شوف تشوف
+19
binoo
بديعة
zouaki
zouakine1
ابن الأطلس
ربيع
sabil
kaytouni
nezha
القيطي
صالح
منصور
ع أ ع
المخلوطي
abdou
said
izarine
abdelhamid
iswal
23 مشترك
صفحة 4 من اصل 7
صفحة 4 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
من سيربح المليار ؟/رشيد نيني
أشياء مثيرة للدهشة تحدث هذه الأيام في المغرب. فلا يكاد يوم يمر دون أن
نسمع عن «متضرر» يطالب بمليار أو «جوج» لجبر «ضرره». بدأ المزاد على رأس
«المساء» قبل سنة، عندما طالب زيان، وزير حقوق الإنسان السابق، بتعويض
قدره 600 مليون لقضاته الأربعة. وعندما رأى «نقيب» المحامين أن المبلغ
الذي طالب به وأعطته إياه المحكمة غير كاف، رفع دعوى ضد «المساء» لجبر
«ضرره» هو هذه المرة لمجرد أننا نشرنا خبرا حول مواطنة رفعت ضده دعوى
قضائية أمام القضاء، وطالبنا بأربعمائة مليون. ربما لكي يكمل «خيره» الذي
بدأه قبل سنة، ويصل بسقف مطالبه المادية إلى حدود المليار.
واليوم نسمع أن محمد الفراع رئيس التعاضدية العامة لموظفي الإدارات
العمومية، رفع دعوى قضائية ضد زملائنا في جريدة «الاتحاد الاشتراكي»
وطالبهم بمليار سنتيم كتعويض عما اعتبره قذفا في حقه. وفوق هذا وذاك دفع
الفراع تكاليف تسجيل الشكاية المباشرة في المحكمة من صندوق التعاضدية،
عملا بالمثل المغربي الشائع «من ليحيتو لقم ليه».
ويبدو أن المحاكم في المغرب سائرة في اتجاه مزاحمة بورصة الدار
البيضاء، بسبب قيمة التعويضات الخيالية التي «تروج» بين ردهاتها وقاعاتها
هذه الأيام. فهاهي نجاة عتابو تطالب الشركة المنتجة لفرماج البقرة الضاحكة
بمليار سنتيم كتعويض على ما اعتبرته صاحبة «وهادي كذبة باينة» سرقة فنية
لأغنيتها «ناري عالعظمة» واستعمالها في إشهار الفرماج الشهير الذي ظل طيلة
شهر رمضان يتسابق في التلفزيون مع صوت «الودان»، والذي أوهم المشاهدين بأن
كل من يأكله يفقد وقاره ويرفع يديه إلى الأعلى ويبدأ في «التعواج
والتلواز» قائلا «أها أها أها والعظمة».
وإذا كانت نجاة عتابو قد نجحت ابتدائيا في وقف بث الوصلة الإشهارية
لفرماج العظمة في القناتين العموميتين، فإن محكمة الاستئناف قضت ببطلان
قرار الإيقاف، لأن مكتب حقوق المؤلفين لا توجد في أرشيفاته سوى أغنية
واحدة محفوظة باسم شاعرة مغمورة عنوانها «العظمة»، حرفية بدون «ناري».
ولا بد أن الذي يجب أن يصرخ «ناري» وهو يلطم «وجهو وفخاضو» هو فيصل
العرايشي مدير القطب الإعلامي العمومي، فهاهو رجله الثاني في القطب سابقا،
مصطفى بنعلي الذي كان مديرا على القناة الثانية، يطالبه بمليارين كتعويض
عما اعتبره طردا تعسفيا من العمل.
ولو أن الرجل لم يتعب كثيرا في الحصول على عمل جديد. فما لبث أن غادر
مقر القناة الثانية بعين السبع حتى نط إلى مقر شركة «الضحى»، فالشركتان
معا جارتان في نفس الشارع ولا يفصل بينهما سوى حائط قصير.
وبخروج مصطفى بنعلي من قناة عين السبع التلفزيونية ودخوله مقر شركة
«الضحى» العقارية، يكون قد حقق حلما ظل يراوده منذ حفل تنصيبه مديرا على
القناة الثانية، وهو حلم التحول إلى «طاشرون». فمنذ تنصيبه مديرا عاما على
قناة عين السبع ترك الأخبار والبرامج جانبا وانشغل بحفر الأساسات وبناء
الأستوديوهات وإعلاء طوابق المقرات، إلى أن أصبح مشهورا بين ردهات القناة
باسم مصطفى «بني وعلي». وهاهو اليوم يحقق حلمه القديم ويعثر على عمل جديد
في شركة «الضحى»، حيث سيكون بمستطاعه التفرغ لهواية البناء والتشييد.
بعض ألسنة السوء يحلو لهم أن يرددوا بأن الرجل كان يوم تعيينه يريد
دخول مقر «الضحى» في عين السبع فأخطأ الباب ودخل مقر القناة الثانية.
وهاهم الذين عينوه يتداركون الخطأ ويرشدونه إلى العنوان الصحيح. لكن مصطفى
بنعلي يريد تعويضا على هذا الخطأ «المطبعي» في قرار التعيين قدره مليارين
من السنتيمات. فهو يعتبر الاستغناء عن خدماته طردا تعسفيا.
طبعا من حق كل هؤلاء المدراء والرؤساء والفنانين اللجوء إلى القضاء
للمطالبة بجبر ما يعتبرونه ضررا أصابهم. لكن أليست المبالغ الطائلة التي
يطالبون بها مثيرة للتساؤل. خصوصا وأننا لم نعد نسمع سوى الملايير وهي
«تشير» ذات اليمين وذات الشمال، وكأننا في أوربا أو أمريكا.
إن واحدة من النتائج الخطيرة لسياسة تشجيع القضاة على مقاضاة الصحافة
ومطالبتها بمئات الملايين، هو تصاعد سقف التعويضات التي يطالب بها كل من
يعتبر نفسه متضررا من الصحافة أو وسائل الإعلام عموما.
لقد انطلق المزاد العلني على رأس الصحافة المستقلة بالمغرب قبل خمس
سنوات بسبعين مليونا ضد لوجورنال لصالح وزير الخارجية محمد بنعيسى، الذي
بالمناسبة ترك له عباس الفاسي راتب وزير متقاعد مدى الحياة، ثم طلع المزاد
ضد «تيل كيل» إلى ثمانين مليونا في قضية حليمة العسالي، والتي طلعت حليمة
فعلا وتنازلت عن المبلغ بعدما اعتبرت كلمة اعتذار بسيطة كافية لجبر
خاطرها. ثم سخنت الأسعار في بورصة القضاء عندما وصل سعر رأس «لوجورنال»
إلى 300 مليون لصالح مدير مركز أوربي ببلجيكا. أما رأس «المساء» فيعتبره
الماسكون بسوط القضاء ساخنا أكثر من اللازم ويجب قطعه، ولذلك حددوا له سعر
612 مليونا للقضاة الأربعة، زائد 400 مليون لزيان، فوصل المزاد إلى مليار
والصرف.
وإذا كان الذين يرفعون دعاوى ويطالبون بالملايير يبحث بعضهم عن جبر
الضرر فيما يبحث بعضهم الآخر عن الاغتناء غير المشروع على ظهر الصحافيين،
فإن تصريحا لمحامي القضاة الأربعة، محمد زيان، لوكالة «قدس بريس» يكشف
صراحة عن الهدف الحقيقي من جر «المساء» إلى مقصلة العدالة. فقد قال سيادة
النقيب أن الخط التحريري لـجريدة «المساء» خط إجرامي ولذلك سيناضل من أجل
إغلاقها حرصا على حقوق الإنسان.
هكذا نفهم أن الهدف من ملاحقة زيان لنا بالمتابعات القضائية
والغرامات التي وصلت إلى مليار ليس هو جبر ضرر القضاة أو جبر ضرره
المتخيل، وإنما إغلاق هذه الجريدة. وهاهو يخرج لها «نيشان» ويقولها صراحة
وبدون مراوغة.
ونحن هنا نطرح سؤالا بسيطا على زيان، من هي الجهة التي أعطته هذا
الأمر، ونيابة عن من يقوم بهذه المهمة الانتحارية، وما هو الثمن الحقيقي
لرأسنا. خصوصا عندما نعرف أن ثمن إرساله لنوبير الأموي إلى السجن في قضية
جريدة «الباييس» الاسبانية كان حقيبة وزارية أعطاها له الحسن الثاني لم
يتأبطها أكثر من تسعة أشهر.
إذا كان زيان يعتقد أن الخط التحريري للمساء خط إجرامي، فعليه أن
يطلب من وزير العدل تحريك دعوى قضائية ضد عشرات الآلاف من القراء الذين
يشترون هذه الجريدة بتهمة المشاركة في «الجريمة». وعليه أيضا أن يطالب
وزير الاتصال الذي يسمح لهذه الجريدة المجرمة بالصدور بتقديم استقالته من
منصبه بتهمة التستر عليها وعدم التبليغ.
لقد كنا منذ اليوم الأول لتوصلنا باستدعاء المحكمة مقتنعين بأن
«شرف» القضاة و«كرامتهم» هي آخر ما يهم زيان والذين بعثوا به لتنفيذ هذه
المهمة الانتحارية. وهاهو اليوم يعترف بعظمة لسانه بأن هدفه الرئيسي هو
إغلاق «المساء» حرصا على سلامة المواطنين من الوقوع ضحية لجرائمنا
اليومية.
ونحن لا نطلب من زيان أن يدخر جهدا في القيام بهذه المهمة، بل نشجعه
على المضي في ذلك بركوب أعلى ما في خيله. فقط نطلب منه أن يكون شجاعا وأن
يكشف لنا وللمغاربة الذين يخشى عليهم منا أسماء الذين كلفوه بهذه المهمة
القذرة. وإذا كان عاجزا عن القيام بذلك فإننا سنعفيه من هذا الحرج وسنقوم
نحن مكانه بذلك. لأننا نعرف أسماءهم ومناصبهم ونصيب كل واحد منهم في هذه
المؤامرة الدنيئة.
لقد انكشفت اللعبة يا سادة، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته أمام
الشعب. الذين خططوا للجريمة يجب أن يعلنوا عن أنفسهم ويتشبثوا بمطلب
الإعدام، ونحن من جانبنا سنتشبث بحقنا في الدفاع عن حقنا في البقاء.
وسنرى من سينتصر في النهاية.
وكما قال نابليون، ربما نكون قد خسرنا معركة لكننا بالتأكيد لم نخسر الحرب.
المساء:العدد
671 الاحد 16 نونبر 2008
نسمع عن «متضرر» يطالب بمليار أو «جوج» لجبر «ضرره». بدأ المزاد على رأس
«المساء» قبل سنة، عندما طالب زيان، وزير حقوق الإنسان السابق، بتعويض
قدره 600 مليون لقضاته الأربعة. وعندما رأى «نقيب» المحامين أن المبلغ
الذي طالب به وأعطته إياه المحكمة غير كاف، رفع دعوى ضد «المساء» لجبر
«ضرره» هو هذه المرة لمجرد أننا نشرنا خبرا حول مواطنة رفعت ضده دعوى
قضائية أمام القضاء، وطالبنا بأربعمائة مليون. ربما لكي يكمل «خيره» الذي
بدأه قبل سنة، ويصل بسقف مطالبه المادية إلى حدود المليار.
واليوم نسمع أن محمد الفراع رئيس التعاضدية العامة لموظفي الإدارات
العمومية، رفع دعوى قضائية ضد زملائنا في جريدة «الاتحاد الاشتراكي»
وطالبهم بمليار سنتيم كتعويض عما اعتبره قذفا في حقه. وفوق هذا وذاك دفع
الفراع تكاليف تسجيل الشكاية المباشرة في المحكمة من صندوق التعاضدية،
عملا بالمثل المغربي الشائع «من ليحيتو لقم ليه».
ويبدو أن المحاكم في المغرب سائرة في اتجاه مزاحمة بورصة الدار
البيضاء، بسبب قيمة التعويضات الخيالية التي «تروج» بين ردهاتها وقاعاتها
هذه الأيام. فهاهي نجاة عتابو تطالب الشركة المنتجة لفرماج البقرة الضاحكة
بمليار سنتيم كتعويض على ما اعتبرته صاحبة «وهادي كذبة باينة» سرقة فنية
لأغنيتها «ناري عالعظمة» واستعمالها في إشهار الفرماج الشهير الذي ظل طيلة
شهر رمضان يتسابق في التلفزيون مع صوت «الودان»، والذي أوهم المشاهدين بأن
كل من يأكله يفقد وقاره ويرفع يديه إلى الأعلى ويبدأ في «التعواج
والتلواز» قائلا «أها أها أها والعظمة».
وإذا كانت نجاة عتابو قد نجحت ابتدائيا في وقف بث الوصلة الإشهارية
لفرماج العظمة في القناتين العموميتين، فإن محكمة الاستئناف قضت ببطلان
قرار الإيقاف، لأن مكتب حقوق المؤلفين لا توجد في أرشيفاته سوى أغنية
واحدة محفوظة باسم شاعرة مغمورة عنوانها «العظمة»، حرفية بدون «ناري».
ولا بد أن الذي يجب أن يصرخ «ناري» وهو يلطم «وجهو وفخاضو» هو فيصل
العرايشي مدير القطب الإعلامي العمومي، فهاهو رجله الثاني في القطب سابقا،
مصطفى بنعلي الذي كان مديرا على القناة الثانية، يطالبه بمليارين كتعويض
عما اعتبره طردا تعسفيا من العمل.
ولو أن الرجل لم يتعب كثيرا في الحصول على عمل جديد. فما لبث أن غادر
مقر القناة الثانية بعين السبع حتى نط إلى مقر شركة «الضحى»، فالشركتان
معا جارتان في نفس الشارع ولا يفصل بينهما سوى حائط قصير.
وبخروج مصطفى بنعلي من قناة عين السبع التلفزيونية ودخوله مقر شركة
«الضحى» العقارية، يكون قد حقق حلما ظل يراوده منذ حفل تنصيبه مديرا على
القناة الثانية، وهو حلم التحول إلى «طاشرون». فمنذ تنصيبه مديرا عاما على
قناة عين السبع ترك الأخبار والبرامج جانبا وانشغل بحفر الأساسات وبناء
الأستوديوهات وإعلاء طوابق المقرات، إلى أن أصبح مشهورا بين ردهات القناة
باسم مصطفى «بني وعلي». وهاهو اليوم يحقق حلمه القديم ويعثر على عمل جديد
في شركة «الضحى»، حيث سيكون بمستطاعه التفرغ لهواية البناء والتشييد.
بعض ألسنة السوء يحلو لهم أن يرددوا بأن الرجل كان يوم تعيينه يريد
دخول مقر «الضحى» في عين السبع فأخطأ الباب ودخل مقر القناة الثانية.
وهاهم الذين عينوه يتداركون الخطأ ويرشدونه إلى العنوان الصحيح. لكن مصطفى
بنعلي يريد تعويضا على هذا الخطأ «المطبعي» في قرار التعيين قدره مليارين
من السنتيمات. فهو يعتبر الاستغناء عن خدماته طردا تعسفيا.
طبعا من حق كل هؤلاء المدراء والرؤساء والفنانين اللجوء إلى القضاء
للمطالبة بجبر ما يعتبرونه ضررا أصابهم. لكن أليست المبالغ الطائلة التي
يطالبون بها مثيرة للتساؤل. خصوصا وأننا لم نعد نسمع سوى الملايير وهي
«تشير» ذات اليمين وذات الشمال، وكأننا في أوربا أو أمريكا.
إن واحدة من النتائج الخطيرة لسياسة تشجيع القضاة على مقاضاة الصحافة
ومطالبتها بمئات الملايين، هو تصاعد سقف التعويضات التي يطالب بها كل من
يعتبر نفسه متضررا من الصحافة أو وسائل الإعلام عموما.
لقد انطلق المزاد العلني على رأس الصحافة المستقلة بالمغرب قبل خمس
سنوات بسبعين مليونا ضد لوجورنال لصالح وزير الخارجية محمد بنعيسى، الذي
بالمناسبة ترك له عباس الفاسي راتب وزير متقاعد مدى الحياة، ثم طلع المزاد
ضد «تيل كيل» إلى ثمانين مليونا في قضية حليمة العسالي، والتي طلعت حليمة
فعلا وتنازلت عن المبلغ بعدما اعتبرت كلمة اعتذار بسيطة كافية لجبر
خاطرها. ثم سخنت الأسعار في بورصة القضاء عندما وصل سعر رأس «لوجورنال»
إلى 300 مليون لصالح مدير مركز أوربي ببلجيكا. أما رأس «المساء» فيعتبره
الماسكون بسوط القضاء ساخنا أكثر من اللازم ويجب قطعه، ولذلك حددوا له سعر
612 مليونا للقضاة الأربعة، زائد 400 مليون لزيان، فوصل المزاد إلى مليار
والصرف.
وإذا كان الذين يرفعون دعاوى ويطالبون بالملايير يبحث بعضهم عن جبر
الضرر فيما يبحث بعضهم الآخر عن الاغتناء غير المشروع على ظهر الصحافيين،
فإن تصريحا لمحامي القضاة الأربعة، محمد زيان، لوكالة «قدس بريس» يكشف
صراحة عن الهدف الحقيقي من جر «المساء» إلى مقصلة العدالة. فقد قال سيادة
النقيب أن الخط التحريري لـجريدة «المساء» خط إجرامي ولذلك سيناضل من أجل
إغلاقها حرصا على حقوق الإنسان.
هكذا نفهم أن الهدف من ملاحقة زيان لنا بالمتابعات القضائية
والغرامات التي وصلت إلى مليار ليس هو جبر ضرر القضاة أو جبر ضرره
المتخيل، وإنما إغلاق هذه الجريدة. وهاهو يخرج لها «نيشان» ويقولها صراحة
وبدون مراوغة.
ونحن هنا نطرح سؤالا بسيطا على زيان، من هي الجهة التي أعطته هذا
الأمر، ونيابة عن من يقوم بهذه المهمة الانتحارية، وما هو الثمن الحقيقي
لرأسنا. خصوصا عندما نعرف أن ثمن إرساله لنوبير الأموي إلى السجن في قضية
جريدة «الباييس» الاسبانية كان حقيبة وزارية أعطاها له الحسن الثاني لم
يتأبطها أكثر من تسعة أشهر.
إذا كان زيان يعتقد أن الخط التحريري للمساء خط إجرامي، فعليه أن
يطلب من وزير العدل تحريك دعوى قضائية ضد عشرات الآلاف من القراء الذين
يشترون هذه الجريدة بتهمة المشاركة في «الجريمة». وعليه أيضا أن يطالب
وزير الاتصال الذي يسمح لهذه الجريدة المجرمة بالصدور بتقديم استقالته من
منصبه بتهمة التستر عليها وعدم التبليغ.
لقد كنا منذ اليوم الأول لتوصلنا باستدعاء المحكمة مقتنعين بأن
«شرف» القضاة و«كرامتهم» هي آخر ما يهم زيان والذين بعثوا به لتنفيذ هذه
المهمة الانتحارية. وهاهو اليوم يعترف بعظمة لسانه بأن هدفه الرئيسي هو
إغلاق «المساء» حرصا على سلامة المواطنين من الوقوع ضحية لجرائمنا
اليومية.
ونحن لا نطلب من زيان أن يدخر جهدا في القيام بهذه المهمة، بل نشجعه
على المضي في ذلك بركوب أعلى ما في خيله. فقط نطلب منه أن يكون شجاعا وأن
يكشف لنا وللمغاربة الذين يخشى عليهم منا أسماء الذين كلفوه بهذه المهمة
القذرة. وإذا كان عاجزا عن القيام بذلك فإننا سنعفيه من هذا الحرج وسنقوم
نحن مكانه بذلك. لأننا نعرف أسماءهم ومناصبهم ونصيب كل واحد منهم في هذه
المؤامرة الدنيئة.
لقد انكشفت اللعبة يا سادة، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته أمام
الشعب. الذين خططوا للجريمة يجب أن يعلنوا عن أنفسهم ويتشبثوا بمطلب
الإعدام، ونحن من جانبنا سنتشبث بحقنا في الدفاع عن حقنا في البقاء.
وسنرى من سينتصر في النهاية.
وكما قال نابليون، ربما نكون قد خسرنا معركة لكننا بالتأكيد لم نخسر الحرب.
المساء:العدد
671 الاحد 16 نونبر 2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
هز ليا نسماتشي ليك/رشيد نيني /المساء:العدد 672 الاثنين 17 نوفمبر 2008
وسط هذا الحصار المالي الخانق الذي خلفته عملية السطو «القانونية» على حساباتنا البنكية، هناك ما يبعث على الفرح في هذه المأساة. ونحن في عين الإعصار، صامدين إلى آخر طلقة حبر، نتابع بفخر وكبرياء كل هذه الحملة غير المسبوقة من التضامن الإعلامي والحقوقي والشعبي مع «المساء».
في مسرح محمد الخامس بالرباط، حيث كرمت لجنة التحكيم التي عينتها وزارة الاتصال الفائزين بجوائز السنة الصحافية، وقف الزميل محمد العوني من الإذاعة الوطنية في المنصة ليتسلم جائزته وأعلن تضامنه مع «المساء» في محنتها، فوقف الجمهور وصفق قرابة دقيقتين. رغم أنف الأشعري وبنعبد الله والناصري، الوزراء الثلاثة اليساريين التقدميين، يا حسرة، الذين تعاقبوا على حقيبة وزارة الاتصال، الذين كانوا «مبندين» في المقاعد الأمامية للمسرح.
ثم بعده صعد أحد قدماء المحاربين في الصحافة الوطنية، عبد الله الستوكي، وتسلم جائزة التكريم، وأعلن من فوق المنصة تضامنه مع «المساء» في محنتها.
بعد يومين سيعلن الزميل العوني تنازله عن نصف مقدار الجائزة للمساء، بينما خصص النصف الآخر لدعم منتدى دمقرطة الإعلام. وفي مدينة العيون سيلغي أعضاء في النقابة الوطنية للصحافة ورئيسا تحرير جريدتين محليتين نشاطا كان مبرمجا للاحتفال باليوم الوطني للإعلام. وفي الدار البيضاء سيقرر منظمو تظاهرة «نجوم بلادي» السنوية أن يلغوا احتفال هذه السنة احتجاجا على قرار إعدام «المساء»، واستجابة لدعوة الزميل البريني الذي دعا إلى مقاطعة الاحتفال باليوم الوطني للإعلام لهذه السنة.
سينزل فرع النقابة الوطنية للصحافة للتظاهر صباح السبت أمام مقر «المساء» في الدار البيضاء، ومساء ستنزل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان للتظاهر أمام البرلمان تضامنا مع «المساء». وفي اليوم نفسه ستخرج اللجنة المحلية للتضامن مع «المساء» في مارتيل بتطوان للتظاهر احتجاجا على الظلم الذي نتعرض له.
ومن الرباط ستصلنا رسالة من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، يخبرنا فيها رئيسها أن الهيئة راسلت القناة الثانية بخصوص الشكاية التي أرسلناها إلى حكمائها نشتكي فيها من حشر اسم مؤسسة «المساء» والمخرج محمد العسلي في خبر يتعلق بتوقيف شبكة للسوريين متورطين في تهريب العملة والتهجير. وطلبت منها أن تقرأ في نشرات أخبارها قرار الهيئة الذي يقول بأن مديرية الأخبار عندما حشرت اسم «المساء» والمخرج محمد العسلي في خبرها حول شبكة السوريين كانت قد أخلت بالمهنية والحياد، وألحقت ضررا بصورة «المساء» وبصورة المخرج محمد العسلي.
وعوض أن تتحمل القناة الثانية مسؤوليتها وتعترف بخطئها وتقرأ قرار الهيئة العليا للاتصال، لجأت إلى المحكمة الإدارية لكي تطعن في القرار. والمضحك في تعليل القناة لرفضها الامتثال لقرار الهيئة العليا، هو أنها استقت الخبر من وكالة المغرب العربي للأنباء، وأن الوكالة محدثة بظهير ملكي. وكأن المؤسسات المحدثة بمقتضى ظهير لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
وهذه بدعة جديدة انتشرت في المغرب مؤخرا. فكل من يتم تعيينه بظهير ملكي يعتقد أنه أصبح شخصا مقدسا لا يخطئ، وإن أخطأ لا تجوز محاسبته عن أخطائه. وهذا يذكرنا بأولئك المحظوظين الذين كانوا ينحدرون من عائلات ثرية ويحملون ظهائر التوقير أيام الاستعمار. وبفضل هذا الظهير لم يكن يطالهم قانون المخزن مثل سائر «المروك كحل الراس». فهاهو السيد عليوة المدير العام للقرض العقاري والسياحي يشهر، عندما تنشر الصحافة خبر استفادته من ممتلكات البنك بأسعار تفضيلية، تعيينه بظهير ملكي وكأنه يطلب من الصحافة والبرلمان أن يوقره على وجه هذا الظهير الذي عين به. وهاهو مصطفى بنعلي الذي عينه الملك على رأس القناة الثانية بظهير ملكي، يطالب اليوم بمليارين كتعويض عن الطرد التعسفي لمجرد أن الذين عينوه قرروا تعويضه بمدير جديد.
وكأن هؤلاء المعينين بظهير لم يشاهدوا كيف أعفى الملك قبل أمس يونس معمر، مدير المكتب الوطني للكهرباء، رغم أنه لم يفرح بظهير تعيينه أكثر من سنتين. فالرجل تعرض لصعقة كهربائية عالية الضغط عندما قرر فجأة أن يقطع التيار عن مصانع ومطابع عين السبع، أهم منطقة صناعية في الدار البيضاء والمغرب بكامله. وكم هو محظوظ لأن الملك أعفاه من منصبه قبل أن يرسل إليه الميداوي قضاة مجلسه الأعلى للحسابات لكي يحققوا معه في أكثر من 9347 صفقة أبرمها مع شركات مختلفة دون اللجوء إلى نشر طلبات عروض بشأنها.
وإذا كان يونس معمر قد «حط» الظهير وذهب إلى حال سبيله، فإن الجميع ينتظر أن يصل هذا التيار عالي الضغط إلى المكتب الوطني للمطارات، حيث مديره عبد الحنين بنعلو، المعين بظهير هو الآخر، يشتري لنفسه عقارا في ملكية المكتب الوطني للمطارات بإفران بمبلغ زهيد لا يتعدى 15 مليون سنتيم.
ولا بد أن هؤلاء المعينين بظهير ملكي يعتقدون أن ظهائرهم تسمح لهم بالتصرف في ممتلكات المؤسسات التي يديرونها بدون أن يخشوا المحاسبة. كما أنهم يستطيعون أن يشهروا هذا الظهير الملكي في وجه كل من يسيئون إلى سمعته ويخربون مصداقيته.
وهكذا نرى كيف أن القناة الثانية في جوابها على قرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، تشهر الظهير الملكي المؤسس لوكالة الأنباء التي أخذت عنها الخبر الملفق والذي خلطت فيه بين شبكة السوريين و«المساء» والمخرج محمد العسلي. وكأن الاختباء تحت «قشابة» الخباشي مدير الوكالة يعفي القناة من مسؤوليتها في نشر الخبر المسيء وتعميمه على الرأي العام.
والمضحك في تبرير القناة الثانية هو أنها تقول بأن ضمان الطابع التعددي في المواقف يقتصر فقط على البرامج، وبما أن نشرة الأخبار ليست برنامجا فلا ضرورة لاحترام التعدد. وهذا يكشف عن جهل مريع بأبجديات الإعلام التلفزيوني، ويفضح المستوى المهني لمن عهدت إليهم مهمة إخبار الرأي العام. لأن احترام التعددية مطلوبة في الأخبار التي تذيعها القنوات أكثر مما هي مطلوبة في البرامج. وكون الخبر مأخوذ من وكالة رسمية للأنباء ليس وحده مبررا لإذاعته بدون تحقيق شرط الحياد والموضوعية والمهنية. فالوكالة تنتج قصاصات إخبارية وتقارير رسمية، ولا تنتج قرآنا منزلا أو وحيا منزها عن الخطأ. وليس لأن الوكالة محدثة بظهير ملكي فإن مديرها «المعصوم» عن الخطأ سيسمح لنفسه بنشر تقارير خبرية تهاجم الأشخاص والمؤسسات التي تضعها بعض الأجهزة المخابراتية في لوائحها السوداء. ثم تأتي بعد ذلك القناة الثانية وتأخذ عنها هذه التقارير «المعصومة» وتذيعها بضمير مهني مرتاح.
إن لعبة «هز ليا نسماتشي ليك» التي تمارسها القناة الثانية ووكالة الخباشي للأنباء أصبحت مفضوحة اليوم. لقد سقط القناع عن الجهاز الحقيقي المتحكم في دواليب أخبار القناة الثانية ووكالة الأنباء الرسمية. وهو نفسه الجهاز الذي يشن اليوم حربا إعلامية في منشوراته المفضوحة ضد بعض حكماء الهيئة العليا للاتصال بتهمة التحيز لـ«المساء».
فهذا الجهاز الذي يعتبر نفسه فوق القانون، أصيب بحالة اكتئاب حادة عندما رأى أن خطته البليدة لإقبار «المساء» لا يسارها فيها أحد غير أزلامه في وكالة الخباشي ومديرية أخبار القناة الثانية ومنشورات سخيفة لا يقرأها حتى محرروها.
إننا لسعداء بهذه الانتصارات الصغيرة التي نحرزها في معركتنا ضد هذا الجهاز المتجبر والمتسلط والذي وضع كل «تنوعيره» في خدمة هدف واحد ووحيد وهو القضاء على «المساء» وإقفال أبوابها. وكأن المغرب سيكون أفضل حالا إذا ما جاء الصباح ولم تنزل «المساء» إلى الأكشاك.
بتضامنكم ومؤازرتكم ووقوفكم إلى جانبنا في هذه الأزمنة الرديئة سيفهم هذا الجهاز أن الوقت حان لكي يرفع حذاءه الثقيل عنا جميعا، صحافيين ومواطنين. فالمغاربة يريدون اليوم دولة المؤسسات وليس دولة المخابرات.
فهل تلتقط أجهزة رصدهم هذه الرسالة، أم إنهم سيقرؤونها كما هي العادة من قفاها.
في مسرح محمد الخامس بالرباط، حيث كرمت لجنة التحكيم التي عينتها وزارة الاتصال الفائزين بجوائز السنة الصحافية، وقف الزميل محمد العوني من الإذاعة الوطنية في المنصة ليتسلم جائزته وأعلن تضامنه مع «المساء» في محنتها، فوقف الجمهور وصفق قرابة دقيقتين. رغم أنف الأشعري وبنعبد الله والناصري، الوزراء الثلاثة اليساريين التقدميين، يا حسرة، الذين تعاقبوا على حقيبة وزارة الاتصال، الذين كانوا «مبندين» في المقاعد الأمامية للمسرح.
ثم بعده صعد أحد قدماء المحاربين في الصحافة الوطنية، عبد الله الستوكي، وتسلم جائزة التكريم، وأعلن من فوق المنصة تضامنه مع «المساء» في محنتها.
بعد يومين سيعلن الزميل العوني تنازله عن نصف مقدار الجائزة للمساء، بينما خصص النصف الآخر لدعم منتدى دمقرطة الإعلام. وفي مدينة العيون سيلغي أعضاء في النقابة الوطنية للصحافة ورئيسا تحرير جريدتين محليتين نشاطا كان مبرمجا للاحتفال باليوم الوطني للإعلام. وفي الدار البيضاء سيقرر منظمو تظاهرة «نجوم بلادي» السنوية أن يلغوا احتفال هذه السنة احتجاجا على قرار إعدام «المساء»، واستجابة لدعوة الزميل البريني الذي دعا إلى مقاطعة الاحتفال باليوم الوطني للإعلام لهذه السنة.
سينزل فرع النقابة الوطنية للصحافة للتظاهر صباح السبت أمام مقر «المساء» في الدار البيضاء، ومساء ستنزل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان للتظاهر أمام البرلمان تضامنا مع «المساء». وفي اليوم نفسه ستخرج اللجنة المحلية للتضامن مع «المساء» في مارتيل بتطوان للتظاهر احتجاجا على الظلم الذي نتعرض له.
ومن الرباط ستصلنا رسالة من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، يخبرنا فيها رئيسها أن الهيئة راسلت القناة الثانية بخصوص الشكاية التي أرسلناها إلى حكمائها نشتكي فيها من حشر اسم مؤسسة «المساء» والمخرج محمد العسلي في خبر يتعلق بتوقيف شبكة للسوريين متورطين في تهريب العملة والتهجير. وطلبت منها أن تقرأ في نشرات أخبارها قرار الهيئة الذي يقول بأن مديرية الأخبار عندما حشرت اسم «المساء» والمخرج محمد العسلي في خبرها حول شبكة السوريين كانت قد أخلت بالمهنية والحياد، وألحقت ضررا بصورة «المساء» وبصورة المخرج محمد العسلي.
وعوض أن تتحمل القناة الثانية مسؤوليتها وتعترف بخطئها وتقرأ قرار الهيئة العليا للاتصال، لجأت إلى المحكمة الإدارية لكي تطعن في القرار. والمضحك في تعليل القناة لرفضها الامتثال لقرار الهيئة العليا، هو أنها استقت الخبر من وكالة المغرب العربي للأنباء، وأن الوكالة محدثة بظهير ملكي. وكأن المؤسسات المحدثة بمقتضى ظهير لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
وهذه بدعة جديدة انتشرت في المغرب مؤخرا. فكل من يتم تعيينه بظهير ملكي يعتقد أنه أصبح شخصا مقدسا لا يخطئ، وإن أخطأ لا تجوز محاسبته عن أخطائه. وهذا يذكرنا بأولئك المحظوظين الذين كانوا ينحدرون من عائلات ثرية ويحملون ظهائر التوقير أيام الاستعمار. وبفضل هذا الظهير لم يكن يطالهم قانون المخزن مثل سائر «المروك كحل الراس». فهاهو السيد عليوة المدير العام للقرض العقاري والسياحي يشهر، عندما تنشر الصحافة خبر استفادته من ممتلكات البنك بأسعار تفضيلية، تعيينه بظهير ملكي وكأنه يطلب من الصحافة والبرلمان أن يوقره على وجه هذا الظهير الذي عين به. وهاهو مصطفى بنعلي الذي عينه الملك على رأس القناة الثانية بظهير ملكي، يطالب اليوم بمليارين كتعويض عن الطرد التعسفي لمجرد أن الذين عينوه قرروا تعويضه بمدير جديد.
وكأن هؤلاء المعينين بظهير لم يشاهدوا كيف أعفى الملك قبل أمس يونس معمر، مدير المكتب الوطني للكهرباء، رغم أنه لم يفرح بظهير تعيينه أكثر من سنتين. فالرجل تعرض لصعقة كهربائية عالية الضغط عندما قرر فجأة أن يقطع التيار عن مصانع ومطابع عين السبع، أهم منطقة صناعية في الدار البيضاء والمغرب بكامله. وكم هو محظوظ لأن الملك أعفاه من منصبه قبل أن يرسل إليه الميداوي قضاة مجلسه الأعلى للحسابات لكي يحققوا معه في أكثر من 9347 صفقة أبرمها مع شركات مختلفة دون اللجوء إلى نشر طلبات عروض بشأنها.
وإذا كان يونس معمر قد «حط» الظهير وذهب إلى حال سبيله، فإن الجميع ينتظر أن يصل هذا التيار عالي الضغط إلى المكتب الوطني للمطارات، حيث مديره عبد الحنين بنعلو، المعين بظهير هو الآخر، يشتري لنفسه عقارا في ملكية المكتب الوطني للمطارات بإفران بمبلغ زهيد لا يتعدى 15 مليون سنتيم.
ولا بد أن هؤلاء المعينين بظهير ملكي يعتقدون أن ظهائرهم تسمح لهم بالتصرف في ممتلكات المؤسسات التي يديرونها بدون أن يخشوا المحاسبة. كما أنهم يستطيعون أن يشهروا هذا الظهير الملكي في وجه كل من يسيئون إلى سمعته ويخربون مصداقيته.
وهكذا نرى كيف أن القناة الثانية في جوابها على قرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، تشهر الظهير الملكي المؤسس لوكالة الأنباء التي أخذت عنها الخبر الملفق والذي خلطت فيه بين شبكة السوريين و«المساء» والمخرج محمد العسلي. وكأن الاختباء تحت «قشابة» الخباشي مدير الوكالة يعفي القناة من مسؤوليتها في نشر الخبر المسيء وتعميمه على الرأي العام.
والمضحك في تبرير القناة الثانية هو أنها تقول بأن ضمان الطابع التعددي في المواقف يقتصر فقط على البرامج، وبما أن نشرة الأخبار ليست برنامجا فلا ضرورة لاحترام التعدد. وهذا يكشف عن جهل مريع بأبجديات الإعلام التلفزيوني، ويفضح المستوى المهني لمن عهدت إليهم مهمة إخبار الرأي العام. لأن احترام التعددية مطلوبة في الأخبار التي تذيعها القنوات أكثر مما هي مطلوبة في البرامج. وكون الخبر مأخوذ من وكالة رسمية للأنباء ليس وحده مبررا لإذاعته بدون تحقيق شرط الحياد والموضوعية والمهنية. فالوكالة تنتج قصاصات إخبارية وتقارير رسمية، ولا تنتج قرآنا منزلا أو وحيا منزها عن الخطأ. وليس لأن الوكالة محدثة بظهير ملكي فإن مديرها «المعصوم» عن الخطأ سيسمح لنفسه بنشر تقارير خبرية تهاجم الأشخاص والمؤسسات التي تضعها بعض الأجهزة المخابراتية في لوائحها السوداء. ثم تأتي بعد ذلك القناة الثانية وتأخذ عنها هذه التقارير «المعصومة» وتذيعها بضمير مهني مرتاح.
إن لعبة «هز ليا نسماتشي ليك» التي تمارسها القناة الثانية ووكالة الخباشي للأنباء أصبحت مفضوحة اليوم. لقد سقط القناع عن الجهاز الحقيقي المتحكم في دواليب أخبار القناة الثانية ووكالة الأنباء الرسمية. وهو نفسه الجهاز الذي يشن اليوم حربا إعلامية في منشوراته المفضوحة ضد بعض حكماء الهيئة العليا للاتصال بتهمة التحيز لـ«المساء».
فهذا الجهاز الذي يعتبر نفسه فوق القانون، أصيب بحالة اكتئاب حادة عندما رأى أن خطته البليدة لإقبار «المساء» لا يسارها فيها أحد غير أزلامه في وكالة الخباشي ومديرية أخبار القناة الثانية ومنشورات سخيفة لا يقرأها حتى محرروها.
إننا لسعداء بهذه الانتصارات الصغيرة التي نحرزها في معركتنا ضد هذا الجهاز المتجبر والمتسلط والذي وضع كل «تنوعيره» في خدمة هدف واحد ووحيد وهو القضاء على «المساء» وإقفال أبوابها. وكأن المغرب سيكون أفضل حالا إذا ما جاء الصباح ولم تنزل «المساء» إلى الأكشاك.
بتضامنكم ومؤازرتكم ووقوفكم إلى جانبنا في هذه الأزمنة الرديئة سيفهم هذا الجهاز أن الوقت حان لكي يرفع حذاءه الثقيل عنا جميعا، صحافيين ومواطنين. فالمغاربة يريدون اليوم دولة المؤسسات وليس دولة المخابرات.
فهل تلتقط أجهزة رصدهم هذه الرسالة، أم إنهم سيقرؤونها كما هي العادة من قفاها.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مباراة ضد التاريخ/ رشيد نيني
مرت المباراة بين فريق أصدقاء زين الدين زيدان وفريق أصدقاء رونالدو التي نظمها صندوق الأمم المتحدة للتنمية في فاس ضمن برنامجه الخيري لجمع تبرعات للمغرب، دون أن تثير حولها بعض علامات الاستفهام.
ولعل أول ما أثار استغرابي شخصيا هو أن هذه المبادرة الخيرية الأممية ضد الفقر، تنظم في واحدة من أعرق المدن التاريخية في المغرب المشهورة بانحدار الطبقة السياسية والمالية المتحكمة في المغرب منها.
فاس التي ظلت دائما رمزا لثراء نخبتها في المال والتجارة، وحظوة عائلاتها المرموقة بالقرب من مصادر السلطة، وسيطرة طبقتها البورجوازية على مصادر الثروة في المغرب على مر التاريخ، انتهت اليوم مدينة تحتضن تظاهرة أممية حول الفقر. والأكثر إثارة للدهشة والاستغراب هو أن تتزامن هذه التظاهرة الأممية ضد الفقر في المغرب مع احتفال الدولة المغربية بمرور 1200 سنة على تأسيسها.
فأي تاريخ هذا الذي تحتفل به الدولة المغربية إذا كانت ستجد نفسها بعد 1200 سنة من تأسيسها تحتضن مباراة خيرية لجمع 100 ألف دولار لصندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لمحاربة الفقر في المملكة.
أليست قمة المفارقة والغرابة أن تحتضن فاس مباراة أممية لجمع الصدقات للمغرب، بينما لدينا حكومة يقودها وزير أول يحمل اسم «الفاسي»، يجلس إلى جانبه في الحكومة على يمينه زوج ابنته نزار بركة وزير الشؤون العامة للحكومة، وعلى يساره أصهاره الفاسي الفهري وزير الخارجية وياسمينة بادو وزيرة الصحة، وبقية آل الفاسي المنتشرين في المؤسسات العمومية الذين يجمعون المناصب مثلما يجمع آخرون الطوابع البريدية. وآخرهم علي الفاسي الفهري الذي تم تعيينه على رأس المكتب الوطني للكهرباء. فيبدو أن مسؤولية المكتب الوطني للماء لم تكن كافية بالنسبة إليه فزادوه مسؤولية الكهرباء على مسؤولية الماء. «بقا ليهم غير يزيدوه التلفون حتى هوا باش تكمل الباهية».
ولو كنت مكان عباس الفاسي، أجلس على كرسي الوزير الأول، وأرى كيف أن مدينة فاس التي ينحدر منها هو وآله الذين يسيرون دواليب السياسة والاقتصاد المغربي، تحتضن مباراة رونالدو وزيدان لجمع الصدقة لفقراء المغرب، لتمنيت أن تنشق الأرض لكي أدخل فيها من شدة الخجل.
إن هذه المباراة الخيرية في الحقيقة هي الاحتفال الحقيقي بالذكرى 1200 لتأسيس المملكة المغربية. فها نحن بعد كل هذه القرون الطويلة من حياة المملكة ننتهي بكل هذه الملايين من الفقراء المادين أيديهم للغرباء لكي يساعدوهم على «طرف ديال الخبز».
والكارثة أن آل الفاسي يتفرجون على هذه «الشوهة» العالمية دون أن تتحرك فيهم شعرة واحدة. بل بالعكس، فهم يشجعون مثل هذه المبادرات الخيرية الأممية لصالح فقراء المملكة. بل أكثر من ذلك، فعمدة فاس الاستقلالي شباط، وجد في ميزانية المدينة التي يسيرها ما يكفي من مال لكي يتبرع به لبعض الدول الإفريقية الفقيرة. وهكذا في الوقت الذي يجمع زيدان ورونالدو الصدقات والإعانات لفقراء المغرب، يرسل شباط التبرعات والصدقات إلى الدول الإفريقية الفقيرة. عملا بالحكمة القائلة «الطلاب يطلب ومرتو تصدق».
إن الاحتفال بكل هذه القرون المديدة من حياة المملكة المغربية لا يجب أن يضع أمام عيوننا عصابة لكي لا نرى أين نضع أرجلنا اليوم بعد 1200 سنة من وجودنا. كما أن هذه الذكرى يجب أن تكون مناسبة نقف فيها أمام المرآة لكي نشاهد صورتنا الحقيقية وليس تلك الصور الزائفة التي يريد البعض تسويقها عنا.
إنه لمن المخجل أن تضطر المملكة المغربية التي تحتفل بعراقتها إلى إيقاف بناتها في مطار محمد الخامس، خوفا من ذهابهن إلى مواخير الخليج لبيع لحومهن وشرفهن.
إنه لمن المخجل أن نرى كيف أن الشرطة الإسبانية أوقفت قبل أمس عشرات الفتيات المغربيات بتهمة تعاطي الدعارة في كازينوهات مالغا، وأرسلتهن إلى المغرب.
إن الصورة المخجلة التي أصبحت للمغرب في الخارج بسبب استرخاص لحوم بناته ووفرتها بأسعار تشجيعية حطمت كل منافسة عربية أو روسية أو أوكرانية، تفرض على الحكومة والدولة المغربية تحمل مسؤوليتها تجاه هذه «الشوهة» العالمية.
وليس بتوقيف البنات في المطارات ومنعهن من السفر ستحل الدولة المشكل. أولا لأن ما قامت به الشرطة عندما منعت هؤلاء الفتيات من السفر شيء غير قانوني، وضد حقوق الأفراد في التنقل والسفر، ويزيد صورة المغرب تشويها، لأنه يعطي عنه صورة البلد الذي يمنع بناته من السفر لمجرد أنه يشتبه في إمكانية تعاطيهن للدعارة. والحال أن القانون واضح في هذا الباب، ولا يسمح باعتقال المتعاطين للدعارة إلا في حالة التلبس بممارسة الفساد.
أما منع المواطنين من السفر بحجة إمكانية تعاطيهم للدعارة، فهذا اختراع قانوني جديد يمكن تسميته بالعدالة الاستشرافية. يعني أن تخلط نشرة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بنشرة الطقس وتتعامل مع المواطنين بناء على التوقعات. وهذا مناف لروح القانون.
والظاهر أن هناك عباقرة في الجهاز الأمني للمملكة يعتقدون أنهم بمجرد ما سيمنعون بنات المغرب من أخذ الطائرات نحو بلدان الجيران، فإنهم سيزيلون عن المغرب هذه «الشوهة». وكأنهم ينسون أن المشكل يجب معالجته من أصله، أي بالقضاء على أسبابه.
وهؤلاء الأمنيون عليهم مراجعة التقرير الأخير الذي نشرته المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا، والتي تقوم رئيستها الدكتورة نادية بزاد بمجهود جبار ودؤوب في التوعية بمخاطر هذا المرض في الوقت الذي ينشغل فيه بعضهم بتلميع صورته في الإعلام على حساب ضحايا السيدا، لكي يدركوا خطورة «الفوضى الجنسية» التي يعيشها المغرب.
فالتقرير الصادم الذي نشرته المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا يضع الحكومة والدولة المغربية أمام مسؤوليتها في حماية الصحة العامة للمغاربة. وحسب التقرير فالسن الذي تدخل فيه الفتاة عالم الدعارة في المغرب هو ست سنوات. وهذه صفعة قوية لوزارة الداخلية التي تحركت مصالحها لإغلاق ستين دارا للقرآن في كل أرجاء المغرب بعد الفتوى المخجلة للمغراوي حول جواز نكاح بنت التاسعة. فهذه الوزارة التي أصبحت فجأة أكثر حرصا على الأمن الروحي للمغاربة من وزارة الأوقاف، خصوصا بعد إبرام التوفيق لشراكة مع بنموسى حول توظيف الأئمة والخطباء، لم تحرك ساكنا عندما وصلها هذا التقرير الصادم حول دعارة بنات الست. ولم نسمع أن شكيب بنموسى أعطى أوامره للولاة والعمال والقياد بإحصاء دور الدعارة التي تشغل هؤلاء الفتيات، وإغلاقها وتشميع «مقراتها» كما صنع مع دور القرآن.
كما أن الجمعيات النسائية وجمعيات حماية الطفولة لم تحرك ساكنا إلى حدود اليوم وهي تقرأ كل تلك النتائج المخجلة والمرعبة حول دعارة النساء والمراهقات وبنات الست سنوات. مع أن بعضها تحرك بسرعة لكي يدين فتوى زواج بنات التسع، والمطالبة بتقديم صاحب الفتوى إلى المحاكمة.
فكيف يتشدد كل هؤلاء مع فتوى نظرية حول زواج بنات التسع ويسكتون عن دعارة واقعية لبنات الست. أليس هذا مثيرا للاستغراب والدهشة.
وإذا كان هذا الصمت مثيرا للدهشة، أليس مثيرا للخجل أن يحتفل المغرب بالذكرى 1200 سنة على تأسيس عاصمته فاس، وفي الوقت نفسه نرى كيف تنظم هذه العاصمة العريقة مباراة أممية لجمع الصدقة لفقراء المملكة.
أليست هذه قمة التناقض ؟
ولعل أول ما أثار استغرابي شخصيا هو أن هذه المبادرة الخيرية الأممية ضد الفقر، تنظم في واحدة من أعرق المدن التاريخية في المغرب المشهورة بانحدار الطبقة السياسية والمالية المتحكمة في المغرب منها.
فاس التي ظلت دائما رمزا لثراء نخبتها في المال والتجارة، وحظوة عائلاتها المرموقة بالقرب من مصادر السلطة، وسيطرة طبقتها البورجوازية على مصادر الثروة في المغرب على مر التاريخ، انتهت اليوم مدينة تحتضن تظاهرة أممية حول الفقر. والأكثر إثارة للدهشة والاستغراب هو أن تتزامن هذه التظاهرة الأممية ضد الفقر في المغرب مع احتفال الدولة المغربية بمرور 1200 سنة على تأسيسها.
فأي تاريخ هذا الذي تحتفل به الدولة المغربية إذا كانت ستجد نفسها بعد 1200 سنة من تأسيسها تحتضن مباراة خيرية لجمع 100 ألف دولار لصندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لمحاربة الفقر في المملكة.
أليست قمة المفارقة والغرابة أن تحتضن فاس مباراة أممية لجمع الصدقات للمغرب، بينما لدينا حكومة يقودها وزير أول يحمل اسم «الفاسي»، يجلس إلى جانبه في الحكومة على يمينه زوج ابنته نزار بركة وزير الشؤون العامة للحكومة، وعلى يساره أصهاره الفاسي الفهري وزير الخارجية وياسمينة بادو وزيرة الصحة، وبقية آل الفاسي المنتشرين في المؤسسات العمومية الذين يجمعون المناصب مثلما يجمع آخرون الطوابع البريدية. وآخرهم علي الفاسي الفهري الذي تم تعيينه على رأس المكتب الوطني للكهرباء. فيبدو أن مسؤولية المكتب الوطني للماء لم تكن كافية بالنسبة إليه فزادوه مسؤولية الكهرباء على مسؤولية الماء. «بقا ليهم غير يزيدوه التلفون حتى هوا باش تكمل الباهية».
ولو كنت مكان عباس الفاسي، أجلس على كرسي الوزير الأول، وأرى كيف أن مدينة فاس التي ينحدر منها هو وآله الذين يسيرون دواليب السياسة والاقتصاد المغربي، تحتضن مباراة رونالدو وزيدان لجمع الصدقة لفقراء المغرب، لتمنيت أن تنشق الأرض لكي أدخل فيها من شدة الخجل.
إن هذه المباراة الخيرية في الحقيقة هي الاحتفال الحقيقي بالذكرى 1200 لتأسيس المملكة المغربية. فها نحن بعد كل هذه القرون الطويلة من حياة المملكة ننتهي بكل هذه الملايين من الفقراء المادين أيديهم للغرباء لكي يساعدوهم على «طرف ديال الخبز».
والكارثة أن آل الفاسي يتفرجون على هذه «الشوهة» العالمية دون أن تتحرك فيهم شعرة واحدة. بل بالعكس، فهم يشجعون مثل هذه المبادرات الخيرية الأممية لصالح فقراء المملكة. بل أكثر من ذلك، فعمدة فاس الاستقلالي شباط، وجد في ميزانية المدينة التي يسيرها ما يكفي من مال لكي يتبرع به لبعض الدول الإفريقية الفقيرة. وهكذا في الوقت الذي يجمع زيدان ورونالدو الصدقات والإعانات لفقراء المغرب، يرسل شباط التبرعات والصدقات إلى الدول الإفريقية الفقيرة. عملا بالحكمة القائلة «الطلاب يطلب ومرتو تصدق».
إن الاحتفال بكل هذه القرون المديدة من حياة المملكة المغربية لا يجب أن يضع أمام عيوننا عصابة لكي لا نرى أين نضع أرجلنا اليوم بعد 1200 سنة من وجودنا. كما أن هذه الذكرى يجب أن تكون مناسبة نقف فيها أمام المرآة لكي نشاهد صورتنا الحقيقية وليس تلك الصور الزائفة التي يريد البعض تسويقها عنا.
إنه لمن المخجل أن تضطر المملكة المغربية التي تحتفل بعراقتها إلى إيقاف بناتها في مطار محمد الخامس، خوفا من ذهابهن إلى مواخير الخليج لبيع لحومهن وشرفهن.
إنه لمن المخجل أن نرى كيف أن الشرطة الإسبانية أوقفت قبل أمس عشرات الفتيات المغربيات بتهمة تعاطي الدعارة في كازينوهات مالغا، وأرسلتهن إلى المغرب.
إن الصورة المخجلة التي أصبحت للمغرب في الخارج بسبب استرخاص لحوم بناته ووفرتها بأسعار تشجيعية حطمت كل منافسة عربية أو روسية أو أوكرانية، تفرض على الحكومة والدولة المغربية تحمل مسؤوليتها تجاه هذه «الشوهة» العالمية.
وليس بتوقيف البنات في المطارات ومنعهن من السفر ستحل الدولة المشكل. أولا لأن ما قامت به الشرطة عندما منعت هؤلاء الفتيات من السفر شيء غير قانوني، وضد حقوق الأفراد في التنقل والسفر، ويزيد صورة المغرب تشويها، لأنه يعطي عنه صورة البلد الذي يمنع بناته من السفر لمجرد أنه يشتبه في إمكانية تعاطيهن للدعارة. والحال أن القانون واضح في هذا الباب، ولا يسمح باعتقال المتعاطين للدعارة إلا في حالة التلبس بممارسة الفساد.
أما منع المواطنين من السفر بحجة إمكانية تعاطيهم للدعارة، فهذا اختراع قانوني جديد يمكن تسميته بالعدالة الاستشرافية. يعني أن تخلط نشرة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بنشرة الطقس وتتعامل مع المواطنين بناء على التوقعات. وهذا مناف لروح القانون.
والظاهر أن هناك عباقرة في الجهاز الأمني للمملكة يعتقدون أنهم بمجرد ما سيمنعون بنات المغرب من أخذ الطائرات نحو بلدان الجيران، فإنهم سيزيلون عن المغرب هذه «الشوهة». وكأنهم ينسون أن المشكل يجب معالجته من أصله، أي بالقضاء على أسبابه.
وهؤلاء الأمنيون عليهم مراجعة التقرير الأخير الذي نشرته المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا، والتي تقوم رئيستها الدكتورة نادية بزاد بمجهود جبار ودؤوب في التوعية بمخاطر هذا المرض في الوقت الذي ينشغل فيه بعضهم بتلميع صورته في الإعلام على حساب ضحايا السيدا، لكي يدركوا خطورة «الفوضى الجنسية» التي يعيشها المغرب.
فالتقرير الصادم الذي نشرته المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا يضع الحكومة والدولة المغربية أمام مسؤوليتها في حماية الصحة العامة للمغاربة. وحسب التقرير فالسن الذي تدخل فيه الفتاة عالم الدعارة في المغرب هو ست سنوات. وهذه صفعة قوية لوزارة الداخلية التي تحركت مصالحها لإغلاق ستين دارا للقرآن في كل أرجاء المغرب بعد الفتوى المخجلة للمغراوي حول جواز نكاح بنت التاسعة. فهذه الوزارة التي أصبحت فجأة أكثر حرصا على الأمن الروحي للمغاربة من وزارة الأوقاف، خصوصا بعد إبرام التوفيق لشراكة مع بنموسى حول توظيف الأئمة والخطباء، لم تحرك ساكنا عندما وصلها هذا التقرير الصادم حول دعارة بنات الست. ولم نسمع أن شكيب بنموسى أعطى أوامره للولاة والعمال والقياد بإحصاء دور الدعارة التي تشغل هؤلاء الفتيات، وإغلاقها وتشميع «مقراتها» كما صنع مع دور القرآن.
كما أن الجمعيات النسائية وجمعيات حماية الطفولة لم تحرك ساكنا إلى حدود اليوم وهي تقرأ كل تلك النتائج المخجلة والمرعبة حول دعارة النساء والمراهقات وبنات الست سنوات. مع أن بعضها تحرك بسرعة لكي يدين فتوى زواج بنات التسع، والمطالبة بتقديم صاحب الفتوى إلى المحاكمة.
فكيف يتشدد كل هؤلاء مع فتوى نظرية حول زواج بنات التسع ويسكتون عن دعارة واقعية لبنات الست. أليس هذا مثيرا للاستغراب والدهشة.
وإذا كان هذا الصمت مثيرا للدهشة، أليس مثيرا للخجل أن يحتفل المغرب بالذكرى 1200 سنة على تأسيس عاصمته فاس، وفي الوقت نفسه نرى كيف تنظم هذه العاصمة العريقة مباراة أممية لجمع الصدقة لفقراء المملكة.
أليست هذه قمة التناقض ؟
العدد 675 الخميس 20 نوفمبر 2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
عيشة قنديشة:رشيد نيني
عندما قرأت الرسالة التي بعث بها رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي
البصري، السيد الغزالي، إلى الشيخ مدير القناة الثانية يطلب منه فيها أن
يبث بالصوت لا بالصورة فقط منطوق القرار الذي ينصف «المساء»، قلت مع نفسي
أن القناة الثانية وقع لها ما يقع لبعض «السواقة المشطرين» الذين يفطرون
في السوق مرتين. فهم يتقشفون في الإفطار الأول عندما يأتون إلى السوق قبل
طلوع الشمس، وما إن تصل ساعة الضحى حتى يشعرون بالجوع فيفطرون للمرة
الثانية. ولهذا قال المغاربة في حق مثل هؤلاء «السواقة» مقولتهم الشهيرة
«المشطر كايفطر فالسوق جوج مرات».
وهكذا ستكون القناة الثانية بسبب هذا «التشطار الخاوي» مضطرة مرة
ثانية إلى قراءة القرار بالصوت بعد أن صورته في الأول بالسكانير وبثته في
نشرتي أخبارها وقطعت له «الزي».
اللهم إذا اعتبرت مديرة الأخبار أن بثها لرسالة الهيئة مصورة
بالسكانير في نشرتي أخبارها كاف لرد الاعتبار إلينا، بحيث لا ترى «سميرة»
ضرورة لقراءته بالصوت. فهي تفضل أكثر قراءة قرار تعيين زوجها «سمير» سفيرا
في بلجيكا بعد أن كان مجرد قنصل في فرنسا.
ويبدو أن الغائب الأكبر عن هذه اللعبة المكشوفة هو مدير القطب
العمومي فيصل العرايشي. فهو يتنقل بين باريس وواشنطن تاركا قنواته السبع
مثل رؤوس اليتامى يتعلم فيها «الحسانة» كل من هب ودب.
وعوض أن تقدم لنا قنوات الإعلام العمومي المغربي أخبارا تهم
المشاهدين الذين يدفعون من جيوبهم ميزانيات تسييرها ورواتب مديريها
وسفرياتهم، تفضل قنوات هذا الإعلام تقديم حوارات وروبورتاجات مع «نجوم»
لديهم سوابق غير أخلاقية يستضيفهم المغرب في أفخم الفنادق ويقدم لهم بناته
وراقصاته.
ولعل ما قام به رونالدو في فندق جنان فاس عندما قدم له مضيفوه
«الروج» و«البيرة» و«الأوساك» في العلبة الليلة التابعة للفندق، وإصراره
وهو في قمة السكر على إدخال ست فتيات مغربيات إلى غرفته، جدير بأن يجعل كل
من فكر في استضافة هذا «النجم» لكي يلعب مباراته الحبية في فاس لجمع
الأموال ضد الفقر، يخجل من نفسه.
إن ربط اسم شخص كرونالدو سبق له أن اعترف في مخفر الشرطة بأنه يعاني
من مشاكل نفسية عندما اصطحب ثلاثة رجال متحولين جنسيا إلى غرفته في «ريو
ديجيانيرو» بالبرازيل بعد أن اعتقد أنهم نساء، بتظاهرة أممية ضد الفقر
هدفها جمع المال للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية فيه إهانة لهذه المؤسسة
ولهدفها الخيري. إن مبلغ 100 ألف دولار الذي ربحه صندوق المبادرة الوطنية
للتنمية البشرية من هذه المباراة لا يستحق كل هذه الإهانة التي تسبب فيها
رونالدو للمغرب.
وقد كان أقل شيء يجب فعله مع رونالدو هو توقيفه من طرف الشرطة
والتحقيق معه كما صنعت معه شرطة «ساو باولو». لكن يبدو أن «ساو باولو»
ليست هي مراكش، مع أن مراكش مشهورة بأكلة «باولو». وعوض أن يشعر بعض
مرافقي رونالدو المغاربة بالحرج من مغربيتهم وينتفضوا لشرفهم فالذي وقع هو
أن أحد اللاعبين الدوليين المغاربة يا حسرة، تدخل لكي يتوسط لرونالدو
وبناته الست لدى حراس أمن الفندق لعل وعسى يسمحون له بإدخال نصف الغنيمة
على الأقل. وأمام رفض الحراس السماح للحريم بالصعود مع رونالدو إلى غرفته،
بدأ صاحبنا «يتقاشح» مع الحراس، وكأنه يفاوض على قطيع من الماعز. ويتوسل
إلى الحراس السماح لرونالدو بالانفراد على الأقل مع واحدة أو اثنتين، عملا
بالحكمة المغربية «عضة من الفكرون ولا يمشي فالت»، ولو أن الأمر هنا لا
يتعلق بالعض في «الفكارن» وإنما «العضان» في شيء آخر. وأمام رفض الحراس
القاطع غضب اللاعب الدولي وعاب على الحراس تساهلهم مع الخليجيين الذين
يتركون الفتيات في الفنادق يصعدون إلى غرفهم بالعشرات، في الوقت الذي
يحرمون لاعبا دوليا ساهم في جمع الصدقة لفقراء المغرب من الاستمتاع
بالمغرب قبل أخذ الطائرة في صباح اليوم الموالي.
اللاعب الدولي محق في ما قال، فإذا لم نكن قادرين في المغرب على
تطبيق المساواة في الحقوق فعلى الأقل يجب أن نطبق المساواة في الفساد.
وإذا كانت قنوات العرايشي العمومية قد أفردت لرونالدو سفير النوايا
الحسنة وأصدقائه حيزا «محترما» في نشرات أخبارها، ولو أن ما قام به سفير
«التناوي» غير الحسنة لم يكن محترما على الإطلاق، فإن «نجما» آخر من ضيوف
المغرب في مراكش هذه المرة وليس في فاس، خصصت له القناة الأولى لقاء مطولا
للاحتفاء به، في الوقت الذي تنتظر فيه شرطة الولايات المتحدة الأمريكية
دخوله إلى أمريكا لاعتقاله بتهمة اغتصاب قاصر.
وهذا «النجم» ليس شخصا آخر غير المخرج البولوني الأصل «رومان
بولانسكي»، الذي يبدو أن مهرجان مراكش للسينما «سقط» في حبه، فاستدعاه هذه
السنة كضيف بعد أن استدعاه السنة الماضية كرئيس لجنة التحكيم. وكل ما يفلح
«بولانسكي» في ترديده هذه الأيام هو أنه يحب مراكش والشعب المغربي، دون أن
يفصح عن نوع هذا «الحب» الغامض الذي يكنه لنا. فالذي يرى فيلمه «حرم» يشعر
بالصدمة بسبب درجة الاحتقار التي يكنها «بولانسكي» للإنسان العربي المسلم
عموما، والذي يصوره فيه ككائن مغرق في الشهوانيات والعنف والهمجية. عكس
فيلمه «عازف البيانو» الذي يصور فيه اليهودي كفنان مرهف الإحساس استطاع
بموهبته الفنية في عزف البيانو أن يجعل قلب الوحش النازي يرق لحاله ويعفيه
من القتل. هذا الفيلم الذي نال عنه «بولانسكي» ثلاث جوائز أوسكار في
أمريكا لم يستطع الذهاب لتسلم أي واحدة منها بسبب خوفه من الاعتقال والسجن
بتهمة اغتصاب قاصر والتي تلاحقه منذ 1977 وإلى اليوم.
ولا بد أن أعضاء لجنة التحكيم الحالية، وخصوصا الذكور منهم، سيتعلمون
من «بولانسكي» جملته الشهيرة حول حبهم لمراكش والشعب المغربي، خصوصا بعد
الليلة الماجنة التي نظمها بعض أصحاب الحسنات في مراكش على «هامش»
المهرجان واستدعوا إليها الضيوف الأجانب ولجنة التحكيم وبعض «الكومبارس»
المغاربة الذين يصلحون لتأثيث المشهد.
وطبعا لم يجد «مالين العرس» من طريقة يقدمون بها ثقافة المغرب لضيوف
المهرجان الدولي للسينما سوى ثقافة «هز يا وز»، التي جاء الناصري،
الكوميدي وليس الوزير، بنجومها من بعض كباريهات مراكش من صنف الدرجة
الثالثة. وقد رأى الجميع صور هؤلاء الراقصات شبه العاريات وهن يصعدن فوق
الكراسي والموائد مدليات شعورهن ولحومهن وشحومهن فوق رؤوس السادة أعضاء
لجنة التحكيم، الذين كانوا يضربون عليهن الكاس.
فهل هذا هو المغرب الذي نريد تسويق صورته وثقافته أمام العالم. مغرب
يأتي إليه رونالدو يجمع الصدقات لفقرائه بالنهار ويسكر وينام مع بناته
جماعيا بالليل. ومغرب يستضيف أصحاب السوابق في اغتصاب القاصرات، ويعطيهم
الجوائز، ومغرب يختصر ثقافته وتاريخه في هز البطون والأرداف والصدور.
لقد كان قرار المركز السينمائي موفقا عندما اختار فيلم «قنديشة»
لمخرجه اليهودي المغربي جيروم كوهين، ابن مدام ستيفان المكلفة السابقة
بقصور الحسن الثاني بالدار البيضاء، لكي يمثل المغرب في مسابقة هذه
الدورة. ورغم أن الجميع وجد الفيلم ضعيفا «مافيه ما يتهز باللقاط» ولا
يليق بتمثيل المغرب، فإنني شخصيا وجدت أن عنوانه يليق بوصف الصورة التي
يعطيها المغاربة عن بلدهم وكرامتهم للآخرين. فعلا لقد أصبحت هذه الصورة
شبيهة بصورة «عيشة قنديشة»، بمجرد ما تسمع ذكرها حتى تستعيذ بالله من
الشيطان الرجيم.
المساء
العدد
676 الجمعة 21 نونبر 2008
البصري، السيد الغزالي، إلى الشيخ مدير القناة الثانية يطلب منه فيها أن
يبث بالصوت لا بالصورة فقط منطوق القرار الذي ينصف «المساء»، قلت مع نفسي
أن القناة الثانية وقع لها ما يقع لبعض «السواقة المشطرين» الذين يفطرون
في السوق مرتين. فهم يتقشفون في الإفطار الأول عندما يأتون إلى السوق قبل
طلوع الشمس، وما إن تصل ساعة الضحى حتى يشعرون بالجوع فيفطرون للمرة
الثانية. ولهذا قال المغاربة في حق مثل هؤلاء «السواقة» مقولتهم الشهيرة
«المشطر كايفطر فالسوق جوج مرات».
وهكذا ستكون القناة الثانية بسبب هذا «التشطار الخاوي» مضطرة مرة
ثانية إلى قراءة القرار بالصوت بعد أن صورته في الأول بالسكانير وبثته في
نشرتي أخبارها وقطعت له «الزي».
اللهم إذا اعتبرت مديرة الأخبار أن بثها لرسالة الهيئة مصورة
بالسكانير في نشرتي أخبارها كاف لرد الاعتبار إلينا، بحيث لا ترى «سميرة»
ضرورة لقراءته بالصوت. فهي تفضل أكثر قراءة قرار تعيين زوجها «سمير» سفيرا
في بلجيكا بعد أن كان مجرد قنصل في فرنسا.
ويبدو أن الغائب الأكبر عن هذه اللعبة المكشوفة هو مدير القطب
العمومي فيصل العرايشي. فهو يتنقل بين باريس وواشنطن تاركا قنواته السبع
مثل رؤوس اليتامى يتعلم فيها «الحسانة» كل من هب ودب.
وعوض أن تقدم لنا قنوات الإعلام العمومي المغربي أخبارا تهم
المشاهدين الذين يدفعون من جيوبهم ميزانيات تسييرها ورواتب مديريها
وسفرياتهم، تفضل قنوات هذا الإعلام تقديم حوارات وروبورتاجات مع «نجوم»
لديهم سوابق غير أخلاقية يستضيفهم المغرب في أفخم الفنادق ويقدم لهم بناته
وراقصاته.
ولعل ما قام به رونالدو في فندق جنان فاس عندما قدم له مضيفوه
«الروج» و«البيرة» و«الأوساك» في العلبة الليلة التابعة للفندق، وإصراره
وهو في قمة السكر على إدخال ست فتيات مغربيات إلى غرفته، جدير بأن يجعل كل
من فكر في استضافة هذا «النجم» لكي يلعب مباراته الحبية في فاس لجمع
الأموال ضد الفقر، يخجل من نفسه.
إن ربط اسم شخص كرونالدو سبق له أن اعترف في مخفر الشرطة بأنه يعاني
من مشاكل نفسية عندما اصطحب ثلاثة رجال متحولين جنسيا إلى غرفته في «ريو
ديجيانيرو» بالبرازيل بعد أن اعتقد أنهم نساء، بتظاهرة أممية ضد الفقر
هدفها جمع المال للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية فيه إهانة لهذه المؤسسة
ولهدفها الخيري. إن مبلغ 100 ألف دولار الذي ربحه صندوق المبادرة الوطنية
للتنمية البشرية من هذه المباراة لا يستحق كل هذه الإهانة التي تسبب فيها
رونالدو للمغرب.
وقد كان أقل شيء يجب فعله مع رونالدو هو توقيفه من طرف الشرطة
والتحقيق معه كما صنعت معه شرطة «ساو باولو». لكن يبدو أن «ساو باولو»
ليست هي مراكش، مع أن مراكش مشهورة بأكلة «باولو». وعوض أن يشعر بعض
مرافقي رونالدو المغاربة بالحرج من مغربيتهم وينتفضوا لشرفهم فالذي وقع هو
أن أحد اللاعبين الدوليين المغاربة يا حسرة، تدخل لكي يتوسط لرونالدو
وبناته الست لدى حراس أمن الفندق لعل وعسى يسمحون له بإدخال نصف الغنيمة
على الأقل. وأمام رفض الحراس السماح للحريم بالصعود مع رونالدو إلى غرفته،
بدأ صاحبنا «يتقاشح» مع الحراس، وكأنه يفاوض على قطيع من الماعز. ويتوسل
إلى الحراس السماح لرونالدو بالانفراد على الأقل مع واحدة أو اثنتين، عملا
بالحكمة المغربية «عضة من الفكرون ولا يمشي فالت»، ولو أن الأمر هنا لا
يتعلق بالعض في «الفكارن» وإنما «العضان» في شيء آخر. وأمام رفض الحراس
القاطع غضب اللاعب الدولي وعاب على الحراس تساهلهم مع الخليجيين الذين
يتركون الفتيات في الفنادق يصعدون إلى غرفهم بالعشرات، في الوقت الذي
يحرمون لاعبا دوليا ساهم في جمع الصدقة لفقراء المغرب من الاستمتاع
بالمغرب قبل أخذ الطائرة في صباح اليوم الموالي.
اللاعب الدولي محق في ما قال، فإذا لم نكن قادرين في المغرب على
تطبيق المساواة في الحقوق فعلى الأقل يجب أن نطبق المساواة في الفساد.
وإذا كانت قنوات العرايشي العمومية قد أفردت لرونالدو سفير النوايا
الحسنة وأصدقائه حيزا «محترما» في نشرات أخبارها، ولو أن ما قام به سفير
«التناوي» غير الحسنة لم يكن محترما على الإطلاق، فإن «نجما» آخر من ضيوف
المغرب في مراكش هذه المرة وليس في فاس، خصصت له القناة الأولى لقاء مطولا
للاحتفاء به، في الوقت الذي تنتظر فيه شرطة الولايات المتحدة الأمريكية
دخوله إلى أمريكا لاعتقاله بتهمة اغتصاب قاصر.
وهذا «النجم» ليس شخصا آخر غير المخرج البولوني الأصل «رومان
بولانسكي»، الذي يبدو أن مهرجان مراكش للسينما «سقط» في حبه، فاستدعاه هذه
السنة كضيف بعد أن استدعاه السنة الماضية كرئيس لجنة التحكيم. وكل ما يفلح
«بولانسكي» في ترديده هذه الأيام هو أنه يحب مراكش والشعب المغربي، دون أن
يفصح عن نوع هذا «الحب» الغامض الذي يكنه لنا. فالذي يرى فيلمه «حرم» يشعر
بالصدمة بسبب درجة الاحتقار التي يكنها «بولانسكي» للإنسان العربي المسلم
عموما، والذي يصوره فيه ككائن مغرق في الشهوانيات والعنف والهمجية. عكس
فيلمه «عازف البيانو» الذي يصور فيه اليهودي كفنان مرهف الإحساس استطاع
بموهبته الفنية في عزف البيانو أن يجعل قلب الوحش النازي يرق لحاله ويعفيه
من القتل. هذا الفيلم الذي نال عنه «بولانسكي» ثلاث جوائز أوسكار في
أمريكا لم يستطع الذهاب لتسلم أي واحدة منها بسبب خوفه من الاعتقال والسجن
بتهمة اغتصاب قاصر والتي تلاحقه منذ 1977 وإلى اليوم.
ولا بد أن أعضاء لجنة التحكيم الحالية، وخصوصا الذكور منهم، سيتعلمون
من «بولانسكي» جملته الشهيرة حول حبهم لمراكش والشعب المغربي، خصوصا بعد
الليلة الماجنة التي نظمها بعض أصحاب الحسنات في مراكش على «هامش»
المهرجان واستدعوا إليها الضيوف الأجانب ولجنة التحكيم وبعض «الكومبارس»
المغاربة الذين يصلحون لتأثيث المشهد.
وطبعا لم يجد «مالين العرس» من طريقة يقدمون بها ثقافة المغرب لضيوف
المهرجان الدولي للسينما سوى ثقافة «هز يا وز»، التي جاء الناصري،
الكوميدي وليس الوزير، بنجومها من بعض كباريهات مراكش من صنف الدرجة
الثالثة. وقد رأى الجميع صور هؤلاء الراقصات شبه العاريات وهن يصعدن فوق
الكراسي والموائد مدليات شعورهن ولحومهن وشحومهن فوق رؤوس السادة أعضاء
لجنة التحكيم، الذين كانوا يضربون عليهن الكاس.
فهل هذا هو المغرب الذي نريد تسويق صورته وثقافته أمام العالم. مغرب
يأتي إليه رونالدو يجمع الصدقات لفقرائه بالنهار ويسكر وينام مع بناته
جماعيا بالليل. ومغرب يستضيف أصحاب السوابق في اغتصاب القاصرات، ويعطيهم
الجوائز، ومغرب يختصر ثقافته وتاريخه في هز البطون والأرداف والصدور.
لقد كان قرار المركز السينمائي موفقا عندما اختار فيلم «قنديشة»
لمخرجه اليهودي المغربي جيروم كوهين، ابن مدام ستيفان المكلفة السابقة
بقصور الحسن الثاني بالدار البيضاء، لكي يمثل المغرب في مسابقة هذه
الدورة. ورغم أن الجميع وجد الفيلم ضعيفا «مافيه ما يتهز باللقاط» ولا
يليق بتمثيل المغرب، فإنني شخصيا وجدت أن عنوانه يليق بوصف الصورة التي
يعطيها المغاربة عن بلدهم وكرامتهم للآخرين. فعلا لقد أصبحت هذه الصورة
شبيهة بصورة «عيشة قنديشة»، بمجرد ما تسمع ذكرها حتى تستعيذ بالله من
الشيطان الرجيم.
المساء
العدد
676 الجمعة 21 نونبر 2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
اللي شاف شي يكول باع/رشيد نيني
هذه الأيام لا صوت يعلو على ثغاء الخرفان. إنه رجل السنة بامتياز، خصوصا
وأن نجمه، أو على الأرجح قرونه، تظهر مع نهاية السنة. بعض شركات القروض
كشفت عن خيال خصب لكي تفتح شهية المواطنين على الاقتراض منها لاقتناء
الخروف. إحداها رسمت على أحد الإعلانات المعلقة على لوحات منير الماجدي،
خروفا واقفا على رجلين، ممسكا بطرف كارطونة «يسوط» بها على «شواية». وطبعا
لا تقول لنا الشركة المانحة للقروض ماذا يشوي الخروف فوق «الفاخر». لا
حاجة بهم لكي يقولوا كل شيء، لأن الجميع يعرف أن المشوي الحقيقي في كل هذه
الحكاية هو المواطن المسكين الذين سيرهن نفسه سنة كاملة بالبنك من أجل أن
يأكل «بولفاف» يوم العيد.
شركة أخرى ذهب خيالها بعيدا فرسمت كبشا هابطا من السماء بالمظلة.
ويبدو أن أصحاب الفكرة أرادوا استلهام القصص القرآني في تواصلهم مع
زبائنهم، خصوصا قصة إبراهيم الخليل عليه السلام الذي رأى أنه يذبح ابنه في
المنام، فصدق الرؤيا وهم بذبح ابنه في الصباح، فأنزل عليه الله كبشا من
السماء جزاء له على تصديقه للرؤيا.
لكن الفرق بين الرؤيات البنكية والرؤيا النبوية هو أنك إذا صدقت
الأولى تتنزل عليك «طريطات» نهاية كل شهر وطيلة سنة أو أكثر من البنك، ولن
ينزل عليك أي خروف من السماء. والغريب في إعلانات شركات القروض هذه أنها
تجعل الزبون يعتقد أن الشركة لن تربح معه أي فلس في هذا القرض، وأن مصلحته
كزبون هي العليا، وأنهم يساعدونه لوجه الله في هذه المناسبة الدينية
المباركة. خصوصا أنك عندما تدقق النظر في قيمة الأقساط التي يجب أن تسدد
للبنك تلاحظ أنها نفس قيمة القرض، وأنهم لم يزيدوا عليك درهما واحدا. فكيف
تعيش هذه الشركات إذا كان هدفها هو الإحسان إلى الزبائن وتيسير أمورهم
بإقراضهم المال في ساعة الشدة لإرجاعه بالتقسيط وبدون «متيريس».
السر يوجد في تكاليف الملف التي يجب أن يدفعها الزبون عندما يتقدم
بطلب القرض. ومثلا مقابل قرض بثلاثة آلاف درهم يكون الزبون مضطرا لدفع 180
درهما كتكاليف لملف القرض. وعندما نقارن هذا المبلغ بقيمة القرض الإجمالي
نجد أنه يمثل نسبة ربح بالنسبة للشركة تفوق عشرة بالمائة. أي أكثر من نسبة
الفائدة العادية في البنوك. شكون الحولي هنا، الخروف أم المواطن ؟
وعندما نتساءل من هو الخروف الحقيقي هل هو الإنسان أم الحيوان، فليس
من باب السخرية، فقد رأينا كيف أن البعض بدأ العيد قبل الأوان و«عيد» على
زوجته. وبالأمس شهد أحد شوارع الدار البيضاء مشهد إعادة تمثيل جريمة نحر
أحدهم لزوجته وأم أطفاله. وفي قيادة تونفيت بإقليم خنيفرة أمسك ثلاثة
تلاميذ قبل أمس بخناق أستاذ الاجتماعيات بثانوية موسى ابن نصير وطرحوه
أرضا بينما استل أحدهم سكينا ونحره من الوريد. ولولا أن الأستاذ المذبوح
وجد من ينقله على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات للفظ أنفاسه مذبوحا فوق
أرضية القسم.
المشكلة أن التلاميذ الثلاثة معروفون بجديتهم وحسن سلوكهم، لكنهم
يوم النحر كانوا في حالة غريبة. والأكيد أنهم كانوا «مقرقبين». فلكي يقرر
فجأة ثلاثة تلاميذ معروفون بسلوكهم المنضبط مهاجمة أستاذهم ونحره من
الوريد بسكين، فلا بد أن يكونوا «واكلين شي حاجة من غير الخبز». المشكلة
هي من أين لهؤلاء التلاميذ في قرية فقيرة كتونفيت غارقة هذه الأيام وسط
الثلوج لا يوجد فيها حتى الخبز، بالقرقوربي أو المعجون أو الماحيا.
والظاهر أن المغاربة أصبحوا يبحثون عن «الدوخة» بأي ثمن، حتى ولو
كلفتهم حياتهم. وفي الرماني مات بداية الأسبوع أربعة متشردين بعد شربهم
«لانكول» مائة درجة، بينما أصيب أحدهم بالعمى ويرقد آخرون في المستعجلات.
وفي إحدى ثانويات الدار البيضاء كانت تلميذة تتابع الدرس هذا
الأسبوع إلى أن سقطت مغشية عليها بسبب جرعة زائدة من المعجون. وفي كثير من
مدن المغرب يتناقل المواطنون شريطا مصورا بالهاتف لتلميذة يجتمع حولها
زملاؤها ويشاهدونها وهي ترقص وتتعرى قطعة قطعة وهي في حالة تخدير.
ويوميا نسمع عن اعتقال عصابات لمروجي القرقوبي والمعجون ومخدرات
تحمل أسماء غريبة مثل «الحريزية» و«شكيليطة» و«بربوقة» تجعل كلها من أبواب
المدارس والإعداديات والثانويات أسواقا مفتوحة لجر المراهقين والمراهقات
للإدمان.
في الواقع إذا كان هناك من أضحية في المغرب اليوم فليس الخرفان
وإنما هم هذا الجيل الذي يتعرض لأعنف وأخطر وأشرس حرب على توازنه النفسي
والعقلي والجسماني.
فتيات في عمر الزهور يجدن فتل «الجوانات» أكثر مما يجدن فتل جدائل
شعورهن. وفتيان لم ينبت الزغب بعد على وجوههم يجربون مضمضة أفواههم
بالبيرة وكؤوس الروج أمام أبواب المدارس قبل الالتحاق بأقسامهم. أما
المعجون فقد أصبح أمام المدارس مثل الشريحة في المقابر، يكاد يوزع
بالمجان. وبسببه أصبحت حصص الدروس حصصا للضحك الجنوني والهستيري. ويا ويل
الأستاذ إذا حاول «تخسار» هذا النشاط بدروسه المملة حول الحرب العالمية أو
معاهدة الحلفاء، لأنه قد يجد نفسه فجأة « مرفوع «مرابعة» و«مرضوخ» مع
الأرض، وإذا كانت «لاضوز» عند التلاميذ تتجاوز الحد فمن الممكن أن يضحي به
أحدهم كما فعلوا بأستاذ الاجتماعيات في تونفيت.
إن أخطر ما يتهدد المغرب ليس الشيخوخة ولكن شيخوخة أبنائه قبل
الأوان. والمخدرات والسجائر والشيشة والكحول والمصائب السوداء التي يتدرب
المراهقون والمراهقات اليوم على تعاطيها أمام أبواب المدارس وفي دهاليز
المقاهي المنتشرة كالفطر في مدننا، ستترك لنا في السنوات القليلة القادمة
جيشا من المدمنين والمرضى الذين سيصبحون عالة على أسرهم وعلى المجتمع.
إن مقاهي الشيشة هي البوابة الأولى للمراهقات على عالم الدعارة. ومنذ
الرشفة الأولى للشيشة تكون المراهقة قد وضعت أولى خطواتها داخل عالم يختفي
وراء دخانه الكثيف سماسرة وجزارون يبيعون ويشترون في اللحم الطري للأضحيات
الصغيرات. فهؤلاء السماسرة يبدؤون مخططهم بإلصاق «البلية» في المراهقين
مجانا، وبعد ذلك ينتظرون عودتهم بعدما تكون «البلية» قد تحكمت فيهم.
وعندها تبدأ المساومات. فالمراهقون يفتقرون في الغالب للمال من أجل اقتناء
«القرقوبي» والمعجون وشرب الشيشة، وهكذا تبدأ المقايضة. اللحم مقابل
التخدير. وهكذا أصبحت الدعارة في المغرب حسب آخر الإحصائيات تبدأ من تسع
سنوات فما فوق. وهذه ليست فقط مشكلة اجتماعية وإنما كارثة وطنية يجب
الاعتراف بها أولا ثم محاربتها والقضاء عليها ثانيا.
ليس هناك اليوم منظر أقسى من منظر هؤلاء المراهقين والمراهقات الذين
يسيرون ببطء مثل خرفان نحو مسلخ الإدمان. فنسب تعاطي التدخين والمخدرات
بجميع أنواعها وصلت إلى مستويات مخيفة. وأصبح الأساتذة غير قادرين على
الحديث مع تلاميذهم مخافة أن يشهر أحد «المقرقبين» منهم سيفا أو خنجرا
و«يحنك» له وجهه. في زمننا كنا نرتعش لمجرد رؤية الأستاذ يدخل إلى القسم،
أما اليوم فقد أصبح الأستاذ هو الذي يرتعش خوفا عندما يدخل إلى القسم.
خصوصا وأن القضية «ولا فيها الذبيح».
والمصيبة أنه حتى الخرفان لم تفلت من كارثة «القرقوبي». فقد اخترع
بعض مساخيط الوالدين حيلة جهنمية للنصب على «الكسابة البوجاديين» الذين
يعرضون أكباشهم للبيع في الأسواق. وبمجرد ما يلمحون ضحية مناسبة حتى
يقتربون منها ويفعلوا كما لو أنهم يتفقدون أسنان الخروف، بينما هم في
الواقع يدسون له حبتين من «القرقوبي» في فمه. ثم يبتعدون عنه ويجلسون
بانتظار أن يفعل «القرقوبي» فعله. وبعد خمس دقائق يبدأ الخروف في
«التركال» وإخراج «كشكوشته». فيتقدم المساخيط من الكساب ويطلبون منه بيع
المصيبة قبل أن يموت بين يديه. فيشترونه من عنده بربع ثمنه، ويختفون عن
الأنظار. أما وصفتهم الطبية لتطيير مفعول «القرقوبي» من الخروف فهي فتح
فمه وإفراغ لتر من «والماس» في جوفه حتى تتنفس أمعاؤه ويسترجع وعيه.
فيعيدونه إلى السوق ويبيعونه بثمنه الحقيقي.
واللي شاف شي يكول باع.
المساء
العدد
689 الجمعه 5 ديسمبر 2008
وأن نجمه، أو على الأرجح قرونه، تظهر مع نهاية السنة. بعض شركات القروض
كشفت عن خيال خصب لكي تفتح شهية المواطنين على الاقتراض منها لاقتناء
الخروف. إحداها رسمت على أحد الإعلانات المعلقة على لوحات منير الماجدي،
خروفا واقفا على رجلين، ممسكا بطرف كارطونة «يسوط» بها على «شواية». وطبعا
لا تقول لنا الشركة المانحة للقروض ماذا يشوي الخروف فوق «الفاخر». لا
حاجة بهم لكي يقولوا كل شيء، لأن الجميع يعرف أن المشوي الحقيقي في كل هذه
الحكاية هو المواطن المسكين الذين سيرهن نفسه سنة كاملة بالبنك من أجل أن
يأكل «بولفاف» يوم العيد.
شركة أخرى ذهب خيالها بعيدا فرسمت كبشا هابطا من السماء بالمظلة.
ويبدو أن أصحاب الفكرة أرادوا استلهام القصص القرآني في تواصلهم مع
زبائنهم، خصوصا قصة إبراهيم الخليل عليه السلام الذي رأى أنه يذبح ابنه في
المنام، فصدق الرؤيا وهم بذبح ابنه في الصباح، فأنزل عليه الله كبشا من
السماء جزاء له على تصديقه للرؤيا.
لكن الفرق بين الرؤيات البنكية والرؤيا النبوية هو أنك إذا صدقت
الأولى تتنزل عليك «طريطات» نهاية كل شهر وطيلة سنة أو أكثر من البنك، ولن
ينزل عليك أي خروف من السماء. والغريب في إعلانات شركات القروض هذه أنها
تجعل الزبون يعتقد أن الشركة لن تربح معه أي فلس في هذا القرض، وأن مصلحته
كزبون هي العليا، وأنهم يساعدونه لوجه الله في هذه المناسبة الدينية
المباركة. خصوصا أنك عندما تدقق النظر في قيمة الأقساط التي يجب أن تسدد
للبنك تلاحظ أنها نفس قيمة القرض، وأنهم لم يزيدوا عليك درهما واحدا. فكيف
تعيش هذه الشركات إذا كان هدفها هو الإحسان إلى الزبائن وتيسير أمورهم
بإقراضهم المال في ساعة الشدة لإرجاعه بالتقسيط وبدون «متيريس».
السر يوجد في تكاليف الملف التي يجب أن يدفعها الزبون عندما يتقدم
بطلب القرض. ومثلا مقابل قرض بثلاثة آلاف درهم يكون الزبون مضطرا لدفع 180
درهما كتكاليف لملف القرض. وعندما نقارن هذا المبلغ بقيمة القرض الإجمالي
نجد أنه يمثل نسبة ربح بالنسبة للشركة تفوق عشرة بالمائة. أي أكثر من نسبة
الفائدة العادية في البنوك. شكون الحولي هنا، الخروف أم المواطن ؟
وعندما نتساءل من هو الخروف الحقيقي هل هو الإنسان أم الحيوان، فليس
من باب السخرية، فقد رأينا كيف أن البعض بدأ العيد قبل الأوان و«عيد» على
زوجته. وبالأمس شهد أحد شوارع الدار البيضاء مشهد إعادة تمثيل جريمة نحر
أحدهم لزوجته وأم أطفاله. وفي قيادة تونفيت بإقليم خنيفرة أمسك ثلاثة
تلاميذ قبل أمس بخناق أستاذ الاجتماعيات بثانوية موسى ابن نصير وطرحوه
أرضا بينما استل أحدهم سكينا ونحره من الوريد. ولولا أن الأستاذ المذبوح
وجد من ينقله على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات للفظ أنفاسه مذبوحا فوق
أرضية القسم.
المشكلة أن التلاميذ الثلاثة معروفون بجديتهم وحسن سلوكهم، لكنهم
يوم النحر كانوا في حالة غريبة. والأكيد أنهم كانوا «مقرقبين». فلكي يقرر
فجأة ثلاثة تلاميذ معروفون بسلوكهم المنضبط مهاجمة أستاذهم ونحره من
الوريد بسكين، فلا بد أن يكونوا «واكلين شي حاجة من غير الخبز». المشكلة
هي من أين لهؤلاء التلاميذ في قرية فقيرة كتونفيت غارقة هذه الأيام وسط
الثلوج لا يوجد فيها حتى الخبز، بالقرقوربي أو المعجون أو الماحيا.
والظاهر أن المغاربة أصبحوا يبحثون عن «الدوخة» بأي ثمن، حتى ولو
كلفتهم حياتهم. وفي الرماني مات بداية الأسبوع أربعة متشردين بعد شربهم
«لانكول» مائة درجة، بينما أصيب أحدهم بالعمى ويرقد آخرون في المستعجلات.
وفي إحدى ثانويات الدار البيضاء كانت تلميذة تتابع الدرس هذا
الأسبوع إلى أن سقطت مغشية عليها بسبب جرعة زائدة من المعجون. وفي كثير من
مدن المغرب يتناقل المواطنون شريطا مصورا بالهاتف لتلميذة يجتمع حولها
زملاؤها ويشاهدونها وهي ترقص وتتعرى قطعة قطعة وهي في حالة تخدير.
ويوميا نسمع عن اعتقال عصابات لمروجي القرقوبي والمعجون ومخدرات
تحمل أسماء غريبة مثل «الحريزية» و«شكيليطة» و«بربوقة» تجعل كلها من أبواب
المدارس والإعداديات والثانويات أسواقا مفتوحة لجر المراهقين والمراهقات
للإدمان.
في الواقع إذا كان هناك من أضحية في المغرب اليوم فليس الخرفان
وإنما هم هذا الجيل الذي يتعرض لأعنف وأخطر وأشرس حرب على توازنه النفسي
والعقلي والجسماني.
فتيات في عمر الزهور يجدن فتل «الجوانات» أكثر مما يجدن فتل جدائل
شعورهن. وفتيان لم ينبت الزغب بعد على وجوههم يجربون مضمضة أفواههم
بالبيرة وكؤوس الروج أمام أبواب المدارس قبل الالتحاق بأقسامهم. أما
المعجون فقد أصبح أمام المدارس مثل الشريحة في المقابر، يكاد يوزع
بالمجان. وبسببه أصبحت حصص الدروس حصصا للضحك الجنوني والهستيري. ويا ويل
الأستاذ إذا حاول «تخسار» هذا النشاط بدروسه المملة حول الحرب العالمية أو
معاهدة الحلفاء، لأنه قد يجد نفسه فجأة « مرفوع «مرابعة» و«مرضوخ» مع
الأرض، وإذا كانت «لاضوز» عند التلاميذ تتجاوز الحد فمن الممكن أن يضحي به
أحدهم كما فعلوا بأستاذ الاجتماعيات في تونفيت.
إن أخطر ما يتهدد المغرب ليس الشيخوخة ولكن شيخوخة أبنائه قبل
الأوان. والمخدرات والسجائر والشيشة والكحول والمصائب السوداء التي يتدرب
المراهقون والمراهقات اليوم على تعاطيها أمام أبواب المدارس وفي دهاليز
المقاهي المنتشرة كالفطر في مدننا، ستترك لنا في السنوات القليلة القادمة
جيشا من المدمنين والمرضى الذين سيصبحون عالة على أسرهم وعلى المجتمع.
إن مقاهي الشيشة هي البوابة الأولى للمراهقات على عالم الدعارة. ومنذ
الرشفة الأولى للشيشة تكون المراهقة قد وضعت أولى خطواتها داخل عالم يختفي
وراء دخانه الكثيف سماسرة وجزارون يبيعون ويشترون في اللحم الطري للأضحيات
الصغيرات. فهؤلاء السماسرة يبدؤون مخططهم بإلصاق «البلية» في المراهقين
مجانا، وبعد ذلك ينتظرون عودتهم بعدما تكون «البلية» قد تحكمت فيهم.
وعندها تبدأ المساومات. فالمراهقون يفتقرون في الغالب للمال من أجل اقتناء
«القرقوبي» والمعجون وشرب الشيشة، وهكذا تبدأ المقايضة. اللحم مقابل
التخدير. وهكذا أصبحت الدعارة في المغرب حسب آخر الإحصائيات تبدأ من تسع
سنوات فما فوق. وهذه ليست فقط مشكلة اجتماعية وإنما كارثة وطنية يجب
الاعتراف بها أولا ثم محاربتها والقضاء عليها ثانيا.
ليس هناك اليوم منظر أقسى من منظر هؤلاء المراهقين والمراهقات الذين
يسيرون ببطء مثل خرفان نحو مسلخ الإدمان. فنسب تعاطي التدخين والمخدرات
بجميع أنواعها وصلت إلى مستويات مخيفة. وأصبح الأساتذة غير قادرين على
الحديث مع تلاميذهم مخافة أن يشهر أحد «المقرقبين» منهم سيفا أو خنجرا
و«يحنك» له وجهه. في زمننا كنا نرتعش لمجرد رؤية الأستاذ يدخل إلى القسم،
أما اليوم فقد أصبح الأستاذ هو الذي يرتعش خوفا عندما يدخل إلى القسم.
خصوصا وأن القضية «ولا فيها الذبيح».
والمصيبة أنه حتى الخرفان لم تفلت من كارثة «القرقوبي». فقد اخترع
بعض مساخيط الوالدين حيلة جهنمية للنصب على «الكسابة البوجاديين» الذين
يعرضون أكباشهم للبيع في الأسواق. وبمجرد ما يلمحون ضحية مناسبة حتى
يقتربون منها ويفعلوا كما لو أنهم يتفقدون أسنان الخروف، بينما هم في
الواقع يدسون له حبتين من «القرقوبي» في فمه. ثم يبتعدون عنه ويجلسون
بانتظار أن يفعل «القرقوبي» فعله. وبعد خمس دقائق يبدأ الخروف في
«التركال» وإخراج «كشكوشته». فيتقدم المساخيط من الكساب ويطلبون منه بيع
المصيبة قبل أن يموت بين يديه. فيشترونه من عنده بربع ثمنه، ويختفون عن
الأنظار. أما وصفتهم الطبية لتطيير مفعول «القرقوبي» من الخروف فهي فتح
فمه وإفراغ لتر من «والماس» في جوفه حتى تتنفس أمعاؤه ويسترجع وعيه.
فيعيدونه إلى السوق ويبيعونه بثمنه الحقيقي.
واللي شاف شي يكول باع.
المساء
العدد
689 الجمعه 5 ديسمبر 2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
وَا صُبَّاطَاهْ/رشيد نيني
للقسم الخاص بتسليم تأشيرات السفر في قنصليات الولايات المتحدة الأمريكية
سؤال غريب يطرحونه على كل راغب في زيارة بلدهم، وهو «هل تفكر في السفر إلى
الولايات المتحدة الأمريكية من أجل القيام بأعمال إرهابية». اليوم بعد
الذي وقع لجورج بوش في بغداد مع صاحب الحذاء، لا بد أنهم سيفكرون في إضافة
سؤال آخر إلى لائحة أسئلتهم الغريبة يكون كالتالي «هل تفكر في رشق الرئيس
الأمريكي بحذائك إذا ما صادفته في ندوة صحافية».
وكصحافيين تطرح علينا فردتا حذاء أخينا وزميلانا العراقي إشكالا
أخلاقيا ومهنيا عويصا. فهو من جهة خرق أصول المهنة وألقى بزوجي حذائه على
الضيف عوض أن يلقي عليه أسئلته، وهو من جهة ثانية ناب عن الأمة العربية
والإسلامية في القيام بواجب تغيير المنكر الأمريكي ولو بحذائه.
هناك أمثلة كثيرة سابقة لخروج الصحافيين عن طورهم خلال قيامهم
بمهامهم. ولعل أبرزها هو مصور وكالة رويترز الذي كان يغطي بالصور إحدى
المظاهرات في بلده، وفجأة وضع الكاميرا جانبا وبدأ في إضرام النار مع
المتظاهرين. فيبدو أن يديه أكلتاه فلم يستطع صبرا و«دار شي بركة» هو أيضا
مع المتظاهرين. ولسوء حظه فقد التقطته عدسة مصور وكالة أخرى (خوك فالحرفة)
ووصلت صوره إلى مدير الوكالة التي يشتغل معها قبل أن تنطفئ شرارة النيران
التي أوقدها، فجاءه قرار الفصل في الحال.
ولعل الجميع يتذكر كيف أن الراحل إدوارد سعيد، بكل وقاره وبرودة
دمه، التقطته عدسة مصور وهو واقف أمام مركز حراسة إسرائيلي في جنوب لبنان،
وفجأة أكلته يده والتقط حجرا ورماه باتجاه مركز الحراسة و«دار حتى هوا شي
بركة». فقامت القيامة في وجهه وألغت جهات كثيرة، أشهرها الجمعية الفرويدية
بفيينا، محاضرات كان سيلقيها إدوارد سعيد في ضيافتها. ولم يبرد الطرح على
سعيد إلا عندما قال بأنه رمى الحجر لأنه كان فقط يحتفل بشكل رمزي رفقة
ابنه بجلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عن جنوب لبنان.
وبالنسبة لقناة البغدادية التي يشتغل معها زميلنا قناص بغداد،
فالأمر واضح، يجب إطلاق سراح مراسلها على الفور. كما أنها لا تفكر في
تسريحه من العمل كما فعلت رويترز مع مصورها لمجرد أنه أوقد النار في عجلة
تافهة. فهذه القناة دخلت التاريخ ودخله معها منتظر الزايدي بصباطه.
وفي أمثلتنا الدارجة المغربية هناك مثل بخصوص الأحذية وبغداد يقول
«الزردة في بغداد عطيني صباطي». وهو مثال يقال لهواة «الزرود» الذين لا
يكسر عزيمتهم أن يكون مكان الوليمة بعيدا جدا، فهم دائما مستعدون لحزم
أحذيتهم واللحاق بها ولو كانت في بغداد.
وهذا المثال ينطبق على جورج بوش الذي حزم «صباطه» وذهب إلى بغداد
لكي يتفرج على حضارة عمرها ثلاثة آلاف سنة تزدرد ثرواتها ونفطها بشراهة
شركات عالمية، إلى أن جاءه الحذاء بالوعد الصادق. فالحذاء في هذه الأزمنة
العربية الرديئة أصبح أصدق أنباء من الكتب، في «سوميلته» الحد بين الجد
واللعب.
وإذا كان جورج بوش قد خرج من الانتخابات الأمريكية الأخيرة بخفي
حنين، فإنه قد عاد من بغداد بخفي الزايدي. وربما تنفعه فردتا حذاء الزايدي
في تقديمهما للبرادعي مدير وكالة الطاقة الذرية كدليل قاطع على وجود
الأسلحة الكيماوية في العراق. خصوصا إذا كان حذاء صديقنا من تلك الأحذية
التي تطلق غازات مسيلة للدموع بمجرد فتح خيوطها. وهكذا يحقق بوش أخيرا
نبوءته التي شيد عليها خطة غزوه للعراق، ويترك لخلفه السي الحسين أوباما
ما يكفي من المبررات للبقاء في العراق لوقت أطول.
وخلال فترة حكم بوش كان السؤال الكبير الذي يطرحه الأمريكيون هو
«لماذا يكرهوننا»، أما السؤال الكبير الذي سيطرحه الأمريكيون في عهد
أوباما فسيكون «لماذا يرشقوننا بالأحذية». خصوصا عندما سيحارون في تحليل
صور كل تلك الآلاف من العراقيين الذين خرجوا يتظاهرون في الشوارع من أجل
إطلاق سراح الصحافي الذي قلبها «صباط» مع بوش.
وستزداد حيرتهم عندما سيعرفون أن ثريا سعوديا أعطى في «صباط» زميلنا
ملايين الدولارات، وهناك من يقترح وضعه في متحف تخليدا لهذا الانتصار
الكاسح. فمن فرط تعطش الأمة العربية لمجرد انتصار صغير في تاريخها الحديث
المليء بالهزائم، أصبحت ترى في مجرد حذاء ضرب به الرئيس الأمريكي نصرا
مبينا يستحق التخليد.
أما عائشة ابنة العقيد القذافي، غفر الله لها، رئيسة جمعية
«واعتصموا» للأعمال الخيرية، فقد منحت وسام الشجاعة لزميلنا الزايدي. ولو
أن عائشة صاحبة «واعتصموا» (باش، الله أعلم) كان أفضل لها أن تمنح جائزة
وسام الشجاعة للوزيرين الليبيين اللذين تجرآ وخاطبا مؤخرا والدها العقيد
في اجتماع عام بدون تملق وتمسح، فقرر والدها المفدى إحالتهما على القضاء
بتهمة إساءة الأدب مع فخامة الرئيس.
وهذا مثال صغير على كيفية تعامل الزعماء العرب مع وزرائهم. فالقذافي
أرسل إلى القضاء وزيريه لمجرد أنهما تحدثا في حضرته بدون «تبحليس». أما
بوش الذي كان رئيسا منتخبا لولايتين على أقوى دولة في العالم فقد ابتسم
وتابع ندوته بعد أن كاد يتلقى حذاءين على وجهه. وكل ما قاله للصحافيين
عندما سألوه هل فهم ماذا قال له «مول الصباط» هو أنه لم «يقشع» شيئا مما
قاله لكنه «قشع صباطه نمرة 44». يعني أن زميلنا الصحافي العراقي طبق
بالحرف التهديد المغربي الذي يقول «سير ولا غادي تعرف طاصيلتك شحال كانلبس
فالصباط». وهاهو بوش عندما رفض أن «يسير فحالو» ويترك العراقيين وشأنهم
عرف كم يلبس الزايدي «فصباطو».
وعوض أن يطلب بوش من الصحافي أن يعتذر له كمدها وسكت، وناب عنه نوري
المالكي الذي جاء به بوش على ظهر دبابة إلى العراق، وطالب قناة
«البغدادية» بالاعتذار قبل إطلاق سراح سجينها. على رأي المثل المغربي
«مالين الميت صبرو العزاية كفرو».
وبما أن الحمية أخذت العرب بالصباط، وظهر هناك من يريد اقتناء
الفردتين بملايين الدولارات، ومن يعطي صاحب الفردتين أوسمة الشجاعة، فعلى
الأمة العربية أن تكمل خيرها وتطلب من الحكومة العراقية أن تغير رموز
العلم العراقي الذي اختلفت الطوائف كثيرا بشأنه، وأن يجمعوا أمرهم على وضع
صورة الحذاء وسط العلم.
فالحذاء على الأقل ساهم في تحرير العراق بما قدر الله صاحبه عليه.
وليس مثل سيف المملكة العربية السعودية المرسوم في رايتها والذي لم
تستعمله الأمة العربية منذ حرب داحس والغبراء. فخادم الحرمين يحتفظ بسيفه
في غمده إلى أن يأتي عنده الرئيس الأمريكي ومستشارته «غونداليزا رايس» لكي
يرقص معهما ويلوح به في الهواء من أجل التقاط الصور التذكارية.
ولعل المطلب العاجل الذي يجب على جامعة الدول العربية الدفاع عنه بعد
«واقعة الصباط»، هو إدراج مسابقة «رمي الحذاء» ضمن مسابقات الألعاب
الأولمبية، مع تسجيلها كاختراع عراقي لصاحبها الزايدي.
فاليونانيون اخترعوا مسابقة «رمي القرص» و«رمي الجلة» و«رمي
المطرقة»، وهم هذه الأيام بصدد إدخال رياضة جديدة هي «رمي الزجاجات
الحارقة» على رجال الأمن، فليس عيبا إذن أن يكون للأمة العربية هي أيضا
شرف إدخال مسابقة «رمي الحذاء» ضمن الرياضات الأولمبية.
نخشى فقط أن تكون «ضربة الحذاء» التي وقعت في بغداد بداية لاستعمار
جديد للعراق من طرف الأمريكيين. فلا يخفى عليكم أن الجزائر تم استعمارها
بسبب «ضربة المروحة». والحكاية وما فيها أن «الداي الحسين» طلب من القنصل
الفرنسي تسديد ديون الجزائر من أثمان القمح، فرد عليه القنصل الفرنسي بأن
ملك فرنسا لا يتنازل بالرد على شخص مثله. فغضب «الدا الحسين»، عفوا «الداي
حسين» ولوح له بالمروحة وخرج غاضبا. فروجت الحكومة الفرنسية عبر صحافتها
أن «الداي حسين» ضرب القنصل الفرنسي بالمروحة، واتخذتها حجة لاحتلال
الجزائر، وبقيت فيه 150 سنة.
وربما يقول قائل بعد قراءة هذا الكلام «فال الله ولا فالك». لكن هذا
هو التاريخ، ومن يريد أن يدخله بصباطه فعليه أن يكون مستعدا للعواقب.
المساء
17 دجنبر 2008
سؤال غريب يطرحونه على كل راغب في زيارة بلدهم، وهو «هل تفكر في السفر إلى
الولايات المتحدة الأمريكية من أجل القيام بأعمال إرهابية». اليوم بعد
الذي وقع لجورج بوش في بغداد مع صاحب الحذاء، لا بد أنهم سيفكرون في إضافة
سؤال آخر إلى لائحة أسئلتهم الغريبة يكون كالتالي «هل تفكر في رشق الرئيس
الأمريكي بحذائك إذا ما صادفته في ندوة صحافية».
وكصحافيين تطرح علينا فردتا حذاء أخينا وزميلانا العراقي إشكالا
أخلاقيا ومهنيا عويصا. فهو من جهة خرق أصول المهنة وألقى بزوجي حذائه على
الضيف عوض أن يلقي عليه أسئلته، وهو من جهة ثانية ناب عن الأمة العربية
والإسلامية في القيام بواجب تغيير المنكر الأمريكي ولو بحذائه.
هناك أمثلة كثيرة سابقة لخروج الصحافيين عن طورهم خلال قيامهم
بمهامهم. ولعل أبرزها هو مصور وكالة رويترز الذي كان يغطي بالصور إحدى
المظاهرات في بلده، وفجأة وضع الكاميرا جانبا وبدأ في إضرام النار مع
المتظاهرين. فيبدو أن يديه أكلتاه فلم يستطع صبرا و«دار شي بركة» هو أيضا
مع المتظاهرين. ولسوء حظه فقد التقطته عدسة مصور وكالة أخرى (خوك فالحرفة)
ووصلت صوره إلى مدير الوكالة التي يشتغل معها قبل أن تنطفئ شرارة النيران
التي أوقدها، فجاءه قرار الفصل في الحال.
ولعل الجميع يتذكر كيف أن الراحل إدوارد سعيد، بكل وقاره وبرودة
دمه، التقطته عدسة مصور وهو واقف أمام مركز حراسة إسرائيلي في جنوب لبنان،
وفجأة أكلته يده والتقط حجرا ورماه باتجاه مركز الحراسة و«دار حتى هوا شي
بركة». فقامت القيامة في وجهه وألغت جهات كثيرة، أشهرها الجمعية الفرويدية
بفيينا، محاضرات كان سيلقيها إدوارد سعيد في ضيافتها. ولم يبرد الطرح على
سعيد إلا عندما قال بأنه رمى الحجر لأنه كان فقط يحتفل بشكل رمزي رفقة
ابنه بجلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عن جنوب لبنان.
وبالنسبة لقناة البغدادية التي يشتغل معها زميلنا قناص بغداد،
فالأمر واضح، يجب إطلاق سراح مراسلها على الفور. كما أنها لا تفكر في
تسريحه من العمل كما فعلت رويترز مع مصورها لمجرد أنه أوقد النار في عجلة
تافهة. فهذه القناة دخلت التاريخ ودخله معها منتظر الزايدي بصباطه.
وفي أمثلتنا الدارجة المغربية هناك مثل بخصوص الأحذية وبغداد يقول
«الزردة في بغداد عطيني صباطي». وهو مثال يقال لهواة «الزرود» الذين لا
يكسر عزيمتهم أن يكون مكان الوليمة بعيدا جدا، فهم دائما مستعدون لحزم
أحذيتهم واللحاق بها ولو كانت في بغداد.
وهذا المثال ينطبق على جورج بوش الذي حزم «صباطه» وذهب إلى بغداد
لكي يتفرج على حضارة عمرها ثلاثة آلاف سنة تزدرد ثرواتها ونفطها بشراهة
شركات عالمية، إلى أن جاءه الحذاء بالوعد الصادق. فالحذاء في هذه الأزمنة
العربية الرديئة أصبح أصدق أنباء من الكتب، في «سوميلته» الحد بين الجد
واللعب.
وإذا كان جورج بوش قد خرج من الانتخابات الأمريكية الأخيرة بخفي
حنين، فإنه قد عاد من بغداد بخفي الزايدي. وربما تنفعه فردتا حذاء الزايدي
في تقديمهما للبرادعي مدير وكالة الطاقة الذرية كدليل قاطع على وجود
الأسلحة الكيماوية في العراق. خصوصا إذا كان حذاء صديقنا من تلك الأحذية
التي تطلق غازات مسيلة للدموع بمجرد فتح خيوطها. وهكذا يحقق بوش أخيرا
نبوءته التي شيد عليها خطة غزوه للعراق، ويترك لخلفه السي الحسين أوباما
ما يكفي من المبررات للبقاء في العراق لوقت أطول.
وخلال فترة حكم بوش كان السؤال الكبير الذي يطرحه الأمريكيون هو
«لماذا يكرهوننا»، أما السؤال الكبير الذي سيطرحه الأمريكيون في عهد
أوباما فسيكون «لماذا يرشقوننا بالأحذية». خصوصا عندما سيحارون في تحليل
صور كل تلك الآلاف من العراقيين الذين خرجوا يتظاهرون في الشوارع من أجل
إطلاق سراح الصحافي الذي قلبها «صباط» مع بوش.
وستزداد حيرتهم عندما سيعرفون أن ثريا سعوديا أعطى في «صباط» زميلنا
ملايين الدولارات، وهناك من يقترح وضعه في متحف تخليدا لهذا الانتصار
الكاسح. فمن فرط تعطش الأمة العربية لمجرد انتصار صغير في تاريخها الحديث
المليء بالهزائم، أصبحت ترى في مجرد حذاء ضرب به الرئيس الأمريكي نصرا
مبينا يستحق التخليد.
أما عائشة ابنة العقيد القذافي، غفر الله لها، رئيسة جمعية
«واعتصموا» للأعمال الخيرية، فقد منحت وسام الشجاعة لزميلنا الزايدي. ولو
أن عائشة صاحبة «واعتصموا» (باش، الله أعلم) كان أفضل لها أن تمنح جائزة
وسام الشجاعة للوزيرين الليبيين اللذين تجرآ وخاطبا مؤخرا والدها العقيد
في اجتماع عام بدون تملق وتمسح، فقرر والدها المفدى إحالتهما على القضاء
بتهمة إساءة الأدب مع فخامة الرئيس.
وهذا مثال صغير على كيفية تعامل الزعماء العرب مع وزرائهم. فالقذافي
أرسل إلى القضاء وزيريه لمجرد أنهما تحدثا في حضرته بدون «تبحليس». أما
بوش الذي كان رئيسا منتخبا لولايتين على أقوى دولة في العالم فقد ابتسم
وتابع ندوته بعد أن كاد يتلقى حذاءين على وجهه. وكل ما قاله للصحافيين
عندما سألوه هل فهم ماذا قال له «مول الصباط» هو أنه لم «يقشع» شيئا مما
قاله لكنه «قشع صباطه نمرة 44». يعني أن زميلنا الصحافي العراقي طبق
بالحرف التهديد المغربي الذي يقول «سير ولا غادي تعرف طاصيلتك شحال كانلبس
فالصباط». وهاهو بوش عندما رفض أن «يسير فحالو» ويترك العراقيين وشأنهم
عرف كم يلبس الزايدي «فصباطو».
وعوض أن يطلب بوش من الصحافي أن يعتذر له كمدها وسكت، وناب عنه نوري
المالكي الذي جاء به بوش على ظهر دبابة إلى العراق، وطالب قناة
«البغدادية» بالاعتذار قبل إطلاق سراح سجينها. على رأي المثل المغربي
«مالين الميت صبرو العزاية كفرو».
وبما أن الحمية أخذت العرب بالصباط، وظهر هناك من يريد اقتناء
الفردتين بملايين الدولارات، ومن يعطي صاحب الفردتين أوسمة الشجاعة، فعلى
الأمة العربية أن تكمل خيرها وتطلب من الحكومة العراقية أن تغير رموز
العلم العراقي الذي اختلفت الطوائف كثيرا بشأنه، وأن يجمعوا أمرهم على وضع
صورة الحذاء وسط العلم.
فالحذاء على الأقل ساهم في تحرير العراق بما قدر الله صاحبه عليه.
وليس مثل سيف المملكة العربية السعودية المرسوم في رايتها والذي لم
تستعمله الأمة العربية منذ حرب داحس والغبراء. فخادم الحرمين يحتفظ بسيفه
في غمده إلى أن يأتي عنده الرئيس الأمريكي ومستشارته «غونداليزا رايس» لكي
يرقص معهما ويلوح به في الهواء من أجل التقاط الصور التذكارية.
ولعل المطلب العاجل الذي يجب على جامعة الدول العربية الدفاع عنه بعد
«واقعة الصباط»، هو إدراج مسابقة «رمي الحذاء» ضمن مسابقات الألعاب
الأولمبية، مع تسجيلها كاختراع عراقي لصاحبها الزايدي.
فاليونانيون اخترعوا مسابقة «رمي القرص» و«رمي الجلة» و«رمي
المطرقة»، وهم هذه الأيام بصدد إدخال رياضة جديدة هي «رمي الزجاجات
الحارقة» على رجال الأمن، فليس عيبا إذن أن يكون للأمة العربية هي أيضا
شرف إدخال مسابقة «رمي الحذاء» ضمن الرياضات الأولمبية.
نخشى فقط أن تكون «ضربة الحذاء» التي وقعت في بغداد بداية لاستعمار
جديد للعراق من طرف الأمريكيين. فلا يخفى عليكم أن الجزائر تم استعمارها
بسبب «ضربة المروحة». والحكاية وما فيها أن «الداي الحسين» طلب من القنصل
الفرنسي تسديد ديون الجزائر من أثمان القمح، فرد عليه القنصل الفرنسي بأن
ملك فرنسا لا يتنازل بالرد على شخص مثله. فغضب «الدا الحسين»، عفوا «الداي
حسين» ولوح له بالمروحة وخرج غاضبا. فروجت الحكومة الفرنسية عبر صحافتها
أن «الداي حسين» ضرب القنصل الفرنسي بالمروحة، واتخذتها حجة لاحتلال
الجزائر، وبقيت فيه 150 سنة.
وربما يقول قائل بعد قراءة هذا الكلام «فال الله ولا فالك». لكن هذا
هو التاريخ، ومن يريد أن يدخله بصباطه فعليه أن يكون مستعدا للعواقب.
المساء
17 دجنبر 2008
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
المحميون الجدد/رشيد نيني
بإقالة ملك البلاد أمس لكاتب الدولة في الخارجية، أحمد الخريف، تناقص عدد
وزراء حزب الاستقلال في حكومة عباس. حسب قصاصة وكالة الأنباء الرسمية فقد
جاء القرار الملكي بعد «علم حكومة صاحب الجلالة بأن الحكومة الإسبانية
شرعت منذ أشهر في إعطاء الجنسية الإسبانية لعدد من كبار المسؤولين
المغاربة، تحت ذريعة مسؤولية إسبانيا عن بعض مناطق المغرب خلال فترة
الحماية الإسبانية».
القرار الذي اتخذه الملك قرار صائب وحكيم. لأنه ليس من المقبول لا
سياسيا ولا دبلوماسيا أن يحمل كاتب للدولة، ينتمي إلى حزب وطني كحزب
الاستقلال يقود الحكومة، ويشتغل في وزارة الخارجية، جنسية أخرى غير جنسية
البلد الذي ينتمي إليه ويدافع عن مصالحه في المحافل الدولية.
لو كان السيد أحمد الخريف مواطنا عاديا، لقلنا أنه من حقه أن يحمل
حتى ثلاث جنسيات إذا أراد وليس فقط جنسية واحدة. لكنه مسؤول حكومي رفيع
المستوى، وأكثر من ذلك مسؤول في وزارة الخارجية التي تتولى الدفاع عن
مصالح المغرب السياسية والاقتصادية والسيادية خارج المغرب.
ولكي يفهم الجميع مدى خطورة توفر مسؤول أو كاتب دولة في الخارجية على
جنسية دولة أجنبية فيمكن أن نقرب الصورة أكثر ونفترض أن هذا المسؤول ذهب
يتفاوض في ملف الصحراء أو الصيد البحري أو الهجرة مع مسؤولين ينتمون إلى
نفس الدولة التي يحمل هذا المسؤول المغربي جنسيتها. فهل سيكون تفاوضه مع
«إخوانه» في الجنسية تفاوضا بريئا. فكأنما يتفاوض هذا المسؤول مع مواطنيه
وليس مع مواطني دولة أجنبية، وذلك بحكم الجنسية التي يشترك فيها معهم.
الشيء نفسه ينسحب على الوزراء والمسؤولين الذين يحملون جنسيات كندية
أو فرنسية أو غيرها، فهل ستكون الصفقات التي يبرمونها مع شركائهم في الدول
التي يحملون جنسيتها بريئة. إن هذا الولاء المزدوج الذي يعيشه المسؤولون
المغاربة يجب أن يوضع له حد. ويجب أن يكون أحد الشروط الأساسية لدخول
البرلمان والحكومة وتقلد المسؤوليات في المؤسسات الملكية والعمومية هو
التوفر على الجنسية المغربية والجنسية المغربية وحدها.
الآن عندما نسمع قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء تتحدث عن اكتشاف
الحكومة لقضية تسليم الحكومة الإسبانية لجنسيتها لمجموعة من كبار
المسؤولين المغاربة، فإن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو من هم هؤلاء
المسؤولون المغاربة الكبار الذين اكتشفت الحكومة استفادتهم من الجنسية
الإسبانية مؤخرا.
نريد كصحافيين أن نعرف أسماءهم ونوع المسؤوليات التي يتحملون لكي نطلع الرأي العام على الحقيقة.
ثم إن السيد أحمد الخريف ليس فقط كاتب دولة في الخارجية، وإنما أيضا
عضو المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء، ويتحمل مسؤوليات سياسية في اللجنة
التنفيذية لحزب الاستقلال الذي يقود الحكومة، ولديه مقعد في البرلمان. فهل
سيقيل عباس الفاسي أحمد الخريف من حزبه بعد «الغضبة الملكية». وهل سيسحب
خلي هنا ولد الرشيد رئيس المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء عضوية أحمد
الخريف في المجلس. ولكن كيف يمكنه القيام بذلك إذا كان خلي هنا ولد الرشيد
بنفسه يحمل الجنسية الإسبانية بالإضافة إلى جنسيته المغربية. وليس خلي هنا
وأحمد الخريف هما الوحيدان اللذان يحملان الجنسية الإسبانية داخل المجلس
الاستشاري لشؤون الصحراء، بل أعضاء آخرون غيرهم لديهم ولاء للملك خوان
كارلوس بالإضافة إلى ولائهم للملك محمد السادس.
كلنا نعرف حساسية موضوع الصحراء بالنسبة لإسبانيا. فهناك اليوم شبه
إجماع داخلها بين سياسييها ومثقفيها وصحافييها على ضرورة تمكين ما يسمونه
بالشعب الصحراوي من حقه في تقرير مصيره. وتجنيس المسؤولين المغاربة في
الصحراء بالجنسية الإسبانية ليس عملا بريئا.
ولذلك على الذين يعتقدون خطأ أن السماح لمناهضين إسبان للوحدة
الترابية للمغرب بالحضور إلى مهرجاناتنا السينمائية لعرض لافتاتهم أمام
العالم في عقر دارنا للمطالبة بحق «الشعب الصحراوي» في تقرير مصيره، أمر
لا يستحق الالتفات إليه، أن يستمعوا جيدا إلى ما يقوله مناصرو البوليساريو
في المهرجانات السينمائية العالمية. فقد قال الممثل الإسباني «خابيير
بارديم»، الذي رفع أخوه اللافتة المساندة للبوليساريو في سينما الريف
بطنجة قبل شهر، وهو يتسلم جائزة الأوسكار عن دوره الرائع (والحق يقال) في
فيلم «لا مكان للعجائز» بأنه سيظل طيلة ما تبقى له من عمره مدافعا شرسا عن
حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وأنه قطع عهدا على نفسه بالحديث عن هذه
القضية في كل المحافل الدولية التي يذهب إليها، وأنه يهدي جائزة الأوسكار
للبوليساريو تحية لها على صمودها في وجه المستعمر المغربي.
بعد كل هذا الغزل الصريح في البوليساريو وزعيمها الذي سمعه العالم
بأسره (عدا أجهزة الاستخبارات عندنا ربما)، يسمحون عندنا لأخ هذا الممثل
بالصعود إلى خشبة سينما الريف بطنجة ونشر لافتة تحمل نفس المطالب
الانفصالية التي قرأها أخوه في حفل الأوسكار.
وأكثر من ذلك، عندما انتقدنا تساهل لجنة القراءة التابعة للمركز
السينمائي المغربي في مشاهدة الأفلام قبل عرضها، مما تسبب في عرض فيلم
«فرنسية» في مهرجان طنجة الأخير والذي يعرض خريطة المغرب بدون صحرائه،
أعطى مدير المركز نور الدين الصايل، الذي يحمل بدوره الجنسية الفرنسية إلى
جانب المغربية، حوارا صحافيا قال فيه بأن جميع الخرائط في كتب الجغرافيا
في الخارج تعرض المغرب بدون صحرائه. طيب، إذا كانت هذه الكتب تعرض المغرب
بدون صحرائه في دولها، فهل نحن مجبرون في دولتنا على عرض هذه الخرائط في
الأفلام السينمائية للجمهور المغربي.
المصيبة هي أن المركز السينمائي لم يتساهل فقط في عرض لقطة لخارطة
المغرب بدون صحرائه، وإنما يخبرنا مدير المركز بأن المغاربة ساهموا من
أموال ضرائبهم في إنجاز هذا الفيلم الذي يشوه خريطتهم. وبكم، بدعم مالي
منحه المركز لمخرجة الفيلم وصل إلى 300 مليون سنتيم لا غير. وهذا ما يسميه
المغاربة «الحبة والبارود من دار القايد».
عندما وزعت سلسلة مطاعم «ماكدونالدز» لعبة صغيرة للأطفال رسمت عليها
خارطة المغرب بدون صحرائه، أوشكت الأمور أن تصل إلى الأزمة الدبلوماسية
بين المغرب وسلسلة مطاعم «ماكدو». وهددت جمعية الصحراء المغربية بالقيام
بوقفات احتجاجية أمام كل مطاعم «ماكدو» بالمغرب ومقاطعة وجباتها، مما اضطر
الشركة الأمريكية للاعتذار وإنهاء «اللعبة» ببيان قالت فيه «نعتذر عميقا
عن هذا الخطأ ونقدم اعتذارنا لزبائننا الأوفياء ولعامة المواطنين».
هذا بالضبط ما كان على المركز السينمائي المغربي أن يقوم به بعد
حادثة فيلم «فرنسية» في مهرجان طنجة. أما أن يتكفل بعضهم بأكل الثوم مكان
المدير واعتبار النقد الصحافي الذي رافق هذه الحادثة مجرد تصفية حسابات
«سينمائية» معه، فالأمر يدعو فعلا للرثاء.
خصوصا إذا عرفنا أن المدافعين اليوم عن «خطأ» الصايل لم يذخروا جهدا
لصلب الجزيرة مطولا بسبب عرضها لصحراء المغرب مقطوعة في نشرات أخبارها.
وهذا ما ندينه من جانبنا كذلك.
إن الأحزاب السياسية التي تقترح مناضليها وأطرها لتحمل مسؤوليات
حكومية، والمستشارين الذين يقترحون شخصيات سامية لتحمل مسؤوليات بظهائر
ملكية على رأس مؤسسات عمومية، يجب عليهم جميعا أن يدققوا في جنسيات من
يقترحونهم على الملك.
والأنسب أن كل من يتم اقتراحه لتحمل مسؤولية حكومية أو عمومية مهمة
أن يمتنع ويتعفف عن وضع طلب لدى دولة أجنبية من أجل الحصول على جنسيتها.
أما إذا كان حاصلا عليها سلفا فالأكثر انسجاما مع أعراف الوطنية
و«تامغربيت» هي أن يعيد الجنسية الأجنبية التي يحمل إلى أصحابها ويكتفي
بجنسيته المغربية وجوازه الدبلوماسي.
وإذا كان هؤلاء المسؤولون الحاملون لجنسيات أجنبية يعتقدون أن
أسماءهم غير معروفة فهم واهمون. لأن الدول الأوربية بمجرد ما تمنح جنسيتها
لأجنبي حتى تصدر اسمه في الجريدة الرسمية، وهذه الجريدة تطلع عليها مصالح
«لادجيد» وهي لازالت «سخونة» في اللحظة التي تخرج فيها من فران الحكومة.
لذلك فنحن كصحافيين نطلب من عباس الفاسي أن يكون شفافا في هذه القضية
الوطنية ويصدر لائحة بأسماء هؤلاء المسوؤلين الكبار الذين قالت عنهم
«لاماب» أنهم حصلوا على الجنسية الإسبانية مؤخرا.
في فترة الحماية كانت العائلات الغنية تلجأ إلى طلب الحماية من
قنصليات البلدان الأوربية الممثلة في المغرب خوفا من «تتريك» المخزن لها
واستحواذه على ثرواتها. وكانت كل عائلة مغربية تتبع لحماية دولة أوربية
معينة. فعائلة هذا لديها حماية «صبليون» وعائلة الآخر لديها حماية «نكليز»
وثالثة لديها حماية «فرنسيس» وهكذا.
واليوم بعد مرور ثلاث وخمسين سنة على استقلال المغرب، لازالت لدينا
عائلات تؤمن ظهورها وظهور أبنائها بجوازات السفر الحمراء. وإذا كنا نفهم
حصول المغاربة المقيمين في هذه الدول الأجنبية على جنسياتها تسهيلا لأمور
إقامتهم واندماجهم، فإننا لا نفهم سبب لجوء مسؤولين كبار في الدولة
والحكومة مقيمين في المغرب إلى حمل جنسيات أخرى غير جنسيتهم المغربية.
وجود هؤلاء هو أكبر دليل على أنهم هم اليائسون الحقيقيون من المغرب
ومستقبله ولسنا نحن الصحافيين القانعين بجنسيتنا المغربية وجواز سفرنا
الأخضر، والذين يتهموننا بنشر اليأس والعدمية.
إنه الأمل يا سادة ما يدفعنا للتشبث بصحراء وبحار وجبال هذا الوطن
وبجوازه الأخضر، وليس اليأس. اليأس هو أن نرى المسؤولين الذين كلفهم الملك
بخدمة الشعب يغيرون جواز الوطن بأول جنسية تظهر في الأفق.
المساء
24 دجنبر
وزراء حزب الاستقلال في حكومة عباس. حسب قصاصة وكالة الأنباء الرسمية فقد
جاء القرار الملكي بعد «علم حكومة صاحب الجلالة بأن الحكومة الإسبانية
شرعت منذ أشهر في إعطاء الجنسية الإسبانية لعدد من كبار المسؤولين
المغاربة، تحت ذريعة مسؤولية إسبانيا عن بعض مناطق المغرب خلال فترة
الحماية الإسبانية».
القرار الذي اتخذه الملك قرار صائب وحكيم. لأنه ليس من المقبول لا
سياسيا ولا دبلوماسيا أن يحمل كاتب للدولة، ينتمي إلى حزب وطني كحزب
الاستقلال يقود الحكومة، ويشتغل في وزارة الخارجية، جنسية أخرى غير جنسية
البلد الذي ينتمي إليه ويدافع عن مصالحه في المحافل الدولية.
لو كان السيد أحمد الخريف مواطنا عاديا، لقلنا أنه من حقه أن يحمل
حتى ثلاث جنسيات إذا أراد وليس فقط جنسية واحدة. لكنه مسؤول حكومي رفيع
المستوى، وأكثر من ذلك مسؤول في وزارة الخارجية التي تتولى الدفاع عن
مصالح المغرب السياسية والاقتصادية والسيادية خارج المغرب.
ولكي يفهم الجميع مدى خطورة توفر مسؤول أو كاتب دولة في الخارجية على
جنسية دولة أجنبية فيمكن أن نقرب الصورة أكثر ونفترض أن هذا المسؤول ذهب
يتفاوض في ملف الصحراء أو الصيد البحري أو الهجرة مع مسؤولين ينتمون إلى
نفس الدولة التي يحمل هذا المسؤول المغربي جنسيتها. فهل سيكون تفاوضه مع
«إخوانه» في الجنسية تفاوضا بريئا. فكأنما يتفاوض هذا المسؤول مع مواطنيه
وليس مع مواطني دولة أجنبية، وذلك بحكم الجنسية التي يشترك فيها معهم.
الشيء نفسه ينسحب على الوزراء والمسؤولين الذين يحملون جنسيات كندية
أو فرنسية أو غيرها، فهل ستكون الصفقات التي يبرمونها مع شركائهم في الدول
التي يحملون جنسيتها بريئة. إن هذا الولاء المزدوج الذي يعيشه المسؤولون
المغاربة يجب أن يوضع له حد. ويجب أن يكون أحد الشروط الأساسية لدخول
البرلمان والحكومة وتقلد المسؤوليات في المؤسسات الملكية والعمومية هو
التوفر على الجنسية المغربية والجنسية المغربية وحدها.
الآن عندما نسمع قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء تتحدث عن اكتشاف
الحكومة لقضية تسليم الحكومة الإسبانية لجنسيتها لمجموعة من كبار
المسؤولين المغاربة، فإن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو من هم هؤلاء
المسؤولون المغاربة الكبار الذين اكتشفت الحكومة استفادتهم من الجنسية
الإسبانية مؤخرا.
نريد كصحافيين أن نعرف أسماءهم ونوع المسؤوليات التي يتحملون لكي نطلع الرأي العام على الحقيقة.
ثم إن السيد أحمد الخريف ليس فقط كاتب دولة في الخارجية، وإنما أيضا
عضو المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء، ويتحمل مسؤوليات سياسية في اللجنة
التنفيذية لحزب الاستقلال الذي يقود الحكومة، ولديه مقعد في البرلمان. فهل
سيقيل عباس الفاسي أحمد الخريف من حزبه بعد «الغضبة الملكية». وهل سيسحب
خلي هنا ولد الرشيد رئيس المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء عضوية أحمد
الخريف في المجلس. ولكن كيف يمكنه القيام بذلك إذا كان خلي هنا ولد الرشيد
بنفسه يحمل الجنسية الإسبانية بالإضافة إلى جنسيته المغربية. وليس خلي هنا
وأحمد الخريف هما الوحيدان اللذان يحملان الجنسية الإسبانية داخل المجلس
الاستشاري لشؤون الصحراء، بل أعضاء آخرون غيرهم لديهم ولاء للملك خوان
كارلوس بالإضافة إلى ولائهم للملك محمد السادس.
كلنا نعرف حساسية موضوع الصحراء بالنسبة لإسبانيا. فهناك اليوم شبه
إجماع داخلها بين سياسييها ومثقفيها وصحافييها على ضرورة تمكين ما يسمونه
بالشعب الصحراوي من حقه في تقرير مصيره. وتجنيس المسؤولين المغاربة في
الصحراء بالجنسية الإسبانية ليس عملا بريئا.
ولذلك على الذين يعتقدون خطأ أن السماح لمناهضين إسبان للوحدة
الترابية للمغرب بالحضور إلى مهرجاناتنا السينمائية لعرض لافتاتهم أمام
العالم في عقر دارنا للمطالبة بحق «الشعب الصحراوي» في تقرير مصيره، أمر
لا يستحق الالتفات إليه، أن يستمعوا جيدا إلى ما يقوله مناصرو البوليساريو
في المهرجانات السينمائية العالمية. فقد قال الممثل الإسباني «خابيير
بارديم»، الذي رفع أخوه اللافتة المساندة للبوليساريو في سينما الريف
بطنجة قبل شهر، وهو يتسلم جائزة الأوسكار عن دوره الرائع (والحق يقال) في
فيلم «لا مكان للعجائز» بأنه سيظل طيلة ما تبقى له من عمره مدافعا شرسا عن
حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وأنه قطع عهدا على نفسه بالحديث عن هذه
القضية في كل المحافل الدولية التي يذهب إليها، وأنه يهدي جائزة الأوسكار
للبوليساريو تحية لها على صمودها في وجه المستعمر المغربي.
بعد كل هذا الغزل الصريح في البوليساريو وزعيمها الذي سمعه العالم
بأسره (عدا أجهزة الاستخبارات عندنا ربما)، يسمحون عندنا لأخ هذا الممثل
بالصعود إلى خشبة سينما الريف بطنجة ونشر لافتة تحمل نفس المطالب
الانفصالية التي قرأها أخوه في حفل الأوسكار.
وأكثر من ذلك، عندما انتقدنا تساهل لجنة القراءة التابعة للمركز
السينمائي المغربي في مشاهدة الأفلام قبل عرضها، مما تسبب في عرض فيلم
«فرنسية» في مهرجان طنجة الأخير والذي يعرض خريطة المغرب بدون صحرائه،
أعطى مدير المركز نور الدين الصايل، الذي يحمل بدوره الجنسية الفرنسية إلى
جانب المغربية، حوارا صحافيا قال فيه بأن جميع الخرائط في كتب الجغرافيا
في الخارج تعرض المغرب بدون صحرائه. طيب، إذا كانت هذه الكتب تعرض المغرب
بدون صحرائه في دولها، فهل نحن مجبرون في دولتنا على عرض هذه الخرائط في
الأفلام السينمائية للجمهور المغربي.
المصيبة هي أن المركز السينمائي لم يتساهل فقط في عرض لقطة لخارطة
المغرب بدون صحرائه، وإنما يخبرنا مدير المركز بأن المغاربة ساهموا من
أموال ضرائبهم في إنجاز هذا الفيلم الذي يشوه خريطتهم. وبكم، بدعم مالي
منحه المركز لمخرجة الفيلم وصل إلى 300 مليون سنتيم لا غير. وهذا ما يسميه
المغاربة «الحبة والبارود من دار القايد».
عندما وزعت سلسلة مطاعم «ماكدونالدز» لعبة صغيرة للأطفال رسمت عليها
خارطة المغرب بدون صحرائه، أوشكت الأمور أن تصل إلى الأزمة الدبلوماسية
بين المغرب وسلسلة مطاعم «ماكدو». وهددت جمعية الصحراء المغربية بالقيام
بوقفات احتجاجية أمام كل مطاعم «ماكدو» بالمغرب ومقاطعة وجباتها، مما اضطر
الشركة الأمريكية للاعتذار وإنهاء «اللعبة» ببيان قالت فيه «نعتذر عميقا
عن هذا الخطأ ونقدم اعتذارنا لزبائننا الأوفياء ولعامة المواطنين».
هذا بالضبط ما كان على المركز السينمائي المغربي أن يقوم به بعد
حادثة فيلم «فرنسية» في مهرجان طنجة. أما أن يتكفل بعضهم بأكل الثوم مكان
المدير واعتبار النقد الصحافي الذي رافق هذه الحادثة مجرد تصفية حسابات
«سينمائية» معه، فالأمر يدعو فعلا للرثاء.
خصوصا إذا عرفنا أن المدافعين اليوم عن «خطأ» الصايل لم يذخروا جهدا
لصلب الجزيرة مطولا بسبب عرضها لصحراء المغرب مقطوعة في نشرات أخبارها.
وهذا ما ندينه من جانبنا كذلك.
إن الأحزاب السياسية التي تقترح مناضليها وأطرها لتحمل مسؤوليات
حكومية، والمستشارين الذين يقترحون شخصيات سامية لتحمل مسؤوليات بظهائر
ملكية على رأس مؤسسات عمومية، يجب عليهم جميعا أن يدققوا في جنسيات من
يقترحونهم على الملك.
والأنسب أن كل من يتم اقتراحه لتحمل مسؤولية حكومية أو عمومية مهمة
أن يمتنع ويتعفف عن وضع طلب لدى دولة أجنبية من أجل الحصول على جنسيتها.
أما إذا كان حاصلا عليها سلفا فالأكثر انسجاما مع أعراف الوطنية
و«تامغربيت» هي أن يعيد الجنسية الأجنبية التي يحمل إلى أصحابها ويكتفي
بجنسيته المغربية وجوازه الدبلوماسي.
وإذا كان هؤلاء المسؤولون الحاملون لجنسيات أجنبية يعتقدون أن
أسماءهم غير معروفة فهم واهمون. لأن الدول الأوربية بمجرد ما تمنح جنسيتها
لأجنبي حتى تصدر اسمه في الجريدة الرسمية، وهذه الجريدة تطلع عليها مصالح
«لادجيد» وهي لازالت «سخونة» في اللحظة التي تخرج فيها من فران الحكومة.
لذلك فنحن كصحافيين نطلب من عباس الفاسي أن يكون شفافا في هذه القضية
الوطنية ويصدر لائحة بأسماء هؤلاء المسوؤلين الكبار الذين قالت عنهم
«لاماب» أنهم حصلوا على الجنسية الإسبانية مؤخرا.
في فترة الحماية كانت العائلات الغنية تلجأ إلى طلب الحماية من
قنصليات البلدان الأوربية الممثلة في المغرب خوفا من «تتريك» المخزن لها
واستحواذه على ثرواتها. وكانت كل عائلة مغربية تتبع لحماية دولة أوربية
معينة. فعائلة هذا لديها حماية «صبليون» وعائلة الآخر لديها حماية «نكليز»
وثالثة لديها حماية «فرنسيس» وهكذا.
واليوم بعد مرور ثلاث وخمسين سنة على استقلال المغرب، لازالت لدينا
عائلات تؤمن ظهورها وظهور أبنائها بجوازات السفر الحمراء. وإذا كنا نفهم
حصول المغاربة المقيمين في هذه الدول الأجنبية على جنسياتها تسهيلا لأمور
إقامتهم واندماجهم، فإننا لا نفهم سبب لجوء مسؤولين كبار في الدولة
والحكومة مقيمين في المغرب إلى حمل جنسيات أخرى غير جنسيتهم المغربية.
وجود هؤلاء هو أكبر دليل على أنهم هم اليائسون الحقيقيون من المغرب
ومستقبله ولسنا نحن الصحافيين القانعين بجنسيتنا المغربية وجواز سفرنا
الأخضر، والذين يتهموننا بنشر اليأس والعدمية.
إنه الأمل يا سادة ما يدفعنا للتشبث بصحراء وبحار وجبال هذا الوطن
وبجوازه الأخضر، وليس اليأس. اليأس هو أن نرى المسؤولين الذين كلفهم الملك
بخدمة الشعب يغيرون جواز الوطن بأول جنسية تظهر في الأفق.
المساء
24 دجنبر
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الثعلب والنعامات /رشيد نيني/المساء 9 يناير 2009
هؤلاء الزعماء العرب ليسوا فقط عاجزين عن اتخاذ موقف واضح مما يحدث في غزة، بل أكثر من ذلك يحاولون تسويق جبنهم وتخاذلهم وتواطئهم على أنه شجاعة وحصافة وتضامن وبعد نظر. فلا هم قادرون على طرد سفراء إسرائيل من عواصمهم ولا هم قادرون على استعمال سلاح النفط الذي في أيديهم.
وإلى حدود اليوم بقي «الكنس» القادة العرب، كما ينطقها الأشقاء في مصر، وحدهم ثابتين على موقفهم الجبان والمتخاذل، بعد أن عبرت الأجناس البشرية الأخرى من فرس وترك ولاتينيين عن مواقف شجاعة وعملية، لعل أوضحها هو طرد الرئيس الفينيزويلي «هوغو تشافيز» للسفير الإسرائيلي من عاصمته، ولو طلب رأيي لقلت له أن يكمل خيره ويطرد كل سفراء الدول العربية المعتمدين لديه.
أما العربية السعودية التي دعتها إيران إلى استعمال سلاح النفط لوقف العدوان على غزة، فقد جاء جوابها واضحا على لسان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي قال بأن النفط ليس سلاحا وأن مصدريه بحاجة لعائداته.
والأمير الفيصل معه حق عندما يقول بأن الدول العربية المصدرة للنفط بحاجة إلى عائداته. فمعظم هذه الدول تعيش على اقتصاد الريع الذي أنتجته الطفرة النفطية، وصاروا يعيشون على ارتفاع أسعار براميل النفط في الأسواق العالمية، ولم يفكروا في بدائل اقتصادية أخرى يمكن أن يعيشوا منها خارج النفط والغاز ومشتقاتهما. الدول النفطية العربية ولا تستطيع أنظمتها أن تتخلى عن عائدات النفط، فالجزائر وليبيا والسعودية الكويت ومعها دول الخليج المصدر للنفط والغاز، يمكن أن يختنق اقتصادها بمجرد توقيف التصدير لشهر واحد. وإذا كان الأمير فيصل معه حق عندما يقول بأن مصدري النفط العرب بحاجة لعائداته، فإنه ليس محقا عندما يقول بأن النفط ليس سلاحا. إنه سلاح، بل أقوى سلاح في هذه الأزمنة الصعبة التي يعيشها الاقتصاد العالمي.
وما على الأمير سعود الفيصل سوى أن يتأمل أزمة الغاز بأوربا، وكيف تستعمله أوكرانيا اليوم كسلاح لإجبار روسيا على عدم رفع أسعار تموينها من الغاز الروسي. فقد وافقت أوكرانيا على رفع أسعار الغاز الروسي شريطة أن ترفع هي أيضا تسعيرة مرور الغاز الروسي نحو دول الاتحاد الأوربي. يعني هذه بتلك.
هؤلاء أحسنوا استعمال استخدام الغاز كسلاح. فقد انتظروا فترة الذروة التي يقبل فيها الأوربيون على استهلاك الغاز للتدفئة بسبب موجة البرد الشديدة التي تجتاح القارة العجوز، لكي يشهروا أسعارهم الجديدة، ويقطعوا إمدادات الغاز من أجل فرض شروطهم على المستهلكين الأوربيين.
أما الدول العربية التي تملك نصف احتياطي الغاز والبترول في العالم، إلى درجة أن مجرد التلويح بإمكانية توقيف إمدادات النفط والغاز لأوربا وأمريكا وإسرائيل من شأنه أن يزعزع أقوى البورصات العالمية، فإنهم يعترفون بعجزهم عن استخدام هذه الثروة كسلاح لمجرد إيقاف القصف على إخوانهم في غزة.
الوحيد الذي هدد هذه الأيام بإيقاف إمدادات النفط ضد دولة أوربية، كان هو العقيد معمر القذافي. لكن ليس احتجاجا على سقوط أكثر من 700 شهيد فلسطيني، ولكن بسبب عدم اعتذار سويسرا عن قيامها باعتقال ابنه حنيبعل وزوجته بعدما تورط الاثنان في تعذيب خادميهما في الفندق.
لو قرر الأمراء العرب الذين لديهم في المصارف الأمريكية حسابات مودعة بملايير الدولارات فيما يسمى بـ«الحسابات البنكية السيادية»، أن يسحبوا هذه الأموال، أو ما تبقى منها، احتجاجا على ما يحدث لإخوانهم في غزة بسبب القنابل الأمريكية الصنع، لفكر ساكن البيت الأبيض ألف مرة قبل أن يقول بأن إسرائيل من حقها أن تدافع عن نفسها ضد الإرهاب.
سيقول قائل أن «الحسابات السيادية» لهؤلاء الأمراء العرب الأثرياء في أمريكا كانت أول من تلقى الضربات الموجعة بعد انهيار البورصات والبنوك الأمريكية الكبرى. ولكي نفهم لماذا تم ضرب «الحسابات البنكية السيادية» للعرب بأمريكا، ولماذا قال وزير الخارجية السعودي بأن النفط ليس سلاحا، يجب أن نعيد قراءة مقال الثعلب الأمريكي «هنري كسنجر»، وزير الخارجية الأسبق، الذي لازالت «وصاياه» الاقتصادية والسياسية بمثابة الإنجيل الذي يطبق البيت الأبيض تعاليمه بالحرف.
كتب «كسنجر» في 19 من سبتمبر الماضي من سنة 2008 مقالا في صحيفة «الانترناشيونال هيرالد تربيون»، بالتعاون مع البروفيسور «مارتن فيلشتاين»، أستاذ الاقتصاد بجامعة «هارفارد» وأحد كبار المستشارين الاقتصاديين للرئيس «رونالد ريغان»، يحذران فيه من تكدس مليارات النفط في الخليج ومن صناديق الثروة الخليجية ويدعو الغرب لتقليص قدرة أوبك حتى لا يتحول التأثير من اقتصادي إلى سياسي. وقال أن ارتفاع أسعار النفط، أدى إلى انتقال الثروات من منطقة بالعالم إلى أخرى، حتى أن دول «أوبك» حصلت خلال 2008 فقط على ما يصل إلى تريليون دولار (ألف مليار). «كيسنجر» الذي تطبق الإدارة الأمريكية تعاليمه بالحرف سبق له أن طالب بوضع إستراتيجية أمريكية لتجويع العرب وفق مبدأ الغذاء مقابل النفط، خصوصا بعدما تجرأ العرب على استخدم النفط كسلاح في حرب أكتوبر 1973 . ومن هنا جاءت دعوة «كيسنجر» لتطوير إستراتيجية سياسية جديدة لمواجهة «الحسابات البنكية السيادية» الناجمة عن تراكم عائدات النفط خوفا من قيام منظمة «أوبك» باستعمال أرصدتها المالية الكبيرة للابتزاز السياسي والاقتصادي.
خوف ثعلب البيت الأبيض العجوز من أرصدة الأمراء والأثرياء العرب بالبنوك الأمريكية ليس فقط بسبب الخوف من استعمال هذه الثروات للابتزاز السياسي، وإنما لكون تلك الأرصدة أصبحت توظف لشراء شركات أمريكية بالكامل.
ولتجفيف هذه الثروات تفرض أمريكا على الدول البترولية، وعلى رأسها السعودية، «تبديد» ثرواتها في اقتناء أسلحة باهظة الثمن لا حاجة لها بها. وها نحن نرى كيف أن إسرائيل تحرق وتشوي أطفال غزة أمام أنظار العربية السعودية التي تملك أحدث الأساطيل الحربية وأكثر الأسلحة الأمريكية تطورا.
هكذا نفهم بشكل أحسن لماذا قال وزير الخارجية السعودي ردا على إيران، بأن النفط ليس سلاحا.
فالسعودية، ومعها الدول المصدرة للنفط المنضوية تحت لواء منظمة «أوبك» ليسوا مستعدين لتكرار تجربة 1973 عندما قطعوا النفط عن الأوربيين وأجبروهم على التحرك بالدراجات الهوائية للحاق بمقرات عملهم، فدفع العرب ثمن ذلك مضاعفا من بترولهم وسيادتهم.
ومنذ 1973 وإلى اليوم لم يستفد العرب من الدرس، ولم يستعملوا عائدات النفط لتطوير مناهج تعليمهم وتشجيع البحث العلمي وتكوين وتأهيل الموارد البشرية استعدادا للمستقبل بالعلم والمعرفة. كل ما صنعوه هو تعلم الكسل والخمول وفتح بلدانهم لليد العاملة الأجنبية الرخيصة التي استعبدوها في قصورهم وشركاتهم، بينما حولوا عائدات ثرواتهم النفطية للبنوك الأمريكية التي تبتزهم اليوم تحت ذريعة الأزمة الاقتصادية العالمية.
وفي هذا الوقت طورت إسرائيل قدراتها الحربية والعلمية وفرضت هيمنتها على العالم عبر إعلامها ولوبياتها القوية في التجارة والصناعة والسياسة. وعلى طول أرض فلسطين التي احتلتها واستوطنتها إسرائيل لا توجد مادة أخرى خام فوق أو تحت ترابها غير المادة الرمادية التي في الدماغ. وفي الوقت الذي كان العرب يقتلون هذه المادة ويجبرونها على الهجرة، كانت إسرائيل تستقطبها وتطورها وتراهن عليها من أجل الهيمنة.
لكي تفهموا أكثر لماذا تحاصر إسرائيل غزة وتجوع أهلها، ولماذا تخاف السعودية من استعمال النفط كسلاح، يجب أن تعودوا لقراءة وصايا الثعلب «هنري كسنجر». فما كتبه قبل ثلاثين سنة هو بالحرف ما تطبقه الإدارة الأمريكية ومعها إسرائيل.
هؤلاء يسيرون وفق مخطط محكم تتحالف فيه الصليبية التي رفع لواءها بوش يوم احتلاله للعراق مع إسرائيل ضد العرب والمسلمين. وعلى الذين يغمضون أعينهم اليوم عما يقع في غزة أن يعرفوا أن ذلك الخراب والشواء الآدمي يمكن أن يصل إلى أعتاب بيوتهم ذات يوم إذا ما استمروا في دفن رؤوسهم في الرمال مثل النعام.
وإلى حدود اليوم بقي «الكنس» القادة العرب، كما ينطقها الأشقاء في مصر، وحدهم ثابتين على موقفهم الجبان والمتخاذل، بعد أن عبرت الأجناس البشرية الأخرى من فرس وترك ولاتينيين عن مواقف شجاعة وعملية، لعل أوضحها هو طرد الرئيس الفينيزويلي «هوغو تشافيز» للسفير الإسرائيلي من عاصمته، ولو طلب رأيي لقلت له أن يكمل خيره ويطرد كل سفراء الدول العربية المعتمدين لديه.
أما العربية السعودية التي دعتها إيران إلى استعمال سلاح النفط لوقف العدوان على غزة، فقد جاء جوابها واضحا على لسان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي قال بأن النفط ليس سلاحا وأن مصدريه بحاجة لعائداته.
والأمير الفيصل معه حق عندما يقول بأن الدول العربية المصدرة للنفط بحاجة إلى عائداته. فمعظم هذه الدول تعيش على اقتصاد الريع الذي أنتجته الطفرة النفطية، وصاروا يعيشون على ارتفاع أسعار براميل النفط في الأسواق العالمية، ولم يفكروا في بدائل اقتصادية أخرى يمكن أن يعيشوا منها خارج النفط والغاز ومشتقاتهما. الدول النفطية العربية ولا تستطيع أنظمتها أن تتخلى عن عائدات النفط، فالجزائر وليبيا والسعودية الكويت ومعها دول الخليج المصدر للنفط والغاز، يمكن أن يختنق اقتصادها بمجرد توقيف التصدير لشهر واحد. وإذا كان الأمير فيصل معه حق عندما يقول بأن مصدري النفط العرب بحاجة لعائداته، فإنه ليس محقا عندما يقول بأن النفط ليس سلاحا. إنه سلاح، بل أقوى سلاح في هذه الأزمنة الصعبة التي يعيشها الاقتصاد العالمي.
وما على الأمير سعود الفيصل سوى أن يتأمل أزمة الغاز بأوربا، وكيف تستعمله أوكرانيا اليوم كسلاح لإجبار روسيا على عدم رفع أسعار تموينها من الغاز الروسي. فقد وافقت أوكرانيا على رفع أسعار الغاز الروسي شريطة أن ترفع هي أيضا تسعيرة مرور الغاز الروسي نحو دول الاتحاد الأوربي. يعني هذه بتلك.
هؤلاء أحسنوا استعمال استخدام الغاز كسلاح. فقد انتظروا فترة الذروة التي يقبل فيها الأوربيون على استهلاك الغاز للتدفئة بسبب موجة البرد الشديدة التي تجتاح القارة العجوز، لكي يشهروا أسعارهم الجديدة، ويقطعوا إمدادات الغاز من أجل فرض شروطهم على المستهلكين الأوربيين.
أما الدول العربية التي تملك نصف احتياطي الغاز والبترول في العالم، إلى درجة أن مجرد التلويح بإمكانية توقيف إمدادات النفط والغاز لأوربا وأمريكا وإسرائيل من شأنه أن يزعزع أقوى البورصات العالمية، فإنهم يعترفون بعجزهم عن استخدام هذه الثروة كسلاح لمجرد إيقاف القصف على إخوانهم في غزة.
الوحيد الذي هدد هذه الأيام بإيقاف إمدادات النفط ضد دولة أوربية، كان هو العقيد معمر القذافي. لكن ليس احتجاجا على سقوط أكثر من 700 شهيد فلسطيني، ولكن بسبب عدم اعتذار سويسرا عن قيامها باعتقال ابنه حنيبعل وزوجته بعدما تورط الاثنان في تعذيب خادميهما في الفندق.
لو قرر الأمراء العرب الذين لديهم في المصارف الأمريكية حسابات مودعة بملايير الدولارات فيما يسمى بـ«الحسابات البنكية السيادية»، أن يسحبوا هذه الأموال، أو ما تبقى منها، احتجاجا على ما يحدث لإخوانهم في غزة بسبب القنابل الأمريكية الصنع، لفكر ساكن البيت الأبيض ألف مرة قبل أن يقول بأن إسرائيل من حقها أن تدافع عن نفسها ضد الإرهاب.
سيقول قائل أن «الحسابات السيادية» لهؤلاء الأمراء العرب الأثرياء في أمريكا كانت أول من تلقى الضربات الموجعة بعد انهيار البورصات والبنوك الأمريكية الكبرى. ولكي نفهم لماذا تم ضرب «الحسابات البنكية السيادية» للعرب بأمريكا، ولماذا قال وزير الخارجية السعودي بأن النفط ليس سلاحا، يجب أن نعيد قراءة مقال الثعلب الأمريكي «هنري كسنجر»، وزير الخارجية الأسبق، الذي لازالت «وصاياه» الاقتصادية والسياسية بمثابة الإنجيل الذي يطبق البيت الأبيض تعاليمه بالحرف.
كتب «كسنجر» في 19 من سبتمبر الماضي من سنة 2008 مقالا في صحيفة «الانترناشيونال هيرالد تربيون»، بالتعاون مع البروفيسور «مارتن فيلشتاين»، أستاذ الاقتصاد بجامعة «هارفارد» وأحد كبار المستشارين الاقتصاديين للرئيس «رونالد ريغان»، يحذران فيه من تكدس مليارات النفط في الخليج ومن صناديق الثروة الخليجية ويدعو الغرب لتقليص قدرة أوبك حتى لا يتحول التأثير من اقتصادي إلى سياسي. وقال أن ارتفاع أسعار النفط، أدى إلى انتقال الثروات من منطقة بالعالم إلى أخرى، حتى أن دول «أوبك» حصلت خلال 2008 فقط على ما يصل إلى تريليون دولار (ألف مليار). «كيسنجر» الذي تطبق الإدارة الأمريكية تعاليمه بالحرف سبق له أن طالب بوضع إستراتيجية أمريكية لتجويع العرب وفق مبدأ الغذاء مقابل النفط، خصوصا بعدما تجرأ العرب على استخدم النفط كسلاح في حرب أكتوبر 1973 . ومن هنا جاءت دعوة «كيسنجر» لتطوير إستراتيجية سياسية جديدة لمواجهة «الحسابات البنكية السيادية» الناجمة عن تراكم عائدات النفط خوفا من قيام منظمة «أوبك» باستعمال أرصدتها المالية الكبيرة للابتزاز السياسي والاقتصادي.
خوف ثعلب البيت الأبيض العجوز من أرصدة الأمراء والأثرياء العرب بالبنوك الأمريكية ليس فقط بسبب الخوف من استعمال هذه الثروات للابتزاز السياسي، وإنما لكون تلك الأرصدة أصبحت توظف لشراء شركات أمريكية بالكامل.
ولتجفيف هذه الثروات تفرض أمريكا على الدول البترولية، وعلى رأسها السعودية، «تبديد» ثرواتها في اقتناء أسلحة باهظة الثمن لا حاجة لها بها. وها نحن نرى كيف أن إسرائيل تحرق وتشوي أطفال غزة أمام أنظار العربية السعودية التي تملك أحدث الأساطيل الحربية وأكثر الأسلحة الأمريكية تطورا.
هكذا نفهم بشكل أحسن لماذا قال وزير الخارجية السعودي ردا على إيران، بأن النفط ليس سلاحا.
فالسعودية، ومعها الدول المصدرة للنفط المنضوية تحت لواء منظمة «أوبك» ليسوا مستعدين لتكرار تجربة 1973 عندما قطعوا النفط عن الأوربيين وأجبروهم على التحرك بالدراجات الهوائية للحاق بمقرات عملهم، فدفع العرب ثمن ذلك مضاعفا من بترولهم وسيادتهم.
ومنذ 1973 وإلى اليوم لم يستفد العرب من الدرس، ولم يستعملوا عائدات النفط لتطوير مناهج تعليمهم وتشجيع البحث العلمي وتكوين وتأهيل الموارد البشرية استعدادا للمستقبل بالعلم والمعرفة. كل ما صنعوه هو تعلم الكسل والخمول وفتح بلدانهم لليد العاملة الأجنبية الرخيصة التي استعبدوها في قصورهم وشركاتهم، بينما حولوا عائدات ثرواتهم النفطية للبنوك الأمريكية التي تبتزهم اليوم تحت ذريعة الأزمة الاقتصادية العالمية.
وفي هذا الوقت طورت إسرائيل قدراتها الحربية والعلمية وفرضت هيمنتها على العالم عبر إعلامها ولوبياتها القوية في التجارة والصناعة والسياسة. وعلى طول أرض فلسطين التي احتلتها واستوطنتها إسرائيل لا توجد مادة أخرى خام فوق أو تحت ترابها غير المادة الرمادية التي في الدماغ. وفي الوقت الذي كان العرب يقتلون هذه المادة ويجبرونها على الهجرة، كانت إسرائيل تستقطبها وتطورها وتراهن عليها من أجل الهيمنة.
لكي تفهموا أكثر لماذا تحاصر إسرائيل غزة وتجوع أهلها، ولماذا تخاف السعودية من استعمال النفط كسلاح، يجب أن تعودوا لقراءة وصايا الثعلب «هنري كسنجر». فما كتبه قبل ثلاثين سنة هو بالحرف ما تطبقه الإدارة الأمريكية ومعها إسرائيل.
هؤلاء يسيرون وفق مخطط محكم تتحالف فيه الصليبية التي رفع لواءها بوش يوم احتلاله للعراق مع إسرائيل ضد العرب والمسلمين. وعلى الذين يغمضون أعينهم اليوم عما يقع في غزة أن يعرفوا أن ذلك الخراب والشواء الآدمي يمكن أن يصل إلى أعتاب بيوتهم ذات يوم إذا ما استمروا في دفن رؤوسهم في الرمال مثل النعام.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رشيد نيني: الحل النهائي للقضية
كل ما يحدث في غزة اليوم يدل على أن إسرائيل قررت تطبيق سياسة الإبادة
الجماعية نفسها التي تعرض لها اليهود على يد النازية الألمانية. في سنة
1942 قررت النازية الألمانية تطبيق خطة أطلقت عليها «الحل النهائي» خلال
مؤتمر في منطقة «وانسي» بالقرب من برلين. فقد انتهت إلى أن أحسن حل للتخلص
من اليهود الذين كان يقدر عددهم آنذاك بتسعة ملايين يهودي يوجدون تحت قبضة
النازية، هو إبادتهم عن آخرهم. كل شيء يفيد بأن القرار تم اتخاذه في تل
أبيب بمباركة من الجيران العرب للتخلص من غزة وسكانها بإحراقهم أحياء.
خذوا مثلا تسمية العملية العسكرية الإسرائيلية، والتي أطلقوا عليها
عملية «الرصاص المصهور». ستجدون أنها تشبه كثيرا تسمية «ليلة الكريستال»
التي وضعتها النازية كبرنامج لعزل يهود أوربا ومحاصرتهم في مراكز اعتقال
جماعية تمهيدا لقتلهم. غزة اليوم مركز اعتقال مفتوح على السماء، حيث يوجد
حوالي مليون ونصف مليون فلسطيني حكمت عليهم النازية الإسرائيلية بالفناء،
وطبقت عليهم «الحل النهائي» الذي يقضي بإبادتهم جماعيا. وبالسرعة التي
تسير بها جرائم الإبادة الجماعية يبدو أنهم سيقضون على سكان غزة في وقت
أقل بكثير من الوقت الذي تطلبه القضاء على مئات الآلاف من اليهود في أفران
«أوشفيتز» و«بيلزيك» و«سوبيبور» وغيرها من مراكز الاعتقال. فالمحرقة
مستمرة حتى النهاية، وقد قالها وزير الدفاع الإسرائيلي بالواضح، فالجيش
النازي سيبقى في غزة ما يكفي من الوقت لإنجاز «المهمة». ولتسريع هذه
«المهمة» في أقرب الآجال طالب «ليبرمان» زعيم حزب ساش المتطرف الحكومة
الإسرائيلية بإلقاء قنبلة نووية على القطاع، هكذا تنتهي إسرائيل إلى الأبد
من وجع الدماغ هذا المسمى غزة.
في معتقل «أوشفيتز» النازي كان الألمان يبيدون اليهود بإحراقهم في
أفران الغاز، وفي غزة يلقي الجيش الإسرائيلي النازي القنابل الفسفورية
الحارقة التي تسلخ جلود الأطفال والنساء، تلك القنابل الجبانة التي قال
عنها «برنار كوشنير» وزير الخارجية الفرنسي في برنامج «كلمات متقاطعة» على
القناة الفرنسية الثانية قبل أيام أنها غير ممنوعة في الحروب. تصوروا،
مؤسس منظمة «أطباء بلا حدود» يقول بأن القنابل الفسفورية ضد المدنيين غير
محرمة دوليا.
عندما كانت ألمانيا تجمع اليهود من أوربا وترسلهم إلى مراكز
الاعتقال، كانت هناك حكومات أوربية، منها حكومة فيشي بفرنسا، تتعاون مع
حكومة هتلر وتشحن يهودها في القطارات مثل البضائع وترسلهم إلى محارق هتلر
وغرفه الغازية. اليوم من يتواطأ ضد الفلسطينيين هم الحكام العرب، وعلى
رأسهم حكام مصر الذين يغلقون معبر رفح، ويمنعون إمداد إخوانهم بالسلاح
للدفاع عن أنفسهم. كل ما هو مسموح له بدخول غزة هو الإعانات الغذائية.
وهذا يذكر بالزيارات التي كان يقوم بها الصليب الأحمر لمراكز الاعتقال
النازية، محملا بالشكولاته والبيسكوي للمعتقلين الذين كانوا ينتظرون دورهم
لدخول أفران الغاز.
خلال تصفية اليهود على أيدي النازيين كان الجلادون يتفننون في
التمثيل بالجثث، ويركلون الأموات ويعبثون بالجماجم ويلتقطون الصور مع
الأشلاء. في غزة اليوم يقوم الجيش الإسرائيلي بقصف المقابر ونشر أشلاء
الشهداء فوق الأرض لكي تأكلها الكلاب الضالة. وكأن قتل الفلسطيني مرة
واحدة لا يكفي الإسرائيلي ليشفي غله في عدوه التاريخي، بل يجب قتله أكثر
من مرة.
لهذا كله فالذين لازالوا يعتقدون أن ما تقوم به إسرائيل في غزة اليوم
هو رد فعل طبيعي على استهداف القرى والمدن الإسرائيلية بقذائف حماس
تقليدية الصنع، عليهم أن يصحوا من أوهامهم. فالمستهدف من هذه المحرقة هم
مليون ونصف مليون فلسطيني تريد إسرائيل إحراقهم في فرن مفتوح على السماء.
إن قرار الشروع في تنفيذ «الحل النهائي» في غزة لم يكن وليد
الأسابيع أو الأشهر الأخيرة، أو جاء بسبب خرق الهدنة من طرف حماس كما تروج
الآنسة «تزيبي ليفني» ومعها جوقة عباس وحوارييه، ولكن هذا القرار كان
مبرمجا منذ سنوات.
إسرائيل لم توفر وحشيتها للقضاء على حركة فتح وحركات المقاومة
اليسارية في وقت لم تكن فيه حركة حماس موجودة. ومذابحها معروفة منذ دير
ياسين إلى جنين. أما خرافة خرق حماس للهدنة، فلم تعد تنطلي سوى على بعض
ضيوف البرامج الحوارية التلفزيونية الفرنسية التي ينشطها سفير إسرائيل في
باريس هذه الأيام. فالجميع يعرف أن إسرائيل هي التي خرقت الهدنة مع حماس،
لأنها لم تلتزم برفع الحصار عن غزة كما وعدت، ولم تلتزم بعدم القيام
باعتداءات عسكرية كما وعدت، ولم تلتزم بفتح المعابر مع مصر كما وعدت.
ولكي يفهم العالم بأسره أن القضية اليوم ليست قضية حماس أو فتح،
وإنما قضية فلسطين. على الأوربيين، والفرنسيين على الخصوص لكي يفهموا عمق
المشكلة أن يتصوروا أن الوضع كالتالي، سيأتي مثلا إلى باريس قوم غرباء
وسيطلبون من سكانها أن يتركوا لهم بيوتهم وأراضيهم وأن يذهبوا لكي يسكنوا
في الخيام، بحجة أن أجدادهم القدامى عاشوا في هذه الأراضي قبل آلاف
السنين، ولأن الله طلب منهم في كتابهم المقدس أن يفعلوا ذلك. هكذا سيأخذ
الغرباء باريس، وبعدها سيجتاحون الضاحية والمدن المجاورة. ولكي يطبقوا
تعاليم دينهم بالحرف سيشرعون في بناء سور عازل يقطعون به كل الطرق ويعزلون
داخله أنفسهم. أما الفرنسيون أصحاب الأرض فسيصبح لديهم مخيم، وسينعتهم
المحتلون باللصوص والإرهابيين. وعندما سيقتل المحتلون المدنيين من سكان
المخيم سيسمي المنتظم الدولي ذلك بالدفاع الشرعي عن النفس. عندما سيختطف
المحتلون أبناء المخيم بالآلاف لن يكون هناك من يعاتبهم، فقط عليهم أن
يشهروا يافطة الإرهاب، أما عندما يختطف أصحاب المخيم جنديا واحدا من جيش
الاحتلال فإن ذلك يسمى إرهابا.
وفي وسائل الإعلام الموالية للمحتلين، عندما يتم ذكر المقاومة يجب
دائما ربطها بسوريا وإيران، أما عندما يتم ذكر المحتل فيجب تجنب ما أمكن
ربطه بالدعم الأمريكي والأوربي، حتى لا يظهر للرأي العام الاختلال الكبير
في موازين القوى بين الجانبين.
وعندما سيطلق المقاومون صواريخهم نحو الأراضي التي احتلها العدو،
ستقوم حكومات العالم الغربي، وقادة العالم العربي وصحافيو الطابور الخامس،
بإدانة ذلك، لأنه يستهدف المدنيين. وكأن هؤلاء المدنيين ليسوا محتلين
اغتصبوا أراضي ليست لهم ومساكن كانت لغيرهم. هل رأيتم الآن كيف تحولت
الأمور في غزة من دفاع عن الأرض المغتصبة ومقاومة لاسترجاعها إلى اعتداء
وإرهاب ضد المغتصب وتهديد أمنه وحياته. وكأن هؤلاء كانوا ينتظرون من
الفلسطيني الذين سلبت أرضه وبيته وحقوله أن يلقي على المغتصبين مكان
القذائف الورود والأرز ليهنئهم على صنيعهم.
المؤسف فيما تقوم به إسرائيل، ويباركه تسعون بالمائة من يهود فرنسا
كما صرح بذلك رئيس الطائفة اليهودية بباريس، هو أن الأوربيين الذين نكلوا
ببني إسرائيل وشردوهم وأغمضوا عيونهم عن محارق النازية، هم اليوم حلفاء
وأصدقاء إسرائيل الغارقون في عقدة الذنب اتجاهها. أما العرب الذين آووا
اليهود عبر التاريخ وحموهم وتقاسموا معهم تجارتهم وأفراحهم وتقاليدهم، فهم
من تسومهم حكومتهم اليوم سوء العذاب، فيذبح جيشها أبناءهم ويحرق نساءهم
ويدمر مساكنهم.
كم هو مفيد الرجوع بين وقت وآخر إلى الماضي لفهم الحاضر بشكل أحسن.
طبعا بالنسبة للذين يريدون أن يفهموا، أما الذين لا يبحثون سوى عن تبرير
ما تقترفه إسرائيل بالدفاع الشرعي عن نفسها ضد حركة حماس «الإرهابية»،
فهؤلاء موقفهم يشبه كثيرا موقف المثقفين والصحافيين الذين أغلقوا أعينهم
عندما كانت تمر من أمامهم عربات القطارات التي كانت تحمل آلاف اليهود نحو
المحرقة النازية.
فهل سينتظر هؤلاء حتى تحترق غزة بكاملها لكي يفهموا أن القضية ليست
حماس أو فتح، وإنما القضية قضية شعب فلسطين ودولته الحرة وعاصمتها القدس
الشريف. هذه هي القضية، وهذا هو المطلب الذي يبرر كل أشكال المقاومة من
أجل تحقيقه. وما ذلك بعزيز، ويكفي فقط متابعة الصمود البطولي والأسطوري
للمقاومة لعشرين يوما في وجه واحد من أقوى جيوش العالم تسلحا وهمجية .
أما الباقي فكله تفاصيل.
الجماعية نفسها التي تعرض لها اليهود على يد النازية الألمانية. في سنة
1942 قررت النازية الألمانية تطبيق خطة أطلقت عليها «الحل النهائي» خلال
مؤتمر في منطقة «وانسي» بالقرب من برلين. فقد انتهت إلى أن أحسن حل للتخلص
من اليهود الذين كان يقدر عددهم آنذاك بتسعة ملايين يهودي يوجدون تحت قبضة
النازية، هو إبادتهم عن آخرهم. كل شيء يفيد بأن القرار تم اتخاذه في تل
أبيب بمباركة من الجيران العرب للتخلص من غزة وسكانها بإحراقهم أحياء.
خذوا مثلا تسمية العملية العسكرية الإسرائيلية، والتي أطلقوا عليها
عملية «الرصاص المصهور». ستجدون أنها تشبه كثيرا تسمية «ليلة الكريستال»
التي وضعتها النازية كبرنامج لعزل يهود أوربا ومحاصرتهم في مراكز اعتقال
جماعية تمهيدا لقتلهم. غزة اليوم مركز اعتقال مفتوح على السماء، حيث يوجد
حوالي مليون ونصف مليون فلسطيني حكمت عليهم النازية الإسرائيلية بالفناء،
وطبقت عليهم «الحل النهائي» الذي يقضي بإبادتهم جماعيا. وبالسرعة التي
تسير بها جرائم الإبادة الجماعية يبدو أنهم سيقضون على سكان غزة في وقت
أقل بكثير من الوقت الذي تطلبه القضاء على مئات الآلاف من اليهود في أفران
«أوشفيتز» و«بيلزيك» و«سوبيبور» وغيرها من مراكز الاعتقال. فالمحرقة
مستمرة حتى النهاية، وقد قالها وزير الدفاع الإسرائيلي بالواضح، فالجيش
النازي سيبقى في غزة ما يكفي من الوقت لإنجاز «المهمة». ولتسريع هذه
«المهمة» في أقرب الآجال طالب «ليبرمان» زعيم حزب ساش المتطرف الحكومة
الإسرائيلية بإلقاء قنبلة نووية على القطاع، هكذا تنتهي إسرائيل إلى الأبد
من وجع الدماغ هذا المسمى غزة.
في معتقل «أوشفيتز» النازي كان الألمان يبيدون اليهود بإحراقهم في
أفران الغاز، وفي غزة يلقي الجيش الإسرائيلي النازي القنابل الفسفورية
الحارقة التي تسلخ جلود الأطفال والنساء، تلك القنابل الجبانة التي قال
عنها «برنار كوشنير» وزير الخارجية الفرنسي في برنامج «كلمات متقاطعة» على
القناة الفرنسية الثانية قبل أيام أنها غير ممنوعة في الحروب. تصوروا،
مؤسس منظمة «أطباء بلا حدود» يقول بأن القنابل الفسفورية ضد المدنيين غير
محرمة دوليا.
عندما كانت ألمانيا تجمع اليهود من أوربا وترسلهم إلى مراكز
الاعتقال، كانت هناك حكومات أوربية، منها حكومة فيشي بفرنسا، تتعاون مع
حكومة هتلر وتشحن يهودها في القطارات مثل البضائع وترسلهم إلى محارق هتلر
وغرفه الغازية. اليوم من يتواطأ ضد الفلسطينيين هم الحكام العرب، وعلى
رأسهم حكام مصر الذين يغلقون معبر رفح، ويمنعون إمداد إخوانهم بالسلاح
للدفاع عن أنفسهم. كل ما هو مسموح له بدخول غزة هو الإعانات الغذائية.
وهذا يذكر بالزيارات التي كان يقوم بها الصليب الأحمر لمراكز الاعتقال
النازية، محملا بالشكولاته والبيسكوي للمعتقلين الذين كانوا ينتظرون دورهم
لدخول أفران الغاز.
خلال تصفية اليهود على أيدي النازيين كان الجلادون يتفننون في
التمثيل بالجثث، ويركلون الأموات ويعبثون بالجماجم ويلتقطون الصور مع
الأشلاء. في غزة اليوم يقوم الجيش الإسرائيلي بقصف المقابر ونشر أشلاء
الشهداء فوق الأرض لكي تأكلها الكلاب الضالة. وكأن قتل الفلسطيني مرة
واحدة لا يكفي الإسرائيلي ليشفي غله في عدوه التاريخي، بل يجب قتله أكثر
من مرة.
لهذا كله فالذين لازالوا يعتقدون أن ما تقوم به إسرائيل في غزة اليوم
هو رد فعل طبيعي على استهداف القرى والمدن الإسرائيلية بقذائف حماس
تقليدية الصنع، عليهم أن يصحوا من أوهامهم. فالمستهدف من هذه المحرقة هم
مليون ونصف مليون فلسطيني تريد إسرائيل إحراقهم في فرن مفتوح على السماء.
إن قرار الشروع في تنفيذ «الحل النهائي» في غزة لم يكن وليد
الأسابيع أو الأشهر الأخيرة، أو جاء بسبب خرق الهدنة من طرف حماس كما تروج
الآنسة «تزيبي ليفني» ومعها جوقة عباس وحوارييه، ولكن هذا القرار كان
مبرمجا منذ سنوات.
إسرائيل لم توفر وحشيتها للقضاء على حركة فتح وحركات المقاومة
اليسارية في وقت لم تكن فيه حركة حماس موجودة. ومذابحها معروفة منذ دير
ياسين إلى جنين. أما خرافة خرق حماس للهدنة، فلم تعد تنطلي سوى على بعض
ضيوف البرامج الحوارية التلفزيونية الفرنسية التي ينشطها سفير إسرائيل في
باريس هذه الأيام. فالجميع يعرف أن إسرائيل هي التي خرقت الهدنة مع حماس،
لأنها لم تلتزم برفع الحصار عن غزة كما وعدت، ولم تلتزم بعدم القيام
باعتداءات عسكرية كما وعدت، ولم تلتزم بفتح المعابر مع مصر كما وعدت.
ولكي يفهم العالم بأسره أن القضية اليوم ليست قضية حماس أو فتح،
وإنما قضية فلسطين. على الأوربيين، والفرنسيين على الخصوص لكي يفهموا عمق
المشكلة أن يتصوروا أن الوضع كالتالي، سيأتي مثلا إلى باريس قوم غرباء
وسيطلبون من سكانها أن يتركوا لهم بيوتهم وأراضيهم وأن يذهبوا لكي يسكنوا
في الخيام، بحجة أن أجدادهم القدامى عاشوا في هذه الأراضي قبل آلاف
السنين، ولأن الله طلب منهم في كتابهم المقدس أن يفعلوا ذلك. هكذا سيأخذ
الغرباء باريس، وبعدها سيجتاحون الضاحية والمدن المجاورة. ولكي يطبقوا
تعاليم دينهم بالحرف سيشرعون في بناء سور عازل يقطعون به كل الطرق ويعزلون
داخله أنفسهم. أما الفرنسيون أصحاب الأرض فسيصبح لديهم مخيم، وسينعتهم
المحتلون باللصوص والإرهابيين. وعندما سيقتل المحتلون المدنيين من سكان
المخيم سيسمي المنتظم الدولي ذلك بالدفاع الشرعي عن النفس. عندما سيختطف
المحتلون أبناء المخيم بالآلاف لن يكون هناك من يعاتبهم، فقط عليهم أن
يشهروا يافطة الإرهاب، أما عندما يختطف أصحاب المخيم جنديا واحدا من جيش
الاحتلال فإن ذلك يسمى إرهابا.
وفي وسائل الإعلام الموالية للمحتلين، عندما يتم ذكر المقاومة يجب
دائما ربطها بسوريا وإيران، أما عندما يتم ذكر المحتل فيجب تجنب ما أمكن
ربطه بالدعم الأمريكي والأوربي، حتى لا يظهر للرأي العام الاختلال الكبير
في موازين القوى بين الجانبين.
وعندما سيطلق المقاومون صواريخهم نحو الأراضي التي احتلها العدو،
ستقوم حكومات العالم الغربي، وقادة العالم العربي وصحافيو الطابور الخامس،
بإدانة ذلك، لأنه يستهدف المدنيين. وكأن هؤلاء المدنيين ليسوا محتلين
اغتصبوا أراضي ليست لهم ومساكن كانت لغيرهم. هل رأيتم الآن كيف تحولت
الأمور في غزة من دفاع عن الأرض المغتصبة ومقاومة لاسترجاعها إلى اعتداء
وإرهاب ضد المغتصب وتهديد أمنه وحياته. وكأن هؤلاء كانوا ينتظرون من
الفلسطيني الذين سلبت أرضه وبيته وحقوله أن يلقي على المغتصبين مكان
القذائف الورود والأرز ليهنئهم على صنيعهم.
المؤسف فيما تقوم به إسرائيل، ويباركه تسعون بالمائة من يهود فرنسا
كما صرح بذلك رئيس الطائفة اليهودية بباريس، هو أن الأوربيين الذين نكلوا
ببني إسرائيل وشردوهم وأغمضوا عيونهم عن محارق النازية، هم اليوم حلفاء
وأصدقاء إسرائيل الغارقون في عقدة الذنب اتجاهها. أما العرب الذين آووا
اليهود عبر التاريخ وحموهم وتقاسموا معهم تجارتهم وأفراحهم وتقاليدهم، فهم
من تسومهم حكومتهم اليوم سوء العذاب، فيذبح جيشها أبناءهم ويحرق نساءهم
ويدمر مساكنهم.
كم هو مفيد الرجوع بين وقت وآخر إلى الماضي لفهم الحاضر بشكل أحسن.
طبعا بالنسبة للذين يريدون أن يفهموا، أما الذين لا يبحثون سوى عن تبرير
ما تقترفه إسرائيل بالدفاع الشرعي عن نفسها ضد حركة حماس «الإرهابية»،
فهؤلاء موقفهم يشبه كثيرا موقف المثقفين والصحافيين الذين أغلقوا أعينهم
عندما كانت تمر من أمامهم عربات القطارات التي كانت تحمل آلاف اليهود نحو
المحرقة النازية.
فهل سينتظر هؤلاء حتى تحترق غزة بكاملها لكي يفهموا أن القضية ليست
حماس أو فتح، وإنما القضية قضية شعب فلسطين ودولته الحرة وعاصمتها القدس
الشريف. هذه هي القضية، وهذا هو المطلب الذي يبرر كل أشكال المقاومة من
أجل تحقيقه. وما ذلك بعزيز، ويكفي فقط متابعة الصمود البطولي والأسطوري
للمقاومة لعشرين يوما في وجه واحد من أقوى جيوش العالم تسلحا وهمجية .
أما الباقي فكله تفاصيل.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
قمة الانحدار/ رشيد نيني
اليوم أكثر من أي وقت مضى تتحقق نبوءة الشاعر محمود درويش. فالفلسطيني اليوم وحده في المعركة.
وفي الوقت الذي تنجز فيه إسرائيل محرقتها الرهيبة، ينشغل القادة العرب بقممهم المتفرقة التي يعقدونها في أكثر من عاصمة.
المضحك في الوضع العربي الراهن أن الزعماء العرب يتحدثون عن القمم، بينما
هم جميعا في الحضيض. لذلك فالأنسب لما هم فيه من تشرذم وشقاق أن يعقدوا
منحدرا طارئا وليس قمة طارئة. فالقمم تليق بالأنظمة التي تملك القوة. وصدق
سيدنا علي رضي الله عنه عندما قال «لا رأي لمن لا قوة له». فمن يا ترى
سيستمع لرأي هذه الدول العربية خائرة القوى والتي لم تستطع أي واحدة منها
ولو طرد سفير إسرائيل من عاصمتها. لقد كان منظر أمير قطر مثيرا للاستفزاز
وهو يكاد يتصنع البكاء في «الجزيرة» بسبب انفراط عقد الحاضرين لقمته في
الدوحة، وطالب العرب بقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل مرددا
«حسبي الله ونعم الوكيل»، مع أن إسرائيل لديها في الدوحة ممثل اقتصادي
دائم لم يفكر الأمير في طرده كما فعل الرئيس الفينزويلي «هوغو تشافيز»
الذي طرد السفير الإسرائيلي وقطع هو وجاره رئيس بوليفيا «إفو موراليس»
علاقتهما مع تل أبيب.
ما جدوى القمم إذا والعرب في الحضيض. إن الأمر سيكون أشبه بقتل الميت ثم
السير في جنازته. خصوصا وأن شمعون بيريز فضح القادة العرب عندما صرح قبل
يومين بأن القادة الذين يبكون على فلسطين اليوم هم نفسهم الذين يطالبون
ممثلي إسرائيل في اللقاءات السرية بينهم بالقضاء على حركة حماس واقتلاع
جذورها من غزة.
في زيارة سابقة للولايات المتحدة الأمريكية كان للوفد الصحافي الذي
ذهبت برفقته لقاء مع الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية «غونزاليس
غالوس». وجوابا عن سؤال من زميل سوري حول موقف أمريكا من إيران وسوريا،
قال غونزاليس بلكنته اللبنانية بأن الأنظمة العربية في منطقة الشرق الأوسط
لديها قدرة كبيرة على النفاق. فهم في السر يطالبون الأمريكان بالقضاء على
إيران، وفي العلن يتصنعون اتخاذ مواقف مضادة لغزوها.
لذلك فالقمم العربية تستحق أن تحمل اسم قمم الخيانة والتواطؤ والغدر. فهي
التجسيد الأسمى للنفاق العربي الرسمي وللعقد النفسية والتاريخية لبعض
«الزعماء»، كالعقيد معمر القذافي الذي يستغل وجود كاميرات القنوات
الفضائية العالمية في تغطية القمم العربية لكي ينفث دخانه في وجوه
«الزعماء» العرب، مشيحا عنهم بوجهه، رافعا أنفه بتبرم نحو سقف القاعة.
وعندما يأخذ الكلمة يضيع في إنشاء رديء حول «إسراطين» والكتاب الأخضر
والولايات المتحدة الأفريقية وغيرها من الاختراعات القذافية المجيدة.
عندما اتخذ رئيسا فنزويلا وبوليفيا قرار مقاطعتهما لإسرائيل اقتصاديا
وسياسيا لم يكونا محتاجين لعقد قمة لاتينية طارئة لتدارس هذا القرار. كذلك
الشأن بالنسبة للعرب، فهم ليسوا بحاجة لقمة طارئة أو مؤجلة لكي يتخذوا
قرارا موحدا ضد إسرائيل، يجمعون فيه أمرهم على مقاطعتها وطرد سفرائها من
الأردن ومصر وموريتانيا، وممثليها التجاريين في الدوحة وغيرها من الدول
العربية.
إن قرارا مثل هذا لا يحتاج إلى قمم، بل إلى شجاعة ورجولة وشهامة. وهذه
الخصائص أصبحت عملة نادرة في رصيد النظام العربي الرسمي. ولذلك نزلت أسهم
هذا النظام في نظر الشعوب العربية التي أصبحت تتبرأ من تخاذل رؤسائها
وزعمائها.
فليست القمم العربية هي ما يخيف إسرائيل، فقد اجتمعت العرب في مئات
القمم ولم تخرج منها سوى ببيانات إدانة وشجب ضد إسرائيل وأمريكا، لم توقف
اجتياح أرض عربية ولم تحقن دماء مواطن فلسطيني أو لبناني. ما يخيف إسرائيل
هو أن يقاطعها العرب جميعهم ويمنعوا عنها الغاز والنفط ويغلقوا بلدانهم في
وجه سفرائها وصادراتها وسياحها.
وهذا هو السلاح الوحيد المتوفر بين أيدي القادة العرب، ماداموا عاجزين عن
مواجهة الغطرسة الإسرائيلية بالسلاح الحقيقي. ولو أن القادة العرب الذين
يتنافسون اليوم مثل أطفال المدارس على من سيستضيف القمة، ومن سيحشد فيها
ضيوفا ومشاركين أكثر من الآخر، ومن سيصرخ فيها أعلى من جاره، يقومون فقط
بإعلان قرار واضح وصريح لمقاطعة إسرائيل وطرد ممثليها وسفرائها من
عواصمهم، لكان أجدى للقضية الفلسطينية وللأمة العربية قاطبة.
إن ما يعد له القادة العرب في الدوحة والكويت والرياض ليس قمة
طارئة، وإنما هو في الواقع قمة الجبن والتخاذل. ملك السعودية يريد قمة
عنده لكي يغيظ بها أمير قطر، ويعطي لقناته «العربية» السبق الصحافي لنقل
أشغال القمة على حساب غريمتها «الجزيرة». وأمير قطر يريد قمة في الدوحة
لكي يغيظ بها ملك السعودية، فتخلف عن حضورها أغلب القادة وتحولت من قمة
إلى اجتماع بمن حضر. والكويت تريد أن تدمج الحرب على غزة ضمن مؤتمرها
المالي لكي ترفع العتب، فليس من اللائق أن يتحدث الأثرياء العرب عن ارتفاع
أسعار النفط في الوقت الذي تنزل فيه أسعار الدم الفلسطيني إلى أدنى
مستوياتها.
هذا التشرذم في الموقف العربي الرسمي لا يوازيه سوى التناسق والتناغم
في الموقف الإسرائيلي والأوربي والأمريكي. ولأول مرة في التاريخ ظل الرأي
العام الإسرائيلي الداخلي مساندا ومزكيا للمحرقة التي يقوم بها الجيش
الإسرائيلي في غزة. وظل الرؤساء الأوربيون يساوون في مطالبتهم بوقف إطلاق
النار بين الجيش الإسرائيلي النظامي الغازي وبين حركة مقاومة تطلق بضعة
صواريخ تقليدية الصنع نحو المستوطنات للضغط من أجل فك الحصار عن غزة. أما
ساكن البيت الأبيض فقد أرسل لسكان غزة ومعهم مليار ونصف مليار مسلم رسالة
واضحة عندما أعطى لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها بقنابله الأمريكية
الصنع، وعندما رأى مئات الجثث من الأطفال والنساء المحروقة بالقنابل
الفسفورية، نشر برقية عزاء لروح قطته «ويلي» التي ترك رحيلها، حسب رسالة
العزاء، أثرا بالغا في قلوب ساكني البيت الأبيض
أما أوباما، فالجرائد التي تتحدث عنه تخبرنا بأنه اختار لتصميم البيت
الأبيض نفس المهندس الذي صمم قصور «سبيلبرغ» ومشاهير هوليود. وفي الصفحة
الموالية تطالعنا الجريدة نفسها بصورة للحفرة المريعة التي عوضت بيت وزير
الداخلية في حكومة حماس المقالة، الشهيد سعيد صيام، في غزة، والتي صممها
بدقة مهندسو الحرب في إسرائيل.
فهل تكفي أشلاء الشهيد سعيد صيام لكي يقتنع الذين عابوا على قياديي
حركة حماس لجوءهم إلى دول الجوار من أجل الاحتماء هربا من طائرات العدو
الإسرائيلي. هل يكفيهم عمق وقطر الحفرة التي تركها قصف بيته لكي يقتنعوا
أن أول من يدفع فاتورة هذا الذل والتخاذل العربي هم القادة الميدانيون
لحركة حماس.
خلال برنامج الرحلة التي قادتني إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2006،
حضرت رفقة الوفد الصحافي أشغال مؤتمر عربي أمريكي في هيوستن. وفي صالة
الفندق الذي نزلنا فيه، قدم إلي زميلي الفلسطيني رجلا ضخم الجثة كان جالسا
فوق إحدى كنبات صالة الاستقبال. فتحرك الرجل بصعوبة ومد إلي يده مصافحا،
وباليد أخرى مد إلي بطاقة زيارة تحمل اسمه ومهنته. لم يكن الشخص سوى ياسر
محمود عباس، أحد أبناء محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية. وعلى بطاقة
الزيارة كان مكتوبا عمله، مدير عام لهولدينغ في كندا.
قلت في نفسي أن أبناء وزراء ورؤساء السلطة الفلسطينية يعيشون متنقلين
بين العواصم العالمية في فنادق الخمس نجوم، يديرون شركات العائلة مجهولة
الأسماء، بينما قادة المقاومة المسلحة يواجهون العدو في شوارع غزة،
ويقدمون أبناءهم فداء للمقاومة، وتقصف بيوتهم بالصواريخ وتختفي من وجه
الأرض لتعوضها الحفر العميقة.
الفرق بين من يقاوم على الأرض ومن يثرثر حول المقاومة على الهواء، هو
الفرق نفسه بين من يقاطع إسرائيل ويطرد سفراءها وبين من يفكر في أية قمة
سيحضر وأية قمة سيقاطع.
أي أن من يضع يده في النار ليس كمن يضعها في الماء. أو في النفط، لا فرق.
وفي الوقت الذي تنجز فيه إسرائيل محرقتها الرهيبة، ينشغل القادة العرب بقممهم المتفرقة التي يعقدونها في أكثر من عاصمة.
المضحك في الوضع العربي الراهن أن الزعماء العرب يتحدثون عن القمم، بينما
هم جميعا في الحضيض. لذلك فالأنسب لما هم فيه من تشرذم وشقاق أن يعقدوا
منحدرا طارئا وليس قمة طارئة. فالقمم تليق بالأنظمة التي تملك القوة. وصدق
سيدنا علي رضي الله عنه عندما قال «لا رأي لمن لا قوة له». فمن يا ترى
سيستمع لرأي هذه الدول العربية خائرة القوى والتي لم تستطع أي واحدة منها
ولو طرد سفير إسرائيل من عاصمتها. لقد كان منظر أمير قطر مثيرا للاستفزاز
وهو يكاد يتصنع البكاء في «الجزيرة» بسبب انفراط عقد الحاضرين لقمته في
الدوحة، وطالب العرب بقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل مرددا
«حسبي الله ونعم الوكيل»، مع أن إسرائيل لديها في الدوحة ممثل اقتصادي
دائم لم يفكر الأمير في طرده كما فعل الرئيس الفينزويلي «هوغو تشافيز»
الذي طرد السفير الإسرائيلي وقطع هو وجاره رئيس بوليفيا «إفو موراليس»
علاقتهما مع تل أبيب.
ما جدوى القمم إذا والعرب في الحضيض. إن الأمر سيكون أشبه بقتل الميت ثم
السير في جنازته. خصوصا وأن شمعون بيريز فضح القادة العرب عندما صرح قبل
يومين بأن القادة الذين يبكون على فلسطين اليوم هم نفسهم الذين يطالبون
ممثلي إسرائيل في اللقاءات السرية بينهم بالقضاء على حركة حماس واقتلاع
جذورها من غزة.
في زيارة سابقة للولايات المتحدة الأمريكية كان للوفد الصحافي الذي
ذهبت برفقته لقاء مع الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية «غونزاليس
غالوس». وجوابا عن سؤال من زميل سوري حول موقف أمريكا من إيران وسوريا،
قال غونزاليس بلكنته اللبنانية بأن الأنظمة العربية في منطقة الشرق الأوسط
لديها قدرة كبيرة على النفاق. فهم في السر يطالبون الأمريكان بالقضاء على
إيران، وفي العلن يتصنعون اتخاذ مواقف مضادة لغزوها.
لذلك فالقمم العربية تستحق أن تحمل اسم قمم الخيانة والتواطؤ والغدر. فهي
التجسيد الأسمى للنفاق العربي الرسمي وللعقد النفسية والتاريخية لبعض
«الزعماء»، كالعقيد معمر القذافي الذي يستغل وجود كاميرات القنوات
الفضائية العالمية في تغطية القمم العربية لكي ينفث دخانه في وجوه
«الزعماء» العرب، مشيحا عنهم بوجهه، رافعا أنفه بتبرم نحو سقف القاعة.
وعندما يأخذ الكلمة يضيع في إنشاء رديء حول «إسراطين» والكتاب الأخضر
والولايات المتحدة الأفريقية وغيرها من الاختراعات القذافية المجيدة.
عندما اتخذ رئيسا فنزويلا وبوليفيا قرار مقاطعتهما لإسرائيل اقتصاديا
وسياسيا لم يكونا محتاجين لعقد قمة لاتينية طارئة لتدارس هذا القرار. كذلك
الشأن بالنسبة للعرب، فهم ليسوا بحاجة لقمة طارئة أو مؤجلة لكي يتخذوا
قرارا موحدا ضد إسرائيل، يجمعون فيه أمرهم على مقاطعتها وطرد سفرائها من
الأردن ومصر وموريتانيا، وممثليها التجاريين في الدوحة وغيرها من الدول
العربية.
إن قرارا مثل هذا لا يحتاج إلى قمم، بل إلى شجاعة ورجولة وشهامة. وهذه
الخصائص أصبحت عملة نادرة في رصيد النظام العربي الرسمي. ولذلك نزلت أسهم
هذا النظام في نظر الشعوب العربية التي أصبحت تتبرأ من تخاذل رؤسائها
وزعمائها.
فليست القمم العربية هي ما يخيف إسرائيل، فقد اجتمعت العرب في مئات
القمم ولم تخرج منها سوى ببيانات إدانة وشجب ضد إسرائيل وأمريكا، لم توقف
اجتياح أرض عربية ولم تحقن دماء مواطن فلسطيني أو لبناني. ما يخيف إسرائيل
هو أن يقاطعها العرب جميعهم ويمنعوا عنها الغاز والنفط ويغلقوا بلدانهم في
وجه سفرائها وصادراتها وسياحها.
وهذا هو السلاح الوحيد المتوفر بين أيدي القادة العرب، ماداموا عاجزين عن
مواجهة الغطرسة الإسرائيلية بالسلاح الحقيقي. ولو أن القادة العرب الذين
يتنافسون اليوم مثل أطفال المدارس على من سيستضيف القمة، ومن سيحشد فيها
ضيوفا ومشاركين أكثر من الآخر، ومن سيصرخ فيها أعلى من جاره، يقومون فقط
بإعلان قرار واضح وصريح لمقاطعة إسرائيل وطرد ممثليها وسفرائها من
عواصمهم، لكان أجدى للقضية الفلسطينية وللأمة العربية قاطبة.
إن ما يعد له القادة العرب في الدوحة والكويت والرياض ليس قمة
طارئة، وإنما هو في الواقع قمة الجبن والتخاذل. ملك السعودية يريد قمة
عنده لكي يغيظ بها أمير قطر، ويعطي لقناته «العربية» السبق الصحافي لنقل
أشغال القمة على حساب غريمتها «الجزيرة». وأمير قطر يريد قمة في الدوحة
لكي يغيظ بها ملك السعودية، فتخلف عن حضورها أغلب القادة وتحولت من قمة
إلى اجتماع بمن حضر. والكويت تريد أن تدمج الحرب على غزة ضمن مؤتمرها
المالي لكي ترفع العتب، فليس من اللائق أن يتحدث الأثرياء العرب عن ارتفاع
أسعار النفط في الوقت الذي تنزل فيه أسعار الدم الفلسطيني إلى أدنى
مستوياتها.
هذا التشرذم في الموقف العربي الرسمي لا يوازيه سوى التناسق والتناغم
في الموقف الإسرائيلي والأوربي والأمريكي. ولأول مرة في التاريخ ظل الرأي
العام الإسرائيلي الداخلي مساندا ومزكيا للمحرقة التي يقوم بها الجيش
الإسرائيلي في غزة. وظل الرؤساء الأوربيون يساوون في مطالبتهم بوقف إطلاق
النار بين الجيش الإسرائيلي النظامي الغازي وبين حركة مقاومة تطلق بضعة
صواريخ تقليدية الصنع نحو المستوطنات للضغط من أجل فك الحصار عن غزة. أما
ساكن البيت الأبيض فقد أرسل لسكان غزة ومعهم مليار ونصف مليار مسلم رسالة
واضحة عندما أعطى لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها بقنابله الأمريكية
الصنع، وعندما رأى مئات الجثث من الأطفال والنساء المحروقة بالقنابل
الفسفورية، نشر برقية عزاء لروح قطته «ويلي» التي ترك رحيلها، حسب رسالة
العزاء، أثرا بالغا في قلوب ساكني البيت الأبيض
أما أوباما، فالجرائد التي تتحدث عنه تخبرنا بأنه اختار لتصميم البيت
الأبيض نفس المهندس الذي صمم قصور «سبيلبرغ» ومشاهير هوليود. وفي الصفحة
الموالية تطالعنا الجريدة نفسها بصورة للحفرة المريعة التي عوضت بيت وزير
الداخلية في حكومة حماس المقالة، الشهيد سعيد صيام، في غزة، والتي صممها
بدقة مهندسو الحرب في إسرائيل.
فهل تكفي أشلاء الشهيد سعيد صيام لكي يقتنع الذين عابوا على قياديي
حركة حماس لجوءهم إلى دول الجوار من أجل الاحتماء هربا من طائرات العدو
الإسرائيلي. هل يكفيهم عمق وقطر الحفرة التي تركها قصف بيته لكي يقتنعوا
أن أول من يدفع فاتورة هذا الذل والتخاذل العربي هم القادة الميدانيون
لحركة حماس.
خلال برنامج الرحلة التي قادتني إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2006،
حضرت رفقة الوفد الصحافي أشغال مؤتمر عربي أمريكي في هيوستن. وفي صالة
الفندق الذي نزلنا فيه، قدم إلي زميلي الفلسطيني رجلا ضخم الجثة كان جالسا
فوق إحدى كنبات صالة الاستقبال. فتحرك الرجل بصعوبة ومد إلي يده مصافحا،
وباليد أخرى مد إلي بطاقة زيارة تحمل اسمه ومهنته. لم يكن الشخص سوى ياسر
محمود عباس، أحد أبناء محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية. وعلى بطاقة
الزيارة كان مكتوبا عمله، مدير عام لهولدينغ في كندا.
قلت في نفسي أن أبناء وزراء ورؤساء السلطة الفلسطينية يعيشون متنقلين
بين العواصم العالمية في فنادق الخمس نجوم، يديرون شركات العائلة مجهولة
الأسماء، بينما قادة المقاومة المسلحة يواجهون العدو في شوارع غزة،
ويقدمون أبناءهم فداء للمقاومة، وتقصف بيوتهم بالصواريخ وتختفي من وجه
الأرض لتعوضها الحفر العميقة.
الفرق بين من يقاوم على الأرض ومن يثرثر حول المقاومة على الهواء، هو
الفرق نفسه بين من يقاطع إسرائيل ويطرد سفراءها وبين من يفكر في أية قمة
سيحضر وأية قمة سيقاطع.
أي أن من يضع يده في النار ليس كمن يضعها في الماء. أو في النفط، لا فرق.
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رشيد نيني: سقوط الأقنعة
طيلة الأسابيع الأربعة التي عاشت غزة فيها تحت نيران المحرقة الإسرائيلية،
سقطت أقنعة كثيرة عن وجوه ظلت متنكرة وراء ملامح وقسمات خادعة ليست لها.
أخيرا عرف الفلسطيني والعربي والمسلم من معه ومن ضده. من يريد له
البقاء ومن يتمنى محوه من الخريطة. من يقف إلى جانبه ومن يطعنه من الخلف.
سقط القناع عن الوجه البشع للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، الذي كان
إلى الأمس يتم استقباله في منتدى الدوحة كحمامة سلام، للحديث عن آفاق
التعايش الفلسطيني الإسرائيلي. سقط القناع عن الحمامة الوديعة لكي تظهر
مخالب الصقر الحادة. وسقط القناع عن جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها
مناصفة مع ياسر عرفات، والذي دفع حياته ثمنا لتشبثه بالقدس عاصمة لفلسطين.
لو كان لأكاديمية جائزة نوبل قليل من المروءة، لسحبت جائزتها من مجرم
الحرب هذا الذي قتل جيشه في أقل من عشرين يوما 1200 فلسطيني، نصفهم أطفال
ونساء. إذا كان شيمون بيريز رجل سلام فلسنا ندري كيف يكون رجل الحرب إذا.
الغريب في الأمر أن الإسرائيليين الذين يحملون جوائز ومهمات أممية
مرتبطة بالسلام هم أكثر المتورطين والداعين إلى الحرب. وعلى رأسهم المغني
اليهودي الفرنسي من أصل جزائري «إنريكو ماسياس»، والذي يشتغل مع اليونسكو
سفيرا للسلام. ومع ذلك لم يجد أي حرج في تزعم مسيرة لليهود المتطرفين في
باريس أمام سفارة إسرائيل دعما للمحرقة التي يقترفها جيشها في غزة.
لو فعل هذا فنان عربي ضد مصالح إسرائيل لتبرأت منه اليونسكو إلى يوم الدين. لكن مادام سفيرها يحمل الجواز الإسرائيلي فلا بأس.
حتى موقع «غوغل» أصبح متعاطفا مع إسرائيل هذه الأيام. وكل من جرب
ترجمة جملة «je dis merde sur l etat d Israel» إلى العبرية يحصل على
ترجمة مغايرة لما طلبه. فالموقع يرفض أن يترجم هذه الشتيمة في حق دولة
إسرائيل، ويعيدها إليك كالتالي عندما تطلب ترجمتها من العبرية إلى
الفرنسية «Je n ai rien a dire sur l etat d Israel»، أي «ليس لدي أي شيء
أقوله حول دولة إسرائيل». سيقول البعض أن القائمين على موقع «غوغل»
يحترمون سيادة الدول ولا يترجمون الشتائم بحقها. لكن يبدو أنهم يحترمون
إسرائيل وفرنسا دون غيرهما من الدول. لأنك عندما تجرب كتابة نفس الجملة
بخصوص فلسطين فالموقع يكون أمينا في ترجمة الشتيمة. أما عندما يتعلق الأمر
بدولة إسرائيل وفرنسا فالموقع يردد جوابا واحدا، وهو «ليس لدي شيء أقوله
حول إسرائيل أو فرنسا». وهكذا نكتشف أن «السي غوغل» هو أيضا لديه موقف من
فلسطين.
وعلى ذكر فرنسا، سيكتشف المشاهدون الذين يتابعون برامج قناة
«فرانس2» أنها برمجت لليلة الأحد فيلم «لائحة شيندلر» الذي يروي مأساة
اليهود مع محرقة النازية. والتوقيت طبعا ليس بريئا. فالإعلام الفرنسي
العمومي كشف عن وجهه الحقيقي، ووقف إلى جانب الرواية الإسرائيلية للحرب
على غزة. وهو ببرمجة هذا الفيلم، المؤثر حقيقة بسبب الخدع السينمائية التي
وظفها «سبيلبرغ» ببراعة في مشاهده، يريد أن يعيد إلى إسرائيل شيئا من
آدميتها التي فقدتها بالكامل في المحرقة التي أوقدتها في غزة. فعوض أن يرى
الفرنسيون الدخان المتصاعد من غزة والمشبع بغازات الفسفور التي تسلخ الجلد
وتصل إلى العظم، سيشاهدون مئات السجناء اليهود في مراكز الاعتقال النازية
عراة حفاة يقفون بانتظار إدخالهم إلى الأفران في فيلم «لائحة شيندلر».
فإسرائيل التي حولت طيلة 22 يوما غزة إلى فرن كبير مفتوح على السماء
لشواء الأطفال والنساء، بحاجة إلى لعب دور الضحية أمام الرأي العام
الفرنسي. فلهذا السبب بالضبط أوجدت إسرائيل متاحف الهولوكوست وأفلام
الهولوكوست. من أجل استخدامها لتذكير الأوربيين بماضيهم الأسود اتجاه
اليهود، وابتزازهم عاطفيا وسياسيا في كل مرة تبذر فيها إسرائيل احتياطها
القليل من الإنسانية وتقف مفلسة أمام العالم مجردة من إنسانيتها وآدميتها.
إسرائيل تريد اليوم بعد كل هذا الدمار والدم والخراب، أن تظهر أمام
العالم كضحية. فقد أعلنت عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد، ومع ذلك
لازالت حماس تطلق نحوها صواريخها. هكذا تصبح إسرائيل في نظر حلفائها دولة
مظلومة، تبادر إلى وقف إطلاق النار من جانبها وعوض أن يثمن «أعداؤها»
مبادرتها هذه يردون عليها بالصواريخ.
إسرائيل تريد أن تخرج من مستنقع غزة بأقل الأوساخ الممكنة. وليست
وحدها، بل جارتها مصر أيضا يريد نظامها أن يصنع له عذرية جديدة في شرم
الشيخ، بعد أن سمح للجيش الإسرائيلي بدخول غزة وجلس يسترق السمع بالقرب من
معبر رفح لصرخاتها وهي تغتصب من طرف العدو.
وكم كان خطاب حسني مبارك مضحكا وهو يتصنع الجدية والحزم مخاطبا
إسرائيل مطالبا إياها بضرورة وقف إطلاق النار فورا. وكم كان مضحكا استجابة
أولمرت لنداء مبارك على الفور وإعلانه وقف إطلاق النار من جانب واحد. وقد
تساءل الجميع مستغربا هذه القدرة الفائقة التي كشف عنها حسني مبارك في
التأثير على الحكومة الإسرائيلية، واستغربوا أكثر لماذا لم يستعمل هذه
القدرات العجيبة منذ عشرين يوما عندما كانت مئات الضحايا تسقط يوميا على
بعد كيلومترات من مقر رئاسته.
كانت مسرحية سخيفة تلك التي مثلها حسني مبارك ووزيره أبو الغيط، لكي
ينقذا ماء وجه مصر، ولو على حساب الدم الفلسطيني. فقد انتظرا إلى حين
إنهاء الجيش الإسرائيلي مهمته القذرة في غزة، لكي يحملا معا إسرائيل
مسؤولية ما وقع. حتى يبرئا ذمتهما من دماء الشهداء الفلسطينيين. وكأنهما
لم يكونا هما من كال الشتائم والاتهامات لمنظمة حماس وصواريخها «العبثية».
وكأنهما ليسا هما من أغلق معبر رفح في وجه إخوانهم الفلسطينيين وساهما معا
في محاصرة غزة لكي تصب فوقها طائرات العدو رصاصها المصهور وقنابلها
الفسفورية.
ولعل أحد أبشع الأمثلة على سعي إسرائيل للعب دور المنقذ لمحو صورة
القاتل الجبان التي التصقت بها بسبب استهدافها للأطفال، هو ذلك الروبورتاج
الذي بثته كل القنوات الإسرائيلية والعالمية قبل أمس حول ذلك الطبيب
الفلسطيني الذي كان طيلة العدوان على غزة يعالج الفلسطينيين والإسرائيليين
في مستشفيات الجانين لإيمانه الكبير بإمكانية السلام والتعايش بين
الاثنين. فقد كان الطبيب يتحدث مباشرة مع بلاطو القناة الإسرائيلية فإذا
به يبدأ في الصراخ والعويل على الهواء، فقد وصله خبر قصف منزله من طرف
الجيش الإسرائيلي وقتل وجرح أطفاله. فأصيب المذيع الإسرائيلي بالجمود وقال
متأسفا أن أقصى ما يمكن أن يقوم به هو الاتصال بالإسعاف لإنقاذ أطفاله.
وأرسلت القناة فريقا صحافيا لتغطية عملية الإنقاذ، في الوقت الذي كان فيه
صحافي آخر يصور الطبيب الفلسطيني وهو ينهار باكيا فوق الأرض.
إسرائيل ترتكب جريمة قتل الأطفال، وفوق هذا تريد أن تظهر بمظهر
المنقذة الذي يهب لنجدة الأطفال. أي أنها تقتل الميت وتمشي في جنازته.
لقد كانت تلك القذيفة التي أصابت بيت الطبيب الفلسطيني المؤمن
بالسلام بمثابة صفعة أيقظته من أوهامه. خصوصا عندما تقدمت منه إسرائيلية
في صالة المستشفى حيث يرقد أبناؤه وعوض أن تصبره صرخت فيه قائلة «ومن قال
لنا إنك لم تكن تخفي أسلحة في بيتك».
هذه هي إسرائيل، تطلق الصواريخ على الأطفال وترسل فرق الإنقاذ
مصحوبين بالمصورين لنجدتهم. تشعل فتيل الحرب وتبادر إلى وقف إطلاق النار
من جانب واحد. وكل ذلك لكي تظهر بمظهر الضحية أمام العالم.
الزعماء العرب أيضا يريدون أن يظهروا أمام العالم بمظهر البريء الذي
ليست له يد فيما وقع. مع أن الجميع يعرف أن بعضهم يبيع ويشتري في الدم
الفلسطيني ويقايض به مصالحه وأهدافه.
إن أكبر معروف يمكن أن يصنعه العرب في القضية الفلسطينية هو أن
يبتعدوا عنها ويتركوا الفلسطينيين وجها لوجه مع العدو. فقد اتضح اليوم أن
الأقنعة سقطت، وأن محرقة غزة كانت وراءها بعض الأنظمة العربية وإسرائيل
وأمريكا. وكما يقول المثل، اللهم نجني من أصدقائي أما أعدائي فأنا أتكفل
بهم.
المصدر :المساء
سقطت أقنعة كثيرة عن وجوه ظلت متنكرة وراء ملامح وقسمات خادعة ليست لها.
أخيرا عرف الفلسطيني والعربي والمسلم من معه ومن ضده. من يريد له
البقاء ومن يتمنى محوه من الخريطة. من يقف إلى جانبه ومن يطعنه من الخلف.
سقط القناع عن الوجه البشع للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، الذي كان
إلى الأمس يتم استقباله في منتدى الدوحة كحمامة سلام، للحديث عن آفاق
التعايش الفلسطيني الإسرائيلي. سقط القناع عن الحمامة الوديعة لكي تظهر
مخالب الصقر الحادة. وسقط القناع عن جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها
مناصفة مع ياسر عرفات، والذي دفع حياته ثمنا لتشبثه بالقدس عاصمة لفلسطين.
لو كان لأكاديمية جائزة نوبل قليل من المروءة، لسحبت جائزتها من مجرم
الحرب هذا الذي قتل جيشه في أقل من عشرين يوما 1200 فلسطيني، نصفهم أطفال
ونساء. إذا كان شيمون بيريز رجل سلام فلسنا ندري كيف يكون رجل الحرب إذا.
الغريب في الأمر أن الإسرائيليين الذين يحملون جوائز ومهمات أممية
مرتبطة بالسلام هم أكثر المتورطين والداعين إلى الحرب. وعلى رأسهم المغني
اليهودي الفرنسي من أصل جزائري «إنريكو ماسياس»، والذي يشتغل مع اليونسكو
سفيرا للسلام. ومع ذلك لم يجد أي حرج في تزعم مسيرة لليهود المتطرفين في
باريس أمام سفارة إسرائيل دعما للمحرقة التي يقترفها جيشها في غزة.
لو فعل هذا فنان عربي ضد مصالح إسرائيل لتبرأت منه اليونسكو إلى يوم الدين. لكن مادام سفيرها يحمل الجواز الإسرائيلي فلا بأس.
حتى موقع «غوغل» أصبح متعاطفا مع إسرائيل هذه الأيام. وكل من جرب
ترجمة جملة «je dis merde sur l etat d Israel» إلى العبرية يحصل على
ترجمة مغايرة لما طلبه. فالموقع يرفض أن يترجم هذه الشتيمة في حق دولة
إسرائيل، ويعيدها إليك كالتالي عندما تطلب ترجمتها من العبرية إلى
الفرنسية «Je n ai rien a dire sur l etat d Israel»، أي «ليس لدي أي شيء
أقوله حول دولة إسرائيل». سيقول البعض أن القائمين على موقع «غوغل»
يحترمون سيادة الدول ولا يترجمون الشتائم بحقها. لكن يبدو أنهم يحترمون
إسرائيل وفرنسا دون غيرهما من الدول. لأنك عندما تجرب كتابة نفس الجملة
بخصوص فلسطين فالموقع يكون أمينا في ترجمة الشتيمة. أما عندما يتعلق الأمر
بدولة إسرائيل وفرنسا فالموقع يردد جوابا واحدا، وهو «ليس لدي شيء أقوله
حول إسرائيل أو فرنسا». وهكذا نكتشف أن «السي غوغل» هو أيضا لديه موقف من
فلسطين.
وعلى ذكر فرنسا، سيكتشف المشاهدون الذين يتابعون برامج قناة
«فرانس2» أنها برمجت لليلة الأحد فيلم «لائحة شيندلر» الذي يروي مأساة
اليهود مع محرقة النازية. والتوقيت طبعا ليس بريئا. فالإعلام الفرنسي
العمومي كشف عن وجهه الحقيقي، ووقف إلى جانب الرواية الإسرائيلية للحرب
على غزة. وهو ببرمجة هذا الفيلم، المؤثر حقيقة بسبب الخدع السينمائية التي
وظفها «سبيلبرغ» ببراعة في مشاهده، يريد أن يعيد إلى إسرائيل شيئا من
آدميتها التي فقدتها بالكامل في المحرقة التي أوقدتها في غزة. فعوض أن يرى
الفرنسيون الدخان المتصاعد من غزة والمشبع بغازات الفسفور التي تسلخ الجلد
وتصل إلى العظم، سيشاهدون مئات السجناء اليهود في مراكز الاعتقال النازية
عراة حفاة يقفون بانتظار إدخالهم إلى الأفران في فيلم «لائحة شيندلر».
فإسرائيل التي حولت طيلة 22 يوما غزة إلى فرن كبير مفتوح على السماء
لشواء الأطفال والنساء، بحاجة إلى لعب دور الضحية أمام الرأي العام
الفرنسي. فلهذا السبب بالضبط أوجدت إسرائيل متاحف الهولوكوست وأفلام
الهولوكوست. من أجل استخدامها لتذكير الأوربيين بماضيهم الأسود اتجاه
اليهود، وابتزازهم عاطفيا وسياسيا في كل مرة تبذر فيها إسرائيل احتياطها
القليل من الإنسانية وتقف مفلسة أمام العالم مجردة من إنسانيتها وآدميتها.
إسرائيل تريد اليوم بعد كل هذا الدمار والدم والخراب، أن تظهر أمام
العالم كضحية. فقد أعلنت عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد، ومع ذلك
لازالت حماس تطلق نحوها صواريخها. هكذا تصبح إسرائيل في نظر حلفائها دولة
مظلومة، تبادر إلى وقف إطلاق النار من جانبها وعوض أن يثمن «أعداؤها»
مبادرتها هذه يردون عليها بالصواريخ.
إسرائيل تريد أن تخرج من مستنقع غزة بأقل الأوساخ الممكنة. وليست
وحدها، بل جارتها مصر أيضا يريد نظامها أن يصنع له عذرية جديدة في شرم
الشيخ، بعد أن سمح للجيش الإسرائيلي بدخول غزة وجلس يسترق السمع بالقرب من
معبر رفح لصرخاتها وهي تغتصب من طرف العدو.
وكم كان خطاب حسني مبارك مضحكا وهو يتصنع الجدية والحزم مخاطبا
إسرائيل مطالبا إياها بضرورة وقف إطلاق النار فورا. وكم كان مضحكا استجابة
أولمرت لنداء مبارك على الفور وإعلانه وقف إطلاق النار من جانب واحد. وقد
تساءل الجميع مستغربا هذه القدرة الفائقة التي كشف عنها حسني مبارك في
التأثير على الحكومة الإسرائيلية، واستغربوا أكثر لماذا لم يستعمل هذه
القدرات العجيبة منذ عشرين يوما عندما كانت مئات الضحايا تسقط يوميا على
بعد كيلومترات من مقر رئاسته.
كانت مسرحية سخيفة تلك التي مثلها حسني مبارك ووزيره أبو الغيط، لكي
ينقذا ماء وجه مصر، ولو على حساب الدم الفلسطيني. فقد انتظرا إلى حين
إنهاء الجيش الإسرائيلي مهمته القذرة في غزة، لكي يحملا معا إسرائيل
مسؤولية ما وقع. حتى يبرئا ذمتهما من دماء الشهداء الفلسطينيين. وكأنهما
لم يكونا هما من كال الشتائم والاتهامات لمنظمة حماس وصواريخها «العبثية».
وكأنهما ليسا هما من أغلق معبر رفح في وجه إخوانهم الفلسطينيين وساهما معا
في محاصرة غزة لكي تصب فوقها طائرات العدو رصاصها المصهور وقنابلها
الفسفورية.
ولعل أحد أبشع الأمثلة على سعي إسرائيل للعب دور المنقذ لمحو صورة
القاتل الجبان التي التصقت بها بسبب استهدافها للأطفال، هو ذلك الروبورتاج
الذي بثته كل القنوات الإسرائيلية والعالمية قبل أمس حول ذلك الطبيب
الفلسطيني الذي كان طيلة العدوان على غزة يعالج الفلسطينيين والإسرائيليين
في مستشفيات الجانين لإيمانه الكبير بإمكانية السلام والتعايش بين
الاثنين. فقد كان الطبيب يتحدث مباشرة مع بلاطو القناة الإسرائيلية فإذا
به يبدأ في الصراخ والعويل على الهواء، فقد وصله خبر قصف منزله من طرف
الجيش الإسرائيلي وقتل وجرح أطفاله. فأصيب المذيع الإسرائيلي بالجمود وقال
متأسفا أن أقصى ما يمكن أن يقوم به هو الاتصال بالإسعاف لإنقاذ أطفاله.
وأرسلت القناة فريقا صحافيا لتغطية عملية الإنقاذ، في الوقت الذي كان فيه
صحافي آخر يصور الطبيب الفلسطيني وهو ينهار باكيا فوق الأرض.
إسرائيل ترتكب جريمة قتل الأطفال، وفوق هذا تريد أن تظهر بمظهر
المنقذة الذي يهب لنجدة الأطفال. أي أنها تقتل الميت وتمشي في جنازته.
لقد كانت تلك القذيفة التي أصابت بيت الطبيب الفلسطيني المؤمن
بالسلام بمثابة صفعة أيقظته من أوهامه. خصوصا عندما تقدمت منه إسرائيلية
في صالة المستشفى حيث يرقد أبناؤه وعوض أن تصبره صرخت فيه قائلة «ومن قال
لنا إنك لم تكن تخفي أسلحة في بيتك».
هذه هي إسرائيل، تطلق الصواريخ على الأطفال وترسل فرق الإنقاذ
مصحوبين بالمصورين لنجدتهم. تشعل فتيل الحرب وتبادر إلى وقف إطلاق النار
من جانب واحد. وكل ذلك لكي تظهر بمظهر الضحية أمام العالم.
الزعماء العرب أيضا يريدون أن يظهروا أمام العالم بمظهر البريء الذي
ليست له يد فيما وقع. مع أن الجميع يعرف أن بعضهم يبيع ويشتري في الدم
الفلسطيني ويقايض به مصالحه وأهدافه.
إن أكبر معروف يمكن أن يصنعه العرب في القضية الفلسطينية هو أن
يبتعدوا عنها ويتركوا الفلسطينيين وجها لوجه مع العدو. فقد اتضح اليوم أن
الأقنعة سقطت، وأن محرقة غزة كانت وراءها بعض الأنظمة العربية وإسرائيل
وأمريكا. وكما يقول المثل، اللهم نجني من أصدقائي أما أعدائي فأنا أتكفل
بهم.
المصدر :المساء
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
افتحوا عيونكم: رشيد نيني
استغرب بيان المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إيداع ضحايا ليلى بن الصديق
الذين صدمتهم بسيارة «الجاغوار»، قسم أمراض العيون بالمستشفى الذي يرقدون
به في القنيطرة عوض قسم العظام والمفاصل.
شخصيا لم أستغرب هذا الأمر. فالمكان الطبيعي الذي يجب أن يودع فيه
هؤلاء الضحايا هو قسم أمراض العيون بالضبط. والسبب هو أنهم يعانون من ضعف
البصر، لأنهم لو كانوا يتمتعون بنظر «سديد» لما وقفوا في طريق سيارة
«الجاغوار» عندما عرفوا أن سائقتها هي ليلى بن الصديق ابنة النقابي العتيد
المحجوب بن الصديق. ففي المغرب من يقف في طريق أبناء الزعماء من هذا
العيار يعطي الدليل الكافي على أنه يعاني من ضعف النظر ولا يرى الأمور كما
يجب أن يراها. والنتيجة أنه ينتهي بعظام ومفاصل مفككة في قسم أمراض العيون
بالمستشفى لإصلاح بصره، حتى يتبين مستقبلا أين يضع خطواته وفي وجه من يقف.
وأعتقد أن «الباطرون» الذي داس قبل أمس عماله في أكادير بسيارته، سيأخذ
ضحاياه هو أيضا إلى قسم العيون بالمستشفى العمومي بأكادير، حتى يجروا لهم
عملية جراحية على عيونهم لكي يتبينوا في المستقبل سيارة مشغلهم وهي قادمة
من «الدخلة ديال أكادير» فيفرقوا الصفوف ويعودوا إلى عملهم راضين مرضيين،
قبل أن تدوسهم عجلاتها.
لذلك فالمكان الأنسب لكل ضحايا سيارات أبناء «الفشوش»، سواء كانوا
نقابيين أو وزراء أو ولاة، هو جناح أمراض العيون. «باش يتحلو ليهم العينين
مزيان». وربما لذلك يسأل أبناء «الفشوش» كل من يحتكون معه في الشارع ذلك
السؤال المغربي «واش ماعرفتيش راسك مع من كتهضر». فهم يريدون أن يتأكدوا
أولا من سلامة الرؤية عند مخاطبهم قبل أن «يدوزو» فيه بالجاغوار.
وأعتقد أن الجهة التي يجب أن تتابع قضائيا أبناء «الفشوش» هؤلاء
ليست هي الجمعية المغربية أو المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وإنما شركة
«جاغوار». لأن هؤلاء «الكاسكادورات» حولوا هذه السيارة الراقية من وسيلة
للنقل إلى آلة لطحن عظام المستضعفين من مستخدمي الحراسة. وما صنعته ليلى
بن الصديق بسيارتها ضد مستخدميها في القنيطرة ليس سوى امتداد لما صنعه أحد
أبناء «الفشوش» في الصخيرات عندما داس الصيف الماضي مستخدمي حراسة في فندق
«أونفرتيرت بالاص» ولاذ بالفرار، وزور له الكولونيل التريكي المحضر وجعل
من الضحيتين أصحاب الخطأ ومن المخطئ ضحية، قبل أن تتدخل يد خفية وتعيد
الأمور إلى نصابها.
ومهما يكن فإذا كانت هناك من «كسيدة خايبة» بالفعل فليست فقط «كسيدة»
ليلى بن الصديق، كريمة الزعيم الأبدي للاتحاد المغربي للشغل، وإنما
«الكسيدة ديال بصح» هي التصويت بالإجماع على شباط أمينا عاما للاتحاد
العام للشغالين بالمغرب. ويبدو أن حزب الاستقلال ذاهب في اتجاه التحول إلى
حزب للبلاشفة الجدد في المغرب. فكل انتخاباته تنتهي بترشيح زعيم واحد أوحد
يتم التصويت عليه بالإجماع كما في «النظام البولشيفيكي» البائد.
وقبل شباط، تم التصويت بالإجماع على المرشح الوحيد عباس الفاسي لمنصب
الأمين العام للحزب. مع أن الديمقراطية تقتضي أن يستقيل الأمين العام
للحزب عندما يصبح وزيرا أول، كما صنع ساركوزي مثلا. لكن عباس برر بقاءه
على رأس الأمانة العامة للحزب بكونه «غادي يضعاف» إذا بقي وزيرا أول بدون
منصب أمين عام للحزب. وكأن القوة هي أن يجمع بين الأمانتين لكي لا يتحمل
أية واحدة منها كما يجب. والواقع أن عباس كان عليه أن يبرر بقاءه في
الأمانتين بكونه «باغي يسمان» وليس «خايف يضعاف».
تنصيب شباط على رأس نقابة حزب الاستقلال، هو الإشارة الواضحة على
نهاية العمل النقابي في المغرب. وفي الوقت الذي تستعمل فيه النقابات في
المجتمعات الديمقراطية الإضراب كورقة للضغط على الحكومات لانتزاع مطالب
الطبقات الشغيلة، نسمع كيف يصف شباط الإضراب بالمزايدات الفارغة وتضييع
ساعات العمل. وكأن العمل «غير مشتت». وعلى هذا الأساس يجب على رؤساء
النقابات الفرنسية الذين شنوا إضرابا كبيرا الأسبوع الماضي شل أطراف
فرنسا، أن يأتوا إلى المغرب لكي يتعلموا من شباط أسس النضال النقابي
الجديد. صحيح أن شباط رجل غير متعلم، لكن المثل يقول «يوجد في النهر ما لا
يوجد في البحر». طبعا «ماشي البحر اللي باغي يصنع شباط لهل فاس».
وهذه أول مرة في التاريخ العمالي نسمع زعيما نقابيا يقول بأن
الإضراب مضيعة للوقت، في الوقت الذي تقول فيه الحكومة أن الإضراب حق
دستوري. فشباط بحكم قرابته السياسية من عباس الفاسي، أصبح حكوميا أكثر من
عبو وزير تحديث القطاعات العامة نفسه.
لهذا يجب على الطبقة العاملة أن تفهم أن النقابات الثلاث الكبرى التي
طالما أخافت الحكومات المتعاقبة بإضراباتها العامة، والتي يقودها الأموي
«بوسبرديلة» وبن الصديق الذي يشارف على التسعين و«شباط السيكليس» السابق،
قد «باعت الماتش» للدولة وتقاضت ثمنه على شكل امتيازات و«مارشيات» وصفقات
للأهل والأصحاب والمقربين. أما «البوجاديين» والمغفلين الذين لازالوا
يعتقدون أن النقابات تناضل من أجل تحسين مستوى عيش الطبقة العاملة، فهؤلاء
يصلحون لحمل اللافتات والمرور بها في «الديفيلي» وهم يصرخون بالشعارات يوم
فاتح ماي من كل سنة.
فالنقابات التاريخية الكبرى أصبحت تصطف إلى جانب الباطرون على حساب
المستخدم. والدليل على ذلك أن نقابة بن الصديق لم تصدر ولو بلاغا صغيرا
حول ما وقع لمستخدمي شركة الحراسة التسعة الذين يرقدون في جناح العيون
بالمستشفى، بسبب اعتداء بنت الزعيم عليهم. لسبب بسيط هو أن بنت الزعيم
مرفوع عنها قلم محرري البلاغات في الاتحاد المغربي للشغل.
إن واحدا من أوجه النفاق النقابي هو ما يقع اليوم في عاصمة المملكة
مع شركات النقل الحضري التي تعلق في «باربريز» حافلاتها المغبرة شعارات
تدعو إلى الدفاع عن الشركات الوطنية ضد الأجانب. وعندما نبحث في حقيقة هذه
الشعارات نجد أن الشركات التي ترفع هذه الشعارات الرنانة تصنع ذلك ليس
بسبب الحس الوطني الزائد وإنما فقط لأنها لم تفز بصفقة تدبير النقل الحضري
في الرباط، وفازت بها شركة أجنبية.
ومن يقرأ هذا الخبر دون معرفة خلفياته، سيقول بأن هذه الشركات
الوطنية مظلومة بالفعل ومن حقها أن ترفع شعار الوطنية، فقد كان أولى بمجلس
المدينة أن يعطي الأسبقية للشركات المغربية. لكن الواقع يخفي منظرا آخر
تماما. فالشركات التي رفعت شعار الوطنية لم تكتشف هذه الوطنية إلا عندما
خسرت الصفقة.
والدليل على ذلك أنها لم تشارك في الصفقة كشركات وطنية وإنما شاركت
مع شركة «ألزا» الإسبانية، فالذي خسر الصفقة في الواقع هو شركة «ألزا»
وليس شركات النقل الحضري المغربية التي كانت «حاشية شريحتها فالشريط».
فالمنافسة كانت بين شركة فرنسية هي «فيوليا» وشركة إسبانية هي «ألزا»، أما
الشركات المغربية فكان أغلبها يا إما تابعا للفرنسيين أو تابعا للإسبان.
فأين هي الوطنية في كل هذا يا ترى.
ما قتل العمل النقابي والسياسي في المغرب هو المصلحة الخاصة وضعف
الشعور الوطني وربما انعدامه في بعض الحالات، والاستفراد بالأمانة العامة
إلى أن يأخذ «مول الأمانة أمانتو». والمؤسف في الأمر أن المسؤولين عن موت
العمل النقابي والسياسي يريدون أن يوهموا الطبقة السياسية والعاملة والرأي
العام أنهم يدافعون عن مصالحها، مستعملين من أجل إقناعها بذلك شعار
الوطنية، فيما هم في الواقع يدافعون عن مصالحهم الخاصة ويستعملون الوطنية
قنطرة للعبور نحو المزيد من الغنائم والثروات.
وهاهو الزمن يكشف القناع عن وجوه هؤلاء النقابيين الكبار، في السن،
الذين ظلوا يوهمون الطبقة العاملة أنهم يدافعون عن مصالحها، وفي الأخير
أصبحوا يدافعون عن مصالح الحكومة والباطرونا. وحتى عندما تطحن إحدى بناتهم
عظام مستخدميها بسيارتها يبلعون ألسنتهم ويمتنعون حتى عن إصدار بيان
استنكاري.
معهم حق عندما وضعوا المستخدمين المصابين بالكسور في جناح أمراض
العيون بمستشفى القنيطرة. فهذه الطبقة العاملة المستضعفة بحاجة اليوم أكثر
من أي وقت مضى إلى مصحة كبيرة بحجم الوطن لعلاج أمراض العيون، حتى تنفتح
بصيرتها على حقيقة هذه المؤامرة النقابية التي تحاك ضدهم وضد مصالحهم.
فالمثل المغربي يقول «وريه وريه وإلى عما سير وخليه».
المساء
الذين صدمتهم بسيارة «الجاغوار»، قسم أمراض العيون بالمستشفى الذي يرقدون
به في القنيطرة عوض قسم العظام والمفاصل.
شخصيا لم أستغرب هذا الأمر. فالمكان الطبيعي الذي يجب أن يودع فيه
هؤلاء الضحايا هو قسم أمراض العيون بالضبط. والسبب هو أنهم يعانون من ضعف
البصر، لأنهم لو كانوا يتمتعون بنظر «سديد» لما وقفوا في طريق سيارة
«الجاغوار» عندما عرفوا أن سائقتها هي ليلى بن الصديق ابنة النقابي العتيد
المحجوب بن الصديق. ففي المغرب من يقف في طريق أبناء الزعماء من هذا
العيار يعطي الدليل الكافي على أنه يعاني من ضعف النظر ولا يرى الأمور كما
يجب أن يراها. والنتيجة أنه ينتهي بعظام ومفاصل مفككة في قسم أمراض العيون
بالمستشفى لإصلاح بصره، حتى يتبين مستقبلا أين يضع خطواته وفي وجه من يقف.
وأعتقد أن «الباطرون» الذي داس قبل أمس عماله في أكادير بسيارته، سيأخذ
ضحاياه هو أيضا إلى قسم العيون بالمستشفى العمومي بأكادير، حتى يجروا لهم
عملية جراحية على عيونهم لكي يتبينوا في المستقبل سيارة مشغلهم وهي قادمة
من «الدخلة ديال أكادير» فيفرقوا الصفوف ويعودوا إلى عملهم راضين مرضيين،
قبل أن تدوسهم عجلاتها.
لذلك فالمكان الأنسب لكل ضحايا سيارات أبناء «الفشوش»، سواء كانوا
نقابيين أو وزراء أو ولاة، هو جناح أمراض العيون. «باش يتحلو ليهم العينين
مزيان». وربما لذلك يسأل أبناء «الفشوش» كل من يحتكون معه في الشارع ذلك
السؤال المغربي «واش ماعرفتيش راسك مع من كتهضر». فهم يريدون أن يتأكدوا
أولا من سلامة الرؤية عند مخاطبهم قبل أن «يدوزو» فيه بالجاغوار.
وأعتقد أن الجهة التي يجب أن تتابع قضائيا أبناء «الفشوش» هؤلاء
ليست هي الجمعية المغربية أو المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وإنما شركة
«جاغوار». لأن هؤلاء «الكاسكادورات» حولوا هذه السيارة الراقية من وسيلة
للنقل إلى آلة لطحن عظام المستضعفين من مستخدمي الحراسة. وما صنعته ليلى
بن الصديق بسيارتها ضد مستخدميها في القنيطرة ليس سوى امتداد لما صنعه أحد
أبناء «الفشوش» في الصخيرات عندما داس الصيف الماضي مستخدمي حراسة في فندق
«أونفرتيرت بالاص» ولاذ بالفرار، وزور له الكولونيل التريكي المحضر وجعل
من الضحيتين أصحاب الخطأ ومن المخطئ ضحية، قبل أن تتدخل يد خفية وتعيد
الأمور إلى نصابها.
ومهما يكن فإذا كانت هناك من «كسيدة خايبة» بالفعل فليست فقط «كسيدة»
ليلى بن الصديق، كريمة الزعيم الأبدي للاتحاد المغربي للشغل، وإنما
«الكسيدة ديال بصح» هي التصويت بالإجماع على شباط أمينا عاما للاتحاد
العام للشغالين بالمغرب. ويبدو أن حزب الاستقلال ذاهب في اتجاه التحول إلى
حزب للبلاشفة الجدد في المغرب. فكل انتخاباته تنتهي بترشيح زعيم واحد أوحد
يتم التصويت عليه بالإجماع كما في «النظام البولشيفيكي» البائد.
وقبل شباط، تم التصويت بالإجماع على المرشح الوحيد عباس الفاسي لمنصب
الأمين العام للحزب. مع أن الديمقراطية تقتضي أن يستقيل الأمين العام
للحزب عندما يصبح وزيرا أول، كما صنع ساركوزي مثلا. لكن عباس برر بقاءه
على رأس الأمانة العامة للحزب بكونه «غادي يضعاف» إذا بقي وزيرا أول بدون
منصب أمين عام للحزب. وكأن القوة هي أن يجمع بين الأمانتين لكي لا يتحمل
أية واحدة منها كما يجب. والواقع أن عباس كان عليه أن يبرر بقاءه في
الأمانتين بكونه «باغي يسمان» وليس «خايف يضعاف».
تنصيب شباط على رأس نقابة حزب الاستقلال، هو الإشارة الواضحة على
نهاية العمل النقابي في المغرب. وفي الوقت الذي تستعمل فيه النقابات في
المجتمعات الديمقراطية الإضراب كورقة للضغط على الحكومات لانتزاع مطالب
الطبقات الشغيلة، نسمع كيف يصف شباط الإضراب بالمزايدات الفارغة وتضييع
ساعات العمل. وكأن العمل «غير مشتت». وعلى هذا الأساس يجب على رؤساء
النقابات الفرنسية الذين شنوا إضرابا كبيرا الأسبوع الماضي شل أطراف
فرنسا، أن يأتوا إلى المغرب لكي يتعلموا من شباط أسس النضال النقابي
الجديد. صحيح أن شباط رجل غير متعلم، لكن المثل يقول «يوجد في النهر ما لا
يوجد في البحر». طبعا «ماشي البحر اللي باغي يصنع شباط لهل فاس».
وهذه أول مرة في التاريخ العمالي نسمع زعيما نقابيا يقول بأن
الإضراب مضيعة للوقت، في الوقت الذي تقول فيه الحكومة أن الإضراب حق
دستوري. فشباط بحكم قرابته السياسية من عباس الفاسي، أصبح حكوميا أكثر من
عبو وزير تحديث القطاعات العامة نفسه.
لهذا يجب على الطبقة العاملة أن تفهم أن النقابات الثلاث الكبرى التي
طالما أخافت الحكومات المتعاقبة بإضراباتها العامة، والتي يقودها الأموي
«بوسبرديلة» وبن الصديق الذي يشارف على التسعين و«شباط السيكليس» السابق،
قد «باعت الماتش» للدولة وتقاضت ثمنه على شكل امتيازات و«مارشيات» وصفقات
للأهل والأصحاب والمقربين. أما «البوجاديين» والمغفلين الذين لازالوا
يعتقدون أن النقابات تناضل من أجل تحسين مستوى عيش الطبقة العاملة، فهؤلاء
يصلحون لحمل اللافتات والمرور بها في «الديفيلي» وهم يصرخون بالشعارات يوم
فاتح ماي من كل سنة.
فالنقابات التاريخية الكبرى أصبحت تصطف إلى جانب الباطرون على حساب
المستخدم. والدليل على ذلك أن نقابة بن الصديق لم تصدر ولو بلاغا صغيرا
حول ما وقع لمستخدمي شركة الحراسة التسعة الذين يرقدون في جناح العيون
بالمستشفى، بسبب اعتداء بنت الزعيم عليهم. لسبب بسيط هو أن بنت الزعيم
مرفوع عنها قلم محرري البلاغات في الاتحاد المغربي للشغل.
إن واحدا من أوجه النفاق النقابي هو ما يقع اليوم في عاصمة المملكة
مع شركات النقل الحضري التي تعلق في «باربريز» حافلاتها المغبرة شعارات
تدعو إلى الدفاع عن الشركات الوطنية ضد الأجانب. وعندما نبحث في حقيقة هذه
الشعارات نجد أن الشركات التي ترفع هذه الشعارات الرنانة تصنع ذلك ليس
بسبب الحس الوطني الزائد وإنما فقط لأنها لم تفز بصفقة تدبير النقل الحضري
في الرباط، وفازت بها شركة أجنبية.
ومن يقرأ هذا الخبر دون معرفة خلفياته، سيقول بأن هذه الشركات
الوطنية مظلومة بالفعل ومن حقها أن ترفع شعار الوطنية، فقد كان أولى بمجلس
المدينة أن يعطي الأسبقية للشركات المغربية. لكن الواقع يخفي منظرا آخر
تماما. فالشركات التي رفعت شعار الوطنية لم تكتشف هذه الوطنية إلا عندما
خسرت الصفقة.
والدليل على ذلك أنها لم تشارك في الصفقة كشركات وطنية وإنما شاركت
مع شركة «ألزا» الإسبانية، فالذي خسر الصفقة في الواقع هو شركة «ألزا»
وليس شركات النقل الحضري المغربية التي كانت «حاشية شريحتها فالشريط».
فالمنافسة كانت بين شركة فرنسية هي «فيوليا» وشركة إسبانية هي «ألزا»، أما
الشركات المغربية فكان أغلبها يا إما تابعا للفرنسيين أو تابعا للإسبان.
فأين هي الوطنية في كل هذا يا ترى.
ما قتل العمل النقابي والسياسي في المغرب هو المصلحة الخاصة وضعف
الشعور الوطني وربما انعدامه في بعض الحالات، والاستفراد بالأمانة العامة
إلى أن يأخذ «مول الأمانة أمانتو». والمؤسف في الأمر أن المسؤولين عن موت
العمل النقابي والسياسي يريدون أن يوهموا الطبقة السياسية والعاملة والرأي
العام أنهم يدافعون عن مصالحها، مستعملين من أجل إقناعها بذلك شعار
الوطنية، فيما هم في الواقع يدافعون عن مصالحهم الخاصة ويستعملون الوطنية
قنطرة للعبور نحو المزيد من الغنائم والثروات.
وهاهو الزمن يكشف القناع عن وجوه هؤلاء النقابيين الكبار، في السن،
الذين ظلوا يوهمون الطبقة العاملة أنهم يدافعون عن مصالحها، وفي الأخير
أصبحوا يدافعون عن مصالح الحكومة والباطرونا. وحتى عندما تطحن إحدى بناتهم
عظام مستخدميها بسيارتها يبلعون ألسنتهم ويمتنعون حتى عن إصدار بيان
استنكاري.
معهم حق عندما وضعوا المستخدمين المصابين بالكسور في جناح أمراض
العيون بمستشفى القنيطرة. فهذه الطبقة العاملة المستضعفة بحاجة اليوم أكثر
من أي وقت مضى إلى مصحة كبيرة بحجم الوطن لعلاج أمراض العيون، حتى تنفتح
بصيرتها على حقيقة هذه المؤامرة النقابية التي تحاك ضدهم وضد مصالحهم.
فالمثل المغربي يقول «وريه وريه وإلى عما سير وخليه».
المساء
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
قلة الدين: رشيد نيني
ربما هذه أول مرة يستطيع فيها المغرب أن يشعر بالفخر وهو يطالع مكانته بين
الدول في دراسة يقدمها معهد دولي. فها هو معهد «كالوب» الأمريكي يصنف
المغرب في المرتبة الثالثة لأكثر الدول تدينا عبر العالم. وحسب المعهد
فحوالي 98 في المائة من المغاربة متدينون ويعتبرون الدين شيئا أساسيا في
حياتهم اليومية.
لكن السؤال المحير الذي يطرحه المتأمل لهذه المرتبة الهامة التي
يحتلها الدين في حياة المغاربة، هو ما مدى تأثير الدين في معاملات
المغاربة اليومية. فالحديث النبوي الشريف يقول «الدين المعاملة»، ونحن
المغاربة رغم ارتباطنا الشديد بالدين، يشوب معاملاتنا نقص مريع في التربية
والتحضر.
ويكفي أن يأخذ الواحد منا سيارته وينزل إلى الشارع لكي يتأكد من أن
خصالا من قبيل الإيثار والصبر والاحترام لا وجود لها في تعاملاتنا
اليومية. مع العلم بأن هذه الخصال هي من صميم ديننا الإسلامي الحنيف.
إن استعمال الطريق ليوم واحد في المغرب يكشف لك بالملموس كل الأمراض
الاجتماعية التي نعاني منها نحن المغاربة. القلق، التوتر، انعدام الإحساس
بالآخر، الأنانية المفرطة، الرغبة في الانتقام من الآخر لمجرد أنه يملك
سيارة أحسن منا، أو لمجرد أنه تجاوزنا في السرعة. أشياء بسيطة يرتكبها
المغربي في الطريق تفضح عدم نضجه واستعداده للمخاطرة بحياته وحياة الآخرين
استجابة لعقد نفسية مركبة.
وشخصيا أستغرب كيف أننا نحن المغاربة ثالث شعوب العالم تدينا، ومع
ذلك نحتل رتبا مخجلة في إحصائيات البنك الدولي ومنظمة ترانسبرانسي كلما
تعلق الأمر بالرشوة. مع أن ديننا يحرم علينا الرشوة ويلعن الراشي
والمرتشي. وحسب آخر الإحصائيات فالرشوة في تقدم ملموس، وهي تنخر سنويا
قطاعات كانت إلى حدود الأمس القريب محصنة منها. إلى درجة أنها أصبحت تهدد
اقتصاد المغرب بنسبها المتزايدة التي تخيف المستثمرين الأجانب. وبسبب
الرشوة أصبح سجن عكاشة «قشلة» حقيقية يجتمع فيها البوليس مع القوات
المساعدة مع البحرية الملكية في قضايا المخدرات. وبسبها يقف اليوم رؤساء
جماعات وممثلون للسكان وقياد أمام القضاء بعد تورطهم في البناء
«الرشوائي».
الإسلام يحض على العمل بنص الحديث الشريف الذي يقول «العمل عبادة»،
ومع ذلك لدينا واحد من أحد أكبر معدلات البطالة في العالم. الحديث النبوي
يقول «من غشنا فليس منا»، ومع ذلك تحولنا إلى شعب من الغشاشين، نلبس ملابس
مزورة ونستمع ونشاهد موسيقى وأفلاما مقرصنة، ونقتات على مواد غذائية
مهربة. حتى برامجنا التعليمية والإعلامية العمومية ومشاريعنا السياسية
وقوانيننا منقولة حرفيا عن الخارج.
وفي الأخير يأتي المندوب السامي للتخطيط لكي يقول لنا بأن المنتوج
المحلي لا يستطيع منافسة المنتوج الأجنبي، ولذلك فعلينا دعم هذا المنتوج
داخليا. وينسى أن السبب في عدم قدرة المنتوج المحلي على منافسة نظيره
الأجنبي، هو أن منتوجنا مغشوش. ويمكن أن نكذب على الزبون مرة واحدة فقط،
لأنه بمجرد ما سيكتشف غشنا «سيقلب» علينا إلى الأبد. وهذا للأسف ما يحدث
في القطاع السياحي، خصوصا في المحلات التي يأخذون إليها الوفود السياحية
لاقتناء التذكارات المغربية. فهذا يقنع السياح بأنه يملك سيف سيدنا علي،
والآخر يقنعهم بأنه يملك «رزة» سيدنا موسى، وثالث يقنعهم بأنه يملك خاتم
سيدنا سليمان بأسعار تنافسية. فهؤلاء السياح الأجانب في نظر كثيرين «غير
نية مساكن» ويجوز «تجعيبهم» كما يقولون في مراكش، ولذلك لا يشعر هؤلاء
التجار بالحرج من الكذب عليهم وبيعهم الأوهام باسم المغرب.
وما ينطبق على هؤلاء التجار ينطبق على بعض أصحاب الفنادق والمطاعم.
إلى درجة أن السياح أصبحوا يفضلون النزول عند أبناء عمومتهم من النصارى
الذين يستثمرون في المغرب أموالهم في بيوت الضيافة.
ولو كان المغاربة يثقون في إخوانهم المغاربة المتدينين بنسبة 98 في
المائة، لما كانوا يفضلون أخذ أبنائهم إلى مدارس النصارى وعيادات الأطباء
الأجانب. وكل من تسأله عن السبب سيقول لك أن هؤلاء النصارى «معقولين» ولا
يعرفون الكذب. وليس مثل بعض أطبائنا الذين يحتالون على مرضاهم باختراع
الأمراض من أجل استنزاف جيوبهم. أحد الأصدقاء قال لي متحسرا أن صاحب عيادة
مشهورة في الرباط ذهب إليه بزوجته لتلد فاشترط عليه العملية القيصرية، مع
أن زوجته تستطيع أن تلد بشكل طبيعي. وعندما بدأ يتفاوض معه على الثمن،
اقترح عليه الطبيب أن يضيف إلى العملية القيصرية عملية «عقد القرون»،
وأضاف الطبيب «غادي نحلها غادي نحلها، اللهم نضربو عصفورين بحجر». «واش
دابا هادا طبيب ولا كزار» تساءل الصديق متحسرا.
وإذا قالوا أن المغرب هو بلد المتناقضات فهم غير مخطئين تماما.
فالمغاربة ثالث شعوب العالم تدينا، مع أنهم يشربون أربعين مليون لتر من
«الروج» سنويا. وبسبب ارتفاع الإقبال على الكحول عرف استيرادها سنة 2008
ارتفاعا وصل إلى أربعة في المائة مقارنة بالسنة التي قبلها. وبسبب هذا
الارتفاع في «الشراب» زادت نسبة إدمان المغاربة للكحول وزادت نسبة حوادث
السير القاتلة الناتجة عن السكر. وطبعا زادت عائدات مجموعة الحاج زنيبر في
البنوك، وهي المجموعة التي تنتج أكثر من 85 في المائة من حاجيات سوق
«الشاربان» بالمغرب. ولمن لا يعرف الحاج زنيبر جيدا فهو رجل متدين أيضا،
ويقضي وقته بين معاصر خموره وغار يأوي إليه في خلواته لكي يتدبر ويتأمل
أصل الوجود والكون. فيما تتكفل زوجته بمدرسة للأيتام تنفق عليها من عائدات
الخمور التي يبيعها زوجها.
الدين يحض على الاستقامة والكرامة والعيش بعرق الجبين. وعندنا في
المغرب أصبحت الاستقامة عملة نادرة والكرامة جريمة قد تؤدي بصاحبها إلى
السجن والعيش بعرق الجبين حماقة يستحق صاحبها الشفقة والسخرية.
نحن ثالث شعوب العالم تدينا ومع ذلك تخجل نساؤنا من ذكر جنسيتهن
كلما غادرن المغرب نحو بلد آخر. فبسب كل تلك الجالية المغربية المقيمة في
الكازينوهات والخمارات ودور الدعارة عبر العالم، أصبحت المرأة المغربية
متهمة في شرفها بغض النظر عن مستواها الفكري أو المهني. بسبب هذه «الشوهة
العالمية» أصبحت بعض الدول، وآخرها موريتانيا، تشترط على طالبات التأشيرة
المغربيات أن يكن متزوجات. بقي فقط أن يشترط بعضهم شهادة العزوبة.
وليس مستغربا أن تستنتج مصالح الأمن في الدار البيضاء أن نسبة كبيرة
من الشقق المفروشة المعدة للدعارة بأرقى الأحياء بالعاصمة الاقتصادية هي
في ملكية نساء يحترفن الدعارة بالخليج العربي. وبسبب «اللهطة» على المال،
أصبحت بعض الأسر تقبل أن تعيش على عرق بناتها بدون إحساس الذنب. ويكفي أن
يذهب الواحد إلى مطار محمد الخامس ويتفرج على منظر تلك الأسر وهي واقفة
تنتظر بافتخار وصول سفيراتها فوق العادة بحقائبهن الدبلوماسية المليئة
بالهدايا والدنانير.
لقد ماتت الكرامة في نفوس الكثيرين بيننا للأسف، وأصبح الإله الذي
يعبده هؤلاء من دون الله هو الدينار والدولار والأورو وباقي العملات
الصعبة في هذا الزمن المغربي الرخيص.
نحن ثالث الشعوب الأكثر تدينا في العالم، ومع ذلك أصبح يقصد بلدنا
الباحثون عن السياحة الجنسية، ومغتصبو الأطفال والشواذ والمنحرفون جنسيا
من كل جهات العالم. فالقانون متساهل عندنا مع هؤلاء المجرمين حرصا على
سمعتنا السياحية، حتى ولو ذهبت سمعتنا الأخلاقية إلى الجحيم.
نحن ثالث شعوب العالم تدينا وأول الشعوب المصدرة للحشيش في العالم.
وحسب إحصائيات علب «النيبرو» التي تبيعها «ألطاديس» فالمغاربة يدخنون
سنويا أكثر من مليار «جوان».
إن السبب الحقيقي في انتشار كل هذه الأمراض والظواهر المشينة في
بلدنا، هو ضعف الوازع الديني وانتشار النفاق والمظاهر الخارجية للتدين
الزائف.
فالدين الإسلامي يحث على القراءة والعمل والإيثار وعدم الغش وتجنب
أكل أموال الناس بالباطل والعدل وحب الأوطان. ونحن أصبحنا أبطال العالم في
هجر الوطن ولو انتهى بنا المطاف طعاما في بطون الحيتان.
مأساتنا الحقيقية هي «قلة الدين». وليس بمظاهر التدين الزائفة
والنفاق المستشري في تعاملاتنا سنتقدم. الدين الحقيقي، فضلا عن الشعائر
المفروضة، هو معاملات بالأساس. وما دامت معاملاتنا يشوبها كل هذا الغش
وهذا النفاق وهذا الكذب، فإننا سنبقى في مؤخرة الترتيب العالمي، حتى ولو
وضعونا على رأس الدول الأكثر تدينا في العالم.
المساء
الدول في دراسة يقدمها معهد دولي. فها هو معهد «كالوب» الأمريكي يصنف
المغرب في المرتبة الثالثة لأكثر الدول تدينا عبر العالم. وحسب المعهد
فحوالي 98 في المائة من المغاربة متدينون ويعتبرون الدين شيئا أساسيا في
حياتهم اليومية.
لكن السؤال المحير الذي يطرحه المتأمل لهذه المرتبة الهامة التي
يحتلها الدين في حياة المغاربة، هو ما مدى تأثير الدين في معاملات
المغاربة اليومية. فالحديث النبوي الشريف يقول «الدين المعاملة»، ونحن
المغاربة رغم ارتباطنا الشديد بالدين، يشوب معاملاتنا نقص مريع في التربية
والتحضر.
ويكفي أن يأخذ الواحد منا سيارته وينزل إلى الشارع لكي يتأكد من أن
خصالا من قبيل الإيثار والصبر والاحترام لا وجود لها في تعاملاتنا
اليومية. مع العلم بأن هذه الخصال هي من صميم ديننا الإسلامي الحنيف.
إن استعمال الطريق ليوم واحد في المغرب يكشف لك بالملموس كل الأمراض
الاجتماعية التي نعاني منها نحن المغاربة. القلق، التوتر، انعدام الإحساس
بالآخر، الأنانية المفرطة، الرغبة في الانتقام من الآخر لمجرد أنه يملك
سيارة أحسن منا، أو لمجرد أنه تجاوزنا في السرعة. أشياء بسيطة يرتكبها
المغربي في الطريق تفضح عدم نضجه واستعداده للمخاطرة بحياته وحياة الآخرين
استجابة لعقد نفسية مركبة.
وشخصيا أستغرب كيف أننا نحن المغاربة ثالث شعوب العالم تدينا، ومع
ذلك نحتل رتبا مخجلة في إحصائيات البنك الدولي ومنظمة ترانسبرانسي كلما
تعلق الأمر بالرشوة. مع أن ديننا يحرم علينا الرشوة ويلعن الراشي
والمرتشي. وحسب آخر الإحصائيات فالرشوة في تقدم ملموس، وهي تنخر سنويا
قطاعات كانت إلى حدود الأمس القريب محصنة منها. إلى درجة أنها أصبحت تهدد
اقتصاد المغرب بنسبها المتزايدة التي تخيف المستثمرين الأجانب. وبسبب
الرشوة أصبح سجن عكاشة «قشلة» حقيقية يجتمع فيها البوليس مع القوات
المساعدة مع البحرية الملكية في قضايا المخدرات. وبسبها يقف اليوم رؤساء
جماعات وممثلون للسكان وقياد أمام القضاء بعد تورطهم في البناء
«الرشوائي».
الإسلام يحض على العمل بنص الحديث الشريف الذي يقول «العمل عبادة»،
ومع ذلك لدينا واحد من أحد أكبر معدلات البطالة في العالم. الحديث النبوي
يقول «من غشنا فليس منا»، ومع ذلك تحولنا إلى شعب من الغشاشين، نلبس ملابس
مزورة ونستمع ونشاهد موسيقى وأفلاما مقرصنة، ونقتات على مواد غذائية
مهربة. حتى برامجنا التعليمية والإعلامية العمومية ومشاريعنا السياسية
وقوانيننا منقولة حرفيا عن الخارج.
وفي الأخير يأتي المندوب السامي للتخطيط لكي يقول لنا بأن المنتوج
المحلي لا يستطيع منافسة المنتوج الأجنبي، ولذلك فعلينا دعم هذا المنتوج
داخليا. وينسى أن السبب في عدم قدرة المنتوج المحلي على منافسة نظيره
الأجنبي، هو أن منتوجنا مغشوش. ويمكن أن نكذب على الزبون مرة واحدة فقط،
لأنه بمجرد ما سيكتشف غشنا «سيقلب» علينا إلى الأبد. وهذا للأسف ما يحدث
في القطاع السياحي، خصوصا في المحلات التي يأخذون إليها الوفود السياحية
لاقتناء التذكارات المغربية. فهذا يقنع السياح بأنه يملك سيف سيدنا علي،
والآخر يقنعهم بأنه يملك «رزة» سيدنا موسى، وثالث يقنعهم بأنه يملك خاتم
سيدنا سليمان بأسعار تنافسية. فهؤلاء السياح الأجانب في نظر كثيرين «غير
نية مساكن» ويجوز «تجعيبهم» كما يقولون في مراكش، ولذلك لا يشعر هؤلاء
التجار بالحرج من الكذب عليهم وبيعهم الأوهام باسم المغرب.
وما ينطبق على هؤلاء التجار ينطبق على بعض أصحاب الفنادق والمطاعم.
إلى درجة أن السياح أصبحوا يفضلون النزول عند أبناء عمومتهم من النصارى
الذين يستثمرون في المغرب أموالهم في بيوت الضيافة.
ولو كان المغاربة يثقون في إخوانهم المغاربة المتدينين بنسبة 98 في
المائة، لما كانوا يفضلون أخذ أبنائهم إلى مدارس النصارى وعيادات الأطباء
الأجانب. وكل من تسأله عن السبب سيقول لك أن هؤلاء النصارى «معقولين» ولا
يعرفون الكذب. وليس مثل بعض أطبائنا الذين يحتالون على مرضاهم باختراع
الأمراض من أجل استنزاف جيوبهم. أحد الأصدقاء قال لي متحسرا أن صاحب عيادة
مشهورة في الرباط ذهب إليه بزوجته لتلد فاشترط عليه العملية القيصرية، مع
أن زوجته تستطيع أن تلد بشكل طبيعي. وعندما بدأ يتفاوض معه على الثمن،
اقترح عليه الطبيب أن يضيف إلى العملية القيصرية عملية «عقد القرون»،
وأضاف الطبيب «غادي نحلها غادي نحلها، اللهم نضربو عصفورين بحجر». «واش
دابا هادا طبيب ولا كزار» تساءل الصديق متحسرا.
وإذا قالوا أن المغرب هو بلد المتناقضات فهم غير مخطئين تماما.
فالمغاربة ثالث شعوب العالم تدينا، مع أنهم يشربون أربعين مليون لتر من
«الروج» سنويا. وبسبب ارتفاع الإقبال على الكحول عرف استيرادها سنة 2008
ارتفاعا وصل إلى أربعة في المائة مقارنة بالسنة التي قبلها. وبسبب هذا
الارتفاع في «الشراب» زادت نسبة إدمان المغاربة للكحول وزادت نسبة حوادث
السير القاتلة الناتجة عن السكر. وطبعا زادت عائدات مجموعة الحاج زنيبر في
البنوك، وهي المجموعة التي تنتج أكثر من 85 في المائة من حاجيات سوق
«الشاربان» بالمغرب. ولمن لا يعرف الحاج زنيبر جيدا فهو رجل متدين أيضا،
ويقضي وقته بين معاصر خموره وغار يأوي إليه في خلواته لكي يتدبر ويتأمل
أصل الوجود والكون. فيما تتكفل زوجته بمدرسة للأيتام تنفق عليها من عائدات
الخمور التي يبيعها زوجها.
الدين يحض على الاستقامة والكرامة والعيش بعرق الجبين. وعندنا في
المغرب أصبحت الاستقامة عملة نادرة والكرامة جريمة قد تؤدي بصاحبها إلى
السجن والعيش بعرق الجبين حماقة يستحق صاحبها الشفقة والسخرية.
نحن ثالث شعوب العالم تدينا ومع ذلك تخجل نساؤنا من ذكر جنسيتهن
كلما غادرن المغرب نحو بلد آخر. فبسب كل تلك الجالية المغربية المقيمة في
الكازينوهات والخمارات ودور الدعارة عبر العالم، أصبحت المرأة المغربية
متهمة في شرفها بغض النظر عن مستواها الفكري أو المهني. بسبب هذه «الشوهة
العالمية» أصبحت بعض الدول، وآخرها موريتانيا، تشترط على طالبات التأشيرة
المغربيات أن يكن متزوجات. بقي فقط أن يشترط بعضهم شهادة العزوبة.
وليس مستغربا أن تستنتج مصالح الأمن في الدار البيضاء أن نسبة كبيرة
من الشقق المفروشة المعدة للدعارة بأرقى الأحياء بالعاصمة الاقتصادية هي
في ملكية نساء يحترفن الدعارة بالخليج العربي. وبسبب «اللهطة» على المال،
أصبحت بعض الأسر تقبل أن تعيش على عرق بناتها بدون إحساس الذنب. ويكفي أن
يذهب الواحد إلى مطار محمد الخامس ويتفرج على منظر تلك الأسر وهي واقفة
تنتظر بافتخار وصول سفيراتها فوق العادة بحقائبهن الدبلوماسية المليئة
بالهدايا والدنانير.
لقد ماتت الكرامة في نفوس الكثيرين بيننا للأسف، وأصبح الإله الذي
يعبده هؤلاء من دون الله هو الدينار والدولار والأورو وباقي العملات
الصعبة في هذا الزمن المغربي الرخيص.
نحن ثالث الشعوب الأكثر تدينا في العالم، ومع ذلك أصبح يقصد بلدنا
الباحثون عن السياحة الجنسية، ومغتصبو الأطفال والشواذ والمنحرفون جنسيا
من كل جهات العالم. فالقانون متساهل عندنا مع هؤلاء المجرمين حرصا على
سمعتنا السياحية، حتى ولو ذهبت سمعتنا الأخلاقية إلى الجحيم.
نحن ثالث شعوب العالم تدينا وأول الشعوب المصدرة للحشيش في العالم.
وحسب إحصائيات علب «النيبرو» التي تبيعها «ألطاديس» فالمغاربة يدخنون
سنويا أكثر من مليار «جوان».
إن السبب الحقيقي في انتشار كل هذه الأمراض والظواهر المشينة في
بلدنا، هو ضعف الوازع الديني وانتشار النفاق والمظاهر الخارجية للتدين
الزائف.
فالدين الإسلامي يحث على القراءة والعمل والإيثار وعدم الغش وتجنب
أكل أموال الناس بالباطل والعدل وحب الأوطان. ونحن أصبحنا أبطال العالم في
هجر الوطن ولو انتهى بنا المطاف طعاما في بطون الحيتان.
مأساتنا الحقيقية هي «قلة الدين». وليس بمظاهر التدين الزائفة
والنفاق المستشري في تعاملاتنا سنتقدم. الدين الحقيقي، فضلا عن الشعائر
المفروضة، هو معاملات بالأساس. وما دامت معاملاتنا يشوبها كل هذا الغش
وهذا النفاق وهذا الكذب، فإننا سنبقى في مؤخرة الترتيب العالمي، حتى ولو
وضعونا على رأس الدول الأكثر تدينا في العالم.
المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
جيل الكاربون/رشيد نيني
لحسن حظنا نحن جيل المسيرة الخضراء أننا عندما درسنا في الإعدادي لم يكن هناك شيء اسمه قانون الإرهاب، وإلا لكان أغلبنا في السجون ومراكز إعادة التربية وتلطخ سجلنا العدلي في سن مبكرة بالتهم الثقيلة.
فالتهم التي يتابع بها التلاميذ القاصرون في خنيفرة كان من الممكن جدا أن نتابع بها نحن أيضا في تلك الثمانينيات البعيدة. فماذا اقترف هؤلاء «الأشرار» الصغار حتى ينتهي بعضهم أمام المحكمة المدنية وبعضهم الآخر أمام المحكمة العسكرية.
ذنب هؤلاء المراهقين الوحيد أنهم ولدوا في زمن الأنترنيت و«غوغل» و«الفايس بوك» و»يوتوب». وعوض أن يقضوا الوقت مثلما كنا نصنع نحن في قراءة كتاب «قرعة الأنبياء» أو «الروض العاطر في نزهة الخاطر»، أبحروا عبر الشبكة الإلكترونية ووضعوا كلمة «متفجرات» في محرك البحث فانفتحت أمامهم آلاف الصفحات التي تقترح عليهم كيفية صنع القنابل والمتفجرات، من قنابل «المولوتوف» التقليدية إلى القنبلة النووية.
لقد حاول هؤلاء التلاميذ وضع درس الفيزياء الذي تعلموه في الفصل قيد التطبيق في الشارع، مثلما حلمنا نحن أيضا عندما كنا مراهقين بالحصول على بطارية المذياع لاختبارها في تجربة درس «الطاقة» الذي درسناه في مادة الفيزياء. الفرق بيننا وبينهم هو أننا كنا مراهقين في زمن كان فيه العالم يسمي الأفغان مجاهدين، بينما يعيشون هم مراهقتهم في زمن أصبح يسمي الأفغان أنفسهم إرهابيين.
نحن عشنا في زمن كان فيه الاتصال الوحيد، المسموح به، بالعالم يتم بالكسكاس لالتقاط «تيفي 5»، بينما يعيش مراهقو اليوم وسط طوفان من القنوات والفضائيات التي يستطيعون التقاطها على هواتفهم المحمولة في أقسام الدرس. صوت الانفجار الوحيد الذي كنا نسمعه نحن هو طقطقة الفحم في الكانون، فيما هم يسمعون ويرون تقريبا انفجارات مهولة يومية على شاشات الأخبار.
عندما قرأت خبر اعتقال هؤلاء التلاميذ وتقديم بعضهم أمام المحكمة العسكرية بسبب إقدامهم على تفجيرين داخل الفصل وأمام باب المدرسة، تذكرت كل تلك المرات التي كنا «نتناقش» فيها في ما بيننا نحن أطفال الحي لجمع ما يكفي من النقود لاقتناء درهمين من «الكاربون». فقد كنا بدائيين جدا مقارنة بمراهقي اليوم، وكان أعلى مستوى من الاختراع العلمي والفيزيائي الذي وصلنا إليه هو صناعة «بوديزة» متفجرة. وكانت الوصفة سهلة ولا تحتاج إلى مساعدة أي موقع إلكتروني، بحيث كانت المعادلة الكيميائية تقتضي أن نملأ«البيدوزة» بماء العين ثم نضيف إليه الكاربون ونغلقها بإحكام ثم نحركها جيدا قبل أن نضعها أمام باب أحدهم ونطلق سيقاننا للريح. الأكثر «إرهابية» بيننا كانوا يفضلون «حكاك الطون»، وذلك لإحداث أكبر دوي ممكن.
ويعلم الله كم بابا غيرنا لونه من الأخضر إلى الأسود بسبب الدخان الفاحم الذي يعقب الانفجار. صحيح أننا لم نخلف ضحايا مدنيين بسبب عملياتنا «الإرهابية»، لكننا كنا في كل انفجار نربح دعاوى «ضحايانا» المرفوعة إلى السماء. خصوصا وأننا لم نكن نتذكر هذه الألعاب الخطرة سوى في شهر رمضان، الذي كنا نستقبله بشعارنا الطفولي الخالد «تيريرا تيريرا، هادا عام الحريرة».
كان «الكاربون» الكبريت الذي نجمعه من رؤوس أعواد «لوقيد ديال الشمع» أسلحتنا النارية التي نهدد بها السلم العام في ليالي رمضان الحارة التي كانت تأتي في قلب غشت. وبمجرد ما ينتهي مسلسل «محمد يا رسول الله» نتفرق في الأزقة المظلمة للمدينة نمثل فيها مسلسلا آخر اسمه «اللهم صلي عليك أرسول الله»، نشهر فيه ضد بعضنا البعض السهام المصنوعة من القصب و»جعلاق الموناضا»، وقنابلنا اليدوية المصنوعة من الكبريت و«الكاربون» وباقي المعادن الرخيصة التي يستطيع أي بائع عقاقير أن يبيعها لك بالكيلو.
اليوم تغيرت الأمور كثيرا. أصبح كل من يشتري رابعة من الكبريت والكاربون من محل للعقاقير مشبوها يجب إشعار الأمن بهويته. فمن كثرة ما تعرض المغرب للتفجيرات الإرهابية أصبح الجميع خائفا على مستقبله. لذلك فما قام تلاميذ خنيفرة ليس فيه أي نوع من البطولة «العلمية» أو النوايا الإرهابية المبيتة، بل هو ببساطة عمل صبياني يدخل ضمن حماقات المراهقة. وأعتقد أن التجربة المريرة التي مر بها هؤلاء المراهقين في مراكز الاعتقال وساعات الاستنطاق الطويلة التي عاشوها كافية لكي يدركوا أنهم كانوا مخطئين عندما فجروا قنينتيهم السخيفتين في القسم وأمام أبواب الثانوية.
كما أن القضاء «زعما مول العقل» والذي ضخم الموضوع و«دار راسو» في هؤلاء المراهقين وقادهم إلى المحكمة العسكرية، يحتاج فعلا إلى أن يراجع أوراقه. فالذي يستحق أن يقف أمام المحكمة العسكرية فعلا ولم يقف هو الكوماندار التريكي الذي زور محضر الدرك في حادثة قتل مستخدم بفندق «أونفتريت بالاص» ولم يتابعه القضاء إلى اليوم.
في تلك الثمانينيات البعيدة، كانت لنا نحن جيل المسيرة الخضراء طريقتنا الخاصة للانتقام من صرامة المؤسسة التعليمية التي كنا ندرس بها. وأقصى ما كنا نلجأ إليه هو حك أوراق «المخينزة» فوق أرضية القسم، لكي يتحول إلى غرفة حقيقية للإعدام بالغازات السامة. كنا نصنع ذلك في الحصص التي نكره أساتذتها، إما بسبب قسوة أولئك الأساتذة الذين كانوا لا يتورعون عن تحويل القسم إلى غرفة تعذيب، وإما للإفلات من اختبار أو فرض مفاجئ لم نستعد له بما يكفي. لكننا لم نفكر يوما في تجريب عملية تفجير في القسم. كنا نصنع ذلك لإجبار الأستاذ على إخراجنا من الفصل بسبب الرائحة. لكن أحيانا كان السحر ينقلب على الساحر، فيحدث أن يخرج الأستاذ بمفرده ويغلق علينا الباب ويتركنا وسط القسم نتنفس «المخينزة» على «خواطرنا» إلى أن نصاب بالشقيقة.
لقد جربت الدولة المقاربة الأمنية لمواجهة ظاهرة تفجير التلاميذ لمؤسساتهم التعليمية منذ تجرؤ تلاميذ في سلا على استعمال قنينات «بوطاغاز» لتفجير مؤسستهم. لكنها للأسف لم تنجح. فالظاهرة معقدة ولها علاقة بما هو نفسي وتربوي أكثر مما لها علاقة بما هو أمني. يجب على الدولة أن تفكر في الأسباب الحقيقية التي تجعل التلاميذ يكرهون مؤسساتهم التعليمية إلى الحد الذي يجعلهم يفكرون في نسفها.
إن ما قام به تلاميذ «البوطاغاز» في سلا سابقا وما قام به اليوم تلاميذ خنيفرة، يعني شيئا واحدا، وهو فشل السياسة التعليمية الحكومية في المغرب. فتلاميذ خنيفرة المتابعين اليوم أمام المحكمة بتهم ثقيلة ليسوا تلاميذ كسالى، بل يتعلق الأمر بتلاميذ نجباء يحصلون على نقط متميزة بين أقرانهم، وبشهادة أساتذتهم أنفسهم.
لذلك فمن تجب محاكمتهم في الواقع أمام المحكمة العسكرية هم المسؤولون الحقيقيون عن فشل السياسة التعليمية الرسمية، وليس هؤلاء التلاميذ المراهقين الذين خلطوا الفيزياء بقانون الإرهاب دون وعي. لأن هؤلاء المسؤولين اقترفوا أكبر وأحقر جريمة في حق أبناء الشعب المغربي. وفي الوقت الذي يتابع فيه أبناء الشعب دراستهم في أقسام متسخة متزاحمين بالعشرات مثل السردين، يتابع أبناء المسؤولين عن انتكاسة التعليم العمومي دراستهم في مدارس البعثات الأجنبية، استعدادا لاستكمال دراستهم في الخارج والعودة إلى المغرب لكي يرثوا مناصب آبائهم الرفيعة في الوزارات والمؤسسات العمومية الكبرى.
ومن غرائب الصدف في المغرب ألا يكون لدينا وزير تعليم واحد درس أبناءه في مدارس التعليم العمومي التي يشرف عليها. وإذا كان وزراء التعليم أنفسهم غير واثقين من جدوى إصلاح التعليم الذي يشرفون عليه، فكيف سيثق بذلك المواطن العادي يا ترى. وزيارة خاطفة لأرشيف موقع البعثة الفرنسية على الأنترنيت تكفي للتعرف على تواريخ تخرج جميع أبناء عز الدين العراقي، الوزير الاستقلالي الذي عرب التعليم للمزاليط، من مدارس البعثة الفرنسية.
«بالعربية تاعرابت، طلقو الدراري باركة من العياقة، راكم زدتو فيه. هاكاوا على المحكمة العسكرية، مالو جنرال ولقيتوه سارق الحوت فأعالي البحار»؟
فالتهم التي يتابع بها التلاميذ القاصرون في خنيفرة كان من الممكن جدا أن نتابع بها نحن أيضا في تلك الثمانينيات البعيدة. فماذا اقترف هؤلاء «الأشرار» الصغار حتى ينتهي بعضهم أمام المحكمة المدنية وبعضهم الآخر أمام المحكمة العسكرية.
ذنب هؤلاء المراهقين الوحيد أنهم ولدوا في زمن الأنترنيت و«غوغل» و«الفايس بوك» و»يوتوب». وعوض أن يقضوا الوقت مثلما كنا نصنع نحن في قراءة كتاب «قرعة الأنبياء» أو «الروض العاطر في نزهة الخاطر»، أبحروا عبر الشبكة الإلكترونية ووضعوا كلمة «متفجرات» في محرك البحث فانفتحت أمامهم آلاف الصفحات التي تقترح عليهم كيفية صنع القنابل والمتفجرات، من قنابل «المولوتوف» التقليدية إلى القنبلة النووية.
لقد حاول هؤلاء التلاميذ وضع درس الفيزياء الذي تعلموه في الفصل قيد التطبيق في الشارع، مثلما حلمنا نحن أيضا عندما كنا مراهقين بالحصول على بطارية المذياع لاختبارها في تجربة درس «الطاقة» الذي درسناه في مادة الفيزياء. الفرق بيننا وبينهم هو أننا كنا مراهقين في زمن كان فيه العالم يسمي الأفغان مجاهدين، بينما يعيشون هم مراهقتهم في زمن أصبح يسمي الأفغان أنفسهم إرهابيين.
نحن عشنا في زمن كان فيه الاتصال الوحيد، المسموح به، بالعالم يتم بالكسكاس لالتقاط «تيفي 5»، بينما يعيش مراهقو اليوم وسط طوفان من القنوات والفضائيات التي يستطيعون التقاطها على هواتفهم المحمولة في أقسام الدرس. صوت الانفجار الوحيد الذي كنا نسمعه نحن هو طقطقة الفحم في الكانون، فيما هم يسمعون ويرون تقريبا انفجارات مهولة يومية على شاشات الأخبار.
عندما قرأت خبر اعتقال هؤلاء التلاميذ وتقديم بعضهم أمام المحكمة العسكرية بسبب إقدامهم على تفجيرين داخل الفصل وأمام باب المدرسة، تذكرت كل تلك المرات التي كنا «نتناقش» فيها في ما بيننا نحن أطفال الحي لجمع ما يكفي من النقود لاقتناء درهمين من «الكاربون». فقد كنا بدائيين جدا مقارنة بمراهقي اليوم، وكان أعلى مستوى من الاختراع العلمي والفيزيائي الذي وصلنا إليه هو صناعة «بوديزة» متفجرة. وكانت الوصفة سهلة ولا تحتاج إلى مساعدة أي موقع إلكتروني، بحيث كانت المعادلة الكيميائية تقتضي أن نملأ«البيدوزة» بماء العين ثم نضيف إليه الكاربون ونغلقها بإحكام ثم نحركها جيدا قبل أن نضعها أمام باب أحدهم ونطلق سيقاننا للريح. الأكثر «إرهابية» بيننا كانوا يفضلون «حكاك الطون»، وذلك لإحداث أكبر دوي ممكن.
ويعلم الله كم بابا غيرنا لونه من الأخضر إلى الأسود بسبب الدخان الفاحم الذي يعقب الانفجار. صحيح أننا لم نخلف ضحايا مدنيين بسبب عملياتنا «الإرهابية»، لكننا كنا في كل انفجار نربح دعاوى «ضحايانا» المرفوعة إلى السماء. خصوصا وأننا لم نكن نتذكر هذه الألعاب الخطرة سوى في شهر رمضان، الذي كنا نستقبله بشعارنا الطفولي الخالد «تيريرا تيريرا، هادا عام الحريرة».
كان «الكاربون» الكبريت الذي نجمعه من رؤوس أعواد «لوقيد ديال الشمع» أسلحتنا النارية التي نهدد بها السلم العام في ليالي رمضان الحارة التي كانت تأتي في قلب غشت. وبمجرد ما ينتهي مسلسل «محمد يا رسول الله» نتفرق في الأزقة المظلمة للمدينة نمثل فيها مسلسلا آخر اسمه «اللهم صلي عليك أرسول الله»، نشهر فيه ضد بعضنا البعض السهام المصنوعة من القصب و»جعلاق الموناضا»، وقنابلنا اليدوية المصنوعة من الكبريت و«الكاربون» وباقي المعادن الرخيصة التي يستطيع أي بائع عقاقير أن يبيعها لك بالكيلو.
اليوم تغيرت الأمور كثيرا. أصبح كل من يشتري رابعة من الكبريت والكاربون من محل للعقاقير مشبوها يجب إشعار الأمن بهويته. فمن كثرة ما تعرض المغرب للتفجيرات الإرهابية أصبح الجميع خائفا على مستقبله. لذلك فما قام تلاميذ خنيفرة ليس فيه أي نوع من البطولة «العلمية» أو النوايا الإرهابية المبيتة، بل هو ببساطة عمل صبياني يدخل ضمن حماقات المراهقة. وأعتقد أن التجربة المريرة التي مر بها هؤلاء المراهقين في مراكز الاعتقال وساعات الاستنطاق الطويلة التي عاشوها كافية لكي يدركوا أنهم كانوا مخطئين عندما فجروا قنينتيهم السخيفتين في القسم وأمام أبواب الثانوية.
كما أن القضاء «زعما مول العقل» والذي ضخم الموضوع و«دار راسو» في هؤلاء المراهقين وقادهم إلى المحكمة العسكرية، يحتاج فعلا إلى أن يراجع أوراقه. فالذي يستحق أن يقف أمام المحكمة العسكرية فعلا ولم يقف هو الكوماندار التريكي الذي زور محضر الدرك في حادثة قتل مستخدم بفندق «أونفتريت بالاص» ولم يتابعه القضاء إلى اليوم.
في تلك الثمانينيات البعيدة، كانت لنا نحن جيل المسيرة الخضراء طريقتنا الخاصة للانتقام من صرامة المؤسسة التعليمية التي كنا ندرس بها. وأقصى ما كنا نلجأ إليه هو حك أوراق «المخينزة» فوق أرضية القسم، لكي يتحول إلى غرفة حقيقية للإعدام بالغازات السامة. كنا نصنع ذلك في الحصص التي نكره أساتذتها، إما بسبب قسوة أولئك الأساتذة الذين كانوا لا يتورعون عن تحويل القسم إلى غرفة تعذيب، وإما للإفلات من اختبار أو فرض مفاجئ لم نستعد له بما يكفي. لكننا لم نفكر يوما في تجريب عملية تفجير في القسم. كنا نصنع ذلك لإجبار الأستاذ على إخراجنا من الفصل بسبب الرائحة. لكن أحيانا كان السحر ينقلب على الساحر، فيحدث أن يخرج الأستاذ بمفرده ويغلق علينا الباب ويتركنا وسط القسم نتنفس «المخينزة» على «خواطرنا» إلى أن نصاب بالشقيقة.
لقد جربت الدولة المقاربة الأمنية لمواجهة ظاهرة تفجير التلاميذ لمؤسساتهم التعليمية منذ تجرؤ تلاميذ في سلا على استعمال قنينات «بوطاغاز» لتفجير مؤسستهم. لكنها للأسف لم تنجح. فالظاهرة معقدة ولها علاقة بما هو نفسي وتربوي أكثر مما لها علاقة بما هو أمني. يجب على الدولة أن تفكر في الأسباب الحقيقية التي تجعل التلاميذ يكرهون مؤسساتهم التعليمية إلى الحد الذي يجعلهم يفكرون في نسفها.
إن ما قام به تلاميذ «البوطاغاز» في سلا سابقا وما قام به اليوم تلاميذ خنيفرة، يعني شيئا واحدا، وهو فشل السياسة التعليمية الحكومية في المغرب. فتلاميذ خنيفرة المتابعين اليوم أمام المحكمة بتهم ثقيلة ليسوا تلاميذ كسالى، بل يتعلق الأمر بتلاميذ نجباء يحصلون على نقط متميزة بين أقرانهم، وبشهادة أساتذتهم أنفسهم.
لذلك فمن تجب محاكمتهم في الواقع أمام المحكمة العسكرية هم المسؤولون الحقيقيون عن فشل السياسة التعليمية الرسمية، وليس هؤلاء التلاميذ المراهقين الذين خلطوا الفيزياء بقانون الإرهاب دون وعي. لأن هؤلاء المسؤولين اقترفوا أكبر وأحقر جريمة في حق أبناء الشعب المغربي. وفي الوقت الذي يتابع فيه أبناء الشعب دراستهم في أقسام متسخة متزاحمين بالعشرات مثل السردين، يتابع أبناء المسؤولين عن انتكاسة التعليم العمومي دراستهم في مدارس البعثات الأجنبية، استعدادا لاستكمال دراستهم في الخارج والعودة إلى المغرب لكي يرثوا مناصب آبائهم الرفيعة في الوزارات والمؤسسات العمومية الكبرى.
ومن غرائب الصدف في المغرب ألا يكون لدينا وزير تعليم واحد درس أبناءه في مدارس التعليم العمومي التي يشرف عليها. وإذا كان وزراء التعليم أنفسهم غير واثقين من جدوى إصلاح التعليم الذي يشرفون عليه، فكيف سيثق بذلك المواطن العادي يا ترى. وزيارة خاطفة لأرشيف موقع البعثة الفرنسية على الأنترنيت تكفي للتعرف على تواريخ تخرج جميع أبناء عز الدين العراقي، الوزير الاستقلالي الذي عرب التعليم للمزاليط، من مدارس البعثة الفرنسية.
«بالعربية تاعرابت، طلقو الدراري باركة من العياقة، راكم زدتو فيه. هاكاوا على المحكمة العسكرية، مالو جنرال ولقيتوه سارق الحوت فأعالي البحار»؟
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: شوف تشوف
جريدة المساء رائدة في ميدان الإعلام الوطني، لكنها تلاقي عراقيل كثيرة من أعداء الحقيقة.فأنا من قرائها كل يوم هي والقدس ا لعربي .
فتحية لكل صاحب كلمة صادقة:
فتحية لكل صاحب كلمة صادقة:
زائر- زائر
تحية بدون مناسبة /رشيد نيني
أحيانا يراودنا شعور بإلقاء تحية الصباح على أول شخص نلتقي به. هكذا
ولمجرد كسر الجليد والذهاب نحو الآخر بدون أحكام مسبقة وبدون مصلحة معينة.
فقط تحية صباحية لتذكير الآخرين بأنهم موجودون بيننا ولديهم حضور، وأننا
نفكر فيهم رغم أننا لا نشترك معهم أية علاقة أخرى غير باب مقابل لبابنا في
العمارة، أو نظرة عابرة في حافلة عمومية، أو زحاما في صف أمام مستشفى.
تحية إذن للسجين الذي سيغادر زنزانته هذا الصباح دون أن يجد أحدا بانتظاره أمام الباب.
للأم التي تحمل طفلها المحموم فوق ظهرها وتقف حائرة أمام باب المستشفى
الحكومي بانتظار دورها للدخول، دون أن تدري أن اليوم يوم إضراب عن العمل.
للبنت المرتبكة التي يوشوش لها مستخدمها في مصنع النسيج كلاما وقحا
في أذنها بينما هي تتحمل وتشتغل خافضة رأسها وتفكر في دواء والدها المريض
بالربو.
للعسكري الذي لم ير أبناءه أشهرا طويلة، والذي عندما يشتاق إليهم
يخرج صورهم من جيبه ويقبلهم واحدا واحدا ثم يعتدل في وقفته تحت الشمس حتى
لا يمر جنرال ما ويضبطه متلبسا بتهمة الحنين.
للموظف البسيط الذي ينتظر الساعة السادسة لكي يذهب إلى باره المفضل
لكي يغرق بقية يومه في الشرب، وحيث يحكي قصة حياته للمرة الألف للبارميطة
السمينة التي تبتسم طيلة الوقت من فرط التعاسة.
للحارس الواقف ليلا أمام أبواب الشركات الرأسمالية المتوحشة،
لسيجارته الرخيصة التي تتدلى من شفتيه، ولكأس الشاي البارد الذي يقاوم به
وحشة الليل وقسوة الطقس.
للعاهرة التي يحكي لها زبونها ثقيل الدم نكتة سخيفة في مطعم تافه،
فتضحك بتصنع إلى أن تسعل وتغرورق عيناها بالدموع، فتتوقف فجأة وهي لا تدري
هل الدموع التي في عينيها بسبب الضحك أم بسبب الحزن.
للخادمة الشقية التي تشاهد بطلتها المفضلة في المسلسل المكسيكي وتبكي
بحرقة بسبب ما يحدث لها، ما يحدث للبطلة في المسلسل طبعا وليس للخادمة في
بيت سيدتها.
لسائق الشاحنة المسافر نحو مدينة بعيدة في الجنوب، إلى ظهره المبلل
بالعرق ولنظرته الضائعة في الغروب، لصوت المذياع الذي يصاحبه ولامرأة
وحيدة تركها خلفه يفكر فيها طيلة الطريق.
للقاضي الذي يبدأ نهاره بتطليق زوجين.
للطبيب الجراح الذي يفعل كل ما بوسعه لينقذ طفلا مريضا فيفشل في
إعادته إلى الحياة، ويعود منكسر الخاطر إلى البيت في المساء، يحتضن أطفاله
بين ذراعيه ويفكر في أم الطفل الذي مات أمامه هذا الصباح، ماذا تراها
ستحضن بين ذراعيها بعد اليوم.
للممرضة التي يرتعش قلبها عندما تصلها رسالة غزل من خطيبها على هاتفها النقال، وفي الوقت نفسه تصلها آهات امرأة ترقد في جناح القلب.
لشرطية المرور الغاضبة من وقفتها تحت أشعة الشمس التي تفسد بشرة
وجهها، ومن بعض الرجال الذين يفسدون مزاجها ولا يعيرون اهتماما لصفارتها.
للجنرال العجوز المشغول طيلة الوقت بمراجعة حسابه البنكي، حيث
العائدات الشهرية لأساطيله، لضغطه العالي وسرطان البروسطات الذي يزحف نحوه
مثل عنكبوت عجوز، للياليه الفارغة من الدفء وقلبه المهجور الذي لم يعد
يطرقه أحد.
للثري الذي يقضي حياته خائفا من الفقر، وللفقير الذي يقضي حياته حالما بالثروة.
للرجال والنساء المسنين الذين تخلى عنهم أبناؤهم في دور العجزة،
لجلستهم الطويلة تحت الشمس فوق مقاعد إسمنتية، لنظراتهم الضائعة عندما
يسمعون أن أحدهم لم ينزل هذا الصباح للحديقة لأن سيارة نقل الموتى أخذته
إلى مقبرة الضاحية.
للصياد الوحيد الذي يدخن لفافة تبغه أمام البحر ممسكا قصبته التي
تحركها ريح المساء، منتظرا أن تبتلع طعمه سمكة في المحيط قبل أن يحل
الظلام، لخطواته المتعبة وهو يعود إلى البيت من دون صيد، سعيدا مع ذلك
بنفسه لأنه أعاد سمكة صغيرة إلى البحر.
للمرأة رقيقة الصوت التي تعتذر نيابة عنا في الهاتف عندما لا نكون
متوفرين. للعلبة الصوتية التي تسكن داخلها، مرتاحة الصوت رغم الضيق.
للمؤذن الذي يصعد صومعته ساعة الفجر لكي يوقظ النائمين للصلاة، لصوته
الرخيم الذي يدغدغ المسامع، ولخجلنا الشديد من أنفسنا عندما يصل إلى آخر
الأذان ويقول «الصلاة خير من النوم»، فيما نحن غارقون في النوم.
للمعلمة الشابة التي تتسلق الجبل لكي تصل مدرستها التي عينتها فيها
الوزارة، لجلستها الحزينة في الفصل بعد ذهاب التلاميذ إلى بيوتهم، للأرقام
العشوائية التي تركبها على هاتفها وتتصل بها ثم تقطع، لعل وعسى يتشجع أحد
ويكلمها فتشعر أخيرا بأنها موجودة في هذا العالم.
للواقفين في الصفوف الطويلة لطالبي التأشيرة نحو الغربة في المدن
الحزينة، لقلقهم الصباحي وهم ينتظرون جوازاتهم، لحقائب سفرهم التي جمعوها
منذ سنوات طويلة، لأملهم في وطنهم الذي خاب.
للجالسين في قاعات الاستقبال في انتظار نتائج تحاليلهم، للقادمين من
القرى البعيدة إلى العيادات بدون إفطار من أجل الفحص، للداخلين هذا الصباح
إلى جناح الجراحة.
للذين يستعدون هذا الصباح لركوب قارب باتجاه الضفة الأخرى للحياة،
للذين تطفو جثثهم الآن فوق مياه المضيق، للذين وصلوا فقط لكي يدفنوا في
مقابر الغرباء.
لساعي البريد الذي يترك لنا الرسائل تحت الباب دون أن نراه، لرجل النظافة الذي يمر في الفجر بصمت لكي يفرغ سطل القمامة.
لفصل الربيع الذي يزورنا هذه الأيام، لكل الورود التي ستنفتح فوق الروابي، لكل الأعشاب البرية التي ستنمو فوق قبور الأحبة الراحلين.
للوطن الجريح، لأبنائه الذين ينامون على رصيفه، لأبنائه البعيدين
الذين يبعثون إليه بمصروف الجيب كل شهر، لأبنائه اليائسين الذين يحرقون
كبده بين وقت وآخر.
إليهم كلهم، وإلى كل الآخرين أيضا...
المساء
ولمجرد كسر الجليد والذهاب نحو الآخر بدون أحكام مسبقة وبدون مصلحة معينة.
فقط تحية صباحية لتذكير الآخرين بأنهم موجودون بيننا ولديهم حضور، وأننا
نفكر فيهم رغم أننا لا نشترك معهم أية علاقة أخرى غير باب مقابل لبابنا في
العمارة، أو نظرة عابرة في حافلة عمومية، أو زحاما في صف أمام مستشفى.
تحية إذن للسجين الذي سيغادر زنزانته هذا الصباح دون أن يجد أحدا بانتظاره أمام الباب.
للأم التي تحمل طفلها المحموم فوق ظهرها وتقف حائرة أمام باب المستشفى
الحكومي بانتظار دورها للدخول، دون أن تدري أن اليوم يوم إضراب عن العمل.
للبنت المرتبكة التي يوشوش لها مستخدمها في مصنع النسيج كلاما وقحا
في أذنها بينما هي تتحمل وتشتغل خافضة رأسها وتفكر في دواء والدها المريض
بالربو.
للعسكري الذي لم ير أبناءه أشهرا طويلة، والذي عندما يشتاق إليهم
يخرج صورهم من جيبه ويقبلهم واحدا واحدا ثم يعتدل في وقفته تحت الشمس حتى
لا يمر جنرال ما ويضبطه متلبسا بتهمة الحنين.
للموظف البسيط الذي ينتظر الساعة السادسة لكي يذهب إلى باره المفضل
لكي يغرق بقية يومه في الشرب، وحيث يحكي قصة حياته للمرة الألف للبارميطة
السمينة التي تبتسم طيلة الوقت من فرط التعاسة.
للحارس الواقف ليلا أمام أبواب الشركات الرأسمالية المتوحشة،
لسيجارته الرخيصة التي تتدلى من شفتيه، ولكأس الشاي البارد الذي يقاوم به
وحشة الليل وقسوة الطقس.
للعاهرة التي يحكي لها زبونها ثقيل الدم نكتة سخيفة في مطعم تافه،
فتضحك بتصنع إلى أن تسعل وتغرورق عيناها بالدموع، فتتوقف فجأة وهي لا تدري
هل الدموع التي في عينيها بسبب الضحك أم بسبب الحزن.
للخادمة الشقية التي تشاهد بطلتها المفضلة في المسلسل المكسيكي وتبكي
بحرقة بسبب ما يحدث لها، ما يحدث للبطلة في المسلسل طبعا وليس للخادمة في
بيت سيدتها.
لسائق الشاحنة المسافر نحو مدينة بعيدة في الجنوب، إلى ظهره المبلل
بالعرق ولنظرته الضائعة في الغروب، لصوت المذياع الذي يصاحبه ولامرأة
وحيدة تركها خلفه يفكر فيها طيلة الطريق.
للقاضي الذي يبدأ نهاره بتطليق زوجين.
للطبيب الجراح الذي يفعل كل ما بوسعه لينقذ طفلا مريضا فيفشل في
إعادته إلى الحياة، ويعود منكسر الخاطر إلى البيت في المساء، يحتضن أطفاله
بين ذراعيه ويفكر في أم الطفل الذي مات أمامه هذا الصباح، ماذا تراها
ستحضن بين ذراعيها بعد اليوم.
للممرضة التي يرتعش قلبها عندما تصلها رسالة غزل من خطيبها على هاتفها النقال، وفي الوقت نفسه تصلها آهات امرأة ترقد في جناح القلب.
لشرطية المرور الغاضبة من وقفتها تحت أشعة الشمس التي تفسد بشرة
وجهها، ومن بعض الرجال الذين يفسدون مزاجها ولا يعيرون اهتماما لصفارتها.
للجنرال العجوز المشغول طيلة الوقت بمراجعة حسابه البنكي، حيث
العائدات الشهرية لأساطيله، لضغطه العالي وسرطان البروسطات الذي يزحف نحوه
مثل عنكبوت عجوز، للياليه الفارغة من الدفء وقلبه المهجور الذي لم يعد
يطرقه أحد.
للثري الذي يقضي حياته خائفا من الفقر، وللفقير الذي يقضي حياته حالما بالثروة.
للرجال والنساء المسنين الذين تخلى عنهم أبناؤهم في دور العجزة،
لجلستهم الطويلة تحت الشمس فوق مقاعد إسمنتية، لنظراتهم الضائعة عندما
يسمعون أن أحدهم لم ينزل هذا الصباح للحديقة لأن سيارة نقل الموتى أخذته
إلى مقبرة الضاحية.
للصياد الوحيد الذي يدخن لفافة تبغه أمام البحر ممسكا قصبته التي
تحركها ريح المساء، منتظرا أن تبتلع طعمه سمكة في المحيط قبل أن يحل
الظلام، لخطواته المتعبة وهو يعود إلى البيت من دون صيد، سعيدا مع ذلك
بنفسه لأنه أعاد سمكة صغيرة إلى البحر.
للمرأة رقيقة الصوت التي تعتذر نيابة عنا في الهاتف عندما لا نكون
متوفرين. للعلبة الصوتية التي تسكن داخلها، مرتاحة الصوت رغم الضيق.
للمؤذن الذي يصعد صومعته ساعة الفجر لكي يوقظ النائمين للصلاة، لصوته
الرخيم الذي يدغدغ المسامع، ولخجلنا الشديد من أنفسنا عندما يصل إلى آخر
الأذان ويقول «الصلاة خير من النوم»، فيما نحن غارقون في النوم.
للمعلمة الشابة التي تتسلق الجبل لكي تصل مدرستها التي عينتها فيها
الوزارة، لجلستها الحزينة في الفصل بعد ذهاب التلاميذ إلى بيوتهم، للأرقام
العشوائية التي تركبها على هاتفها وتتصل بها ثم تقطع، لعل وعسى يتشجع أحد
ويكلمها فتشعر أخيرا بأنها موجودة في هذا العالم.
للواقفين في الصفوف الطويلة لطالبي التأشيرة نحو الغربة في المدن
الحزينة، لقلقهم الصباحي وهم ينتظرون جوازاتهم، لحقائب سفرهم التي جمعوها
منذ سنوات طويلة، لأملهم في وطنهم الذي خاب.
للجالسين في قاعات الاستقبال في انتظار نتائج تحاليلهم، للقادمين من
القرى البعيدة إلى العيادات بدون إفطار من أجل الفحص، للداخلين هذا الصباح
إلى جناح الجراحة.
للذين يستعدون هذا الصباح لركوب قارب باتجاه الضفة الأخرى للحياة،
للذين تطفو جثثهم الآن فوق مياه المضيق، للذين وصلوا فقط لكي يدفنوا في
مقابر الغرباء.
لساعي البريد الذي يترك لنا الرسائل تحت الباب دون أن نراه، لرجل النظافة الذي يمر في الفجر بصمت لكي يفرغ سطل القمامة.
لفصل الربيع الذي يزورنا هذه الأيام، لكل الورود التي ستنفتح فوق الروابي، لكل الأعشاب البرية التي ستنمو فوق قبور الأحبة الراحلين.
للوطن الجريح، لأبنائه الذين ينامون على رصيفه، لأبنائه البعيدين
الذين يبعثون إليه بمصروف الجيب كل شهر، لأبنائه اليائسين الذين يحرقون
كبده بين وقت وآخر.
إليهم كلهم، وإلى كل الآخرين أيضا...
المساء
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
الى الصديق محمد الشريف صدقي القريش
حلال عليهم حرام علينا
رشيد نيني
سماء العلاقات المغربية الإسبانية ملبدة هذه الأيام بغيوم كثيفة. وكل
الأسلحة التي يمكن أن تقع في يد اليمين واليسار الجذري الإسباني صالحة
لتمريغ المغرب في الوحل على المستوى الأممي والأوربي.
لكن، يحدث أحيانا أن يكون خطاب هؤلاء الخصوم الاقتصاديين متناقضا،
خصوصا الذين يغلفون حملتهم على المغرب بغطاء شفاف من الإنسانية، كأن يعطوا
الانطباع بأنهم عندما يقومون بإنجاز تقارير لفضح خروقات حقوق الإنسان في
المغرب فإن الهدف هو تقديم خدمة للمغاربة، في الوقت الذي يعلم الجميع أن
الهدف هو إضعاف المغرب أمام المنتظم الدولي لكي يحققوا أهدافهم السياسية
أولا.
وعندما نتأمل كيف تتعامل جهات حقوقية وإعلامية وسياسية في إسبانيا
معنا كمغاربة، نستنتج أن هذا التعامل فيه الكثير من التعالي والأستاذية
والعجرفة. فما يحل لهم محرم علينا، وما يسمحون لأنفسهم بالقيام به ممنوع
علينا. فنحن في نظرهم مجرد «موروس» ويجب أن نبقى كذلك إلى الأبد.
عندما استطاع مراسل جريدة «إلباييس» في الرباط، من مدريد، أن يحصل
على النسخة الأولية من تقرير اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان في الصحراء
المغربية، بعد أن سربه إليه أعضاء في اللجنة لديهم تعاطف مع الخط التحريري
لجريدته، نشره سيمبريرو في الموقع الإلكتروني لجريدة «إلباييس» وسمى هذا
العمل بالسبق الصحافي.
وعندما نشرنا خبر هذا «السبق» وعلقنا عليه بتصريحات لشخصيات في
الاتحاد الأوربي اعتبرت هذا العمل سابقة غير مهنية في تاريخ تقارير
الاتحاد، وأن «سيمبريرو» أضاف من عنده جملا لم يتضمنها التقرير الأولي،
استشاط هذا الأخير غضبا وانقطع عن نشر مقالاته في «إلباييس» وتفرغ كليا
لكتابة رسائل إلكترونية يحرض فيها الجميع علينا.
وعندما استطعنا نحن في «المساء» بوسائلنا الخاصة، الحصول على رسالة
إلكترونية يعترف فيها لإحدى زملائه الصحافيين الإسبان المعتمدين في
المغرب، بأنه فعلا أضاف جملا من عنده إلى التقرير، وأن ذلك لا يهمه في
شيء. اعتبر «سيمبريرو» هذا العمل قرصنة لبريده الشخصي، وبدأ يهدد
بمقاضاتنا أمام المحاكم الإسبانية، وكأننا نعيش في إسبانيا وليس في
المغرب.
والمعنى واضح، عندما يستطيع «سيمبريرو» الحصول بوسائله الخاصة على
تقرير سري لم تكتمل بعد صيغته النهائية، وينشره في جريدته يسمي ذلك سبقا
صحافيا. أما عندما تحصل «المساء» على وثيقة تثبت أن «سيمبريرو» أضاف جملا
إلى التقرير قبل نشره، فإن ذلك يسمى قرصنة وسرقة لمعطيات خاصة.
والغريب في الأمر أن أغلب المراسلين الصحافيين الإسبان المعتمدين في
المغرب هبوا للوقوف إلى جانب زميلهم. الذي بالمناسبة أغضبه نشر الرسالة في
«المساء» وليس اعترافه بإضافة جمل إلى التقرير. فهو إلى حدود الآن لم ينف
هذه التهمة.
والأكثر غرابة أن هؤلاء المراسلين الصحافيين توحدوا للدفاع عن
زميلهم مصور وكالة «رويترز» وطالبوا الحكومة المغربية بإعطائه الحق في
ممارسة عمله. وفي نفس الأسبوع تعرض مراسل جريدة «العلم» في الناظور إلى
المنع من دخول مليلية المحتلة لإنجاز تحقيق صحافي، ومع ذلك لم يكتب هذا
الخبر أي مراسل صحافي إسباني في جريدته، ولم يطالب أحد منهم الحكومة
الإسبانية باحترام حق الصحافيين المغاربة في دخول مدينة مغربية محتلة
للقيام بواجبهم المهني، كما يصنعون عندما يتعرض أحدهم لنفس المنع.
والمخجل في الأمر أن مصور «رويترز» تدخلت للدفاع عنه الحكومة
الإسبانية والسفارة الإسبانية بالرباط ووفد من وكالة «رويترز» والصحافيون
الإسبان ومنظمة صحافيون بلا حدود. فيما صحافي «العلم» لم يدافع عنه سوى
بلاغ يتيم للنقابة الوطنية للصحافة.
وكيف نطلب أن يدافع عنه وزير الاتصال وهو يرى أن صحافيي جريدتي حزبه
«البيان» و«بيان اليوم» يضربون عن العمل احتجاجا على أوضاعهم المهنية
المزرية، ولا يملك لهم شيئا.
فسعادة وزير الاتصال لديه الوقت فقط لكي يستقبل وفود الدول الأجنبية
التي تأتي للدفاع عن صحافييها المعتمدين في المغرب، أما مدير مكتب جريدة
«البيان» الناطقة بلسان حزب وزير الاتصال، فعندما وقف أمام وزارة الاتصال
يطالب بلقاء الوزير أرسلوا إليه من أعطاه «سلخة» سيتذكرها طيلة حياته.
تناقضات الخطاب الإعلامي والحقوقي والسياسي الإسباني اتجاه المغرب لا
حدود لها. فعندما يطالب جزء من الإسبان الموالين لحركة «إيطا» الباسكية
بالاستقلال الذاتي يسمونهم بالانفصاليين، ويطالبون حكومتهم بقطع الحوار مع
ذراعها السياسي. أما عندما تطالب «البوليساريو» بالاستقلال الذاتي في
الصحراء المغربية، فإنهم يسمونهم بالشعب الصحراوي المناضل من أجل حريته.
يعني أنهم يطالبون باستقلال ذاتي في الصحراء تحت سيادة البوليساريو،
وفي الوقت نفسه يرفضون رفضا مطلقا السماح لإقليم الباسك بالاستقلال الذاتي
تحت راية «إيطا».
عندما زار الملك خوان كارلوس وزوجته صوفيا مدينتي سبتة ومليلية
المحتلتين يوم 6 نونبر 2007، أي في اليوم ذاته الذي كان يحتفل فيه المغرب
بذكرى المسيرة الخضراء التي طردت الجيش الإسباني من الصحراء، اعتبرت
الحكومة الإسبانية هذه الزيارة عادية وليس فيها أي احتقار لمشاعر
المغاربة. وقالت نائبة الرئيس زاباطيرو أن العلاقلات بين الرباط ومدريد
جيدة ومبنية على الاحترام المتبادل، رغم هذه الزيارة. وهذا يسير في
الاتجاه نفسه الذي سار فيه الصحافي «سيمبريرو» الذي ادعى في كتابه «جاران
متباعدان» الصادر سنة 2006 بأن استرجاع سبتة ومليلية لا تشكل أولوية
بالنسبة للملكية في المغرب، وأن الملكية المغربية ليست لديها أطماع توسعية
بقدر ما لديها طموحات اقتصادية.
عام واحد على زيارة الملك خوان كارلوس وزوجته لسبتة ومليلية
المحتلتين، ستتجرع العائلة الملكية والحكومة الإسبانية الكأس نفسها التي
تجرعتها العائلة الملكية والحكومة المغربية. وكم كانت صدمة خوان كارلوس
وحكومة «زاباطيرو» كبيرة وهم يشاهدون فرقة من الحرس العسكري تعزف النشيد
البريطاني في مطار صخرة جبل طارق على شرف الأميرة «آن» التي حلت في زيارة
للمستعمرة البريطانية.
وإذا كانت نائبة الرئيس الإسباني قد اعتبرت زيارة الملك خوان كارلوس
وزوجته للمدينتين المغربيتين المحتلتين شيئا عاديا يجب أن يتقبله المغاربة
بصدر رحب، فإن وزير الخارجية الإسباني «أنخيل موراتينوس» أعطى بمناسبة
زيارة الأميرة البريطانية لصخرة جبل طارق تصريحا ناريا من بروكسيل قال فيه
أن هذه الزيارة تعتبر مسا بمشاعر كل الإسبانيين.
بعبارة أخرى، عندما يزور فرد من العائلة البريطانية جزءا من التراب
الإسباني يقع ضمن الحدود السياسية لبريطانيا الاستعمارية، فإن ذلك يعتبر
إهانة للشعب الإسباني. أما عندما يزور الملك الإسباني بنفسه رفقة زوجته
مدينتين تعتبران جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي يقعان ضمن الحدود
السياسية لإسبانيا الاستعمارية، فإن ذلك شيء عادي وطبيعي ولا يستحق أن
يثير غضب «الموروس».
كما أن إسبانيا التي لا تمل من مطالبة بريطانيا بإرجاع صخرة جبل
طارق إلى أراضيها، هي نفسها إسبانيا التي تصم آذانها عن مطالب المغرب
بإعادة سبتة ومليلية إلى حظيرة الوطن الأم.
ولعل سياسة الكيل بمكيالين التي تستعملها إسبانيا مع المغرب قد ظهرت
بشكل واضح عندما طردت وزارة الداخلية أربعة مبشرين مسيحيين إسبانا وطالبت
بمراقبة نشاط الكنائس. فكان أول من انبرى لإدانة هذا الطرد وفتح العين على
الكنائس هي جمعية للشواذ الجنسيين، اعتبرت في بيان لها أن ما قامت به
الحكومة المغربية فيه تضييق على الحريات الدينية.
ولو أن جمعيات دينية هي التي بادرت إلى إصدار هذا البيان لفهمنا
الأمر، لكن أن تبادر جمعية للشواذ الجنسيين إلى الدفاع عن التبشير
المسيحي، فهذا ما يدعو إلى الدهشة. فالجميع يعرف أن أول عدو للشواذ في
أوربا هي الكنيسة المسيحية. لكن يبدو أن جميع الخلافات تغيب عندما يتعلق
الأمر بالهجوم على المغرب. والمدهش في الأمر أن هذه الجمعية ومعها الإعلام
ليس لديهما مشكل عندما تقرر الحكومة الإسبانية مراقبة نشاط المساجد فوق
التراب الإسباني، ولم نسمع أحدهم تجرأ وقال إن مثل هذه الإجراءات فيها
تضييق على الحرية الدينية للمسلمين. أما عندما يتعلق الأمر بمراقبة نشاط
الكنائس فوق التراب المغربي فإن الجميع يشهر ورقة التضييق على الحريات
الدينية.
بعبارة أخرى، حلال عليهم مراقبة نشاط مساجدنا فوق أرضهم، حرام علينا مراقبة نشاط كنائسهم فوق أرضنا.
فهل بمكيال مختل الموازين كهذا تزن الدول الجارة علاقاتها الثنائية ؟
المساء المغربية
رشيد نيني
سماء العلاقات المغربية الإسبانية ملبدة هذه الأيام بغيوم كثيفة. وكل
الأسلحة التي يمكن أن تقع في يد اليمين واليسار الجذري الإسباني صالحة
لتمريغ المغرب في الوحل على المستوى الأممي والأوربي.
لكن، يحدث أحيانا أن يكون خطاب هؤلاء الخصوم الاقتصاديين متناقضا،
خصوصا الذين يغلفون حملتهم على المغرب بغطاء شفاف من الإنسانية، كأن يعطوا
الانطباع بأنهم عندما يقومون بإنجاز تقارير لفضح خروقات حقوق الإنسان في
المغرب فإن الهدف هو تقديم خدمة للمغاربة، في الوقت الذي يعلم الجميع أن
الهدف هو إضعاف المغرب أمام المنتظم الدولي لكي يحققوا أهدافهم السياسية
أولا.
وعندما نتأمل كيف تتعامل جهات حقوقية وإعلامية وسياسية في إسبانيا
معنا كمغاربة، نستنتج أن هذا التعامل فيه الكثير من التعالي والأستاذية
والعجرفة. فما يحل لهم محرم علينا، وما يسمحون لأنفسهم بالقيام به ممنوع
علينا. فنحن في نظرهم مجرد «موروس» ويجب أن نبقى كذلك إلى الأبد.
عندما استطاع مراسل جريدة «إلباييس» في الرباط، من مدريد، أن يحصل
على النسخة الأولية من تقرير اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان في الصحراء
المغربية، بعد أن سربه إليه أعضاء في اللجنة لديهم تعاطف مع الخط التحريري
لجريدته، نشره سيمبريرو في الموقع الإلكتروني لجريدة «إلباييس» وسمى هذا
العمل بالسبق الصحافي.
وعندما نشرنا خبر هذا «السبق» وعلقنا عليه بتصريحات لشخصيات في
الاتحاد الأوربي اعتبرت هذا العمل سابقة غير مهنية في تاريخ تقارير
الاتحاد، وأن «سيمبريرو» أضاف من عنده جملا لم يتضمنها التقرير الأولي،
استشاط هذا الأخير غضبا وانقطع عن نشر مقالاته في «إلباييس» وتفرغ كليا
لكتابة رسائل إلكترونية يحرض فيها الجميع علينا.
وعندما استطعنا نحن في «المساء» بوسائلنا الخاصة، الحصول على رسالة
إلكترونية يعترف فيها لإحدى زملائه الصحافيين الإسبان المعتمدين في
المغرب، بأنه فعلا أضاف جملا من عنده إلى التقرير، وأن ذلك لا يهمه في
شيء. اعتبر «سيمبريرو» هذا العمل قرصنة لبريده الشخصي، وبدأ يهدد
بمقاضاتنا أمام المحاكم الإسبانية، وكأننا نعيش في إسبانيا وليس في
المغرب.
والمعنى واضح، عندما يستطيع «سيمبريرو» الحصول بوسائله الخاصة على
تقرير سري لم تكتمل بعد صيغته النهائية، وينشره في جريدته يسمي ذلك سبقا
صحافيا. أما عندما تحصل «المساء» على وثيقة تثبت أن «سيمبريرو» أضاف جملا
إلى التقرير قبل نشره، فإن ذلك يسمى قرصنة وسرقة لمعطيات خاصة.
والغريب في الأمر أن أغلب المراسلين الصحافيين الإسبان المعتمدين في
المغرب هبوا للوقوف إلى جانب زميلهم. الذي بالمناسبة أغضبه نشر الرسالة في
«المساء» وليس اعترافه بإضافة جمل إلى التقرير. فهو إلى حدود الآن لم ينف
هذه التهمة.
والأكثر غرابة أن هؤلاء المراسلين الصحافيين توحدوا للدفاع عن
زميلهم مصور وكالة «رويترز» وطالبوا الحكومة المغربية بإعطائه الحق في
ممارسة عمله. وفي نفس الأسبوع تعرض مراسل جريدة «العلم» في الناظور إلى
المنع من دخول مليلية المحتلة لإنجاز تحقيق صحافي، ومع ذلك لم يكتب هذا
الخبر أي مراسل صحافي إسباني في جريدته، ولم يطالب أحد منهم الحكومة
الإسبانية باحترام حق الصحافيين المغاربة في دخول مدينة مغربية محتلة
للقيام بواجبهم المهني، كما يصنعون عندما يتعرض أحدهم لنفس المنع.
والمخجل في الأمر أن مصور «رويترز» تدخلت للدفاع عنه الحكومة
الإسبانية والسفارة الإسبانية بالرباط ووفد من وكالة «رويترز» والصحافيون
الإسبان ومنظمة صحافيون بلا حدود. فيما صحافي «العلم» لم يدافع عنه سوى
بلاغ يتيم للنقابة الوطنية للصحافة.
وكيف نطلب أن يدافع عنه وزير الاتصال وهو يرى أن صحافيي جريدتي حزبه
«البيان» و«بيان اليوم» يضربون عن العمل احتجاجا على أوضاعهم المهنية
المزرية، ولا يملك لهم شيئا.
فسعادة وزير الاتصال لديه الوقت فقط لكي يستقبل وفود الدول الأجنبية
التي تأتي للدفاع عن صحافييها المعتمدين في المغرب، أما مدير مكتب جريدة
«البيان» الناطقة بلسان حزب وزير الاتصال، فعندما وقف أمام وزارة الاتصال
يطالب بلقاء الوزير أرسلوا إليه من أعطاه «سلخة» سيتذكرها طيلة حياته.
تناقضات الخطاب الإعلامي والحقوقي والسياسي الإسباني اتجاه المغرب لا
حدود لها. فعندما يطالب جزء من الإسبان الموالين لحركة «إيطا» الباسكية
بالاستقلال الذاتي يسمونهم بالانفصاليين، ويطالبون حكومتهم بقطع الحوار مع
ذراعها السياسي. أما عندما تطالب «البوليساريو» بالاستقلال الذاتي في
الصحراء المغربية، فإنهم يسمونهم بالشعب الصحراوي المناضل من أجل حريته.
يعني أنهم يطالبون باستقلال ذاتي في الصحراء تحت سيادة البوليساريو،
وفي الوقت نفسه يرفضون رفضا مطلقا السماح لإقليم الباسك بالاستقلال الذاتي
تحت راية «إيطا».
عندما زار الملك خوان كارلوس وزوجته صوفيا مدينتي سبتة ومليلية
المحتلتين يوم 6 نونبر 2007، أي في اليوم ذاته الذي كان يحتفل فيه المغرب
بذكرى المسيرة الخضراء التي طردت الجيش الإسباني من الصحراء، اعتبرت
الحكومة الإسبانية هذه الزيارة عادية وليس فيها أي احتقار لمشاعر
المغاربة. وقالت نائبة الرئيس زاباطيرو أن العلاقلات بين الرباط ومدريد
جيدة ومبنية على الاحترام المتبادل، رغم هذه الزيارة. وهذا يسير في
الاتجاه نفسه الذي سار فيه الصحافي «سيمبريرو» الذي ادعى في كتابه «جاران
متباعدان» الصادر سنة 2006 بأن استرجاع سبتة ومليلية لا تشكل أولوية
بالنسبة للملكية في المغرب، وأن الملكية المغربية ليست لديها أطماع توسعية
بقدر ما لديها طموحات اقتصادية.
عام واحد على زيارة الملك خوان كارلوس وزوجته لسبتة ومليلية
المحتلتين، ستتجرع العائلة الملكية والحكومة الإسبانية الكأس نفسها التي
تجرعتها العائلة الملكية والحكومة المغربية. وكم كانت صدمة خوان كارلوس
وحكومة «زاباطيرو» كبيرة وهم يشاهدون فرقة من الحرس العسكري تعزف النشيد
البريطاني في مطار صخرة جبل طارق على شرف الأميرة «آن» التي حلت في زيارة
للمستعمرة البريطانية.
وإذا كانت نائبة الرئيس الإسباني قد اعتبرت زيارة الملك خوان كارلوس
وزوجته للمدينتين المغربيتين المحتلتين شيئا عاديا يجب أن يتقبله المغاربة
بصدر رحب، فإن وزير الخارجية الإسباني «أنخيل موراتينوس» أعطى بمناسبة
زيارة الأميرة البريطانية لصخرة جبل طارق تصريحا ناريا من بروكسيل قال فيه
أن هذه الزيارة تعتبر مسا بمشاعر كل الإسبانيين.
بعبارة أخرى، عندما يزور فرد من العائلة البريطانية جزءا من التراب
الإسباني يقع ضمن الحدود السياسية لبريطانيا الاستعمارية، فإن ذلك يعتبر
إهانة للشعب الإسباني. أما عندما يزور الملك الإسباني بنفسه رفقة زوجته
مدينتين تعتبران جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي يقعان ضمن الحدود
السياسية لإسبانيا الاستعمارية، فإن ذلك شيء عادي وطبيعي ولا يستحق أن
يثير غضب «الموروس».
كما أن إسبانيا التي لا تمل من مطالبة بريطانيا بإرجاع صخرة جبل
طارق إلى أراضيها، هي نفسها إسبانيا التي تصم آذانها عن مطالب المغرب
بإعادة سبتة ومليلية إلى حظيرة الوطن الأم.
ولعل سياسة الكيل بمكيالين التي تستعملها إسبانيا مع المغرب قد ظهرت
بشكل واضح عندما طردت وزارة الداخلية أربعة مبشرين مسيحيين إسبانا وطالبت
بمراقبة نشاط الكنائس. فكان أول من انبرى لإدانة هذا الطرد وفتح العين على
الكنائس هي جمعية للشواذ الجنسيين، اعتبرت في بيان لها أن ما قامت به
الحكومة المغربية فيه تضييق على الحريات الدينية.
ولو أن جمعيات دينية هي التي بادرت إلى إصدار هذا البيان لفهمنا
الأمر، لكن أن تبادر جمعية للشواذ الجنسيين إلى الدفاع عن التبشير
المسيحي، فهذا ما يدعو إلى الدهشة. فالجميع يعرف أن أول عدو للشواذ في
أوربا هي الكنيسة المسيحية. لكن يبدو أن جميع الخلافات تغيب عندما يتعلق
الأمر بالهجوم على المغرب. والمدهش في الأمر أن هذه الجمعية ومعها الإعلام
ليس لديهما مشكل عندما تقرر الحكومة الإسبانية مراقبة نشاط المساجد فوق
التراب الإسباني، ولم نسمع أحدهم تجرأ وقال إن مثل هذه الإجراءات فيها
تضييق على الحرية الدينية للمسلمين. أما عندما يتعلق الأمر بمراقبة نشاط
الكنائس فوق التراب المغربي فإن الجميع يشهر ورقة التضييق على الحريات
الدينية.
بعبارة أخرى، حلال عليهم مراقبة نشاط مساجدنا فوق أرضهم، حرام علينا مراقبة نشاط كنائسهم فوق أرضنا.
فهل بمكيال مختل الموازين كهذا تزن الدول الجارة علاقاتها الثنائية ؟
المساء المغربية
القيطي- عدد الرسائل : 1883
العمر : 58
Localisation : maghreb
تاريخ التسجيل : 30/06/2006
اللي ما عرفك خسرك/ رشيد نيني
كل من لازال لديه شك في أن الإضراب الأخير لقطاع النقل ليس احتجاجا على
«المدونة»، بل هو في الحقيقة تصفية حسابات سياسية عالقة بين الاستقلال
والاتحاد الاشتراكي، ومن يريد أن يتأكد من ذلك، فما عليه سوى أن يراجع
التصريحات النارية التي أطلقها عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال
والأمين العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، عندما وصف رمز الاتحاديين،
المهدي بنبركة، بالسفاح الذي كان وراء الإعدامات التي طالت المقاومين في
الريف وسوق الأربعاء ومناطق أخرى من المغرب في الوقت الذي كان فيه علال
الفاسي منفيا بسبب معارضته للاستقلال المجزأ للمغرب.
ولم يكتف شباط بشتم المهدي بنبركة، وإنما سخر من وزير الشغل،
الاتحادي جمال أغماني، ووصفه بالضعف وبعدم قدرته على التخلص من ثقافة ولد
الدرب التي يسير بها الوزارة، عندما قال :
- إلى كان أغماني هوا مع من غادي نديرو الحوار الاجتماعي غير بالناقص منو حوار...
نحن إذا أمام حرب مفتوحة بين الاتحاد والاستقلال يتم فيها اللجوء إلى
مساعدة الأحياء والأموات على حد السواء. وقد سمعنا مرارا كتابات صحافية
تتحدث عن كون المهدي بنبركة كان عميلا للموساد، وأخرى تتهمه بالعمالة لدول
المعسكر الشرقي، لكن هذه أول مرة نسمع فيها «مؤرخا» ومفسرا للأحاديث
النبوية في ساعات الفراغ كشباط، يتهم رجلا قتل غدرا ولا أحد يعرف إلى الآن
مكان جثته، بكونه مجرد سفاح يداه ملطختان بدماء إخوانه المغاربة. فشباط لا
يعرف أن حزب الاستقلال الذي يوجد ضمن قيادييه اليوم، كان بنبركة أحد
مؤسسيه.
يبدو أن لائحة ضحايا هذا الإضراب لن تتوقف عند خمسة قتلى، آخرهم
امرأة منع المضربون سيارة الإسعاف التي كانت تنقلها من الوصول إلى
المستعجلات، فتطورات الأحداث تنذر أيضا بإمكانية سقوط رؤوس كبيرة في
الحكومة، كما تنذر بإمكانية استخراج جثث الموتى لإعادة قتلها من جديد.
وهنا لا بد أن نتذكر ما قاله الزمزمي ذات مرة عندما صرح بأن المهدي بنبركة
ليس شهيدا وأنه يجوز قتله مرة ومرتين وثلاثا. هناك من يعتقد أنه صفى
حساباته نهائيا مع الماضي، لكي يكتشف أن الماضي لم يصف حساباته نهائيا معه
بعد.
لذلك لا أعتقد أن الرد الاتحادي سيتأخر، والتهمة جاهزة، فهناك من
سينفض الغبار عن الكتابات القديمة التي كانت تتحدث عن جلسات الشاي المنعنع
التي كان يعقدها علال الفاسي في دار بريشة، حيث كان الاستقلاليون يعذبون
حتى الموت إخوانهم المناضلين في حزب الشورى والاستقلال.
فعندما يفتح أحدهم باب القمقم الذي تتزاحم داخله أشباح وضغائن
الماضي، فلا أحد يمكنه أن يتكهن بالنتائج. لقد فهم حزب الاستقلال أنه
مستهدف في صورته التي تتشوه للأسبوع الثاني على التوالي أمام الرأي العام.
وفهم الاتحاد الاشتراكي أن الإضراب الذي تقوده نقابات عمالية تابعة سياسيا
له، هو مناسبته المثالية لتعريض وزير استقلالي، ومن خلاله حزب الاستقلال،
للسخرية والمهانة والسخط الشعبي. أما الداخلية فقد فهمت أن الوقوف على
الحياد ومراقبة الوضع من بعيد هو أنسب موقف في الوقت الراهن، وكأن شكيب
بنموسى كان يقول في داخله وهو يقرأ تقارير مصالحه حول التصارع بين
النقابيين ووزارة غلاب المغلوبة على أمرها «الله يقوي شيطانهم».
ولعل المستفيد الأكبر من هذه القيامة هو حزب الأصالة والمعاصرة. فقد
كان الحزب الجديد محتاجا لهذه المصيبة التي ضربت حزب الاستقلال، لكي
«يزحف» على مواقعه في المناطق التي تضررت فيها صورته. وبما أن مصائب قوم
عند قوم فوائد، فإن الحزب الجديد يستغل انشغال حزب الاستقلال بإخراج نفسه
من ورطة «المدونة» لكي يطوف على الجهات الأربع للمملكة ليبشر بمشروعه
السياسي المنقذ من الضلال.
أما الخاسر الأكبر في هذه المعركة السياسية فهم دافعو الضرائب من
بسطاء هذه البلاد الذين يرون أطفالهم غير قادرين على الالتحاق بمدارسهم
بسبب خوف سائقي النقل المدرسي من تشغيل محركات حافلاتهم حرصا على حياتهم.
الخاسرون هم مئات الآلاف من المستخدمين والموظفين الذين لم يستطيعوا
الالتحاق بمقرات عملهم بسبب إضراب سائقي سيارات الأجرة الكبيرة. وهم
الغالبية الساحقة من الشعب المغربي الذين أصبحوا يصرفون على موادهم
الغذائية ضعف ما كانوا يصرفون قبل أسبوعين.
وفي الوقت الذي يتعارك فيه الاتحاديون والاستقلاليون بعظام الموتى،
فإن المغاربة الذين لا يعرفون إن كان بنبركة مقاوما أم مجرد شارع في
الرباط، يعاركون أسعار الخضر واللحوم والفواكه في الأسواق.
هذا الإضراب الطويل لم يكشف فقط أن الاستقلال والاتحاد الاشتراكي لم
يدفنا قط سيوف الحرب، وأن جراحهما السياسية القديمة مازالت طرية، رغم
ضمادات الكتلة وتوافقات التناوب، بل كشف كذلك عن قوة سياسية واجتماعية ظل
الجميع يستهين بها في السنوات الأخيرة. هذه القوة اسمها «بوجلابة». وهو
اللقب الذي أعطاه وزير النقل لزعماء نقابات قطاع النقل عندما جاؤوا
يحاورونه لابسين جلابيبهم الصوفية. وربما جاءت تسميتهم بهذا الاسم أسوة
ربما بلقب «بوسبرديلة» الذي أعطته مصالح وزارة الداخلية على عهد إدريس
البصري للأموي خلال جولات الحوار الاجتماعي التي انتهت بالإضراب العام.
فقد اتضح اليوم أن «بوجلابة» معادلة لا يمكن القفز عليها، فهم عندما
يمسكون مقاود سيارات أجرتهم وشاحنات نقلهم فإنهم في الواقع يمسكون دفة
الاقتصاد الوطني. وإذا ما قرروا توقيف محرك السيارة والشاحنة والحافلة،
فكأنهم في الواقع يوقفون ضخ الدم إلى شرايين قلب المغرب. وهذا ما لم يستطع
غلاب ومستشاروه استيعابه وراحوا يسخرون من «بوجلابة» مقللين من خطرهم
وقدرتهم على إلحاق الضرر بالحكومة والدولة والبلاد ككل.
وعندما نقرأ ما تكتبه الصحافة هذه الأيام حول «بوجلابة»، نلاحظ أن
بعض الصحف أطلقت على النقابات المضربة أسماء لم نعهدها من قبل، فهم تارة
«إرهابيون» وتارة «بوجاديون» متخلفون ومتوحشون. وفي جريدة أخرى هم مجرد
متطرفين أصحاب سوابق عدلية وحثالة وحاملي ندوب على وجوههم الكالحة.
والواقع أنه يمكن أن نكون مختلفين مع النقابات الداعية إلى الإضراب،
ويمكن أن ندين بعض الأعمال الإجرامية المنافية لقانون الإضراب التي
ارتكبها بعض الذين زاد حماسهم عن الحد وأسكرهم منظر الحكومة «المدهشرة»
أمام احتلالهم للشارع. لكن أن يتم اتهام كل هذه النقابات بالإرهاب والتوحش
والنذالة، فأعتقد أن هذا أمر مبالغ فيه. وفي كل الدول الديمقراطية ليس
عيبا أن تجعل النقابات الحكومة تتراجع عن مشاريع القوانين التي تريد
تطبيقها، ولنا في فرنسا خير مثال عندما سحبت مشروع «السي بي أو» على عهد
حكومة دوفلبان. ولم يخرج أحد في الصحافة يكتب أن النقابات والتلاميذ الذين
احتلوا الشارع وأحرقوا مكتبات الجامعات وحوش وحثالة يجب إطلاق يد البوليس
فيهم لكي علمهم أصول الحضارة.
بعض الذين كتبوا هذه الشتائم في حق النقابيين والمضربين عاتبوا وزارة
الداخلية على عدم تدخلها لكسر الإضراب. يعني أنهم كانوا في الواقع يتمنون
رؤية قوات التدخل السريع وهي تكسر عظام المضربين لإجبارهم على العمل. وهذا
أغرب شيء قرأته في الآونة الأخيرة.
«بوجلابة» رغم كل ما يقال حول أميته وجهله وهمجيته استطاع أن يضع
مناخير عباس في التراب، وأن «يجفف» بوزيره في النقل الأرض. رغم أن الوزير
الأول «هرس» أسنانه في السياسة والحكومة، ورغم أن ابن عمومته كريم غلاب
مزق سراويله فوق طاولات الدرس بمدرسة الطرق والقناطر الباريسية، فإنهما
انهزما أمام «شوافرية» أغلبهم غادروا مقاعد الدرس في وقت مبكر ولا يقرؤون
شيئا آخر سوى تلك النصائح والحكم التي يعلقون خلف شاحناتهم والتي ينصحون
فيها بعضهم البعض بالتقليل من السرعة لأن العجلة من الشيطان، وجمل «شعرية»
من قبيل «تكايس خوك أنا»، و«عين الحسود فيها عود»، و«اللي ما عرفك خسرك».
هذا المثل الأخير ينطبق حرفيا على حالة غلاب مع «بوجلابة». فقد خسر رهان «المدونة» لأنه استهان ببوجلابة ولم يقدرهم حق قدرهم.
وصدق أحد «الشوافرية» المصريين عندما وضع في مؤخرة شاحنته جملة بليغة يقول فيها «مافيش صاحب صالح ولا صاحب طالح، كلو بتاع مصالح».
عليك نور...
المساء
«المدونة»، بل هو في الحقيقة تصفية حسابات سياسية عالقة بين الاستقلال
والاتحاد الاشتراكي، ومن يريد أن يتأكد من ذلك، فما عليه سوى أن يراجع
التصريحات النارية التي أطلقها عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال
والأمين العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، عندما وصف رمز الاتحاديين،
المهدي بنبركة، بالسفاح الذي كان وراء الإعدامات التي طالت المقاومين في
الريف وسوق الأربعاء ومناطق أخرى من المغرب في الوقت الذي كان فيه علال
الفاسي منفيا بسبب معارضته للاستقلال المجزأ للمغرب.
ولم يكتف شباط بشتم المهدي بنبركة، وإنما سخر من وزير الشغل،
الاتحادي جمال أغماني، ووصفه بالضعف وبعدم قدرته على التخلص من ثقافة ولد
الدرب التي يسير بها الوزارة، عندما قال :
- إلى كان أغماني هوا مع من غادي نديرو الحوار الاجتماعي غير بالناقص منو حوار...
نحن إذا أمام حرب مفتوحة بين الاتحاد والاستقلال يتم فيها اللجوء إلى
مساعدة الأحياء والأموات على حد السواء. وقد سمعنا مرارا كتابات صحافية
تتحدث عن كون المهدي بنبركة كان عميلا للموساد، وأخرى تتهمه بالعمالة لدول
المعسكر الشرقي، لكن هذه أول مرة نسمع فيها «مؤرخا» ومفسرا للأحاديث
النبوية في ساعات الفراغ كشباط، يتهم رجلا قتل غدرا ولا أحد يعرف إلى الآن
مكان جثته، بكونه مجرد سفاح يداه ملطختان بدماء إخوانه المغاربة. فشباط لا
يعرف أن حزب الاستقلال الذي يوجد ضمن قيادييه اليوم، كان بنبركة أحد
مؤسسيه.
يبدو أن لائحة ضحايا هذا الإضراب لن تتوقف عند خمسة قتلى، آخرهم
امرأة منع المضربون سيارة الإسعاف التي كانت تنقلها من الوصول إلى
المستعجلات، فتطورات الأحداث تنذر أيضا بإمكانية سقوط رؤوس كبيرة في
الحكومة، كما تنذر بإمكانية استخراج جثث الموتى لإعادة قتلها من جديد.
وهنا لا بد أن نتذكر ما قاله الزمزمي ذات مرة عندما صرح بأن المهدي بنبركة
ليس شهيدا وأنه يجوز قتله مرة ومرتين وثلاثا. هناك من يعتقد أنه صفى
حساباته نهائيا مع الماضي، لكي يكتشف أن الماضي لم يصف حساباته نهائيا معه
بعد.
لذلك لا أعتقد أن الرد الاتحادي سيتأخر، والتهمة جاهزة، فهناك من
سينفض الغبار عن الكتابات القديمة التي كانت تتحدث عن جلسات الشاي المنعنع
التي كان يعقدها علال الفاسي في دار بريشة، حيث كان الاستقلاليون يعذبون
حتى الموت إخوانهم المناضلين في حزب الشورى والاستقلال.
فعندما يفتح أحدهم باب القمقم الذي تتزاحم داخله أشباح وضغائن
الماضي، فلا أحد يمكنه أن يتكهن بالنتائج. لقد فهم حزب الاستقلال أنه
مستهدف في صورته التي تتشوه للأسبوع الثاني على التوالي أمام الرأي العام.
وفهم الاتحاد الاشتراكي أن الإضراب الذي تقوده نقابات عمالية تابعة سياسيا
له، هو مناسبته المثالية لتعريض وزير استقلالي، ومن خلاله حزب الاستقلال،
للسخرية والمهانة والسخط الشعبي. أما الداخلية فقد فهمت أن الوقوف على
الحياد ومراقبة الوضع من بعيد هو أنسب موقف في الوقت الراهن، وكأن شكيب
بنموسى كان يقول في داخله وهو يقرأ تقارير مصالحه حول التصارع بين
النقابيين ووزارة غلاب المغلوبة على أمرها «الله يقوي شيطانهم».
ولعل المستفيد الأكبر من هذه القيامة هو حزب الأصالة والمعاصرة. فقد
كان الحزب الجديد محتاجا لهذه المصيبة التي ضربت حزب الاستقلال، لكي
«يزحف» على مواقعه في المناطق التي تضررت فيها صورته. وبما أن مصائب قوم
عند قوم فوائد، فإن الحزب الجديد يستغل انشغال حزب الاستقلال بإخراج نفسه
من ورطة «المدونة» لكي يطوف على الجهات الأربع للمملكة ليبشر بمشروعه
السياسي المنقذ من الضلال.
أما الخاسر الأكبر في هذه المعركة السياسية فهم دافعو الضرائب من
بسطاء هذه البلاد الذين يرون أطفالهم غير قادرين على الالتحاق بمدارسهم
بسبب خوف سائقي النقل المدرسي من تشغيل محركات حافلاتهم حرصا على حياتهم.
الخاسرون هم مئات الآلاف من المستخدمين والموظفين الذين لم يستطيعوا
الالتحاق بمقرات عملهم بسبب إضراب سائقي سيارات الأجرة الكبيرة. وهم
الغالبية الساحقة من الشعب المغربي الذين أصبحوا يصرفون على موادهم
الغذائية ضعف ما كانوا يصرفون قبل أسبوعين.
وفي الوقت الذي يتعارك فيه الاتحاديون والاستقلاليون بعظام الموتى،
فإن المغاربة الذين لا يعرفون إن كان بنبركة مقاوما أم مجرد شارع في
الرباط، يعاركون أسعار الخضر واللحوم والفواكه في الأسواق.
هذا الإضراب الطويل لم يكشف فقط أن الاستقلال والاتحاد الاشتراكي لم
يدفنا قط سيوف الحرب، وأن جراحهما السياسية القديمة مازالت طرية، رغم
ضمادات الكتلة وتوافقات التناوب، بل كشف كذلك عن قوة سياسية واجتماعية ظل
الجميع يستهين بها في السنوات الأخيرة. هذه القوة اسمها «بوجلابة». وهو
اللقب الذي أعطاه وزير النقل لزعماء نقابات قطاع النقل عندما جاؤوا
يحاورونه لابسين جلابيبهم الصوفية. وربما جاءت تسميتهم بهذا الاسم أسوة
ربما بلقب «بوسبرديلة» الذي أعطته مصالح وزارة الداخلية على عهد إدريس
البصري للأموي خلال جولات الحوار الاجتماعي التي انتهت بالإضراب العام.
فقد اتضح اليوم أن «بوجلابة» معادلة لا يمكن القفز عليها، فهم عندما
يمسكون مقاود سيارات أجرتهم وشاحنات نقلهم فإنهم في الواقع يمسكون دفة
الاقتصاد الوطني. وإذا ما قرروا توقيف محرك السيارة والشاحنة والحافلة،
فكأنهم في الواقع يوقفون ضخ الدم إلى شرايين قلب المغرب. وهذا ما لم يستطع
غلاب ومستشاروه استيعابه وراحوا يسخرون من «بوجلابة» مقللين من خطرهم
وقدرتهم على إلحاق الضرر بالحكومة والدولة والبلاد ككل.
وعندما نقرأ ما تكتبه الصحافة هذه الأيام حول «بوجلابة»، نلاحظ أن
بعض الصحف أطلقت على النقابات المضربة أسماء لم نعهدها من قبل، فهم تارة
«إرهابيون» وتارة «بوجاديون» متخلفون ومتوحشون. وفي جريدة أخرى هم مجرد
متطرفين أصحاب سوابق عدلية وحثالة وحاملي ندوب على وجوههم الكالحة.
والواقع أنه يمكن أن نكون مختلفين مع النقابات الداعية إلى الإضراب،
ويمكن أن ندين بعض الأعمال الإجرامية المنافية لقانون الإضراب التي
ارتكبها بعض الذين زاد حماسهم عن الحد وأسكرهم منظر الحكومة «المدهشرة»
أمام احتلالهم للشارع. لكن أن يتم اتهام كل هذه النقابات بالإرهاب والتوحش
والنذالة، فأعتقد أن هذا أمر مبالغ فيه. وفي كل الدول الديمقراطية ليس
عيبا أن تجعل النقابات الحكومة تتراجع عن مشاريع القوانين التي تريد
تطبيقها، ولنا في فرنسا خير مثال عندما سحبت مشروع «السي بي أو» على عهد
حكومة دوفلبان. ولم يخرج أحد في الصحافة يكتب أن النقابات والتلاميذ الذين
احتلوا الشارع وأحرقوا مكتبات الجامعات وحوش وحثالة يجب إطلاق يد البوليس
فيهم لكي علمهم أصول الحضارة.
بعض الذين كتبوا هذه الشتائم في حق النقابيين والمضربين عاتبوا وزارة
الداخلية على عدم تدخلها لكسر الإضراب. يعني أنهم كانوا في الواقع يتمنون
رؤية قوات التدخل السريع وهي تكسر عظام المضربين لإجبارهم على العمل. وهذا
أغرب شيء قرأته في الآونة الأخيرة.
«بوجلابة» رغم كل ما يقال حول أميته وجهله وهمجيته استطاع أن يضع
مناخير عباس في التراب، وأن «يجفف» بوزيره في النقل الأرض. رغم أن الوزير
الأول «هرس» أسنانه في السياسة والحكومة، ورغم أن ابن عمومته كريم غلاب
مزق سراويله فوق طاولات الدرس بمدرسة الطرق والقناطر الباريسية، فإنهما
انهزما أمام «شوافرية» أغلبهم غادروا مقاعد الدرس في وقت مبكر ولا يقرؤون
شيئا آخر سوى تلك النصائح والحكم التي يعلقون خلف شاحناتهم والتي ينصحون
فيها بعضهم البعض بالتقليل من السرعة لأن العجلة من الشيطان، وجمل «شعرية»
من قبيل «تكايس خوك أنا»، و«عين الحسود فيها عود»، و«اللي ما عرفك خسرك».
هذا المثل الأخير ينطبق حرفيا على حالة غلاب مع «بوجلابة». فقد خسر رهان «المدونة» لأنه استهان ببوجلابة ولم يقدرهم حق قدرهم.
وصدق أحد «الشوافرية» المصريين عندما وضع في مؤخرة شاحنته جملة بليغة يقول فيها «مافيش صاحب صالح ولا صاحب طالح، كلو بتاع مصالح».
عليك نور...
المساء
zouaki- عدد الرسائل : 206
العمر : 54
Localisation : fin ma jab Allah
Emploi : hirfat bouk la y guelbouk
تاريخ التسجيل : 13/07/2006
إنهم يريدونك جائعا ورائعا : رشيد نيني
في المغرب يطلبون منك أن تكون مواطنا صالحا، وهم عندما يطلبون منك ذلك فإنما يقصدون أن تكون مواطنا صالحا لهم.
يطلبون منك أن تكون معدما وصالحا.
أن تدخل يدك في جيبك فلا تعثر سوى على فواتير الماء والكهرباء ولائحة بأسماء الدائنين الذين يطلبونك حيا أو ميتا.
يطلبون منك أن تكون مظلوما وعاقلا في الوقت نفسه، حتى لا تضيف إلى لائحة اتهاماتك جنحة الرجولة.
يطلبون منك أن تتوجع لكن بصمت.
يطلبون منك أن تكون حزينا بملامح مسرورة للغاية، وأن تكون مفجوعا
بشكل حضاري، حتى إذا صرخت من شدة الألم أشعلت الأمل والحبور في نفوس
المفجوعين من أمثالك.
يطلبون منك أن تذهب إلى النوم ببال مرتاح وأفكار مرتبة كملفات
السكرتيرات، حتى ولو كنت مبعثرا عن آخرك ولا تهتدي يدك إلى جيبك إلا بمشقة
بالغة.
يطلبون منك أن تكون أمينا ولا تخلط جيوب الناس بجيوبك، وأن توقظ
ضميرك إذا اختلطت عليك الجيوب، وأن تنومه كلما دس أحدهم يده في جيوبك.
إنهم يطلبون منك أن تكون تعيسا وودودا، أن تبحث في أعماقك فلا تجد
سوى الغضب وأن تعرف كيف تصرف هذا الغضب بلا حمرة في العينين ولا حدة في
الأنفاس ولا عض على الأسنان.
يطلبون منك أن تمضغ طعامك بفم مغلق حتى لا تتعود أنيابك على الظهور
أكثر من اللازم، فهم يخافون أنياب الجياع البارزة ويخشون ألا تجد ما تطحن
يوما فيشهرونها في وجوههم السمينة مثل سكاكين اللصوص في المنعطفات الحادة.
إنهم يطلبون منك أن تنام بلا أحلام، وإذا حلمت أن تحكي عنها في الغد
بشكل خاص جدا حتى لا تثير الشبهات حول النيام الآخرين الذين لا يحلمون
بالليل ويؤجلون أحلامهم إلى النهار لكي يروها وهي تتحقق أمامهم في ضوء
النهار.
إنهم يطلبون منك أن تكون ضريرا رغم أن عينيك أوسع من نافذتين، وأن
تنعدم الرؤية أمامك كلما مر أحدهم هاربا بقسطه من الكعكة التي أعدها
الشعب، وألا تفتح عينيك إلا عندما يحين دورك التاريخي في جمع الفتات، الذي
هو نصيبك النضالي جزاء بصيرتك المتفانية في العماء.
إنهم يطلبون منك أن تعيش سعيدا وبسيطا، أن تفترش أوراق الجرائد وأن
تلتهم العناوين العريضة والمواضيع الدسمة في نشرات الأخبار. أن تقطن حذاءك
وأن ترتدي الثياب المستعملة وأن تضحك بانتظام على الأقل مرتين في اليوم،
وأن تحزن بكميات معقولة حتى لا تصاب بتضخم في القلب، فتزاحمهم أسرتهم
النظيفة في المستشفيات.
إنهم يريدون منك أن تبكي بين حين وآخر، لذلك يسلطون عليك كل تلك المسلسلات والبرامج الرديئة والمنشطين الثخينين في التلفزيون.
إنهم يطلبون منك أن تفكر دون أن تكلف نفسك عناء النزول إلى العمق، وأن تظل بالمقابل فوق السطح معرضا ضميرك لتيارات الهواء الباردة.
إنهم يطلبون منك أن تتفانى في أداء الواجب الوطني وأن تقنع بأقل
الرواتب وأتفه المسؤوليات، وأن تحرق أعصابك يوميا في كتابة التقارير التي
لن يطالعها أحد، وأن «تنشف دماغك» في إحصاء الأموال التي لا تعرف البنوك
التي ستسمن فيها، وأن يكون كل نصيبك من هذه المحنة أقل بكثير من نصيب
أولئك الموظفين الكبار الذين كل بطولاتهم أنهم يضعون توقيعاتهم الرديئة
بأقلام حبرهم الضخمة وينصرفون لأخذ أتعابهم الأكثر ضخامة من سيغارهم
الكوبي.
يطلبون منك أن تكون متذمرا، لكن بقسمات مبتهجة. أن ترقد أمك في
السرير بلا علاج وأن تفرح لمجرد أن الأمطار نزلت بكثرة هذا الموسم. أن تجد
إشعارا بضريبة ثقيلة تحت الباب عوض أن تجد رسالة صديق، وأن تبقى لديك مع
ذلك الرغبة في قراءة كتاب قبل النوم أو الجلوس قرب سرير الصغار وإسماعهم
مرة أخرى حكاية ذلك الوحش الذي التهم بمفرده وطنا رائعا ثم مات وحيدا بسبب
التخمة.
يطلبون منك أن تنام باكرا وتصحو باكرا لأن هذا من صفات المواطن
الصالح، وهم لا يعرفون أن النوم في هذه الأيام أصبح يتطلب أدوية كثيرة
واحتياطات أكثر بسبب كل الكوابيس المرعبة التي أصبحت تتسكع في أحلام
الفقراء مثل القطط الضالة.
إنهم يطلبون منك أن تكف عن إزعاجهم بمشاريعك الطموحة وأفكارك
النيرة، أن تقتنع بأن الحرية امرأة مطلقة تنام مع الغرباء، وأن الكرامة
ليست سوى ضربة حذاء ثقيل مغلفة بقفاز أبيض، وأن الشجاعة ليست سوى صورة
صفراء لفارس ملثم يطعن غولا كانت معلقة على جدران مدارسنا الابتدائية.
إنهم يطلبون منك أن تمنحهم كل وقتك وكل إعجابك وكل مشاعرك، لأنهم
يحتاجونها جميعها ليقنعوا أنفسهم بجدوى العطور الثمينة التي يشترونها من
عواصم العالم، وبجدوى تسريحات شعور زوجاتهم الناعمة وبجمالية جلستهم
المتراخية على كراسيهم الوثيرة.
إنهم يطلبون منك ألا تكون مبالغا وأنت تحكي عن تعاساتك، أن تستعمل
الكلمات التي تليق بالنعيم الذي يرتعون فيه وأن تعرف حدود مياهك الإقليمية
جيدا. أن تسحب شكواك عندما لا يكون هناك استعداد من طرف سعادتهم لسماعها،
وأن تبسط امتنانك البالغ لقبولهم استقبال مواطن حقير ووضيع مثلك.
وفي الأخير ينصحونك بأن تعتمد على مواهبك وأن تحل مشاكلك بنفسك، رغم
أنك لم تتسبب قط في خلق أي مشكل، والحل الوحيد الذي يقترحون عليك هو أن
تدفع حياتك بالتقسيط المريح حتى تسدد الأخطاء التي ارتكبها غيرك.
إنهم يطلبون منك أن تتعلم كيف تتخابث في كلامك كما يتخابثون، وأن تضع بين كل كلمة وأخرى عبارة شكر وامتنان.
إنهم يطلبون منك أن تكون حريصا على حياتك وأن تفكر في المستقبل بجدية،
وينصحونك بأن تكون رومانسيا وأن تلتقي نظراتك بنظرات فتاة في القطار فتسقط
في حبها على الفور وتتزوجا كما يحدث في المسلسلات المكسيكية الرديئة التي
يقدمونها لك يوميا على مائدة الغداء. هكذا تصبح مواطنا صالحا وتصير لك
زوجة وأبناء وواجبات وديون وفواتير لا تحصى وحسابات عند المحلات التجارية
والصيدليات، وحسابات أخرى عويصة مع الجيران.
إنهم يطلبون منك أن تؤلف عائلة صغيرة وكتبا في أوقات الفراغ، أن تذهب كأي غبي مسرور إلى العروض السينمائية التي تبتز جيوب الناس.
أن يصبح لك سطح تعيش فوقه وعتبة للفقر تعيش تحتها.
أن تنجب أطفالا وتتزاحم أمام أبواب المحلات التجارية لتشتري لهم
الحليب الاصطناعي، لأن أمهم سترفض أن ترضعهم ثدييها انسجاما مع تعاليم
الحركة النسائية العالمية.
إنهم يطلبون منك أن تأخذ الأطفال إلى النزهة خلال أيام الآحاد، لكي
يضعوك في حيرة من أمرك ويجعلوك تفكر وقتا طويلا لماذا يقترحون عليك دائما
حديقة الحيوان.
إنهم يطلبون منك أن تشتغل طوال حياتك مثل بغل جبار وعندما تصل سن
التقاعد يصرفون لك مرتبا لا يكفي لإعالة كلب واحد من كلابهم الأنيقة.
إنهم يطلبون منك أكثر ما يمكن من الهدوء في الأعصاب، وأقل ما يمكن من الغضب في النظرة، وتقريبا لا شيء من الكرامة.
إنهم يطلبون منك أن تكون جائعا ورائعا
عاريا وشريفا
وحيدا وأليفا...
يطلبون منك أن تكون مضروبا وغير ناقم
مهشما وكل جوارحك تصفق لهم...
إنهم يطلبون منك المستحيل يا أخي، إنهم ببساطة يطلبون رأسك لا أقل ولا أكثر.
المساء
يطلبون منك أن تكون معدما وصالحا.
أن تدخل يدك في جيبك فلا تعثر سوى على فواتير الماء والكهرباء ولائحة بأسماء الدائنين الذين يطلبونك حيا أو ميتا.
يطلبون منك أن تكون مظلوما وعاقلا في الوقت نفسه، حتى لا تضيف إلى لائحة اتهاماتك جنحة الرجولة.
يطلبون منك أن تتوجع لكن بصمت.
يطلبون منك أن تكون حزينا بملامح مسرورة للغاية، وأن تكون مفجوعا
بشكل حضاري، حتى إذا صرخت من شدة الألم أشعلت الأمل والحبور في نفوس
المفجوعين من أمثالك.
يطلبون منك أن تذهب إلى النوم ببال مرتاح وأفكار مرتبة كملفات
السكرتيرات، حتى ولو كنت مبعثرا عن آخرك ولا تهتدي يدك إلى جيبك إلا بمشقة
بالغة.
يطلبون منك أن تكون أمينا ولا تخلط جيوب الناس بجيوبك، وأن توقظ
ضميرك إذا اختلطت عليك الجيوب، وأن تنومه كلما دس أحدهم يده في جيوبك.
إنهم يطلبون منك أن تكون تعيسا وودودا، أن تبحث في أعماقك فلا تجد
سوى الغضب وأن تعرف كيف تصرف هذا الغضب بلا حمرة في العينين ولا حدة في
الأنفاس ولا عض على الأسنان.
يطلبون منك أن تمضغ طعامك بفم مغلق حتى لا تتعود أنيابك على الظهور
أكثر من اللازم، فهم يخافون أنياب الجياع البارزة ويخشون ألا تجد ما تطحن
يوما فيشهرونها في وجوههم السمينة مثل سكاكين اللصوص في المنعطفات الحادة.
إنهم يطلبون منك أن تنام بلا أحلام، وإذا حلمت أن تحكي عنها في الغد
بشكل خاص جدا حتى لا تثير الشبهات حول النيام الآخرين الذين لا يحلمون
بالليل ويؤجلون أحلامهم إلى النهار لكي يروها وهي تتحقق أمامهم في ضوء
النهار.
إنهم يطلبون منك أن تكون ضريرا رغم أن عينيك أوسع من نافذتين، وأن
تنعدم الرؤية أمامك كلما مر أحدهم هاربا بقسطه من الكعكة التي أعدها
الشعب، وألا تفتح عينيك إلا عندما يحين دورك التاريخي في جمع الفتات، الذي
هو نصيبك النضالي جزاء بصيرتك المتفانية في العماء.
إنهم يطلبون منك أن تعيش سعيدا وبسيطا، أن تفترش أوراق الجرائد وأن
تلتهم العناوين العريضة والمواضيع الدسمة في نشرات الأخبار. أن تقطن حذاءك
وأن ترتدي الثياب المستعملة وأن تضحك بانتظام على الأقل مرتين في اليوم،
وأن تحزن بكميات معقولة حتى لا تصاب بتضخم في القلب، فتزاحمهم أسرتهم
النظيفة في المستشفيات.
إنهم يريدون منك أن تبكي بين حين وآخر، لذلك يسلطون عليك كل تلك المسلسلات والبرامج الرديئة والمنشطين الثخينين في التلفزيون.
إنهم يطلبون منك أن تفكر دون أن تكلف نفسك عناء النزول إلى العمق، وأن تظل بالمقابل فوق السطح معرضا ضميرك لتيارات الهواء الباردة.
إنهم يطلبون منك أن تتفانى في أداء الواجب الوطني وأن تقنع بأقل
الرواتب وأتفه المسؤوليات، وأن تحرق أعصابك يوميا في كتابة التقارير التي
لن يطالعها أحد، وأن «تنشف دماغك» في إحصاء الأموال التي لا تعرف البنوك
التي ستسمن فيها، وأن يكون كل نصيبك من هذه المحنة أقل بكثير من نصيب
أولئك الموظفين الكبار الذين كل بطولاتهم أنهم يضعون توقيعاتهم الرديئة
بأقلام حبرهم الضخمة وينصرفون لأخذ أتعابهم الأكثر ضخامة من سيغارهم
الكوبي.
يطلبون منك أن تكون متذمرا، لكن بقسمات مبتهجة. أن ترقد أمك في
السرير بلا علاج وأن تفرح لمجرد أن الأمطار نزلت بكثرة هذا الموسم. أن تجد
إشعارا بضريبة ثقيلة تحت الباب عوض أن تجد رسالة صديق، وأن تبقى لديك مع
ذلك الرغبة في قراءة كتاب قبل النوم أو الجلوس قرب سرير الصغار وإسماعهم
مرة أخرى حكاية ذلك الوحش الذي التهم بمفرده وطنا رائعا ثم مات وحيدا بسبب
التخمة.
يطلبون منك أن تنام باكرا وتصحو باكرا لأن هذا من صفات المواطن
الصالح، وهم لا يعرفون أن النوم في هذه الأيام أصبح يتطلب أدوية كثيرة
واحتياطات أكثر بسبب كل الكوابيس المرعبة التي أصبحت تتسكع في أحلام
الفقراء مثل القطط الضالة.
إنهم يطلبون منك أن تكف عن إزعاجهم بمشاريعك الطموحة وأفكارك
النيرة، أن تقتنع بأن الحرية امرأة مطلقة تنام مع الغرباء، وأن الكرامة
ليست سوى ضربة حذاء ثقيل مغلفة بقفاز أبيض، وأن الشجاعة ليست سوى صورة
صفراء لفارس ملثم يطعن غولا كانت معلقة على جدران مدارسنا الابتدائية.
إنهم يطلبون منك أن تمنحهم كل وقتك وكل إعجابك وكل مشاعرك، لأنهم
يحتاجونها جميعها ليقنعوا أنفسهم بجدوى العطور الثمينة التي يشترونها من
عواصم العالم، وبجدوى تسريحات شعور زوجاتهم الناعمة وبجمالية جلستهم
المتراخية على كراسيهم الوثيرة.
إنهم يطلبون منك ألا تكون مبالغا وأنت تحكي عن تعاساتك، أن تستعمل
الكلمات التي تليق بالنعيم الذي يرتعون فيه وأن تعرف حدود مياهك الإقليمية
جيدا. أن تسحب شكواك عندما لا يكون هناك استعداد من طرف سعادتهم لسماعها،
وأن تبسط امتنانك البالغ لقبولهم استقبال مواطن حقير ووضيع مثلك.
وفي الأخير ينصحونك بأن تعتمد على مواهبك وأن تحل مشاكلك بنفسك، رغم
أنك لم تتسبب قط في خلق أي مشكل، والحل الوحيد الذي يقترحون عليك هو أن
تدفع حياتك بالتقسيط المريح حتى تسدد الأخطاء التي ارتكبها غيرك.
إنهم يطلبون منك أن تتعلم كيف تتخابث في كلامك كما يتخابثون، وأن تضع بين كل كلمة وأخرى عبارة شكر وامتنان.
إنهم يطلبون منك أن تكون حريصا على حياتك وأن تفكر في المستقبل بجدية،
وينصحونك بأن تكون رومانسيا وأن تلتقي نظراتك بنظرات فتاة في القطار فتسقط
في حبها على الفور وتتزوجا كما يحدث في المسلسلات المكسيكية الرديئة التي
يقدمونها لك يوميا على مائدة الغداء. هكذا تصبح مواطنا صالحا وتصير لك
زوجة وأبناء وواجبات وديون وفواتير لا تحصى وحسابات عند المحلات التجارية
والصيدليات، وحسابات أخرى عويصة مع الجيران.
إنهم يطلبون منك أن تؤلف عائلة صغيرة وكتبا في أوقات الفراغ، أن تذهب كأي غبي مسرور إلى العروض السينمائية التي تبتز جيوب الناس.
أن يصبح لك سطح تعيش فوقه وعتبة للفقر تعيش تحتها.
أن تنجب أطفالا وتتزاحم أمام أبواب المحلات التجارية لتشتري لهم
الحليب الاصطناعي، لأن أمهم سترفض أن ترضعهم ثدييها انسجاما مع تعاليم
الحركة النسائية العالمية.
إنهم يطلبون منك أن تأخذ الأطفال إلى النزهة خلال أيام الآحاد، لكي
يضعوك في حيرة من أمرك ويجعلوك تفكر وقتا طويلا لماذا يقترحون عليك دائما
حديقة الحيوان.
إنهم يطلبون منك أن تشتغل طوال حياتك مثل بغل جبار وعندما تصل سن
التقاعد يصرفون لك مرتبا لا يكفي لإعالة كلب واحد من كلابهم الأنيقة.
إنهم يطلبون منك أكثر ما يمكن من الهدوء في الأعصاب، وأقل ما يمكن من الغضب في النظرة، وتقريبا لا شيء من الكرامة.
إنهم يطلبون منك أن تكون جائعا ورائعا
عاريا وشريفا
وحيدا وأليفا...
يطلبون منك أن تكون مضروبا وغير ناقم
مهشما وكل جوارحك تصفق لهم...
إنهم يطلبون منك المستحيل يا أخي، إنهم ببساطة يطلبون رأسك لا أقل ولا أكثر.
المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: شوف تشوف
فراقش الحلوف
رشيد نيني
كان الجميع يتهم المضاربين في البورصة ومدراء البنوك والشركات الكبرى
بالوقوف وراء الأزمة العالمية، إلى أن خرج لهم «بني حلوف» من الجنب.
وبسبب «الحلوف» نزلت كل البورصات العالمية أمس إلى مستويات غير متوقعة، بسبب انتشار «أنفلونزا الخنازير» في أكثر من قارة.
فمرض «الحلوف» تسبب في نزول مستوى الرحلات الجوية والمبادلات
الاقتصادية بين الدول وفي انخفاض استهلاك الخنازير، وأصاب السياحة
العالمية بالركود. البورصة الوحيدة التي أنعشها «الحلوف» هي بورصة
المختبرات الطبية العالمية المتخصصة في صناعة الأدوية. سيقول بعضكم إن
«مصائب قوم عند قوم فوائد».
ويبدو أن اللوبيات المتحكمة في هذا الاقتصاد العالمي الضخم، الذي
ينتج ويصدر الأدوية المضادة للأوبئة العالمية، تفرك يدها فرحا وهي ترى
أسهم شركاتها تحلق من جديد في البورصات العالمية. فمنذ «ضربة» أنفلونزا
الطيور وداء «السارز» لم تعرف شركات الدواء العالمية انتعاشة مالية كتلك
التي تعرفها اليوم بفضل الخنازير.
وإذا كانت منظمة الصحة العالمية تدافع عن مصالح شركات إنتاج الأدوية
الكبرى، وتريد «تغراق الساس للحلوف» وتحميله وحده مسؤولية الفيروس الذي
يجتاح بلدان العالم، فإن «الحلوف» الأوربي والأمريكي ليس مقطوعا من شجرة
وليس لديه من يدافع عن مصالحه. والدليل على ذلك أن قبيلة «بني حلوف» لديها
منظمة عالمية اسمها «المنظمة العالمية لصحة الحيوان» ومقرها باريس جندت
موظفيها للوقوف إلى جانبه في هذه المحنة وقفة «حلوف» واحد. وأول شيء قامت
به هذه المنظمة الحيوانية هو الدعوة إلى تسمية «أنفلونزا الخنازير» باسم
آخر هو «أنفلونزا المكسيك». فالمكسيك هو البلد الذي ظهر فيه الفيروس أول
مرة، ولذلك يستحق أن يحمل «شرف» هذا الاختراع العظيم مكان «الحلوف» الذي
ليس سوى ضحية مثل الآخرين في هذه الكارثة.
وكما ترون فوسط هذه الأزمة الصحية العالمية تختفي حرب اقتصادية
طاحنة بين قبيلة «بني حلوف» وقبيلة شركات صناعة الأدوية العالمية. وفي هذه
الحرب يلجأ كل واحد إلى منظمته الصحية العالمية لكي تدافع عن مصالحه
الاقتصادية.
وحتى الدول التي توجد بها حكومات دينية متطرفة كإسرائيل لجأت إلى هذه
الطريقة الملتوية لكي لا تمس بمصالح شركات تربية وإنتاج «الحلوف». فقد
قررت إسرائيل أن تعمل بنصيحة «المنظمة العالمية لصحة الحيوان» وتطلق على
هذا المرض «أنفلونزا المكسيك»، وذلك بعدما غلف نائب وزير الصحة الإسرائيلي
المتشدد «ياكوف ليتسمان» هذا القرار بفتوى تبرر اللجوء إلى هذه التسمية
بكون الدين اليهودي يعتبر الخنزير حيوانا نجسا. ولذلك فهو يفضل وصف المرض
بأنفلونزا المكسيك حتى لا يضطر إلى التلفظ بكلمة خنزير. يعني «تفوت غير
الحلوف وتجي فيمن بغات».
أمام الأمراض والأوبئة العابرة للقارات تضع الشركات العالمية الكبرى
مصالحها دائما فوق كل اعتبار. وسواء كانت شركات لإنتاج لحوم «الحلوف» أو
شركات لإنتاج الأمصال المقاومة للفيروسات المعدية، فإن المعركة الحقيقية
لا تدور في المختبرات الطبية وإنما تدور دائما على عتبات البورصات
العالمية.
والشيء نفسه ينطبق على الشركات الكبرى المتخصصة في صناعة الأسلحة.
فبدون حروب تصاب أسهم هذه الشركات بهبوط حاد في البورصات، وتصبح مهددة
بالإفلاس. ولذلك تصبح الحروب قضية حياة أو موت، بالنسبة إلى شركات صنع
الأسلحة طبعا، وليس بالنسبة إلى لدول التي تخوض هذه الحروب.
ولعل القارة الإفريقية تبقى أكبر سوق حرة لبيع الأسلحة المصنعة
أوربيا وأمريكيا. فهي القارة الأكثر تعرضا للحروب الأهلية والانقلابات
والمشاكل السياسية التي تستدعي من البلدان المتخاصمة إبرام صفقات بملايير
الدولارات للتزود بأحدث الأسلحة تحسبا لإعلان أحد الجيران الحرب بشكل
مفاجئ. ولنا في صفقة الفرقاطات الأخيرة التي يسعى بوتفليقة إلى إبرامها مع
ألمانيا، أياما قليلة فقط على عودته إلى عرش قصر المرادية، بسعر يقارب
ملياري دولار، خير مثال على هذه «المخاوف» التي تلعب عليها شركات صناعة
الأسلحة والدول التي تصدرها للرفع من عائدات صادرتها بالعملة الصعبة.
وطبعا، ستعمل شركات صناعة السلاح الفرنسية كل ما بوسعها لكي تقنع
المغرب بشراء فرقاطات مضادة للفرقاطات الجزائرية تحسبا لحرب مفاجئة يعلنها
الأشقاء الجزائريون علينا. وهذا تقريبا يحدث في كل دول العالم الثالث التي
لا تستطيع صنع رصاصة واحد وتكتفي باستيراد كل أسلحتها من الشركات العالمية
المسيطرة على هذا القطاع.
وإفريقيا ليست فقط سوقا لترويج أسلحة الشركات العالمية، وإنما هي
أيضا سوق لترويج العقاقير والأدوية المضادة للأمراض المعدية والقاتلة.
فأغلب حكومات الدول الإفريقية تصرف جزءا كبيرا من ميزانياتها لاقتناء
أدوية مضادة لأمراض تظهر في دولهما فقط.
ولعل الجميع يتذكر الحملة العالمية في وسائل الإعلام التي رافقت
الإعلان عن فيروس «أنفلونزا الطيور»، وكيف تم التسويق على نطاق واسع لدواء
«الطاميفلو» المضاد للمرض. وبمجرد ما تزودت كل الدول بمخزونها الخاص من
هذا العقار وتوصلت المختبرات العالمية التي تملك براءة اختراع الدواء
شيكاتها بالعملة الصعبة، لاحظ الجميع كيف تراجع الحديث عن ضحايا «أنفلونزا
الطيور» إلى المرتبة الثالثة أو الرابعة في ترتيب مواضيع نشرات الأخبار،
إلى أن اختفى نهائيا.
ومن يدري، فربما سيخف الحديث عن «أنفلونزا الخنازير» مباشرة بعد إنتاج المصل الضاد للفيروس وبيعه لكل بلدان العالم وتحصيل شيكاته.
والمدهش في الأمر أن صراع المصالح هذا يمكن أن يكتسي أحيانا طابعا
طينيا كما وقع في إسرائيل، كما يمكن أن يكتسي طابعا إنسانيا كما صنعت
إنجلترا عندما أرسلت مساعدات طبية عاجلة إلى المكسيك. فإنجلترا هي إحدى
أكبر الدول المنتجة للحوم الخنازير في العالم. وهي عندما تقوم بهذه الخطوة
«الإحسانية» لصالح «حلاليف» المكسيك، فإنها لا تقوم بذلك من أجل سواد عيون
المكسيكيين، وإنما خوفا من انهيار واحد من أهم منتجاتها الفلاحية الموجه
إلى الاستهلاك المحلي والتصدير.
ولعل المغرب أصبح خلال السنوات التسعة الأخيرة سوقا يستهدفها مربو
«الحلوف» بمنتجاتهم. فقد عرف استيراد المغرب للحوم «الحلوف» ارتفاعا قدره
ثلاثة آلاف في المائة سنة 2006 مقارنة بالسنوات التي قبلها، مما عجل
بانقراض مزارع تربية «الحلوف» بالمغرب، والتي أصبح عددها لا يتعدى ست
«فيرمات» بعد أن كان عددها يصل إلى عشرين «فيرمة». وهكذا، أصبح تجار «لحم
الحلوف» يفضلون استيراده من الخارج على تربيته في الداخل، لأن التكلفة
أرخص. الآن بعد تعليق المغرب لاستيراده «لحم الحلوف» من الخارج فليس أمام
هؤلاء المستوردين سوى تعويض «خسارتهم».
الذين عاشوا في أوربا يعرفون ماذا يعني «لحم الحلوف». إنه الضمانة
الغذائية الأساسية اليومية لمئات الملايين من الأوربيين. وأي اختلال في
تموين السوق الأوربي بهذه المادة قد يؤدي إلى تغيير جذري في العادات
الغذائية لقارة بأكملها. والأوربيون كانوا سباقين إلى اختراع مقولة شعبية
تقول إن «الحلوف» هو الحيوان الوحيد الذي يؤكل بالكامل. حتى «فراقش
الحلوف» يأكلونها بعد تمليحها وقليها في الزيت وتقديمها في البارات، فهي
«القطعة» المفضلة لشاربي «البيرة». أما جلد «الحلوف» فيتم تقشيره وتيبيسه
وقليه ثم أكله مثل شرائح «التشيبس»، مثله مثل أذنيه وذيله وأظافره. أما
دمه الذي ينزف من الثقب الذي يحدثونه في بلعومه من أجل قتله، فيتم جمعه
وتخثيره وبيعه في الأسواق التجارية الممتازة داخل أكياس بلاستيكية.
ومع ذلك تجد «بريجيت باردو»، رائدة حقوق الحيوان في الغرب المتقدم،
الوجه لكي تشتم المسلمين وتنتقدهم بسبب الطريقة التي يذبحون ويأكلون بها
خرافهم في عيد الأضحى.
المساء
رشيد نيني
كان الجميع يتهم المضاربين في البورصة ومدراء البنوك والشركات الكبرى
بالوقوف وراء الأزمة العالمية، إلى أن خرج لهم «بني حلوف» من الجنب.
وبسبب «الحلوف» نزلت كل البورصات العالمية أمس إلى مستويات غير متوقعة، بسبب انتشار «أنفلونزا الخنازير» في أكثر من قارة.
فمرض «الحلوف» تسبب في نزول مستوى الرحلات الجوية والمبادلات
الاقتصادية بين الدول وفي انخفاض استهلاك الخنازير، وأصاب السياحة
العالمية بالركود. البورصة الوحيدة التي أنعشها «الحلوف» هي بورصة
المختبرات الطبية العالمية المتخصصة في صناعة الأدوية. سيقول بعضكم إن
«مصائب قوم عند قوم فوائد».
ويبدو أن اللوبيات المتحكمة في هذا الاقتصاد العالمي الضخم، الذي
ينتج ويصدر الأدوية المضادة للأوبئة العالمية، تفرك يدها فرحا وهي ترى
أسهم شركاتها تحلق من جديد في البورصات العالمية. فمنذ «ضربة» أنفلونزا
الطيور وداء «السارز» لم تعرف شركات الدواء العالمية انتعاشة مالية كتلك
التي تعرفها اليوم بفضل الخنازير.
وإذا كانت منظمة الصحة العالمية تدافع عن مصالح شركات إنتاج الأدوية
الكبرى، وتريد «تغراق الساس للحلوف» وتحميله وحده مسؤولية الفيروس الذي
يجتاح بلدان العالم، فإن «الحلوف» الأوربي والأمريكي ليس مقطوعا من شجرة
وليس لديه من يدافع عن مصالحه. والدليل على ذلك أن قبيلة «بني حلوف» لديها
منظمة عالمية اسمها «المنظمة العالمية لصحة الحيوان» ومقرها باريس جندت
موظفيها للوقوف إلى جانبه في هذه المحنة وقفة «حلوف» واحد. وأول شيء قامت
به هذه المنظمة الحيوانية هو الدعوة إلى تسمية «أنفلونزا الخنازير» باسم
آخر هو «أنفلونزا المكسيك». فالمكسيك هو البلد الذي ظهر فيه الفيروس أول
مرة، ولذلك يستحق أن يحمل «شرف» هذا الاختراع العظيم مكان «الحلوف» الذي
ليس سوى ضحية مثل الآخرين في هذه الكارثة.
وكما ترون فوسط هذه الأزمة الصحية العالمية تختفي حرب اقتصادية
طاحنة بين قبيلة «بني حلوف» وقبيلة شركات صناعة الأدوية العالمية. وفي هذه
الحرب يلجأ كل واحد إلى منظمته الصحية العالمية لكي تدافع عن مصالحه
الاقتصادية.
وحتى الدول التي توجد بها حكومات دينية متطرفة كإسرائيل لجأت إلى هذه
الطريقة الملتوية لكي لا تمس بمصالح شركات تربية وإنتاج «الحلوف». فقد
قررت إسرائيل أن تعمل بنصيحة «المنظمة العالمية لصحة الحيوان» وتطلق على
هذا المرض «أنفلونزا المكسيك»، وذلك بعدما غلف نائب وزير الصحة الإسرائيلي
المتشدد «ياكوف ليتسمان» هذا القرار بفتوى تبرر اللجوء إلى هذه التسمية
بكون الدين اليهودي يعتبر الخنزير حيوانا نجسا. ولذلك فهو يفضل وصف المرض
بأنفلونزا المكسيك حتى لا يضطر إلى التلفظ بكلمة خنزير. يعني «تفوت غير
الحلوف وتجي فيمن بغات».
أمام الأمراض والأوبئة العابرة للقارات تضع الشركات العالمية الكبرى
مصالحها دائما فوق كل اعتبار. وسواء كانت شركات لإنتاج لحوم «الحلوف» أو
شركات لإنتاج الأمصال المقاومة للفيروسات المعدية، فإن المعركة الحقيقية
لا تدور في المختبرات الطبية وإنما تدور دائما على عتبات البورصات
العالمية.
والشيء نفسه ينطبق على الشركات الكبرى المتخصصة في صناعة الأسلحة.
فبدون حروب تصاب أسهم هذه الشركات بهبوط حاد في البورصات، وتصبح مهددة
بالإفلاس. ولذلك تصبح الحروب قضية حياة أو موت، بالنسبة إلى شركات صنع
الأسلحة طبعا، وليس بالنسبة إلى لدول التي تخوض هذه الحروب.
ولعل القارة الإفريقية تبقى أكبر سوق حرة لبيع الأسلحة المصنعة
أوربيا وأمريكيا. فهي القارة الأكثر تعرضا للحروب الأهلية والانقلابات
والمشاكل السياسية التي تستدعي من البلدان المتخاصمة إبرام صفقات بملايير
الدولارات للتزود بأحدث الأسلحة تحسبا لإعلان أحد الجيران الحرب بشكل
مفاجئ. ولنا في صفقة الفرقاطات الأخيرة التي يسعى بوتفليقة إلى إبرامها مع
ألمانيا، أياما قليلة فقط على عودته إلى عرش قصر المرادية، بسعر يقارب
ملياري دولار، خير مثال على هذه «المخاوف» التي تلعب عليها شركات صناعة
الأسلحة والدول التي تصدرها للرفع من عائدات صادرتها بالعملة الصعبة.
وطبعا، ستعمل شركات صناعة السلاح الفرنسية كل ما بوسعها لكي تقنع
المغرب بشراء فرقاطات مضادة للفرقاطات الجزائرية تحسبا لحرب مفاجئة يعلنها
الأشقاء الجزائريون علينا. وهذا تقريبا يحدث في كل دول العالم الثالث التي
لا تستطيع صنع رصاصة واحد وتكتفي باستيراد كل أسلحتها من الشركات العالمية
المسيطرة على هذا القطاع.
وإفريقيا ليست فقط سوقا لترويج أسلحة الشركات العالمية، وإنما هي
أيضا سوق لترويج العقاقير والأدوية المضادة للأمراض المعدية والقاتلة.
فأغلب حكومات الدول الإفريقية تصرف جزءا كبيرا من ميزانياتها لاقتناء
أدوية مضادة لأمراض تظهر في دولهما فقط.
ولعل الجميع يتذكر الحملة العالمية في وسائل الإعلام التي رافقت
الإعلان عن فيروس «أنفلونزا الطيور»، وكيف تم التسويق على نطاق واسع لدواء
«الطاميفلو» المضاد للمرض. وبمجرد ما تزودت كل الدول بمخزونها الخاص من
هذا العقار وتوصلت المختبرات العالمية التي تملك براءة اختراع الدواء
شيكاتها بالعملة الصعبة، لاحظ الجميع كيف تراجع الحديث عن ضحايا «أنفلونزا
الطيور» إلى المرتبة الثالثة أو الرابعة في ترتيب مواضيع نشرات الأخبار،
إلى أن اختفى نهائيا.
ومن يدري، فربما سيخف الحديث عن «أنفلونزا الخنازير» مباشرة بعد إنتاج المصل الضاد للفيروس وبيعه لكل بلدان العالم وتحصيل شيكاته.
والمدهش في الأمر أن صراع المصالح هذا يمكن أن يكتسي أحيانا طابعا
طينيا كما وقع في إسرائيل، كما يمكن أن يكتسي طابعا إنسانيا كما صنعت
إنجلترا عندما أرسلت مساعدات طبية عاجلة إلى المكسيك. فإنجلترا هي إحدى
أكبر الدول المنتجة للحوم الخنازير في العالم. وهي عندما تقوم بهذه الخطوة
«الإحسانية» لصالح «حلاليف» المكسيك، فإنها لا تقوم بذلك من أجل سواد عيون
المكسيكيين، وإنما خوفا من انهيار واحد من أهم منتجاتها الفلاحية الموجه
إلى الاستهلاك المحلي والتصدير.
ولعل المغرب أصبح خلال السنوات التسعة الأخيرة سوقا يستهدفها مربو
«الحلوف» بمنتجاتهم. فقد عرف استيراد المغرب للحوم «الحلوف» ارتفاعا قدره
ثلاثة آلاف في المائة سنة 2006 مقارنة بالسنوات التي قبلها، مما عجل
بانقراض مزارع تربية «الحلوف» بالمغرب، والتي أصبح عددها لا يتعدى ست
«فيرمات» بعد أن كان عددها يصل إلى عشرين «فيرمة». وهكذا، أصبح تجار «لحم
الحلوف» يفضلون استيراده من الخارج على تربيته في الداخل، لأن التكلفة
أرخص. الآن بعد تعليق المغرب لاستيراده «لحم الحلوف» من الخارج فليس أمام
هؤلاء المستوردين سوى تعويض «خسارتهم».
الذين عاشوا في أوربا يعرفون ماذا يعني «لحم الحلوف». إنه الضمانة
الغذائية الأساسية اليومية لمئات الملايين من الأوربيين. وأي اختلال في
تموين السوق الأوربي بهذه المادة قد يؤدي إلى تغيير جذري في العادات
الغذائية لقارة بأكملها. والأوربيون كانوا سباقين إلى اختراع مقولة شعبية
تقول إن «الحلوف» هو الحيوان الوحيد الذي يؤكل بالكامل. حتى «فراقش
الحلوف» يأكلونها بعد تمليحها وقليها في الزيت وتقديمها في البارات، فهي
«القطعة» المفضلة لشاربي «البيرة». أما جلد «الحلوف» فيتم تقشيره وتيبيسه
وقليه ثم أكله مثل شرائح «التشيبس»، مثله مثل أذنيه وذيله وأظافره. أما
دمه الذي ينزف من الثقب الذي يحدثونه في بلعومه من أجل قتله، فيتم جمعه
وتخثيره وبيعه في الأسواق التجارية الممتازة داخل أكياس بلاستيكية.
ومع ذلك تجد «بريجيت باردو»، رائدة حقوق الحيوان في الغرب المتقدم،
الوجه لكي تشتم المسلمين وتنتقدهم بسبب الطريقة التي يذبحون ويأكلون بها
خرافهم في عيد الأضحى.
المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
أصدقاؤنا الفيروسات/ رشيد نيني
كل من أراد أن يتابع مستجدات انتشار وباء «أنفلونزا الخنازير» ما عليه سوى
أن يتابع أخبار وبرامج القناة الثانية، الفرنسية طبعا. وبالأمس تابعت حلقة
معادة خاصة من برنامج صحي حول الميكروبات والفيروسات التي تعيش معنا
وتتنقل في ما بيننا باللمس والعطس. ومن بين الأسئلة المثيرة التي طرحتها
إحدى المشاركات في البرنامج عبر الهاتف، سؤال: لماذا تهتم منظمة الصحة
العالمية بفيروس كأنفلونزا الخنازير لم يقتل في كل الكرة الأرضية سوى
ضحايا معدودين على رؤوس الأصابع، فيما لا تبدي هذه المنظمة العالمية نفس
الحماس عندما يتعلق الأمر بفيروس الملاريا الذي يقتل في إفريقيا وحدها
المئات من الآلاف سنويا. سؤال وجيه.
أول شيء أثار انتباهي في الحلقة هو أن منشطة البرنامج ظلت تكرر
الرقم الأخضر الذي وضعته كل من وزارتي الصحة والداخلية الفرنسية للإجابة
عن أسئلة المواطنين بخصوص فيروس «أنفلونزا الخنازير». وتذكرت أن وزارتي
الصحة والداخلية المغربيتين لم تكلفا نفسيهما وضع أي رقم أخضر أو أصفر خاص
بتلقي استفسارات المواطنين وأسئلتهم بخصوص هذا المرض الذي وصل إنذاره إلى
مدينة مغربية محتلة اسمها سبتة، يمر عبرها يوميا حوالي 25 ألف مغربي.
والمضحك أن وزيرة الصحة ياسمينة بادو قالت في أحد تصريحاتها إن جميع
المنافذ البحرية والجوية والأرضية للمغرب خاضعة للمراقبة الصحية. ولو أن
المغرب لديه الإمكانيات التقنية لحراسة جميع منافذه، فكيف تغفل عين كل هذه
الكاميرات والممرات الحرارية عن رؤية أطنان المخدرات وعشرات قوارب الهجرة
السرية التي تغادر منافذنا البحرية بين وقت وآخر. «زعما مشافوش الحشيش
وغادي يشوفو سخانة الحلوف».
ومن بين التصريحات التي تدل على أن بعض المسؤولين لم يفهموا جيدا
التدابير الوقائية التي يجب عليهم القيام بها لتجنب الإصابة بالعدوى، ما
قاله لإحدى اليوميات مصدر من شركة الخطوط الجوية الملكية حول الأقنعة
الواقية التي يتوفرون عليها في طائرات الشركة. فقد قال إنهم لن يوزعوا
الأقنعة إلا في حالة تسجيل إصابة أحد ركاب الطائرة بالمرض المذكور.
أولا، الراكب المصاب إذا ثبتت إصابته فيجب أن يكون في المستشفى وليس
على متن الطائرة. ثانيا، إذا ثبت أن هناك في الطائرة مسافرا مصابا فيجب أن
يتم وضع جميع المسافرين رهن المراقبة الطبية. ثالثا، كيف سيعرفون والطائرة
في الجو أن أحد ركابها مصاب بفيروس «أنفلونزا الخنازير» وليس بالتهاب
عادي، مثلا. رابعا، الأقنعة ليست أدوات لمكافحة المرض وإنما للوقاية منه.
ولذلك فتوزيعها على الركاب ووضعها فوق الفم والأنف ليس ترفا وإنما ضرورة
تفرضها شروط الحيطة والحذر التي تعمل بها جميع شركات الطيران في الوقت
الراهن.
برنامج القناة الثانية الفرنسية لم يقف فقط عند حدود التعريف بالداء
وأساليب انتقاله وطرق الوقاية منه، بل استعرض أيضا حكايات لمواطنين مرضى
بالنظافة، يعيشون خوفا مرضيا من الميكروبات والجراثيم التي تعيش حولنا.
فمن بين الإشكاليات الكبرى التي أثارها فيروس «أنفلونزا الخنازير» إشكالية
النظافة والإفراط في الخوف من المرض.
ومن بين الأمثلة الصادمة التي قدمها البرنامج، حالة سيدة تغسل يديها
بالصابون والماء أكثر من 150 مرة في اليوم. فالمسكينة تتخيل أن كل شيء
تلمسه سينقل إليها فيروسا معديا أو جرثومة قاتلة.
وطبعا، فالشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده. فكثرة النظافة يمكن أن
تتسبب في الأمراض كذلك. وفي سويسرا حيث يستحيل العثور في الشارع على «ميكة
كحلة» واحدة، (إلى بغيتي تشوفها خصك تمشي للمتحف)، اكتشف الأطباء أن
الأطفال يعانون من ضعف كبير في المناعة. والسبب أن آباء هؤلاء الأطفال
عودوهم منذ الولادة على نظام نظافة صارم، في محيط شبه معقم عطل جهاز
مناعتهم عن العمل. هكذا عندما كبروا أصبحوا عرضة للميكروبات والفيروسات
التي بدأت تهاجم جهاز مناعتهم غير المدرب على المقاومة. ولذلك أصبح
الأطباء ينصحون الآباء بإخراج أبنائهم إلى الحدائق والساحات لكي يعفروا
ملابسهم بالأتربة والأوحال، وأن يسمحوا لهم بتلطيخ أيديهم بالأوساخ وحملها
إلى أفواههم. فالأطفال محتاجون إلى الميكروبات والجراثيم لكي يدربوا جهاز
مناعتهم على المقاومة. فالقاعدة العلمية تقول إن كل جهاز أو عضو لا يشتغل
يضعف ويضمحل ويختفي.
هناك مثل مغربي شعبي يقول «الزلط جبيرة»، أي أن الفقر لديه جوانبه
الإيجابية، ومنها أنه يمنح «المزاليط» مناعة قوية ضد الجراثيم والفيروسات.
وقد عبرت عن هذه الفكرة قارئة قالت إننا نحن المغاربة لا يمكن أن «تصور»
منا «أنفلونزا الخنازير» شيئا، لأننا متعودون على العيش مع الفيروسات
القاتلة منذ الصغر. ولأن المغاربة جابهوا كل أنواع الجراثيم والفيروسات
بسلاح قديم اسمه «دوا لعرب»، تحتل فيه «المخينزة» مكانة متميزة، نظرا
لقدرتها وفعاليتها في مواجهة «السخانة» بكل أنواعها، سواء «السخانة
الباردة» أو «السخانة الحامية»، فإنهم أصبحوا يعتقدون أن لديهم قدرة خارقة
على مواجهة الأمراض، معتقدين بأنهم إذا استطاعوا الصمود في وجه الميكروبات
والفيروسات والبقاء إلى حدود اليوم على قيد الحياة، فبفضل تعايشهم مع كل
أنواع الأمراض في غياب رعاية صحية حكومية حقيقية.
والواقع أن آباءنا لو اكتفوا بمنافع «دوا لعرب» وحده لكنا اليوم في
عداد الموتى. ولعل أطفال السبعينيات يتذكرون أنه لولا حقن «البيسيجي»
و«بوماضا» العينين التي كانت ترسلها إلينا المنظمات الصحية العالمية، لكنا
انقرضنا من زمان. ولهذا السبب تجد كل المغاربة يحملون دوائر صغيرة على
أذرعهم تميزهم عن سائر الشعوب الأخرى. حتى إن الشرطة الإسبانية أصبحت تميز
المهاجرين السريين المغاربة عن غيرهم بآثار «الجلبة» التي يحملونها على
أذرعهم.
المغاربة لديهم وهم بأن هذه الأمراض والأوبئة التي يسمعون عنها في
وسائل الإعلام لن «تصور منهم لا حق لا باطل». فهي أمراض تصيب الآخرين فقط.
والشيء نفسه نلمسه في الخطاب الرسمي، فالمغرب دائما «في منأى عن».
حتى ولو كانت أخبار الفيروس قد وصل إلى مدينة مغربية محتلة يدخل ويخرج
منها 25 ألف مغربي كل يوم. مع أن القرار الأنسب بعد شكوك حول تسجيل حالات
إصابة بأنفلونزا الخنازير في سبتة المحتلة هو إغلاق الممر إلى حين التحكم
في عدد الحالات المصابة. فاللهم التضحية بعائدات بضعة أيام من التهريب
واللا التضحية بالصحة العامة للمغاربة جميعهم.
ولعل أبسط شيء يجب على وزارتي الصحة والداخلية القيام به، هو فتح
خطوط خضراء يمكن للمواطنين الاتصال عبرها من أجل الحصول على معلومات بخصوص
المرض. كما أن القناة الثانية، المغربية هذه المرة، ملزمة بالتحلي بالحد
الأدنى من حس المواطنة، وذلك بتأجيل عرض المسلسلات المكسيكية المملة
وتعويضها ببرامج صحية لتوعية المواطنين بخطورة الأنفلونزا المكسيكية وسبل
الوقاية منها.
أن يتابع أخبار وبرامج القناة الثانية، الفرنسية طبعا. وبالأمس تابعت حلقة
معادة خاصة من برنامج صحي حول الميكروبات والفيروسات التي تعيش معنا
وتتنقل في ما بيننا باللمس والعطس. ومن بين الأسئلة المثيرة التي طرحتها
إحدى المشاركات في البرنامج عبر الهاتف، سؤال: لماذا تهتم منظمة الصحة
العالمية بفيروس كأنفلونزا الخنازير لم يقتل في كل الكرة الأرضية سوى
ضحايا معدودين على رؤوس الأصابع، فيما لا تبدي هذه المنظمة العالمية نفس
الحماس عندما يتعلق الأمر بفيروس الملاريا الذي يقتل في إفريقيا وحدها
المئات من الآلاف سنويا. سؤال وجيه.
أول شيء أثار انتباهي في الحلقة هو أن منشطة البرنامج ظلت تكرر
الرقم الأخضر الذي وضعته كل من وزارتي الصحة والداخلية الفرنسية للإجابة
عن أسئلة المواطنين بخصوص فيروس «أنفلونزا الخنازير». وتذكرت أن وزارتي
الصحة والداخلية المغربيتين لم تكلفا نفسيهما وضع أي رقم أخضر أو أصفر خاص
بتلقي استفسارات المواطنين وأسئلتهم بخصوص هذا المرض الذي وصل إنذاره إلى
مدينة مغربية محتلة اسمها سبتة، يمر عبرها يوميا حوالي 25 ألف مغربي.
والمضحك أن وزيرة الصحة ياسمينة بادو قالت في أحد تصريحاتها إن جميع
المنافذ البحرية والجوية والأرضية للمغرب خاضعة للمراقبة الصحية. ولو أن
المغرب لديه الإمكانيات التقنية لحراسة جميع منافذه، فكيف تغفل عين كل هذه
الكاميرات والممرات الحرارية عن رؤية أطنان المخدرات وعشرات قوارب الهجرة
السرية التي تغادر منافذنا البحرية بين وقت وآخر. «زعما مشافوش الحشيش
وغادي يشوفو سخانة الحلوف».
ومن بين التصريحات التي تدل على أن بعض المسؤولين لم يفهموا جيدا
التدابير الوقائية التي يجب عليهم القيام بها لتجنب الإصابة بالعدوى، ما
قاله لإحدى اليوميات مصدر من شركة الخطوط الجوية الملكية حول الأقنعة
الواقية التي يتوفرون عليها في طائرات الشركة. فقد قال إنهم لن يوزعوا
الأقنعة إلا في حالة تسجيل إصابة أحد ركاب الطائرة بالمرض المذكور.
أولا، الراكب المصاب إذا ثبتت إصابته فيجب أن يكون في المستشفى وليس
على متن الطائرة. ثانيا، إذا ثبت أن هناك في الطائرة مسافرا مصابا فيجب أن
يتم وضع جميع المسافرين رهن المراقبة الطبية. ثالثا، كيف سيعرفون والطائرة
في الجو أن أحد ركابها مصاب بفيروس «أنفلونزا الخنازير» وليس بالتهاب
عادي، مثلا. رابعا، الأقنعة ليست أدوات لمكافحة المرض وإنما للوقاية منه.
ولذلك فتوزيعها على الركاب ووضعها فوق الفم والأنف ليس ترفا وإنما ضرورة
تفرضها شروط الحيطة والحذر التي تعمل بها جميع شركات الطيران في الوقت
الراهن.
برنامج القناة الثانية الفرنسية لم يقف فقط عند حدود التعريف بالداء
وأساليب انتقاله وطرق الوقاية منه، بل استعرض أيضا حكايات لمواطنين مرضى
بالنظافة، يعيشون خوفا مرضيا من الميكروبات والجراثيم التي تعيش حولنا.
فمن بين الإشكاليات الكبرى التي أثارها فيروس «أنفلونزا الخنازير» إشكالية
النظافة والإفراط في الخوف من المرض.
ومن بين الأمثلة الصادمة التي قدمها البرنامج، حالة سيدة تغسل يديها
بالصابون والماء أكثر من 150 مرة في اليوم. فالمسكينة تتخيل أن كل شيء
تلمسه سينقل إليها فيروسا معديا أو جرثومة قاتلة.
وطبعا، فالشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده. فكثرة النظافة يمكن أن
تتسبب في الأمراض كذلك. وفي سويسرا حيث يستحيل العثور في الشارع على «ميكة
كحلة» واحدة، (إلى بغيتي تشوفها خصك تمشي للمتحف)، اكتشف الأطباء أن
الأطفال يعانون من ضعف كبير في المناعة. والسبب أن آباء هؤلاء الأطفال
عودوهم منذ الولادة على نظام نظافة صارم، في محيط شبه معقم عطل جهاز
مناعتهم عن العمل. هكذا عندما كبروا أصبحوا عرضة للميكروبات والفيروسات
التي بدأت تهاجم جهاز مناعتهم غير المدرب على المقاومة. ولذلك أصبح
الأطباء ينصحون الآباء بإخراج أبنائهم إلى الحدائق والساحات لكي يعفروا
ملابسهم بالأتربة والأوحال، وأن يسمحوا لهم بتلطيخ أيديهم بالأوساخ وحملها
إلى أفواههم. فالأطفال محتاجون إلى الميكروبات والجراثيم لكي يدربوا جهاز
مناعتهم على المقاومة. فالقاعدة العلمية تقول إن كل جهاز أو عضو لا يشتغل
يضعف ويضمحل ويختفي.
هناك مثل مغربي شعبي يقول «الزلط جبيرة»، أي أن الفقر لديه جوانبه
الإيجابية، ومنها أنه يمنح «المزاليط» مناعة قوية ضد الجراثيم والفيروسات.
وقد عبرت عن هذه الفكرة قارئة قالت إننا نحن المغاربة لا يمكن أن «تصور»
منا «أنفلونزا الخنازير» شيئا، لأننا متعودون على العيش مع الفيروسات
القاتلة منذ الصغر. ولأن المغاربة جابهوا كل أنواع الجراثيم والفيروسات
بسلاح قديم اسمه «دوا لعرب»، تحتل فيه «المخينزة» مكانة متميزة، نظرا
لقدرتها وفعاليتها في مواجهة «السخانة» بكل أنواعها، سواء «السخانة
الباردة» أو «السخانة الحامية»، فإنهم أصبحوا يعتقدون أن لديهم قدرة خارقة
على مواجهة الأمراض، معتقدين بأنهم إذا استطاعوا الصمود في وجه الميكروبات
والفيروسات والبقاء إلى حدود اليوم على قيد الحياة، فبفضل تعايشهم مع كل
أنواع الأمراض في غياب رعاية صحية حكومية حقيقية.
والواقع أن آباءنا لو اكتفوا بمنافع «دوا لعرب» وحده لكنا اليوم في
عداد الموتى. ولعل أطفال السبعينيات يتذكرون أنه لولا حقن «البيسيجي»
و«بوماضا» العينين التي كانت ترسلها إلينا المنظمات الصحية العالمية، لكنا
انقرضنا من زمان. ولهذا السبب تجد كل المغاربة يحملون دوائر صغيرة على
أذرعهم تميزهم عن سائر الشعوب الأخرى. حتى إن الشرطة الإسبانية أصبحت تميز
المهاجرين السريين المغاربة عن غيرهم بآثار «الجلبة» التي يحملونها على
أذرعهم.
المغاربة لديهم وهم بأن هذه الأمراض والأوبئة التي يسمعون عنها في
وسائل الإعلام لن «تصور منهم لا حق لا باطل». فهي أمراض تصيب الآخرين فقط.
والشيء نفسه نلمسه في الخطاب الرسمي، فالمغرب دائما «في منأى عن».
حتى ولو كانت أخبار الفيروس قد وصل إلى مدينة مغربية محتلة يدخل ويخرج
منها 25 ألف مغربي كل يوم. مع أن القرار الأنسب بعد شكوك حول تسجيل حالات
إصابة بأنفلونزا الخنازير في سبتة المحتلة هو إغلاق الممر إلى حين التحكم
في عدد الحالات المصابة. فاللهم التضحية بعائدات بضعة أيام من التهريب
واللا التضحية بالصحة العامة للمغاربة جميعهم.
ولعل أبسط شيء يجب على وزارتي الصحة والداخلية القيام به، هو فتح
خطوط خضراء يمكن للمواطنين الاتصال عبرها من أجل الحصول على معلومات بخصوص
المرض. كما أن القناة الثانية، المغربية هذه المرة، ملزمة بالتحلي بالحد
الأدنى من حس المواطنة، وذلك بتأجيل عرض المسلسلات المكسيكية المملة
وتعويضها ببرامج صحية لتوعية المواطنين بخطورة الأنفلونزا المكسيكية وسبل
الوقاية منها.
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
نساء ناشطات جدا/رشيد نيني
مدام «باء جيم» امرأة تحب الأطفال كثيرا، ومن شدة حرصها على تعليم الأطفال
تعليما جيدا فقد أرسلت أبناءها ذوي الخدود الوردية إلى كندا لكي يدرسوا
هناك بعيدا عن أبناء الشعب الوسخين. ولكن هذا لم يمنعها من تأسيس جمعية
لرعاية الأطفال اليتامى في المغرب وطرق أبواب البنوك والمؤسسات الحكومية
لكي يوقعوا لها شيكات باسمها. فحساب جمعيتها التي سمتها «جمعية المنشار»،
تيمنا بالمثل المغربي الذي يقول «داير كي المنشار طالع واكل نازل واكل»،
فتحته باسمها الشخصي، والذي بمجرد ما يسمعه مديرو البنوك والمؤسسات
الرسمية حتى يفتحوا، بالإضافة إلى أفواههم، دفاتر شيكاتهم عن آخرها.
مشكلة مدام «باء جيم» هي أنها مرهفة الإحساس، ولذلك فهي لا تستطيع أن
تذهب لزيارة هؤلاء الأطفال الذين تجمع المساعدات باسمهم في أحيائهم
القصديرية التي يخترقها الواد الحار الذي يلعب حوله الأطفال، لأن مغامرة
مثل هذه قد تكلفها «طالون» حذائها المصنوع من جلد التمساح، التمساح نفسه
الذي تشترك معه في دموعه.
لذلك فهي تفضل أن تتحدث عن هؤلاء الأطفال في قاعات «الشيراطون» أو
«الهيلتون» المكيفة. فهناك يكثر المحسنون الذين يبحثون عن جمعية يمنحونها،
أمام المصورين، شيكات سمينة. لكي ينتظروا صورهم عند بداية الشهر على صفحات
المجلات الصقيلة التي تتخصص في نشر أخبار تلك الأنشطة الخيرية من صنف خمس
نجوم. وأيضا لكي ينتظروا خصم تلك المساعدات من ضرائبهم السنوية التي
يدفعونها للدولة مكرهين وكأنهم يدفعون لها طرفا من أكبادهم.
هناك، في تلك الصالات المكيفة حيث الكنبات الحريرية العريضة وعازف
البيانو الذي لا أحد ينتبه إلى السمفونيات المبتذلة التي يكررها كل يوم،
تلتقي «مدام «باء جيم» بصديقتها ماضموزيل «عين كاف»، التي للأسف الشديد لم
تتزوج بعد، لأن القطار الذي طالما انتظرته لم يتوقف في محطتها ومضى يصفر
وينفث دخانه بعيدا عنها، فيما هي بقيت تنفث دخان سيجارتها الشقراء بشراهة
وهي جالسة حول المائدة المستديرة التي تناقش سبل القضاء على ظاهرة تشغيل
الفتيات الصغيرات. وقبل أن تغلق هاتفها «الموطورولا» وردي اللون الذي
جاءها هدية عندما حضرت حفل تقديمه من طرف فرقة من فرق التعري الراقص في
أحد بارات الدار البيضاء، تجري مكالمة سريعة مع الخادمة في البيت، والتي
ليست سوى فتاة في العاشرة من عمرها جلبتها من نواحي بني ملال عندما ذهبت
لكي تحسس سكان المنطقة بضرورة التخلي عن إرسال بناتهم للعمل في المدن، لكي
تتأكد من أن الخادمة التعيسة غسلت صحن الفيلا جيدا. لكن بما أنها ليست مثل
أولئك البورجوازيين المتعفنين الذين يحبون استعباد الخادمات ومنحهم مائة
درهم في الشهر، فإنها قررت أن تمنحها مائتي درهم في الشهر. مع إمكانية
السماح لها بزيارة عائلتها مرة كل ستة أشهر.
مدام «باء جيم» وماضموزيل «عين كاف» تعشقان الحديث عن قضية المرأة،
إنهما تعتبرانها قضيتهما الشخصية. لكنهما لا تحبان الاختلاط بالنساء
اللواتي يحاولن كل يوم تسلق الأدراج نحو طبقتهما المخملية. فهؤلاء النساء،
في نظرهما، أفاع سامة تبحث عن فريسة يلتوين حولها مثل «أناكوندا» أدغال
الأمازون لكي يخنقنها على مهل قبل ابتلاعها دفعة واحدة. لذلك تحرص مدام
«باء جيم» على ترك زوجها خارج انشغالاتها النضالية. وإذا ظهرت ذات مساء
بصحبته في حفل خيري فلكي يوصلها فقط إلى باب الفندق ويعود إلى البيت لكي
يتحدث مع أبنائه بالإيميسين من كندا، ويطمئن على وصول الحوالات البريدية
التي أرسلها إليهم من عائدات سيارات الأجرة التي يملك رخص استغلالها،
والتي لا أحد يعرف كيف حصل عليها، مع أنه لم يقاوم في حياته شيئا آخر غير
النوم أمام التلفزيون في انتظار
زوجته.
تذهب مدام «باء جيم» وماضموزيل «عين كاف» ثلاث مرات في الأسبوع إلى
نادي الأيروبيك. تدفعان له كل شهر ما يوازي راتب موظف في السلم سبعة. وفي
كل حصة تتعلمان رقصة من نوع جديد. بالأمس تعلمتا رقصة «الصامبا»، فالمؤتمر
الذي سيسافران إليه الشهر المقبل في البرازيل حول حقوق الطفل سيكون مناسبة
لاستعراض منجزات الجمعية في الأشهر الأخيرة، وأيضا مناسبة لاستعراض ما
تعلمنه في نادي الأيروبيك في النوادي الليلة. وتقريبا في كل مؤتمر تذهبان
إليه تصنعان ذلك معا، حتى إن شكوكا أصبحت تحوم في الأوساط المخملية حول
علاقة غريبة تجمع بين المرأتين. أنتم تعرفون ألسنة المغاربة الطويلة،
عندما لا يصلون إلى اللحم يقولون بسرعة إن رائحته عطنة.
لكن مدام «باء جيم» لا تهتم للشائعات، كل ما يشغل بالها هو البحث عن
تمويلات جديدة لمشاريعها التي لا أحد يراها سوى على أغلفة المجلات
الصقيلة. قبل يومين تعرفت إلى مدام «خاء خاء»، سيدة في أواسط العمر متزوجة
من ثري يقضي معظم وقته متنقلا بين الطائرات، فيما هي تقضي معظم وقتها
متنقلة بين غرف النوم. امرأة متحررة كما يحلو لها أن تقول عن نفسها. تعرف
أن زوجها ليس قديسا لكي لا يخونها مع كل تلك الفتيات الجميلات اللواتي
يرافقنه في رحلاته كمعاونات له. لذلك فهي تنتقم منه بمنح نفسها لشباب
تلتقي بهم في نهايات الأسبوع بعلب مراكش الليلية. قاعدتها الذهبية التي
تعمل بها هي أن العمر عشرة أيام، سبعة تضيع في العادة الشهرية، لذلك يجب
التمتع بالحياة كل دقيقة.
ولأنها مشكلة «خاء خاء» أنها أحيانا تشعر بالملل وتريد أن تشغل
حياتها بعمل اجتماعي. اقترحت عليها مدام «باء جيم» أن تؤسس جمعية لتوعية
النساء بمخاطر السرطان. وأخذتها من يدها وطرقت بضعة أبواب وصافحت بضع أياد
وقبلت وجوها سمينة. وبعد ذلك، خرجت الجمعية وانطلقت برأسمال محترم مسجل
باسم «خاء خاء». وعندما سألت مدام «باء جيم» أن تعلمها كيف تشتغل، نصحتها
بتنظيم مؤتمر علمي وتدعو إليه بضعة أطباء من الخارج، وبضعة صحافيين
مستعدين للكتابة عن أي شيء، ثم تحجز للجميع في فندق من فئة خمس نجوم
يستطيعون أن يسهروا في علبته الليلة بعد المؤتمر مع فتيات رخيصات، وسترى
النتيجة في اليوم الموالي.
انضمت مدام «خاء خاء» إلى المجموعة بسرعة واندمجت فيها مثل قطرة ماء.
لكل واحدة منهن سيارتها «الكات كات»، وبطاقة انخراط في أرقى نوادي الغولف
بالمملكة، وأطفال يدرسون بالخارج، وأزواج متفهمون يقدرون الجهود الجبارة
التي تقوم بها زوجاتهم لدفع البلاد نحو المزيد من التقدم.
إنهن نساء «ناشطات» بكل معنى الكلمة. يستطعن إقناع المنظمات العالمية
بمنح جمعياتهن ملايين الدولارات مقابل إنشاء رديء يحررنه فوق خمس أوراق
بيضاء يشرحن فيها فكرتهن الخلاقة لإخراج المرأة من العزلة ودفعها إلى
المشاركة السياسية.
تبقى ملاحظة أساسية يجب الإشارة إليها في هذا الصدد، وهي أن هؤلاء
السيدات كلهن شخصيات متخيلة ولا يوجدن في الواقع. وكل تشابه بين هؤلاء
السيدات المحترمات ونساء يوجدن حقيقة في الواقع هو محض مصادفة. ورب صدفة
خير من ألف ميعاد.
المساء
تعليما جيدا فقد أرسلت أبناءها ذوي الخدود الوردية إلى كندا لكي يدرسوا
هناك بعيدا عن أبناء الشعب الوسخين. ولكن هذا لم يمنعها من تأسيس جمعية
لرعاية الأطفال اليتامى في المغرب وطرق أبواب البنوك والمؤسسات الحكومية
لكي يوقعوا لها شيكات باسمها. فحساب جمعيتها التي سمتها «جمعية المنشار»،
تيمنا بالمثل المغربي الذي يقول «داير كي المنشار طالع واكل نازل واكل»،
فتحته باسمها الشخصي، والذي بمجرد ما يسمعه مديرو البنوك والمؤسسات
الرسمية حتى يفتحوا، بالإضافة إلى أفواههم، دفاتر شيكاتهم عن آخرها.
مشكلة مدام «باء جيم» هي أنها مرهفة الإحساس، ولذلك فهي لا تستطيع أن
تذهب لزيارة هؤلاء الأطفال الذين تجمع المساعدات باسمهم في أحيائهم
القصديرية التي يخترقها الواد الحار الذي يلعب حوله الأطفال، لأن مغامرة
مثل هذه قد تكلفها «طالون» حذائها المصنوع من جلد التمساح، التمساح نفسه
الذي تشترك معه في دموعه.
لذلك فهي تفضل أن تتحدث عن هؤلاء الأطفال في قاعات «الشيراطون» أو
«الهيلتون» المكيفة. فهناك يكثر المحسنون الذين يبحثون عن جمعية يمنحونها،
أمام المصورين، شيكات سمينة. لكي ينتظروا صورهم عند بداية الشهر على صفحات
المجلات الصقيلة التي تتخصص في نشر أخبار تلك الأنشطة الخيرية من صنف خمس
نجوم. وأيضا لكي ينتظروا خصم تلك المساعدات من ضرائبهم السنوية التي
يدفعونها للدولة مكرهين وكأنهم يدفعون لها طرفا من أكبادهم.
هناك، في تلك الصالات المكيفة حيث الكنبات الحريرية العريضة وعازف
البيانو الذي لا أحد ينتبه إلى السمفونيات المبتذلة التي يكررها كل يوم،
تلتقي «مدام «باء جيم» بصديقتها ماضموزيل «عين كاف»، التي للأسف الشديد لم
تتزوج بعد، لأن القطار الذي طالما انتظرته لم يتوقف في محطتها ومضى يصفر
وينفث دخانه بعيدا عنها، فيما هي بقيت تنفث دخان سيجارتها الشقراء بشراهة
وهي جالسة حول المائدة المستديرة التي تناقش سبل القضاء على ظاهرة تشغيل
الفتيات الصغيرات. وقبل أن تغلق هاتفها «الموطورولا» وردي اللون الذي
جاءها هدية عندما حضرت حفل تقديمه من طرف فرقة من فرق التعري الراقص في
أحد بارات الدار البيضاء، تجري مكالمة سريعة مع الخادمة في البيت، والتي
ليست سوى فتاة في العاشرة من عمرها جلبتها من نواحي بني ملال عندما ذهبت
لكي تحسس سكان المنطقة بضرورة التخلي عن إرسال بناتهم للعمل في المدن، لكي
تتأكد من أن الخادمة التعيسة غسلت صحن الفيلا جيدا. لكن بما أنها ليست مثل
أولئك البورجوازيين المتعفنين الذين يحبون استعباد الخادمات ومنحهم مائة
درهم في الشهر، فإنها قررت أن تمنحها مائتي درهم في الشهر. مع إمكانية
السماح لها بزيارة عائلتها مرة كل ستة أشهر.
مدام «باء جيم» وماضموزيل «عين كاف» تعشقان الحديث عن قضية المرأة،
إنهما تعتبرانها قضيتهما الشخصية. لكنهما لا تحبان الاختلاط بالنساء
اللواتي يحاولن كل يوم تسلق الأدراج نحو طبقتهما المخملية. فهؤلاء النساء،
في نظرهما، أفاع سامة تبحث عن فريسة يلتوين حولها مثل «أناكوندا» أدغال
الأمازون لكي يخنقنها على مهل قبل ابتلاعها دفعة واحدة. لذلك تحرص مدام
«باء جيم» على ترك زوجها خارج انشغالاتها النضالية. وإذا ظهرت ذات مساء
بصحبته في حفل خيري فلكي يوصلها فقط إلى باب الفندق ويعود إلى البيت لكي
يتحدث مع أبنائه بالإيميسين من كندا، ويطمئن على وصول الحوالات البريدية
التي أرسلها إليهم من عائدات سيارات الأجرة التي يملك رخص استغلالها،
والتي لا أحد يعرف كيف حصل عليها، مع أنه لم يقاوم في حياته شيئا آخر غير
النوم أمام التلفزيون في انتظار
زوجته.
تذهب مدام «باء جيم» وماضموزيل «عين كاف» ثلاث مرات في الأسبوع إلى
نادي الأيروبيك. تدفعان له كل شهر ما يوازي راتب موظف في السلم سبعة. وفي
كل حصة تتعلمان رقصة من نوع جديد. بالأمس تعلمتا رقصة «الصامبا»، فالمؤتمر
الذي سيسافران إليه الشهر المقبل في البرازيل حول حقوق الطفل سيكون مناسبة
لاستعراض منجزات الجمعية في الأشهر الأخيرة، وأيضا مناسبة لاستعراض ما
تعلمنه في نادي الأيروبيك في النوادي الليلة. وتقريبا في كل مؤتمر تذهبان
إليه تصنعان ذلك معا، حتى إن شكوكا أصبحت تحوم في الأوساط المخملية حول
علاقة غريبة تجمع بين المرأتين. أنتم تعرفون ألسنة المغاربة الطويلة،
عندما لا يصلون إلى اللحم يقولون بسرعة إن رائحته عطنة.
لكن مدام «باء جيم» لا تهتم للشائعات، كل ما يشغل بالها هو البحث عن
تمويلات جديدة لمشاريعها التي لا أحد يراها سوى على أغلفة المجلات
الصقيلة. قبل يومين تعرفت إلى مدام «خاء خاء»، سيدة في أواسط العمر متزوجة
من ثري يقضي معظم وقته متنقلا بين الطائرات، فيما هي تقضي معظم وقتها
متنقلة بين غرف النوم. امرأة متحررة كما يحلو لها أن تقول عن نفسها. تعرف
أن زوجها ليس قديسا لكي لا يخونها مع كل تلك الفتيات الجميلات اللواتي
يرافقنه في رحلاته كمعاونات له. لذلك فهي تنتقم منه بمنح نفسها لشباب
تلتقي بهم في نهايات الأسبوع بعلب مراكش الليلية. قاعدتها الذهبية التي
تعمل بها هي أن العمر عشرة أيام، سبعة تضيع في العادة الشهرية، لذلك يجب
التمتع بالحياة كل دقيقة.
ولأنها مشكلة «خاء خاء» أنها أحيانا تشعر بالملل وتريد أن تشغل
حياتها بعمل اجتماعي. اقترحت عليها مدام «باء جيم» أن تؤسس جمعية لتوعية
النساء بمخاطر السرطان. وأخذتها من يدها وطرقت بضعة أبواب وصافحت بضع أياد
وقبلت وجوها سمينة. وبعد ذلك، خرجت الجمعية وانطلقت برأسمال محترم مسجل
باسم «خاء خاء». وعندما سألت مدام «باء جيم» أن تعلمها كيف تشتغل، نصحتها
بتنظيم مؤتمر علمي وتدعو إليه بضعة أطباء من الخارج، وبضعة صحافيين
مستعدين للكتابة عن أي شيء، ثم تحجز للجميع في فندق من فئة خمس نجوم
يستطيعون أن يسهروا في علبته الليلة بعد المؤتمر مع فتيات رخيصات، وسترى
النتيجة في اليوم الموالي.
انضمت مدام «خاء خاء» إلى المجموعة بسرعة واندمجت فيها مثل قطرة ماء.
لكل واحدة منهن سيارتها «الكات كات»، وبطاقة انخراط في أرقى نوادي الغولف
بالمملكة، وأطفال يدرسون بالخارج، وأزواج متفهمون يقدرون الجهود الجبارة
التي تقوم بها زوجاتهم لدفع البلاد نحو المزيد من التقدم.
إنهن نساء «ناشطات» بكل معنى الكلمة. يستطعن إقناع المنظمات العالمية
بمنح جمعياتهن ملايين الدولارات مقابل إنشاء رديء يحررنه فوق خمس أوراق
بيضاء يشرحن فيها فكرتهن الخلاقة لإخراج المرأة من العزلة ودفعها إلى
المشاركة السياسية.
تبقى ملاحظة أساسية يجب الإشارة إليها في هذا الصدد، وهي أن هؤلاء
السيدات كلهن شخصيات متخيلة ولا يوجدن في الواقع. وكل تشابه بين هؤلاء
السيدات المحترمات ونساء يوجدن حقيقة في الواقع هو محض مصادفة. ورب صدفة
خير من ألف ميعاد.
المساء
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
الغادي العلوا أجي نوصيك بعدا/رشيد نيني
عندما يبدأ العد العكسي لموعد الانتخابات تصاب الأحزاب جميعها بما يسميه
الفلاحون «طيكوك». وهي حالة هياج تصيب الأبقار والعجول وتجعلهم يركضون في
المراعي بلا سبب. وأحسن شيء ينصح به الفلاحون عندما ينطلق موسم «طيكوك» هو
تجنب الوقوف في طريق هذه الحيوانات الهائجة، لأنها «ماشي لخاطرها».
هكذا، سمعنا زعماء حزبيين يعدون باكتساح جميع الدوائر الانتخابية
بالمغرب، وآخرين يهددون بسحق منافسيهم بلا رحمة. فيما نشبت معارك طاحنة
بين الأحزاب التي تعتبر نفسها شرعية وحزب وليد اتفقت جميعها على تسميته
بالوافد الجديد.
في هذه المعركة الانتخابية الطاحنة يبدو أن كل الضربات مسموح بها،
بما فيها تلك التي تنزل تحت الحزام. وطبعا، من حق كل زعيم حزبي أن ينتقد
المخططات الحكومية والمشاريع الوزارية والسياسة الرسمية للبلاد، بحثا عن
الشعبية لتحويلها إلى أصوات في صناديق الاقتراع. هكذا تسير الأمور في كل
الديمقراطيات. لكن ما قاله مؤسس «الأصالة والمعاصرة» في مهد أغنية
«العلوا» ابن أحمد حول المخطط الأخضر الذي تشرف عليه وزارة الفلاحة يستحق
وقفة خاصة. فيبدو أن الهمة لم يعمل بنصيحة المغني الشعبي الذي يوصي
الذاهبين إلى «العلوا»، في أغنيته، بطلب التسليم والصمت قائلا:
-«الغادي العلوا أجي نوصيك بعدا، إلى وصلتي سلم، العلوا لا تكلم».
لكن الهمة عندما وصل إلى «العلوا» فضل أن يتكلم، غير أن كلامه كان
بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وكزعيم سياسي ومؤسس حزب يحمل لواء
الحداثة والديمقراطية، فالهمة من حقه أن يدافع عن الفلاح الصغير وعن
الفرشة المائية، كما من حقه أن ينتقد المخطط الأخضر وحتى المخطط الأزرق
الذي يقوده وزير السياحة. لكن ما ليس من حق الهمة، ولا من حق أي زعيم حزبي
غيره، هو إقحام الإرادة الملكية في الموضوع. فعندما يقول نرجس حميد، خال
الهمة، إن المخطط الأخضر يناقض الإرادة الملكية، ونرى كيف أن عباس الفاسي
الحريص على هيبة الدولة التي لا يريد إضعافها بسحب مدونة السير، يحكم جيدا
إغلاق فمه أمام هذا التصريح، نصاب حقا بالدهشة.
إذا كان خال الهمة قد تم إعفاؤه من وظيفته كإطار في مركز البحث
الزراعي التابع لوزارة الفلاحة وتم تعيينه ناطقا باسم الإرادة الملكية،
فإن الجميع ينتظر قراءة قرار التعيين في الجريدة الرسمية. أما إذا كان قد
قرر بمحض إرادته تعيين نفسه ناطقا باسم هذه الإرادة فليس أمام النيابة
العامة سوى أن تفتح تحقيقا مع هذا الشخص بتهمة انتحال صفة.
عندما يهاجم الهمة وخاله مشروع المخطط الأخضر ويتهمانه بتهديد مصالح
صغار الفلاحين، فهما يغالطان الرأي العام وفي اعتقادهما أن ذاكرة المغاربة
قصيرة. ولذلك يجب تقديم بعض التوضيحات على هامش هذه «الخرجة» غير المحسوبة
للهمة في بلاد «العلوا».
أولا، المخطط الأخضر لم يكن في يوم من الأيام اختراعا لوزارة الفلاحة
الحالية، بل إن فكرته الأصلية كانت موضوعة في درج ديوان وزير الفلاحة
السابق محمد العنصر، الذي قدمه إلى الديوان الملكي ولم ير النور. ومع مجيء
حكومة عباس الفاسي، «أشرقت» في ذهن المستشار الملكي مزيان بلفقيه فكرة نفض
الغبار عن المخطط الأخضر وتقديمه إلى الملك، الذي أعطى الضوء الأخضر
لتطبيقه.
ولتطبيقه، تم تشكيل لجنة عليا مكونة من مستشاري الملك مزيان بلفقيه
وعمر القباج ووزير الداخلية ووزير الفلاحة والمندوب السامي للمياه
والغابات والمدير العام للقرض الفلاحي وممثلين عن وزارة المالية والوزارة
الأولى. وطيلة كل مراحل إعداد هذا المخطط، ظل الديوان الملكي يتوصل
بتقارير مدققة حول سيره، إلى أن تم التوقيع قبل أسابيع على الاتفاقية
الوطنية لانطلاق تطبيق المخطط الأخضر في الجهات الست عشرة للمملكة.
إذن، عندما يقول خال الهمة إن المخطط الأخضر يناقض الإرادة الملكية
فهو يكذب على الملك ويغالط باسمه الرأي العام، لأن الملك لو كان لديه موقف
مناقض للمخطط لما كان أعطى تعليماته بانطلاق تطبيقه قبل أيام.
ثانيا، عندما يتهم الهمة وخاله المخطط الأخضر، فهما يعتقدان أنهما
يصفيان حسابهما العالق مع وزير الفلاحة الذي يرفض سياسة الابتزاز المالي
التي يتعرض لها منذ خروج حزب الهمة إلى الوجود، لكن الحقيقة هي أن الهمة
وخاله عندما يهاجمان المخطط الأخضر فإنهما يهاجمان مستشاري الملك ووزارة
الداخلية والوزارة الأولى وستة عشر واليا وكل الموظفين الكبار والصغار
الذين يشكلون اللجنة المشرفة على تتبع المخطط الأخضر.
ثالثا، عندما يتحدث خال الهمة ويقول، في تجمع خطابي تتابعه كل وسائل
الإعلام وعبرها آذان مخبري كل التمثيليات الدبلوماسية الأجنبية في المغرب
وتمثيليات المؤسسات الدولية المانحة، إن المخطط الأخضر يناقض الإرادة
الملكية، فإنه يعطي انطباعا لهذه التمثيليات بأن الملك، أعلى سلطة في
البلاد، غير راض عن المخطط. وإذا كان الملك غير راض عن المخطط الأخضر فإن
مؤسسات مانحة عالمية من عيار F.A.O , P.N.U.D ,B.A.D ,B.I.R.D والتي وافقت
على تمويل المخطط الأخضر يجب عليها أن تعيد النظر في الشيكات السخية التي
خصصتها لهذا المخطط، الذي كان يحظى بموافقة الملك ولم يعد، والعهدة على
خال الهمة.
رابعا، من يريد أن يشتغل بالسياسة عليه أن يكون منسجما مع ذاته.
فالمخطط الأخضر الذي يهاجمه الهمة وخاله مر من مجلس النواب ومجلس
المستشارين، وصوت عليه فريق تجمع الأصالة المكون من نواب حزب الهمة ونواب
حزب المنصوري. فكيف، إذن، يوافق نواب الهمة على المخطط الأخضر في الرباط
ويهاجمه هو وخاله في ابن احمد. فلو كان المخطط الأخضر حقا يناقض الإرادة
الملكية وليس في مصلحة الفلاح الصغير، لكان فريق الهمة أوقفه في البرلمان،
والجميع يعرف أنه يملك القدرة على فعل ذلك، والمغاربة يقولون «إلى طلقتيها
بلا ما توريها دار باها».
خامسا وأخير، لو أن الهمة وخاله لديهما فعلا حرص على الفلاح الصغير
لكانا انتقدا زميلهما في الحركة وزير التعليم اخشيشن، صاحب المخطط الأسود،
والذي بسببه يعيش الآلاف من أبناء الفلاحين في قرى ومداشر المملكة بدون حق
في التعليم.
إن ما يتضح من خلال سقطة الهمة وخاله في بلاد «العلوا» هو أن
استغلال «الإرادة الملكية» من طرف البعض أصبح يهدد فعلا المستقبل السياسي
للبلد برمته. هناك اليوم انزعاج واضح من طرف كل الأحزاب تقريبا من سعي
البعض إلى تحويل «الإرادة الملكية» إلى فزاعة لإخافة الخصوم السياسيين.
وأخشى ما نخشاه هو أن يتحول هذا الانزعاج إلى قرار سياسي من طرف الأحزاب
يهدد بنسف اللعبة السياسية، بسبب اختلال موازين القوى وانعدام شروط
التنافس السياسي الشريف. فليس هناك مجال للمقارنة بين حظوظ حزب يتحدث
أصحابه باسم «الإرادة الملكية» وأحزاب أخرى تتحدث فقط باسم أمنائها
العامين.
الإرادة الملكية تتجسد في خطب الملك ورسائله وإنجازاته والمشاريع
التي يعطي انطلاقتها بنفسه. هذه هي التجليات الحقيقية للإرادة الملكية.
أما من يريد أن يعطي نفسه الحق في استعمال هذه الإرادة لإخافة خصومه
السياسيين أو لابتزاز جيوب أصدقائه فيجب أن يعلم بأنه يحاول إدخال فيل إلى
دكان من الخزف.
المساء
الفلاحون «طيكوك». وهي حالة هياج تصيب الأبقار والعجول وتجعلهم يركضون في
المراعي بلا سبب. وأحسن شيء ينصح به الفلاحون عندما ينطلق موسم «طيكوك» هو
تجنب الوقوف في طريق هذه الحيوانات الهائجة، لأنها «ماشي لخاطرها».
هكذا، سمعنا زعماء حزبيين يعدون باكتساح جميع الدوائر الانتخابية
بالمغرب، وآخرين يهددون بسحق منافسيهم بلا رحمة. فيما نشبت معارك طاحنة
بين الأحزاب التي تعتبر نفسها شرعية وحزب وليد اتفقت جميعها على تسميته
بالوافد الجديد.
في هذه المعركة الانتخابية الطاحنة يبدو أن كل الضربات مسموح بها،
بما فيها تلك التي تنزل تحت الحزام. وطبعا، من حق كل زعيم حزبي أن ينتقد
المخططات الحكومية والمشاريع الوزارية والسياسة الرسمية للبلاد، بحثا عن
الشعبية لتحويلها إلى أصوات في صناديق الاقتراع. هكذا تسير الأمور في كل
الديمقراطيات. لكن ما قاله مؤسس «الأصالة والمعاصرة» في مهد أغنية
«العلوا» ابن أحمد حول المخطط الأخضر الذي تشرف عليه وزارة الفلاحة يستحق
وقفة خاصة. فيبدو أن الهمة لم يعمل بنصيحة المغني الشعبي الذي يوصي
الذاهبين إلى «العلوا»، في أغنيته، بطلب التسليم والصمت قائلا:
-«الغادي العلوا أجي نوصيك بعدا، إلى وصلتي سلم، العلوا لا تكلم».
لكن الهمة عندما وصل إلى «العلوا» فضل أن يتكلم، غير أن كلامه كان
بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وكزعيم سياسي ومؤسس حزب يحمل لواء
الحداثة والديمقراطية، فالهمة من حقه أن يدافع عن الفلاح الصغير وعن
الفرشة المائية، كما من حقه أن ينتقد المخطط الأخضر وحتى المخطط الأزرق
الذي يقوده وزير السياحة. لكن ما ليس من حق الهمة، ولا من حق أي زعيم حزبي
غيره، هو إقحام الإرادة الملكية في الموضوع. فعندما يقول نرجس حميد، خال
الهمة، إن المخطط الأخضر يناقض الإرادة الملكية، ونرى كيف أن عباس الفاسي
الحريص على هيبة الدولة التي لا يريد إضعافها بسحب مدونة السير، يحكم جيدا
إغلاق فمه أمام هذا التصريح، نصاب حقا بالدهشة.
إذا كان خال الهمة قد تم إعفاؤه من وظيفته كإطار في مركز البحث
الزراعي التابع لوزارة الفلاحة وتم تعيينه ناطقا باسم الإرادة الملكية،
فإن الجميع ينتظر قراءة قرار التعيين في الجريدة الرسمية. أما إذا كان قد
قرر بمحض إرادته تعيين نفسه ناطقا باسم هذه الإرادة فليس أمام النيابة
العامة سوى أن تفتح تحقيقا مع هذا الشخص بتهمة انتحال صفة.
عندما يهاجم الهمة وخاله مشروع المخطط الأخضر ويتهمانه بتهديد مصالح
صغار الفلاحين، فهما يغالطان الرأي العام وفي اعتقادهما أن ذاكرة المغاربة
قصيرة. ولذلك يجب تقديم بعض التوضيحات على هامش هذه «الخرجة» غير المحسوبة
للهمة في بلاد «العلوا».
أولا، المخطط الأخضر لم يكن في يوم من الأيام اختراعا لوزارة الفلاحة
الحالية، بل إن فكرته الأصلية كانت موضوعة في درج ديوان وزير الفلاحة
السابق محمد العنصر، الذي قدمه إلى الديوان الملكي ولم ير النور. ومع مجيء
حكومة عباس الفاسي، «أشرقت» في ذهن المستشار الملكي مزيان بلفقيه فكرة نفض
الغبار عن المخطط الأخضر وتقديمه إلى الملك، الذي أعطى الضوء الأخضر
لتطبيقه.
ولتطبيقه، تم تشكيل لجنة عليا مكونة من مستشاري الملك مزيان بلفقيه
وعمر القباج ووزير الداخلية ووزير الفلاحة والمندوب السامي للمياه
والغابات والمدير العام للقرض الفلاحي وممثلين عن وزارة المالية والوزارة
الأولى. وطيلة كل مراحل إعداد هذا المخطط، ظل الديوان الملكي يتوصل
بتقارير مدققة حول سيره، إلى أن تم التوقيع قبل أسابيع على الاتفاقية
الوطنية لانطلاق تطبيق المخطط الأخضر في الجهات الست عشرة للمملكة.
إذن، عندما يقول خال الهمة إن المخطط الأخضر يناقض الإرادة الملكية
فهو يكذب على الملك ويغالط باسمه الرأي العام، لأن الملك لو كان لديه موقف
مناقض للمخطط لما كان أعطى تعليماته بانطلاق تطبيقه قبل أيام.
ثانيا، عندما يتهم الهمة وخاله المخطط الأخضر، فهما يعتقدان أنهما
يصفيان حسابهما العالق مع وزير الفلاحة الذي يرفض سياسة الابتزاز المالي
التي يتعرض لها منذ خروج حزب الهمة إلى الوجود، لكن الحقيقة هي أن الهمة
وخاله عندما يهاجمان المخطط الأخضر فإنهما يهاجمان مستشاري الملك ووزارة
الداخلية والوزارة الأولى وستة عشر واليا وكل الموظفين الكبار والصغار
الذين يشكلون اللجنة المشرفة على تتبع المخطط الأخضر.
ثالثا، عندما يتحدث خال الهمة ويقول، في تجمع خطابي تتابعه كل وسائل
الإعلام وعبرها آذان مخبري كل التمثيليات الدبلوماسية الأجنبية في المغرب
وتمثيليات المؤسسات الدولية المانحة، إن المخطط الأخضر يناقض الإرادة
الملكية، فإنه يعطي انطباعا لهذه التمثيليات بأن الملك، أعلى سلطة في
البلاد، غير راض عن المخطط. وإذا كان الملك غير راض عن المخطط الأخضر فإن
مؤسسات مانحة عالمية من عيار F.A.O , P.N.U.D ,B.A.D ,B.I.R.D والتي وافقت
على تمويل المخطط الأخضر يجب عليها أن تعيد النظر في الشيكات السخية التي
خصصتها لهذا المخطط، الذي كان يحظى بموافقة الملك ولم يعد، والعهدة على
خال الهمة.
رابعا، من يريد أن يشتغل بالسياسة عليه أن يكون منسجما مع ذاته.
فالمخطط الأخضر الذي يهاجمه الهمة وخاله مر من مجلس النواب ومجلس
المستشارين، وصوت عليه فريق تجمع الأصالة المكون من نواب حزب الهمة ونواب
حزب المنصوري. فكيف، إذن، يوافق نواب الهمة على المخطط الأخضر في الرباط
ويهاجمه هو وخاله في ابن احمد. فلو كان المخطط الأخضر حقا يناقض الإرادة
الملكية وليس في مصلحة الفلاح الصغير، لكان فريق الهمة أوقفه في البرلمان،
والجميع يعرف أنه يملك القدرة على فعل ذلك، والمغاربة يقولون «إلى طلقتيها
بلا ما توريها دار باها».
خامسا وأخير، لو أن الهمة وخاله لديهما فعلا حرص على الفلاح الصغير
لكانا انتقدا زميلهما في الحركة وزير التعليم اخشيشن، صاحب المخطط الأسود،
والذي بسببه يعيش الآلاف من أبناء الفلاحين في قرى ومداشر المملكة بدون حق
في التعليم.
إن ما يتضح من خلال سقطة الهمة وخاله في بلاد «العلوا» هو أن
استغلال «الإرادة الملكية» من طرف البعض أصبح يهدد فعلا المستقبل السياسي
للبلد برمته. هناك اليوم انزعاج واضح من طرف كل الأحزاب تقريبا من سعي
البعض إلى تحويل «الإرادة الملكية» إلى فزاعة لإخافة الخصوم السياسيين.
وأخشى ما نخشاه هو أن يتحول هذا الانزعاج إلى قرار سياسي من طرف الأحزاب
يهدد بنسف اللعبة السياسية، بسبب اختلال موازين القوى وانعدام شروط
التنافس السياسي الشريف. فليس هناك مجال للمقارنة بين حظوظ حزب يتحدث
أصحابه باسم «الإرادة الملكية» وأحزاب أخرى تتحدث فقط باسم أمنائها
العامين.
الإرادة الملكية تتجسد في خطب الملك ورسائله وإنجازاته والمشاريع
التي يعطي انطلاقتها بنفسه. هذه هي التجليات الحقيقية للإرادة الملكية.
أما من يريد أن يعطي نفسه الحق في استعمال هذه الإرادة لإخافة خصومه
السياسيين أو لابتزاز جيوب أصدقائه فيجب أن يعلم بأنه يحاول إدخال فيل إلى
دكان من الخزف.
المساء
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
تمارين حرة في الخيال/رشيد نيني
تصور أنك كبرت بلا حدّ، إلى درجة أن الناس في الشوارع أصبحوا يظهرون أمامك
مثل قبيلة أقزام كثيري العدد. تصور أن فنجان القهوة الذي تعود على أناملك
تحول ذات صباح إلى قارورة عطر ورش إبطك ثم سلم عليك، وانصرف خارج المقهى
بجريدة في الجيب وابتسامة نصفية.
تصور أن السادسة صباحا، وقتك المفضل على سائر الأوقات، تعثرت في الطريق وسقطت مغشيا عليها في أروقة النهار تاركة الصباح من دون وقت.
تصور أن القبائل القديمة التي تنام في كتب الخزانة البلدية استيقظت من
النوم ونزلت إلى الشوارع واحتلت الأماكن العمومية نكاية بالتاريخ وبالذين
كتبوه على ذلك النحو المضحك.
تصور أنك صغرت بلا حد، إلى درجة أن الناس في الشوارع يتحولون أمامك
إلى جبابرة وأنت مجرد صرصار ضل الطريق بحثا عن قيثارته التي تقول حكاية
«لافونتين» إنها سبب شقائه الدائم فوق الأرض.
تصور أن السعادة تواضعت لأجلك ونزلت من برجها العاجي إلى غاية الحضيض
حيث أنت، ثم ابتسمت لك وانصرفت بخيلاء أمامك، تصور أنك تعقبتها طوال العمر
ولم تظفر بها أبدا، أنك ابتسمت لسنوات طويلة فقط لتبادلك السعادة
الابتسامة، لكن البرج العاجي كان أعلى من لهاثك، فعدت منكسرا إلى الحضيض
حيث تعاستك ومشاريعك المعتادة، تلك التي تبدأ بقراءة الجرائد وتنتهي
بالاشتغال كحكم يفصل في نزاع ينشب بين بنات أفكارك المتعاركة.
تصور كم كانت الحياة ستكون طيبة لو لم تحرص كل هذا العمر على أن
تشبه قنبلة في طرد، لو لم تحرض بنات أفكارك على الانتحار تباعا، ولو لم
تتعود على العيش داخل حذائك كما لو كنت جوربا مهملا.
تصور أن هذا العمر حافلة يسافر على متنها حزمة من الغرباء، يتهامسون
حول الراتب وحليب الرضاعة وتسريحة شعر مذيعة الأخبار، وأنك تقود الحافلة
نحو حافة هائلة والغرباء يتهامسون في غير ما اكتراث بك، وأنت تقترب من
الحافة، تسقط ، تتدحرج، تتهشم عظامك، والغرباء مازالوا يتهامسون حولك.
وعندما تستفيق تجد أنك كبرت كثيرا وأنك لم تقد غير قطيع هزيل من السنوات،
والغرباء الذين تهامسوا حولك طوال الوقت لم يكونوا غير نواياك الطيبة التي
فرشت لك الطريق نحو الهاوية.
تصور لو مرة فتحت ذراعيك لتستقبل الصباح فارتمى المساء فجأة بين أحضانك.
لو مرة فتحت فمك لتتثاءب فتسللت روحك خارجا في نزهة قصيرة باتجاه السماء ولم تعد أبدأ.
لو مرة فتحت ألبوم الصور فوجدت كل الأصدقاء هناك ووجدت مكان صورك الشخصية باقات ورد ذابل.
تصور لو سيكون الليل ثرثارا لو لم يكن أسود البشرة وكم كان النهار
سيكون كئيبا لولا الساعة العاشرة صباحا، موعد وصول صديق عزيز دائما.
تصور لم قرر جندي في خندق ما أن يحرث خط نزاع ويزرع البنادق فارغة من
الطلقات، تصور أن حقلا جميلا سينمو بعد شهر وأن القتلى سيتدلون من الأشجار
بأنوف محمرة وخدود ضاجّة بالدماء. تصور أن القتلى سوف ينضجون مع الصيف
تماما وعوض أن يسقطوا سينزلون واحدا واحدا وسيذهبون إلى مستودعات الموتى
ليستردوا أحذيتهم وساعاتهم وأسماءهم، ثم سينصرفون تباعا إلى زوجاتهم،
وسيحدثون أطفالهم عن جندي وسيم مرتاح البال، الوحيد بين الجنود الذي ينام
دائما مرتاح البال.
تصور كم سيكون عليك أن تحيا مثل كلب، فقط لتُشعر الآخرين بالشفقة والبؤس.
كم سيكون عليك أن تتصاغر وأن تتضاءل لكي تستدين ما يكفي من مال لاقتناء حذاء وكتاب وتذكرة قطار أحيانا.
تصور أنك شاهدت نفسك تعبر الطريق بينما أنت جالس فوق كرسي في الحديقة،
أنك ركضت لتلحق بك وسألت العابرين عن شخص يشبهك مر قبل برهة بينهم. تصور
كيف سينظرون إليك، وقد يبتعدون عنك خوفا من أن تشهر شيئا من جيبك. تصور
حرجك الكبير وأنت تسحب أسئلتك مرتبكا مثل شخص يلملم بحرج كبير نقودا سقطت
منه أمام شباك تذاكر في بلاد بعيدة.
تصور أنك في هذه الساعة تجلس على كرسي في شاطئ مهجور وأن البحر،
إكراما لعزتك، توقف عن المد والجزر وجلس على مبعدة منك، ينتظر أن تكتب
قصيدتك الأخيرة لينصرف لحيتانه ومحاراته وقواربه.
تصور أن القصيدة رفضت أن تنزل ضيفة عليك بسبب كل الضباب الذي يخيم على مخيلتك، وأنك حزين بسبب ذلك وناقم على العالم وعلى مخيلتك.
تصور لو أن قلبك المحطم الذي يشبه أكواخ الشواطئ في فصل الخريف، قلبك
المهجور الذي تصفق الرياح أبوابه ونوافذه ولا تعمره غير الوحشة بأظافرها
الطويلة والعزلة بشعرها المرسل، تصور لو أنك تنظر داخله جيدا.
لو مرة واحدة فقط نظرت داخل هذا القلب وفتشت فيه قليلا، لوجدت أنه
ليس مهجورا كما تظن، أنه لازال ينبض وبمستطاعه أن يخفق أيضا. لو مرة
انتبهت إليه قليلا فقط، لعرفت أن الحب يجلس داخله دائما بانتظارك، كما هي
العادة مع شخص عزيز.
تصور لو أن الأسبوع تخلى عن اليوم السابع واكتفى بالبقية، ماذا كان سيكون رد فعل اليومية المعلقة فوق الجدار.
تصور لو فكرت الجدران بخبث وانهارت أعصابها فجأة. تصور لو أنك تفتح
دولابا فتجد شرطي مرور صغير ينام قرير العين قرب كتاب تعليم السياقة، لو
أنك توقظه وتحمله بين يديك وتذهب به إلى الشرفة ثم تضعه هناك ينمو وتصير
له أوراق عوض الشارات التي على صدره.
تصور أن النافورة تبكي طوال النهار في الساحة العمومية وأن الناس
قساة قلوب يلتقطون الصور بجانبها، وهي تبكي بلا انقطاع، تصور أنك عرفت هذا
الأمر وجذبت أحدهم من ذراعه وهمست له بالأمر الذي عرفت.
تصور لو مرة فكرت في مساعدة الريح التي تدفع الباب بلا طائل وفتحت لها وتركتها تتفضل.
لو مرة تركت للشمس أن تدخل من الشرفة ثم تغافلها وتقفل عليها البيت، فتمكث عندك إلى الأبد.
تصور أن الهاتف لا يرن لأنه يفكر في البحث عن عمل آخر، وأن الرسائل لم تعد تصل إلى بيتك لأنها أصبحت تخونك وذهبت إلى عنوان آخر.
تصور أنك في منتصف العمر ستكتشف كم كنت مفرطا في نياتك الحسنة عندما
أخلصت لأشياء كثيرة، لكأس الحليب قبل النوم، لنشرة أحوال الطقس قبل أن
تغادر فراشك، لأقراص الأسبرين بانتظام. وأنك ضيعت على نفسك فرصة أن تشبه
مثقفا مرموقا عندما أقدمت على حلق شاربك مرة.
تصور أنك تدخل إلى المنزل فتجد الطيور التي كانت في اللوحات المائية
قد طارت إلى غير رجعة، والمياه المرسومة بعناية على هيئة شلالات سالت فوق
الأرض وبللت الأحذية التي في طريقها والأوراق المتناثرة فوق الكنبات
والثياب المبعثرة التي تعطي الانطباع بأنك وحيد.
تصور أنك حكيت هذا الأمر لجميع معارفك، واكتشفت أنه لا أحد منهم يريد
أن يصدق كونك وجدت الريش فوق الأرض والمياه فوق الأرض والثياب فوق الأرض.
تصور...
المساء
مثل قبيلة أقزام كثيري العدد. تصور أن فنجان القهوة الذي تعود على أناملك
تحول ذات صباح إلى قارورة عطر ورش إبطك ثم سلم عليك، وانصرف خارج المقهى
بجريدة في الجيب وابتسامة نصفية.
تصور أن السادسة صباحا، وقتك المفضل على سائر الأوقات، تعثرت في الطريق وسقطت مغشيا عليها في أروقة النهار تاركة الصباح من دون وقت.
تصور أن القبائل القديمة التي تنام في كتب الخزانة البلدية استيقظت من
النوم ونزلت إلى الشوارع واحتلت الأماكن العمومية نكاية بالتاريخ وبالذين
كتبوه على ذلك النحو المضحك.
تصور أنك صغرت بلا حد، إلى درجة أن الناس في الشوارع يتحولون أمامك
إلى جبابرة وأنت مجرد صرصار ضل الطريق بحثا عن قيثارته التي تقول حكاية
«لافونتين» إنها سبب شقائه الدائم فوق الأرض.
تصور أن السعادة تواضعت لأجلك ونزلت من برجها العاجي إلى غاية الحضيض
حيث أنت، ثم ابتسمت لك وانصرفت بخيلاء أمامك، تصور أنك تعقبتها طوال العمر
ولم تظفر بها أبدا، أنك ابتسمت لسنوات طويلة فقط لتبادلك السعادة
الابتسامة، لكن البرج العاجي كان أعلى من لهاثك، فعدت منكسرا إلى الحضيض
حيث تعاستك ومشاريعك المعتادة، تلك التي تبدأ بقراءة الجرائد وتنتهي
بالاشتغال كحكم يفصل في نزاع ينشب بين بنات أفكارك المتعاركة.
تصور كم كانت الحياة ستكون طيبة لو لم تحرص كل هذا العمر على أن
تشبه قنبلة في طرد، لو لم تحرض بنات أفكارك على الانتحار تباعا، ولو لم
تتعود على العيش داخل حذائك كما لو كنت جوربا مهملا.
تصور أن هذا العمر حافلة يسافر على متنها حزمة من الغرباء، يتهامسون
حول الراتب وحليب الرضاعة وتسريحة شعر مذيعة الأخبار، وأنك تقود الحافلة
نحو حافة هائلة والغرباء يتهامسون في غير ما اكتراث بك، وأنت تقترب من
الحافة، تسقط ، تتدحرج، تتهشم عظامك، والغرباء مازالوا يتهامسون حولك.
وعندما تستفيق تجد أنك كبرت كثيرا وأنك لم تقد غير قطيع هزيل من السنوات،
والغرباء الذين تهامسوا حولك طوال الوقت لم يكونوا غير نواياك الطيبة التي
فرشت لك الطريق نحو الهاوية.
تصور لو مرة فتحت ذراعيك لتستقبل الصباح فارتمى المساء فجأة بين أحضانك.
لو مرة فتحت فمك لتتثاءب فتسللت روحك خارجا في نزهة قصيرة باتجاه السماء ولم تعد أبدأ.
لو مرة فتحت ألبوم الصور فوجدت كل الأصدقاء هناك ووجدت مكان صورك الشخصية باقات ورد ذابل.
تصور لو سيكون الليل ثرثارا لو لم يكن أسود البشرة وكم كان النهار
سيكون كئيبا لولا الساعة العاشرة صباحا، موعد وصول صديق عزيز دائما.
تصور لم قرر جندي في خندق ما أن يحرث خط نزاع ويزرع البنادق فارغة من
الطلقات، تصور أن حقلا جميلا سينمو بعد شهر وأن القتلى سيتدلون من الأشجار
بأنوف محمرة وخدود ضاجّة بالدماء. تصور أن القتلى سوف ينضجون مع الصيف
تماما وعوض أن يسقطوا سينزلون واحدا واحدا وسيذهبون إلى مستودعات الموتى
ليستردوا أحذيتهم وساعاتهم وأسماءهم، ثم سينصرفون تباعا إلى زوجاتهم،
وسيحدثون أطفالهم عن جندي وسيم مرتاح البال، الوحيد بين الجنود الذي ينام
دائما مرتاح البال.
تصور كم سيكون عليك أن تحيا مثل كلب، فقط لتُشعر الآخرين بالشفقة والبؤس.
كم سيكون عليك أن تتصاغر وأن تتضاءل لكي تستدين ما يكفي من مال لاقتناء حذاء وكتاب وتذكرة قطار أحيانا.
تصور أنك شاهدت نفسك تعبر الطريق بينما أنت جالس فوق كرسي في الحديقة،
أنك ركضت لتلحق بك وسألت العابرين عن شخص يشبهك مر قبل برهة بينهم. تصور
كيف سينظرون إليك، وقد يبتعدون عنك خوفا من أن تشهر شيئا من جيبك. تصور
حرجك الكبير وأنت تسحب أسئلتك مرتبكا مثل شخص يلملم بحرج كبير نقودا سقطت
منه أمام شباك تذاكر في بلاد بعيدة.
تصور أنك في هذه الساعة تجلس على كرسي في شاطئ مهجور وأن البحر،
إكراما لعزتك، توقف عن المد والجزر وجلس على مبعدة منك، ينتظر أن تكتب
قصيدتك الأخيرة لينصرف لحيتانه ومحاراته وقواربه.
تصور أن القصيدة رفضت أن تنزل ضيفة عليك بسبب كل الضباب الذي يخيم على مخيلتك، وأنك حزين بسبب ذلك وناقم على العالم وعلى مخيلتك.
تصور لو أن قلبك المحطم الذي يشبه أكواخ الشواطئ في فصل الخريف، قلبك
المهجور الذي تصفق الرياح أبوابه ونوافذه ولا تعمره غير الوحشة بأظافرها
الطويلة والعزلة بشعرها المرسل، تصور لو أنك تنظر داخله جيدا.
لو مرة واحدة فقط نظرت داخل هذا القلب وفتشت فيه قليلا، لوجدت أنه
ليس مهجورا كما تظن، أنه لازال ينبض وبمستطاعه أن يخفق أيضا. لو مرة
انتبهت إليه قليلا فقط، لعرفت أن الحب يجلس داخله دائما بانتظارك، كما هي
العادة مع شخص عزيز.
تصور لو أن الأسبوع تخلى عن اليوم السابع واكتفى بالبقية، ماذا كان سيكون رد فعل اليومية المعلقة فوق الجدار.
تصور لو فكرت الجدران بخبث وانهارت أعصابها فجأة. تصور لو أنك تفتح
دولابا فتجد شرطي مرور صغير ينام قرير العين قرب كتاب تعليم السياقة، لو
أنك توقظه وتحمله بين يديك وتذهب به إلى الشرفة ثم تضعه هناك ينمو وتصير
له أوراق عوض الشارات التي على صدره.
تصور أن النافورة تبكي طوال النهار في الساحة العمومية وأن الناس
قساة قلوب يلتقطون الصور بجانبها، وهي تبكي بلا انقطاع، تصور أنك عرفت هذا
الأمر وجذبت أحدهم من ذراعه وهمست له بالأمر الذي عرفت.
تصور لو مرة فكرت في مساعدة الريح التي تدفع الباب بلا طائل وفتحت لها وتركتها تتفضل.
لو مرة تركت للشمس أن تدخل من الشرفة ثم تغافلها وتقفل عليها البيت، فتمكث عندك إلى الأبد.
تصور أن الهاتف لا يرن لأنه يفكر في البحث عن عمل آخر، وأن الرسائل لم تعد تصل إلى بيتك لأنها أصبحت تخونك وذهبت إلى عنوان آخر.
تصور أنك في منتصف العمر ستكتشف كم كنت مفرطا في نياتك الحسنة عندما
أخلصت لأشياء كثيرة، لكأس الحليب قبل النوم، لنشرة أحوال الطقس قبل أن
تغادر فراشك، لأقراص الأسبرين بانتظام. وأنك ضيعت على نفسك فرصة أن تشبه
مثقفا مرموقا عندما أقدمت على حلق شاربك مرة.
تصور أنك تدخل إلى المنزل فتجد الطيور التي كانت في اللوحات المائية
قد طارت إلى غير رجعة، والمياه المرسومة بعناية على هيئة شلالات سالت فوق
الأرض وبللت الأحذية التي في طريقها والأوراق المتناثرة فوق الكنبات
والثياب المبعثرة التي تعطي الانطباع بأنك وحيد.
تصور أنك حكيت هذا الأمر لجميع معارفك، واكتشفت أنه لا أحد منهم يريد
أن يصدق كونك وجدت الريش فوق الأرض والمياه فوق الأرض والثياب فوق الأرض.
تصور...
المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مغرب المتناقضات /رشيد نيني
قد لا يتسع المجال لعقد مقارنات بين زحام ملعب «النهضة» بالرباط الذي زهقت
فيه إحدى عشرة روحا ليلة السبت الماضي، وبين زحام باب سبتة الذي زهقت فيه
روحا امرأتين مغربيتين صباح الاثنين، لكن رغم الفرق بين المكانين والزمنين
فإن ملاحظة كبيرة تفرض نفسها، فالحادثتان تكشفان عن مغربين يسيران بسرعتين
متناقضتين تماما. ففي الوقت الذي يتزاحم فيه مغاربة في الرباط على باب
الخروج من حفل موسيقي صاخب ليلة السبت، ويسقطون في حفرة «نصبتها» لهم
الجهة التي تتحمل مسؤولية الإشراف على الملعب لكي تدوسهم أقدام الجمهور
الجافل، نلاحظ كيف أن مغاربة آخرين يصارعون بعضهم البعض على بوابات مدينة
مغربية محتلة لكي يهربوا من أسواقها سلعا فوق ظهورهم، فيتزاحمون ويدوسون
بعضهم البعض ويموتون تحت الأقدام لإنقاذ اقتصاد المدينة المحتلة من
الاختناق. في الرباط يتزاحم المغاربة على الفرجة والرقص والترفيه، وفي باب
سبتة يتزاحمون على كسرة الخبز المغموسة في الذل. تعدد الزحام والموت واحد.
هذا جزء بسيط من هذا المغرب المتناقض الذي يسير بسرعتين، واحدة
مكوكية وأخرى سلحفاتية. مغرب يدفع للفنانين العالميين الدولار بسخاء ومغرب
يتوسل أبناؤه الخبز على عتبات الجيران.
مغرب متناقض حتى في أسماء أحيائه وساحاته. الساحة التي زهقت فيها
إحدى عشرة روحا يسمونها «النهضة»، فيما الاسم الذي يليق بها بعد سقوط كل
هؤلاء الضحايا في إحدى حفرها هو ساحة «السقطة» وليس «النهضة». أما الحي
الذي استقبل أربع جنازات في يوم واحد بالرباط فاسمه «حي الفرح»، مع أن
الاسم الذي يليق به منذ الآن هو «حي القرح».
من يأتي إلى المغرب ويشاهد كل مهرجاناته الباذخة، التي تحج إليها
الآلاف المؤلفة من البشر، يعتقد أن البلاد بخير والناس تعيش في مأمن من
الضيق. وعندما يذهب إلى باب سبتة ويرى كل تلك الآلاف المؤلفة من البشر
تسير يوميا في صفوف طويلة مثل النمل محملة بأطنان من السلع المهربة، تتحمل
سياط الأمن الإسباني والمغربي، وتسقط تحت الأقدام لتداس حتى الموت، يكتشف
مغربا آخر دفع مسؤولوه أبناءه إلى احتراف تسول لقمة العيش بمهانة على
أبواب الجيران الموصدة.
كثيرون استغربوا كيف أن السلطات العمومية تهاونت في ضمان الأمن
للمتفرجين خلال سهرة «الستاتي» التي تابعها «الشعب»، من أجل توفير الأمن
الكافي لسهرة «ستيفي ووندر» التي حضرها «الألبة» وعلية القوم. وكأن هؤلاء
المستغربين لم يزوروا يوما أحياء السويسي والرياض وبير قاسم لكي يروا كيف
هي محروسة مداخل الأحياء والفيلات الراقية التي يقطنها هؤلاء «الألبة»
بالبوليس ورجال الأمن الخاص. أما أحياء «عكراش» ودوار «الحاجة» ودوار
«الدوم» و«الواد الخانز» ودوار «لاحونا» ودوار «الكرعة» (شوف غير السميات
يخلعوك) فإن الدخول إليها بعد نزول الظلام يحتاج إلى حماية دولية حتى لا
يلعب أحدهم في وجهك بشفرته الحادة.
إن الأمن الذي يهم الداخلية في مغرب اليوم هو أمن البنوك حيث تودع
أموال «الخانزين فلوس». أما الأحياء والشوارع والأزقة المظلمة حيث تودع
أرواح المواطنين البسطاء، فتتكفل بها سكاكين اللصوص وسيوف قطاع الطرق
الذين يتكاثرون بشكل مرعب. لذلك أصبح الجميع يتسلح بسكين في هذه البلاد،
حتى أصبحنا شعبا من حملة السكاكين. ولذلك ليس مستغربا أن الكثير من الجرحى
الذين وصلوا إلى المستعجلات بسبب اختناق ملعب «النهضة»، كانت جراحهم ناتجة
عن دخول سكاكينهم في لحوم بعضهم البعض بفعل الزحام.
في المهرجانات العالمية التي تقام في الساحات العامة، يتم تفتيش
المشكوك في هوياتهم بدقة قبل ولوج الساحات، لأن متهورا واحدا وسط سبعين
ألف متفرج يمكن أن يتسبب في كارثة يموت فيها المئات بمجرد قيامه بحماقة
غير محسوبة.
والداخلية عندما تغلق البنوك التي لا تتوفر فيها معايير السلامة،
فليس فقط خوفا على فلوس «الخانزين فلوس» المودعة بتلك البنوك، وإنما كذلك
خوفا من وصول تلك الفلوس إلى أيد غير أمينة يمكن أن تستعملها في تمويل
عمليات إرهابية. ولهذا كانت الداخلية صارمة في تطبيق قرار الإقفال. فقد
فهمت أن البنوك لا تهتم كثيرا بمعايير السلامة لأنها مؤمنة على السرقة من
طرف شركات تأمين. وشركات التأمين لا تشترط على البنوك الالتزام بدفتر
تحملات صارم في ما يخص الاحتياطات الأمنية. والبنوك بدورها توصي مستخدميها
بعدم مقاومة اللصوص ومنحهم المال الذي يطلبونه بدون تردد. فأصحاب البنوك
يضربون حسابا للتعويضات التي عليهم أن يدفعوها لعائلات مستخدميهم إذا ما
قتلهم اللصوص ولا يضربون الحساب للأموال التي سينهبها اللصوص والتي تعوضها
شركات التأمين. «هاد الشي علاش كانخلصو لاصورانص بزبالة ديال الفلوس كل
شهر» يقول أصحاب البنوك.
إذن، فالحكاية وراء إغلاق البنوك التي لا تحترم المقاييس الأمنية
ليست حكاية حرص على أمن المستخدمين وأموال الزبائن، بقدر ما هي حكاية خوف
من استعمال الأموال المسروقة في تمويل عمليات إرهابية ضد الدولة ومصالحها.
وما نحتاج إليه اليوم في المغرب ليس فقط الحرص على أمن الدولة
والمؤسسات وأحياء «الألبة»، وهذا مطلوب وضروري، بل أيضا الحرص على الأمن
لجميع المغاربة. بما فيه الأمن الغذائي الذي يضطر الآلاف من المغاربة كل
يوم إلى تسول لقمة العيش بمهانة أمام أبواب الجيران.
يجب ألا ننسى أيضا أن رجال الأمن هؤلاء، الذين نطالبهم بضمان الأمن
للمتفرجين والمواطنين، يشتغلون طيلة أيام المهرجانات «بالضوبل»، لكن هذا
«الضوبل» يوجد «فالسوايع» فقط ولا ينعكس على «الصولد» الشهري الذي
يتقاضونه. ولكم أن تتصوروا منظر رجل أمن يقضي الأسبوع كاملا بنفس الثياب
يسمم نفسه بالعيش على ساندويتشات رديئة ويقضي النهار كاملا تحت الشمس وفي
الليل يحرس مداخل الساحات التي يأتي إليها متفرجون أنيقون رفقة زوجاتهم
وأطفالهم، وآخرون أقل أناقة رفقة عائلاتهم، وصنف آخر من المتفرجين لا هم
ينتمون إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا يبحثون عن الفرجة بقدر ما يبحثون عن
«خلا دار بوهم». كيف يمكن أن نطلب من رجل أمن بهذه المواصفات أن يقوم
بواجبه في حماية أمن المواطنين، فيما هو غير قادر حتى على حماية نفسه من
النظر إلى كل هؤلاء المحيطين به كسبب مباشر في محنته.
ولعل أكبر تناقض يسقط فيه منظمو مثل هذه المهرجانات هو عندما يقولون
إن الحفلات الموسيقية التي يقدمونها تدخل في إطار خدمة الثقافة. واضح جدا
أنهم يخلطون الثقافة بالكمنجة. أية ثقافة يمكن أن يقدمها «الستاتي» أو
«الداودية» أو «الداودي» مثلا للمواطنين. والحال أن هؤلاء «الكوامانجية»
صنعوا «مجدهم» في الكباريهات والعلب الليلية وسط السكارى والمخمورين،
وأغلبهم كان يتقاضى، بالإضافة إلى تعويضه، درهما عن كل قنينة بيرة تفتح في
«الكونطوار»، حتى إنهم وظفوا مساعدا متخصصا فقط في إحصاء «الفيتشات» في
نهاية السهرة. إذا كان هؤلاء هم الذين سيساهمون في رفع المستوى الثقافي
للمغاربة فلن يبقى لنا سوى قراءة الفاتحة على روح الثقافة المغربية
المسكينة.
نشرت بعض الصحف خبرا حول تعزية «الستاتي» لعائلات الضحايا الأحد عشر
الذين سقطوا في سهرته. كنت سأنظر إلى هذه التعزية بشكل آخر لو أن
«الستاتي» قرر التبرع بالمبلغ المالي الذي خصصته له إدارة المهرجان لصالح
عائلات الضحايا. وبهذه الالتفاتة كان سيؤسس لتقليد جديد في عالم
«الفنانين» المغاربة الذين احترف معظمهم «التمرضين» في وسائل الإعلام طلبا
للمساعدة والرخص والإكراميات. وهكذا كنا سنسمع أخيرا عن «فنان» مغربي
يتبرع من ماله على الآخرين عوض أن «يتبرع» لوحده من أموال الآخرين.
المساء
فيه إحدى عشرة روحا ليلة السبت الماضي، وبين زحام باب سبتة الذي زهقت فيه
روحا امرأتين مغربيتين صباح الاثنين، لكن رغم الفرق بين المكانين والزمنين
فإن ملاحظة كبيرة تفرض نفسها، فالحادثتان تكشفان عن مغربين يسيران بسرعتين
متناقضتين تماما. ففي الوقت الذي يتزاحم فيه مغاربة في الرباط على باب
الخروج من حفل موسيقي صاخب ليلة السبت، ويسقطون في حفرة «نصبتها» لهم
الجهة التي تتحمل مسؤولية الإشراف على الملعب لكي تدوسهم أقدام الجمهور
الجافل، نلاحظ كيف أن مغاربة آخرين يصارعون بعضهم البعض على بوابات مدينة
مغربية محتلة لكي يهربوا من أسواقها سلعا فوق ظهورهم، فيتزاحمون ويدوسون
بعضهم البعض ويموتون تحت الأقدام لإنقاذ اقتصاد المدينة المحتلة من
الاختناق. في الرباط يتزاحم المغاربة على الفرجة والرقص والترفيه، وفي باب
سبتة يتزاحمون على كسرة الخبز المغموسة في الذل. تعدد الزحام والموت واحد.
هذا جزء بسيط من هذا المغرب المتناقض الذي يسير بسرعتين، واحدة
مكوكية وأخرى سلحفاتية. مغرب يدفع للفنانين العالميين الدولار بسخاء ومغرب
يتوسل أبناؤه الخبز على عتبات الجيران.
مغرب متناقض حتى في أسماء أحيائه وساحاته. الساحة التي زهقت فيها
إحدى عشرة روحا يسمونها «النهضة»، فيما الاسم الذي يليق بها بعد سقوط كل
هؤلاء الضحايا في إحدى حفرها هو ساحة «السقطة» وليس «النهضة». أما الحي
الذي استقبل أربع جنازات في يوم واحد بالرباط فاسمه «حي الفرح»، مع أن
الاسم الذي يليق به منذ الآن هو «حي القرح».
من يأتي إلى المغرب ويشاهد كل مهرجاناته الباذخة، التي تحج إليها
الآلاف المؤلفة من البشر، يعتقد أن البلاد بخير والناس تعيش في مأمن من
الضيق. وعندما يذهب إلى باب سبتة ويرى كل تلك الآلاف المؤلفة من البشر
تسير يوميا في صفوف طويلة مثل النمل محملة بأطنان من السلع المهربة، تتحمل
سياط الأمن الإسباني والمغربي، وتسقط تحت الأقدام لتداس حتى الموت، يكتشف
مغربا آخر دفع مسؤولوه أبناءه إلى احتراف تسول لقمة العيش بمهانة على
أبواب الجيران الموصدة.
كثيرون استغربوا كيف أن السلطات العمومية تهاونت في ضمان الأمن
للمتفرجين خلال سهرة «الستاتي» التي تابعها «الشعب»، من أجل توفير الأمن
الكافي لسهرة «ستيفي ووندر» التي حضرها «الألبة» وعلية القوم. وكأن هؤلاء
المستغربين لم يزوروا يوما أحياء السويسي والرياض وبير قاسم لكي يروا كيف
هي محروسة مداخل الأحياء والفيلات الراقية التي يقطنها هؤلاء «الألبة»
بالبوليس ورجال الأمن الخاص. أما أحياء «عكراش» ودوار «الحاجة» ودوار
«الدوم» و«الواد الخانز» ودوار «لاحونا» ودوار «الكرعة» (شوف غير السميات
يخلعوك) فإن الدخول إليها بعد نزول الظلام يحتاج إلى حماية دولية حتى لا
يلعب أحدهم في وجهك بشفرته الحادة.
إن الأمن الذي يهم الداخلية في مغرب اليوم هو أمن البنوك حيث تودع
أموال «الخانزين فلوس». أما الأحياء والشوارع والأزقة المظلمة حيث تودع
أرواح المواطنين البسطاء، فتتكفل بها سكاكين اللصوص وسيوف قطاع الطرق
الذين يتكاثرون بشكل مرعب. لذلك أصبح الجميع يتسلح بسكين في هذه البلاد،
حتى أصبحنا شعبا من حملة السكاكين. ولذلك ليس مستغربا أن الكثير من الجرحى
الذين وصلوا إلى المستعجلات بسبب اختناق ملعب «النهضة»، كانت جراحهم ناتجة
عن دخول سكاكينهم في لحوم بعضهم البعض بفعل الزحام.
في المهرجانات العالمية التي تقام في الساحات العامة، يتم تفتيش
المشكوك في هوياتهم بدقة قبل ولوج الساحات، لأن متهورا واحدا وسط سبعين
ألف متفرج يمكن أن يتسبب في كارثة يموت فيها المئات بمجرد قيامه بحماقة
غير محسوبة.
والداخلية عندما تغلق البنوك التي لا تتوفر فيها معايير السلامة،
فليس فقط خوفا على فلوس «الخانزين فلوس» المودعة بتلك البنوك، وإنما كذلك
خوفا من وصول تلك الفلوس إلى أيد غير أمينة يمكن أن تستعملها في تمويل
عمليات إرهابية. ولهذا كانت الداخلية صارمة في تطبيق قرار الإقفال. فقد
فهمت أن البنوك لا تهتم كثيرا بمعايير السلامة لأنها مؤمنة على السرقة من
طرف شركات تأمين. وشركات التأمين لا تشترط على البنوك الالتزام بدفتر
تحملات صارم في ما يخص الاحتياطات الأمنية. والبنوك بدورها توصي مستخدميها
بعدم مقاومة اللصوص ومنحهم المال الذي يطلبونه بدون تردد. فأصحاب البنوك
يضربون حسابا للتعويضات التي عليهم أن يدفعوها لعائلات مستخدميهم إذا ما
قتلهم اللصوص ولا يضربون الحساب للأموال التي سينهبها اللصوص والتي تعوضها
شركات التأمين. «هاد الشي علاش كانخلصو لاصورانص بزبالة ديال الفلوس كل
شهر» يقول أصحاب البنوك.
إذن، فالحكاية وراء إغلاق البنوك التي لا تحترم المقاييس الأمنية
ليست حكاية حرص على أمن المستخدمين وأموال الزبائن، بقدر ما هي حكاية خوف
من استعمال الأموال المسروقة في تمويل عمليات إرهابية ضد الدولة ومصالحها.
وما نحتاج إليه اليوم في المغرب ليس فقط الحرص على أمن الدولة
والمؤسسات وأحياء «الألبة»، وهذا مطلوب وضروري، بل أيضا الحرص على الأمن
لجميع المغاربة. بما فيه الأمن الغذائي الذي يضطر الآلاف من المغاربة كل
يوم إلى تسول لقمة العيش بمهانة أمام أبواب الجيران.
يجب ألا ننسى أيضا أن رجال الأمن هؤلاء، الذين نطالبهم بضمان الأمن
للمتفرجين والمواطنين، يشتغلون طيلة أيام المهرجانات «بالضوبل»، لكن هذا
«الضوبل» يوجد «فالسوايع» فقط ولا ينعكس على «الصولد» الشهري الذي
يتقاضونه. ولكم أن تتصوروا منظر رجل أمن يقضي الأسبوع كاملا بنفس الثياب
يسمم نفسه بالعيش على ساندويتشات رديئة ويقضي النهار كاملا تحت الشمس وفي
الليل يحرس مداخل الساحات التي يأتي إليها متفرجون أنيقون رفقة زوجاتهم
وأطفالهم، وآخرون أقل أناقة رفقة عائلاتهم، وصنف آخر من المتفرجين لا هم
ينتمون إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا يبحثون عن الفرجة بقدر ما يبحثون عن
«خلا دار بوهم». كيف يمكن أن نطلب من رجل أمن بهذه المواصفات أن يقوم
بواجبه في حماية أمن المواطنين، فيما هو غير قادر حتى على حماية نفسه من
النظر إلى كل هؤلاء المحيطين به كسبب مباشر في محنته.
ولعل أكبر تناقض يسقط فيه منظمو مثل هذه المهرجانات هو عندما يقولون
إن الحفلات الموسيقية التي يقدمونها تدخل في إطار خدمة الثقافة. واضح جدا
أنهم يخلطون الثقافة بالكمنجة. أية ثقافة يمكن أن يقدمها «الستاتي» أو
«الداودية» أو «الداودي» مثلا للمواطنين. والحال أن هؤلاء «الكوامانجية»
صنعوا «مجدهم» في الكباريهات والعلب الليلية وسط السكارى والمخمورين،
وأغلبهم كان يتقاضى، بالإضافة إلى تعويضه، درهما عن كل قنينة بيرة تفتح في
«الكونطوار»، حتى إنهم وظفوا مساعدا متخصصا فقط في إحصاء «الفيتشات» في
نهاية السهرة. إذا كان هؤلاء هم الذين سيساهمون في رفع المستوى الثقافي
للمغاربة فلن يبقى لنا سوى قراءة الفاتحة على روح الثقافة المغربية
المسكينة.
نشرت بعض الصحف خبرا حول تعزية «الستاتي» لعائلات الضحايا الأحد عشر
الذين سقطوا في سهرته. كنت سأنظر إلى هذه التعزية بشكل آخر لو أن
«الستاتي» قرر التبرع بالمبلغ المالي الذي خصصته له إدارة المهرجان لصالح
عائلات الضحايا. وبهذه الالتفاتة كان سيؤسس لتقليد جديد في عالم
«الفنانين» المغاربة الذين احترف معظمهم «التمرضين» في وسائل الإعلام طلبا
للمساعدة والرخص والإكراميات. وهكذا كنا سنسمع أخيرا عن «فنان» مغربي
يتبرع من ماله على الآخرين عوض أن «يتبرع» لوحده من أموال الآخرين.
المساء
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 4 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
صفحة 4 من اصل 7
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى