضوا ويتوحدوا ويتكتلوا لكي يسقطوا
الـ«بنعليات» الذين هربوا الأحزاب وسجلوها بأسمائهم وأسماء زوجاتهم
وأبنائهم. ماذا بقي عندما نرى أن زعيم نقابة مقربة من الاتحاد الاشتراكي
اسمها «الكنفدرالية الديمقراطية للشغل» سجل مقرات النقابة في اسمه.
إن ما وقع خلال الاجتماع الذي احتضن أشغال المجلس الوطني للاتحاد
الاشتراكي قبل يومين، عندما احتل محتجون المنصة رافعين شعار «إذا الشعب
يوما أراد الحياة»، وفضحوا تواطؤ الوزير إدريس لشكر مع حزب «الأصالة
والمعاصرة»، يمكن أن يكون الشرارة التي ستنطلق لكي تقلب الأوضاع الداخلية
للأحزاب السياسية المغربية، خصوصا تلك التي لديها الشرعية التاريخية
والسند الشعبي بفضل تضحيات مناضليها وشهدائها الذين أعطوا أرواحهم في سبيل
الوطن.
إن المطلوب اليوم من الأحزاب السياسية المغربية هو أن تقوم بثورة داخلية
لإسقاط هؤلاء الزعماء «التاريخيين» الذين انتهت مدة صلاحيتهم منذ سنوات
طويلة، ولا يريدون أن يقتنعوا بأن دورهم قد انتهى، وأن الدور اليوم على
الشباب الذي يحمل في داخله شعلة الحماس، والقادر على مواكبة حماس الملك
الشاب الذي يتنقل بين أرجاء البلاد طيلة السنة بلا توقف.
إن هؤلاء الزعماء، الذين شاخوا فوق كراسي الأمانات العامة لأحزابهم، ينسون
أنهم عندما بدؤوا النضال وتسلموا مسؤولية القيادة الحزبية كانوا شبابا في
العشرينات من أعمارهم، فلماذا يرفضون اليوم منح الشباب الفرصة نفسها التي
منحت لهم قبل خمسين سنة؟
وعوض أن يسلموا مشعل القيادة إلى الشباب من أبناء الشعب، نرى كيف أنهم
يسلمونه إلى أبنائهم. فاليازغي يضع ابنه على رأس شبيبة الحزب استعدادا
لتوريثه كرسي أبيه، وإدريس لشكر يضع ابنته في المكتب الوطني للشبيبة
والكتابة الوطنية للنساء الاتحاديات استعدادا لتوريثها حقيبته الوزارية،
وعباس الفاسي يضع ابنه كاتبا جهويا للحزب بالدار البيضاء ومستشارا في
جماعة سيدي بليوط استعدادا لتوريثه أمانة الحزب، وأحرضان وضع ابنه «أوزين»
على رأس شبيبة الحزب بانتظار أن يرث نصيبه من «الحركة».
هذا طبعا دون أن نتحدث عن المناصب التي يفوتها هؤلاء الآباء إلى أبنائهم
وأبناء أبنائهم في المؤسسات العمومية التابعة للقطاعات الحكومية التي
يسيرونها.
وقد جف ريقنا في هذا العمود ونحن نحصي هذه المناصب ونعدد أسماء المستفيدين
منها مع تحديد القرابة العائلية التي تجمع هؤلاء المستفيدين بعائلات هؤلاء
الأمناء العامين للأحزاب السياسية، دون أن يكون لنداءاتنا المتكررة أي
تأثير على هؤلاء الـ«بنعليات» الذين ينتظرون أن يأتي من يقذفهم خارج
كراسيهم عوض التنحي عنها بالتي هي أحسن.
إن الدرس العميق الذي يجب أن يستخلصه الجميع مما حدث في تونس هو أن الخلاص
الوحيد للشعوب والأنظمة على حد سواء هو حماية التعدد السياسي من استبداد
الحزب الوحيد.
ومعركة حماية التعدد من خطر الاستبداد الحزبي لا يمكن أن تقوم بها أحزاب
تقودها قوى متخاذلة ومخترقة وانتهازية، بل أحزاب تقودها قوى جريئة ووطنية
تستطيع أن تضحي بكراسي المسؤولية من أجل حماية المال العام والمصلحة
العامة في البرلمان.
وعلى الراغبين في تدمير الفسيفساء المتنوعة والغنية، التي يتميز بها
المشهد السياسي المغربي عن سائر المشاهد السياسية العربية، أن يدركوا أنهم
بصدد تدمير أحد مقومات الاستقرار السياسي والاجتماعي.
فالمغرب محتاج إلى جميع حساسياته وتياراته السياسية.. محتاج إلى اشتراكييه
المعتدلين ويسارييه المتطرفين، محتاج إلى يمينه المحافظ ووسطه الليبرالي،
مثلما هو محتاج إلى إسلامييه وشيوعييه الراديكاليين.
لكل واحدة من هذه الحساسيات السياسية والإيديولوجية دورها المهم، مهما كان
صغيرا، في بناء الصرح الديمقراطي الذي يميز المغرب عن سائر الدول العربية
الغارقة في استبداد الحزب الوحيد الذي يقوده الرئيس المنتخب إلى الأبد،
والذي ليس هناك حل لاقتلاعه من فوق كرسيه سوى طرده مثلما حدث في تونس أو
رفع الدعاء إلى العلي القدير لكي يأخذه عزرائيل مثلما يحدث في الجزائر
وليبيا ومصر وسوريا التي اكتشف مواطنوها، بسبب الخوف من نظام بشار الأسد
البوليسي، طريقة ساخرة في مطالبته بالرحيل عندما رفعوا لافتات بصيغة الجمع
تقول «إرحلوا قبل أن تـُرحـّلوا».
بالإضافة إلى التعليقات الجادة والتحاليل المتجهمة التي تروج على مدار
الساعة في الفضائيات حول ما حدث في تونس، هناك مكان للنكتة السياسية التي
اختزلت دروس «ثورة الياسمين» في طلب واحد مرفوع إلى شركة «طيفال» لصنع
أدوات الطبخ، لكي تخترع كرسيا رئاسيا من نوع «طيفال» حتى إذا ما جلس فوقه
الرئيس المنتخب الجديد وأحس بأن «جنابو طابو عليه»، غادر الكرسي دون أن
يلصق فوقه إلى الأبد.
هذه الكراسي من نوع «طيفال» هي التي يجب أن نستوردها نحن أيضا في المغرب
لكي نوزعها على هؤلاء الزعماء الخالدين على رأس الأمانات العامة للأحزاب
السياسية المغربية، والذين لا يريدون مغادرتها إلا وهم محمولون فوق محفة
الموتى نحو القبر.
رشيد نيني
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الجرعة المميتة للأنانية
في تونس كما في مصر واليمن والجزائر وكثير من الدول العربية، بمجرد ما
أشهر الشعب أنيابه في وجه حاكميه، بادر هؤلاء الحاكمون إلى اتهام «الأيادي
الخارجية»، وكأنهم لا يريدون أن يفهموا أن أياديهم الداخلية هي سبب
المشكلة، وأنهم أثقلوا على شعوبهم بما فيه الكفاية، وأن وقت رحيلهم قد حان.
إنهم يطلبون من شعوبهم أن تكون غبية لكي تنطلي عليها الحيلة وتستمر في
تحمل رؤية زعمائها الموميائيين بوجوههم المنفوخة بالبوطوكس وشعورهم
المصبوغة بالأسود والمسرحة بالسوشوار لسنوات أخرى طويلة.
إنهم يطلبون منهم أن يكونوا مواطنين صالحين، وهم عندما يطلبون منهم ذلك
فإنما يقصدون أن يكونوا مواطنين صالحين لهم ولأبنائهم وعائلاتهم.
يطلبون منهم أن يكونوا شعبا معدما وصالحا، أن يدخلوا أيديهم في جيوبهم فلا
يعثروا سوى على فواتير الماء والكهرباء ولائحة بأسماء الدائنين الذين
يطلبونهم أحياء أو أمواتا.
يطلبون منهم أن يكونوا مظلومين وعاقلين في الوقت نفسه، حتى لا يضيفوا إلى لائحة اتهاماتهم جنحة الرجولة.
إنهم يطلبون منهم أن يتوجعوا، لكن بصمت.
يطلبون منهم أن يكونوا حزينين بملامح مسرورة للغاية، وأن يكونوا مفجعين
بشكل حضاري، حتى إذا صرخوا من شدة الألم أشعل الأمل والحبور في نفوس
المفجعين من أمثالهم.
يطلبون منهم أن يذهبوا إلى النوم ببال مرتاح وأفكار مرتبة كملفات
السكرتيرات، حتى ولو كانوا مبعثرين عن آخرهم ولا تهتدي أيديهم إلى جيوبهم
إلا بمشقة بالغة.
يطلبون منهم أن يكونوا أمناء ولا تختلط جيوب الناس بجيوبهم، وأن يوقظوا
ضمائرهم إذا اختلطت عليهم الجيوب، وأن ينوموها كلما دس أحدهم يده في
جيوبهم.
إنهم يطلبون منهم أن يكونوا تعساء وودودين، أن يبحثوا في أعماقهم فلا
يجدوا سوى الغضب وأن يعرفوا كيف يصرفون هذا الغضب بلا حمرة في العينين ولا
حدة في الأنفاس ولا عض على الأسنان.
يطلبون منهم أن يمضغوا طعامهم بفم مغلق حتى لا تتعود أنيابهم على الظهور
أكثر من اللازم، فهم يخافون أنياب الجياع البارزة ويخشون ألا تجد ما تطحنه
يوما فيشهرونها في وجوههم السمينة مثل سكاكين اللصوص في المنعطفات الحادة.
إنهم يطلبون منهم أن يناموا بلا أحلام، وإذا حلموا أن يحكوا عنها في الغد
بشكل خاص جدا حتى لا تثير الشبهات حول النيام الآخرين الذين لا يحلمون
بالليل ويؤجلون أحلامهم إلى الغد، لكي يروها وهي تتحقق أمامهم في ضوء
النهار.
إنهم يطلبون منهم أن يكونوا عميانا رغم أن عيونهم أوسع من نافذة، وأن
تنعدم الرؤية أمامهم كلما مر أحدهم هاربا بقسطه من الكعكة التي أعدها
الشعب، وألا يفتحوا أعينهم إلا عندما يحين دورهم التاريخي في جمع الفتات،
الذي هو نصيبهم النضالي جزاء بصيرتهم المتفانية في العماء.
إنهم يطلبون منهم أن يعيشوا سعداء وبسطاء، أن يفترشوا أوراق الجرائد وأن
يلتهموا العناوين العريضة والمواضيع الدسمة في نشرات الأخبار. أن يقطنوا
أحذيتهم وأن يرتدوا الثياب المستعملة وأن يضحكوا بانتظام على الأقل مرتين
في اليوم، وأن يحزنوا بكميات معقولة حتى لا يصابوا بتضخم في القلب،
فيزاحموهم على أسرتهم النظيفة في المستشفيات.
إنهم يريدون منهم أن يبكوا بين حين وآخر، لذلك يسلطون عليهم كل تلك المسلسلات والبرامج الرديئة والمنشطين الثخينين في التلفزيون.
إنهم يطلبون منهم أن يفكروا دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النزول إلى العمق،
وأن يظلوا بالمقابل فوق السطح معرضين ضمائرهم لتيارات الهواء الباردة.
إنهم يطلبون منهم أن يتفانوا في أداء الواجب الوطني وأن يقنعوا بأقل
الرواتب وأتفه المسؤوليات، وأن يحرقوا أعصابهم يوميا في كتابة التقارير
التي لن يطالعها أحد، وأن تنشف أدمغتهم في إحصاء الأموال التي لا يعرفون
البنوك التي ستسمن فيها، وأن يكون كل نصيبهم من هذه المحنة أقل بكثير من
نصيب أولئك الموظفين الكبار الذين كل بطولاتهم أنهم يضعون توقيعاتهم
الرديئة بأقلام حبرهم الضخمة وينصرفون لأخذ أتعابهم الأكثر ضخامة من
سيغارهم الكوبي.
يطلبون منهم أن يكونوا متذمرين، لكن بقسمات مبتهجة، أن ترقد أمهاتهم في
السرير بلا علاج وأن يفرحوا لمجرد أن الأمطار نزلت بكثرة هذا الموسم، أن
يجدوا إشعارا بضريبة ثقيلة تحت الباب عوض أن يجدوا رسالة صديق، وأن تتبقى
لديهم مع ذلك الرغبة في قراءة كتاب قبل النوم أو الجلوس قرب سرير الصغار
وإسماعهم مرة أخرى حكاية ذلك الوحش الذي التهم بمفرده الغابة كلها ثم مات
وحيدا بسبب التخمة.
يطلبون منهم أن يناموا باكرا ويستيقظوا باكرا لأن هذا من صفات المواطن
الصالح، وهم لا يعرفون أن النوم في هذه الأيام أصبح يتطلب أدوية كثيرة
واحتياطات أكثر بسبب كل الكوابيس المرعبة التي أصبحت تتسكع في أحلام
الفقراء مثل القطط الضالة.
إنهم يطلبون منهم أن يكفوا عن إزعاجهم بمشاريعهم الطموحة وأفكارهم النيرة،
أن يقتنعوا بأن الحرية امرأة مطلقة تنام مع الغرباء، وأن الكرامة ليست سوى
ضربة حذاء ثقيل مغلفة بقفاز أبيض، وأن الشجاعة ليست سوى صورة صفراء لفارس
ملثم يطعن غولا كانت معلقة على جدران المدارس الابتدائية.
إنهم يطلبون منهم أن يمنحوهم كل وقتهم وكل إعجابهم وكل مشاعرهم، لأنهم
يحتاجونها جميعها ليقنعوا أنفسهم بجدوى العطور الثمينة التي يشترونها من
عواصم العالم، وبجدوى تسريحات شعور زوجاتهم الناعمة وبجمالية جلستهم
المتراخية على كراسيهم الوثيرة.
إنهم يطلبون منهم ألا يكونوا مبالغين وهم يحكون عن تعاستهم، أن يستعملوا
الكلمات التي تليق بالنعيم الذي يرتعون فيه وأن يعرفوا حدود مياههم
الإقليمية جيدا، أن يسحبوا شكواهم عندما لا يكون هناك استعداد من طرف
سعادتهم لسماعها، وأن يبسطوا امتنانهم البالغ لقبولهم استقبال شعب حقير
ووضيع مثلهم.
وفي الأخير، ينصحونهم بأن يعتمدوا على مواهبهم وأن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم،
رغم أنهم لم يتسببوا قط في خلق أي مشكل، والحل الوحيد الذي يقترحونه عليهم
هو أن يدفعوا حياتهم بالتقسيط المريح من أجل تسديد الأخطاء التي ارتكبها
غيرهم.
إنهم يطلبون منهم أن يتعلموا كيف يتخابثون في كلامهم، وأن يضعوا بين كل كلمة وأخرى عبارة شكر وامتنان.
إنهم يطلبون منهم أن يكونوا حريصين على حياتهم وأن يفكروا في المستقبل
بجدية، ويعلمونهم في المسلسلات الرديئة كيف يصبحون رومانسيين وكيف يمكن أن
تلتقي نظراتهم بنظرات فتاة في القطار فتسقط في حبهم على الفور ويتزوجونها
كما يحدث في المسلسلات الرديئة التي يقدمونها لهم يوميا على مائدة الغذاء.
هكذا يصبحون مواطنين صالحين وتصير لهم زوجة وأبناء وواجبات وديون وفواتير
لا تحصى وحسابات عند المحلات التجارية والصيدليات، وحسابات أخرى عويصة مع
الجيران.
إنهم يطلبون من مثقفيهم أن يؤلفوا عائلة صغيرة وكتبا في أوقات الفراغ، أن
يذهبوا كأي غبي مسرور إلى العروض السينمائية التي تبتز جيوب الناس.
أن يصبح لهم سطح تعيش فوقه وعتبة للفقر يعيشون تحتها.
أن ينجبوا أطفالا ويتزاحموا أمام أبواب المحلات التجارية لاقتناء الحليب
الاصطناعي لهم، لأن أمهاتهم سيرفضن إلقامهم أثداءهن انسجاما مع تعاليم
الحركة النسائية العالمية.
إنهم يطلبون منهم أن يأخذوا أطفالهم إلى النزهة خلال أيام الآحاد، لكي
يضعوهم في حيرة من أمرهم ويجعلوهم يفكرون وقتا طويلا لماذا يقترحون عليهم
دائما حديقة الحيوان.
إنهم يطلبون منهم أن يشتغلوا طوال حياتهم مثل بغال جبارة، وعندما يصلون سن
التقاعد يصرفون لهم مرتبا حقيرا لا يكفي لإعالة كلب واحد من كلابهم
الأنيقة.
إنهم يطلبون منهم أكثر ما يمكن من الهدوء في الأعصاب، وأقل ما يمكن من الغضب في النظرة، وتقريبا لا شيء من الكرامة.
إنهم يطلبون منهم أن يكونوا جائعين ورائعين، مضروبين ومتسامحين، عراة وشرفاء، مهشمين وكل جوارحهم تصفق لهم...
إنهم يطلبون المستحيل، إنهم ببساطة يطلبون رؤوس شعوبهم لا أقل ولا أكثر.
ولذلك فلا غرابة أن تنقلب الآية وتثور هذه الشعوب، وتصبح هي من يطالب برؤوس قادتها.
رشيد نيني - المساء
أشهر الشعب أنيابه في وجه حاكميه، بادر هؤلاء الحاكمون إلى اتهام «الأيادي
الخارجية»، وكأنهم لا يريدون أن يفهموا أن أياديهم الداخلية هي سبب
المشكلة، وأنهم أثقلوا على شعوبهم بما فيه الكفاية، وأن وقت رحيلهم قد حان.
إنهم يطلبون من شعوبهم أن تكون غبية لكي تنطلي عليها الحيلة وتستمر في
تحمل رؤية زعمائها الموميائيين بوجوههم المنفوخة بالبوطوكس وشعورهم
المصبوغة بالأسود والمسرحة بالسوشوار لسنوات أخرى طويلة.
إنهم يطلبون منهم أن يكونوا مواطنين صالحين، وهم عندما يطلبون منهم ذلك
فإنما يقصدون أن يكونوا مواطنين صالحين لهم ولأبنائهم وعائلاتهم.
يطلبون منهم أن يكونوا شعبا معدما وصالحا، أن يدخلوا أيديهم في جيوبهم فلا
يعثروا سوى على فواتير الماء والكهرباء ولائحة بأسماء الدائنين الذين
يطلبونهم أحياء أو أمواتا.
يطلبون منهم أن يكونوا مظلومين وعاقلين في الوقت نفسه، حتى لا يضيفوا إلى لائحة اتهاماتهم جنحة الرجولة.
إنهم يطلبون منهم أن يتوجعوا، لكن بصمت.
يطلبون منهم أن يكونوا حزينين بملامح مسرورة للغاية، وأن يكونوا مفجعين
بشكل حضاري، حتى إذا صرخوا من شدة الألم أشعل الأمل والحبور في نفوس
المفجعين من أمثالهم.
يطلبون منهم أن يذهبوا إلى النوم ببال مرتاح وأفكار مرتبة كملفات
السكرتيرات، حتى ولو كانوا مبعثرين عن آخرهم ولا تهتدي أيديهم إلى جيوبهم
إلا بمشقة بالغة.
يطلبون منهم أن يكونوا أمناء ولا تختلط جيوب الناس بجيوبهم، وأن يوقظوا
ضمائرهم إذا اختلطت عليهم الجيوب، وأن ينوموها كلما دس أحدهم يده في
جيوبهم.
إنهم يطلبون منهم أن يكونوا تعساء وودودين، أن يبحثوا في أعماقهم فلا
يجدوا سوى الغضب وأن يعرفوا كيف يصرفون هذا الغضب بلا حمرة في العينين ولا
حدة في الأنفاس ولا عض على الأسنان.
يطلبون منهم أن يمضغوا طعامهم بفم مغلق حتى لا تتعود أنيابهم على الظهور
أكثر من اللازم، فهم يخافون أنياب الجياع البارزة ويخشون ألا تجد ما تطحنه
يوما فيشهرونها في وجوههم السمينة مثل سكاكين اللصوص في المنعطفات الحادة.
إنهم يطلبون منهم أن يناموا بلا أحلام، وإذا حلموا أن يحكوا عنها في الغد
بشكل خاص جدا حتى لا تثير الشبهات حول النيام الآخرين الذين لا يحلمون
بالليل ويؤجلون أحلامهم إلى الغد، لكي يروها وهي تتحقق أمامهم في ضوء
النهار.
إنهم يطلبون منهم أن يكونوا عميانا رغم أن عيونهم أوسع من نافذة، وأن
تنعدم الرؤية أمامهم كلما مر أحدهم هاربا بقسطه من الكعكة التي أعدها
الشعب، وألا يفتحوا أعينهم إلا عندما يحين دورهم التاريخي في جمع الفتات،
الذي هو نصيبهم النضالي جزاء بصيرتهم المتفانية في العماء.
إنهم يطلبون منهم أن يعيشوا سعداء وبسطاء، أن يفترشوا أوراق الجرائد وأن
يلتهموا العناوين العريضة والمواضيع الدسمة في نشرات الأخبار. أن يقطنوا
أحذيتهم وأن يرتدوا الثياب المستعملة وأن يضحكوا بانتظام على الأقل مرتين
في اليوم، وأن يحزنوا بكميات معقولة حتى لا يصابوا بتضخم في القلب،
فيزاحموهم على أسرتهم النظيفة في المستشفيات.
إنهم يريدون منهم أن يبكوا بين حين وآخر، لذلك يسلطون عليهم كل تلك المسلسلات والبرامج الرديئة والمنشطين الثخينين في التلفزيون.
إنهم يطلبون منهم أن يفكروا دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النزول إلى العمق،
وأن يظلوا بالمقابل فوق السطح معرضين ضمائرهم لتيارات الهواء الباردة.
إنهم يطلبون منهم أن يتفانوا في أداء الواجب الوطني وأن يقنعوا بأقل
الرواتب وأتفه المسؤوليات، وأن يحرقوا أعصابهم يوميا في كتابة التقارير
التي لن يطالعها أحد، وأن تنشف أدمغتهم في إحصاء الأموال التي لا يعرفون
البنوك التي ستسمن فيها، وأن يكون كل نصيبهم من هذه المحنة أقل بكثير من
نصيب أولئك الموظفين الكبار الذين كل بطولاتهم أنهم يضعون توقيعاتهم
الرديئة بأقلام حبرهم الضخمة وينصرفون لأخذ أتعابهم الأكثر ضخامة من
سيغارهم الكوبي.
يطلبون منهم أن يكونوا متذمرين، لكن بقسمات مبتهجة، أن ترقد أمهاتهم في
السرير بلا علاج وأن يفرحوا لمجرد أن الأمطار نزلت بكثرة هذا الموسم، أن
يجدوا إشعارا بضريبة ثقيلة تحت الباب عوض أن يجدوا رسالة صديق، وأن تتبقى
لديهم مع ذلك الرغبة في قراءة كتاب قبل النوم أو الجلوس قرب سرير الصغار
وإسماعهم مرة أخرى حكاية ذلك الوحش الذي التهم بمفرده الغابة كلها ثم مات
وحيدا بسبب التخمة.
يطلبون منهم أن يناموا باكرا ويستيقظوا باكرا لأن هذا من صفات المواطن
الصالح، وهم لا يعرفون أن النوم في هذه الأيام أصبح يتطلب أدوية كثيرة
واحتياطات أكثر بسبب كل الكوابيس المرعبة التي أصبحت تتسكع في أحلام
الفقراء مثل القطط الضالة.
إنهم يطلبون منهم أن يكفوا عن إزعاجهم بمشاريعهم الطموحة وأفكارهم النيرة،
أن يقتنعوا بأن الحرية امرأة مطلقة تنام مع الغرباء، وأن الكرامة ليست سوى
ضربة حذاء ثقيل مغلفة بقفاز أبيض، وأن الشجاعة ليست سوى صورة صفراء لفارس
ملثم يطعن غولا كانت معلقة على جدران المدارس الابتدائية.
إنهم يطلبون منهم أن يمنحوهم كل وقتهم وكل إعجابهم وكل مشاعرهم، لأنهم
يحتاجونها جميعها ليقنعوا أنفسهم بجدوى العطور الثمينة التي يشترونها من
عواصم العالم، وبجدوى تسريحات شعور زوجاتهم الناعمة وبجمالية جلستهم
المتراخية على كراسيهم الوثيرة.
إنهم يطلبون منهم ألا يكونوا مبالغين وهم يحكون عن تعاستهم، أن يستعملوا
الكلمات التي تليق بالنعيم الذي يرتعون فيه وأن يعرفوا حدود مياههم
الإقليمية جيدا، أن يسحبوا شكواهم عندما لا يكون هناك استعداد من طرف
سعادتهم لسماعها، وأن يبسطوا امتنانهم البالغ لقبولهم استقبال شعب حقير
ووضيع مثلهم.
وفي الأخير، ينصحونهم بأن يعتمدوا على مواهبهم وأن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم،
رغم أنهم لم يتسببوا قط في خلق أي مشكل، والحل الوحيد الذي يقترحونه عليهم
هو أن يدفعوا حياتهم بالتقسيط المريح من أجل تسديد الأخطاء التي ارتكبها
غيرهم.
إنهم يطلبون منهم أن يتعلموا كيف يتخابثون في كلامهم، وأن يضعوا بين كل كلمة وأخرى عبارة شكر وامتنان.
إنهم يطلبون منهم أن يكونوا حريصين على حياتهم وأن يفكروا في المستقبل
بجدية، ويعلمونهم في المسلسلات الرديئة كيف يصبحون رومانسيين وكيف يمكن أن
تلتقي نظراتهم بنظرات فتاة في القطار فتسقط في حبهم على الفور ويتزوجونها
كما يحدث في المسلسلات الرديئة التي يقدمونها لهم يوميا على مائدة الغذاء.
هكذا يصبحون مواطنين صالحين وتصير لهم زوجة وأبناء وواجبات وديون وفواتير
لا تحصى وحسابات عند المحلات التجارية والصيدليات، وحسابات أخرى عويصة مع
الجيران.
إنهم يطلبون من مثقفيهم أن يؤلفوا عائلة صغيرة وكتبا في أوقات الفراغ، أن
يذهبوا كأي غبي مسرور إلى العروض السينمائية التي تبتز جيوب الناس.
أن يصبح لهم سطح تعيش فوقه وعتبة للفقر يعيشون تحتها.
أن ينجبوا أطفالا ويتزاحموا أمام أبواب المحلات التجارية لاقتناء الحليب
الاصطناعي لهم، لأن أمهاتهم سيرفضن إلقامهم أثداءهن انسجاما مع تعاليم
الحركة النسائية العالمية.
إنهم يطلبون منهم أن يأخذوا أطفالهم إلى النزهة خلال أيام الآحاد، لكي
يضعوهم في حيرة من أمرهم ويجعلوهم يفكرون وقتا طويلا لماذا يقترحون عليهم
دائما حديقة الحيوان.
إنهم يطلبون منهم أن يشتغلوا طوال حياتهم مثل بغال جبارة، وعندما يصلون سن
التقاعد يصرفون لهم مرتبا حقيرا لا يكفي لإعالة كلب واحد من كلابهم
الأنيقة.
إنهم يطلبون منهم أكثر ما يمكن من الهدوء في الأعصاب، وأقل ما يمكن من الغضب في النظرة، وتقريبا لا شيء من الكرامة.
إنهم يطلبون منهم أن يكونوا جائعين ورائعين، مضروبين ومتسامحين، عراة وشرفاء، مهشمين وكل جوارحهم تصفق لهم...
إنهم يطلبون المستحيل، إنهم ببساطة يطلبون رؤوس شعوبهم لا أقل ولا أكثر.
ولذلك فلا غرابة أن تنقلب الآية وتثور هذه الشعوب، وتصبح هي من يطالب برؤوس قادتها.
رشيد نيني - المساء
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
صفحة 6 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
صفحة 6 من اصل 7
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى